قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني عشر

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني عشر

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني عشر

كانت تباشر عملها مع العاملات لديها داخل السنتر الخاص بها. تحاول تنسيق كل قطعة وما يناسبها من مستلزماتها ولكن ذهنها كان مغيب ظلت تتذكر كلماته لها أثناء رقصتهم لا تعلم لما استشعرت صدقه تلك المرة ولكن ما يظل يثير فضولها وتكاد تموت قهرًا لتعرفه هو ذلك السبب اللعين الذي يخفيه عنها
انتشلها من شرودها سماعها لصوت يحمحم من خلفها: لو سمحتي ممكن تساعديني انا بدور على تصميمات صاحبة السنتر.

رفعت نظراتها له وعلى وجهها تلك الابتسامة الهادئة وردت وهي تؤشر بيدها بأحترام ليتبعها:
اتفضل معايا حضرتك
أومأ لها وأتبعها وحين وقف أمام التصاميم ظل يفحصهم بشكل مبالغ به أثار ريبتها فهيئته غريبة بعض الشيء
بتلك الملابس العصرية المبالغ بها فكان يرتدي بنطال أسود ممزق من الركبتين وقميص يخلط جميع الالوان الربيعية بشكل ملفت للأنظار.

لكن ما أثار دهشتها حقًا هو تسريحة شعره الفوضوية فهو يشبه من تعرض لصدمة كهربائية لتوه، لتحمحم وتتسائل وهي بالكاد تكبت بسمتها على هيئته: اقدر اساعدك لو حابب
هز رأسه عدة مرات وأجابها بثقة: التصميم كلها احلى من بعض وبصراحة محتار ليسحب قطعة و يقلب بها يميناً ويسارًا ويستأنف: بس دي مختلفة وعجبتني عن التانين أصلي بحب الحاجات الغريبة.

عقدت حاجبيها باستغراب من اختياره وقالت: على فكرة كل التصاميم حلوة بس هي اذواق
هز رأسه وهو يطالعها: عندك حق بس منكرش ان المصممة هايلة بس تحسي ان معظم تصميماتها مفهاش جراءة كله مقفول بزيادة
أردفت فدوة بدفاع بثقة: حضرتك احنا مجتمع شرقي وطبيعي لأي مصمم يراعي المعايير دي ومش كل الناس بتوافق رأي حضرتك.

أومأ لها بإعجاب بعدما افحمه ردها وقال: هي قناعة شخصية وانا بصراحة بفضل الغير مألوف ديمًا وبتجذبني الحاجات الغريبة
وضعت يدها على فمها تحاول جاهدة أن لا تنفلت منها ضحكتها ليرفع عينه يتأمل ملامحها الطفولية ويقول بدعابة وهو يضيق عينه: انا عارف عايزة تضحكي ليه على لبسي مش كده وعايزة تقولي مفيش اغرب منك ليمط فمه ويستأنف: عادي انا واخد على كده
أومأت له وأجابت بدبلوماسية: هو انت غريب فعلًا بس لبسك مميز.

رفع حاجبيه ورد وهو يعدل ياقة قميصه بتباهي: اخيراً حد اعترف أن ده تميز الحمد لله، ده أقل حاجة عندي
ضحكت هي بإتساع على خفته ليرمق ملامحها الطفولية بأعجاب شديد ويهمهم: هو في كده!
عقدت حاجبيها وتساءلت بعدما هدأت ضحكاتها: بتقول حاجة؟
هااا لأ بقولك انا عايز اقابل صاحبة السنتر عندي عرض ليها كويس.

أومأت له بتفهم وأشرت له أن يتبعها لمكتبها وعند دخولهم جلست هي خلف مكتبها وأردفت برسمية: تحت امرك انا فدوة فضالي صاحبة السنتر
هز رأسه بعدم استيعاب وقال: مش تقولي من الاول ده انا عكيت الدنيا زمانك بتقولي عليا مجنون
أجابته ببساطة: محصلش حاجة ممكن تدخل في الموضوع علطول.

تحمحم هو ومد يده بجيب بنطاله ويناولها الكارت الخاص به: انا آسر المنياوي معرفش سمعتي عني ولا لأ، اتسعت عيناها بذهول وهي تطالع أسمه لتقول بتلقائية: مش معقول اكيد طبعاً عارفاك انت أشهر مصمم أزياء بره ومتابعة العروض بتاعتك وبجد كلها تجنن.

ابتسم هو وقال بعملية: طب الحمد لله انك طلعتي تعرفيني وفرتي عليا مقدمات كتير بصراحة انا كنت في حفلة لجماعة اصحابي وشوفت تصميم ليكِ على صديقة ليا وعجبني وما ارتحتش غير لما عرفت اسمك ومكان السنتر بتاعك علشان زي ما قولتلك بحب التميز
همست فدوة بإمتنان: مرسي لذوقك
انا هعمل دفليه في باريس ومحتاج مصممين معايا يعني بحاول اساعد الموهوبين وكمان في دورة تدريبة أنا المشرف عليها لو تحبي ممكن اضمك ليها.

تهللت أساريرها وهي تشعر أنها على أبواب تحقيق حلمها التي جاهدت للوصول إليه ولكن عند تذكر صقر تنهدت بقلة حيلة فهي تعلم أنه لن يسمح لها بذلك خصوصاً أن موعد الزفاف وشيك
لاحظ شرودها ليقول بحذر: مردتيش ليه هو في حاجة ممكن تمنع سفرك
هاااا مش عارفة، ممكن تديني فرصة افكر وارد عليك.

ممكن هستني تليفونك كارتي في كل ارقامي اتشرفت بمعرفتك قالعا وهو ينهض ويصافحها واستأذن بهدوء بعدها، لتظل هي شاردة بعد انصرافه بذلك الكارت بين يدها.

ظلت تمر على المرضى كعادتها كل صباح إلى أن تناهى إلى مسامعها بكاء ذلك الطفل ذو الخمس سنوات وهو يبكي من الذعر أثناء تحضيره لأجراء عملية اللوزتين هرولت إليه بعدما أمرت الممرضين بالانصراف ليرفع الصغير رأسه لها بطفولة ويقول بحزن وهو يتشبث بوالدته رافض تركها: صحابك دول وحِشين عايزين يدونى إبرة
ابتسمت مي بهدوء وهمهمت بحنان قاصدة مسايرته: معقول راجل زي القمر كده زيك ويكون خواف.

مط فمه بطفولة وقال بخفة: انا مش خواف بس انتم كلكم لابسين ابيض تبقوا اصحاب ومتفقين عليا
أجابته وهي تربت على يده بحنان: لأ مش صحاب بس ممكن ابقى صاحبتك انت وبس، ايه رأيك
هز الولد رأسه عدة مرات ببراءة بعدما ترك والدته واعتدل بجلسته: انتِ حلوة اوي وانا موافق ابقى صاحبك
لتقول كي تشجعه: اتفقنا بس انا مش بحب الرجالة اللي بتعيط مش انت راجل برضو.

اجابها بإصرار طفولي: اه انا راجل وقوي كمان انا نفسي ابقى شبه سوبر مان
ابتسمت هي وبعثرت شعره قائلة: طب هو في بطل خارق يخاف من الحقنة هز رأسه بلا لتستأنف هي: يبقى تسمع الكلام وتتحمل الشكة الصغيرة دي علشان احبك واوعدك أول ما تخرج من جوة هجبلك أيس كريم كتير قولت ايه
اغمض عينه مدعي التفكير ليقول بتلقائية غير مسبوقة: موافق ومش هعيط علشان انا سوبر مان.

ابتسمت مي بهدوء وأومأت لوالدته التي كانت بجانبه تستمع لحوارهم، لتأمر الممرضين بتولي مهامهم واخذ الطفل إلى غرفة العمليات وان خرجت من الغرفة أستوقفها والدته بإمتنان: انا مش عارفة اقول لحضرتك ايه انا عاجزة عن الشكر
ده واجبي يا مامت
لتعقد حاجبيها وتتساءل: هو اسمه ايه نسيت اسأله
اسمه زين
ابتسمت مي وقالت: ربنا يخليهولك وان شاء الله هيخرج من العمليات زي الفل.

عقبت والدته داعية: ربنا يطمن قلبك ويخليلك ولادك يارب
غامت عيناها لوهلة وردت بعدما تكونت غصة بحلقها: بس انا معنديش ولاد
بكرة ربنا يكرمك.

هزت رأسها ببسمة عابرة لحين وصلها ضحكات هازئة تأتي من آخر الرواق ويبدو أن صاحبها استمع لحديثهم لتلتفت لمصدر الصوت ويقع نظرها عليه وهو يضرب كف على كف ويهز رأسه بشكل ساخر لتستأذن منها وتتوجه له بخطوات غاضبة وعيون قد أشتعل بها حدائق الزيتون خاصتها هادرة بقوة وهي ترفع سبابتها بوجهه: انت بتضحك على ايه!
انت زودتها اوي وانا سكتلك.

استمر على هيئته الساخرة وقال بإستفزاز لم يكن ابدًا من طباعه المسالمة: اصل لما قالولي دكتورة مي هي اللي اقنعت الولد مصدقتش اصل واحدة زيك عمرها ما هتعرف تتعامل مع اطفال
زفرت بغضب وقالت بشراسة: ليه ان شاء الله مالها اللي زي يا دكتور
مط فمه بأمتعاض بعدما جمدت ملامح وجهه وأجابها بكل ثقة: معندكيش قلب يعرف يحب ومفيش جواكِ حاجة تعرفي تديها لحد غير الكذب والخداع.

لوهلة سَكن الحزن عيناها حين طعن حديثه بقلبها ولكنها تماسكت وهتفت بكبريائها المنشود: رأيك فيا ميهمنيش احتفظ بيه لنفسك
لترشقه بنظرة مطولة تحمل الكثير وتنصرف من أمامه لتحين منه بسمة متشفية وهو يوقن أنها تتصنع الثبات كعادتها ولكن رغم كل شيء لن تأخذه رحمة بها فهي تستحق أن يجلدها بكلماته ويثأر لكرامته التي اهدرتها.

زفر بارتياح بعد أن تفحص جميع الجرائد ولم يجد بها خبر عن رقصة فدوة مع ذلك الأكمل وذلك انبأه أن ذلك اللعين تولى الأمر، ولمَ لا؛ فهيئتهم وهم يتراقصون ونظراتهم لم تغب عن عيناه للحظة واحدة، فقد حاول عدم التسرع و ترتيب أفكاره من جديد فبعد قراره بالأمس يتأكد انه يجر فدوة نحو الهاوية، قطع شروده دخولها اليه وهي
محملة بيدها أكياس بلاستيكية تحوي طعام.

عقد حاجبيه باستغراب وهو يشاهدها تخرج الطعام على الطاولة الصغيرة بجانب الأريكة بآلية دون أن تنبت بشيء.
بتعملي ايه؟
اتاها سؤاله بنبرة جامدة جعلتها ترفع نظراتها له وتجيب بأرتباك: جيبت لحضرتك أكل انت طول اليوم مكلتش حاجة
هز رأسه بأعتراض وهدر كي لا يجعلها تشتته كعادتها وتزيدها عليه: بس انا مش جعان.

تعلم أن ما تفعله غير منطقي وخاصًة بعد الحديث الذي دار بينهم بلأمس، ولكن ماذا تفعل بصرخات قلبها وقلقها عليه خاصًة أنه تناول الكثير من القهوة دون طعام وتعلم ان ذلك سيؤلم معدته، لذلك بررت وهي تتحاشى النظر له لكي تخفي قلقها: انت شربت قهوة وسجاير كتير من غير أكل
رق قلبه وتوسل عقله أن يتوارى
خلفه لو لبضع دقائق، ليتنهد بقوة وترتكز نظراته عليها وهي تقف تتحاشى النظر له وتفرك بيدها،.

طال صمته المعذب لها لذلك همست بيأس وهي تخطو نحو باب مكتبه: على العموم الأكل عندك اعمل اللي يريحك، عن اذنك هشوف شغلي
استني
قالها هو بصوت نافذ جمدها بأرضها، لينهض ويقترب منها قائلًا: اقعدي كُلي معايا علشان يبقى بينا عيش وملح قبل ما تمشي
أبتلعت ريقها بحلق جاف ورفعت نظراتها إليه تحاول أن تجد شيء يخبرها أنه لا يريد ذلك وانه سيتمسك بها، أما عنه فقد أرتبك أمام عيناها وهمس كي ترحمه من شتاتها: متبصليش كده.

هزت رأسها واعتذرت وهي تنكس نظراتها: آسفة، عن اذنك
وقبل ان تلتفت تمسك بكف يدها وقال بنبرة تحمل رجاء خفي بين طياتها: خليكِ
اغمضت عيناها لوهلة مترددة لحين تابع: علشان خاطري يا فتون خليكِ
تنهدت بقوة و وافقت بهز رأسها ليسحبها معه إلى الاريكة ويجلس أمام الطعام ويقول: كُلي معايا علشان تفتحي نفسي.

تنهدت وإنصاعت له فكانوا يتناولون الطعام بهدوء ويتبادلون النظرات الخاطفة بينهم بين كل حين وآخر لتحمحم وهي تمسح فمها: انا اكلت علشان مزعلكش بس حقيقي شبعت
أومأ لها وترك شوكته وهو لا يعلم ما عليه قوله، لتتسائل هي: تأمرني بحاجة يا مستر صقر
ازعجه رسميتها معه وملامح وجهها المتجمدة ليلعن ذاته بسره فعلى ماذا يلومها بعد حديثه لها، ليزفر بقوة ويأمرها قائلًا: هاتيلي قهوة.

صمتت دليل على اعتراضها ليبرر هو: اصلي منمتش من امبارح و عندي صداع هيفرتك دماغي
تحمحمت هي وسألته بحذر: منمتش ليه؟
أجابها بتلقائية دون تفكير وكأنها بسؤالها ذلك فتحت السبيل له: كنت بفكر فيكِ
حانت منها بسمة عابرة تحمل الألم بين طياتها و باغتته بسؤال أخر معاتب: بتفكر فيا ليه مش انا وحشة وملخبطاك وبشوش افكارك.

ابتسم بهدوء و نظر لها بدفئ بعدما سحب يدها واحتضنها بين راحتيه: انا مبقتش فاهم حاجة ومش عايز افكر فأي حاجة
تمعنت بملامحه الدافئة التي استشفت تشتته منها وهمهمت: بس اللي بتقوله ده مش منطقي...
قاطعها هو بنبرة قاطعة: عارف، وعارف كمان أن وجودك جنبي ممكن يخسرني اقرب الناس ليا بس مش عايزك تبعدي، خليكِ جنبي يا فتون.

شعرت بتراقص ضربات قلبها فهي ايضاً لن تقوى على ذلك فما نالته بقربه من أمان كان كفيل ان يجعلها تتمسك به لأخر نفس بها ولكن ماذا عن الآخرى التي يربط حياته بها، وعند ذكرها تذكرت أكمل وتهديده لها، لذلك خاطرت و ضغطت عليه على امل أن يتمسك بها: مش هقدر أفضل جنبك يا صقر.

لتبتلع غصة مريرة بحلقها واستأنفت كي تُتمم مخطط ذلك اللعين أكمل وتنفذ رغبته التي يسعى لها من بادئة الأمر: هيبقى صعب عليا اشوف واحدة تانية تشاركني فيك
نظر لها نظرة مُطولة وظل صامت وبداخله تقام حرب ضارية تكاد تقضي عليه
ألتزمت هي الصمت ايضًا فهي تشعر به وتدرك أنها وضعته بموقف لا يحسد عليه ولكن لو كان يعلم ما مرت به لكان عذرها
وبعد تفكير منه دام لعدة دقائق تسائل وعينه تهيم بها وتترقب جوابها: تتجوزيني!

شهقت بعدم استيعاب وقالت متلعثمة: انت بتقول ايه يا صقر إنت عارف ان لو عملت كده ايه اللي هيحصل...
أجابها بتصميم وبكل ثقة: يحصل اللي يحصل المهم نكون مع بعض
فركت يدها وتلعثمت بعيون زائغة متوترة: بس في حاجات كتير انت متعرفهاش عني و...
قاطعها بإصرار وهو يرفع يدها لفمه ويلثمها ببطئ افقدها عقلها: اللي عرفته عنك وحسيته معاكِ كفيل يخليني أ، حب، ك ومفكرش في حاجة تانية.

نطق بها بتقطع وبنبرة صادقة نابعة من قلبه، جعلت البسمة تشق وجهها وتشعر بدقات قلبها تكاد تحطم ضلوعها لتخرج له وتصرح أنها ايضًا تعشقه حد الجنون.
ليستأنف بقرار قاطع غير قابل للنقاش: كتب الكتاب الاسبوع الجاي معنديش استعداد أصبر أكتر من كده وكمان علشان فرحة تبقى معانا، واوعدك اني هواجه بيكِ الدنيا كلها، بس مش دلوقتي محتاج شوية وقت علشان اتأكد من حاجة كده بخصوص فدوة.

قال أخر جملة بغموض لم يريحها، لتتسائل بترقب بعدها: أفهم من كده أنك هتسيبها؟
ربت على يدها مطمئنًا: هعمل اللي هيريحك، بس كل حاجة هتبقى في وقتها
هزت رأسها بتفهم ليعانق يدها بحميمية ويهمس بنبرة عاشقة نابعة من صميم قلبه وهو يشملها بدفء عيناه: بحبك يا فتون.

شددت أكثر على يده وهمهمت بتنهيدة مُسهدة: وانا كمان بحبك يا صقر، بحبك كان شعور بالراحة يمتلكها حين جذب رأسها يقربها منه و وضع قبلة مطولة على جبينها، لتغمض عيناها و تأخذ نفس طويل مستنشقة رائحة عطره الممزوج برائحته الرجولية باستمتاع وهمست وهي ترفع عينيها له: هو انت بتستحمي ب Perfume
ابتسم هو بعذوبة زادته وسامة على وسامته ثم رفع حاجبه بمشاكسة: مش عجباكِ ريحتي ولا ايه؟

هزت رأسها بلا وهمست بصدق: لأ بحبها جداً ده انا كل يوم مابعرفش انام غير لما اشمشم في الچاكت بتاعك شبه المدمنين
ضحك بقوة على عفويتها وكلماتها الفريدة من نوعها، لتتيه هي به وتبتسم بهدوء لتهدأ ضحكاته تدريجياً بعدما تشابكت نظراتهم ليرفع يده الى وجنتيها يتحسسها ببطئ نزولًا إلى ثغرها وكأنه يتعمد أن يفقدها عقلها ولكنها قاومت تأثيره و لملمت شتاتها وقالت وهي تدعي الثبات أمامه: متعملش كده!

نظر لها بهيام وأضاف بنبرة عاشقة وهو يميل عليها ويهمس بخطورة أمام ثغرها: انا عمري ماحسيت اني عايز اقرب كده غير معاكِ
تنحنحت بخفوت بعدما كادت أن تلتحم شفاههم: ص، قر علشان خاطري بلاش
زفر بنفاذ صبر ونهض يوليها ظهره يحاول أن يكبح رغبته المُلحة ليفرك ذقنه بغيظ هادرًا: ماشي هانت كلها كام يوم وتبقي مراتي وساعتها بقى مفيش صقر دي اللي بتموتني انا قربت اكره اسمي من كتر ما وقفتيني بيه.

ضحكت بقوة على حديثه وقالت بدلال تقصدته: صقر...
تنهد بعمق فمجرد نطقها بأسمه دون ألقاب يقشعر بدنه وتشعل حواسه دون وعي منها ليجيبها بنفاذ صبر بعدما ألتفت لها: نعم عايزة ايه؟
همست ببسمة ساحرة: بحبك
هز رأسه بلافائدة وتسللت البسمة لثغره ايضًا فقد كانت السعادة تغمرهم لتصريحهم لبعض، غافلين أن تلك بداية لعنتهم معًا.

دلفت الى مكتبها وهي شاردة أرتمت على مقعدها بتخاذل تشعر أن قلبها يعتصر من الألم فحديثه قد أثار حنقها بشدة نعم تلك المرة الأولى التي تشعر بكل تلك المشاعر تجاهه فكان في السابق لم يدع لها فرصة لتختبر الأمر؛ من كثرة اهتمامه المفرط بها وبأدق تفاصيلها فكان هو دائمًا من يبادر بكل شيء. طرقات على باب مكتبها أخرجتها من شرودها رفعت رأسها بثبات وهي تأذن للطارق بالدخول لتنكمش ملامحها بضيق عندما رأته يتقدم نحوها لتنهض بتأهب متسائلة: مازن انت بتعمل ايه هنا ده مكان شغل.

ابتسم مازن وقال بإصرار أغاظها: لازم اتكلم معاكِ وانتِ مش عطياني فرصة
انا هسافر كمان كام يوم ومحتاج اعرف قرارك
زفرت مي بضيق وردت: انا قولتلك ألف مره قبل كده مش هينفع نكون مع بعض
رد هو بحدة وبصوت منفعل اغاظها: ليه ان شاء الله ناقصني ايه يا هانم
رفعت سبابتها بوجه تحذره: متعليش صوتك واتكلم كويس
زمجر هو غاضبًا: انا لازم افهم، دوختيني وراكِ وفي الأخر تقوليلي مش هينفع ليه اديني سبب.

تنهدت بعمق ثم قالت بصدق: علشان من ساعة ما رجعت وحساك غريب عني انا طلعت معرفكش يا مازن ومعنديش استعداد ادخل في أي علاقة تانية
رد هو بغضب ونبرة جهورية: قولي انك بتحبي سي هاشم بتاعك ومش قادرة على بعده
اغمضت عيناها بنفاذ صبر وهدرت بعصبية: ميشغلكش بس كل اللي اقدر اقولهولك شيلني من دماغك علشان مستحيل يبقى في امل لرجعونا.

انا موعدتكش بحاجة انت اللي اتطفلت عليا وكنت بصدك دايمًا ومتهيئلي أن مازن العدوي لسه عنده كرامه ومش هيهنها اكتر من كده ولا هيعترض طريقي تاني...
قالتها متهكمة كي تجعله لا يحرج ذاته أكثر ويحافظ على ماء وجهه ولكنه زمجر متوعدًا بعد حديثها وهو يضرب بقبضته سطح مكتبها: انتِ فاكرة نفسك ايه ورحمة امي ما هسيبك يا مي غير لما اندمك.

لترد مي بعصبية وهي تتوجه للباب وتفتحه على مسراعيه: أنت مجنون، اطلع بره ومش عايزة اشوف وشك تاني واعلى ما في خيلك اعمله
ليخطوا ويتخطاها وهو يتوعد لها بالكثير لتباغته هي بغلق باب مكتبها مما جعله يزفر بحنق ويلعنها وإن خطى خطوتين بعيد عن مكتبها وقعت عينه على هاشم يقف بجمود مقابله ليبتسم مازن قاصد اغاظته ويتحدث بلؤم: ازيك يا دكتور مش باين ليه؟

دلك هاشم رقبته يحاول تهدئة إنفعاله ووقف مواجه له وتحدث بنبرة قوية متهكمة: تمام احسن منك كتير على الاقل مش لسه مكروش زيك
جز مازن على نواجذه وهدر من بين اسنانه: بكره مش هتبقي غير ليا وانت أتأكدت انها بتحبني من زمان هي بس بتتدلل عليا وانا راضي، اطلع بس أنت منها
حانت من هاشم بسمة هازئة وتحدث بعدما وضع يده بجيب بنطاله بكل ثقة: انتم الاتنين لايقين على بعض كتير اهنيك على اختيارك.

قالها وهو يرشقهم بالتناوب بنظرات محتقرة، بعدما تدارك وقوفها على باب مكتبها متسمرة، قبل أن يوليهم ظهره وينسحب أما هي كانت متخشبة لم تستوعب ما حدث منذ قليل فكانت تنوي المغادرة حين ألتقطت أخر ما تفوه به وكانت تلك الجملة المتهكمة كفيلة بتقطيع نياط قلبها وإسقاط ما تبقى من كبريائها.

ليهمهم مازن بتلعثم ما أن اقترب منها: مي انا كنت بقو، قاطعته هي بحدة مبالغ بها: اخرس بقى ومش عايزة اشوف وشك تاني كفاية لغاية كده قالتها بإنفعال شديد قبل أن تدخل مكتبها من جديد وتغلق بابه بوجهه بقوة ليهدر بحقد ووعيد من بين أسنانه وهو يخطوا للخارج: حسابك تقل معايا اوي يا مي.

ليغادر المشفى ويتوجه لسيارته وإن كاد يفتح بابها هجم عليه اثنان من الرجال ذو بنية قوية ودفعوه داخل سيارة دفع رباعي وانطلقوا به في لمح البصر.

صدح رنين هاتفها بإلحاح حين تناولته ونظرت للرقم الذي لم يسجل لديها لتجيب برتابة: الو مين؟
اتاها الرد من الطرف الآخر: ازيك يا ست هند
تلعثمت هند بذهول بعدما تعرفت على صوته الغليظ: انت عايز ايه؟
انتِ فاكرة اني لما اتسجنت انتِ خلصتي مني ولا ايه!
فعلًا كنت فكرت اني خلاص خلصت منك ومن الماضي الزفت ده عايز ايه خلصني.

عايزك تخرجيني من هنا في اقرب وقت علشان مش من مصلحتك افضل كتير كده علشان الأمانة ضاعت و منعرفش عنها حاجة
انت بتقول ايه انت متأكد
ايوة بس متقلقيش هرجعها لما أخرج
هشوفلك محامي يتنيل يخرجك بس مش عايزة اشوف وشك تاني واعتبر ده اخر حاجة هعملهالك انت فاهم
لم تستمع لرده بسبب تلك النبرة الصارمة التي افزعتها
بتكلمي مين يا امي؟

هدر بجملته بأستفهام بعدما ألتقط بضع كلمات من حديثها مع الطرف الآخر، فقد تسمرت بمكانها بعدما أغلقت الخط وزاغت نظراتها ثم همهمت بنبرة جاهدت أن تكون ثابتة:
ده، ده ولا حاجة النمرة غلط
عقد حاجبيه بعدم تصديق وتسائل بشك: متأكدة يا أمي ولا في حاجة وانتِ مخبياها عني
هخبي ايه لأ طبعًا قولتلك النمرة غلط أومأ وكاد أن يذهب لغرفته إلا أنها استوقفته.

ملحظتش حاجة غريبة النهاردة يا صقر بالجرايد، هز رأسه لتستأنف هي: كاتبين عن الحفلة بس مجبوش أي حاجة عن الرقصة الحمد لله ربنا ستر وعدت من غير فضايح بس ده مايمنعش أن ميعاد الفرح أخر الشهر
فرك صقر ذقنه بتردد وأردف متحجج بعدما عاد ادراجه لها: انا هأجل شوية
تاني تأجل، هو في ايه بالظبط انت امبارح كنت مرحب جداً بالفكرة
لتتضيق عيناها بشك وتستأنف: اوعى يكون في حد تاني في حياتك؟

تنهد بضيق وأجابها بسأم وبقطع أغاظها: امي انا تعبان وعايز انام وانتِ عارفة انا مبحبش اتناقش في قراراتي واللي انا قولتو دلوقتي هو اللي هيتم عن اذنك
قالها وهو يخطوا بعيد عنها دون إعطائها فرصة حتى للإعتراض أو فرض رأيها.

دخلت منزل والدتها بعد يوم كارثي بالنسبة لها فهي جلست بمكتبها تنتحب ولم تشعر بالوقت تنهدت بسأم وهي تلقى والدتها في انتظارها كعادتها كل يوم: وبعدين في تأخيرك ده انا مش قولتلك قبل كده متسهريش في المستشفى
أجابتها مي بتعب: مخدتش بالي من الوقت ياماما
تنهدت هنية ثم تسائلت: انا عرفت أن هاشم رجع
ابتسمت ساخرة وردت وهي ترتمي على أحد المقاعد وتلقي بحقيبتها: اه رجع متنسيش تباركيله البيه هيتجوز.

ردت هنيه بصدمة عارمة: انتِ بتقولي ايه؟!
اجابتها مي متهكمة وهي ترفع منكبيها: مستغربة ليه مش ده اللي كنتِ علطول تتعاركِ معايا علشانه وتنصفيه عليا علشان ياحرام بيحبني وميقدرش يعيش من غيري أهو هيتجوز انتِ لازم تفرحيله يا ماما ده ابن اخو جوزك برضو ويدوب بقى طليقي
انفعلت هنية من تهكمها وردت موبخة: اتكلمي كويس ومتنسيش إني أمك، انا متأكده ان هاشم ميعملش كده...

تنهدت هي بإحباط وقالت بنبرة مختنقة متألمة: برضو بتدافعي عنه، لأ اتأكدي البيه المخلص هيتجوز ومعداش على طلاقنا غير أيام
وهنا قالت هنية بنبرة متحسرة كي تؤنبها: حتى لو هيتجوز ده حقه انتِ حرماه من الخلفة وياما قولتلك ونصحتك بس انتِ حبه ليكِ كان منشف رأسك وغرك كنتِ فاكرة انه هيفضل طول عمره تحت رجلك ويتمنالك الرضا.

لمَ الجميع يتحامل عليها الآن حتى والدتها لم تعير أهتمام لندمها، تعلم أنها اخطأت ولكن هي ليست آثمة، لذلك وجدت ذاتها تصرخ بإنهيار وبنبرة معاتبة: كفاية، كفاية بطلي تحمليني فوق طاقتي وترمي عليا.

انا تعبت يا أمي، تعبت حسي بيا انا خسرته، عارفة يعني ايه خسرته ده حتى لغاية دلوقتي مصدق اني خنته و بيجرح فيا في الراحة والجاية، وانا والله معملتش حاجة غلط أنا مظلومة وطول عمري محافظة على شرفه وأسمه، انا بجد تعبت، تعبت يا أمي تفوهت بكلماتها بتقطع وبنبرة ممزقة تقطع نياط القلب ودمعاتها تنساب بغزارة دون انقطاع بعدما تخلت عن كبريائها. وظهر ضعفها أمام والدتها.

لتقترب هنية بخطوات حذرة وتربت على ظهرها بحنان وتقول تحاول تهدئتها: اهدي يا حبيبتي انا عارفة انك معملتيش كده انتِ تربية ايدي ومستحيل تغلطي غلط زي ده وانا مش قصدي أجي عليكِ انتِ بت قلبي ومفيش في الدنيا حد يحبك ويخاف عليكِ أدي انا متحسرة عليكِ و كنت بحاول انصحك واوعيكِ علشان كان نفسي تحافظي على بيتك وجوزك يا بنتي ده ربنا ميرضاش بخربان البيوت وسيدنا النبي عليه افضل الصلاه والسلام قال(إِنَّ أبغضَ الحَلالِ إلى اللهِ الطَّلاقُ).

رفعت مي عيناها لأمها وهمهمت بضعف: يعني انتِ مصدقاني يا ماما
هزت هنية رأسها بنعم لترتمي مي بأحضانها وتخبرها بنشيج قوي: انا بحبه ياماما ومش قادرة اتخيل حياتي من غيره
شددت هنية أكثر من احتضانها واخبرتها بفطنة واصرار: يبقى تستميتي وترجعيه ليكِ و متديش فرصة لوحدة تانية تاخده منك
رفعت مي رأسها وهدرت بعدم فهم: يعني اعمل ايه اروح أركع تحت رجليه وأقوله رجعني.

هزت هنية رأسها واجابتها بود: هقولك تعملي ايه بس انتِ سيبك من العند اللي بوظ حياتك ده
ابتسمت مي ببهوت من بين دمعاتها لحنو والدتها عليها وندمت أنها تفهمت خوفها سابقًا بشكل خاطئ.

تدلت من سيارتها بعدما وصلت للمنطقة التي تقطن بها وقبل أن تغلق باب سيارتها وتهم بالدخول للبناية استوقفها توقف سيارة فارهة أمامها تعترض طريقها لتأفف هي: ايه قلة الذوق دي متتحرك خليني أعدي يا بتاع انت
انفتح باب السيارة وهبط منها ذلك السمج الذي توعد لها سابقًا يقول بنبرة مشاكسة وهو يستند على باب سيارته: هي القطة علطول كده بتخربش، ما براحة علينا.

هتفت فتون بشراسة وهي تتخذ خطوتان للخلف: انت، عايز ايه وعرفت مكان بيتي ازاي؟
ابتسم بسماجة وقال وهو يغمز لها بمغزى: مشيت وراكِ من ساعة ما طلعتي من الشركة وبصراحة عايزك ياقطة أصلك انتِ دخلتي دماغي ومن يومها و هموت عليكِ
كتفت ذراعيها على صدرها وهتفت ساخرة وهي ترمقه باشمئزاز: هو علشان كل اللي تعرفهم كده لازم ابقى انا كمان زيهم.

للأسف يا مستر فهد طلبك مش عندي واتفضل من هنا بدل ما ألم عليك الشارع كله واعملك فضيحة
جز نواجذه بغيظ وقال يحاول أن يسايرها: خلاص طالما ملكيش في الشمال نكتب ورقتين ونبقى نقطعهم لما نزهق من بعض
زفرت بعصبية ورفعت سبابتها في وجهه هادرة بتحذير وبنظرات قاتلة: ابعد عن طريقي احسنلك انا نجوم السما اقربلك مني واللي انت قولته ده اكبر دليل على انك واحد حقير.

جز نواجذه بغضب من تهديدها الواضح له واستأنف بوعيد وهو ينظر لمحيط المكان خوفًا أن يكون استمع لها احد: مسيرك تليني و تغيري رأيك وانا هفضل مستني يا قطة
ليشرع في ركوب سيارته وقبل انطلاقه هتفت هي ساخرة: يبقى هتستني العمر كله
لينطلق بسرعة جنونية من امامها وحينها زفرت هي بإرتياح وهي تتطلع بأثره وإن تقدمت بضع خطوات الى بنايتها استوقفها سؤال حارس البناية الذي كان يشاهد ما يحدث من بعيد: هو في حاجة يا ست هانم.

أجابته هي بعدما
هزت رأسها: متشغلش بالك ياعم عبده
لتتخطاه وتصعد الى شقتها
ليضرب الحارس كف على آخر بعدم رضا وهو يتطلع لآثارها والكثير من القصص الواهية تحاك برأسه بشأن سلوكها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة