قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الأول

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الأول

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الأول

في مدينة التاريخ والحُب والجمال، التي تنام شواطئها الطيبة على صدر البحر بلا خوف، وتناجي الأمواج الهادئة رمالها اللازوردية برحابة فهناك بتلك الساحرة تبدأ قصتنا ليسجل الزمان لهما أجمل قصائد الحُب واروع همساته.

بأحد المقاعد الرخامية القابعة على كوبري ستانلي بمدينتنا عروس البحر المتوسط الأسكندرية نرى ذلك الجالس بِهدوء ورزانة يراقب الأمواج المتلاطمة بشرود تام، فبعد عودته مباشرتًا من سفره الذي دام لأسبوعين اتى الى هنا،.

حقًا لا يعلم سر ذلك المكان بالنسبة له فهو يفضله كثيرًا و عندما يريد الاختلاء بنفسه دون شعور ينساق إليه كأنه مغيب دون ارادة، مهلًا ربما لأنه يذكره بها تلك صاحبة اللألئ الفضية الذي يقسم انه لم يرى مثلهم طوال حياته فمنذ تلك الليلة وهي تراوده في أحلامه، هو لا يؤمن بتراهات الحب ويظل دائما يتجنب الوقوع به يعلم ذاته جيدًا انه متلبد المشاعر ولا يتأثر بسهولة ولكن لايعلم ما الذي أصابه في ذلك اليوم ربما لعنة!

ابتسم باتساع وهو يتذكر ذلك اليوم منذ ثلاث سنوات
ففي إحدى ليالي الشتاء الممطرة
كان يسير بلا وجهة محددة تحت المطر ليستوقفه تلك الحسناء الواقفة تتأمل الأمواج المتلاطمة وعبراتها منسلة على وجنتها تمتزج بزخات المطر التي تغرق وجهها، تابعها بعينه وهي تتقدم من السور تحاول أن تقفز ليهرول بذعر وهو يصرخ بها ويتمسك بملابسها بقوة:
انتِ مجنونة عايزة تعملي ايه؟

سيبني ملكش دعوة انا عايزة أروح لماما ماتت وسبتني انا مش هعرف اعيش من غيرها
لف يده حول خصرها بأحكام وجذبها اليه بقوة وتحدث بنبرة هادئة: استهدي بالله واسمعي الكلام انزلي معايا الموت مش حل
ليستأنف بخفة مصطنعة عكس طباعه الصارمة: الموتة دي مش حلوة صدقيني دي الميا هتلاقيها تلج اسمعي الكلام واهدي ليضيف بجدية:
وبعدين ربنا مش هيسامحك وهتموتي كافرة اهدي وادعي لأمك بالرحمة.

حديثه أيقظ ذهنها فهي تخشي المياه وتلك النبرة الحنونة بصوته بثت بها الأمل من جديد لتهدأ دفعاتها وترفع رأسها اليه تنظر له بتشوش أثر غيمات عيناها وهي بين يديه، أما عنه فقد تجمدت اوصاله وهو يطالعها فهي فاتنة بحق تلك اللألئ الفضية النادرة وبشرتها الحليبية المتشربة بالحمرة وذلك الفم المنفرج بأغراء مهلك، مما جعله يبتلع ريقه ويتيه بها لثوانِ قبل أن يشعر بثقل جسدها بين يديه وسقوطها بأحضانه فاقدة للوعي، فما كان منه غير أن ينحني بجزعه ويحملها ويتوجه بها إلى سيارته.

فظل طوال الطريق يتطلع لها ويتساءل لما يا ترى فتاة بجمالها ورقتها تقبل على الانتحار تنهد بعمق وهو يتوقف أمام المشفى ليحملها من جديد ويدلف بها إلى الداخل.
أنتظر أمام الغرفة التي يتم فحصها بها وجلس يلتهم سجائره الى أن خرج صديقة المقرب هاشم فهذه المشفى ملكية خاصة لعائلته فقد بادر بالحديث فور أن ألتقط نظراته المتسائلة:.

متقلقش هتبقي كويسة هي بس ضعيفة اوي وباين عليها بقالها كذا يوم من غير أكل أنا علقتلها محليل تقويها شوية وهكتبلها على فيتامينات ونظام غذائي تمشي عليه.

ابتسم صقر بامتنان ليتسائل هاشم والفضول يتأكله: هي ايه حكاية البنت دي يا صقر
أجابه بعدما اعتلى جانب فمه بعدم اكتراث: مفيش حكاية ولا حاجة
أومأ هاشم بتفهم فهو يعلم صديقه لا يحبذ المراوغة وقال وهو يسحبه معه: ماشي يا عم براحتك تعالي معايا نملى البيانات بتاعتها الأول طيب
سلت يده واوقفه قائلًا: بيانات ايه انا معرفش عنها حاجة اتصرف انت
زفر هاشم وقال بقلة حيله: ماشي بس عد الجمايل.

ابتسم صقر بامتنان لصديقه وتركه و دخل لغرفتها يطالعها وهي نائمة في الفراش باستسلام فرغم شحوبها إلا أنها فاتنة، تنهد ونظرة إعجاب واضحة تلتمع بعينه وهو يتقدم من فراشها
ويجلس بالمقعد المقابل لها ليحدث نفسه بحيرة: ياتري ايه حكايتك؟
وليه واحدة برقتك دي وجمالك عايزة تموت نفسها.

زفر في ضيق وهو لا يعلم لما يهتم بأمرها ثم ألقى عليها نظرة أخيرة وهم بالانصراف من المشفى على أمل المرور في الصباح ليطمأن عليها؛ ولكن خيبت أماله فعندما ذهب لم يجدها كأنها تبخرت بحث عنها في كل إنش بالمشفى ولكن دون فائدة.
أفاق من شروده وذكرياته على صوت رنين هاتفه تناوله و أجاب باقتضاب: افندم خير
أتاه رد والدته من الطرف الآخر: انت فين لازم تيجي ونتكلم.

أجابها صقر بعدما اعتلى جانب فمه ببسمة متخاذلة: هنتكلم يا امي متستعجليش انا مش هتأخر.

أما في إحدى الكافيهات الكبرى القابعة في أكبر المراكز التجارية بالبلد كانت تجلس بإطلالتها الأنثوية الصارخة تجول المكان من حولها بتمعن شديد تريد أن تحدد صيدها القادم الى أن توقفت عيناها على ذلك الجالس على الطاولة القريبة منها يتفحصها بجرأة لم تغفل عنها، ابتسمت بمكر واستندت على مقعدها بثقة تسحب نفس عميق من سيجارتها ثم ذمت شفاهها للأمام وزفرت دخانها ببطء ثم بكل جرأة غمزت له بعيناها بمغزي تفهمه هو كدعوة صريحة منها، نهض و خطى نحوها بتمهل، ثم سحب المقعد المقابل لها وجلس وهو يبتسم ابتسامة خطيرة هامسًا ونظراته العابثة لا تحيد عنها:.

الجميل قاعد لوحده ليه؟
ضحكت هي وردت عليه بدلال: الجميل مبقاش لوحده ما انت قعدت معاه.
غمز لها وتحدث بجرأة أكبر: شكلها هتبقى ليلة عسل احب اعرفك بيا انا أكمل والجميل اسمه ايه؟
مش هيهمك اسمي اهم حاجة اني اقدر ابسطك واظن انت فاهم انا اقصد ايه
ضحك أكمل ضحكة مليئة بالشغب وهمس وهو يتأكلها بنظراته: اموت انا في الواثق في إمكانياته
ليغمز لها وينهض عن المقعد ويقترب منها قائلًا: طب يلا بقى شوقتني للمعركة.

انصاعت له ونهضت وعلى وجهها ابتسامة ماكرة ثم تعمدت التمايل أمامه بخطوات انثوية بحتة
ليقرص على شفاهه باسنانه بعبث وهو يظن أنه سيحصل على أمسية مميزة برفقة تلك الحسناء.

وبعد أن شرعو في ركوب سيارته الفارهة وبين حين وأخر كان يختلس لها النظرات التي كانت تفطن لها وتعلم المغزى منها، فقد انتهزت متابعته للطريق ثم سحبت هاتفها المتهالك في خفة وهي تخفيه عن أنظاره بحرص شديد وعبثت بأزراره قليلًا حتى أنتهت لتزفر وترسم بسمة على ثغرها متسائلة:
واخدني على فين يا باشا؟
أجابها بغموض وترها: هتعرفي لما نوصل ياحلوة
أومأت له بعيون زائغة وهي تضغط على حقيبتها.

ليبتسم بمكر وهو يتوجه بها نحو شقته المغمورة
وعند وصولهم، دلف بها الى غرفة النوم وعلى محياه ابتسامة عابثة ليشملها بنظراته ثم نزع قميصه بأهمال وتقدم ببطء منها، تراجعت هي بضع خطوات للخلف بتوجس الى أن ارتطمت بحافة الفراش وهنا ابتلعت ريقها ونظرت خلفها بذعر بَين، لتلملم شتاتها و تستوقفه بيدها متحججة:
هجيب كاسين نشربهم الأول
هز رأسه بالموافقة وهو يستلقي على الفراش و يتمطأ عليه بينما.

توجهت هي الى زجاجة المشروب لتسكب منها القليل وهي تتوارى عن نظراته وتدس بكأسه تلك الحبوب التي هي سبيلها الوحيد للفرار لتأرجح الكأس بين يدها وتتقدم منه بدلال وتناوله إياه
ليتناوله دون تردد و يتجرعه دفعة واحدة وإن انتهى منه ألقاه بأهمال ونهض يحضر زجاجة المشروب ويتجرعها كاملة وإن فرغ منها ألقاها على الأرض لتتهشم وتحدث ضجيج انتفضت هي على أثره، ليبتسم بلؤم و يجذبها من ذراعها يتوعد لها:.

مالك هو انا لسه عملت حاجة ده أنا هخلي صريخك يجيب الشارع اللي ورا
اذدرقت ريقها بخوف بهيئته وحدها بثت الرعب بها ليستأنف هو بنبرة غير متزنة: تعالي جنبي يا فدوة عايز اشبع منك انتي وحشتيني اوي
طالعته بذهول وهو يرجوها بنبرة هادئة يشوبها الألم: تعالي يا فدوتي.

وهنا ايقنت انه يهزي بسبب المشروب، لذلك حاولت ان تنفض خوفها بعيدًا وتسألت مع نفسها لما ينعتها فدوة هل هي حبيبته أَم زوجته، ترى هل يفتقدها إلى هذا الحد!؟
زفرت أنفاسها وهي تلعن فضولها ثم اغتصبت بسمة على ثغرها وهي تتقدم منه قائلة كي تسايره حتى يتم مفعول المخدر التي دسته بشرابه:
انا جنبك.

و بعد بضع دقائق قليلة ظلت تراوغه بالحديث وهو يتغزل بكلماته يهيئ له أنها شخص آخر حتى تشوشت رؤيته ودارت رأسه وسقط في سبات عميق،
لتزفر براحة ثم نهضت ورمقته بإشمئزاز و تناولت هاتفها من داخل حقيبتها وقامت بمهاتفة رقم تمقته بشدة مثل صاحبه وإن أتاها الرد من الطرف الآخر قالت باقتضاب:
حصل...

أغلقت الهاتف وهمت بمحو أي أثر لها ثم فتحت باب الشقة بتوجس وهي تنظر بحيطة لمحيط الدرج لتلمح شخصان ملثمان يصعدوا اليها بتعجل لتفتح المجال لهم ويدلفوا إلى الداخل، وحينها أغلقت الباب خلفهم ويكاد قلبها يسقط من بين ضلوعها من الخوف ليحدثها أحدهم بحدة خافتة:
اتأكدتي يابت انه اتخمد
أجابت بتلعثم: اه في سابع نومه
سأل الشخص الآخر المرافق لهم: انتِ كويسة يا ست البنات اوعي يكون البغل اللي جوة ده لمسك اموته وقتي.

لوت فمها بنفور وتهكمت: لا راجل اوي وفيك الخير. انا كويسة معمليش حاجة خلصو انتم بقى بسرعة قبل ما يفوق ويفضحنا أنا هنزل استناكم في العربية متتأخروش عليا
لتهم بالمغادرة ويقومون هم بغايتهم ألا وهي تجريد الشقة من مقتنياتها الثمينة.

ظلت ملازمة تلك السيارة المتهالكة وهي تلعن قلبها الذي يرتجف من الخوف حاوطت جسدها بذراعيها وهي تتذكر كل المرات اللعينة التي خضعت لهذا الشعور في كل مرة ينتابها الندم ولكن ليس بيدها فهي مجبرة برغم كل شيء فمن يدفعها لهذا الآثم الملطخ بالعار هو أبيها...

مهلًا لا يصح نعته بأبيها فهو قاسي مستبد عديم الرحمة أكثر شيء يجيده هو جمع المال وإنفاقه على المراهنات والخمور وملاذاته المحرمة فمنذ نعومة اظافرها كان يقسو عليها هي دون شقيقتها حتى أنها تتذكر أنه فمرة احتجزها دون طعام لعدة أيام عندما عارضته ورفضت الانصياع له ومرة أخرى أجلسها في صقيع الشتاء على الأرض مكبلة ولم يشفق عليها حتى أنها.

تتذكر نظراته هو يطالعها ترتجف لحين ازرق وجهها و انقطعت انفاسها من البرودة فمنذ ذلك الوقت وهي تكره الصقيع ودائمًا ما ترتدي أكثر من قطعة ملابس لتشعر بدفء حتى وإن كان الطقس لا يستحق فهي لديها دوافعها النفسية؛ فبعد موت والدتها منعها من استكمال جامعتها ودفعها للعمل لجلب المال عملت في كل شيء مباح ولكن كان دائمًا لا يكتفي ويطالب بالمزيد الى أن اقترح عليه المسمى جمال الأمر فهو رفيق السوء الذي يشاركه دنائته، ليسيطر على أبيها الطمع والجشع وهو يستساغ الأمر باستغلالها فهو غير عابئ بها وبشرفها وسمعتها فأهم شيء لديه هو المال الذي يجنيه من سرقة الرجال التي تتم هي بإغوائهم،.

تنهدت هي بضيق وخرجت من افكارها وهي تشعر أنها استنفذت صبرها فقد مر أزيد من نصف ساعة، وبعد عدة دقائق مرت كالدهر عليها همت بإشعال المحرك وهي تلمحهم يتقدمون من السيارة ويقومون بالصعود إليها بتعجل لتنطلق هي بهم بسرعة فائقة.

بعد وقت قليل توقفت بجانب الطريق ووضعت يدها على خافقها بإرتياح الى أن تحدث ابيها بحدة:
ايه يا سنيورة هي أول مرة ولا ايه مالك خايفه كده.
اجابته فتون بتوتر: انا فكل مرة ببقى مرعوبة انا اعصابي مبقتش مستحملة
رد ابيها المدعو عزت بسماجة: سلامة اعصابك ياروح امك اجمدي كده يابت مالك ده أنتِ حتى تربيتي ليقاطعهم جمال ساخرًا:
ايوة يا ست البنات انتي تربية عزت العايق يعني لازم قلبك يبقى حديد.

عقب عزت بتباهي وهو يربت على صدره: قول للسنيورة باين عليها نسيت مين عزت العايق ليوجه حديثه لها وهو يجذب ذراعها من موقعه:
ولا تحبي افكرك انا يا بت؟
ردت فتون وهي تحاول التماسك بعدما جذبت ذراعها من قبضته: لأ عارفة وفاكرة وعمري ما نسيت
ضحكوا الاثنين بسخرية
لترمقهم فتون باستحقار وتتحسر على قلة حيلتها وهي تشرع في القيادة من جديد.

بعد أن اوصلتهم الى تلك الباحة الخلفية لمنزلهم التي يحتفظون بمسروقاتهم بها توجهت إلى منزل صديقتها المقربة القابع بعد مسكنها بقليل، فهي ايضًا تعمل معها في ذلك المصنع القريب فاصديقتها مأمن اسرارها و كثيرًا ما تلجئ لها نظرًا لجلوسها بمفردها فزوج صديقاتها يعمل بأحدى دول الخليج سعياً وراء لقمة العيش وترك صديقتها دون أنيس لوحدتها سواها.

تسللت داخل البناية بحذر فهي تعلم أن طلتها تلك ستجلب لها القيل والقال وستجعل عيون الرجال تنهشها بطمع تنهدت بارتياح عندما وجدت صديقتها سبقت طرقاتها وفتحت باب الشقة وتدعوها للدخول قائلة:
خشي يا أختي قبل محد يشوفك بالشكل
ده انصاعت لها ودخلت الى الداخل لتغلق باب الشقة وهي تتفحصها بنظراتها الغاضبة: مش هترتاحي الا لما تموتيني من قلقي عليكي
وانا عملت ايه يا كوثر؟

لوت كوثر فمها وتهكمت: بصي لنفسك في المراية وانتي تعرفي!
نكست فتون رأسها وتنهدت بقلة حيلة لتعاتبها كوثر: ليه كده يا فتون كل مرة توعديني أنها أخر مرة ومفيش فايدة
تنهدت فتون بضيق وهي تنزع شعرها المستعار وتخلع ذلك الحذاء اللعين عن قدمها ثم فركت شعرها الحريري بفوضوية و تحدثت بنبرة يائسة:
انتي عارفة انه غصب عني مش كل مرة هقعد ابررلك.

يا حبيبتي انا خايفة عليكي افرضي في مرة معرفتيش تحطي الحبوب هتعملي ايه لو حد اتهجم عليكي
متقلقيش عليا ربنا بيسطرها
ثم أشارت إلى فستانها بحنق واستأنفت: انا هدخل اغير الزفت ده علشان طابق على نفسي
هزت كوثر رأسها بتفهم وهي تتوجه للشرفة بتوجس تستطلع إذا كان أحد يتتبع صديقتها.

دلفت الى الغرفة تغير ملابسها لتنسلت تلك الدمعة الخائنة من عيناها دون وعي فهي جاهدت للحفاظ على ثباتها المزعوم أمام صديقتها تعلم أن ما تفعله خاطئ ولا يوجد له مبرر؛ ولكن ماذا تفعل إذا جادلت او امتنعت يهددها بشقيقتها التي تصغرها ويهددها انه سيأخذها بدل عنها تنهدت بحرقة و هي تتذكر محاولاتها العدة للهروب ولكن في كل مرة يرجعها له بالإجبار بفضل علاقته الكثيرة في مجال الإجرام فمن لا يريد أن يؤدي خدمة ل عزت العايق ربيب السوء.

فبسببه مر عليها الكثير من الأمور البشعة التي افقدتها برائتها وطفولتها
أما الأن فالأمر اختلف فلم تعد تقوى على الهرب من جديد فهي تتراجع بسبب شقيقتها وتعلقها بها فهي ماتبقت لها بهذه الحياه و وصية والدتها لها التي عاهدتها ستحافظ عليها مهما كلفها الأمر.

مسحت عبراتها بظهر يدها واغمضت عيناها تسترد ثباتها من جديد فهي أمام الجميع صلدة قوية لا تبالي لتخطو إلى الخارج بعد أن أزالت مستحضرات التجميل من وجهها وعدلت هيئتها وارتدت عباءة فضفاضة سوداء ولفت وجهها بوشاح بنفس اللون لتنظر لصديقتها وهي تتحدث بهدوء:
ايوة كده رجعتي فتون اللي اعرفها
اجابتها فتون ببسمة متهكمة: ايوة يأختي رجعت فتون المقشفة من تاني
فشر، ده انتِ كده احلي الف مرة.

دي عيونك اللي حلوة يا كوثر انا لازم امشي اتأخرت على فرحة زمانها زهقت من قعدها لوحدها كل ده
لوت كوثر فمها بامتعاض متسائلة: امال المحروس ابوكي فين؟
راح يتصرف في الحاجة
عقبت كوثر بكره: منه لله هو السبب فكل حاجة انا مش عارفة ايه اللي جابرك قولتلك تعالي عيشي معايا
واسيب فرحة يا كوثر يستفرد بيها ويخدها بدالي لتلطم كوثر على صدرها باستياء وتقول:.

يالهوي ياخد فرحة مكانك دي عيلة لسه في ثانوي ابوكي ده مش هيرتاح غير لما اجيب كرشه بسكينة تلمة
لاحقت فتون حديثها: لأ بالله عليكي يا كوثر بلاش تقولي كده
أحتضنتها كوثر بعد ما التقطت نبرتها الخائفة: يا بت انا بحسك بنتي مش صحبتي انا خايفة لواحد من الرجالة اللي بتسرقوهم دول يبلغ ساعتها هيسجنوكي وانا مليش غيرك انتِ اللي مهونة عليا غربة جوزي ما أنتِ عارفة انا مليش حد ومقطوعة من شجرة.

طمئنتها فتون: متقلقيش مش هيفضحوا نفسهم يا كوثر الناس دي مفيش حاجة تهمهم غير سمعتهم وبس ومعظمهم بيبقى متجوز ومبيحبش يخرب بيته وبعدين حتى لو بلغوا الحكومة هيقولوا ايه! مفيش راجل هيفضح خيانته...

تنهدت كوثر بشيء من الاقتناع واجابتها بقلة حيله: ماشي يا فتون لما نشوف اخرتها معاكي انتي وعزت العايق
ابتسمت فتون بحب وقامت بتقبيل صديقاتها من وجنتها وهمت بالانصراف
تاركة صديقتها تنظر لأثارها بلا فائدة وتدعوا لها بالخلاص من براثن أبيها الآثمة.

أما في ذلك القصر المهيب الذي يشع بالفخامة والثراء، فكان مكون من ثلاث طوابق ويحاوطه حديقة شاسعة مبهرة بزهورها وخاصتًا زهرة الياسمين التي تنشر عبق خلاب في الأجواء وبركة السباحة القابعة بالباحة الخلفية للقصر نظرًا لشغف مالكها بالسباحة فقد أصر على عمل سلم خلفي يوصل الى جناحه دون عناء.

دلف هو بخطوات ثابتة نحو جناح والدته وطرق الباب بتمهل لتأذن له بالدخول، تقدم نحو المقعد وجلس عليه بكل ثقة مدعي اللامبالاة حين قالت هي:
طول عمرك قد كلمتك يا صقر متأخرتش
تنهد صقر وأجابها: خير عايزة ايه يا امي؟
انت لسه زعلان مني؟
تسائلت بتوجس جعله يجيبها بسخرية لاذعة: لا وازعل ليه فيها ايه يزعل إني اسافر شوية ارجع ألاقي امي متجوزة من عمي من غير علمي ولا كأن ليا لازمة، مفيهاش حاجة تزعل مش كده!

تنهدت بعمق ونهضت تجلس مقابل له وتحدثت بهدوء: حبيبي اللي عملته ده علشان خاطرك انت علشان احافظ على الإمبراطورية دي انا اتجوزت عمك علشان اضمن ان نصيبه يبقى تحت ايدك
اجابها بحدة اجفلتها: عذر اقبح من ذنب يا امي عمي دة حقه وانا عمري ما هاخده منه ده ميراثه الشرعي.

ردت هند تستنكر حديثه: لا مش حقه ابوك هو اللي كبر الشغل وعمل المستحيل لوحده و جدك كان غضبان على عمك وطرده علشان اتجوز واحدة مش من مستوانا زمان ولما فاق من غيبوبته بعد موتها رجع تاني يطلب السماح والرضي و جاي ياخد كل حاجة على الجاهز
لتستأنف بشراسة والجشع يقطر من حديثها: وده مش هيحصل يا صقر على جثتي لو جنيه واحد راحله.

رد صقر بثبات دون تهاون تخص مبادئه: طول عمرك بتحبي الفلوس أكتر من أي حاجة يا أمي على العموم اللي حصل حصل ياريت تعرفي بس اني عمري ما هاجي علي حد ولا اخد حق حد
ذلك أخر ما نطق به قبل أن يهب من جلسته وينصرف بخطوات غاضبة تاركها تستشيط من قراره فهي تعلمه جيدًا صارم و لا يحيد ابدًا عن رأيه.

خرجت من منزل صديقاتها قاصدة العودة الى منزلها في تلك المنطقة الشعبية التي تعج بالضجيج أخذت تسير بخطى ثابتة الى البناية وهي تلقي التحيات والسلامات على جيرانها
وحين دخلت اعتاب البناية استوقفها صوت ذكوري تمقت صاحبه بشدة...
فهو ذلك الغليظ معدوم النخوة الذي يعترض طريقها دائمًا، رفيق والدها يصيح بأسمها:
استني يا ست البنات
التفتت له وهي تطالعه شذرًا ثم ردت عليه بصوت جهوري متهكم: نعم، خير عايز ايه؟

اهدي بس انتي متعصبة ليه؟
كتفت فتون يدها على صدرها وهي ترفع حاجبها الأيسر وعقبت بنفاذ صبر: استغفر الله العظيم، اللهم ما طولك يا روح هو انت ايه يا بغل انت معندكش دم في الرايحة والجاية مستقصدني عايز ايه مش لسه كنت معاك
انا محبتش اتكلم قدام ابوكِ بصراحة انا عايزك يا ست البنات اتجوزك واظن مش هتلاقي احسن مني.

اجابته هي باستهزاء: تتجوزني ليه حد قالك عني بايرة ولا خلاص الرجالة خلصت من السوق علشان اتجوز واحد زيك يا حتة ميكانيكي نص كوم
حديثها اللاذع أثار حنقه بشدة حتى انه ابتلع ريقه بغضب و جذب ذراعها بعنف قائلًا من بين أسنانه:
وماله اللي زي هو انا يعبني ايه! انتي تحمدي ربنا اني هرضي بيكي يا بت العايق؟
ردت فتون بشراسة: مش ريداك وخلاص يا جمال ابعد بقى عن سكتي احسن ورحمة الغالية هصوت والم عليك الناس.

قالتها وهي تنفض يده بشراسة وتصعد الى شقتها القابعة بالدور الأول صافعة بابها تحت نظراته الغاضبة وتوعده لها.

دلفت إلى المنزل وهي تتأفف فهذه ليست بأول مرة توبخه بها فهو لا يمل وهي على دراية تامة بنواياه و تلتقط نظراته الشهوانية لها وتعلم ماهيتها ولكن هي تمقته بشدة فهو سبب ما توصلت إليه وهي لم تجازف فتحصل على نسخة آخرى من أبيها فهواجسها تخبرها دائمًا ان الرجال جميعًا سواسية في التجبر والقسوة والانانية.

تنهدت بخفوت وهي تتوجه لغرفة شقيقتها ثم فتحت باب الغرفة بتمهل لتجد شقيقتها تجلس تشاهد التلفاز باهتمام تقدمت منها وجلست بجوارها على الفراش و تحدثت بهدوء وهي تستند على كتفها:
مش هتبطلي تتفرجي على كارتون عيب عليكِ ده انتي بقيتي طولي
اجابتها فرحة وعيناها تلتمع: انا عمري ما هبطل اتفرج على كارتون حتى لو اتجوزت وخلفت وخصوصًا بقى الفيلم ده.

لتنظر لها فتون ساخرة وتجيبها: والله انتي هبلة ربنا يكون في عون اللي تبقي من نصيبه
لتنتفض فرحة بدفاع وتتحدث: كده يا تونة ده ربنا هيبقي بيحبه وبعدين انتي اصلك متعرفيش رپنزل علشان تحكمي عليها دي كيوت اوي ومجنونة شبهك
عقدت حاجبيها بتهكم فهي استشفت أن شقيقتها تتحدث عن بطلة هذا الفيلم الكارتوني المزعوم لتستأنف باستفهام:
شبهي ازاي يعني!
قالت فرحة توكد لها: ايوة شبهك لما حد بيقرب منك بتديله بالطاسة علطول.

ضحكت فتون من تشبيه شقيقتها لها الساخر وهي تردد: بقى كده! طاسة هااااه
ردت فرحة بخفة: اه عنيفة اوي يا تونة بس إن شاء الله تلاقي يوچين بتاعك ويغيرك
لترمقها فتون باستنكار فهي لم ولن تكون لقمة سائغة لأحد فيكفي اباها
انتفضوا بجذع على فتح باب الغرفة بقوة ودلوف أباهم وهو يترنح صارخًا: زعلتي جمال ليه يا سنيورة؟
اجابته فتون بإصرار رغم ذعرها من ردة فعله: اه زعلته وهفضل ازعله لغاية ما يبطل ويبعد عن سكتي.

تحدث عزت بفحيح: سكتك وسكته واحدة يا روح امك ولا انتي نسيتي انتي كنتي فين من شوية
اجابته فتون بنبرة متخاذلة: لأ منستش بس انت اللي جابرني على ده يا ابويا يلي المفروض تحميني وتبقي سند ليا زعلان أوي علشان زعلت سي جمال بتاعك
صرخ عزت بوعيد: عارفة لو ملمتيش نفسك واديتيله ريق حلو هعمل فيكي ايه يا سنيورة
ردت فتون بلا مبالاة: اعمل اللي تعمله.

وهنا انقض عليها و بكل قسوة لوى ذراعها خلف ظهرها: شكلك نسيتي يا روح امك عولق زمان تحبي افكرك
لتصرخ بألم وهو يشدد على ذراعها أكثر ولكنها رفضت التوسل اليه الى أن نهضت فرحة بذعر و حاولت تخليصها من براثنه:
خلاص يا بابا علشان خاطري سيبها هي هتسمع كلامك تناوب نظراته بينهم باشمئزاز لثوانِ ثم انصاع لها ونفضها عنه بغضب لتسقط على الأرض واستأنف بتحذير:
انا سيبتك علشان فرحة بس تاني مرة يا فتون هجيب اجلك.

لينصرف وهو يسبها سباب لاذع
بينما هي تحسست معصمها الذي ألمها متأوهة لتقول فرحة وعيناها تلمع بالدموع: كل اللي بيحصلك ده بسببي انا اسفة
احتضنتها فتون بحنان وربتت على ظهرها و تحدثت: اوعي اسمعك تقولي كده تاني
انتي عارفة انك اغلي حاجة في حياتي واني خايفة عليكي تبقي زي، انا كده بحميكي يا فرحة لغاية ما تكملي تعليمك وإذا كان على الضرب فهو مش جديد عليا ده أنا كل حتة في جسمي تشهد عليه.

تحدثت فرحة بامتنان و بمحبة خالصة من بين شهقاتها: انا بحبك اوي يا فتون لتبتسم فتون و تزيد من احتضانها وهي تقسم أنها على أتم الاستعداد أن تتحمل أي شيء من أجل شقيقتها.

في أحدى الشركات الكبرى لصناعة النسيج كانت الفوضى تعم المكان والكل يعمل على قدم وساق تحسبًا لعودة رب عملهم بعد غياب انتشرت الهمهمات في الأرجاء مُرحبة به وهو يدخل بطلته التي تخطف الأنفاس بكل وقار وشموخ وبخطوات ثابتة نحو مكتبه.
فقد جلس على المقعد بأريحية تامة و أخذ يتفحص الملفات أمامه بدقة حين قاطعه صوت انثوي يتعمد التغنج:
حمد الله على سلامتك يا مستر صقر.

أومأ لها ببرود وتسأل برسمية: ايه الملفات دي؟
ابتسمت بدلال زائد وردت بعنج تقصدته: دي تقارير كل حاجة حصلت في غيابك
رمقها بنفور و بنظرات غير راضية فهيئتها مبالغ بها كثيرًا أثارت حفيظته وخاصتًا
حين تحدثت بميوعة تثير التقزز: مبسوطة اوي اني هشتغل معاك
زفر حانقًا وتسائل بحدة اجفلتها: انتي بتشتغلي هنا من امتى؟

اجابته لمار بدلال وهي تبتسم وتقترب منه وتميل بجزعها عليه: من أسبوع تقريبًا مستر اكرم هو اللي نولني شرف قربك
تفهم غايتها ونفر من طريقتها حتى انه نهض يرمقها باحتقار قائلًا وهو يرفع سبابته بوجهها:
اوعي تتعدي حدودك معايا انتي فاهمة روحي على مكتبك ولما مستر اكرم يشرف ابعتهولي.

انصاعت الى أوامره وهي تشعر بإحباط شديد ورغم ذلك تهادت و تمايلت بخطوات انثاوية مدللة بغرض لفت انظاره ليزفر هو بحنق ويلعن كل شيء واولهم أكرم.

دلف إلى الشركة وهو يدندن بشجن ويلهو بسلسلة مفاتيحه حول إصبعه وهو يلقي التحية على العاملين بمشاكسة وهو في طريقه لمكتب صقر لتقع عينه على لمار منحنية تلتقط بعض الملفات من درج المكتب السفلي أقترب منها بخطوات حثيثة ومد يده بخفة وقرصها بخصرها وتحدث بوقاحة:
اموت انا في اللي بيركب الهوا.

شهقت هي بقوة بعدما سقطت الملفات منها على الأرض، لتضع يدها على قلبها وتعاتبه: كده برضو يا مستر اكرم خضتني وقلبي كان هيقف
قطم اكرم شفاهه بعبث قائلًا: سلامة قلبك، طب ممكن تسمحيلي اطمنه
قالها وهو يصوب نظراته على هدف محدد جعلها ترفع حاجبيها وتتماكر: هو مين ده يا مستر أكرم؟
أجابها بعد أن غمز بعينه: قلبك النونو هطبطب عليه
صدرت منها ضحكة صاخبة و لكزته بكتفه: انت شقي اوي يا مستر أكرم.

ابتسم هو وبجراءه أكبر قال: طب ايه رأيك اتحرش بيكي زي ما بتمني!
ضيق لمار عيناها وقالت متهكمة: هو اخرك تحرش بس ولا ايه!
أبتسم بمكر وخطى نحوها لتتراجع هي للخلف تستند على الحائط ليضع يده تحاصرها وعابثتيه تنظر لها بتحذير:
بلاش كلامك اللي بيزعل ده علشان انا أخري متقدريش عليه
ابتسمت بمكر وإن همت بالحديث قاطعها صوت صقر الذي تسائل بقوة اجفلتهم: ممكن افهم ايه بيحصل هنا بالظبط؟

ابتلعت ريقها بتوتر وهي تعدل من وقفتها ورد أكرم يدعي البراءة وهو يبتعد عنها: كنت عايز اقابلك بس هي مش راضية وبتقولي انك مشغول
لتتسع عيناها بدهشة فهو حقًا بارع بالكذب اومأ له صقر بتفهم ووجه حديثه لها: انا مش قولت لما يشرف تبعتهولي منعتيه ليه؟
ردت مبررة محاولة منها ملاحقة الموقف وإبعاد الشبهات عنها: محصلش يا فندم ده هو اللي بيضايقني.

ضحك اكرم ساخرًا وتحدث باستنكار وهو مازال يدعي البراءة: انا يا بنتي بضيقك ده انا مؤدب
شهقت هي بينما قاطع صقر عرضه الدرامي بصرامة: بس اسكت انت خالص
ثم أشار إليها بتحذير واستأنف بحزم: شوفي شغلك يا انسة وانت تعالى معايا عايزك
لينصاع أكرم له وما أن ولاهم صقر ظهره سار خلفه وهو يتلاعب بحاجبيه لها مما جعلها تدب الأرض تحتها وتكاد تموت بغيظها.

فتح جفونه بتثاقل وهو يعدل من نومته الغير مريحة بالمرة ويتأوه بخفوت وهو يحاول تدليك رأسه محاولة منه تخفيف ذلك الصداع اللعين الذي يفتك به أثر الكحول ليلعن تحت انفاسه و يجول بعينه في أرجاء الغرفة يرى الفوضى العارمة التي حلت بها، ومن بعدها نهض بعصبية وهو يسب سباب لاذع بعد أن فطن للأمر؛ تلك الحسناء من قامت بخداعه وسرقته، بحث عن هاتفه محاولة منه مهاتفة أحد رجاله لكن دون جدوى لم يجده ليصرخ بوعيد:.

يا بنت ال، وحياة أمك ما هسيبك مبقاش أكمل الصرفي أما سففتك تراب الأرض...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة