قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

كان عمر ينظر ل حسين مصدومًا بحق، لا بل مجروحًا بعمق ينزف حتى الموت!
توقع كل الاشخاص، توقع الغدر، ولكن لم يتوقعه هو يومًا!
لم يتوقع أن اليد التي شاركته الطعام ذات يوم هي من ستطلق السهم بمنتصف صدره لتشقه لنصفين يصعب إلتئامهم!
كان عيناه تخور سوادًا..
ذاك اللون الذي يظهر عادةً كخلفية لغضبًا أشبه بالحمم البركانية!
بينما كان حسين يقف أمامه واضعًا يداه في جيب بنطاله الجينز..

يراقب بعينان أسوء من مُعَذب يتشفى في مُعذِبه بعد مرار!
لدرجة جعلت عمر يحاول إنعاش ذاكرته عله يتذكر أنه قتل له شخصًا غاليًا، ولكن والله لم يفعل...
منذ أن اٌغلقت تلك الصفحة وتكون عليها أتربة التوبة لم يحاول إزالتها ابدًا!
واخيرًا استطاع الهمس وهو يجاهد حروفه للخروج:
-أنت! أنت يا حسين
اومأ حسين وقد بدأت أبتسامة سمجة باردة أشعلت رغبة عمر في كسر فكه ذاك وقال بنبرة تحمل نفس البرود:.

-أيوة انا، حسين بشمحه ولحمه يا عمر باشا
سأله بهمس مبهوت وكأنما يحتاج دليلاً أقوى:
-أزاي! ولية اصلاً؟
اومأ حسين موافقًا وبكل ما يعرف من برود صُب في كلماته وهو يخبره:.

-بما إنك غالي عليا هقولك، من البداية وأنت خطر عليهم، عشان كدة كان لازم انا اجي اقولك ان في شغل مناسب ليك وانت بما انك واثق فيا تيجي تشتغل و ندبسك في حاجة تجبرك على الشغل معانا حتى لو مؤقتا، لكن أنت بوظت كل حاجة لما هددتني تفضحنا، وبالنسبة ليهم مفيش أسهل من دمار حياة الناس، فعشان كدة أنا بعمل اللي بعمله ده بأوامر منهم
وتحرك لسانه بتلقائية يسأله:
-يعني أنت كنت معاهم من البداية؟ مش ضدهم زي ما فهمتني.

إتسعت ابتسامة حسين الخبيثة، حتى كادت تتحول لضحكات تجعل الدماء تغلي بعروق عمر، إلى ان قال:
-أنا مش زيك يا عمر، مابعضش الايد اللي اتمدت لي ابدًا
صرخ فيه عمر منفعلاً:
-أنت كلب، واطي الفلوس هي اللي بتحركك، وجبااان
لم يتخلى حسين عن ابتسامته وكأنه يتلقى مديحًا حارًا، ثم أردف ببرود يكاد يغطي النار التي تشق عينا عمر:
-مقبولة منك، يا صاحبي!
كز عمر على أسنانه بغيظ شديد حتى برزت عروقه وهو يزمجر فيه:.

-لو راجل فكني وماتبقاش جبان
هز رأسه نافيًا وبصوت اشبه لفحيح الافعي اخبره:
-لا لا، أنا هعمل فيك جميل تاني، هديك صنف إنما اية، هيطريلك دماغك
همس عمر وقد ألجمت الصدمة لسانه:
-مخدرات!
اومأ حسين مؤكدًا، ثم قال والخبث يظهر كذئبًا بشريًا بين عيناه:
-ايوة، المخدرات اللي انت طول عمرك كارهها، بعد كدة هتطلبها اكتر من اي حاجة
ثم اشار للرجل بطرف اصبعه، ليتقدم شخصًا وبيده - حقنة - تحمل ذلك السم البطيئ!

بمجرد أن أبتعد عبدالرحمن بالسيارة عن منزل شهد قليلاً، حتى أوقف السيارة فجأةً في شارع جانبي خالي من البشر تقريبًا، ثم أغلق زجاج السيارة!
نظرت له رضوى متفاجأة، لم يكن بطبيعته ابدًا، كان قناعًا غريب لأول مرة يتلبسه يظهر أمامها!
عيناه كانت تغيم بالكثير والكثير وهو ينظر لها محدقًا بها وكأنه يراها لأول مرة...
ولكن شعورًا واحدًا كان في قائمة الاسثناء من الألغاز تلك، الأحتياج!

كان الأحتياج ظاهرًا في عينيه وامامه بريقًا غريبًا...
بريق الضعف الواهن الذي يجعله غير قادرًا على أظهاره حتى!
لم تكاد تسأله:
-مالك يا عبدالرحمن في إيه؟
حتى وجدته يجيبها بأسرع طريقة هو كان في أكبر شوقه لأستعمالها لا غيرها...
أخذ يقبلها بقوة، وضعف، وأحتياج، كم مشاعر متناقضة جعلتها متخبطة بين عنف تلك المشاعر التي اجتاحتها فجأة!

ويداه تُقيد خصرها وكأنه يخشى أن تهرب منه فتتركه شريدًا تائهًا بين ظلماته لا يملك نورها الساطع...
وبتلقائية وجدت نفسها تبادله تلك القبلة وكأنها حتى الان طفلة تتعلم حروف أبجدية العشق!
إلى أن أبتعد عنها قليلاً يلهث بصعوبة، فهمست هي متأوهه بأسمه:
-عبدالرحمن...
ولم يكن يحتاج أكثر لينقض عليها مرة اخرى يشبعها تقبيلاً، دون أن يشعرا بأي دقائق تمر!

واخيرًا حسه ذلك الوضع اجباريًا على الإبتعاد، لينظر لعينيها التي كانت تشمله بنظرة خاصة له فقط!
ويداه تتحس ظهرها طوليًا جعل قشعريرة باردة تسير على طول عمودها..
أبتسم اخيرًا بلا مرح ليهمس لها بصدق:
-كنتِ وحشاني، أوي
أبتسمت برقة تليق بها لترد:
-وأنت أكتر يا حبيبي
ضيق عيناه وهو يحدق بها، ثم قال بنبرة ذات مغزى:
-اممم عشان كدة كنتي مطنشاني خالص، لما أتصل بيكِ حتى تردي؟!

لاحظت اللوم في نبرته، ولكن ما باليد حيلة، المصائب تسقط على رأسها وكأنها سياجٍ طويل وصلب بينها وبينه، فأصبحت مشتت نفسيًا، وجسديًا ايضًا!
حكت جبينها مغمضة العينين ثم صدح صوتها مُرهقًا مما جعله يتريث بها قليلاً:
-أنا مش لاحقه أشرب مايه حتى، جيت مع البت زفته قعدت مع مها وروحت لشهد، المصايب عمالة حاجة ورا التانية تقع على دماغنا
أمسك بيدها يتحسسها بحنان خضعت له كل جوارحها الضعيفة، ليتابع بهدوء:.

-معلش يا حبيبي، فترة وتعدي بأذن الله
اومأت بشبح ابتسامة ثم رددت خلفه:
-بأذن الله
عاد يسألها فجأة وكأنه تذكر لتوه:
-صحيح لاقوا سيف ولا لا؟
تأففت بضيق ثم أجابته، وقد أصبح اليأس جزءًا لا يتجزء من حروفه الساطعة بالأمل دومًا:
-لأ، اصلاً ماما مش بترد عليا ولا حد فيهم، يادوب قالتلي انهم بيدوروا عليه في المنطقة وقفلت.

تنهد بقوة، إن كان هو لم يعد يحتمل كل هذا في آنٍ واحد، فماذا عن كائن خُلق وفي عرفه عنوانًا واحد يشكل حياته الضعف !
وإن كان المشاكل مجرد ريحٍ الصبا، فستنهار حتمًا والله...
نظر لها هاتفًا في محاولة لإختلاق المرح في جو خالٍ من أي ذرة راحة نفسية لكلاهما:
-اممم طب يلا بقا فكي التكشيرة دي، أنا راجل فرفوش ومابحبش جو يحزنون ده
أبتسمت وظلت ملتزمة الصمت، ليملس على وجنتها مردفًا بثقة:.

-ربنا هيفرجها من عنده صدقيني، أنا واثق
عند هذه الجملة ربطتت كل آهٍ وألم داخلها بسلسلة لا تُفك من الإيمان بالله ثم لإيمانه الذي يخترقها فيمدها بطاقة فجائية!
فأومأت مرددة خلفه كطفلاً ينصت لوالده الحبيب:
-يارب، طب يلا بقا عشان أنا جعانة نوووووم
إتسعت حدقتا عيناه بشكل مضحك، ثم زجرها بعصبية مصطنعة:
-نعم يااختي؟ ه إيه؟ قوليها كدة تاني معلش واقع على وداني أنا وصغير
ظلت محتفظة بابتسامتها وهي تهتف ببراءة طفل:.

-هنام يا حبيبي هنام
إلتفت لها فجأة يقول كازًا على أسنانه بغيظ:
-نامت عليكِ حيطة يا حبيبتي، يعني أنا بقالي ساعة بقولك وحشتيني، ومابتسأليش فيا، وقاعد بصبر فيكِ بقالي سنة عشان تقوليلي هنام
لم تستطع كتم ضحكتها التي إنفلتت منها، فحاولت الهتاف بحروف ثابتة وسط موجة الحزن التي كادت تغرقها بها:
-يوه! امال أنت عايز إيه يا بودي؟

غاصت عيناه بعمق في أطيافًا من العبث، مع ازدياد إتساع ابتسامته والتي هي عنوانًا واضحًا لأشتعال الخبث بين مسامه، فقال غامزًا لها:
-لما نروح هقولك كل حاجة وهوريهالك عملي كمان يا قلب بودي
صدح صوت ضحكاتها الخجولة متناسية ما تمر به مؤقتًا، بينما هو يراقبها بحنان...
نجح اخيرًا في رسم أفضل لوحات السعادة على وجهها الذي لا يليق به سوى ذلك..
وإن كانت فراشاته نفسها تعاني من نفس الألم والمرض!

بعد مرور يومان...
دلف جاسر إلى غرفة أسيل، مندفعًا وفي قرارة نفسه يجب أن يصل لحل أوسط، يجب ان يسير عن نصف الطريق المُلك حرفيًا!
ومن دوم مقدمات فتح الباب ليجدها تلف جسدها بالمنشفة...
سقط قلبه ارضًا من روعة مظهرها، قطرات الماء تتساقط على جسدها الرائع وشعرها الذي طالما عشقه مُبلل يحتضن وجهها...
ومن فزعها أسقطت المنشفة، فبقيت امامه عارية تمامًا!

وسرعان ما كانت تسحب المنشفة مرة اخرى، ونظراته كانت كفيلة أن تجعل الاحمرار يزحف لوجهها الابيض..
تسارعت دقاته بشكل مخيف حتى كاد يتوقف عن العمل، وعيناه لا تحيد عن جسدها الابيض الذي يظهر نصفه من المنشفة الصغيرة...
ظل ينظر لها عله يحتفظ بتلك الصورة بين جفونه، لعل وعسى تهدئ نار شوقه المستعرة منها!
ولكن وكأنها زادته اشتعالاً، رؤيتها بهذا المنظر كانت كفيلة أن تمحي دهرًا من القرارات والأسباب عن عقله...

بينما هي كانت وكأنها سقطت في مستنقع الحرج الأحمر، ولسانها شُل تمامًا عن الكلام...
أي كلام ذاك؟!
هي أصبحت تجهل حروف الأبجدية، لا تعلم سوى انها تقف امامه شبه عارية، تخترقها عيناه لتأكلها اكلاً بلا صبر!
واخيرًا استطاعت التغلب على تمرد حواسها وهي تسأله بحنق مُحرج:
-أنت، أنت اية اللي جابك و ازاي تدخل كدة على طول؟
نسى، نسى تمامًا ما أتى إليه!

هربت الحروف من لسانه، وكسر دائرة الصمت وهو يقترب منها مرددًا بخشونة:
-هو حرام أدخل الاوضة ولا إيه!؟
إبتلعت ريقها هامسة:
-لأ بس تخبط حتى قبل ما تدخل
أصبح امامها تمامًا، داخله شيئ ما يحترق بقوة، بداخله وحش كاشر تكونت بنيانه من الشوووق...
الشوق الجارف ذو شعوران متلازمان، الجرف والقسوة، ودوائر يدور داخلها دون نهاية محسوبة!

وضع يداه يحاصرها عند الجدران التي احتضنتها ببرودتها، بينما السخونة تمتد لأطرافها اكثر فأكثر...
إلتصق بها كعادته، ثم دفن وجهه عند رقبتها يشتم رائحتها الفواحة..
بينما هي قشعر بدنها من لمساته، فأغمضت عينيها بقوة، لترتجف وهي ترجوه بضعف:
-جاسر...
كان نطقها لحروف أسمه بهذه الطريقة أكبر ثقابًا زاد من إشتعال ما تبقى من التماسك والسيطرة..
كالنقطة التي ما إن وضعت حتى اكتملت الحجة الباطلة بالأقتراب!

ورغمًا عنها هي خرجت حروفها مترجية بنبرة يأسة، ولكن وكأنها ترجوه أن يكمل!
حملت تلك الكلمة رغبتان متضادتان، وما بين الرغبة والرفض همست هي متابعة:
-أبعد، عني
ولكنه امتثل لطلبها الخفي بالقرب، فازدادت لمساته جرأة، يتلمس كل جزء من مفاتنها والرغبة تزداد لتحرق كلاهما!
إمتدت يده لطرف المنشفة ليبدأ بفكها ببطئ شديد..
بطئ مهمته البائسة الوحيدة هو زيادة توترها، واستسلامها!

ولكنها شهقت مستديرة لتوليه ظهرها قبل أن تهتف بصوت ذو بحة يعرفها جيدًا:
-لااا، ماينفعش
رفع أصابعه يسير بطرف اصبعه على ظهرها العاري، وهي ترتعش تحت ثقب لمساته المترقب لأي تجاوب..
ولكنها انتفضت مبتعدة عنه وهي تهمس بحبور:
-جاسر، ارجووووك
رفع حاجبه الأيسر متساءلاً:
-إيه؟
اجابته مندفعة بتهور لا تعي تلك الحروف التي خرجت في مسارها الخاطئ:
-ماتلعبش على وتر الانثى جوايا!

وهنا إنفجر قلبه مهللاً، دقاته تدق بقوة ك طبول الحرب، والابتسامة الخبيثة تتسلل كشبحًا طال غيابه غيابه على ثغره...
هي تتأثر به، وحاليًا هذا يسد خانة غروره الذكوري!
أقترب اكثر منها يلفها له ثم اغرقها في عناق قوي مستبد...
لم ينكر محاولتها في التملص منه، ولكنه لن يتركها!
هجم على شفتيها يسحق رحيقها برقة تذيب الحجر، ويداه تعزف على مفاتن جسدها ببراعة...

نجح في إزالة تلك المنشفة اللعينة التي تفصله عنها، ليحملها معه ويضعها على الفراش، وهي مغمضة العينين تحاول إبعاده، شيئ ما داخلها ينتفض بقوة رافضًا، وركنًا ما يزداد في الأمتلاء يُسيب أي رفض لها!
وبالنهاية، اُعلن النصر، لبراعة جاسر في أذابة جليد شعورها، وقد نالها وانتهى الامر!

هب أحمد منتصباً أحمد على صرخة اخرى ل مها التي هبت منتصبة من نومتها القصيرة..
لم تكن المرة الاولى ويبدو انها لن تكن الاخيرة التي تستيقظ فيها صارخة بأسم سيف ...
طفلها الغائب، سالب قلبها وروحها معه!
أحتضنها احمد بذراعيه، في محاولة للسيطرة على نوبة الهلع والهيستيرية التي كادت تبتلعها...
ولكنها نفضته عنها وهي تصرخ فزعة:
-لا، أنا عايزة سيييييف، هاتولي أبني حرام عليكوا.

تنهد بيأس، هو ينهار داخليًا ولربما أكثر منها، ولكنه يحزم أطراف الانهيار ذاك داخل روحه..
حتى كاد ينفجر قهرًا، يبحث ويبحث، يلف ويدور حول المدينة كاملة...
ولكن دائمًا يقابل تلك الاجابة التي تحطمه داخليًا دون رحمة غير موجود
ولكنه صامد كجبلاً كثرت المتاعب عليه فصار يهتز داخليًا!
اما هي، هي تخضع لطبيعتها الأنثوية، لا قدرة لها على التحمل..
وليس أي تحمل، تحمل الفقدان المرير!

إلتفت لها يمسك وجهها بين يديه ليهتف بولع:
-اهدي يا مها اهدي عشان خاطري مينفعش الانهيار ده
جنوووون، جنون ذاك ما يحتل أطرافها ويشعلها بلهيبه، عن أي هدوء يتحدث!؟
لا يوجد معنًا للهدوء الان في عرفها..
ثوران، هذيان، صراخ ونحيب فقط ما تعرفه حاليًا!
فصرخت فيه منفعلة بجنون:
-متقوليش اهدي، مش ههدى مش ههدى.

تمنى من داخله لو أبرحها ضربًا على صراخها هذا، لو عاد لطبيعته الهمجية، ولكن حالتها تلك هي من تقيد يداه عن الانقضاض عليها، فقط حالتها!
تنهد بقوة في محاولة منه للتمسك بذاك الثبات الذي كاد يفر هاربًا، ثم قال بصوت يجيش ألمًا لمسته هي في نبرته:.

-مها، أقسم بالله أنا حاسس بيكِ وبوجعك على أبننا، وياريت تحطي مليون خط تحت أبننا دي، يعني أنا بعاني زيك بالظبط واكتر لكن بكتم وبتماسك عشانك انتِ بس، ثم انك شايفاني مش بقعد في البيت اصلاً 24 ساعة بدور عليه، ف المفروض تساعديني مش تضعفيني!
تعلم صحة كلامه، بل تتيقن منه، ولكن ما باليد حيلة، قلبها يرتجف صرعًا بمجرد التفكير في إختفاء نبض قلبها الوحيد..

نظرت له بأعين لامعة بدموع حارقة قبل أن تهمس بصوتها المبحوح:
-غصب عني، أنا بموت في اليوم ألف مرة صدقني، بموت وانا معرفش هو فين، كويس ولا لا، جعان ولا شبعان، بيعيط ولا هادي
احتضنها بقوة علها تنغمس بين طيات حنانه فتهدئ قليلاً...
بينما في الخارج نهضت رودينا على طرقات الباب المسرعة، تأففت بضجر، ألا يكفيها ابتعاد أحمد عنها هذه الأيام، فيأتوا هم ليزعجوها ايضًا!؟
فتحت الباب لتُفاجئ ب رضوى تندفع دون مقدمات..

لا يوجد مقدمات اصلًا لمصيبة كارثية ك تلك التي حلت على رؤوسهم جميعًا!
فصاحت رودينا منزعجة:
-ده اية ده؟! هي وكالة من غير بواب ولا إيه يعني!
بينما اتجهت رضوى تطرق باب الغرفة دون أن تعيرها ادنى اهتمام...
ثم همست ردًا على كلامها البارد والذي لا يتناسب مع طقس موقف كهذا:
-أشوف بس مها وأطمن عليها وحسابك معايا بعدين يا حرباية البقر إنتِ.

فتح لها أحمد الذي كان يعلم وجودها مسبقًا، فأشار لهم نحو الداخل هاتفًا بصوته الهزيل:
-اتفضلي يا رضوى، مامتك جوه بتعمل لمها حاجة تاكلها
سارعت رضوى تهرول نحو مها التي لم يهتز لها جفن، وكأنها اصبحت ثابتة لا تهتز سوى بأمكانية ايجاد سيف أو عدمه!
ظلت تحتضنها وهي تهمس بألم على مظهر مها:
-يا حبيبتي، ربنا يعينك ويرجعهولك بألف سلامة يارب يت مها بحق حرقتك دي.

بينما مها لم تنتبه سوى بالحضن الذي احتواها، بتلامسها الجسدي الذي وكأنه سلب منها شحناتها المتسببة بالهذيان، فاستطردت بصوت يكاد يسمع:
-ابنب خلاص ضاع يا رضوى مش لاقينه خالص
اقتربت منها رضوى تمسح على شعرها بحنان لم تتصنعه
فيما شددت مها من احتضانها فقط، تحتضنها بكل قوتها تحت سيطرة ذاك الصمت القاتل!
وبعد وقت تركتها فانسحبت رضوى بصمت، الشك يوازي الدماء يجري بأوردتها، نفس شك مها تجاه تلك الحربائة رودينا!

خرجت لتجدها تجلس وتشاهد التلفاز بكل برود وكأن شيئًا لم يكن...
فتنحنحت وهي تجلي صوتها قائلة:
-امممم إيه يا رودرود مش تعملي لضيوفك كوباية شاي ولا ساقع ولا كوباية مياة حتى!؟
اجابتها رودينا بسماجة:
-أنتوا جايين تطمنوا على سيف ومها ولا جايين تتضايفوا؟
إبتلعت رضوى تلك الغصة المريرة بحلقها، وتخطتها مسرعة وهي تقول بنبرة ذات مغزى:.

-طب إيه رأيك يا رودرود تيجي تتسوقي معايا، بما ان مها ربنا يتولاها لحد ما أبنها يرجع
عقدت رودينا ما بين حاجبيها متعجبة، كلام رضوى يناقض ذات الخوف الذي يتزعزع بين جوفيها على أختها الوحيدة، ماذا إذن؟!
وكأن خياشيمها الشيطانية اشتمت رائحة فخ تفوح من بين حروف رضوى، فابتسمت ببرود وهي تتشدق ب:
-ماهو معلش أصل، آآ
قاطعها صوت أحمد الذي صدح من خلفهم قائلاً بفتور:.

-روحي يا رودينا لو حابه اتسوقي معاها، ماتشغليش بالك إنتِ
ثم رمق رضوى بنظرة امتنان على إفراغها للساحة قليلاً حتى ينفض رأسه من طلبات ونداءات رودينا الغير عابئة..
اما هي فشعرت انها في مأزق حقيقي، فحاولت التبرير بأحراج:
-لأ طبعا أفرض، أفرض مها احتاجت حاجة وأحمد مش هنا
لاحظا كلاً منهم ابتسامته الساخرة التي إحتلت ثغره قبل أن يجيبها بقوة جادة:.

-لأ، ماهو والدتها قالت جوة إنها هتقعد معاها مش هتقدر تسيبها في الحالة دي لحد ما نلاقي سيف
نظرت رودينا لرضوى لتجدها تنظر لها بانتصار مفعم بالخبث..
فتنهدت مستسلمة تقول:
-ماشي هروح معاكِ...
ولم تعي أنها اعطتها مفتاح حياتها دون أن تدري، لتذقيها من نفس الكأس، قليلاً فقط!

وما أفظع الشعور أن الموت يقترب منك رويدًا رويدًا، ك سفينة بدأت لتوها للغوص في قاع بحرًا وببطئ شديد يثير الذعر مساندًا لرهبة الموت!
كان كذلك شعور عمر في تلك اللحظات والرجل يقترب منه بتلك السموم اللعينة، ود لو يموت في نفس اللحظة ولا يدع نفسه أسيرة رحمتهم يرجوهم أن يشفقوا عليه بتكثيف جرعة العذاب...
وما إن أمسك به كان يشعر كما أن ملك الموت تشتد قبضته على عنقه، فصار يصرخ بجنون فيه:.

-لااااا، أبعد يا كلب، سيبني شيل أيدك عني، لاااااا يا حيووواناااات
ولكن بالطبع ما من مجيب، كانوا أشباحًا تغطي إنسانيتها بغطاء أسود ثقيل، ثقيل جدًا لا يروا منه سوى الأوامر القاتلة!
بدأ عمر يهمس بأسم واحد لاح في سماء عقله الذي بدأ يتخدر ببطئ:
-شههد، شهد!
ولم يعد يشعر سوى بالسموم تنغرز في جسده، تعرف مهمتها جيدًا وتنفذها حرفًا حرفًا، تعذبه ببطئ مثير للشفقة!

حتى غاب عن الوعي تمامًا، هاربًا منهم في ذلك العالم الواهي..
إلتفت أحدهم إلى حسين الذي بدا وكأنه يشاهد فيلمًا عربي حزين، ولكنه لم يكن يسمح لملامحه باظهار تأثره ولو للحظة واحدة!
فسأله بخشونة تليق بقسوة حجر:
-هنديهاله امتى تاني؟
تنهد طويلاً وعيناه لم تغب عن مرمى عمر، إلى أن قال بشرود:
-أنا هبقى اقولكم لما يجي وقت الحقنة التانية
اومأ الأخر موافقًا، ولكنه جادله مفكرًا:
-نديهاله كل 8 ساعات عشان تأثر فيه أسرع؟

لم يشعر بنفسه وهو صارخًا بوجهه بغضب كاد يحرق وجهه من شدة عاصفته:
-اخرررس يا حمار، أنت كدة هتموته مش هتأثر عليه بس!
اومأ مسرعًا وهو يحاول تفادي غضبه:
-خلاص خلاص، أنا كنت بقترح بس
رفع يده في وجهه محذرًا يشدد على كل حرف من حروفه:
-ماتعملش حاجة من غير ما أقولك، وإلا قسمًا بالله هتدفع التمن غالي، جدًا
اومأ الاخر مؤكدًا بقلق:
-طبعا طبعا يا حسين باشا
ثم غادر على الفور، ليترك حسين يحدق بعمر مبهوتًا للحظات...

من ظن أن الجرم فعلة هينة تزول بالنسيان؟!
بل هي ختمًا مؤلمًا وحادًا ينقشه قدرًا كُتب فيه المرارة فقط!
ظل ينظر له هكذا، مظهر عمر بهذا الشكل المخزي لم يجعله سوى طفل الإنسانية بداخله يبكي قهرًا على الرحمة التي ذبح أخر طرف حياة لها الان...
نعم طفل، هو رجل شاب، ولكن الإنسانية بداخله ربما لا تتعدى انسانية طفل حتى!
ولم يشعر بنفسه سوى أنه يهمس:
-أسف يا عمر.

أستدار مسرعًا، لحظة واحدة اخرى إن مرت وحُسبت في عداد حياته، ستنحاز لصفًا من القرارات العادلة بعد فترة غياب طويلة!
وبالطبع هو لا يرغب ذلك، هو لا يرغب الموت غرقًا هكذا فداءًا لصديق أحمق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة