قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

في تلك المدينة الصاخبة التي يعمها الضجيج وخاصًة في ذلك المطعم الراقي الذي تقصد حجزه بأكمله لإقامة اجتماعه به، جلس هو بشموخه ورسميته المعتادة يرتدي حلته السوداء أسفلها قميص أبيض يبرز قسمات جسده بحرفة مما جعل طلته تبدو منمقة للغاية ذات جاذبية خاصة بها.

فكان ينظر إلى ساعة يده كل دقيقة، يعلم أنه حضر مبكرًا عن الموعد ولكن ظل ينتظر مرور الدقائق بفارغ الصبر فهو يتوق لرؤيتها بذلك الثوب الذي انتقاه لها بعد عناء ليناسبها وأصر أن يكون ذو مواصفات خاصة حتى لا يلفت الأنظار لها، حانت منه بسمة هازئة على تفكيره بها يستغرب تصرفاته المتناقضة فهاهو لأول مرة يشعر أن بداخله حرب ضارية بين متطلبات قلبه وقرارات عقله الطاغية.

بعد وهلة احتبست انفاسه بصدره بعدما سقطت عينه عليها بذلك الثوب اللعين الذي توهم له أنه لا يلفت الأنظار؛ فما زادها إلا فتنة فهو يحتضن جسدها الممشوق بشكل متناسق شل عقله، وما زاد الأمر سوءٍ عليه هو رفعها لخصلاتها على هيئة ذيل حصان ليكشف عن عنقها بشكل مغري للغاية، لوهلة شعر أنه يود أن يتناسى كل شيء ويدفن رأسه بين ثنايا عنقها، ليخرس ذلك القلب اللعين بداخله و كعادته العقلانية نفض أفكاره العابثة بعيداً واخذ يمرر يده على ذقنه برزانة و بثبات حاول أن يتقنه متسائلًا: اتأخرتي ليه؟

ابتسمت بهدوء وهي تشير لساعة يدها: متأخرتش دي لسه سبعة إلا عشر دقايق
تنهد وازاح رأسه عنها
لتشاكسه هي: على فكرة شكلك مش حلو
عقد حاجبيه بدهشة لتستأنف هي: قصدي، وانت مكشر، ابتسم على الأقل علشان ضيوفك
استمر على ثباته دون رد حتى أنه اشعل سيجاره كي ينفث به ما يختلج بصدره من حرب موقدة.
لتتنهد هي بيأس وتقول: على العموم شكرًا على الفستان ذوقك حلو.

شملها بنظراته وأكتفى بهز رأسه ثم حثها على الجلوس، لتتنهد وتنصاع له دون حديث
فقد دام صمتهم لثوانِ لحين كسره وصول أعضاء اجتماعه المنشود.
فقد استقبلهم برحابة واهتمام وشاركته هي الترحاب بهم برسمية فكانوا ثلاث اشخاص من بينهم مترجم لهم نظرًا أنهم لا يتحدثون سوى الانجليزية
ليتحدث أحدهم ويدعى مارك: We were pleased to meet with you as you seem to say about you and is committed to respecting deadlines.

(لقد اسعدنا ان نجتمع معك فيبدو انه كما يقال عنك أنك ملتزم وتحترم المواعيد
أجاب صقر بإمتنان وعملية وهو يؤشر للمترجم أنه من سيقود الحديث: It is my pleasure to cooperate with me and with my compan
( من دواعي سروري تعاونكم معي و مع شركتي)
ليستأنف الآخر ويدعى ستيف وهو يرمق فتون بإعجاب واضح: Your wife and beautiful suits you.

(زوجتك جميلة و تلائمك)جمدت نظراته عليها بمشاعر متضاربة لا يعلم ماهيتها وهي تفرك يدها و تستمع لحديثهم بأهتمام ليتحمحم ويستأنف بثبات: It s not my wife only assistant
(ليست زوجتي انها فقط مساعدتي)
ليضحك ستيف ويخبره بدعابة: Sorry but your looks so excited me so that I almost called the Vatnh sqr
(عذرًا لكن نظراتك اشعرتني بذلك حتى كدت أن أطلق عليها فاتنة صقر).

تشابكت نظراتهم لثوانِ معدودة بارتباك بَين بعدما تفوه ستيف بذلك اللقب ليحمحم صقر وهو يحاول أن لا يتخلى عن رسميته: Be better to talk about the work so as not to waste time.

(يكون من الأفضل أن نتحدث بخصوص العمل حتى لا نهدر وقتنا ) رمقته بغيظ بعدما تفهمت حديثه لتزيح برأسها وهي تتمتم بخفوت من بين اسنانها: مغرور أوي والله ستيف ده بيفهم عنه لتتسع عيناها بمفاجأة عندما وقعت عينها على ذلك البغيض خاصة الصباح يتقدم منهم ويغمز لها بوقاحة تأففت بضيق وعدلت جلستها تتابع ترتيب الأوراق خاصة الاجتماع
لحين قاطعهم وصوله الى طاولتهم فهو يكون الطرف الثالث.

باجتماعهم ليعتذر بلباقة عكس طباعة الفذة، ويجلس بجوارها
تنهدت هي وقلبت عيناها بسأم وهي تلعنه بسرها بعدما شعرت أنه تعمد الألتصاق بجانبها وبعد بعض الوقت
ظلو يتناقشون ويتبادلون أطراف الحديث بعملية حتى انتهى اجتماعهم الذي لم يخلو من تراشق النظرات الحادة بين صقر وفهد ليتحدث فهد بغلظة وهو يرمق الآخر بخبث: لازم نشرب toast احتفالًا بلامتنة الحلوة لم ينتظر رد أحد وأشار للنادل بإحضار الخمر.

بينما تجهمت ملامح صقر من طلبه الغير مستحب بالنسبة له فهو لا يحتسي المشروب بتاتًا لذلك تحمحم بحرج والنادل يسكب له: انا مبشربش
ابتسم فهد بخبث بَين وتهكم: معقولة برضو مش هترحب بضيوفك عيب يا صقر بيه دى عندهم اسمها قلة تقدير هو انا اللي هقولك...

ابتسم له بأقتضاب فهو على يقين تام أنه يتعمد أن يحرجه أمامهم فقد أمسك كأسه وارتشف منه رشفة واحدة وابقاه بيده، ليتحدث بنبرة آمرة للنادل الذي يتوجه نحوها وكاد أن يسكب لها مثلهم: هي مش هتشرب هاتلها عصير
ابتسمت له بأمتنان انه تدارك الموقف دون حرج.
أومأ لها ببرود وباشر الحديث مع البقية، ليستغل فهد إنشغال صقر بالحديث و يميل برأسه يهمس لها: مش هعدي اللي عملتيه الصبح.

رفعت فتون حاجبها بتذمر وهمست بخفوت حتى لاتلفت النظر لحديثهم الجانبي: تستاهل علشان تحرم تتمادى
ابتسم فهد بخبث وهدر بخفوت مشابه: طب ايه رأيك لو مقومتيش رقصتي معايا وهوريكِ بقى التمادي بيبقى أزاي يا قطة.

ابتلعت ريقها بتوتر وهي تلاحظ عيون صقر تتابعهم لتزيح برأسها تلعن ذلك الفهد في حين هدر صقر من بين اسنانه موجه حديثه ل فهد: لو في حاجة عايز تستفسر عليها اسألني احسن، ابتسم الآخر بمكر وأضاف بنبرة متبجحة استفزت الآخر: لا انا كنت بقول نقوم نرقص.

رفق قوله بفعله أن نهض وهو يغلق ازرار حلته ومد لها يده لتشاركه الرقص تبادلت النظرات بينهم بضياع تنتظر أن يعترض لكن نظراته كانت مبهمة لم تتفهم منها شيء، شهقت بخفوت بعدما جذبها فهد لمستواه وهمس من بين اسنانه ببسمة سمجة للغاية: عيب لما تكسفيني قدامهم.

تناوبت النظرات بينهم لترى عيون الجميع تتربص بها وخاصًة ذلك المغرور الذي لم يكلف ذاته ويخلصها منه وكأنه لا يهمه أمرها، لذلك هزت رأسها ببسمة مغتاظة وتوجهت معه إلى حلبة الرقص تاركين خلفهم صقر الذي يجاهد على ثباته وابتسامته المجاملة وهو يطالعهم يتمايلون على أنغام تلك الموسيقى الهادئة.
فقد احتضن فهد خصرها بحميمية غير عابئ بتأفأها وامتعاض وجهها وهمس: اضحكي عيب بيتفرجوا علينا ما تبوظيش برستيچي قدامهم.

لتبتسم فتون بإصفرار وتهدر بجوار أذنه بشراسة: ابعد شوية أحسن تلاقي ضربة تحت الحزام، مش تقضي على برستيچك لأ على رجولتك كمان
ضحك فهد بملء صوته الرجولي على شراستها وثقتها الزائدة بنفسها ليرفع حاجبيه باستمتاع ويهمس: رغم شراستك لكن عجبتيني بموت انا في الستات الجامدة
نظرت له شذرًا وبملامح متقززة تلعنه بسرها.

أما عن صقر ظل يطالعهم و الدماء تندفع إلى رأسه جاهد أن يلهي نفسه عنهم لكن يشعر أن بركان ثائر وقد تفاقمت حممه برأسه فلم يشعر بذاته إلا وهو يقبض على كأسه بغيظ ويرفعه إلى فمه يتجرعه دفعة واحدة.
بعد عدة دقائق مرت عليه ببطء مميت.

حمد ربه أن أفراد اجتماعه استأذنوا بالانصراف بعد اقتراحه عليهم أن يتم استضافتهم باليخت خاصته يوم غد، فقد رحبوا بدعوته بأمتنان وتبادلوا التحيات على أمل اللقاء في اليوم التالي ليتقدم فهد بعدما قطع رقصته وتحدث بعدما ألتقط عرضه المغري لهم: وانا مش معزوم معاهم
ابتسم بغيظ من بين اسنانه بعد أن كور يده بغضب حتى نفرت عروقه يحاول كبح رغبته بلكمه وتحطيم رأسه: مظنش انك هتتبسط معانا.

تجهمت معالم فهد ونظر له بحقد بينما هو تابع بنبرة صارمة وهو يوجه حديثه لها: اتفضلي شغلنا خلص ولا تحبي تكملي السهرة مع البيه
هزت رأسها بنفي وسحبت حقيبتها واتبعته بعدما تجاهلت الآخر الذي كان ينظر لآثارهم بنظرة مسمومة لا تنبأ بالخير.

بعد يوم طويل بالعمل دلفت الى غرفتها قاصدة أن تأخذ جزء بسيط من الراحة إلا أن طرقات على باب غرفتها نبهتها أذنت للطارق بالدخول إذا بخالتها تدخل إليها: اتاخرتي ليه؟
Sorry
يا خالتو بس كان عندي شغل ويدوب خلصت و هموت وانام
عندي حفلة خيرية يوم التلات في الجمعية ومحتجاكِ انتِ وصقر علشان تساعديني وترقصي معاه زى كل سنة.

تنهدت فدوة بقلة حيلة: انا بتحرج يا خالتو ومش بحب ابقى under the lights وكل مرة اقولك بلاش وبعدين صقر مش هنا ده مسافر من يومين ويرجع في نفس يوم الحفلة هو وصاني اقولك علشان انتِ كنتِ مشغولة بالجمعية أومأت هند بتفهم وتابعت بصيغة أمر: هتسمعي الكلام، من إمتى بتعارضيني يا فدوة ولو على صقر كلميه وقوليله مش هيتاخر عني ابني وانا عارفه لتستأنف بتفاخر: لازم الناس كلها تشوف هند هانم العزازي وهي بتسعى للخير ولازم الصورة تكمل بيكم واه أعملي حسابك فستانك انا اللي هختاره مش ناقصة حد يتكلم علينا ويقول هند العزازي خطيبة ابنها عرة وتشبه الخدامين في لبسها تنهدت فدوة بضيق من تسلط خالتها التي لا تقوى على معارضته: حاضر يا خالتو هعمل اللي انتِ عايزاه بس انا هلكانه ونفسي انام دلوقتي.

ردت هند بتحكم: هو النوم هيطير كلميه الأول
حاضر بس شوية يكون خلص اجتماعه وهكلمه أومأت هند لها وانصرفت تاركة فدوة شاردة في أثرها فهي سأمت من تحكماتها الزائدة لكن شعورها بالأمتنان لها يتملكها دائمًا ويسلبها القرار.

ظل صامت يخطو بخطوات غاضبة غير عابئ أنها تتبعه إلى أن وصل أمام باب غرفته التي تجاور غرفتها تحمحمت هي بعدما فقدت الأمل من سماع صوته: تصبح على خير يا مستر صقر
جز نواجذه ولم يعقب عليها لتسترسل من جديد: هو حضرتك ايه اللي مضايقك هو انا غلطت في حاجة!
أغمض صقر عينه بقوة يحاول كبح غضبه وهو يهدر بنبرة جاهد لتكون هادئة: كل حاجة عملتيها النهاردة كانت غلط.

عقدت هي حاجبيها بعدم فهم وقالت: انا مش شايفه اني عملت حاجة ده انا حتى كنت لطيفة معاهم
رد صقر بغضب من تبريرها: محدش طلب منك تبقي لطيفة معاهم ولا ترقصي بمياعة
أجابته فتون بغيظ: انا مكنش ينفع اكسفه قدامهم وانا مكنتش بتمايع زي ما بتقول
زئر هو بغضب وهدر بعصبية غير مبررة: مبحبش المبررات وفي حاجات مبقبلش فيها نقاش الغلط عندي غلط مبعرفش اذوقه واحطه تحت بنود تانية.

انفعلت هي واندفعت في الحديث: و انا مش مجبرة أبرر لك على فكرة انت بأي صفة محموق أوي كده اللي يشوفك يقول جوزي أو حبيبي وغيران عليا
زاغت نظراته بصدمة من تهكمها الواضح فهي محقة، وهنا شعر بالخزي من مشاعره التي لم يعد يملك سُلطة عليها ليزفر بحنق وبعصبية مفرطة يدخل غرفته دون أن يعقب بشيء.

انتظرت هي رده لكن لم تحصل عليه تتبعته بعيناها وهو يدخل غرفته ويغلق بابها بعنف غير عابئ بها، لتضرب الأرض بقدميها بغيظ من معاملته لها فهو يكاد يصيبها بالجنون احيانًا تستشعره يهتم لها ويختلس النظرات واحيانًا أخرى يتجاهلها ولا يعيرها إهتمام حتى حدته معها غير مبررة بكل مرة تحاول سبر أغواره محاولة منها استنباط شيء منه لكن دون جدوى، والآن لا تعلم سبب ضيقها أهو بسبب المخطط اللعين أَم رغبة بأنه يبادلها لو قليلاً مما تشعر به نحوه، هزت رأسها تلعن افكارها التي ستصيبها بالجنون حتمًا ثم دخلت لغرفتها.

بعد منتصف الليل بقليل ظلت تتقلب بفراشها بسأم بعدما راودتها تلك الكوابيس المعتادة التي تذكرها بقسوة ابيها عليها لتسري رعشة قوية بجسدها أرتجفت على آثرها.

نهضت بأرق تتفقد خزانتها لتجلب قطعة ملابس تشعرها بالدفء الذي تفتقده دائما ابتسمت بخجل من بين تخبط أسنانها وتلك الرائحة تتسلل لأنفها المنبعثة من سترته فهي احضرتها معها بغرض أن تعيدها له لكن في كل مرة تتراجع فهي تشعر دائمًا بدفئ واحتواء غريب عندما ترتديها، سحبتها بحذر من خزانتها واشتمت تلك الرائحة التي مازالت عالقة بها بانتشاء وبعيون مغلقة ثم ارتدتها ودثرت نفسا بها ثم عادت للفراش مرة آخرى تتحايل على النوم، وبعد مرور عدة دقائق من محاولتها تناهى إلى مسامعها همهمات متألمة لتنتبه حواسها وهي تتبع مصدر الصوت، وهنا شهقت بذعر بعدما تأكدت أن الصوت يأتي من غرفته المجاورة لها، طرقت الباب عدة مرات متتالية لكن دون فائدة وعندما نفذ صبرها وكادت أن تصيح طالبة المساعدة فتح الباب وشهقت هي بخجل وهي تطالعه يرتدي بنطال قطني فقط وعاري الصدر و يتصبب عرقاً وخزها قلبها عندما لاحظت شحوبه وتمسكه لمعدته.

لتتحدث بلهفة لم تستطيع كبحها: مستر صقر مالك حاسس بأيه اجيبلك دكتور تحاشاها وخطى نحو فراشه واستلقى عليه بوهن واستطرد بنبرة جاهد أن تكون ثابتة: انا كويس عايزة ايه؟ ايه اللي مصحيكِ لغاية دلوقتي!
تلعثمت هي: أصل سمعتك بتتألم وقلقت
اقتربت منه بحذر تتحسس جبينه ليرفع هو عيناه المشتتة لها يطالعها عن قرب وهنا لم يتحمل وأزاح بيدها بعيدًا هادرًا بعصبية بعدها: قولتلك انا كويس.

لتتقلص ملامحه من الألم الذي يعتري معدته من جديد ورغم ذلك جاهد أن يكون ثابت أمامها حتى أنه قال بنبرة حادة آمرة: روحي نامي علشان معاد بكرة
لتهمم هي بعناد بعدما استشعرت كونه ليس على ما يرام: مش هنام واسيبك كده انت شكلك تعبان
طب قولي حاسس بأيه علشان اساعدك.

لأ، امشي هدر بها بصراخ اجفلها ورغم ذلك لم تستسلم وجثت بالأرض مقابل لفراشه وتمسكت بيده في حنان وتحدثت بنبرة راجية: علشان خاطري بلاش تعاند وتكابر اكتر من كده سيبني اساعدك
سحب يده كالملسوع ووضعها على عينه بعدما أسقطت نبرتها الحنونة حصونه المنيعة ليستأنف بعدما هدأت نبرته قليلاً: معدتي بتتقطع من ساعة ما شربت الكاس اللي السمج ده أصر عليه انا اصلًا معدتي حساسة وعلى طول تعباني.

هزت رأسها لأنه افصح لها وتخلي عن جموده اخيرًا وهمست: هجبلك حاجة سخنة تشربها من تحت وهشوفلك حاجة من الصيدلية
لتحمحم بخجل بعدما والته ظهرها: بس بالله عليك ألبس هدومك عقبال ما اجي.

لم تنتظر رده فكانت بلمح البصر قد اختفت من أمامه أما هو شبح ابتسامة متعبة كادت أن تغزو طرف فمه وهو يتطلع لأثرها، بعد عدة دقائق عادت إليه وبيدها كوب ساخن وبعض الحبوب العلاجية وضعتهم على الكومود وحاولت أن تساعده أن يعدل جلسته ثم ناولته الكوب وقام بشربه ثم ناولته الحبوب بعدها ليقول هو بهدوء بعدما شعر بأهتمامها المبالغ به: شكرًا يافتون تعبتك روحي نامي وانا هبقى احسن.

هزت رأسها برفض قاطع وقالت بإصرار: لأ انا مش هسيبك غير لما اطمن انك بقيت احسن
لتسحب مقعد جانب فراشه وتجلس عليه وتربع ساقيها بعفوية قائلة: يلا غمض عينك وحاول تنام
ابتسم لها بضعف وأغلق عينيه بتثاقل وسقط بالنوم دون شعور لتهيم هي به و بملامحه الساكنة بشرود تام، وبعد عدة دقائق تتنهدت بعمق و همست بخفوت لنفسها: شكل كلام فرحة صح و انا وقعت على بوزي وحبيتك يا يوچين.

بعد بعض الوقت فتح عينه بتمهل وعدل من جلسته بعدما شعر بأنه أفضل يطالعها غافية ومنكمشة على مقعدها ليتأملها لبرهة ثم يهمس بأسمها: فتون...
رفرفت بأهدابها بخفة حتى استفاقت مذعورة وصاحت: ايه اللي حصل هااا انا فين؟
اهدي يا فتون انتِ نمتي وانتِ قاعدة
ابتسمت هي براحة عندما وقع نظرها عليه وتسألت: انت احسن دلوقتي؟
أومأ لها بامتنان وقال: الحمد لله قوليلي ايه الاعشاب دى طعمها حلو وريحتني جدًا.

دي خلطة سحرية كانت ماما الله يرحمها بتعملهالي لما بتعب
رد صقر بنبرة هادئة: ربنا يرحمها شكراً يا فتون تعبتك
مفيش تعب أهم حاجة انك بقيت كويس
أومأ لها بأمتنان ثم عقد حاجبيه بدهشة بعد أن لفت نظره هيئتها ليباغتها بسؤاله: مش ده الچاكت بتاعي؟
ضحكت فتون بخجل وتلعثمت: اه بتاعك بس بصراحة مش ناوية ارجعه أصل حبيته أوي وبيدفيني
نظر لها بتمعن و همس بخفوت: ميغلاش عليكِ، بس الجو مش ساقعة ده إحنا في عز الصيف.

ابتسمت ببهوت ولا تعلم بماذا تخبره أتخبره بتعذيب والدها لها ودوافعها النفسية وراء شعورها الدائم بالصقيع، نفضت أفكارها ونهض قاصدة العودة لحجرتها وهي تهمهم: الحمد لله انك بقيت أحسن انا هروح أوضتي
تحمحم يعترض دون تفكير: استني خليكِ شوية انا مش جايلي نوم تعالي نقعد شوية في التراس.

لم تفكر حتى و هزت رأسها بموافقة فقد شعرت بأنها لا تريد أن تبتعد إنش واحد عنه وخصوصًا بعد استرساله معها بالحديث وتخليه عن جموده.

جلسوا يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث برحابة فهو فاجأها كثيراً فخلف شموخه ورسميته يوجد شخصية حنونة داعمة مراعية وفوق هذا متواضعة بشدة تنهدت وهي تجول ملامحه الرجوليه بإعجاب شديد وهو مستمر بالحديث بحماس عن شركته وطموحه وأفكاره الجامحة بخصوص العمل توقفت الكلمات بحلقه بعدما لاحظ تمعنها به يطالعها بعينان دافئة تخفي الكثير هامسًا بتشتت: بتبصيلي كده ليه...

تحمحمت هي بحرج بعد ما تصبغت وجنتيها بحمرة الخجل: آسفة مش قصدي انا كنت سرحانة بس يظهر اني عايزة انام ده النهار طلع محسناش
مش كان نفسك تشوفي الشروق من هنا اديكِ شوفتيه
هزت رأسها بنعم وهي تتسأل عن أي شروق يتحدث هي لم تلحظ غيره لم تزيح نظرها عنه وهل هي بذلك الغباء حتى تفوت عليها التمتع بتلك الدقائق بقربه، تنهدت بخفوت وقالت بعدما نهضت وخطت خطوتان بعيد عنه: تصبح على خير يا مستر صقر.

أومأ لها وإن التفتت وولته ظهرها أتاهها سؤاله بغتة
كان بيقولك ايه؟
هزت رأسها واستدارت له وجاوبته بعد أن تفهمت بفطنتها من يقصد بسؤاله: كلام عادي نصه مجاملات سخيفة
رد صقر بتفهم: ياريت بعد كده متجامليش حد وتفضلي قاعده في مكانك ومتتحركيش إلا بإذني.

ابتسمت فهي لأول مرة تستشعر أنه يكن لها شيء من المشاعر لذلك حاولت أن تسبر أغواره لعله يظهر تعلقه بها و يريحها: انا بشتغل معاك بشكل مؤقت متنساش اني هرجع القسم بتاعي أول ما نرجع
هز رأسه بقوة مستنكر الأمر وأردف بتسرع وهو يقترب يمسك ذراعها برفق: انتِ مش هتسيبيني انتِ فاهمة.

رقص قلبها وارتجف بين ضلوعها حتى أن بسمة مفتونة ظهرت على ثغرها، ولكنه نظر لها لبرهة واحدة كان كفيلة أن يتدارك زلفة لسانه: قصدي على الشغل انا اخدت عليكِ...

اندثرت بسمتها وهزت رأسها بخيبة أمل ودثرت نفسها بسترته أكثر واحتضنت جسدها بعدما تسرب إليها نسمات الصباح الباردة ليفاجأها هو عندما رفع يده دون ارادة منه وكأنه مغيب بها، يخلص تلك الخصلة الطويلة العالقة بداخل السترة ويفركها بين يده و يشملها بعيون مشتتة أربكتها لتعض على طرف شفاهها بخجل و تنحصر عينه على شفتاها ويقترب برأسه بهدوء أفقدها صوابها، زفرت هي الهواء قاصدة تهدئة وتيرة أنفاسها المتلاحقة من تأثيره عليها لتلفح جانب وجهه وعندها شعر أن جميع حصونه قد حطمت تحت قدمها، فذلك القرب المهلك بالنسبة له؛ يعد الجحيم بحد ذاته ولم يستطيع كبح رغبته أكثر مال برأسه قليلاً نحوها بعدما حاوطها بيده يريد أن يهدأ تلك النيران المندلعة به ولن يخمدها سوى ارتوائه من ثغرها.

أغمضت عيناها تحاول جاهدة أن لا تنهار بين يديه وان كادت تتلاحم شفاههم كان ذهنها وفعلها حاضر فقد أزاحت برأسها للجانب الآخر، أبتلع هو ريقه بحرج من ردة فعلها وانتفض بعيد عنها وإن كاد أن يتمتم بالأعتذار، تعالى رنين هاتفه بإلحاح ليزفر حانقًا ويتناول الهاتف وعندها تدارك فداحة فعلته الوشيكة بعد علمه بهوية المتصل، فقد هم بالخروج للشرفة ورد بأنفاس مضطربة أثر ثورته السابقة: فدوة عامله ايه؟

محتاسة من غيرك انت مكلمتنيش ولا مرة وسايبني مع خالتو تستفرض بيه حرام عليك ارجع بقى
حاضر يا حبيبتي مش هتأخر
خالتو عاملة حفلة خيرية بعد بكرة وزي كل سنة عايزاك تحضرها علشان بتقول لازم نساعدها علشان الرقصة أكيد هتبقى من نصيبك زي كل مرة
رد صقر ساخراً: والله امي دى هتجننى انا هاجي مهدود مفيش حيل للرقص و اظن بقى عازمة الاعلام كله علشان تتباهي بأعمالها الخيرية مش كده.

بالظبط كده وحياتي متتأخرش يا صقر وتسيبني لوحدي
حاضر هاجي من المطار على الحفلة علطول لا اله الا الله
محمد رسول الله توصل بالسلامة.

أغلق الخط وهو يستند على سور الشرفة بكفيه يلعن غبائه فأين ذهب ولائه لأبنة خالته هل سيخذلها ويكسر قلبها مرة أخرى كما فعل صديقه الغبي بها، لا لا هو لا يستطيع، نفض أفكاره بعدما تغلبت عليه ودلف إلى الداخل يطالع تلك المتخشبة بصدمة ويبدو أنها استمعت لحديثه ليهدر بعدما نفض رغبات قلبه و استرد جموده: واقفه كده ليه؟
مين فدوة؟
هدرت بها بضعف ويتملكها رغبة شديدة بالبكاء.

أجابها بجمود بعدما أشعل سيجارة ونفث دخانها بهدوء مريب صدمها: بنت خالتي وخطيبتي
خطيبتك، نطقت بها بحروف ترتجف لتخرج من فمها، ليؤكد هو وكأن الأمر منطقي للغاية:
اه خطيبتي
ليتحمحم يحاول صياغة مبرر واهي لاقترابه منها: فتون انا...
قاطعته هي بنبرة تعكس كسرة قلبها: اسكت لو سمحت انت مش مجبر تفسر حاجة، عن اذنك.

انصرفت بخطوات متعجلة الى غرفتها وهي تتوعد لذلك الأكمل فهي تفهمت الآن غايته من تورطها بذلك المخطط اللعين.

بعد أنتهاء يومها المشحون بالعمل جلست في أحد المطاعم المطلة على البحر بغرض تناول وجبة خفيفة تكافئ بها نفسها فقد رحل وتركها تتولى كل شيء بغيابه تنهدت بانزعاج فور تذكرها له وتلك الكلمة التي يتردد صداها بأذنها الى الآن الكلمة التي اعتقدت أنها فرصتها الثانية بالحياة؛ أصبحت كالفعل الموسوم الذي ادانها.

وهنا تمتمت لنفسها بغرور وكبرياء تمكن منها وهي تذم فمها بنزق: فاكر انه لما يختفي ويبعد عني هيعرف يعيش من غيري بكره هيرجع ويركع تحت رجلي علشان اسامحه على غبائه زي كل مره، قاطعها قول النادل بأحترام
تحبي تطلبي ايه يا فندم؟
نظرت له بأهتمام وإن همت للطلب قاطعهم نبرة رجولية مميزة تعرفها: هتلها ستيك
واستأنف بعدما جلس على الطاولة مقابل لها: ياريت انا كمان زيها.

طالعته بذهول لأقتحامه خلوتها واستطردت بتذمر: انت بترقبني يا مازن عرفت منين اني هنا؟
ضحك بمكر وأجابها: حبيبتي دي صدفة انتِ ناسية أن المطعم ده ليه ذكريات معايا
عقدت حاجبيها بعدم استيعاب وهي تجول المكان بزيتونتها فعلاً هو محق هنا كانا يلتقيان ولكنها تناست الأمر من كثرة ما اعتادت على زيارة المكان، فقد انتفضت متأففة عازمة المغادرة: اففف بقى انا ماشية.

وقف أمامها وهدر بتوسل: اقعدي يا مي عايز اتكلم معاكِ اديني فرصة واحدة بس
هزت رأسها بعدم اقتناع وردت: مينفعش بعد كل السنين دي
ليعقب هو: ليه انا عرفت انك اتطلقتي
شهقت هي بصدمة: انت عرفت منين!
ابتسم بخبث وقال: مفيش حاجة بتستخبى عرفت المستشفى كلها ملاحظين وملهمش سيرة غيركم
علشان هاشم عمره ما غاب كده
هزت رأسها وهدرت بسأم: وانت كنت في المستشفى بتعمل ايه إن شاء الله.

تحمحم وهو يجذبها لتجلس من جديد: كان نفسي اكلمك واطمن عليكِ بس ملقتكيش واخر ما زهقت أقعدت تحت بيتك لغاية ما شوفتك النهاردة الصبح ليستأنف وهو يدعي الأسف: انا آسف على اللي حصل الصبح بس أنتِ عصبتيني
ردت هي بإندفاع: انت بتستغل الموقف لصالحك مش كده؟ عايز مني ايه يا مازن؟ انت عارفني مبعرفش اذوق الكلام و مبحبش اللف والدوران
ابتسم مازن بهدوء وهو يسبل أهدابه قائلًا: ارجعيلي ونتجوز بعد ما عدتك تخلص.

ابتسمت ساخرة وهدرت بكبرياء: هو انت فاكرني تحت امرك ولا ايه مش موافقة طبعاً
أجابها بنبرة حادة غاضبة من رفضها وهو يطرق على الطاولة بيده: ليه لأ ليه ايه اللي يمنع زمان وكنت مش أد المقام لكن دلوقتي انا بقيت اغني من اهلك كلهم اللي رفضوني.

حديثه آثار حنقها وتلك النبرة التي استنبطت منها حقده الدفين أشعرتها بالنفور منه، فقد جالت المكان بعيناها بعدما وصل إلى مسامعها الهمهمات من زبائن المطعم فصوته كان كفيل بلفت كافة الأنظار لهم، لتزفر بقوة وتنهض عازمة الذهاب دون أن تعيره أهتمام لكن قبضة يده القوية على رسغها استوقفتها ليتحدث هو بغيظ: انا مش بكلمك سيباني وماشية هو انا مش مالي عينك ولا ايه؟

هدرت هي بشراسة من بين أسنانها: سيب إيدي يا مازن أحسنلك
هز رأسه رافضًا، لترفع سبابتها بوجهه وتتابع بنظرات قاتلة: لو فاكر أنك هتخوفني بصوتك وهتخليني أغير رأي بالحركات الغبية بتاعتك دي تبقى غلطان أنت عارفني كويس فبلاش تراهن عليا...
أغمض عينيه بقوة يحاول أن يتغاضى عن تهديدها له وكبت غضبه الذي سيفسد عليه كل شيء ليسترسل.

حديثة بهدوء تفنن في تصنعه يحاول إقناعها: انا عارف أن يمكن شعورك اتغير من ناحيتي بس علشان بعدنا عن بعض سنين
خدي وقتك وانا هستناكِ تاخدي قرار.

هزت رأسها دليل على رفضها و بداخلها تشعر بالضياع لا تعلم ماذا تريد فهاهو من تملك ذكرياتها وماضيها وأفكارها التي أطاحت بزواجها يطالبها بالزواج ولكن لما تشعر بالغرابة من ذاتها لمَ تشعر انه غير مألوف بالنسبة لها لمَ تنفر منه ومن تصرفاته، وهنا تأففت بضيق ونفضت يده وغادرت بتعجل دون ابداء رفض أو قبول لحديثه، بينما تتطلع هو لآثارها وتمتم متوعدًا: والله لكسر مناخيرك اللي في السما دي بس اصبري عليا وزي ما وقفتي في صف اهلك وخليتهم يستقلوا بيا هدمر حياتك وطلاقك ده اول خطوة في طريقي.

ليراوضه تلك الذكريات
التي كلما تذكرها يلعنها ويلعن حظه التعس وقتها فقد كانوا يدرسون سويًا وكان هو من أسرة بسيطة للغاية وكانت امه هي كل ما لديه و كل آمالها متجسدة به عندما قابل مي شعر أنها ستكون طريقه المختصر للوصول الى طموحه نظراً لثراء عائلتها وامتلاكهم تلك المشفى الاستثماري العريق لم ييأس من التملق لأبيها وطلب يدها ولكن بكل مرة كان يقابله بالرفض إلى أن عرض عليها أن يتزوجها رغمًا عنه.

ويضعه أمام الأمر الواقع لكن هي رفضت بشدة حتى لا تغضب والدها ليقرر هو السفر غير عابئ لحزن والدتها وتركها وحدها وقبل سفره بعدة أيام توفيت والدته حصرتًا عليه، نفض ذكرياته بقوة وتناول هاتفه ومتعلقاته والقى بعض النقود بأهمال على الطاولة وغادر المكان وهو يلعن حياته السابقة بكل ما فيها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة