قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

طرق أحمد الباب وأجمل أبتسامة أن تراها رُسمت على وجهه ببراعة والفضل يعود لفن القدر في وضع لمسته الفاصلة...
بينما سيف بغض النظر عن حالته التي يرثى لها إلا أن البهجة للعودة صنعت نورًا مشرقًا خاصًا على ملامح وجهه الباهتة..
وبالطبع في أقل من دقيقة كانت مها تفتح لهم الباب ومن دون مقدمات كانت تجذب سيف لحضنها..
تتمتع وتستغل تلك اللحظة التي كانت تتبختر في غيابها فتلعب على أوتار الأم الحساسه!

تبكي وهي تحتضنه وتهمس بأسمه بين كل قبلة وقبلة:
-سيف، يا روحي، وحشتني أوي يا سيفو وحشتني يا حبيب ماما
أبتسم سيف لها و رد ب:
-وإنتِ وحشتيني أوي، كنت بنادي عليكِ كتير وأنا تعبان، وكنت عارف أنكم هتيجوا تاخدوني
اومأت مها مؤكدة بهيستيرية:
-طبعًا يا حبيبي طبعًا، أحنا مانقدرش نعيش من غيرك اصلاً.

وظلت هكذا تقبله بكل ذرة تمتلكها من حنان بينما كلاً من رضوى و احمد و والدتها و اخيرًا رودينا يراقبونها بابتسامة حانية...
حتى قال أحمد بصوت مجهد ولكن به شيئً من المرح:
-وأنا إيه شفاف؟! ولا حمدلله على السلامة يا حبيبي، عامل اية يا حبيبي، أي كذب حتى وأنا هعمل نفسي مصدق
نهضت مها لترتمي في حضنه باكية دون مقدمات، بل تتشبث به وكأنه طوق الغرق الوحيد والذي كان ينفذ من كثرة الضغط عليه!
فتابعت رضوى ضاحكة بفرح:.

-يووه، ده النهاردة اليوم العالمي للعياط بقا، تعيط قبل ما الواد يرجع وبعد ما يرجع كمان، صدق اللي قال الست المصرية نكدية لحد ما تموت
ضحك الجميع والفرح يتقافز بين جحورهم، عادا هي...
كانت تغلي والخوف يعتصرها، الخوف من المستقبل..
ذاك الخوف الذي هو من المفترض فطري، ولكن معها وبفضل تأثيرات النقاط أصبح خوف هيستيري..
أنتظار موجع بيده تحديد خط حياتها المائلة للإستقامة او القطع المباشر!

دلفوا جميعهم يتسامرون بخفوت، واخيرًا إختلطت نسماتهم المكهربة مؤخرًا بعاصفة الهدوء والراحة فعم السكون الناعم أرجاء المكان...
حتى قالت رضوى بصوت جاد وحازم:
-أنا بقول بقا نروح ل شهد ونبقى جمبها لحد ما جوزها يرجع بالسلامة
سألتها نبيلة متنهدة بقهر من ذاك - النكد - الذي يأبى تركهم لازج بسماجة:
-طب مش قولتي إن جوزها كلمها وطمنها عليه؟
اومأت رضوى مؤكدة بهدوء:.

-أيوة هي قالتلي كدة بس أكيد محتجانا بردو، كفاية إن خالي ماقدرش يكون معاها في الوقت ده
اومأت نبيلة لتتابع تساؤلاتها:
-وجوزك؟ هتشحتطيه تاني؟ مش كفاية بقالوا يومين بين هنا وفي بيته وشغله، ابقي خليه يروح بس بكرة وابقي روحي معاه
اومأت رضوى موافقة:
-منا عارفة
تدخلت مها تخبرهم بصوت أجش:
-طيب يا جماعة هي في البيت
هزت رضوى رأسها نفيًا وراحت تخبرها:.

-لأ، هي ومحسن مع البوليس بيدوروا على عمر وبيحاولوا يوصلوا لمكان الخط اللي كلمهم منه، يا مُسهل يارب
ورغمًا عنه وقعت عينا أحمد على رودينا الصامتة واقفة تفرك أصابعه ولا تحتاج لمرصاد ليرى كم التوتر الذي يحيط بها دونًا عن الكل..
وبلحظة عاصفة تقرر مصيرها المحتوم والذي كانت تماطل القدر فيه...
فصدح صوت أحمد الغاضب قائلاً:
-الأول في حاجة اتأخرت لازم تحصل وحالاً.

تلقائيًا نظرت مها نحو رودينا، أشواكًا لا تُعد ولا تُحصى من الكره توجهت نحو رودينا في تلك اللحظات..
وكأن تلك الغمامة التي كانت توقفهم - مؤقتًا - عن حرقها حية هي الفقدان!
ولكن الان، الوضع اختلف، والأيام اختلفت، والدقائق تغيرت ودقت ساعة الأنتقام..
ليتطيب اخر جرحًا يزم في نفوس الجميع من تلك السامة التي تجلس وسطهم!
نهض أحمد ليقترب من سيف يسأله بصوت هادئ كهدوء ما قبل العاصفة تمامًا:.

-رودينا كانت شيفاك وأنت نازل يا سيف صح؟
اومأ سيف مؤكدًا ببراءة:
-اه، وقولتلها تقول لماما إني رايح دريم بارك، بس معرفتش اروح وعمو اخدني
ودت رودينا في تلك اللحظة أن تقص لسان ذاك الطفل الغبي..
بكلمته تلك قُطع اخر أمل كان مفقود من الأساس..
اخر أمل صنعه عقلها الأنثوي الخبيث من عالم اللاشيئ!
بينما هبت العاصفة بوجهها متشكلة بصرخات أحمد الحارقة:.

-برررررة يا حيوانة إنتِ ملكيش مكان هنا، إنتِ بتقطعي الأيد اللي اتمدت لك مش بس بتعضيها، إنتِ زبالة ماتستاهليش أي حاجة كويسة حتى
همست بحنق بصوت يكاد يسمع:
-أحمد لو سمحت؟!
لوح بيده متابعًا بصوت أعلى وكأن رجاءها قد حصل على نتيجة عكسية:
-بلا احمد بلا نيلة، اتجوزتك رضا لأمي بس وقولت يلا اهي البت بتحبك، جيت على مها في مواقف كتير عشانك وقولت بتحصل، انما توصل ل أبني، لاااا ده انا احرقك وإنتِ حية.

ثم استدار يكمل وكأنه يؤنب نفسه:
-ولما ابني ضاع امي كانت فين هه؟ كانت في البلد مش لاقيه حجز عشان تيجي تكون جمب ابنها، نفعتني بأية لما سمعت كلامها ودخلت تعبانة على بيتي بأيدي، ولا حاجة!
إبتلعت رودينا علقم الإهانة الغائر وهي تحاول معه مختنقة:
-هروح فين طب وحتى ماما برة مصر دلوقتي
رفع كتفيه بلامبالاة ولكنها غاضبة في آنٍ واحد:
-معرفش، كنتي فكرتي في كدة قبل ما تعملي اللي عملتيه.

أشار له بيدها قبل أن تنغمس بدوامة مصطنعه من البكاء الحاد:
-طب ارجووك، هقولك حاجة بس وأعمل اللي أنت عاوزه ساعتها
زجرها بحدة:
-إنطقي هنا يلا
هزت رأسها نافية بأصرار:
-لأ ماينفعش، لازم في الاوضة لوحدنا لو سمحت
لم يدري ما جعله يوافق على مضض:
-ماشي انجزي يلا
ثم اتجهوا للداخل تحت نظرات الجميع المترقبة، لترميها مها ب - ضربة في منتصف الحزام - كما يقولون:
-ناس تخاف ماتختشيش، اما نشوف هتبوس رجله عشان تقعد ولا إيه!

مرت دقائق، لا بل ساعات، لم تدري كم مر تحديدًا وهي تراقب أنغلاق الباب الذي يخفي خلفه اهم قرار في حياتها هي شخصيًا حتى!
واخيرًا خرج احمد هادئًا، صامتًا وساكنًا على عكس ما دلف معها تمامًا...
تُرى كيف فعلتها؟!
كيف روضت ذلك النمر الشرس الذي كان يختلج بين ضلوعه مكشرًا عن أنيابه!
كيف غسلت عقله وبأي الحُجج إستطاعت!؟
ضربتها الصدمة والربكة قبل أي شيئ في مقتل وهي تسمعه يقول:
-أنا قررت.

سألته نبيلة وقد شعرت بما يحمله الموقف من خطورات زاجلة:
-أية يا أحمد؟
لم ينظر لأيًا منهم وهو يحسم نقطة النهاية:
-رودينا مش هتروح في حته، هتفضل معانا زي ما كانت!
نقطة وانتهت المعركة التي لم تنشب بعد حتى، الفوز للعقربة، وهنيئًا بفوز طويل، طويل جدًا!

فتح عمر الباب ليُفاجَئ ب حسين الذي كان يقف يطالعه ببرود هادئ ويرتكز بيداه على الباب..
تجمد مكانه للحظات مرت كعامل اخر يُثبت له تناسب مواقف القدر...
- الموقف المزعج لمن معروف عنه الازعاج -
أثارت تلك الكلمات التي رنت في خلده شعوره بالحنق، فيما قال حسين بسماجة:
-مش هتقولي ادخل ولا إيه ياض؟!
هز رأسه نافيًا بجدية:
-لأ طبعًا، مابطردش حد من بيتي، فما بالك أنت بقا
اومأ حسين بثقة:
-اه بحسب.

دلفا سويًا وقد لاحظ عمر نظرات حسين التي تتفحص المنزل يمينًا ويسارًا وكأنه يبحث عن شيئً ما..
وبالطبع كان عمر على علم ب ذاك الشيئ الذي يبحث عنه بعينان تموج خبثًا دفين!
ولكنه أسكت تفكيره المشتعل ليسأله بنبرة ذات مغزى:
-بتدور على حاجة يا حسين ولا إيه؟
نظر له ببرود رأى إنعكاسه على حلكة عينا عمر التي وهجت باحمرار مُخيف:
-اه، بدور على الموزة، هي فين؟!

كز عمر على أسنانه غيظًا، وبداخله دعوة صريحة من فوران الدماء بين عروقه أن يقتله جاذرًا أي تردد...
وإن كان، هو رجل، والرجل لا يترك زوجته علكة في ألسن الحمقى!
مدونة خطها في عُرفه العريق منذ أن خُلق، ولن يُغيرها مهما طال الزمن أو تغيرت عوامله...
فرد عليه بصوت جاد يحمل الجدية في طياته:
-لأ معنديش موزز يا حسين، بص ادامك احسن
اومأ حسين مسرعًا بمكر:
-أنا قصدي واحدة معدية بره، مش شهد يا عمر.

اومأ عمر متغاضيًا بصعوبة، ليتنهد بقوة مستعيدًا هدوءه الظاهري الجامد، تلك القشرة التي كاد حسين يُشققها في ثوانٍ معدودة!
ليقول بعدها ببرود:
-إيه وحشتك ولا إيه؟
اومأ حسين مؤكدًا، وقد تراقص خبثًا مدفونًا بين جلباب حروفه:
-اه جدًا، قولت أجي اطمن عليك، واشوفك عامل إيه مع زوجتك العزيزة
لم يرد عليه عمر مباشرةً، بل إلتزم الصمت حابسًا شعوره المميت بالغيظ داخله، بينما تابع حسين هامسًا:.

-أصل چودي هاتطق من كتر الغيرة، ف قولت أروح أطمن عليك وابقى اطمنها كمان بالوضع هنا
إرتسمت ابتسامة باردة بلفحة مُثلجة وهو يخبره واثقًا:
-لا أطمن وطمنها، كل حاجة عال اوي
صفق حسين بيده مرددًا بصوته الأجش والذي بدأ يعلو شيئ فشيئ:
-طب إيه مش هتشربني حاجة ولا إيه يا عمر باشا
نهض عمر مجيبًا بجدية:
-لا ازاي، هاشربك طبعا، دقايق وهابقى عندك.

ثم استدار ينوي المغادرة إلا أنه تصلب مكانه وهو يرى شهد بأسدالها تقف امامه حاملة الصينية عليها كوبان من الشاي..
شعر بنظرات حسين من خلفه تخترقها رغم سترتها..
تقدم منها مسرعًا يقبض على ذراعها بقوة قاصدة الألم في ضغطتها لتتأوه بصوت منخفض، بينما قال عمر بصوت يحمل كل أنواع الحدة:
-إنتِ غبية! إيه اللي جابك هنا ونزلك اصلاً؟!
إبتلعت ريقها بازدراء، وقد هربت الحروف من لسانها هروب السجين من غلال الشجاعة...

فيما ظل يهزها هو مزمجرًا في وجهها:
-هاتفضلي تتصرفي بغباء كدة لحد امتى؟! غبيييية
إبتلعت هي تلك الإهانة على مضض، صمتت والصمت تتسع مساحته بشكل مفزع في حياتها..
ولكنها أحكمت السيطرة على حروفًا مهشمة خرجت تحت ظلال الدفاع الواهي عن نفسها المُشققة:
-كنت باجيب لكم الشاي بس يا عمر!
هدر فيها بعنف:
-وهو حد طلب منك تجيبي حاجة؟!
هزت رأسها نافية، وقد صدح صوت حسين يزيد الوقود اشتعالاً:.

-ما تسيبها تقدم الشاي يلا يا عمر، هو انا هاكلها ولا إيه؟
تنفس عمر بصوت عالٍ بخشونة، يجيش بصدره الكثير والكثير حتى بات يجد صعوبة في الأنغماس وسط ذاك الغيظ!
ولا يدري إلى أي حد سيصل إستفزاز ذلك الصديق...
ولكنه قد وصل حد النهاية، تلك النهاية المطبوعة بواجب الصمت!
إلتفت له لتُصيبه نظراته بتذكار ما هو واجب عليه، حيث المبررات الكافية، فعاد لشهد يخبرها بصوت آمر:.

-روحي قدمي الشاي، وتختفي ماشوفش وشك لمدة 3 ايام عشان هولع فيكِ يا غالية
اومأت مسرعة لتسير بخطوات شبه راكضة نحو حسين تضع الصينية على المنضدة، وفجأة وبأقل من الثانية كادت قدمها تنزلق والكوب يسقط على يدها ليلتقطها حسين بين ذراعيه!
كانت تلك الحركة ك نقطة فاصلة في صبر كلاهما..
فانطلق عمر نحوهما هاتفًا بما يشبه الصراخ:
-شهههههد.

إنتفضت شهد تحاول تهوية يدها الملسوعة، بينما نظر لها حسين نظرة حملت ألوانًا ومعاني مختفية من الخبث، ثم قال:
-سلامتك، مش تاخدي بالك يا شوشو؟
أغمضت عيناها بقوة، تحرقها كلمته كما حرقتها لمسته تمامًا بخبثه الكاوي!
فتحت عيناها بعد لحظة وكاد لسانها ينصاع لأوامر قلبها المنتفض وترد:
-لأ أنا آآ
إلا انها وجدت عمر يقبض على ذراعها كأسيرة حرب خاسرة من البداية، ويرد بدلاً عنها بقسوة:.

-معلش هي دايمًا كدة غبية ومش بتاخد بالها من حاجة
تنهدت بصوت عالي، والحرقة عنوانًا لاهبًا وواضحًا لملامحها المتقلصة!
ستتحمل، ستصبر، ستهدئ، وربما ستظل تصمت، ولكن إلى متى؟!
سؤال يلتف حول ثنايا عقلها المذبذب ولا يملك الجواب، ابدًا!
بينما قال حسين بصوته الأجش:
-امممم، معلش مسيرها تتعلم
نَهض بهدوء لينظر لعمر الصلب خارجيًا، ثم أردف:
-طيب يلا يا عمر عشان عاوزك في حاجة كدة على إنفراد
أشار له عمر مرددًا بجدية:.

-طب ما تقعد اهو يا حسين، واساسا شهد مش هاتيجي تاني
إنتبهت لوضعها المتبلد في مكانها، لتحرك اقدامها بصعوبة متجهة نحو الاعلى..
يكفيها إهانات إلى الان!
بينما تابع حسين ببرود:
-لأ بردو ماينفعش، تعالى نطلع اوضتك او نروح أي حته برة
عقد عمر حاجبيه متعجبًا، ولكن نفضه سريعًا وهو يتجه للأعلى قائلاً:
-ماشي تعالى يلا
غادروا سويًا للأعلى، بينما كانت شهد تنظر لأثرهم، وفجأة إنفجرت في البكاء تحاول كتم شهقاتها..

تشعر بقلبها منقبض بشكل رهيب، وتلك القبضة تعتصره حد الموت!
الدقات لا تسير على شاكلتها، ووهم الحياة ينسحب جزئيًا، وهي جسدًا يُعاني مرارة الصبر!
ضغطت على يدها الحمراء الملتهبة، ليزداد نحيبها..
وبين الألم النفسي والجسدي هي تُناجي الرحمة، ولكن لا تمسها بطرف!
جاهلة هي في الأسباب عن الألم، ولكن الشعور غير مبهم بالمرة...
ويبقى الأساس، هي تتألم!
بل هي تُذبح ببطئ من كثرة الإهانات!

وفي مكتب عمل عبدالرحمن
غاضب هو، حانق مشتعل كجمرة، لا لا بل يشعر بجسده كله ك فتيلاً لا ينطفئ من النار التي استعرت به منذ علمه بأنها تنتظره في الخارج..
لا يدري تحديدًا ماذا تريد منه! ولكن كونها تخترق الهالة الحامية من عشقه الصادق التي تحيطه..
هذه خطورة في حد ذاتها، خطورة ستسبب فوضى حول ثنايا روحه الثابتة!

والله لا، لن يسمح لها مجددًا، لن يُعيد تلك الكرة الخاطئة مرتان، يكفيه ما ناله من تفجر قاسي بين مشاعره المتخبطه..
ولكن من مجرد قربها يُسلبه تركيزه في عمله او شيئ اخر!
تأفف عدة مرات، لمَ لم تذهب إلى الان؟!
تُصر على أثبات أنها تؤثر به؟! لن يسمح بذلك، او على الأقل لن يظهر لها ذلك!
فتح الباب قبل أن يسحب نفسًا عميقًا، وكما توقع وجدها تجلس على المقعد ورأسها بين يديها...

خُيل له أنها تبكي، تتساقط القطرات الساخنة من عيناها ببطئ!
ولكن عندما رفعت وجهها إليه، أيقن أنه لم يكن خيال، بل كان الواقع في حد ذاته!
وقبل أن يسألها ما بها حتى، وجدها تنهض لتقف امامه، عيناها حمراء بلون الدماء، عيناها كتلة من الألم لم تُروض للأخفاء، وملامحها وادٍ اخر...
لينة بلزوجة مقززة بالنسبة له، ومُحركة لجزءًا من مشاعره...
مشاعر الشفقة ليس إلا!

صمت مُكهرب أسدل ستائره على المكان، لم يقطعه سوى شهقت أسيل وهي تهتف:
-عبدالرحمن، أنا تعبانة، أوووي
ظل ينظر لها مطولاً، في كل مرة تخالف توقعاته، تفاجئه بشيئً اخر..
حبيبته، السابقة، أمامه تبكي وهي تخبره أنها مُتعبة؟!
لو كان الزمن غير هذا لكان جذبها لحضنه مشددًا قبضته عليها إلى أن تنتهي موجة ألمها، ولكن الان!

التغيرات الزمنية العشقية تُحكم عليه بأعتلاء قناع الجمود أثناء تواجدها، فلم يكن منه إلا ان همس ببلاهه:
-وأنا مالي!
ولم تكن تتوقع رد أفضل، ولكن الان، تحديدًا الان لا قدرة لها على المجادلة، فتابعت ببساطة متألمة:
-مليش غيرك اشكيله
لم تتغير ملامحه ولو للحظة، بل أشتدت صلابتها وهو يخبرها بجدية:
-لا، روحي ل جوزك، ل والدتك، او حتى أبوكِ، لكن أنا، لا، مليش علاقة بيكِ
تقهقرت نبرتها أكثر وهي تردف بصوت مختنق:.

-ج جو، ال ده هو اللي تاعبني، هو اللي وجعني، كل اللي حواليا بيجوا عليا
في البداية لم يُفسر شفراتها المتقطعة، ولكن بعدها أستوعب وببساطة أنها لا تستطع ذكر كلمة زوجي
وحرفيًا ذُهل، لم تتخطى تلك المرحلة إلى الان؟!
لازال حاجز العشق يمنعها!
ولكن أي عشق ذاك، هي بخسته منذ زمن، ألقت به عرض الحائط في سبيل المصلحة الغير دائمة!..
أشار نحو غرفة مكتبه مرددًا بحزم يليق به:
-تعالي، لو حد شافك بالمنظر ده مش هيسكتوا خالص.

اومأت دون تعبير واضح لتنساق معه إلى الداخل..
جلست على الكرسي الجلدي الذي احتواها ببرودته، وسمعت صوت إغلاق الباب، معلنًا بدء المشاداة الجديدة!
سمعت صوته يطردها بلباقة:
-أسف يا أسيل، كان نفسي أساعدك على سبيل الذي مضى، لكن أنا دفنته وخدت عزاه من يوم ما كرهتيني في الدنيا
عادت تهتف بنفس النبرة باكية:
-بس أنا ندمت.

إشتدت عضلة فكه في الضغط على أسنانه حتى أصدرت صوتًا عاليًا، وكان ذلك مفتاحًا لغضبه الذي تفجر بوجهها:
-بسسسس أنا مش عايز ندمك، أسكتِ كام مرة هقولك انتهينا، ندمك مش هيفيد بأي حاجة دلوقتي
بدأ صوت تنفسه العالي يتسابق مع النسمات الهادئة...
ونهضت هي فجأة، تنظر في عيناه مباشرةً، وعلى لسان حالها صرخت:
-أنا مدمرة وأنت بعيد عني، أنت اللي لازم تفهم ده يا عبدالرحمن
لم يبالي بكل ذلك وهو يأمرها:.

-ارجعي بيتك يا أسيل، واستهدي بالله كدة، جوزك أولى بكل وقتك
كان كلامه ضغطًا زائدًا على جرحًا دمه لازال يقطر رجاءًا، بل توسلاً منها!
فوضعت يداها على اذنيها وصوتها يشق السكون القاسي:
-جوزك، جوزك، جوزك، وكأنها لبانه مستمتع بيها اوي، ده مش جوزي ولا عمره هيكون جوزي، ده مجرد دخيل بيني وبينك، اخد حق مش حقه، أخد مني أعز حاجة ممكن أقدمها للي بحبه بس!
بُهت للحظة وهو يستوعب مدى جرأة حديثها!

أحمق، أحمق هو إن ظنها ستعيش حياة طبيعية مخلصة لزوجها فقط...
هي لن تتغير، ابدًا، ستظل تحتل مكانة مختفية في حياة شخصًا ما، ثم وبكل بساطة تنسحب هكذا ساحبه معها اي روحًا حلوة كانت!..
تجلى صوته مزمجرًا فيها ك أب يلوم أبنته:
-مفيش ست محترمة تندم على تمام جوازها من جوزها الشرعي، لا وتروح تشتكتي لواحد غريب!
وفجأة بدأت تشهق باكية بعنف، تمامًا كالأطفال في بكاؤوهم فقط...

إلى أن تهاوت أرضًا عند قدماه تمامًا، صوت شهقاتها يزداد شيئً فشيئ، شهقات مذبوحة..
ولكنه لم يكن الشخص الصحيح لعلاج تلك الذبحة القاسية!
للحظة كاد يمد يده رابتًا على شعرها بقوة كانت تستمدها منه، سابقًا!
ولكن، ذلك الخاتم بأصبعه جعله يتراجع كالملسوع وهو يدرك حفرة الذنب التي كادت تُلحق بقدميه مبتلعة إياه...
فلم يكن منه سوى أن سحب - منديلاً - ليمده لها هامسًا بخشونة:.

-أسف يا أسيل، حبي لمراتي في كل خطوة ادام عنيا، ماقدرش اتجاوزه ولو بمساعدة خفيفة حتى
وكانت تلك أخر أهانة ورفض ونفور تسمعهم، قبل أن تنهض لتغادر بأقدام واهية..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة