قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

مشاعر تائهة، وتساؤلات متشابكة، والعقل مشتت بين ذلك وذاك!
لا يدري هل يشكره ام يمقته، يصرخ فيه بالتوعد ام يهدئ قليلاً فالقدر في ظهره على ما يبدو..
حيرة غريبة تلك كانت تتشكل على هيئة دوائر بعقلك ذلك المسكين عمر ليست لها نهاية، تمامًا كالسراب الأسود!
لأول مرة يعترف أنه جاهل، نعم جاهل في فهم من هم دماؤوهم مختلطة بالخبث الدفين..
تاريخه لم يكن بالسطور الكافية لفهم طلاسم أناس ك حسين !

حتى الان لا يعلم لمَ جعله يحادث شهد، ولكن تُحسب له نقطة بيضاء وسط صفحة سوداء!
والنقطة وسط الكومة لا تُرى!.
وضع ذلك - الخط - في جيبه مرة اخرى مسرعًا ليضع الخط الذي جلبه له حسين في الهاتف مرة اخرى..
ثم نهض ليطرق الباب الذي أغلقوه قبل أن يغادر، ثم قال بصوت عالي:
-أنا خلصت المكالمة يا حسين
سمع صوت المفتاح في الباب فعاد للخلف قليلاً متربصًا لضحيته القادمة!

وما إن دلف الرجل يأخذ منه الهاتف حتى عاجله عمر بقوله والأرهاق المصطنع لا يتفرق عن صدق الحروف:
-ممكن أروح الحمام، أنا مش قادر
أخرج الرجل رأسه قليلاً يُحادث صاحبه، ثم عاد لعمر وكاد ينطق:
-آآ
ليلف له عمر رقبته بحركة كانت الأحب إليه دومًا في السابق..
وبالطبع ما من مانع لأخذ مقتطفات مفيدة من الماضي المنبوذ، الان على الأقل!

كاد الأخر يدلف مسرعًا فعاجله عمر بضرب رأسه في الباب ليترنج الاخر مكانه فسارع عمر يضربه بكل قوته المختزنة..
كل حزنه وقهره على ضعفه الإجباري، كل طاقاته السلبية التي لم يُشحن إلا بها حتى شعر انه كاد يصبح جثة هامدة بين يديه..
فانفض يديه ليبصق متقززًا وهو يهمس بحنق حارق:
-ده أنا محترف قديم يا ولاد الكلب
لينظر هنا وهناك ثم ركض للخارج ينظر حوله متوجسًا..

حتى كاد يصل لشارع عام، فصار يركض أسرع فأسرع، بحثًا عن أي شخص يسأله عن مكانه، او املاً في ايجاد سيارة اجرة ولكن فجأة...!

واخيرًا حلت أشعة الشمس على الكرة الأرضية المظلمة، مظلمة بحلكة قلوب ونوايا، فلم يكن القمر لينجح في مهمة إنارتهم، إطلاقًا!
كان جاسر قد إنطلق إلى عمله مبكرًا قبل إستيقاظ أسيل حتى..
وكأن بعد ذاك الاستسلام - الإرادي - لم يرغب في دفن رماده هكذا وسريعًا دون التحلي ببعض النشوة ولو قصيرة!
نعم رماد، منذ زواجهم وهو يعلم أن عشقه ذاك محروق بجحد قلب لا يطيقه ابدًا ودون سبب معروف حتى الان...

فلم يكن المتبقي سوى رمادٍ تهب عليه عواصفها العنيفة كل حينٍ ومين فتطيره رويدًا، رويدًا!
وكان يجلس في مكتبه يحك ذقنه كل دقيقة كالمدمنين الذين يحتاجون لجرعة مكثفة، مهلاً، ولمَ ك؟!
هو بالفعل مدمن حد الموت لذلك العشق، إستسلامها الهادئ ذاك الذي كان يتمناه منذ شهورًا يظنه قد يطفئ ناره المستعرة، ولكنه خانه ففعل العكس تمامًا!
سمع طرقات هادئة على الباب فأذن للطارق بالدخول بصوته الأجش:
-ادخل يا طه.

دلف العسكري بأحترام ليلقي تحيته العسكرية المعتادة قبل أن يخبره بجدية:
-البت اللي جبتوها امبارح يا جاسر باشا أجيبها لحضرتك من الحجز دلوقتي زي ما قولت ولا؟
اومأ جاسر مستسلمًا للأنغماس من جديد في دورة لا تنتهي من الإرهاق فقط لينسى، او لنقل ليتناسى، فهو لن ينساها لطالما كان يتردد بصدره نفس!
عاد ينظر له ليقول بخشونة صارمة:.

-أيوة هاتهالي، ومش عايز حد يدخل إلا لما أنادي لك يا طه، البت دي جايه في اداب وهتطلع عيني عقبال ما تنطق
اومأ موافقًا بطاعة:
-تحت امرك يا باشا
ثم إنصرف في اللحظات التالية ليترك جاسر يعدل من هندامه ويعود لينسخ قناع الصلابة والجمود الذي يليق بعمله مرة اخرى...
وبالفعل خلال دقائق معدودة كان يدلف طه ومعه تلك الفتاة التي بدت وكأنها تدلف لملهى ليلي وليس قسم شرطة!

بالكاد تستر اجزاء صغيرة جدًا من جسدها المرمري والمغري لأي شخص، عادا هو،
هو الذي لا يغريه الإغراء نفسه ولو تحت تأثير السحر!
هي فقط من تملك تحريك مشاعره الهواء فتشعلهما معًا...
كادت تجلس على الكرسي إلا أن جاسر صرخ فيها بحدة:
-قومي إتنفضي يابت، هو أنا اذنت لك تقعدي يا حيوانة؟!
رفعت الفتاة حاجبها الأيسر وهي تقلب العلكة بفمها، ثم هتفت ببرود مقزز:
-يوه! ما براحة يا باشا الله، مالك حامي حامي عليا كدشة لية؟!

إرتسم على ثغره أسوء أبتسامة ساخرة تقدمت زمجرته العنيفة قبل أن يقترب من الفتاة ببطئ:
-لا يا روح امك، الحكومة مابتعرفش الراحة، بس شكلي هوريهالك مخصوص كمان شوية
إبتلعت ريقها بازدراء من التهديد الواضح بين حروفه، ولكن على عكس ذلك قالت:
-بص يا باشا، دي مش طريشقة حكومة عادلة ابدا، دول حتى بيقولوا الشرطة في خدمة الشعب
أصبح امامها تمامًا وهو يبدأ استجوابها بجمود حاد:.

-يلا يا حيلة امك قولي كل اللي تعرفيه عن الشقة اللي كنتي فيها حالا
مطت شفتيها ببرود يعكس ارتجافتها الداخلية وهي تهمس بعدم فهم مصطنع:
-أعرف إيه يا باشا، أنا معرفش غير إني كنت قاعدة في الشقة أنا وجوزي والبوليس جه خدنا من غير لا احم ولا دستور
أشتدت أحجار القسوة بعيناه وهو يزجرها بقوة متوحشة:
-نعم ياختي؟ جوزك مين يا بنت ال * إيش حال أحنا جايبنكم في قضية اداب ومن شقة مفروشة.

رفعت إصبعها في وجهه مشيرة ببراءة لا تليق لها إطلاقًا وتابعت:
-لا لا يا باشا، ربنا شاهد إنه جوزي عُرفي، اه كله إلا الشرف
وبالفعل هي تتعمد استفزازه، لا بل تتفن بالتسلل لجحيم غضبه دون أن تدري أنه مشتعل من الأساس وسيحرقها بلحظتها!
وأنقض فجأة عليها يمسكها من خصلاتها الخشنة المصبوغة ليزلزل صوته أرجاء المكتب:
-وإنتِ اللي زيك يعرف ربنا منين يا حيوانة، وجوزك قال! سلامات يا جوزها.

حاولت إبعاد يده عنها وهي تتعمد إغاظته حد الجنون، فهي عاجلاً ام اجلاً ستظل في هذا السجن اللعين:
-إيه يا باشا هي الست مراتك مش مظبطاك ولا اية؟!
للحظة كان ينظر لها مذهولاً من نجاحها في كشف نقطة ضعفه الوحيدة دون أن تدري!
ولكن باللحظة التالية كان يصفعها بقوة، إلى هذه النقطة أنهت قرار عقابها، بل موتها بكل سهولة!

صفعته كانت تحمل كل غلاً مكبوتًا داخله يمنعه من الأنفجار بوجه تلك الحبيبة العاصية، حتى نزفت شفتاها، ولكنها عادت لوضعها تستطرد همسها امام شفتاه مباشرةً:
-لو مش مريحاك او مش مكفياك أنا ممكن أعيشك ليلة من ألف ليلة وليلة
ولم تعطيه الفرصة فازدات من اقترابها الشبه حميمي وهي تقول:
-بس أوعى تكون عنيف أوي، أصل أنا رقيقة مش بستحمل وبحب الراجل الحنين وبس..!

لم تتلقى سوى الاجابة التي كانت تتوقعها، صفعات متتالية تحمل قدرًا يُكفي العالم كله تقريبًا من القهر والغضب معًا!
حتى سقطت على الأرض مجهدة بعدما نفذت طاقة كلاهما..
وفجأة إنفتح الباب لتدلف أسيل كالقنبلة التي تفجرت في أجواءًا لا تحمل سوى شرارات غازية حارقة!
وخلفها طه الذي كان يحاول إمساكها مناديًا:
-يا أنسة ماينفعش كدة يا أنسة، حضرتك هتعرضي نفسك لمشاكل انتِ مش ادها.

بينما هي لم ترى سواه، لم تعير إنتباه لتلك الساقطة التي تراقبهم بترقب ضعيف من الأساس...
أنتبه جاسر لتوه لعطيه الذي كان يمسك ذراع أسيل، ليصرخ فيه:
-سيبها حالاً يا طه، واطلع برة وخد البت دي معاك
أطرق طه رأسه مطيعًا يردد:
-اوامرك يا باشا
ثم سحب الاخرى بقوة معه حتى تذمرت متأففة بملل:
-ما براحة الله! هو إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين ولا إيه؟!

سمع طه صوت جاسر الذي صدح كسيفًا محدودًا يقطع من يتجرأ على ممتلكات خاصة دون تردد:
-وبالمناسبة الأنسة تبقى المدام يا طه، يلا اتفضل واياك اشوفك بتمد ايدك عليها بلمسة بسيطة حتى
اومأ الاخر بسرعة معتذرًا:
-طبعًا يا باشا، أسف ماشوفتهاش قبل كدة خالص فمعرفتش إنها مرات حضرتك
وفي اللحظات التالية كانت تقف امامه كما هي، تنظر له بسكون فقط!

وما إن سمعت صوت اغلاق الباب لم تعطيه الفرصة لسؤالها فركضت نحوه تحتضنه بقوة...
تدفن رأسها بصدره الصلب بينما دموعها تزرف بتلقائية، وكأنها وصلت لمصدر الأستقبال الصحيح، الذي سيستقبلها في أي وقتٍ كان على وتيرة حانية وصحيحة!
وفي البداية كان هو اكثر من متفاجئ، في البداية من ظهورها هكذا الذي جعله مشوشًا ما بين جذب الجمود كما كان او الضعف والاشتياق المتناهي لها...

ولكن لم يكن منه سوى أن لف يده حول خصرها المرسوم كباقي جسدها، يضمها له أكثر وأكثر متأوهًا بشوق، إستغلالاً لموقف أخر يُعد نقطة جديدة لصالحه...
نعم استغلال وهو معترف، سيظل يستغلها كما تفعل، فينال المكانة التي تحتلها كما تنال هي عنده!
لم يشعرا بالدقائق التي مرت، حتى شعر جاسر أن دموعها توقفت اخيرًا فأبعدها برفق ينظر لوجهها المحمر وهو يسألها بقلق:
-أسيل، أسيل حبيبتي مالك؟ بتعيطي لية بس.

ولكنها لم تجيب، بل احتضنته مسرعة مرة اخرى وهي تهمس له اخيرًا باختناق:
-ماتسألنيش، خدني في حضنك بس، أحضني أوي وماتسبنيش!
قلبه ينبض بعنف، وسيطرته تخرج عن سياق السيطرة المحددة...
هي بين يداه، وبأرادتها، بل وتطلب إقترابه ايضًا!
هل فعلها الحظ فجعلها تفقد ذاكرتها لتحتاجه وبأرادتها فجأة...
ام انها اكذوبة جديدة من الحياة الخانقة؟!

وعلى أي حال هو لم يأبه لأي أسباب ولا حقائق، فقط نفذ طلبها بطاعة ترضيه دون تردد فشدد من احتضانها اكثر وصوت أنفاسه المضطربة يعلو...
ليغمس رأسه أسفل حجابها الصغير ليقبل رقبتها بنعومة، بنهم لم يُخفى في تلك القبلة التي طالت، وطالت حتى أصبحت قبلات متفرقة تلتهم وجهها ورقبتها التي ظهرت..

واحدى يداه تُقيد خصرها بحركة تملكية، والاخرى تزيل حجابها ليتغلغل خصلاتها الناعمة، فيما هي مستسلمة تمامًا مغمضة العينين عكس طبيعتها بطريقة تثير الشكوك!
أقترب أكثر منها ولم ينتظر اكثر ليلتهم شفتاها، وهي لم تمانع مستسلمة، في البداية فقط!
فرفعت يداها تحيط رقبته لتقترب منه اكثر، وبجهل تبادله قبلته المتطلبة..
أبتعد عنها قليلاً ينظر لها بذهول، ولم يشعر بنفسه وهو يقول مغمغمًا:.

-معقول بتعيطي عشان نمتي في حضني امبارح؟
وضعت إصبعها على شفتاه تسكته، قبل أن تهمس بصوت مبحوح:
-هششش، أوعى تبعد عني، قرب مني، أنا محتاجاك أوي انا محدش عايزني، كل الناس بتكرهني
وبالطبع لم ينتظر اكثر، ماذا ينتظر وقد نطقتها صريحة!
أمسكها من يدها يسحبها معه للخارج بخطى سريعة، دون أن يأبه لأي شخص ليستقلا سيارته دون نطق المزيد..

فما لم ينطقه اللسان، نطقته العيون والمشاعر المدفونة من الأحتياج، للشوق، للرغبة الجامحة!

كان عبدالرحمن يجلس على مقعده الوثير، التفكير هي العملية الوحيدة التي تُحدث ضجة كبيرة في عقله الان!
يشعر كما لو أن المشهد يتكرر امامه كل ثانية...
كما لو أن مؤشرات الطبيعة كلها تتحالف ضده لتجبره على التفكير فيما حدث..
ورغمًا عنه ايضًا سبحت الذكرى في عقله عما حدث منذ قليل...
فلاش باك..
فجأة وجد باب المكتب يُفتح لتدلف أسيل تتظر له بطريقة هيستيرية!
نهض ليسألها متعجبًا من هجومها المفاجئ بعد اخر مرة:.

-إيه ده؟! إيه اللي جابك تاني يا أسيل
رسمت على ثغرها أفضل ابتسامة ساخرة وهي تجيبه:
-جاية اشوفك طبعًا
كز على أسنانه بغيظ وقال بحنق:
-هفهمك لحد امتى؟ هو احنا اللي هنعيده هنزيده وخلاص!
هزت رأسها نافية، ولوهلة لمح الضعف يفترش على ملامحها الهزيلة وهي تخبره:
-أنا مخنوقة ومحتجالك صدقني
تأفف بصوت عالي، ثم قال:
-قولت لك حاجة ماتخصنيش
وفجأة وجدها تقترب منه في أقل من دقيقة لتحتضنه بقوة!

ذهول، ذهول ذاك تشكل على هيئة عاصفة قوية شلت كيانه فجأة عن الحركة وهي بين ذراعيه!
ما تمنى دومًا أن تصبح بين ذراعيه هكذا الان أمنيته تعلقت بين شباك الواقع، ولكن نقطة الفارق...
يشعر بالنفور، نفور شديد يجعله يود لو يسلخ جسده بسبب لمستها تلك!
واخيرًا ملك زمام نفسه فانتفض مبتعدًا عنها ليزجها بعيدًا صارخًا بجزع:
-إنتِ مجنونة!
اومأت وكأنها فعلت تلف عقلها من ذاك العشق الذي تعفن بين جدران عقلها طلبًا للأستجابة:.

-ايوة، مجنونة بحُبك، مجنونة بيك أنت
ولم يكن منه ألا أن صفعها بقوة، نعم صفعها..
صفعها بحق ظنها الخائب أنه أحمق سيقع في نفس الحفرة مرتان؟!
أن ذاك العشق الممحي من حياته سيظلل الاخطاء ويستبيحها له..
نظرت له مبهوتة وعينيها حمراء بلون الدماء لتهمس:
-أنت بتضربني يا عبدالرحمن؟
اومأ مؤكدًا بصلابة قاسية:
-أيوة، وكل ما هتتصرفي بطريقة متخلفة زي كدة هضربك مرة واتنين وتلاتة وعشرة كمان.

هتفت بحرقة مختنقة والحروف تختنق أكثر بين ثنايا روحها:
-طريقة متخلفة عشان بقرب من حبيبي؟ يااه للدرجة دي حبي مابقاش له قيمة عندك؟!
هز رأسه نفيًا وبدا وكأنه يزج الكلمات داخل عقلها اللعين ذاك عنوة:
-أنا مش حبيبك أفهمي بقا
زمجرت بوجهه غاضبة:
-لا حبيبي، من ساعة ما عرفتك لحد دلوقتي وأنت حبيبي
ضرب المكتب بيده وهو يصرخ منفعلاً:
-مابقاش ليكِ الحق ده من يوم ما بعدتي عني واتجوزتي واحد تاني.

هبطت دمعتها مع همستها القصيرة:
-غصب عني!
أولاها ظهره يتنفس بخشونة، قناع بعد قناع يسقط من على وجهه الصلب!
التأثر بذاك الحضن، والصدمة، والصلابة، ليظهر الضعف!
نعم الضعف لذاك الهجوم المفاجئ، قوة هجمتها وكلماتها، واحتضانها، كانت أكبر من قوته ليتصداها هذه المرة!
قال دون أن ينظر لها:
-أمشي يا أسيل
همست متأوهه بأسمه:
-عبدالرحمن!

أغمض عيناه بقوة عل ذاك السحر تخف قدرته قليلاً، ولكن للأسف حدث العكس عندما سمعها تركض للخارج باكية كالمرة السابقة...
ولكن تلك المرة بتأثير مختلف!
و حقًا لا يدري ماذا يحدث له؟!
لمَ يشعر وكأنه ماهو إلا ظلاً لمسيطر اخر!
أصبح بداخله مشاعر متباينة، واحدة تميل نحوها بإنكسار..
والاخرى ترفض الخضوع لذاك الهجوم، وغالبًا الكفة الراجحة ليست في صالحه، ابدًا!

منذ أن دلفا رضوى و رودينا إلى المول، كانت رودينا تتلفت كل ثانية إلى رضوى وكأنها تتأكد من عدم هروبها!
إلى أن هتفت رضوى متأففة بملل:
-يابنتي خلاص مش ههرب منك، الدار أمان أهدي بقا
ولكن رودينا لم تكن بتلك السذاجة التي تجعلها تخيل عليها أي فعله هوجاء، بل كانت كالعقرب السام المتربص لأي هجوم ليقطر سُمه المميت...
فقلبت عيناها وأجابت بنزق مُحذر وحاد ك سيفًا أكثر من مستعد للقطع والدمار:.

-امممم، لا أنا عارفة إنك مش هتقدري تعملي حاجة، لإنك ناصحة مش زي أختك وعارفة إنتِ بتتعاملي مع مين!
ودون أن تدري كانت عينا رضوى تشتد حمرة قاسية متوعدة..
وفي قرارة نفسها قد خرج القسم منها بالعقاب، والقسم كالوعد لن يُخلف، ابدًا!
إنتبهت لسؤال رودينا الفضولي وهي تنظر لها:
-إلا قوليلي يا رضوى، إيه الصندوق اللي في إيدك ده؟

إتسعت أبتسامة رضوى الخبيثة، وإعتلت عيناها نظرة لبوة تسير على خيطًا رفيعًا من الخبث، رفيعًا جدًا ولكنه قد يكون قاتل!
فردت ببساطة غامضة:
-ده صندق صغير في حاجتي كدة باخدها معايا في كل حته، عشان تخدمني وقت اللزوم
وأنهت جملتها بنظرة خاصة لرودينا..
بينما اومأت رودينا بلامبالاة:
-ماشي، ما علينا، مدي بقا عشان نلحق نخلص ونروح بدري
اومأت رضوى مؤكدة، ثم خرج حروفها غريبة رغمًا عنها وهي تخبرها:.

-ماتستعجليش يا رورتي، ماتستعجليش عشان ماتندميش
طرقت طبول الخوف صدر رودينا، طبولاً اصدرت ضجة مرعبة بين طيات صدرها الذي بدأ يضيق...
فسألت رضوى متوجسة بتردد:
-قصدك إيه ب هندم يا رضوى؟
رفعت رضوى كتفيها مرددة بجدية صلبة:
-لا ابدًا ولا حاجة، قصدي ماتستجعليش عشان ماتندميش على الحاجات الحلوة اللي هتشوفيها هنا
اومأت رودينا بعدم اقتناع، لتسمع سؤال رضوى الذي زلزل كيانها من شدته العاتية:.

-تفتكري سيف راح فين يا رودينا؟
إبتلعت ريقها بخوف، ستحاول إقتلاع الحديث من ذاك النحو الذي يتخذه، نحو مهلك بالنسبة لها..
فقالت متلعثمة:
-ما آآ معرفش يا رضوى، وأنا آآ وأنا هعرف منين يعني!
ولكن، حدس الأنثى، وخاصةً عيناها كانت مرصادًا لم يخطئ ذبذبات الكذب التي كانت تضخ من عيناها الخبيثة!
فازداد التوعد الحاد داخلها، استعدادًا لينفجر بوجهها على حين غفلة...

وصلا امام احدى المتاجر للملابس وكان امامه تمامًا مرحاض سيدات..
وفجأة امسكت رضوى بطنها المتكورة لتتأوه بتعب خال متسرسبًا لمنبع صدق رودينا:
-آآه بطني..
سألتها رودينا مسرعة:
-مالها بطنك في إيه؟ حاسه بأية؟
اجابتها بوهن:
-حاسه بمغص في بطني جامد
ثم أشارت نحو المرحاض هاتفة بشيئ من الخبث:
-ممكن تيجي معايا الحمام معلش يا رودينا
اومأت موافقة بامتعاض وهي تقترب منها ممسكة بذراعها:
-ماشي، يلا تعالي.

دلفا إلى المرحاض ولم تتخلى رضوى عن صندوقها، وكأنه أكسجين، وهو كان كذلك بالفعل، اكسجين للأنثى المنتقمة بغيظ داخلها فلن تتخلى عنه!
إتسعت عينا رضوى بانبهار لمحالفة واضحة من القدر، فكان المرحاض خالي تمامًا من البشر، لم تصدق ألهذه الدرجة تلك الفتاة تستحق العقاب؟
نعم، نعم، بالتأكيد تستحق، يد القدر الممدوة لعون رضوى لم تكن واهية بل متينة متصدية!
فقالت رضوى بهمس مناسب لوضعها الكاذب:.

-ممكن تقفلي الباب يا رودينا عشان حاسه اني مش كويسة خالص ومش عايزة حد يشوفني كدة
اومأت رودينا متأففة ثم غمغمت:
-طب يلا ادخلي بقا عشان نمشي
اومأت رضوى مؤكدة، لتدلف بهدوء تام بواسطة ذاك الصندوق..
فصرخا رودينا متعجبة الى حد كبير منها:
-إيه ده هتدخلي بالصندوق ده الحمام كمان؟!
ابتسمت رضوى ابتسامة شيطانية وهي توليها ظهرها، لترد بخفوت:
-اه، اصلي ماقدرش أسيبه بعيد عني ف أي وضع.

وأغلقت الباب خلفها لتتركها ذاهلة من تصرفاتها المتتالية العجيبة!
بينما أمسكت رضوى بالصندق وبدأت تفتحه وهي تتأوه بصوت مسموع تضمن أنه يُقنع رودينا...
وما إن فتحته حتى إتسعت تلك الابتسامة شيئ فشيئ، ليظهر الثعبان رويدًا رويدًا!
فأمسكت به تربت على رأسه برفق حتى لا يخرج صوته، وكأنه طفلها الصغير سيؤدي مهمةً ما!

ولمَ لا، هي منذ يومها تعشق الحيوانات بجميع انواعها ولا تخشاهم، فما المانع إن استغلت ذاك العشق قليلاً؟!
بدأت تصرخ منادية بأسم رودينا:
-رودينا تعالي بسرعة لو سمحتي
سمعت صوتها الحانق تقول:
-اجي ازاي يعني يا رضوى إنتِ اتجننتي؟!؟
وبملامح غاضبة أردفت رضوى:
-متقلقيش يا بنتي انا لابسة، بس ارجوكِ تعالي ساعديني هموت...

وبالفعل بدأت تفتح الباب ببطئ لتدلف رودينا، ولحسن الحظ كان المرحاض صغير بالكاد يسيع شخصًا واحدًا، فلم تلحظ رودينا اختفاء يد رضوى خلفها ظنًا انها تمسك ظهرها..
فسألتها مترقبة بهدوء:
-في إيه يا رضوى مالك؟
وبلحظة كانت رضوى تُلقي بالثعبان على مقعد المرحاض المغلق وتخرج مغلقة الباب خلفها..
فيما تعالت صرخات رودينا المفزوعة وهي تسبها لاعنة:.

-يابنت المجنونة، آآه لاااا طلعيني، تعباااان تعباااان لا والنبي طلعيني طلعييييني حرام عليكِ
وظلت تضرب على الباب بقبضتها وهي ترى الثعبان يقف امامها بصمت ولكنه قد بدأ بالتحرك نحوها ببطئ شديد...
ووسط ذلك اتاها صوت رضوى على هيئة انقاذ تسألها:
-هتقوليلي مكان سيف ولا لا؟
جاءها صوت المستنكر صارخة:
-انا معررررفش مكانه افهمي بقا وطلعيني التعبان هيموتني بالله عليكِ
فزمت رضوى شفتاها قائلة بعبث:.

-خلاص خليكِ جوة اتسلي مع التعبان شوية، وأنا هبقى اجي اخد جثتك، يلا تيكير يا بيبي
وبالطبع كان صراخ رودينا بالهلع حلقة لم يقطعها سوى هتافها المرتعد:
-خلاص، هقولك اللي أعرفه والله هقولك بس خرجيني
ربطت يدها ببرود هامسة:
-قولي حالاً
-كل اللي أعرفه انه اخد فلوس ونزل من البيت، ماعرفش غير كدة والله العظيم
قالتها مسرعة وصوت لاهثها يعلو، بينما تابعت رضوى بحزم:
-كذااابة.

ف ظلت تصرخ وهي تُقسم انها لا تعلم عنه شيئ اخر، ومن يكن الموت على بُعد خطوة واحدة منه، لا يخرج منه الا سيل الصدق، للأسف الشديد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة