قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

توقف أمام مخزنه المتطرف وعلى محياه ابتسامة متحمسة ليصيح به هاشم بغضب: انت مجنون كنت هتموتنا حد يسوق كده وبعدين ايه المكان المهجور ده انت جايبني فين؟
ليجيبه اكمل وهو مازال محافظ على بسمته الماكرة: تعال بس هنتسلى انزل
ضرب هاشم كف على كف وهدر بعدم ارتياح: والله انت مجنون انا ايه اللي جابني معاك
انزل يا هاشم وبطل رغي الله يكرمك.

قالها وهو يخرج من السيارة ويصفع بابها بقوة و يتوجه للداخل فما كان من هاشم غير أن يلحق به متوجسًا ليرى
جاسم يقترب منهم ويخبر أكمل: كله تمام يا باشا
تسائل أكمل باهتمام: جبتها ازاي بنت ال دي.

ملقتش ليها سوابق يا باشا اتبعنا اشارة التليفون والحمد لله أنهم معرفوش يقفلوه علشان برنامج الحماية اللي عليه كان في بيت في حتة شعبية وكنا هنهجم عليه نجيب عليه واطيه بس لقينا بنتين ومتهيألي هي واحدة فيهم لأنها نفس الطول والجسم تقريبًا اللي في تسجيل الكاميرات
ربت اكمل على كتفه وتحدث بامتنان: براو عليك يا جاسم ليك عندي مكافأة حلوة
انا تحت امرك يا باشا.

كان يستمع هاشم لحديثهم بانتباه رغبة منه معرفة سبب تواجدهم هنا ليعقب بعدم فهم: انا مش فاهم حاجة ايه جو العصابات ده!
ليرسل له أكمل نظرة شرسة اسكتته وحذره بعدها: لو سمعت صوتك جوة هزعلك
اعترض هاشم ولوح بيده: لا تزعلني ولا أزعلك انا هستناك في العربية احسن
ليخطوا بخطوات غاضبة بعيدًا عنه تارك خلفه اكمل الذي لم يعيره أهمية، فلديه ما سيجعله يستمتع كثيرًا اليوم.
فقد تقدم بخطوات ثابتة الى الداخل.

ودفع ذلك الباب الحديدي بقوة ليتسرب الضوء داخل المكان ويقترب منها، وهنا رفعت فتون عيناها بترقب لتجده هو بذات البسمة الماكرة التي ترجف اوصالها ورغم ذلك وكعادتها تصنعت الثبات قائلة:
هو انت يا بتاع فدوة؟
جحظت عينه من الغضب وتسارعت دقات قلبه بعد تفوهها بأسم معشوقته باستهزاء ليسب غبائه فهو يعلم حين يتناول المشروب يظل يردد أسمها دون إنقطاع ليقترب أكثر منها و يجذب خصلات شعرها بغل:.

اه انا ياروح امك كنتِ فاكرة يا بت مش هعرف اجيبك بعد ما سرقتيني
هدرت فتون بثقة زائفة: انا مسرقتش حاجة انت كداب انا مشيت بعد ما انت نمت
باغتها أكمل بصفعة قوية نزفت على أثرها
وأستأنف بعدها وهو يقترب بوجهه منها متحدثًا من بين اسنانه: انا كداب يا بنت الماشي انا هوريكِ، تناوب على وجنتها بصفعاته المؤلمة لتسقط على الأرض متألمة ليتابع هو بنبرة منفعلة للغاية:.

ببساطة كده يا حلوة انتِ غفلتيني وانا مفيش واحدة لسه اتخلقت عرفت تضحك عليا تيجي انتِ يا جربوعة وتعمليها انا هندمك علي اليوم اللي اتولدتي فيه، انكمشت بذعر فنبرته هذه لاتبشر بالخير بتاتًا لذلك حاولت استعطافه:
والله ما انا اللي سرقتك
ضحك اكمل بملئ فمه ثم جذبها من خصلاتها هادرًا: فكراني كرودية يا بت لو مش أنتِ اللي سرقتيني يبقى مين انطقي ظلت تضغط على شفاها محاولة منها الصمود.

ليلتوي جانب فمه وهو يترك خصلاتها ويتحسس عنقها ببطئ: هتنطقي ولا، ليرمق شقيقتها بإيحاء وهي غائبة عن الوعي ويتحدث بوقاحة: أعمل عليكم حفلة وهنتبسط للصبح انا والرجالة
وهنا صرخت راجية وهي تحاول الابتعاد عن مرمى يده وحماية جسدها بيدها المكبلة وهي تكاد تموت رعبًا في جلدها، ليضحك اكمل ويتحدث ساخرًا:
خايفة ياروح امك انا هعلمك قبل ما تلعبي تعرفي بتلعبي مع
مين.

ليرفع يده مرة اخرى قاصدًا صفعها الى أن يد قوية منعته ليرفع نظراته المغتاظة لصديقه الذي يعتصر يده ويدرك أن الفضول هو من دفعه اليه مرة آخرى ليهتف هاشم بتحذير كي يردعه عنها:
اقسم بالله لو ما وقفت المهزلة دي لأكون مبلغ البوليس حالًا وهوديك في داهية، قوم وسيبها هتموت في إيدك
صاح اكمل معترض: ملكش فيه بنت الدي لازم اربيها.

ليزجره هاشم بقوة: تربيها إيه انت اتجننت انت هتموتها وبعدين قالتلك مش هي اللي سرقتك حرام عليك يا اخي انت ايه!
نهض اكمل وهو يطالعها منكمشة تنتفض وترجوه بعيناها، ليتنهد وهو ينفض يد صديقه بقوة ويقول:
وانت بتصدق برضو واحدة شمال زي دي ليتناول سيجاره ويشعله و يستأنف بحدة: مش هرحمها غير لما تقولي مين اللي كان معاها، ظهر في الكاميرات اتنين غيرها.

لتهز فتون رأسها بالرفض وهي تجهش بالبكاء ليستأنف اكمل: شوفت تبقى تستاهل كل اللي هيحصلها ليقترب منها وهو يبتسم بمكر وينفض سيجاره على يدها لتشهق هي بألم و تحاول التراجع للخلف ليقبض على فكها بقوة ويحدثها بنبرة مخيفة كادت توقف قلبها:
انطقي احسنلك بدل ما ادفنك هنا
لتصرخ متألمة وهو يطفئ سيجاره بيدها المكبلة ليقاطع صرخاتها اندفاع هاشم اليه بقوة وازاحته عنها وهو ينهره بقوة:.

انت مجنون انا مش هسكت يا أكمل هبلغ عنك فورًا لو مسبتهمش يمشوا
رفض هو وصمم على رأيه: مش هتمشي غير لما تقولي مين اللي سرقني
ليقاطعم صوت فرحة بأرتعاش بعدما استعادة وعيها: ابويا هو اللي سرقك عزت العايق يا باشا اختي ملهاش ذنب علشان خاطر ربنا سيبنا نمشي
صرخت فتون بها بشهقات مختنقة: اسكتِ يا فرحة اسكتِ.

حانت منه بسمة خطيرة وعقب بسخرية لاذعة: ابوكِ، ده انتو عصابة بقى انتِ صطادي الرجالة وابوكِ يسرقهم لا بجد براو عليكم
استكملت فرحة بذعر ونبرة يشوبها الهلع راجية حين نكست شقيقتها رأسها بعد حديثه وتعالى نحيبها:
ابوس رجلك سيبنا نمشي يا باشا، الله يخليك إحنا غلابة وأختي ملهاش دعوة.

رجائها مس قلبه ليتناوب نظراته بينهم بتذبذب ويمرر يده على وجهه يهدئ من انفعاله ثم لانت نبرته قليلًا تأثرًا بذعر فرحة ورعشتها الملفتة للنظر قائلًا:
هاسيبكم ومسامح في حقي بس الأول اختك تمضيلي على وصل أمانة علشان اضمن انكم متبلغوش اني خطفتكم
نكزه هاشم بصدره معنفًا: حرام عليك وصل أمانة ايه اللي انت عايز تمضيها عليه دول شكلهم أغلب من الغلب.

لم يتنازل أكمل عن شرطه وأصر لسبب ما في نفسه: ده اللي عندي وتحمد ربنا اني هسيبها انا عملت خاطر ليك والبت اختها صعبت عليا انا كنت هعلقها.

لعنه هاشم ولعن جنونه ثم ازاحه من طريقه وتوجه نحوها يفك وثاقها لتنظر له فتون بأمتنان وتهمهم وهو يدقق النظر بوجهها:
انا متشكرة اوي انك ساعدتني كانت تتحدث من بين شهقاتها ودموعها منهمرة على وجنتها دون ارادة منها
ازاح هو بنظراته عنها ولعن صديقه ربما للمرة الألف بعد المائة لحين انتهى لتندفع نحو شقيقتها بلهفة تفك وثاقها متسائلة:
انتِ كويسة يا حبيبتي
ردت فرحة بإقتضاب: كويسة.

ضمت فتون جسدها المتخشب وهمست بنبرة حنونة مطمئنة: متخافيش يا حبيبتي، هنمشي من هنا ومفيش حاجة هتحصل هزت فرحة رأسها وخرجت من أحضانها ترسل لها نظرة يشوبها اللوم لتطرق فتون رأسها بالارض بخزي وتتحدث بنبرة موجعة:
حقك عليا
قاطعهم اكمل وهو يصفق: ايه الفيلم الهندي ده يا بت انا اتأثرت تصدقي
لعنه هاشم بصوت جهوري أمامهم ولكنه لم يهتم واستأنف بوقاحة تعمدها: وياتري بقي اختك بتسرحيها معاكِ ولا ليها نشاط تاني.

دافعت فتون بشراسة: ملكش دعوة بيها وسيبنا نمشي
ذم فمه بضيق مصتنع وتهكم قائلًا: هسيبكم بس والله زعلان كان نفسي اتبسط معاكم شوية
ليقاطعه هاشم بحدة بعد ما فهم معنى حديثه المُبطن: اسكت يا أكمل كفاية كده وخليهم يمشو انت زودتها اوي
مش قبل ما تمضي
اخلصي يا روح امك وامضي على الوصلات دى لتتناول من يده الوصلات بأيدي مرتعشة وهي تنظر له بريبة ليبتر نظراتها بقسوة متعمدة:.

انتِ لسه هاتصوريني امضي يا بت واخلصي ولا هرجع في كلامي وارميكي انتي والقطقوطة الصغيرة لرجلتي يتسلو بيكم
لتشهق فرحة بذعر وهي تتمسك بشقيقتها
لتنطق فتون بخوف: هأمضي، هامضي تناولت القلم من يده ومضت على وصلاته بتعجل ليتحدث هاشم: اظن خلاص كده تسيبهم يمشو
أبتسم اكمل ورد وهو يرفع سبابته متوعدًا: هاسيبهم بس اعملي حسابك هتشوفيني تاني.

ذلك آخر ما قاله قبل أن يلتفت ويغادر المكان ساحب صديقه الغاضب خلفه يجر به وعلى وجهه ابتسامة منتصرة متشفية، لتهرول فتون وهي تتمسك بشقيقتها قاصدة الفرار من ذلك المكان الموحش...

زفرت فدوة بارتياح بعد ما انهت عملها فاليوم كان شاق عليها بدايتًا من حديث خالتها المتسلط، لموقف صديقتها المندفع لتلك الزبونة السمجة التي ارهقتها بتعديلاتها بالتصميم، تنهدت بضيق وهي ترتشف من كوب القهوة خاصتها بعدما اطفأت الضوء أزاحت الستائر من على النافذة تتطلع الى الفراغ وهي تستمع لصوت فيروز يصدح في الأجواء بشاعرية رغبة منها تهدئة أعصابها فهي تفعل ذلك عندما تتعرض لضغط نفسي كبير، اتسعت عيناها بحيرة وهي تنظر لتلك السيارة التي ترتكن بزاوية الشارع وبداخلها شخصين يبدو عليهم التلصص، تلك ليست المرة الأولي التي تراهم بها هي تشعر بتتبع أحد لها وفي كل مرة تكاد تكذب إحساسها ولكن اليوم ستتأكد من حدثها نظرت لساعة يدها نظرة خاطفة فقد تعدت الحادية عشر بقليل لتهم بتناول متعلقاتها وتغلق السنتر وتذهب قاصدة سيارتها التي صعدت إليها وقادتها بتروي شديد كي تتأكد من حدسها.

توقف بسيارته أمام منزل صديقه فمنذ خروجهما لم ينبت ببنت شفة
ليهدر اكمل متسائلًا: ايه يا هاشم انت القطة كلت لسانك ولا ايه؟
طالعه هاشم باستحقار ليستأنف اكمل ساخرًا: انت بتبصلي كده ليه يا جدع هو انا جوز امك
اخرسه هاشم حين صدح صوته محذرًا: متجبش سيرة امي يا جِبلة واحترم نفسك
أبتسم اكمل ورد ساخرًا: خلاص ياعم متتحمقش اوي كده ده انا بنكشك.

وهنا انفجر هاشم به موبخًا: وليك نفس تهزر يا مفتري انت ايه يا اخي جبلة معندكش احساس ازاي تمد ايدك على واحدة بالبساطة دي وكمان تهددها لا أنا مش مصدق اقسم بالله
ليرد اكمل بلامبالاه استفزت الآخر: انا كنت عايز افش غليلي منها بت الرفضي دي علمت عليا وبعدين اكمل الصرفي ميتعلمش عليه من واحدة زي دي اكيد ميرضكش.

وفشيت غليلك وعدمتها العافية كان ايه لازمته تمضيها على وصلات امانة دي شكلها غلبانة هتجبهملك منين ولا انت ناوي تسجنها؟
ضحك اكمل بقوة على ما تفوه به صديقه ورد من بين ضحكاته المستفزة: انت من زمان كده انا مستغرب إحنا أزاي اصحاب انت حنين اوي
كور هاشم قبضة يده ولكمه بقوة في وجهه بعدما فقد اعصابه من شدة استفزاز الآخر له
ليصيح أكمل بألم وهو يضع يدع موضع لكمته: آه ياعم ايدك طرشة كنت هاتضيعلي عيني.

رد هاشم بتشفي: احسن يا جِبلة يلي معندكش احساس
ماشي يارب تكون ارتحت
هز رأسه برضا واعتدل بجلسته وصمت لبرهة حتى هدأت الأجواء وهمس بعدها بحيرة: عارف ايه اللي هيجنني حاسس اني شوفت البت دي قبل كده ومش عارف فين
عقد اكمل حاجبيه بأنتباه وهو مازال ممسك بعينه: والله شكلك سهون وكنت مقضيها يعني هتكون شوفتها فين دي واحدة شمال.

ليضيق هاشم عينه بتفكير يحاول أن يعتصر ذاكرته كي يتذكر: اه تقريبًا كانت مع صقر وجبهالي مغمي عليها بس الكلام ده من فترة طويلة...
عدل اكمل جلسته بجدية وهو يستمع له بأهتمام: وبعدين ايه اللي حصل!
استأنف هاشم وهو يعتصر ذهنه أكثر: مش فاكر حاجة تانية غير انه تاني يوم كان هيتجن لما ملقهاش وقالي انه ميعرفش حاجة عنها
التمعت عين اكمل بخبث وطرقت فكرة شيطانية بخاطره بينما.

زفر هاشم بضيق بعدما لاحظ شرود الآخر وهدر: انا ايه اللي مخليني اتكلم معاك اصلًا غور من هنا انا مش طايقك
ليهم هاشم بفتح باب السيارة ويتدلي خارجها ويستأنف وهو يميل على نافذة السيارة المفتوحة:
اعمل حسابك اصحى الصبح الاقي عربيتي هنا تبعت حد يجبهالي سلام ياجِبلة
ليدخل الى بنايته بخطوات واسعة في حين أن أكمل لوح بيده وقال بعدما أفاق من مداهمة أفكاره:
مش هجبلك حاجة يا حنين.

لم تصل جملته ل هاشم فقد ابتعد ليبتسم هو بخطورة ويهز رأسه وإن كاد يشعل المقود من جديد صدح صوت رنين هاتفه البديل بإلحاح ليتناوله ويجيب:
عايز ايه انت كمان
ليستمع إلى الطرف الآخر بانتباه شديد وكل حواسه متأهبة لتظلم عينه ويهم بإشعال محرك سيارته بسرعة فائقة وينطلق محدث عاصفة ترابية خلفه.

دخل الى شقته وهو يلعن ذلك الأكمل كثيرًا فهو أخرجه عن طوره بأفعاله الصبيانية واضطره على استخدام العنف معه هو لا يحبذ العنف كثيرًا ولكن في حالة أكمل كان استثناء، تأوه بألم وهو ينطر يده أثر لكمته الهوجاء واستلقى على الاريكة فهو لايستطيع الدخول لفراشه دونها لتجحظ عينه مشدوهًا وهو يجدها أمامه بذلك القميص النبيذي القصير الذي يظهر مفاتنها بسخاء تستند على إطار الباب مكتوفة الأيدي، ابتسمت هي بمكر بعد ما لاحظت تأثيرها عليه ووقوفة مشدوه لها وهمست:.

كنت فين يا دكتور لغاية دلوقتي!
أبتسم هاشم بعدم تصديق و اقترب منها هامسًا بنبرة صادقة: ميوش حبيبتي وحشتيني كنت عارف اني مش ههون عليكي
نفضت يده بحدة واستأنفت: متغيرش الموضوع يا دكتور بقولك كنت فين؟
ليتسأل بترقب وهو يقترب منها أكثر: حبيبتي قلقت عليا؟
ردت هي باستنكار أصابه بخيبة الأمل: واقلق عليك ليه، ياريت ترد عليا من غير لف ودوران كنت فين يا هاشم؟
تنهد هاشم بضيق وأجاب بإقتضاب: كنت مع أكمل ارتحتي.

عقبت مي بتأفف: يا دى اكمل ده انا مش بطيقه
حاوط خصرها وتسائل: ليه بس؟
أجابته وهي تدفعه عنها: اظن انت عارف ليه؟ وبعدين هو حد مغرور ومش مريح
تنهد وأعاد صياغة سؤاله: موقفك منه ده علشان فدوة مش كده؟
لوحت بيدها متأففة: يووه هو تحقيق انا داخلة انام تصبح على خير.

سحبها من ذراعها بلطف وتحدث بحنان يستجدي عطفها: هتنامي وتسيبيني انا ماصدقت انك جيتي انا امبارح نمت على الكنبة مهنش عليا ادخل السرير وانتِ مش معايا، وحشتيني يا مي لتستدير بدلال موالياه ظهرها وتحدثت معاتبة:
انا مخصماك انت اتعصبت عليا في المستشفى
حاوط خصرها من الخلف بحميمية و دفن وجهه بخصلاتها البنية وأشتم اريچها الخلاب باستمتاع وتحدث برغبة مُلحة وهو يلثم كل إنش بعنقها:
والله اسف اخر مرة ازعلك.

ابتسمت برضا فلهفته عليها واعتذاره مرضي لها تمامًا
أدارها إليه وأقتنص شفاهها بقبلة عاصفة خدرتها وجعلتها كالهلام بين يده، ليثور جسده التواق إليها دائمًا ودون مقدمات آخرى كان يحملها ومازالت انفاسهم متشابكة ويتوجه بها الى غرفتهم لينهال من بحور عشقها ويعوض تلك الليلة التي افتقدها بها.

ظل جالس بسيارته أمام البحر وهو يتأملها بهدوء وهي تستند بظهرها على طرف سيارتها وتطالع الفراغ بشرود هائمة بصوت فيروز وبتلك الكلمات الصادرة من مسجل سيارتها
شطّ اسكندرية. يا شطّ الهوى
رُحنا اسكندرية. رمانا الهوى
يا دنيا هنيّة. وليالي رضيّة
أحملها بعينيّا. شطّ اسكندرية
البحر ورياحو. والفُلك الغريبْ
يحملها جراحو. ويرحل في المغيبْ
يتمهّل شوية. ويتودّع شوية
وتعانق الميّة. شطّ اسكندرية.

ليالي مشيتك. يا شطّ الغرامْ
وان أنا نسيتك. ينساني المنامْ
والشاهد عليّا. غِنوة قمريّة
والنسمة البحريّة. وشطّ اسكندرية.

تنهد بحنين الى تلك الايام التي كان يشاركها معها وهم يستمعون سويًا لتلك الكلمات بغربتهم، ليمرر يده على وجهه ينفض تلك الذكريات عنه وتذكر حين اخبره رجاله في الصباح انها كانت باكية وهي تخرج من المشفى وهذا ما اغضبه كثيرًا وما اقلقه للغاية هو مكوثها هنا منذ أكثر من ساعتين دون حراك زفر في ضيق وهو يجول بعينه المكان فكان خاوي تماما من المارة نظرًا لتأخر الوقت فهي قد تخطت منتصف الليل ليلعن غبائها فماذا لو تعرض لها أحد واصابها مكروه نفض افكاره السوداوية وبرر لنفسه يبدو أنها مرت بيوم عصيب وحبت أن تنعزل قليلًا فهو يعرف طباعها عن ظهر قلب تنهد بعشق وهو يري خصلاتها تتراقص مع الهواء بحرية فتلك الخصلات المتمردة سابقًا كان يشبك اصابعه بها ويجذبهم معه كي يشاكسها ويثير جنونها، أبتسم بأشتياق وهو يفرك يده متذكرًا ملمس شعرها و رائحته التي كانت تظل عالقة بيده وهنا تلفت اعصابه وضرب قبضته بالمقود بغضب ثم سب غبائه وحين رفع عينه يطتلع لها من جديد لم يجدها إلا ان نقر على زجاج نافذته اذهله، أبتلع ريقه بتوتر وهو يراها ماثلة أمامه ترمقه بنظرة ثابتة، ليفتح نافذته وهو لا يصدق انها بهذا القرب منه فقد هام بها كالمغيب وأخذ يجول على ملامحها الطفولية بأشتياق دون ارادة الى أن قطعت شروده نبرتها الآمرة: انزل من العربية.

مرر يده على وجهه محاولة منه استعادة ثباته ليبدل ملامحه للجمود ويتدلي من سيارته قائلًا:
افندم خير يا فدوة؟
بتعمل ايه هنا؟
ابتسم اكمل ورد متهكمًا: هو ده مش ملك الحكومة ولا انا غلطان اوعي تكوني اشترتيه وانا معرفش
تنهدت ثم تسائلت بنفاذ صبر من طريقته: بترقبني ليه يا أكمل عايز ايه مني تاني؟

ضحك أكمل بقوة وهو يضع يده بجيب بنطاله بغرور وقال: انتِ خيالك واسع اوي وواخدة قلم في نفسك، هراقبك ليه يا ست الحسن والجمال تكونيش فاكرة نفسك كنتِ حاجة بالنسبالي والدنيا وقفت عليكِ.

تحجرت الدموع بعيناها وهي تتطلع لعينه بحزن تناظر برودة نظراته لها التي جمدت اوصالها بخيبة أمل فها هو مثل السابق يسحق كبريائها ويردد حديثه الموجع مرة آخرى بعد مرور ثلاث سنوات على فراقهم، تنهدت بقلة حيلة وهي تزيح الحزن من عيناها وتستبدله بشجاعة اكتسبتها من جموده معها وتحدثت بنبرة حاولت ان تصدر منها واثقة:.

لو مكنتش فارقة معاك يا أكمل مكنتش زمانك هنا واقف معايا دلوقتي انا متأكدة ان رجالتك بترقبني خطوة بخطوة بس اللي مش قادرة افهمه ليه عايز توصل لإيه ومتحاولش تقنعني أنها صدفة
التوى ثغره ببسمة هازئة ثم اجابها متهكمًا كي يثير اعصابها: اه صدفة، انا مش مجبر ابررلك تحركاتي وبعدين مش يمكن صقر باشا العزازي هو اللي بيرقبك مش أنا، شكله يا حرام مبيثقش فيكِ.

ردت فدوة بثقة عارمة وتباهي اغاظه وجعل الجحيم يشتعل بعينه: بالعكس صقر ده احسن راجل في الدنيا وعمره ما شكك فيا وحركة بايخة زي دي متطلعش غير منك يا أكمل عارف ليه
علشان انت غبي
أمسك ذراعها بقوة وتحدث وهو يرمقها بغضب كفيل بإحراقها: انا غبي فعلًا كان لازم قبل ما ارميكي ليه، اربيكي الاول بطريقتي.

تطلعت لقتامة عينه فهي تقسم انه يحاول كبح جماح غضبه عنها بصعوبة لتفر من عيناها دمعة حارقة وهي تحاول التملص من يده هامسة بألم:
سيب ايدي بتوجعني يا أكمل
أغمض عينه بنفاذ صبر وترك يدها وهو يطالع دمعاتها بندم لتستأنف باختناق وهي تحتضن معصمها وتدلكه لتخفيف ألمها:
انا بحمد ربنا انه خلصني من واحد زيك.

زاغت نظراته وابتلع ريقه وحاول أن يعبر عن أسفه: انا مكنش أق، بترت هي جملته بإصرار: لأ قصدك توجعني ما دي عادتك تألم وتخزل كل اللي حوليك
نكس رأسه و أبتسم بسخرية مريرة وهو يستمع لها
لتستأنف هي: انا عمري ما كرهت في حياتي أدك يا أكمل.

لتلتفت وتغادر الى سيارتها وتنطلق مسرعة تحت نظراته التي تخلى عن جمودها واحتلها الألم، ليلعن نفسه تحت انفاسه الغاضبة فجملتها الأخيرة له أوجعت قلبه بشدة وظلت تتردد داخل رأسه وهنا زئر بغضب وكور قبضة يده قاصد يؤلم نفسه كما ألمها فما كان منه غير أن يضرب مقدمة سيارته بقوة عاتية عدت ضربات حتى ادمى يده التي ألمتها.

دلفت الى منزلها المتواضع في تلك المنطقة الشعبية وهي تجر شقيقتها بوهن، طوال الطريق تحاول طمأنتها وتبريرها فعلتها لكن فرحة ظلت صامتة لم تنبت ببنت شفة الى أن دلفو داخل منزلهم، نفضت فرحة يد فتون الممسكة بها بقوة ودخلت غرفتها وأوصدت بابها من الداخل بالمفتاح، أقتربت فتون بتعب من باب الغرفة وهي تطرق عليه وتتحدث بنبرة راجية يشوبها الألم:
افتحي يا فرحة علشان خاطري متعمليش فيا كده انا مليش غيرك.

انسابت دمعاتها على وجهها بغزارة وهي تستأنف: هفهمك يا فرحة بس اسمعيني
اجابتها فرحة من خلف الباب: عايزة تقولي ايه بعد ما اتخدعت فيكِ انتِ بتبيعي نفسك يا فتون للرجالة انا كنت عارفة انك بتساعدي ابوكِ بس عمري ما تخيلت انك تبقي كده وبتفرطي في نفسك.

لتصرخ فتون بدفاع: محصلش وحياتك عندي يا فرحة ما في راجل لمسني انا بجر رجليهم بس ورحمة امك يا فرحة صدقيني انا والله ما سرقت هو ابوكي والمخفي جمال لتشهق بقوة محاولة منها استعادة انفاسها المقطوعة أثر البكاء وتنزلق على الأرض وتستأنف بحرقة:
انا ببقى مجبورة ابوكِ بيهددني بيكِ سامحيني يا فرحة اني خيبت ظنك يارتني موتت اهون من اني اشوفك بتشككي فيا واسقط من نظرك.

فتحت فرحة الباب وجثت مقابل لها واحتضنتها قائلة: بعد الشر عليكِ انا مقدرش اعيش من غيرك
ابتسمت فتون من بين دموعها
وقالت: يعني مصدقاني يا فرحة لتهز فرحة لها رأسها بالإيجاب و تدس نفسها بأحضانها بقوة وتتحدث:
اوعديني متعمليش كده تاني
هزت فتون رأسها بطاعة وهمهمت: اوعدك
وهنا شددت أكثر من احتضان شقيقاتها بحنان وهي تقسم أن تفي بوعدها.

ظلت مستيقظة تتأمله بهدوء وهو يغط في سبات عميق اثر ليلتهم الجامحة التي جمعتهما سويًا فكان رغبته بها جامحة أرضت غرورها كأنثى فهو يغدقها بحنانه المفرط ولمساته الحميمية المراعية التي تكاد تفقدها عقلها، يعاملها بحرص شديد كأنها قطعة بلور نادرة الوجود يخشى كسرها ابتسمت بهدوء وهي تتذكر همساته الشغوفة بأذنها لترفع يدها وتضعها على وجهها باستحياء فمشاعرها متخبطة بشدة لاتعلم ماهية شعورها ربما تعود أو رغبة مُلحة ليس أكثر فهو يجيد التلاعب على اوتار انوثتها هذا ما خاطبت به عقلها لتحثه على عدم تحليل الأمر أكثر، تنهدت بخفوت وهي تحاول التملص من ذراعيه التي تقبض على خصرها بتملك لكن دون جدوى فهو متشبث بها كأنه يخشى ضياعها لتزفر بتأفف بعد محاولات عدة من التملص لحين همس:.

متحاوليش يا مي مش هسيبك
اتتها نبرته الحنونة التي يشوبها النعاس بإصرار عجيب جعلها تطالعه مندهشة: انت صحيت
اجابها هاشم وهو مازال مغمض عينه: لأ بتكلم وانا نايم
ليبتسم بمكر وهو يلتقط تأفأفها من مزحته ورفع رأسه يطالعها
بعاطفة جياشة وصوت هامس يكاد يسمع: انا عايز افضل طول عمري متشعلق فيكي كده زي العيل الصغير
تنهدت مي بسأم وقالت بتذمر: بس انا زهقت ومبحبش العيال و عايزة أقوم أخد شاور.

شدد وثاق ذراعيه على خصرها وهمس بعدما احزنه حديثها: لو بتحبيني زى ما بحبك عمرك ما تزهقي مني
افففف بقى يا سيدي بتنيل بحبك وعايزة اقوم لو سمحت
تنهد وهو يسمع لتلك الكلمة الباهتة من بين شفتاها فهي صدرت منها بجمود افقدها مذاقها ليطرد أفكاره التي تكاد تطيح بكبريائه جانبًا ويواسي نفسه يكفي حبي لها ويكفي انها معي ملك لي وحدي ليسترجع نبرته العابثة وهو يطالعها وهي مترقبة عفوه عنها وفك حصارها:
ماشي اتفضلي.

زفرت بارتياح وهي تحاوط جسدها بالغطاء وتحاول النهوض لتشهق بقوة وهو يحملها ويتوجه بها الى المرحاض وعلى وجهه ابتسامة ماجنة لتصرخ به بعد ما سقطت عنها الغطاء:
يا مجنون بتعمل ايه نزلني
همس وهو يميل برأسه عليها وعينه تشتعل بالرغبة من جديد: هناخد شاور مع بعض يا قلبي اصل نسيت اقولك اني لسه مشبعتش منك
لتقاطعه هي متذمرة كعادتها: هاشم حرام عليك نزلني.

أجابها بعبث ويده تتحسس ظهرها: اعتبريه عقاب ليكِ علشان سيبتيني انام من غيرك امبارح
لتصرخ هي وتنكزه بصدره بينما أبتسم هو ودلف بها الى المرحاض وأغلق بابه بقدمه ليبدء من جديد جموحه بها.

فدوة
شهقة قوية صدرت منها وهي تصعد على الدرج المؤدي لغرفتها بعد وصولها للقصر بوقت متأخر، كاد قلبها أن يتوقف بعد استماعها لنبرته الغاضبة وهو يصيح بأسمها
لتضع يدها على قلبها محاولة منها الثبات وتخفيف هلعها وتستدير له بتردد وهو يقف بشموخه المعتاد ويضع يده بجيبه بهيبة ثابتة هاتفًا:
كنتِ فين لغاية دلوقتِ انتِ عارفة الساعة كام؟
ردت فدوة بثبات مصتنع: كنت في السنتر يا صقر وغصب عني محستش بالوقت.

عقب بنبرة واثقة: سنتر لغاية دلوقتي انتِ كدابة فاشلة على فكرة قولي كنتِ فين؟
ابتلعت ريقها بتوتر وتحدثت: بصراحة يا صقر كنت مخنوقة وقعدت على البحر شوية
نعم، لوحدك بعد نص الليل انتِ اتجننتي افرضي كان حد ضايقك
انا مش فاهم انتِ ساعات بتلغي عقلك
لتلمع عيناها بالدموع وهي تستمع الى توبيخه فهذا ما كان ينقصها الآن لترد عليه وهي تحاول كبت رغبتها بالبكاء من جديد:
انا كنت محتاجة اشم هوا ما انت عارف اني بحب افصل.

نبرتها الحزينة ودموعها الحبيسة اصابته بالريبة من أمرها ليتخلي عن حدته ويحدثها بنبرة حنونة يشوبها القلق:
الخنقة راحت لما قعدتي لوحدك
أومأت له بإيجاب
ليتنهد بارتياح وتلين نبرته: اللي حصل ده ميتكررش تاني مفيش بنت ترجع بيتها نص الليل كده مش علشان عيشتي كام سنة في أوروبا تنسي ان احنا عايشين في بلد شرقي وعندنا قيم ومبادئ ربونا عليها اهلينا لازم نلتزم بيها.

هزت رأسها بتفهم وهمست معتذرة: أخر مرة يا صقر علشان خاطري متزعلش مني انا اسفة
ماشي بعد كده لو مخنوقة كلميني ابقى معاكي ونروح ما بعض أي حتة
ردت هي: بس انت علطول مشغول
ليتنهد بعمق فهي محقة هو دائما يعطي الأولوية للعمل ويهملها ليرد بهدوء: اوعدك بعد كده مش هنشغل عنك
تعالي بقى احكيلي ايه اللي كان خانقك
تلعثمت هي: هاا لا، ده موضوع تافه ملوش لزوم ادوشك
أصر هو بشدة: لا انا راضي ادوشيني براحتك.

لتتنهد فدوة بتوتر فبماذا تخبره فاليوم كان عاصف بالنسبة لها لتقول بسطحية: الزبونة طلبت تعديلات كتير في التصميم وعلشان كده اتخنقت مش أكتر
ليتحدث صقر بتحفيز وهو يضع يده على كتفها بحنان ويسير معها يوصلها لغرفتها: متخليش حد يأثر فيكِ انتِ موهوبة وشغلك يجنن ولو هي عندها اعتراض على تصميمك تشرب من البحر متخليش حد يحجم افكارك.

ابتسمت بود فهي تشعر نحوه بالامتنان فهو كما عاهدته دائما داعم لها وخير سند، يكفي انه يستمع لها دون كلل وحين تشاركه ترهاتها السخيفة لا يقلل من شأنها فعلاقتهم مترابطة ويسودها التفاهم والاحترام، لكن يا ترى هل ذلك يكفي ليصبحون زوجين بالمستقبل أَم سيكون لقلوبهم رأي آخر.

استيقظت بنشاط في صباح اليوم التالي عازمة الذهاب لعملها فهو مصدر رزقها الوحيد ولاتريد التقصير به حتى لا تطرد كما كان يحدث معها بالسابق في كل عمل بسبب تسلط ابيها ومنعها ارتدت عبائتها الفضفاضة التي تخفي جسدها الممشوق بعيدًا عن عيون جنس الرجال التي تمقتهم ولفت وشاحها حول رأسها بإحكام و بعد أن أحضرت الفطور لشقيقتها انطلقت بخطوات متعجلة الى عملها وبعد وقت قليل من السير على اقدامها وصلت الى ذلك المصنع القابع بالقرب منهم لتلقي رئيس العمال ويدعي عوض رجل اصلع وجسده ممتلئ في العقد الرابع من عمره ولكنه وقح ويتمادي مع عاملات المصنع الذين اغلبهم يلتزمون الصمت حفاظًا على لقمة العيش حتى ولو كانت مغموسة بالذل فهم بأمس الحاجة إليها.

تقدمت منه تلقي تحية الصباح عليه بجمود ولا مبالاه وهي في طريقها للداخل: صباح الخير يا عم عوض استوقفها بيده بجرأة وتحدث وهو يمر بنظراته المقززة عليها: صباح العسل يا فتون مش ناوية تحني علينا
ردت فتون بحدة وهي متمسكة بجمودها: نعم يعني ايه يا عم عوض احن عليكم مش فاهمة
أجابها عوض بسماجة: يابت شغلي دماغك معايا وانا ارقيكِ وانغنغك فلوس.

لتشهق بقوة بعد فهمها لحديثه المبطن وتهتف بشراسة وهي تضع يدها بخصرها: اسمع يا راجل انت، انا محترماك بس علشان خاطر لقمة العيش لكن لو تزودها قسم بالله لكون منسلة شبشبي على دماغك وما هيهمني لا أنت ولا شغلك يا خويا الارزاق على الله ده غير الفضيحة اللي هعملهالك وهفضح و عند صاحب المصنع وعليا وعلى اعدائي.

ابتلع ريقه بتوتر وزاغت نظراته من تهديدها الصريح له فنبرتها الواثقة تخبره أنها لا تمزح بالمرة وانها ليست لقمة سائغة مثل غيرها ليرد عليها بنبرة مهتزة متراجعة:
انا بهزر معاكِ يا فتون انتِ طبعك حامي ليه كده ده انا حتى وافقتلك على الورديات الزيادة قولت انتِ احق واحدة بيها.

لتلوى فتون فمها بسخرية على تراجعه وخوفه الواضح بنبرته وترد: ناس تخاف ماتختشيش على العموم تشكر يا عم عوض عن اذنك اشوف شغلي لتهم للعمل وهو ينظر لآثارها بغل فهي انثى شرسة ذو لسان لاذع ولا يمكن ترويضها بسهولة ابدًا.
بعد مرور ساعات العمل المرهقة التي مرت عليها ببطء مميت جلست هي وصديقتها كوثر في استراحة العمال لتتحدث كوثر بفضول:
كان بيقولك ايه اللي ما يتسمي يافتون؟
قصدك عوض.

اه ياختي زفت عوض منه لله اللي واكل حقوقنا في كرشه يا ما نفسي اقدم فيه عريضة توديه ورا الشمس
ابتسمت فتون وردت: بكرة يجيله يوم متستعجليش بس انا مسكتلوش وهو بيستظرف كاالعادة
طب كان عايزك ليه؟
بيقولي وافقتلك على الورديات الزيادة فرحت والله يا كوثر اهي حاجة تسند شوية في المصاريف بس ربنا يقويني بقى واعرف اقف قصاد أبويا
تسائلت كوثر بريبة والقلق ينهش قلبها: تقفي قصاده ليه تاني يا بت.

لتغيم عين فتون بالدمع وهي تتذكر وعدها لشقيقتها و تستأنف بنبرة يشوبها الألم: بعد اللي حصل امبارح لازم اقف في وشه وامنعه يستغلني زي الاول
لتعقد كوثر حاجبيها: هو ايه اللي حصل امبارح وانا ماعرفوش
لتتنهد فتون بحزن وتستأنف بعد نهوضها: تعالي هاحكيلك واحنا مروحين لتقص على صديقاتها كل ما مر بها بتلك الليلة المشئوومة.

استيقظت بوقت متأخر من ساعات النهار الأولى لتتثائب بكسل وهي تحاول النهوض من الفراش ليلفت نظرها تلك الزهرة الحمراء فائقة الجمال وهي تتوسد الوسادة بجانبها ويرفقها رسالة نصية قصيرة سطر عليها تحية الصباح برقة بالغة وبعض الكلمات التي جعلت ابتسامتها تتسع من جرأتها، فقد التقطت الزهرة برفق ومررتها على وجنتها برقة وهمست مخاطبة عقلها:.

هو أزاي كده حنين ورمانسي مع اني علطول كسفاه اففف بقى انا مش عارفة ليه كل حاجة جوايا متلخبطة، نهرت افكارها المتضاربة وهي تهز رأسها مستنفرة:
اوعي تنسي يا مي هو فرض نفسه عليكِ وحرمك من مازن حبيبك هو السبب في خلافاتي ديمًا مع ماما حتى فدوة خلاني اتعصبت عليها علشان بتدافع عنه هو بيخسرك كل اللي حواليكِ علشان بس تكوني ليه لوحده.

تنهدت بقوة بعد ما رسمت بمخيلتها قصة واهية كافية بالنفور منه وتلاشيه لتسترد جمود وجهها وتشرع بالاستعداد للخروج فهي عزمت على مراضاة صديقتها، و بعد بعض الوقت تدلت من سيارتها أمام قصر العزازي لتتقدم بخطى ثابتة للداخل، استقبلتها الخادمة ورحبت بها لتتقدم منها هند بحفاوة قائلة:
اهلًا اهلًا معقول مي الجارحي بنفسها عندنا
ردت مي ببسمة هادئة: اهلًا بيكِ يا طنط
نورتي قصرنا اكيد عايزة فدوة مش كده.

اه يا طنط هي مش هنا انا روحتلها السنتر ملقيتهاش
لا موجودة زمنها نازلة بس ايه الجمال والشياكة دي يا مي متعلمي صحبتك احسن مدوخاني لتحمحم مي مدافعة:
مالها فدوة يا طنط دي حتى ستايلها بسيط ومفهوش تكلف
قوليلها يا مي يمكن تقتنع هكذا قاطعتهم فدوة بعد ما التقطت حديثهم عنها لتناظر مي ببسمة تكاد تتمكن منها وتستأنف بطفولية وهي تمط فمها:
ازيك يا قطر.

ضحكة فرت منها أثر ما تفوهت به صديقتها فهي دائمًا تنعتها بالقطار نظرًا لسرعته واندفاعه حتى انه لايتوقف مراعاة لأحد ويدهس من يقف في طريقه
لترد عليها بنبرة نادمة: انتِ لسه زعلانة مني يا دودو وحياتي عندك متزعلي انتِ عارفة اني دبش وبعدين انا جيت أهو لغاية عندك اصالحك
لترفع فدوة عيناها بعد ما استشعرت ندمها: مقدرش ازعل منك يا قطر
لتتهلل أسارير مي وتحتضنها هاتفة: حبيبتي يا دودو.

كانت تطالعهم بتكلف مبالغ به لتعقب بنزق: حصل خير يا بنات
فصلت مي عناقهم الودي واستأذنت: معلش يا طنط هاخد منك فدوة ونخرج
أومأت لها هند بالإيجاب وتحدثت: براحتكم بس انا ليا رجاء عندك
ردت مي بترحاب: أأمريني يا طنط
قالت هند بتعالي وهي ترمق فدوة بعدم رضا: عايزاكِ تاخدي فدوة وتشتروا شوية هدوم لزوم الجواز
جواز، رددت كلمتها بعدم تصديق لتطالع فدوة بدهشة وتتحدث انتم حدديتوا معاد الفرح ومقولتليش.

لترد هند بتحكم متجاهلة تلك الصامتة التي تطالعهم بقلة حيلة: اه انا اتفقت مع صقر أن الفرح هيبقى في أقرب وقت
لتتبادل نظرات ذات مغزي مع صديقتها الساكنة في خنوع وتستطرد قائلة: مبروك يا دودو ربنا يتمملكم على خير
أبتسمت فدوة ابتسامة باهتة لم تصل الى عيناها لتستأنف مي: طب بعد اذنك يا طنط علشان نلحق لتسحب فدوة ويسرعون بالخروج.

كانت يطالع بعض الملفات الخاصة بالعمل إلى أن استمع لطرقات قوية على باب مكتبه ليأذن للطارق بالدخول ليأتيه هاشم ويخطو نحوه بغضب وينقض يمسكه من تلابيبه:
هو انا مش قولتلك امبارح تجبلي العربية لازم تتعبني وتجبني المسافة دي كلها وانا عندي عملية كمان ساعة
ضحك أكمل ببرود وهو يستند على مقعده بأريحية استفزت الآخر وجعلته يستشط صارخًا به:
انت بتضحك ليه يا عديم الأحساس.

رد أكمل وهو مستمر بالضحك: كنت عايزني اعدي الفرصة اني اشوفك متعصب قدامي كده، انت بتحلم
تصدق وتؤمن بأيه انا غلطان اني جتلك اتصل بالزفت المسؤول عن الچراج خليهم يخرجولي العربية خليني اغور بدل ما ابوظلك عينك التانية يا مستفز
وقبل أن ينهي جملته صدح صوت هاتفه ليتناوله وهو يطالع اكمل بقرف ويقول: أخلص كلمهم عقبال ما ارد على التلفون.

ليبتسم الآخر وينصاع له وهو يهز رأسه ساخرًا لتغير نبرة صديقه من الحدة إلى اللين وهو يرد على زوجته
صباح الفل والياسمين يا قلبي وحشتيني
ليأتيه ردها باقتضاب مخبرة إياه بتواجدها مع فدوة واحتمالية تأخرها لشراء بعض الحاجيات الخاصة
تمام خلي بالك من نفسك وسلمي على فدوة.

ليغلق الهاتف وهو يتنهد بضيق فسوف يحرم منها بضع ساعات كفيلة بموته شوقًا لها ليرمق ذلك القابع على مقعده وقد تبدلت ملامحه الساخرة للجمود التام وبعد برهة تسائل بفضول بعد ما ألتقط تفوه هاشم بأسم معشوقته:
مي، مالها كويسة؟
رد هاشم بتلقائية: اه كويسة و بتقولي انها هتتأخر علشان بتشتري شوية حاجات مع فدوة علشان الفرح
التوى قلبه بين احشائه وغامت عينه بنيران مستعرة وقد تسارعت دقات قلبه باستنفار وهو يردد:.

فرح إيه، فرح مين مش فاهم؟
لعن تسرعه وتمهل برهة قبل أن يرد عليه: فرح فدوة وصقر انت نسيت ولا ايه أنهم مخطوبين
كور اكمل يده بقوة وضرب بها سطح مكتبه وهو يرمق هاشم بغضب كفيل إحراق الأخضر واليابس وهتف بعصبية اجفلت الآخر: انا قولتلك الف مرة متجبليش سيرة البني ادم ده
شعر هاشم بزلفة لسانه ورد وهو يحاول عدم الخوض معه بالنقاش: خلاص براحتك، انا مش هفتح بوقي.

ليزفر الآخر بضيق وهو ينهض يواليه ظهره ويتطلع من زجاج نافذته للفراغ بشرود ليستأنف هاشم بعد ما تطلع لساعة يده:
انا لازم امشي علشان عندي عملية ابقى اشوفك بعدين
ليهم بالخروج بتعجل تارك ذلك العاشق يوبخ نفسه على ضعفه وخضوعه لمشاعره نحوها فبعد كل شيء هي تمتلك كل ذرة به ولا يستطيع أن ينتمي لسواها فكيف تتزوج بآخر وهي تسري بوريده سريان الدماء فرك وجهه محاولة منه كبح جماح غضبه وتناول هاتفه وتحدث لأحد رجاله:.

نفذ اللي قولتلك عليه؟

طرقات صاخبة على باب منزلهم اصابتهم بالهلع لتنهض فرحة بخوف وتقول: ياتري مين اللي بيخبط كده يا فتون
حاولت فتون طمئنتها: متخافيش يمكن ابوكِ ده مرجعش من امبارح وانتِ عارفة لما بيشرب بينسي أن معاه مفتاح اهدي هروح اشوف مين
لتتقدم وتفتح باب الشقة بترقب إذا بجمال يلهث أمامها لتباغته هي: هو انت عايز ايه حد يخبط كده، ليلتقط الآخر أنفاسه ويرد بنبرة مرتعشة من شدة رهبته:
ابوكِ اتقبض عليه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة