قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

عادةً كان سيف يستيقظ من نومه ليجد والدته تشاكسه ثم تنهي مشاكستها بقبلة حنونه لتخبره أن إفطاره جاهز...
طقوس فطرية لأي ام طبيعية، ولكن الان!
يستفيق من إغماءة حاول التشبث بحبالها الواهية، ولكنها كانت خائنة، فتركته يعود لذلك العالم القاسي حد الموت...
ليجد زينهم يرش المياه عليه وهو يزجره بعنف:
-انت ياض ماتقوم بقا قرفتنا، إنجز؟

إرتعش جسده بخوف، كلما نظر لزينهم رأى ذاك - الخرطوم - التي لازالت اثاره محفورة على جسده...!
ظل يحدق به بصمت مُهلك، إلى أن قال زينهم متأففًا بضيق:
-عطلتني عن الشغل، مش قادر تمسك نفسك كام ساعة؟ إيه ياض أنت نايتي كدة لية هه!؟
إبتلع ريقه الجاف بصعوبة، ليجيبه هامسًا وشفتاه ترتعش:
-أنا، ماعرفش، معرفش تعبت فجأة كدة والله لوحدي يا زينهم
اومأ زينهم وأصر على الخشونة وهو يأمره:.

-بعد كدة لازم تشد حيلك، احنا مش فاضين كل شوية نشوفك مالك!
ورغمًا عنه بكى بقهر، بعد أن كان الجميع يتلهف لمعرفة حاله، تقهقر ذلك الإهتمام ليصبح موضع ذل!
فأمسك زينهم بذراعه ليجعله ينهض مرددًا بصرامة لاذعة:
-خلاص، لازم تفهم إنك مابقتش طفل صغير، أنت دلوقتي بتشتغل ومش شغلانة عادية دي شغلانة محتاجة نصاحه
اومأ وجميع حواسه متربصة، إلى أن قال متشنجًا:
-حاضر!

وبالطبع سحبه معه نحو ذاك الشارع الذي بات يكرهه كالعمى...
ليجلس ارضًا كالعادة، ساعات والفكرة اللاهبة تتقاذفه بينها، عقله يصرخ مستنجدًا بالتنفيذ!
بينما خطوط جسده لم تُشفى بعد، لقد اسدل الألم ستاره، ولم يزول بعد!
ولكنه أستسلم، استسلم لأفكاره المتلاطمة الهوجاء...
فمع أول شخص تقدم منه بعد إستقرار التصميم لحافة التنفيذ صرخ به مستنجدًا بضعف:
-ألحقني يا عمو، هما اخدوني بالعافية ألحقني بالله عليك الحقني.

ولكنه لم يجد سوى صفعة أتته من حيث لا يدري..
وماذا كان يظن؟! سيساعده أي شخص ويخاطر بحياته!؟
بالتأكيد لا، ولكن سذاجته كطفلاً لم يتجاوز الثامنة هي من تحكمت بمساره، فختمت ذاك المسار بعقاب جديد مؤلم وموجع الى حد كبير!

كانت الشياطين تتلبس بكل ذرة هواء تلوح امام رودينا ..
تنفخ من بين الحين والاخر، لا تُصدق أنها خرجت من تلك المعركة، حية!
وإن كانت منهزمة، جسدها كله يشتعل بنار الأنتقام التي لن يطفأها إلا التنفيذ..
وتنتفض بقوة كلما تذكرت مظهر الأفعى وهي تنظر لها ببرود وكأنها قاصدة إرعابها فعليًا!
لا تدري كيف ولا متى وصلت إلى المنزل، سلسلة تُطبق على روحها بقوة، ممتزجة بقسم ألا تترك لها الحرية إلا بعد الثأر، المميت!

طرقت الباب بقوة وكم شعرت انها على أتم استعداد لنشب معركة نسائية دامية مع اختها تلك، ال ملعونة!
نعم نعم ملعونة، بالتأكيد هي تقصدت إرسال أختها معها لتُعذبها...
وأول من قابلته كان أحمد الذي تعجب من مظهرها المذبذب..
بدايةً من شعرها المشعث حتى ملابسها الغير مهندمة بالمرة!
وعلى لسان حاله خرجت حروفه متعجبة:
-رودينا؟! مالك إيه اللي حصل؟

أغلقت الباب خلفها، ثم بدأت تحك رأسها وكأنها تنعشها لتمليها أي كذبة مناسبة..
ولكن مات أي تفكير كاد يصدر وهي ترى رضوى تخرج من غرفة مها ببرود يعكس إحتراقها الداخلي، فلم تنتظر وهي تصرخ بوجهها منفعلة بحدة:
-إنتِ لسة هنا؟ إطلعي من بيتي يا سوسه، برررررة يلا
رفعت رضوى حاجبها الأيسر، قبل أن تتحداها بقوة تليق بها دائمًا وابدًا:
-ده بيت أختي يا حلوة، قبل ما يكون مكان إقامة ليكِ.

وتعمدت نطق مكان إقامة لتؤكد لها أن ليس لها مكان فارغ بين تلك العائلة..
ما هي إلا مجرد - دخيلة - كادت تُخرب علاقة سامية!
فتابعت رودينا زمجرتها الغاضبة:
-سامع يا احمد، سامع اخت مراتك بتقولي إيه؟
ولم تعطيه فرصة للرد حتى فأكملت بغيظ:
-أطردها يا احمد، اطردها دلوقتي حالاً الحيوانة ناكرة الجميل دي.

بينما كان أحمد صامت تمامًا، يشعر بالتوهان، بموجات عاصفة تتقاذفه فيما بينهم، وبالفعل هي موجات، موجات قوية متحدية بعضها غير عابئة بأي شيئ بينها!
إلى أن قطع صمته بصوته الأجش يقول:
-مفيش حاجة أسمها اطردها، رضوى ضيفتي وضيفة مها ومش من حق أي حد يطردها ابدًا
إتسعت أبتسامة رضوى المتشفية، بينما همست رودينا بعدم تصديق:
-كدة يا أحمد؟! أنت ماتعرفش دي عملت فيا إيه، انا كنت هموت بسببها
سألها بعدم فهم:.

-ازاي؟ اية اللي حصل
هتفت بأنفاس متلاحقة اثر الإنفعال القوي:
-يعني هي ماقالتلكمش لما سابتني وجات لوحدها؟
أجابها بهدوء جاد، كطبقة واحدة ساكنة جدًا:
-قالت إنك شوفتي واحدة صاحبتك فقعدتي معاها في المول وهي جت بسرعة عشان تطمن على مها
سارعت تهز رأسها نافية:
-لا لا، كذابة، هي سابتني في الحمام مع تعبان عشان تموتني، والناس، الناس هي اللي خرجتني من الحمام بعد ما سمعوا صريخي
فغر احمد فاهه مصدومًا!

لطالما كانت رضوى مثالاً قيمًا للأستقامة، ولكنه الان يرى دليلاً واضحًا على تعرجها المفاجئ عن الاستقامة!..
لم يستغرق وقتًا كثيرًا لينتشل نفسه من غمرة الصدمة وهو يسألها:
-الكلام ده صح يا رضوى؟
اومأت دون تردد بصلابة:
-أيوة، صح يا أحمد أنا عملت كدة فعلاً
وقد تُعد هذه ثاني صفعة يتلقاها كدرسًا له أن ليس كل من نراهم نستطع رؤية قناعهم الحقيقي بالعين المجردة!
فهمس مبوهتًا:.

-أزاي! هي عملت لك إيه؟ لية الحقد ده وتحديدا في الوقت ده
كان دورها هي الان لتُسدد الضربة لها القاضية، الكرة في ملعبها، وهي لن تُخطأها!
فسحبت نفسًا قويًا تزفره على مهل، قبل أن تُطلق العنان لحروفها المغلولة من الخروج:
-مراتك المصونة هي السبب في ضياع أبنك سيف يا احمد
تبًا لذاك الزمن، الصدمات تسقط على رأسه كالسوط واحدًا تلو الاخر، لم يعطيه فرصة التركيز حتى!

ولكن تلك الضربة الاخيرة كانت ألالامها تستمر على المدى البعيد...
رآن الصمت بين الجميع، دقيقة، أثنان، ثلاثة، منهم من تُفكر بحلاً مستحيلاً ينقذها من بين قبضتا أحمد...
ومنهم من تُفكر برد فعل أختها المسكينة عندما تعرف..
وللحقيقة، ركض رد الفعل لها أسرع من أسرع شبحًا لتحقيق الخواطر، فسمعت صوت مها تهتف بصوت مبحوحة:
-أبني! هي السبب أزاي؟

أغمضت عيناها بقوة، يجب أن تتمسك بدورها للتهدأة الان جيدا، قد تحتاجه وبشدة!
بينما حاولت رودينا النطق بما يمكن أن ينقذها من براثن ذئابًا أحب ما عندها تسديد لكمة الدمار لها:
-لا لا، هي آآ هي كدابة، كدابة أنا ماعملتش كدة يا أحمد دي عايزاك تكرهني
نطقت الصدق، جميعهم يسعون خلف ذاك الكره الذي يخلصهم منها، ولكن ليس الان!
فأكملت رودينا وقد لجأت لأسرع وسيلة يُمكن أن تُلين قلب رجلاً مشقوق لنصفين ألا وهي البكاء:.

-والله بتكذب يا أحمد، أنت عارف إني بحب سيف، مستحيل أبعته للجحيم بأيديا!
ظل احمد ينظر امامه، دون تعبير واضح سوى إشتداد ذاك الظلام القاتل بين عيناه، فسأل رضوى بصوت حاد، قاتم وغريب:
-عرفتِ الكلام ده منين يا رضوى؟
تردد كثيرا ان تخبره امام مها، ولكن سُحبت قدماها لحافة الصدمة لا محالة..
فاستجمعت ثباتها وهي تخبره بجدية:.

-أنا خدتها من البداية عشان كدة، عشان أعرف منها الحقيقة بطريقتي، لأنها كانت أول محل شك، وصلنا المول وكان معايا تعبان
إتسعت أعين كلاهما نحوها مصدومة!
فسارعت تذيب صدمتهم التي لم تنجح مكانها الان:
-تعبان مش سام، تعبان عادي مابيأذيش أي شخص، بس هي طبعا ماكنتش تعرف، سبتها معاه لحد ما اعترفت بكل حاجة لانها طبعا كانت مفكرة إنها بينها وبين الموت خطوة واستحالة تكذب في الوضع ده بالذات.

كلامها صحيح، صحيح جدًا ومُقنع، ولكن ماذا إن كانوا لا يرغبوا في ذاك الإقناع؟!
فقط خشية من الأكتشاف القادم والذي حتمًا سيُميتهم احياء...
بينما ضربت الصدمة عقل تلك بقوة، هي لم تُخدع مرة، بل اثنان!
يزداد الحقد ويزداد السواد من التوسع داخلها، ولا يبقى سوى حقيقة أنها اعترفت وانتهى الامر...
عليها التفكير بحل فقط، ولكن أي حل ذلك؟!

قد بدأ الحُكم والتنفيذ بدايةً من جذب أحمد لها من خصلاتها السوداء وصوته يزلزل أرجاء المنزل:
-ضيعتي إبني يا بنت ال*، أزاي عملتيها ازاااااي؟ حرمتيني من اغلى حد عندي في الدنيا
كان صوت تأوهاتها وصراخها ينافسا زمجرة أحمد الحارقة..
بينما مها تشهق بالبكاء بصمت، حلة الصدمة لاقت عليها وبشدة، فلم تتركها بنفس سرعتهم!
فيما اقتربت رضوى منها تحتضنها بحنان مربتة على شعرها بهدوء تام دون ادنى كلمة..

فهي تعي جيدا أنه لا محل للكلام في موقف كهذا!
والحق يُقال، لأول مرة تستمع بتأوهات شخصًا ما، صوت صراخها لم يصرعها بل سقط على اذن كلاهما كلحنٍ طال غيابه عن اذنيهم فأنعشهم برقة..
إنتهى بها المطاف إلى تدخل صغير من رضوى التي امسكت احمد عنها قليلا تقول بحزم:
-أحمد خلاص، احنا مش عايزينها تموت
سبها ولعنها علني، هو اساسًا يتمنى موتها أكثر من أي شيئ الان!
فيما تابعت رضوى الهادئة الوحيدة بينهم الان:.

-هي قالت انه نزل على اساس يتفسح ومعاه فلوس، معنى كدة أنه أكيد تايه، وتايه دي معناها انه في حته قريبة لانه مايعرفش يروح حته بعيدة لوحده
وفجأة انتبهوا ل مها التي سقطت مغشية عليها وهي تهمس:
-ابني، أنا عرفت!

شوق ولا تدوق ...
مقولة شعبية يتناولها البعض، ولكن هنا نُطقت على لسان القدر!
يلهمه أحتمالاً كاذبًا للهرب ثم يسحبه منه بغمضة عين هكذا؟!
تمامًا كما ظهرت فجأة سيارة سوداء امام عمر تسد الطريق، سوداء تمامًا كحظه الذي جعلها تظهر امامه هكذا ومن دون مقدمات لصدمة ابتلعته وهو يرى حسين يظهر منها!
لم يأخذ الكثير من الوقت ليجد من يضربه بشيئ قوي وصلب في منتصف رأسه..

إلتفت له وهو يمسك برأسه وذلك الدوار الخائن يداهمه فيُيقظ تمرد حواسه بالتباطئ، ويبطل أمر عقله بالهرب!
وفي الدقيقة التالية كان يسقط مغشيًا عليه، ليشير حسين نحوه امرًا بجدية حادة:
-مستنين اية شيلوه حطوه ف العربية عشان نتحرك
اومأ الرجل مطيعًا لأمرًا يُعد من قوانين السلطة العليا:
-تحت أمرك يا باشا
مددوه على كرتونة صغيرة على الأرض امتثالاً لأوامر حسين بالطبع..

وبعد دقائق عديدة، جلب احدهم المياة في زجاجة صغيرة ليبدأ حسين رشها على وجه عمر بخفوت، حتى شعر به يتململ متأوهًا وهو يضع يده مكان الضربة...
فقال حسين بصوت يكاد يسمع:
-كدة أخليك تكلمها تقوم تخوني
اخيرًا إستطاع عمر أن يفصل جفنيه عن بعضهما، ليرى أمامه حسين...
وذاك الألم في رأسه لا يتركه ولو لثانية كظله القاتل!
واستطاع أن يحتفظ بنقطة واحدة من الثبات علها تصنع سطورًا جديدة من التماسك والصلابة وسأله مستنكرًا:.

-حسين!؟
رفع حسين حاجبه الأيسر متعجبًا، ولكنه همس:
-أيوة حسين يا أستاذ عمر
نظر حوله يمينًا ويسارًا، يسأل بعيناه ذاك المكان الجاف إن ملك الجواب!
نظر له ثم سأله مفكرًا:
-أحنا، أحنا فين وآآ، وبنعمل إيه هنا بالظبط؟
في البداية كان حسين ثابتًا، بل تبلد جسده مكانه، كرد فعل طبيعي لخدعه يحبكها عقل عمر الثقيل...

ولكن شيئً ما صدمه، تلك النظرات والتي هي صافية تمامًا في صدقها، بها شيئ من التعجب الحقيقي يكمن بها، نظرات تُصنف لمصدر الحقائق، ولا يمكن نسبها لتلاعب بشري، ابدًا!
وكأنه قرر ان يكمل لعبته المنتهية قبل بدأها حتى، فبادله الجواب بسؤال هادئ:
-يعني أنت مش عارف يا عمر؟
هز رأسه نافيًا دون تردد:
-لأ، مش فاكر إيه اللي جابني هنا خالص
صمت برهه وكأنه يضغط على عقله ليسترجع ما تمنى نسيانه، ثم هتف فجأة:.

-واصلاً ازاي انت معايا، أنت كنت برة مصر وبقالي كتير ماشوفتكش
بدا الأمر مريب ل حسين الذي أيقن أنه أحمق حول أعتقاده بأمكانية تلاعبه بعمر!
ألهذه الدرجة أستطاع بنفوذ عقله إخضاع باقي حواسه لأوامره بهذه البراعة..
ام هذه لعبة عادلة من القدر تُحاك دون علم كلاهما ولكن بقوانين جديدة كما المنتصر فيها تمامًا؟!
بات لا يفهم شيىً فأردف بانفعال:
-عمر أنت هتلاعبني ولا إيه؟
رفع عمر كتفيه مدهوشًا يرد:.

-هلاعبك عشان بسألك، أنت اللي فيك حاجة غلط
أشار له حسين بأصبعه مرددًا بحنق ظهرت ازداله على وجهه الذي اكفهر بوضوح:
-لا أنت عارف كل حاجة بس بتستعبط
وضع عمر يده على رأسه صارخًا:
-والله ما فاكر احنا جينا هنا لية ولا بنعمل إيه!
رآن الصمت بين الجميع، من هم يتابعون تلك اللعبة التي ظهرت فجأة من بين أعماق لأوامر حادة وضعف مسيطر عليه، لخبث دفين لا يظهر منه ولو ذرة واحدة...

إلى أن قطع عمر الصمت حين صدح صوته متهدج مشتت:
-أنا فاكر أنا مين وأنت مين، وفاكر إني كنت رايح ل چودي البيت اخدها ونروح نتغدى، بس مش فاكر أي حاجة بعدها، خالص والله يا حسين!
ضيق حسين عينيه يسأله غير مصدقًا:
-أنت بتتكلم بجد؟! دي اخر حاجة فاكرها إنك مع چودي؟
اومأ عمر مؤكدًا، ليسأله هو هذه المرة بخفوت:
-هو حصل حاجة تاني بعدها؟
ماذا!

يتساءل ماذا حدث! أهذه معجزة ام خُدعة جديدة، ولكن لا، إن كان هناك نقطة واحدة تُفرق بين الحقيقة والكذب، فهاهي جعلت الحقيقة تطفو بروعنة!
أصبح يهز رأسه بهيستيرية وصار يسأله متلهفًا:
-كمل، إيه اخر حاجة فاكرها عن حياتك كلها يعني؟
برغم شكه من ريبة الأمر، إلا أنه زج أجابة واحدة وجديدة في مناقشة الاسئلة هذه، فتشدق ب:.

-عادي يعني يا حسين أنا عايش في الهرم، وبشتغل مع حاتم وفارس، وعلاقتي بچودي الحمدلله كويسة، وبفكر هنتجوز قريب!
صارت عينا حسين تنضح بالتهليل، لا بل الذهول والصدمة، والتفكير..
مجموعة مشاعر مختلطة خُلقت من اللاشيئ لتحتل جوارحه الخبيثة...
ليسأله عمر بعدم فهم:
-في إيه؟
صدح صوت حسين أمرًا بعلو:
-جهز العربية يابني هنطلع على الدكتور فورًا.

كز عمر على أسنانه بغيظ، يبدو كعروس لعبة يحركها القدر دون أن تهبها القدرة على الإعتراض!
فصرخ منفعلاً بغيظ يكاد يشق عروقه:
-ماتفهمني في إيه يا حسين؟
إستعاد حسين نفسه الخبيثة اخيرًا من بين تلاطم أمواج الحيرة العميقة..
ليستطرد بنبرة ناعمة كجلد ثعبان سام:.

-مفيش يا عمر، هاخدك على الدكتور نطمن عليك، وبعدها هوديك لچودي زي ما كنت فاكر انك ظرايح وهي هتفهمك إيه اللي حصل لك الفترة الصغيرة دي، لإنها كانت هتموت من القلق عليك!

بدأت أسيل تتململ في نومتها بكسل مرتبطة خيوطه بالواقع كلما تذكرته..
شعرت بالدفئ يسري بين كل خلايا جسدها، والجو محمل برائحة مميزة عطرة تخترق مسامها قبل أنفها!
حاولت التحرك قبل أن تفتح عينيها، ولكن شيئ حاني ورقيق يُقيد خصرها وهي تنام مستندة عليه...
وكأنه اجبار لين لمحاولة إقناع!
إتسعت حدقتاها وهي تدرك أنها تنام بين ذراعيه!
تستمد دفئها الذي أنعش روحها المقتولة لتبدأ في دورة استعادة حياتها، منه!

ظلت تنظر له مبهوتة، يبدو أن ليس جسدها فقط من تحالف معه ضدها، بل عقلها الباطن ايضًا الذي سمح له...
ملامحه لم تكن كما وهو مستيقظ، وكأن ذاك القناع الجامد زال الان وهو نائم فجعله على طبيعته!
ملامحه هادئة، مُشققة ومتألمة، تلك الملامح التي خلقتها روحه المُمزقة وبسوطها هي!
شيئً ما أحمق سيطر على يدها فجعل اصابعها تمتد لتتحسس ذقنه النامية..
وعندما فتح عيناه فجأة أبتعدت على الفور وكأن أفعى لدغتها!

بينما هو ظل ينظر لها لدقائق، يحاول الوصول لحقيقة ذاك الارتباك الذي وللحظة خُيل له انه توتر ما يسبق عاصفة إعجاب غير راضية!
حاولت الهمس وهي تتحرك ببطئ كمقيدة بقيد وهمي:
-أنا، أية اللي جابني، هنا؟
أجابها وعيناه لا تحيد عن شفتاها:
-أنا
همست مصدومة وجيوش الحمرة تزحف لوجهها الابيض:
-وآآ، وغيرت لي هدومي؟
رأت نظرة العبث التي احتلت أول طبقة من طبقات عيناه الغريبة قبل أن يومئ مؤكدًا:
-طبعا، امال مين تالت معانا؟

أكلت القطة لسانها كما يقولون، ولكنها ليست قطة حقيقية، بل قطة تمثلت لها على هيئة الخجل الموجع الذي أعجزها عن الكلام...
فيما نظر لشفتاها التي ارتعشت ما إن اصبحت اسيرة نظراته، ليضع اصبعه عليها برفق هامسًا بصوت كاد يذيب عظامها:
-بتترعشي لية؟ خايفة مني يا أسيل؟
كان السؤال في حد ذاته مؤلم له، ولكنه تحدى ذاك الألم مراهنًا على إجابة تُرطبه قليلاً!

نظرته كانت تحمل توسل خفي بالنفي، ووجهه كان خاليًا من أي تعبير واضح...
فوجدت نفسها ترد متلعثمة:
-أنا، اه، لا آآ مش بحبك تقرب كدة
لم يدري ماذا أصابه تحديدًا، ولكنه شعر بوخز في كرامته التي نزفت بما يكفي ولم تسعفها كلمة واحدة منها، فكادت تموت قهرًا!
تجلت نبرته وهو يخبرها بصرامة لاذعة على روحه قبلها:
-اطمني، مش هقرب لك تاني ابدًا، إلا بأرادتك.

بدت نظراتها حائرة ما بين التصديق والتكذيب، كلاهما يجذبانها نحو حافة لا ترغبها، لكن في النهاية إلتزمت الصمت..
فتابع هو بخشونة:
-اقسم لك بده، عمري ما هقربلك تاني من غير ما توافقي أو تطلبي ده
كانت تنظر له ببلاهه، أحمق ذاك يظنها ستنجح في قتل مارد العشق داخلها وتطلب ذلك الطلب المستحيل؟!
ستستطع اصلاً انتشاله من وحي الخيال ليصبح ضمن الواقع الذي لطالما كان مصدرًا مؤلمًا!
ليصبح فجأة نقطة بداية جديدة هكذا؟!

بدت شاردة تمامًا في هذه الحياة الاحتمالية، بينما هو لم يطاوعه قلبه ألا يودعها ليشبع جوعه مؤقتًا...
فالتهم شفتاها في قبلة دامية، تقريبًا قبلة الوداع!
كانت من المفترض أن تنتهي مسرعة، ولكنها زادت تطلبًا، وكادت تزيد جرأة!
إلا انه احكم السيطرة على نفسه التي ثارت من اقترابها مجددًا، لينظر لها هاتفًا بأنفاس لاهثة:
-اسف، شفايفك مغرية، وأنا واحد بيودع حقوقه وشوقه، ل مراته!

ثم وبكل بساطة نهض متجهًا للمرحاض تاركًا اياها تتحسس شفتاها اثر اقتحامه بصدمة!..
اختفى من امام ناظريها، بينما بقيت هي تتذكر ما جعلها تلجأ له دون غيره!
بعد مقابلتها مع عبدالرحمن، إتجهت لمنزل أبيها
فلاش باك ####
طرقت الباب برفق، كانت شبه محطمة نفسيًا، تحاول لملمة شظايا كسرها لتخلق لها حائط قوي!
فُتح الباب لتجد فتاة ما تقربها في العمر، ترتدي ملابس خليعة، وتقف أمامها بكل برود!

إتسعت حدقتا عينيها صدمة مما تراه، بينما سألتها الاخرى وهي تتمايل ببرود:
-خير يا مدام نعم؟
حاولت فك لجام لسانها المتفاجئ لتسألها بقوة متعجبة:
-إنتِ اللي مين ده بيت أهلي!؟
ضحكت الاخرى ضحكة قصيرة وخليعة قبل أن تخبرها:
-اااه هو إنتِ بقا ست أسيل، على العموم يختي امك اتطلقت ومشيت الصبح!
-ايييية؟!
صرخت بها أسيل قبل أن تندفع نحو الداخل، ولكن يد الاخرى منعتها وهي تجذبها بعيدا لتدفعها للخارج بعنف حتى كادت تسقط!

ظلت تحدق فيها بصدمة، تخشبت مكانها وتجمدت الحروف الهجومية بين ثنايا روحها المُفقمة!..
واخيرًا إستطاعت النطق ولو بحروف لم تتواصل حول نقطة واضحة:
-ازا آآ ماما و، وبابا، بابا فين!؟
أشارت نحو أبيها الذي ظهر لتوه لتقول متأففة:
-ابوكِ اهو ياختي
سارعت تهتف في أبيها بحنق منصدم:
-إيه اللي الست المتخلفة دي بتقوله يا بابا؟! وفين امي؟
أشار لها بأصبعه في شيئ من الحزم اللاذع:.

-اعدلي لسانك يا أسيل، دي في مقام امك، وع فكرة هي مش كذابة، انا طلقت امك الصبح زي ما طلبت ومشيت
هنا تدخلت تلك السيدة تزجها بعنف للخارج صارخة فيها بغيظ:
-يلا يابت غوري من هنا، آل متخلفة آل، يلا واياكِ تعتبي هنا تاني سااامعة؟!
كانت تنظر لأبيها، منتظرة رد فعل يعطي أبوته السوداء لونًا من ألوان الحياة الطبيعية الفطرية بين أب وأبنته، ولكن لم يعطي!
كان يشاهدها بصمت بارد..
بينما همست هي بحرقة:.

-بابا؟! بابا أنت ساكت وشايفها بتطردني!
لم يرد عليها وإنما اولاها ظهره، فيما دلفت تلك السيدة وأغلقت الباب خلفها...
فنهضت أسيل ببطئ عن الأرضية وقد بدأ البكاء يلفها بعنف...
تشعر بروحها تُعانق الموت مرحبة به!
أنهم سلطوا كهرباء مميتة عليها فكادت تُزهق روحها!
لا أب يريدها، ولا أم تسأل فيها، ولا حتى حبيب ينتظر لقاها!

لمن تستمر الحياة اذن؟! هو فقط، هو فقط من كان دائما ذراعاه مفتوحان على مصرعهما لها، ولكنها دائمًا تصنع شباكًا صغيرة لا تُفك بينهما!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة