قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث عشر

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث عشر

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث عشر

ظلت تتقلب في فراشها طول الليل تنتظر سطوع الضوء بفارغ الصبر فكادت أفكارها تطيح بعقلها فقد سئمت كل شيء و رغم محاولاته العدة معها ولكن لن ينطلي عليها اسبابه الواهية لتركها فيكفي ما نالته منه من خذلان وبعد ذلك العرض الذي عرضه عليها آسر قلب موازينها وجعلها تنظر إلى حياتها من منظور آخر.
زفرت بقوة وهي تنهض من فراشها وقامت بروتينها اليومي عازمة أن تزور صديقتها وتخبرها بكل ما يؤرقها.

بعد وقت قليل من وصولها إلى هناك وبعد أن تناولوا الفطور سويًا انسحبت والدتها لتتركهم بمفردهم وعندما طال صمتها هدرت مي بسأم: اتكلمي يا فدوة مش هنفضل طول اليوم قاعدين كده
ردت هي بدهشة: هو باين عليا اوي كده اني عايزة اقول حاجة
هزت مي رأسها بنفاذ صبر وقالت بأندفاع كعادتها: انتِ هتشليني يا بنتي يعني جيالي الساعة سبعة الصبح ومصحياني من احلى نومة وبتقوليلي شكلي باين عليه، اه ياستي باين، اتكلمي بقى.

تنهدت فدوة بعمق ثم همست مترقبة: أكمل يا مي
برقت عين مي وهدرت متسائلة: مالو سي أكمل مش كنا قفلنا السيرة دي
قصت فدوة كل شيء على صديقتها وبعد أن فرغت كل ما بجعبتها صرخت مي بها بحدة اجفلتها: انتِ اكيد مجنونة انتِ فرحك أخر الشهر
اغمضت فدوة عيناها تحاول أن تلملم عزيمتها و قالت دفعة واحدة: انا مش عايزة اتجوز صقر.

صرخت مي بها بعدما قبضت على ذراعها وهزتها بقوة: بتقولي ايه، انتِ عايزة تسيبي صقر علشان البني ادم ده انتِ محرمتيش.

غامت عين فدوة وفاضت بكل ما يعتمل بصدرها: يا مي افهميني انا مش هسيب صقر علشان أكمل انا زي ما قولتلك قبل كده وهفضل اقول لغاية أخر يوم في عمري اكمل حكايته خلصت والجرح اللي هو جرحهولي مستحيل تداويه كتر السنين، أفهميني، انا زهقت يا مي كل حاجة حواليا بتضغط عليا خالتو وتحكماتها وأكمل ومطارداته ليا وصقر وجوازي منه اللي مش قادرة اتخيل أن هيتقفل عليا انا وهو باب واحد وانا عمري ما حسيته غير اخويا الكبير انا عايزة اهرب من كل ده واشوف مستقبلي بعيد عنهم انا نفسي ابقى حاجة غير اللي هما فرضوها عليا افهميني يا مي وساعديني أخد القرار محتجاكِ تقويني مش تكسري فيا زيهم.

كانت تتحدث ودمعاتها تنهمر دون انقطاع وكأنها كانت تدخرهم لسنوات من الكتمان.

اقتربت مي منها واحتضنتها بقوة وقالت بنبرة متفهمة: اعملي اللي انتِ شيفاه صح يافدوة ملكيش دعوة برغباتهم هما اعملي اللي انتِ حباه وشايفة انك هتلاقي نفسك فيه دي حياتك انتِ متسمحيش لحد انه يتحكم فيها أكتر من كده واتأكدي اني هبقى معاكِ في أي قرار تاخديه طالما بعيد عن سي أكمل ده، أومأت فدوة لها وقالت وهي تمسح عبراتها: انا جايلي عرض حلو أوي في باريس وحاسة أني هحقق طموحي هناك واعمل اللي مش عارفة اعمله هنا انا هكلم صقر وانا متأكدة انه هيفهمني ويدعمني.

قالت مي تحاول ان تشد من أذرها: كلميه يافدوة انا متأكدة انه مش هيقف في طريق مستقبلك
شددت فدوة اكثر من احتضانها وقالت بأمتنان: لو سافرت هتوحشيني يا قطر ومش هعرف اعيش من غيرك...
تنهدت بعمق وقالت بنبرة يشوبها الألم والندم معًا: كل اللي بحبهم بيسبوني مجتش عليكِ
خرجت فدوة من احضانها ونظرت لها بعدما تفهمت مغزى حديثها: هاشم هيرجعلك يامي ده روحه فيكِ وانتِ عارفة.

ابتسمت ببهوت وهمهمت وهي تحاول أن تكون ثابتة وان لا تنهار وتزيد الأمر على صديقتها فيكفي ما بها: عارفة، لتستأنف مغيرة مجرى الحديث: عادي يادودو متشغليش بالك وبعدين في برامج كتير على Social Media نقدر نتكلم طول النهار والليل صوت وصورة كمان
يعني مش هتخلصي مني ليبتسمو الاثنان معًا بعدما عزمت فدوة وأخذت قرارها أن تخوض المعركة وتنتشل ذاتها من كل ذلك.

احضرت هي قهوته الصباحية ودخلت إليه بطلتها المذهلة ترتدي فستان فيروزي يضاهي لون مياه البحر الصافية المشابهة بنقائه قلبها المتيم به ورفعت شعرها على هيئة كعكة منمقة بعدما تركت خصلاتين على وجهها لتهمهم ببسمة هادئة
بعدما طالعته منهمك بالعمل: صباح الخير
رفع رأسه من على الورق الذي بين يديه ونظر لها بإعجاب شديد واعتلى ثغره ابتسامة رزينة مميزة حين همس: صباح الخير ايه الجمال ده.

ليؤشر لها أن تقترب، أبتسمت بخجل و وضعت قدح القهوة على سطح المكتب ثم اقتربت من مقعده ليتمسك هو بيدها بحنان ويرفعها الى فمه و يلثمها بهدوء مهلك ويتحدث بعدما رفع عينه الدافئة لها: مش عارف كنت عايش ازاي من غيرك يا فتون
تنهدت هي بعمق وردت بنبرة غامضة أثارت ريبته: ولا أنا، بجد مش عايز افتكر حتى حياتي قبلك، انت عوض ربنا ليا عن حاجات كتير أوي اتحرمت منها.

نهض مقابل لها وأستند بكفيه على سطح المكتب يحاصرها متسائلًا بفضول وهو لا يحيد بنظراته عنها: ليه دايماً بحس انك مريتي بتجارب صعبة ومأثرة فيكِ
أجابته فتون بصدق دون لحظة ترويٍ واحدة: انا من يوم ما شوفتك ونسيت كل حاجة وحسيت اني اتولدت من جديد اوعي تسبني يا صقر ولا تتخلى عني مهما حصل.

حانت منه بسمة عاشقة وهمس بكل ثقة وهو يرفع خصلاتها يضعها خلف اذنها: ما أقدرش أسيبك ده انا روحي فيكِ ومصدقت لقيتك بعد السنين دي كلها
رفعت رأسها له وتسألت بنظراتها ليبتسم هو ويستأنف: متستغربيش ايوة انا شوفتك من سنين
أبتلعت غصة بحلقها وفرت الدماء من وجهها وتسائلت بخوف احتل تقاسيمها: أزاي شوفتني فين فاهمني ياصقر
استغرب ما أصابها وتسائل وهو يتحسس وجنتها: مالك اتخضيتي كده؟

نفت برأسها وحاولت ان تغتصب بسمة على ثغرها: ابدًا بس استغربت مش اكتر
هز رأسه وقال مطمئنًا: متستغربيش وهبقى اقولك بس في الوقت المناسب
أومأت له ومازال الخوف يغزو قلبها، ولكن بسمته طمئنتها بعض الشيء فهي لاتنبأ بشيء سيء يمسها، لتتنهد وتخرج من مرمى يده قائلة: طيب مش هعطلك اكثر من كده كمل شغلك وانا هروح على مكتبي
أعتراض هو: ماشي بس مش قبل ما تديني بوسة.

قلبت عيناها بتذمر وقالت قاصدة التهرب: لأ، إحنا اتفقنا قبل كده مفيش الكلام ده
رفع حاجبه بمكر وقال بثقة: انتِ عارفة اني اقدر اكسر الاتفاق عادي بس انا محترم و بستأذنك
ابتسمت بعدما هزت رأسها بلا فائدة وأستأنفت: طيب بوسة واحدة من خدك
زفر بيأس وقال: ماشي، امري لله.

لتقترب منه بحذر وتقف على أطراف حذائها مقابل له وإن مالت على وجنته ألتف هو بخفة تزامنًا معها لتسقط قبلتها على فمه بغتة منها وإن حاول أن يستغل قربها ويتمكن من تقبيلها دفعته بقوة وهدرت بخجل: انت بتضحك عليا احنا متفقناش على كده
ابتسم بأتساع وقال وهو يتصنع الندم: طب حقك عليا مش هعمل كده تاني إلا بموافقتك.

رفعت نظراتها له وتسللت ضحكة عفوية على ثغرها بعدما شعرت انه يسايرها لتقول بمكر وهي ترفع حاجبيها: بتاخذني على أد عقلي مش كده
هز رأسه ورد مشاكسًا: حبيبتي مش لما الاقيلك عقل الأول
يعني انا مجنونة
اقترب من جديد منها وشملها بدفئ عيناه وقال بهدوء وهو يكبح رغبته بشدة في أن يدفن وجهه بثنايا عنقها البض الذي افقده صوابه منذ دخولها: ايوة مجنونة بس احلى مجنونة في الدنيا.

ليمد يده بخفة ويسحب رابطة شعرها يحرره ليسقط بإنسيابية على ذراعيها ليميل عليها ويهمس بأذنها بخطورة: لو شوفتك رافعة شعرك كده تاني متلوميش غير نفسك ساعتها مش هبقى مسؤول عن اللي هيحصل
اغمضت عيناها بقوة من تأثيره الطاغي عليها و هزت رأسها، ليتنهد ويأمرها بصرامة حتى يفض ذلك القرب المهلك بالنسبة له: روحي بقى اعمليلي قهوة بدل اللي بردت دي علشان اعرف اركز في الشغل.

حاضر من عيوني يا حبيبي شعر هو بأن بتلك الكلمة أشعلت نيران مستعرة يكافح لؤدها ليهتف بنفاذ صبر بعدما جلس من جديد خلف مكتبه: حبيبي كمان، حرام عليكِ ارحميني
روحي من قدامي علشان انا على اخري يافتون
ابتسمت هي بعذوبة فلأول مرة تغمرها مثل تلك السعادة المطلقة لتغادر تحت نظراته بعدما حملت فنجان القوة كي تستبدله.

عزمت أمرها أن تخبره بقرارتها وتمنت من الله أن لا يعترض طريقها ويدعمها مثلما يفعل دائمًا تنهدت بتوتر بعدما وصلت إلى شركته وحاولت جاهدة ان ترتب الكلمات بذهنها قبل وصولها اغمضت عيناها بعدما تمسكت بتلك القلادة برقبتها التي يهيئ لها أنها تمدها بالقوة ودلفت إلى مكتبه دون استئذان كان هو يجلس على مقعده الدوار موالي لها ظهره يتطلع الى الحائط الزجاجي بشرود حتى انه لم يشعر بدخولها.

ابتسمت بمكر واقتربت بخطوات حثيثة اليه ووضعت يدها تخفي عينه
تنهد هو بخفوت ثم وضع يده على يدها فوق عينه وقال بنبرة غريبة عليها: انا عارف ان نهايتي هتبقى على ايديكِ تعالي بقى، ليجذبها بقوة مواجه له لتتجمد كافة حواسه من المفاجأة فهو ظنها فاتنته ليتمتم بتوتر: فدوة
عقدت حاجبيها بدهشة من حديثه فهي لم تعتاد على ذلك منه وتسألت بريبة: انت عرفت منين انه انا ولا انت كنت مفكرني حد تاني؟

ابتلع ريقه بتوتر وقال بنبرة جاهد لتكون ثابتة بعدما اختلج كذبة مناسبة: لأ ابدًا يا دودو ده انا عرفتك من ريحة Perfume بتاعك تعالي اقعدي
استجابت له وجلست مقابلة له لتقول بتردد: كنت زهقانه و قولت اعدي عليك علشان نتغدا سوا
ضيق عينه وقال: عليا انا برضو، قوليلى مالك وايه اللي شغلك اوي كده مخلكيش صبرتي لغاية ما ارجع البيت
مطت فمهاوقالت: هو انت علطول قافشني كده بصراحة اه في موضوع كبير وعايزة اقولك عليه ب...

قاطعهم صوت فتون وهي تحمل فنجان القهوة الذي طلب منها استبداله: بدلتلك القهوة يا ح...
توقفت الكلمات بحلقها بعدما طالعت فدوة تجلس مواجهة له وتنظر إليها بأنتباه، فقد زاغت نظراتها بينهم وأرتبكت حتى أن القدح اهتز فوق الطبق وانسكب منه القليل بسبب رعشة يدها ليحمحم صقر يحاول تدارك الأمر:
هاتي القهوة يافتون وشوفي فدوة تشرب ايه.

تعمد التفوه بأسم الآخري حتى ينبهها، لتهز رأسها وتبتسم ببهوت قائلة بنبرة جاهدت لتكون ثابتة: اهلاً بحضرتك تحبي تشربي ايه؟
شملتها فدوة بنظراتها المتفحصة بعدما غزى الشك قلبها وقالت بنبرة هادئة: ولا حاجة شكراً لتباغتها بسؤالها: انتِ بتشتغلي هنا من كتير اول مرة اشوفك.

تناوبت النظرات بينهم وإن همت بالرد قاطعها صقر بحده وهو يوجه حديثه لفدوة: مش تحقيق يافدوة سيبيها تشوف شغلها ليؤشر لفتون بالانصراف، لتضع ما بيدها على المكتب وتنصاع اليه دون أن تتفوه ببنت شفه
وإن خرجت ساد الصمت بينهم لدقائق لتهمهم فدوة: لو مكنتش اعرفك كويس كنت قولت في حاجة بينك وبينها
فرك ذقنه بتوتر ورد متلعثم: فدوة، انا...

قاطعته هي بتسرع: متقولش حاجة ياصقر انا عارفة أن انت بتحبني بس يمكن بشكل مختلف بحكم ان انا وانت اتربينا مع بعض وانا منكرش اني بحترمك وبقدرك وعارفة كويس معزتي عندك وان ارتباطنا كان علشان نرضي خالتو مش اكتر
أغمض عينه بخزي من نفسه ولكنه حاول أن يبدو ثابتاً امامها ليهدر بنبرة هادئة اجادها: ملوش لازمة الكلام ده يا فدوة
تنهدت هي بعمق و وضحت: انا كنت جاية اصلاً علشان كده.

نهض صقر من مقعده وجلس مقابل لها هادرًا: مش فاهم يعني ايه؟
فركت يدها بتوتر وقالت بنبرة ضعيفة خوفًا من ردة فعله: يعني انا بحلك من ارتباطنا
ظل صامت ويحدجها بشكل مريب أثار ريبتها إلى أن رفعت عيناها له وهمست بإصرار: انت عارفني يا صقر بخاف على زعل خالتو وعارف أن كل اللي حصل
قاطعها صقر بتسائل مريب: ايه اللي اتغير يا فدوة!

أخبرته بتوتر: انا طول عمري بقدرك زي اخويا وحتى بعد ارتبطنا مفيش حاجة اتغيرت وفكرة الجواز رعباني
تقلصت معالمه وهدر بتوجس: يعني عايزة تسبيني علشان انا زي اخوكِ، مش علشان أكمل مش كده...
هزت رأسها بنفي قاطع واسترسلت بإصرار: لأ مش علشانه أكمل ده لو أخر راجل في الدنيا مستحيل أفكر فيه تاني ولا ارجعله.

نهض بقوة وولاها ظهره وقال بنبرة صارمة وهو يشعل سيجاره: أكيد في سبب غير ده يافدوة انا عارفك كويس مستحيل تاخدي قرار زى ده من فراغ
ردت هي بتوتر: بصراحة عايزة اسافر جايلي عرض كويس في باريس
مرر يده على وجهه بضيق وتطلع للفراغ بأفكار متضاربة مما جعلها
تتنهد بعدما طال صمته وقالت: انا متأكدة انك مش هتعارضني وهتقف جنبي زي ما بتعمل على طول. طول عمرك سند وظهر ليا متخذلنيش المرة دي علشان خاطري.

نظر لها وقال بجدية: انتِ عارفة معزتك عندي، ومش معنى انك تنفصلي عني أن ميهمنيش أمرك
ردت هي بأندفاع: عارفة والله وحاسة بحرب الأفكار اللي جواك بس دي رغبتي انا مش بحملك مسؤولية حاجة انت عمرك ما قصرت معايا في حاجة حتى لما كنت بتتشغل كنت بتعوضني عن غيابك لو سمحت يا صقر افهمني
تنهد بعمق وقال بحنق: امي مش هيعجبها الكلام ده ومش هتقتنع بسهولة.

ردت هي بثقة: انت هتبقي معايا و هتساعدني مش كده يا صقر تركزت نظراته عليها لثوان قبل أن يهز رأسه بهدوء ويستأنف: هحاول يافدوة وطالما دي رغبتك مش هقدر امنعك
ابتسمت بسعادة و قالت بأمتنان: ربنا يخليك ليا طب يلا نروح نتغدا مع خالتو وعمو محمد ده كتير بيسأل عليك بس انت يا أما مشغول يا أما مسافر.

فعلًا عندك حق انا مقصر معاه جدًا بس انا والله مش ساكت على موضوع سفره بره ده علشان العلاج ده فيه دكتور الماني اتواصلت معاه وبعتله report بحالته و لسه مردش عليا بس ان شاء الله خير
ربنا يطمنا عليه ده عمو محمد ده طيب اوي ياصقر
ابتسم وهو يلملم أغراضه الشخصية وقال لها بنبرة رزينة هادئة تخالف ضجيج رأسه: طب يلا علشان منتأخرش عليهم.

لتبادله الابتسامة وتتعلق بذراعه ويهمو بالخروج وإن مر من أمام مكتبها وجدها منشغلة بالعمل ولكن وجهها كان متخبط بحمرة لم يعلم سببها أهي غضب أَم شيء أخر ليتحمحم ويقول بثبات: انا ماشي يافتون الغي meeting بتاع الأقسام وياريت تروحي انتِ كمان
رمشت بأهدابها عدة مرات بعدما نهضت بأحترام وهي تجاهد أن تبدو ثابتة امامهم: تحت أمر حضرتك يا مستر صقر.

أومأ لها بضيق و أنصرف أما عن فدوة أبتسمت بمغزى بعدما تناوبت نظراتها بينهم وأدركت أن قرارها سيكون ايضًا لصالحه وذلك ما خفف عنها شعور الذنب لتركه.

زفرت مي بضيق وهي تفتح باب شقتها التي كانت تجمعهم سويًا فبعد إنصراف صديقتها من عندها قررت أن تذهب لشقتها تحضر بعض من اشيائها وتعمدت أن تتواجد في الوقت الذي هو به بالمشفى، فكانت تتحرك بخطوات ضعيفة وهي ترمق كل ركن بالشقة بإشتياق.

وتمر أمام عيناها ذكرياتهم معًا تنهدت بعمق وهي تتطلع لتلك الأريكة الذي كان ينام عليها أثناء عدم تواجدها معه وتذكرت تلك الكلمات التي كان يخصها بها (مقدرتش ادخل اوضة نومنا وانتِ مش معايا ) و ظلت تتساءل ترى هل ما زال كذلك بعد كل ما حدث؟ ابتسمت بألم بعدما فرت دمعة من عيناها حصرتًا على ما توصلت لها حياتها ثم رفعت ذلك القميص الملقي على الأريكة بأهمال واستنشقته وهي تضمه لصدرها بقوة لثوانِ معدودة تنم عن أشتياقها له وافتقادها لكل شيء يخصه، تنهدت بحزن ثم وضعته من جديد بعدما قبلته وتوجهت الى غرفة النوم وعندها توقفت كل حواسها بصدمة عارمة؛ فلم تجد غرفتها التي تعودت عليها بل وجدت آخرى بتراث أحدث حتى طلاء الغرفة تم تغيره بلون آخر شهقت بقوة ودون وعي أجهشت بالبكاء بحرقة بعدما أدركت انه تقصد أن يمحي ذكرياتهم معًا، ثوان وتناهى إلى مسامعها صوت فتح باب المرحاض لتدرك أنه هنا لتوليه ظهرها وتمسح عبراتها وتحاول أن تستعيد ثباتها.

أما هو فكان عاري الصدر ويحاوط خصره بمنشفة ويجفف خصلاته بآخرى حين صدم و وجودها أمامه، وإن تدارك الأمر همهم دون أن يعيرها أي اهتمام وهو يفتح خزانته ينتقي منها ملابس يرتديها: خير ايه اللي جابك؟
ألتفتت له وقالت بثبات اتقنته رغم رؤيتها لهيئته تلك التي بعثت بكافة جسدها القشعريرة وتداركت حينها مدى اشتياقها القاتل له: جيت أخد بقيت حاجتي اللي هنا ده لو معندكش مانع.

حانت منه بسمة هازئة وقال ببرود: حاجتك انا لميتهالك وكنت هبعتهالك عند مامتك مكنش ليه لازمة تتعبي جنابك
تنهدت بخفوت تحاول أن تكبح رغبتها بالبكاء من جديد بعدما افحمها بفعلته لتهمهم بنبرة مهزوزة: كتر خيرك يا دكتور انا هاخدهم
وأمشي
وإن كادت تخطو مبتعدة عنه باغتها بسؤاله ببرود جمد اطرافها: مقولتليش ايه رأيك في أوضة النوم الجديدة؟

التفتت له بعيون غائمة وقالت بنبرة ضعيفة تحمل بقايا كبريائها: انت فكرك لما غيرتها انك كده محيت كل حاجة تخصني انا متأكدة اني لسه جواك
ضحك هو بملء صوته الرجولي ساخراً منها ورد بلا مبالاه افحمتها: ايه الغرور ده، انا غيرتها علشان العروسة الجديدة مينفعش تدخل على عفش قديم ميصحش
لوهلة شعرت أن كل شيء يدور بها وتلك الكلمات تتردد بأذنها بلا إنقطاع لتهمهم بضعف وعدم استيعاب: انت هتتجوزها فعلاً ياهاشم.

أجابها بثقة دون تردد: وايه اللي يمنع اني اتجوزها انا اكتشفت أن في حاجات كتير اهم من الحب يا مي وكل الحاجات دي لقتها في نيرة
ابتسمت ببهوت وردت بنبرة متألمة خالية من كبريائها: وانا، وانا يا هاشم خلاص حكايتنا خلصت حكمت عليا و ريحت ضميرك
أجابها بحزم قاطع: ايوة خلصت وانتِ اللي خطيتي نهايتها بأيدك.

نكست رأسها وإن كادت ان تتحدث قاطعها هو بعدما اقترب منها بهدوء مريب أَهب حواسها حين رفع بأنامله رأسها إليه لينظر لعيناها ثم همس بخفوت مثير أمام وجهها: بس ده ميمنعش أن لو نفسك فيا انا مستعد ألبي كل رغباتك
احترقت غابات الزيتون خاصتها بلهيب الخذلان وقالت بعدما انسلتت دمعاتها الحارقة دون إرادة: متعملش كده ياهاشم بلاش تحاول تشوه صورتك في عيني، انت مش كده.

لاحت بسمة هازئة على ثغره وهدر ببرود جمد أوصالها: لأ أنا كده ومش هكون غير كده من هنا ورايح، وخليكِ متأكدة أن هاشم اللي تعرفيه مبقاش ليه وجود
وضعت يدها على وجهها بعدما تزايدت شهقاتها وتراجعت عدة خطوات للخلف بعدما أصابها ذلك الدوار اللعين الذي يراودها منذ أيام وجلست على طرف الفراش بضعف تحاول أن تكبح دمعاتها لكن دون جدوى.

ليأتيها نبرته القوية القاسية التي لم تتعود عليها منه: وفري دموعك واتفضلي علشان عايز ألبس علشان متأخرش على نيرة وياريت بلاش جو الصعبانيات ده مش هيدخل عليا
رفعت نظراتها الدامية إليه وهي مفحومة من حديثه القاسي لها، لتتناول نفس عميق تسترد به ثباتها ثم تنهض وهي تمسح عبراتها وتغادر كما أراد دون أن تتفوه بشيء اكثر.

أما عنه بعدما تأكد من خروجها من الشقة زئر بغضب وقام بتكسير كل شيء داخل تلك الغرفة اللعينة ليصبح حطام مثل قلبه الذي هدمته بأفعالها.

تجمعوا على مائدة الطعام يتجاذبون أطراف الحديث بينهم وبين الحين والآخر تحثه فدوة بعينها على الحديث مع خالتها لكنه لم ينصاع لها
لشعوره بالقلق عليها من ذلك القرار المتسرع حتى وإن كانت هي احلته من ارتباطهم تظل هي ابنة خالته التي تربت على يده وتعني له.
مالت هي على اذنه متذمرة: كلمها ياصقر انا عمالة اغمزلك من الصبح وانت مش فاهم.

هز رأسه بهدوء ورد عليها بخفوت حتى لايلفت نظر والدته: انا قولتلك هحاول بس لما اتأكد الاول من صاحب العرض واعرف تفاصيل ومش معني انك حلتيني من خطبتنا اني اسيبك تسافري من غير ما اكون مطمن عليكِ
تنهدت هي بقوة ومطت فمها وقالت بخفوت مماثل: بس انت وعدتني
هز رأسه لها، وقبل ان يجيب قاطعتهم هند بتهكم: ايه عمالين تتوشوشو ولا عاملين اعتبار لحد خلاص الحب مقطع بعضه.

اعتدلت فدوة بجلستها ونكست رأسها بحرج ليهدر محمد عم صقر بنبرة هادئة طيبة: سيبيهم ياهند براحتهم كفاية انهم قاعدين وسطينا و مونسنا
ليؤشر بيده لصقر بدعابة ويقول: كمل يا ولد وشوشة ملكش دعوة بأمك
ضحك صقر بأتساع وهو يقول: والله انت راجل سكرة ياعمي ربنا يخليك لينا
نهضت فدوة وقبلت عمه من وجنته قائلة بأمتنان وبكل تلقائية: انا بموت فيك ياعمو يا بخت خالتو بيك ده انت اكيد مدلعها.

وهنا صرخت هند موبخة: بنت احترمي نفسك واتفضلي كملي اكلك
اندثرت بسمة فدوة و أومأت لها بحزن وهدرت بعدما شعرت بالحرج: لأ انا شبعت وهطلع أوضتي عن اذنكم لتنصرف بينما هو
ظل ينظر لآثارها بضيق و هدر موجه حديثه لوالدته: امي ليه بتعامليها كده فدوة مش عيلة صغيرة علشان توجهي فيها علطول هي مغلطتش
تنهدت هند بسأم وردت بلامبالاه: متكبرش الموضوع ياصقر هي معندهاش أعتراض على طريقتي ولا تكون اشتكتلك.

اجابها هو منفعل: امي انتِ بتستغلي أنها مبتقدرش تزعلك و بتفرضي عليها تحكماتك
هتفت هند بسخط: انا بتحكم فيها علشان هي كل قراراتها غلط ولا نسيت
سيبيها تغلط وتتعلم من اخطائها هي مبقتش صغيرة
زفرت هند وردت بتأفف: يوووه انت مالك متحامل عليا ليه ومحموق أوي كده
قاطعهم عمه: اهدوا يا جماعة و انتِ ياهند انا شايف أن صقر عنده حق فدوة مش صغيرة.

هتفت بعصبية وبأندفاع دون تفكير في خطورة ما سينتج بعد حديثها: برضو هتقولي مش صغيرة ده ناقص تقولي اسلمها ميراثها كمان تتصرف فيه ما خلاص هي كبرت عليا، وعندما تلقت تلك النظرات المشدوهة تداركت زلفة لسانها لتزوغ نظراتها بينهم بتوتر وتبتلع ريقها في حين.

حانت منه بسمة هازئة على ما تفوهت به واستأنف ساخراً: ده كل اللي يهمك مش كده يا أمي حتى إصرارك عليا ارتبط بيها كان علشان خوفتي تطالبك بميراثها ويضيع من تحت ايدك لما تتجوز واحد تاني مش كده
رفعت رأسها له بجبروت وهدرت بحقد دفين: اصلاً ده حقي انا، انت عارف أن بابا كان بيفضل امها عليا وبيديها اكتر من حقها
ليستأنف عمه بخفوت لم تلتقطه: ليه حق ما انتِ طماعة عايزة تكوشي على الدنيا كلها.

نهض صقر بعصبية وقال بنبرة صارمة غير قابلة للنقاش: انا ندمان اني سمعت كلامك و ارتبطت بيها بس انا كنت فاكرك بتعملي كده علشان بتحبيها وبتحاولي تعوضيها عن يتمها بس الظاهر كان ليكِ حسابات تانية يا هند هانم ياعزازي انا كنت غافل عنها على العموم انا وهي فسخنا خطوبتنا ودي رغبتها هي، وانا غصب عني وعنك لازم نحترمها وميراثها هترجعيه ليها على داير المليم ولو مش عايزة انا هديهولها من نصيبك في الشركة.

لتعترض هي بقوة وتصيح بهستيرية: انت اكيد اتجننت مستحيل طبعاً
قاطعها هو بصرامة وبنبرة قوية: امي انا اللي عندي قولته وانتِ عارفة اني مش بتناقش في قراراتي
يا تديها حقها يا أما انا هتصرف عن اذنكم انا طالع اطيب خاطرها
لتنظر هي لأثره بغيظ فهي تعلمه تمام المعرفة لا يحيد عن قراراته.

ليقول عمه بعدما نهض من مقعده: ياريت هم الدنيا كلها فلوس يا هند مكنش حد غلب وبعدين انتِ ناقصك ايه ده خلاص مبقاش في العمر باقية الحقي اعملي لأخرتك واعملي حساب انك هتقفي قدام ربنا وتتسألي عن مال اليتيمة دي، رجعلها ميراثها ياهند
صرخت هي به بغضب بعدما أزاحت الصحون بيدها واوقعتهم على الأرض: انت عايز تنقطني انت كمان انتم ايه اللي جرالكم
وهنا ضرب كف على آخر و هز رأسه بيأس وانسحب وهو يدعو بصلاح حالها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة