قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

فتح جفونه بتثاقل وهو يعدل من نومته الغير مريحة ويتأوه بخفوت وهو يحاول تدليك رأسه محاولة منه تخفيف ذلك الصداع اللعين الذي يفتك به أثر الكحول ليلعن تحت انفاسه و يجول بعينه في أرجاء الغرفة يرى الفوضى العارمة التي حلت بها، ومن بعدها نهض بعصبية وهو يسب بفجاجة؛ فقد فطن للأمر تلك الحسناء من قامت بخداعه وسرقته.
بحث عن هاتفه محاولة منه مهاتفة أحد رجاله
لكن دون جدوى لم يجده ليصرخ بوعيد.

يا بنت ال، وحياة أمك ما هسيبك مبقاش أكمل الصرفي إما سففتك تراب الأرض...
تناول الهاتف الأرضي وهاتف جاسم ذراعه اليمين وأخبره ما حدث بإيجاز وأكد عليه أن يحضر له على الفور وبالفعل في غضون دقائق كان ماثل أمامه قائلًا:
متقلقش يا باشا هجيبهالك من تحت الأرض بس يظهر أنها مكنتش لوحدها ده تخطيط عصابي
رد عليه أكمل وهو يستشيط غضبًا: اتصرف أنا عايز البت دي بأي شكل انت فاهم.

تحت أمر حضرتك بس لازم أعرف تفاصيل أكتر علشان اقدر افيدك وبعدين نبلغ البوليس
نفى أكمل بسبابته يرفض الأمر هادرًا: لأ بوليس لأ، انا مش عايز شوشرة
شعر جاسم بغرابة الموقف ولكنه رد بطاعة: اللي تشوفه يا فندم
زفر أكمل بنفاذ صبر وأمره بحدة مبالغة: طيب خلصني و اترزع علشان احكيلك
إنصاع جاسم له بينما أخذ أكمل يقص عليه ما حدث بالأمس والآخر يستمع له بانتباه إلى أن انتهي، ليعقب جاسم بعدها:.

تمام ياباشا انا هشوف تسجيل الكاميرات بتاعة الشقة علشان نعرف شكلها ولو ليها ملف وطلعت سوابق اكيد هنعرف
نوصلها
ضحك أكمل وقال ساخرًا من ذاته قبل أي شيء: وانت فكرك هي مكنتش مغيرة شكلها الحقيقي.

هنحاول يا فندم يمكن نوصل لحاجة ولو ربنا بيحبنا تحاول تفتح التليفون بتاع سعادتك ساعتها نقدر نحدد مكانها بالظبط عن طريق المختص وكمان داخلة العمارة فيها كاميرات هنقدر نعرف مين دخل ومين خرج أومأ له أكمل بتفهم وشدد عليه:
اهم حاجة تتصرف و تجبهالي بأي شكل بنت ال دي استغفلتني وضربتني على قفايا بس على مين وحياة امها هجيبها.

في مشفى الجارحي كان يخطو خطوات عملية ثابتة لمعاينة أوضاع المرضى ويتتبعه فريق من الأطباء، فكان يعطي أوامره وملاحظاته برسمية إلى أن وصل إلى غرفة ذلك المريض ذو الشخصية المرموقة والمعروف عنه أنه زير نساء.
وقف على أعتاب غرفته يؤشر للحارس الذي يقف على باب الغرفة كي يفسح له المجال ليدخل لعنده وإن استجاب الحارس دخل هاشم بخطوات ثابتة واردف بعملية.

وهو يتتطلع للوح المعدني الذي يسجل عليه الملاحظات الخاصة بالمريض: صباح الخير، اخبارك ايه النهاردة؟
أجابه المريض حامدًا: الحمد لله يا دكتور هاشم احسن انا مش عارف اشكرك ازاي انت والدكتورة مي
رفع رأسه بانتباه عند ذكر أسمها ثم عقد حاجبيه باستفهام متسائلًا: دكتورة مي!
وضح له دون أن يعير وقع كلماته عليه: ايوة انا كنت تعبان جدًا أمبارح وعطيتني مسكن قوي ريحني و عرفت انام.

اغمض هو عينه بقوة غاضبًا من فعلتها، ثم تدارك ذاته وباشر في معاينته الى أن أنتهي، لينصرف إلى مكتبها والغضب يتأكله فهي مثل ما عهدها لا تحترم حديثة وتضرب به عرض الحائط، دلف الى مكتبها بعصبية وتحدث وعيناه تقدح بالغضب:
انتِ ازاي تعصي كلامي هو انا ايه مليش لازمة؟
نهضت من مقعدها و أغلقت الباب بتعجل تخشي أن يستمع أحد لصراخه بها فأهم شيء لديها هو شكلها الاجتماعي وأردفت معاندة اياه:.

انت أزاي تعلي صوتك كده عليا انت نسيت نفسك ولا ايه؟
اعتلي جانب فمه بابتسامة ساخرة من فعلتها وهدر: انا مش نبهت عليكي الف مرة بلاش تدخلي للمريض بتاع غرفة 36بتعصيني ليه، ده واحد مش سهل وسمعته زي الزفت.

اجابته مي بكل كبرياء: اسمع يا دكتور انا مش مُلزمة اعمل حاجة انا مش مقتنعة بيها واجبي المهني حتم عليا اتعامل معاه ده كانت حالته صعبة جدًا والمسكن اللي حضرتك كتبتهوله مش مأثر معاه وكان لازم اتصرف، انا معنديش استعداد اشوف واحد محتاج مساعدة ومساعدوش علشان جنابك غيران
زمجر غاضبًا و رفع سبابته بوجهها بتحذير: لأخر مرة يا مي هنبه عليكي ألتزمي بتعليماتي وبلاش تعاندي.

تحذيره اغاظها بشدة وجعلها لم تدرك إلا وهي تصرخ بشراسة: انت فاكرني بشتغل عندك المستشفى دي بتاعتي زي ما هي بتاعتك ومش علشان انت جوزي هسمحلك تقلل مني يا دكتور
هز رأسه بيأس وبعدم رضا فهي عنيدة جدًا ولا تقبل المساس بكبريائها ويعلم أن مهما حدث لها لا تستمع، ليتنهد بعمق وهو يدلك عنقه محاولًا تهدئة نفسه ليستأنف بيأس:
ماشي يا مي أنا مش هجادل معاكي دلوقتي ولينا كلام تاني في البيت.

لتكتف يديها على صدرها وتتحدث بعدما تمكن منها كبريائها: بيت ايه يا دكتور بعد ما عليت صوتك عليا!
انا مش هروح معاك انا هروح بيت اهلي
أغمض عينه محاولة منه تهدئة إنفعاله فهي تعلم كيف تصعب عليه الأمر وتستغل تعلقه الزائد بها.

ثم خطى نحوها وحاوطها بيده بعدما استعاد شيء من هدوئه: حبيبتي اعذريني انا بغير عليكِ من الهوا بس انتِ بتخرجيني عن شعوري ليحتضنها بقوة وهو يمرر يده بخصلاتها البنية بحميمية يحاول أن يجعلها تلين وتتفهم الأمر ولكنها دفعته عنها وهدرت بسخط:
انا مش قابلة اعتذارك يا دكتور عن اذنك ذلك أخر ما نطقت به قبل ان تسحب حقيبتها وتنصرف تحت نظراته اليائسة.

ظل ينظر لصديقه بترقب ينتظر حديثه فهو يطالعه بصمت و يقلب ذلك القلم بين أصابعه، يقسم انه يخشى ذلك الصمت كثيرًا فهو عندما يصمت يعلم أنه في أخطر مراحل الغضب فقد حاول أن يخفف حدة الأجواء قائلًا:
ايه يا صقر انت هتتحول ولا ايه بتبصلي كده ليه؟
أجابه صقر بهدوء مريب: البنت اللي برا دي انت اللي مشغلها
اه يا صقر مالها دي حتى جامدة.

هز رأسه ونهض يجلس مقابل له وتحدث بتهكم وبنبرة اجفلت الآخر: طالما هي عجباك يبقى تعمل الشويتين بتوعك دول بره مش هنا انا مش فاتح الشركة دي علشان سيادتك تلطف وتعطف
مرر أكرم يده بخصلاته البنية ورد محرجًا: متكبرش الموضوع يا صقر إنت عارف، انا بهزر
اجفله صقر منفعل: كبير بالنسبالي انا مش بحب التهريج ده وانت عارف.

نكس أكرم رأسه ولم يجب ليزفر صقر بضيق لهيئته وحاول أن يهدأ اعصابه كي لا يزيدها عليه ثم ربت على ساقه وتحدث برزانة:
يابني اكبر بقى و ارسي على بر هتفضل طول عمرك كده من قصة لقصة
قال أكرم ببسمة عابرة: انا مبسوط كده وبعدين البت شكلها حطة عينها عليك انت يا نمس لتندثر حالته السابقة وكأنها لم تكن وهو يختم حديثه بغمزة من عينه ذات مغزى جعلت صقر.

يهز رأسه بلا فائدة قائلًا: مفيش فايدة، انت باين عليك اتجننت انت عارف انا مليش في العك والبت دي شكلها مش مظبوط
رد اكرم بخفة: هي اه شكلها مش مظبوط بس بذمتك مش جامدة وعجبتك
قبض صقر على ياقة قميصه وتحدث متهكمًا: مين دي اللي تعجبني انت فاكرني زيك رمرام دي لابسة من غير هدوم انا مش عارف هي مفكرة انها في نادي ليلي ولا في شركة محترمة
عقب اكرم راجيًا: متبقاش خنيق بقى يا صقر وسيبها تمتع عنينا.

جز صقر أضراسه وتحدث من بين اسنانه محذرًا: عارف يا زفت لو محترمتش نفسك ونقلتها من هنا هعمل فيك ايه؟
تأهب أكرم بنظراته ليستأنف هو متوعدًا: هعلقك من قفاك على باب الشركة علشان تكون عبرة لغيرك
أنكمش اكرم بذعر فهو يعلم ان صقر لا يحيد عن قراراته
ليهمهم بطاعة متراجعًا: حاضر يا صقر هعملك اللي انت عايزه بس بالله عليك بلاش موضوع التعليق ده هيبقى شكلي وِحش.

ليضيف صقر بتحذير صارم وهو يعود لخلف مكتبه يباشرعمله: اكرم انا مش بهزر اللي قولته يتنفذ وتحترم نفسك وتجيبلي راجل يمسك مكانها فاهم
حاضر، حاضر
ذلك أخر ما نطق به قبل أن ينصرف يحاول استرداد ثباته وهو يخطو نحو مكتب لمار التي تتفحص أحد الملفات ليتحمحم ويقترب منها ويقول محايدًا:
بقولك ايه يا لمار أيه رأيك تشتغلي في قسم التسويق
رفعت حاجبها وردت: ليه انا مرتاحة هنا هو حصل حاجة مني!

مرر اكرم اصابعه بشعره وهدر قائلا: بصراحة مستر صقر أمر بنقلك هناك بس اوعدك ترتاحي فيه أكتر من هنا
استنتجت لمار: شكلي مجتش على هواه ده مستر صقر بتاعكم ده شكله صعب اوي على العموم شكرًا على اهتمامك يا مستر اكرم
هز اكرم رأسه بقلة حيلة وهم بالانصراف إلى مكتبه لتتأفف هي وتتناول هاتفها وتقوم بالاتصال به على هاتف احد رجاله ليأتيها صوته الغاضب هادرًا بحدة:
عايزة ايه انتي كمان؟

ردت لمار بخفوت تخبره بأخر المستجدات: نقلني من مكتبه والموضوع باظ على الأخر
اجابها الطرف الأخر: تلاقيكي اتغبيتي غوري اقفلي ومتتصليش بيا تاني
لتنظر للهاتف بضجر بعد إغلاقه الخط وتمط فمها وهي تهمس بضجر: وانا اعملك ايه بقى انا كان مالي ومال الزفت ده من الأول.

في صباح اليوم التالي كانت نائمة في فراشها المتهالك بكسل نظرًا أنها لم تنال القسط الكافي من الراحة بسبب كوابيسها المتكررة. فقد انتفضت بفزع تشهق بقوة حين غمرتها المياه واغرقت فراشها لترمش لعدة مرات تستوعب ماحدث تزامنًا مع ضحكات أبيها الذي يطلقها بتشفي وبيده دلو المياه الذي افرغ محتواه عليها لتوه:
قومي يا سنيورة عايز اطفح كل ده نوم فاكرة نفسك هانم يا روح امك.

نهضت من الفراش وهي تنتفض وتحاول إخفاء هلعها حتى لا تثير سخريته وتحدثت بنبرة مهزوزة:
اصلي معرفتش انام طول الليل
رد عزت ساخرًا: ليه يا سنيورة بتحبي جديد
رفعت عيناها واردفت بقلة حيلة: سِبت الحب لصحابه انا مش بتاعة حب
انا هروح اعملك الاكل بس اغير هدومي الاول
ضحك هازئاً وهو يخرج من الغرفة لتغلق بابها وتحتضن نفسها فقد بدأت بالارتعاش بقوة لتهم باستبدال ملابسها.

وبعد بضع من وقت جلسوا على المائدة ثلاثتهم يتناولون الطعام ليتحدث أبيها بسخط وهو يطالع الطعام:
هو ايه كل يوم فول ما تبحبحي ايدك يا بت هو انتي بتقطعي من لحمك.

ابتسمت بسخرية على تبجحه فهو رغم ما يجنيه من نهيباته وأفعاله الموثومة لا ينفق قرش واحدًا داخل المنزل معتمدًا عليها أن تدبر أمرها بمرتبها الزهيد التي تتقاضاه من عملها بأحد المصانع القريبة منهم؛ ورغم ذلك هي لم تعترض بتاتًا فهي لاتريد أن تطعم شقيقتها بماله المدنث حتى نهيباته لم تمسس منها شيء فبرغم ماهية أفعالها التي تجعلك تظن بها السوء إلا أنها يكمن بداخلها قيم ومبادئ دفينة زرعتها بها والدتها الراحلة، لذلك تنهدت وردت على سخطه المعتاد:.

دة اللي بعرف اجيبه بالحلال
لو انت عايز حاجة هات لنفسك إنما انا واختي مش هنأكل غير بفلوسي الحلال
رد عزت بسماجة يستفزها: بتسمي الملاليم اللي بتخديها من المصنع دي فلوس يا سنيورة
انا مش عارف ايه كيفك في كده ده انتِ يابت لو خدتي نصيبك من السريقة هتتنغنغي بس اقول ايه وش فقر
اعترضت فتون بأصرار: الله الغني عن فلوسك الحرام انا لو بساعدكم فبيكون غصب عني وانت عارف ليه.

وهنا قاطعتهم فرحة بعدم فهم: انا مش فاهمة حاجة انتم بتتكلموا عن ايه؟
استأنف عزت بتبجح يخرسها: اخرسي انتِ ملكيش دعوة انا بكلم السنيورة أومأت فرحة ولاذت بالصمت لترفع فتون يدها وتربت على ظهرها بحنان وهي تطالع ابيها بترجي أن لا يتفاقم بالحديث أكثر، ولكنه زادها بقوله متهكمًا:
قلبك عليها اوي يا سنيورا قطعتي قلبي يا بت ليستأنف بتحذير: اعملي حسابك تراضي جمال بكلمتين
هزت رأسها بالنفي.

واستمرت بالأكل بلا مبالاة فهي تعلم إن تبجحت أكثر سوف ينهال عليها وهي لا ينقصها فيكفي اهانته لها وحديثه اللاذع الذي ينبش بقلبها؛ فهي تكاد تقسم أن هذا العزت لايمت لها بصلة فكيف لاب أن يكون بجحوده هذا قاطع افكارها صياحه بها:
ماشي يا روح امك عملالي طارشة انا هعرفك أزاي مترديش عليا.

وهنا انتفض من جلسته ينقض على شعرها بغل يلفه حول يده بإحكام حتى لا تستطيع التملص من قبضته وانهال على وجهها بالصفعات الموجعة تحجرت دمعاتها بعيناها وهي تشهق بألم وتحاول حماية وجهها بيدها، لحين اندفعت فرحة تخلص شقيقتها من براثنه تتوسله:
خلاص يا بابا حرام دي معملتش حاجة علشان خاطري.

ليستأنف عزت بغل: وهي عينتك محامية عنها ملكيش دعوة انتِ غوري من وشي لترجوه من جديد وهي تطالعه يخلع حزامه وينوي جلد شقيقتها لتصرخ وتجهش بالبكاء وتتمسك بيده الممسكة بالحزام وتقبلها راجية:
ابوس ايدك يا بابا سيبها علشان خاطري هتعملك اللي انت عايزه ليتناوب نظراته بينهم بإشمئزاز وينفضها عنه لتسقط بأحضان شقيقتها ويهدر بضجر:
جاتكم القرف عكرتوا صباحي غورو من وشي انتِ وهي.

سحبت فرحة فتون ودلفت بها الى الغرفة، وحين اغلقت الباب انزلقت فتون على الأرض بضعف واطلقت سراح أنفاسها وهي تنتفض، ربتت شقيقتها على ظهرها بحنان وتحدثت من بين دمعاتها:
معلش يا فتون امسحيها فيا عيطي يا فتون متفضليش ساكتة كده عيطي انا عارفة انك بثمثلي انك قوية وانتِ أضعف من كده بكتير.

لتنصاع فتون لها و تطلق سراح عبراتها وهي تدس نفسها بأحضان شقيقتها فرغم صغر سن شقيقتها إلا أنها تحتويها دائمًا وتخفف عنها وتكون سند وعون لها.

ظلت مي تتأفف وهي تنهض من الفراش فهي لم تستطيع النوم طيلة الليل لا تعلم السبب بررت لنفسها أن من الممكن أن الفراش غير مريح ولكن سابقًا كانت تنعم بنوم هنيء به، زفرت في ضيق وهي تفتح خزانتها تبحث عن ملابس آخري ترتديها لتستقر زيتونتها على ذلك الصندوق الخشبي المزخرف الصغير التي كانت تدسه بين ملابسها، هدئت ملامح وجهها وهي تتحسسه باشتياق وتسحبه بحذر من مكانه وكأنه أثمن ما لديها لتجلس على الفراش وتقوم بفتحه و تتلامس محتوياته ببسمة هادئة قبل أن تسحب تلك الرسالة المطوية تمرراناملها على الأسطر وكأنها تلامس ملامح صاحبها ذلك الذي فارقها منذ زمن بسبب تسلط أبيها ورفضه له الى أن سأم وغادر البلاد ليرغمها أباها من الزواج بابن عمها هاشم حتى يحافظ على ملكياتهم ومصالحهم المشتركة تعلم أن هاشم شخصية حنونة ويعشقها حد الجنون ولكن هي لم تتخطى شعور الاعتياد عليه، نفضت افكارها وهي تعيد الصندوق مكانه بعد ما استمعت لصياح والدتها:.

قومي يا مي اتأخرتي على شغلك يا بنتي
حاضر يا ماما انا صحيت اهو عشر دقايق وجايه
ارتدت ملابسها السابقة بتأفف وخرجت تتناول الفطور مع والدتها، ثم انحنت بجذعها وقبلت جبين والدتها وجلست مقابل لها وهي تلقي عليها تحية الصباح:
صباح الخير ياماما
اجابتها هنية ببسمة حانية: صباح الخير شكلك ما نمتيش كويس وشك تعبان
ردت مي وهي تشرع في الأكل: لا ابدًا نمت، عادي يا ماما.

عقبت هنية بشك: بطلي يا مي انا حفظاكِ انا طول الليل شايفة نور اوضتك والع
ردت مي بلامبالاة: يمكن علشان مغيرة مكان نومي اللي اتعودت عليه
ردت هنية بتهكم: ويمكن علشان جوزك مش جنبك؟
حانت من مي بسمة مستخفة ساخرة واستنكرت: جوزي ايه بس يا ماما ده أنا ما صدقت يوم اترحمت منه ده بيفضل مكلبش فيا طول الليل كاتم على نفسي.

ابتسمت هنية واردفت: هاشم طيب وبيحبك وبعدين مش احسن ما يديكي ظهره زي باقي الرجالة ده أنتِ مفترية ده بيتمنالك الرضا ترضي
تأففت هي بضجر: ماما الله يخليكي متبتديش بالأسطوانة اللي انا تقريبًا حفظتها
عقبت هنية بضيق: انا غلطانة إني بوعيكي يابنتي علشان خاطر ربنا نفسي تريحي قلبي قبل ما اموت و اشوفلك حتة عيل.

اعترضت على حديث والدتها وهي تقلب عيناها بملل: يووه تاني السيره دي قولتلك انا مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي لسه بدري
زجرتها هنية بنظراتها الغير راضية هادرة: بدري، ده انتوا متجوزين من خمس سنين هتفضلي تأجلي لغاية امتى جوزك من حقه انه يبقى اب ليه حرماه وحارمة نفسك، هو لو ساكت فعلشان بيحبك.

فاض الكيل بها فشعرت بغصة مريرة تتكون بحلقها وهي تصف معناتها: مش عايزة، مش عايزة اجيب عيال منه يا ماما ارتحتي مش بحبه وانتِ اللي فرضتيه عليا انتِ وبابا الله يرحمه علشان مصالحكم بعد ما رفضتوا الراجل الوحيد اللي، صفعة قوية قطعت حديثها الناقم من يد والدتها، فكانت مصدومة تضع يدها على وجنتها وهي تطالع نظرات التحذير من والدتها أثناء صراخها:.

أخر مرة اسمعك تقولي كده انتِ فاهمة خسارة تربيتي فيكِ، عارفة لو متصلحش حالك يا مي ورجعتي لجوزك وراضيتي بعيشتك ونصيبك لا انتِ بنتي ولا عايزة اعرفك وتنسي أن ليكِ أم من الأساس
نظرت مي لها نظرة مطولة بعيون تجمع الدمع بها ولكن كعاهدتها أبت اطلاق سراحها، ثم بكل ثبات سحب حقيبتها وانصرفت دون التفوه ببنت شفه.

في قصر العزازي كان يجلس صقر برفقة والدته يتناولون الفطور بصمت مريب لتقطع هند هذا الصمت وهي تطالعه يتفحص الجريدة باهتمام:
وبعدين هتفضل تتجنبني كده كتير
تنهد وهو يلقي بالجريدة جانبًا وأجابها: مش بتجنبك يا امي انا بس بحاول استوعب الوضع الجديد
الموضوع مش مستاهل يا صقر
ابتسم ورد ساخرًا وهو ينهض: فعلًا عندك حق مش مستاهل.

لتتحدث هند بنبرة ودودة مصطنعة تحاول استعطافه بها: كده برضو يا صقر بتزعلني وتعلي صوتك عليا
زفر صقر بضيق وهو يميل عليها يقبل يدها قائلًا: حقك عليا يا امي انا بس خدت على خاطري انك مخديش رأي في جوازك.

ردت هند بتبرير وهي تطالعه مصطنعة التأثر: انا عملت كده علشانك يا حبيبي انت ابني اللي طلعت بيه من الدنيا بعد ما استحملت ذل وهوان ابوك ليا جاي دلوقتي تعترض على قراراتي اغمض عينه بضيق فهي تذكره من جديد بقسوة أبيه وتحمله هو اعباء ماضي أليم بالنسبة لها ليستأنف بعدما تفوقت في أن تجعل الندم يتسلل إليه:
انا اسف يا امي حقك عليا
ليلثم جبينها بحنان ويستطرد قائلًا: انا همشي علشان اتأخرت.

استني انت رايح فين مش هتستني فدوة تصبح عليها دي بقالها كذا يوم ماشفتكش انت ليه مش بتهتم بيها دي كلها كام يوم وتبقي مراتك
تنهد صقر ورد عليها مبررًا: الايام دي مشغول عندي مشروع جديد أخد كل وقتي
لتهدر هند بتحكم: ok يا صقر ياريت بعد ما تفضي تحضرو لفرحكم كفاية كده بقالكم سنتين مخطوبين.

أومأ بتفهم وهو يستمع لحديثها المتسلط فهي من فرضت الأمر عليه؛ هو لا يعيب ابدًا ببنت خالته التي تربت امام عينه بعد وفاة والديها بالعكس فهي حنونة ومسالمة وغير ذلك تتفهمه ولا تتحامل على مشاعره ولكن شعوره نحوها هو الارتياح والتفهم فقط، قطع افكاره تدلي فدوة من الدرج بطلتها البسيطة التي تبعث الراحة للعين وتلك الابتسامة المشرقة تعتلي ثغرها تتحدث بهدوء:
صباح الخير.

ردو التحية بود لتستأنف هي: انا حظي حلو اني شوفتك قبل ما تخرج يا صقر
ابتسم لها وهو يربت على يدها
ورد بنبرة هادئة: انا حظي احلي، رايحة فين وايه الحلاوة دي
ابتسمت بخجل على اطرائه فهو نادرًا ما يفعل وردت: مرسي يا صقر، ليربت على ذراعها بحنان وهو يطالع خجلها لتستأنف هي: كنت رايحة السنتر في زبونة عايزة تصميم النهاردة ولازم انا اكون موجودة بنفسي.

قاطعتهم هند بتهكم: والله ما انا عارفة ايه لزمت الزفت السنتر ده فيها ايه يعني لو اشتغلتي مع صقر
ردت فدوة مبررة: انا حابة ابني اسمي لوحدي وبعدين السنتر بيسليني يا خالتو مش احسن من قعدة البيت انتِ عارفة انا بحب التصميم أد ايه
تحدث صقر وهو يطالع ساعة يده: طيب انا اتأخرت لازم امشي تحبي اوصلك يا فدوة
لا يا صقر شكرًا انا هاخد عربيتي علشان هروح اشوف مي الأول.

أومأ لها وهو يطبع قبلة حنونة على جبهتها وانصرف بتعجل كعادته بينما تنهدت وهي تسحب المقعد وتجلس لتناول الفطور
و تلاحظ نظرات خالتها المتفحصة التي صحبتها بحديثها المتعالي وهي تشملها من رأسها لأخمص قدمها:
انا زهقت منك لغاية امتى هقولك طوري من لبسك بذمتك ده منظر يليق بخطيبة صقر العزازى
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تطالع هيئتها وتحدثت بثقة زائفة: ماله لبسي يا خالتو انا بحب الاستيل البسيط ده ومش هغيره.

عقبت هند بتكبر لم يروق لفدوة يومًا: انتي عايزة تنقطيني دي الشغالة بتاعتي اشيك منك
تنهدت فدوة بضيق وهي تطرق برأسها: على فكرة يا خالتو البني ادم مش بلبسه
لتهتف هند وهي تقلب عيناها بسام: انتِ حرة انا عايزة مصلحتك اعملي حسابك الفرح قريب انا كلمت صقر وهو وعدني.

اومأت فدوة لها بتفهم وببسمة باهتة لم تصل لعيناها تدل على أنها مسلوبة الإرادة ولا تستطيع المعارضة ثم نهضت بعد أن فقدت شهيتها بالكامل وهمت بالانصراف دون إضافة شيء يذكر.

توقفت بسيارتها أمام المشفى وهي تحاول أن تستعيد ثباتها فتلك الصفعة كانت كافية لتؤلم قلبها وتزلزل كيانها، ترجلت من السيارة وهي تأخذ نفس عميق محاولة منها أن تسترد تلك الثقة المزعومة ثم تقدمت بخطوات غرورة الى مكتبها وإن ولجت ارتمت على المقعد شاردة الى ان اتاها طرقات خافتة انتشلتها من أفكارها، لتستقيم بجلستها وتأذن للطارق بالدخول إذا بفدوة تهتف وهي تشرأب برأسها:
ممكن اعطل الدكتورة المبجلة شوية.

رحبت مي بها: تعالي يا فدوة وحشتيني نهضت وتقدمت منها وحضنتها بود فهي صديقة طفولتها التي لم تؤثر على صداقتهم مرور السنوات رغم اختلاف طباعهم لتستأنف فدوة بعد ما طالعت وجهها بقلق:
شكلي جيت في وقتي مالك شكلك متضايقة!
ردت مي باستنكار تدعي الثبات: مليش عادى متشغليش بالك
لتجلس على مقعدها وهي تتهرب بنظراتها من صديقتها لتتأفف فدوة وهي تنهرها: مش عليا انا حفظاكي قوليلي في ايه؟

تنهدت مي وتحدثت بضيق فلا مفر من نكرانها فصديقتها تعلمها تمام المعرفة: شديت مع ماما قبل ما أجي
طب وايه الجديد انتم علطول مش بتتفقو
ردت مي بحنق: الجديد أنها مدت ايدها عليا
شهقت فدوة بتفاجئ وتسائلت: عملتي ايه اوعي تكوني، لتقاطعها مي بحدة فهي تعلم ما ترمى إليه صديقتها بالحديث:
قولتلها، يا فدوة على اللي في قلبي قولتلها
همهمت فدوة تؤنبها: ليه كده يا مي إحنا مش قفلنا الموضوع ده من زمان.

هدرت مي بسخط: ده بالنسبالكم أما انا عمري ما هنسى
تنهدت فدوة بقلة حيلة فهذه المرة الألف التي تحاول أن تقنعها: يا مي، هاشم مش وِحش والله ده بيحبك انتِ محاولتيش تدي لنفسك فرصة تحبيه وبعدين خلاص مازن حكايته خلصت مستحيل يكون قاعد على ذكراكي، حاولي يا مي تقربي من جوزك وتتقبليه وتشيلي الكلام ده من دماغك.

لتنهض مي وتتحدث بعصبية متسرعة تشبه القطار في إندفاعه: يووه بدل ما تنصحيني وتعمليلي مُصلحة اجتماعية قولي الكلام ده لنفسك
ابتلعت فدوة ريقها بتوتر وهي تتمسك بالقلادة المحاوطة عنقها بقوة وكأنها تستمد منها الثبات وهمست:
انتِ قصدك ايه؟

ضحكت مي بسخرية قالت دون أن تعير وقع حديثها على صديقتها: قصدي انتِ عايشة على وهم كبير مخطوبة لواحد وقلبك مع واحد تاني رماكي من غير حتى ما يديكي مبرر واحد ورغم ده لسه بتحبيه بأمارة السلسة بتاعته اللي عمرها ما فارقتك فكراه هيرجعلك راكع بعد ما محاكي من حياته باستيكة، غبية قبل ما تلوميني لومي نفسك.

كانت تستمع لها والدموع متحجرة بعيناها فهي محقة في كل حرف تفوهت به رغم قسوة الكلمات التي أصابت صميم قلبها إلا أنها ردت عليها مطصنعة الثبات:.

انتِ عندك حق فكل كلمة قولتيها انا غبية بس انا معنديش الجرأة اللي عندك علشان اقف قصاد خالتو وقولها انا مش هتجوز صقر مقدرش انا مش ناكرة للجميل انا عارفة اني جبانة بس غصب عني الست دي هي اللي ربيتني بعد موت ابويا وامي وصقر عمره ما قصر معايا في حاجة عايزاني اعارضهم وهما ليهم فضل عليا واللي انتِ بتقولي عليا لسه بحبه ده لو أخر راجل في الدنيا مستحيل ابقى ليه عارفة ليه علشان عمره ما حبني لو كان حبني مكنش خرجني من حياته وكأني نزوة رخيصة من نزواته.

كانت تتحدث ودموعها منهمرة دون وعي منها وكل كلمة تتفوه بها تطعن في قلبها لترفع يدها الى وجهها وتمسح دمعاتها وتستأنف:
شكرًا يا مي انك وجهتيني بالحقيقة اللي طول عمري بخاف اوجهها حتى بيني وبين نفسي
لتضيف بنبرة مرتعشة تقاوم انهيارها الوشيك: انا همشي علشان معطلكيش اكتر من كده
أغمضت مي عيناها بندم وهي تتمسك بذراعها فهي تداركت بشاعة ما تفوهت به وتحدثت بتقريع ضمير:.

اسفة والله اسفة يا فدوة انتِ عارفة لما بتعصب ببقي مندفعة
وبعك في الكلام
ابتسمت فدوة بسمة ممزقة بحزن بَين وهي تجيبها: عادي، محصلش حاجة انا بس اتأخرت على السنتر، سلام
ذلك أخر ما نطقت به قبل أن تنصرف تاركة مي تلعن تسرعها واندفاعها الذي يُحزن من حولها ويتسبب في تقريع ضميرها بكل مرة وتندم عليه.

ظلت شاردة بفراشها تحتضن نفسها وبين يدها ذلك الخاتم الفضي الخاص بوالدتها الراحلة و رغم أن تصميمه ذكوري إلا أنها تتذكر أن والدتها كانت تعتز به ولم تنزعه من يدها إلا أن قامت هي بذلك ظلت تسترجع ذكرياتها معها فهي كانت حنونة وصبورة تحملت الكثير من أجلها هي وشقيقتها
ابتسمت بحزن وهي تتذكر حديثهما الأخير معًا بعد ما اشتد عليها المرض.

(خلي بالك من اختك يا فتون وسامحيني يابنتي) لتأمرها بنزع الخاتم من يدها وهي توصيها أن لا تفرط به
احتضنتها فتون بجذع وهي على فراش المشفى و قد انسابت دموعها دون وعي فقلبها أخبرها أنها تلقي لها كلمات الوداع الأخيرة
ماما بلاش الكلام ده انتِ هتبقي كويسة وهترجعي معايا البيت.

ألتقطت كريمة أنفاسها بصعوبة وأردفت بتقطع: اسمعيني وما تقاطعنيش يا فتون انا قلبي حاسس اني خلاص هموت سامحيني يا بنتي مكنش ينفع اقولك وافضح المسطور لو كنت عملت كده كان موتني، انما دلوقتي مفيش في العمر بقية علشان اخاف لتسعل بشدة وتستأنف بأنفاس متقطعة عزت، عز، ت وهن، لم تكمل لفظ الأسم الآخر فقد توقفت الكلمات بحلقها و لفظت أنفاسها الأخيرة وقد صعدت روحها الى بارئها بسلام بعد معاناتها من المرض والفقر تاركة فتون بعد موتها في حيرة من أمرها وقلبها يخبرها ان ماكانت تنوي أخبارها به والدتها هو أمر جلّل.

أفاقت من ذكرياتها وهي تجهش بالبكاء أثر ذكرى ذلك اليوم المطبوع بذاكرتها فقد اهتز جسدها وهي تهمس تواسي حالها:
الله يرحمك يا ماما مهما كان السر اللي انتِ خبيتيه أهو راح معاكِ ومفيش فايدة من التفكير وحشتيني اوي يا ماما نفسي اترمي في حضنك وانتِ بتقرئي القرأن زي زمان ياريتني اليوم ده مكنتش سمعت كلامه وروحتلك.

تنهدت بعمق وهي تتأمل الخاتم ثم رفعته لأنفها تستنشقه بحنين لعبق أمها الراحلة ثم مسحت عبراتها بكم منامتها عندما شعرت بدخول شقيقتها إليها قائلة:
تونة انتِ هتفضلي نايمة كده وسيباني انا زهقت قومي بقى إحنا بقينا العصر
نهضت فتون من الفراش وتوجهت الى خزانتها وقامت بدس الخاتم بين طياتها وتحدثت بهدوء:
حاضر يا حبيبتي قومت أهو تحبي نعمل ايه؟
ألتمعت عين فرحة بحماس وهي تقول: نخرج نفسي اخرج اشوف الناس.

لتصمت لبرهة وتطرق رأسها بالأرض هامسة بتحسربعدها: بس احنا معناش فلوس
طمئنتها فتون: متقلقيش هناخد من كوثر بس مش عايزين نتأخر علشان ابوكي مينكدش علينا
هتفت فرحة بعفوية: بابا طول ما هو معاه فلوس مش هيجي غير وش الصبح
لتقترب منها وتضع قبلة خاطفة على وجنتها وتستأنف: انا هلبس ومش هنتأخر يا احلى تونة في الدنيا.

و بعد وقت قليل كانوا يسيرون الى مسكن صديقتها لتلقي على كل من يقابلها التحية والسؤال دون تكلف لتشهق بقوة وهي تناظر تلك السيدة المُسنة وهي تحمل بعض الأكياس البلاستيكية بتعب ولا تقوى على السير لتتقدم وتتناول من يدها الأغراض وتتحدث بود:
كده برضو يا ست إحسان مش قولتلك لما تحتاجي حاجة تقوليلي انا زي بنتك
ردت احسان بامتنان: ربنا يخليكي يا فتون مش عايزة اتعبك.

تتعبيني ده انتِ زي امي لتلتقط فتون يدها وتسندها على ذراعها وتسير معها وتقوم بإيصالها وسط دعوات إحسان لها:
ربنا يسترك يا بنتي ويديكي على أد نيتك
ردت فتون بود: ويخليكِ لينا يا ست إحسان انا هروح لفرحة عايزة حاجة مني
اجابتها احسان بحنان وهي تربت على ظهرها: لا يا بنتي روحي ربنا يسلم طريقك
لتنظر لها فتون بامتنان وتنصرف بتعجل لشقيقتها.

التي ما أن اقتربت منها هدرت قائلة: اتأخرتي يا فتون يعني كان لازم توصليها ما هي زي القردة اهي
نهرتها فتون: عيب كده يا بت دى ست طيبة وانا بحبها
والله محد طيب غيرك
طب يلا ياختي نروح لكوثر.

في شركة الصرفي للاستيراد والتصدير
كان يجلس خلف مكتبه وهو ينفث دخان سجائره بشرود تام يتتطلع لصورة شقيقته، فقد دمعت عينه وهو يسترجع ذكرياتهم معًا فكانت صغيرته التي تربت على يده، يتذكر أدق تفاصيلها وخاصًة تلك البسمة المميزة التي كانت تخصه بها عندما يغدقها بأهتمامه، تنهد بضيق ومرر يده علي وجهه محاولًا تهدئة إنفعاله وحدث نفسه بوعيد:.

اوعدك يا امل هنتقم منه اللي كان السبب هحرق قلبه زي ما حرق قلبي عليكي وحرمني منك.
صوت رنين لفت انتباهه ليضع الصورة في درج مكتبه و
يلتقط سماعة هاتفه الأرضي و يستمع بانتباه للطرف الآخر ليرد بجمود ما انتهى من اخباره:
خليك هناك متتحركش من مكانك و أي جديد تقولي عليه واوعي تاخد بالها ان انت بترقيبها فاهم
ليضع سماعة الهاتف و يفرك وجهه بتوتر ثم زفر حانقًا ثم بكل عصبية أزاح بيده محتويات مكتبه على الأرض.

طرق باب مكتبه ودخل هاشم والدهشة تحتل ملامحه وتسأل بقلق: ايه ده في ايه يا اكمل!
رد اكمل منفعل: مفيش كنت متعصب وبعدين انت مالك مكتبي اعمل اللي انا عايزه فيه
تذمر هاشم: ياعم خلاص شكلك هتطلعهم عليا أنا غلطان إني جتلك انا ماشي ليجذب الباب مرة أخرى يريد الخروج إلا أن صوت اكمل اوقفه بعد أن هدأ قليلًا:
متسوقهاش انا اصلي مش ناقصك
اجابه هاشم وهو يدلك رقبته بهدوء وشعر انه بالغ في ردة فعله: انت شايف كده، ماشي.

ليتقدم ويجلس مقابل له ويتسأل من جديد: مالك يا أكمل احكيلي ايه اللي معصبك كده
اجابه اكمل يدعي البرود رغم نيرانه المتأكلة: ولا حاجة متشغلش بالك، هااا كنت جاي ليه؟
ابدًا كنت زهقان ومعنديش عمليات النهاردة قولت اجي اطمن عليك
ادعى اكمل الثبات قائلًا: انا كويس يا هاشم
لم يقتنع هاشم فمن غيره يحفظه عن ظهر قلب لذلك ألح قائلًا: لأ انت بتقاوح فيك ايه قولي يمكن اقدر اساعدك وترتاح.

ابتسم بسخرية مريرة وهو يتناول سيجاره ويشعله بجمود وينفث دخانه: لو في حاجة هقولك ياهاشم، ياريت تغير الموضوع، مي عاملة ايه معاك؟
تنهد هاشم بعشق وهو يذكر اسمها: مي كويسة مطلعة عيني بس هعمل ايه بموت فيها وعلى قلبي زي العسل
التوي جانب فمه وقال بسخرية: اجمد شوية يا عم الحبيب ايه ده كله، دي عينك بتطلع قلوب
تحدث هاشم معترفًا بلين قلبه معها: ياعم بحبها انت فاكرني عديم الأحساس زيك.

حانت من أكمل بسمة خطيرة وقال محذرًا: طب لم نفسك بقى احسن هقوم اضربك
لأ وعلى ايه انا امشي بكرامتي احسن ليضحك اكمل بمكر فهو يعلم صديقه لا يحبذ العنف ابدًا
ليرن الهاتف مرة آخرى ويتناوله ويجيب وهو يؤشر لصديقه بالجلوس والعدول عن قراره
لتتهلل أساريره بحماس وهو ينهض ويتوجه للخارج ويجر خلفه صديقه و يرتادوا سيارته سويًا
وحين شرع في قيادتها هتف هاشم بتذمر: يا أكمل رايح فين و واخدني معاك.

رد اكمل ببسمة ماكرة: مش انت زهقان؛ هنتسلي.
لم يريحه جوابه وتسائل من جديد: ايوة يعني رايحين فين!
أخبره بنبرة غامضة لم تريح الآخر: هتعرف لما نوصل...

تأوهت بألم وهي تحاول العدول في جلستها، فتحت أهدابها بضعف وهي تجول المكان بتوجس فأخر شيء تتذكره هو خروجها من بناية صديقتها وسيرها برفقة شقيقتها ليهجم عليهم رجال ملثمين وكمموا أفواههم بالقوة ويحملوهم داخل سيارة الدفع الرفاعي خاصتهم، شهقت بذعر وهي تطالع شقيقتها ملقية على الأرض مقابل لها ومكبلة مثلها لتصرخ وهي تحاول النهوض لكن ذلك الحبل اللعين الذي يحيط ساقيها بإحكام منعها لتهتف باسمها بقلق:.

فرحة، فرحة، ردي عليا
ظلت تردد رجائها دون اجابة فقد غامت عيناها بعبراتها والخوف ينهش قلبها ظن منها أن شقيقتها أصابها مكروه الى أن استمعت صوت خلفها لتشهق بخوف وهي تطالعه وتتحدث بتوجس:
انت مين وعايز مننا ايه؟
اتاها رد ذلك الشخص بصوت قوي ارجفها: مش انا اللي عايز الباشا هو اللي عايز اصبري على رزقك ومش عايز اسمع صوتك ومتقلقيش اختك متخدرة مش اكتر.

ليبتسم بتشفي وهو يطالع نظرات الرعب بعيناها حين تسائلت: الباشا بتاعك عايز مننا ايه؟
هتعرفي لما يجي اخرسى بقى ومش عايز اسمع صوتك
قالها وهو يهم بالمغادرة تاركها ترتعد من الخوف وقلبها يهوي بين ضلوعها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة