قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

بينما مها تتحاشى مصائب تنظها قد تضل طريقها لمجرد أنها اظلمت السبيل!
لم تكن تدري أنها تخلق سبيل جديد من نهاية مُسددة، وقدر محتوم!
وقد تعتقد ايضًا أنها تسير على الصراط المستقيم، فلن تُصيبها رياح عاتية صُدرت لها فجأة...
ولكنها تُفاجئك أنها أنطلقت من الذي كنت تعتقده برًا للأمان!
تمامًا كما هي، تحاول بشتى الطرق تحاشي رودينا برغم الحريق الذي لم يطفأه صبرا او حزمًا!

بينما الاخرى نالت فرصتها الأخيرة والوحيدة لتُدس الغيظ بين منابع تحكمات تلك مها أكثر...
كان أحمد و رودينا و سيف يجلسوا أمام - سفرة الطعام - ومها في المطبخ تعد الطعام...
اليوم هو يومها هي في المطبخ، ذلك اليوم الذي تُماطل رودينا ليصبح يومان وربما ثلاث!
والحجة جلد ثعبان خبيث ولكنه شفاف امام عيني مها المترقبة..!
وضعت مها الطعام اما كل واحدًا منهم لتجلس وتبدأ بالطعام...

قطع سيف الصمت المخيم على نوايا ومشاعر تُخفى داخل عقلاً خبيثًا وربما مذبذبًا:
-بابا، أنت مش هتحضر التكريم في مدرستي؟
نظر له والده وهو يرسم إبتسامة ملائمة ويشاكسه:
-ياااه يا سيف ده انا كنت قربت أنسى أنك ممكن تيجي تكلمني يا راجل
أصر سيف على سؤاله المُلح:
-باباااا، هتيجي التكريم ولا لا لو سمحت؟!
إبتلع أحمد الطعام ببطئ وهو ينظر للعيون المترقبة ل رد فعله...

ليجيب بهدوء جاد ومتردد خوفاً على حالة طفله النفسية، وخاصةً بعدما حدث مؤخرا!:
-حبيبي أنت عارف إني عندي شغل وقضية مسؤل عنها، يعني مش هابقى فاضي خالص و...
قاطعه سيف متذمرًا بحزن:
-يووه يا بابا، كل العيال أبوهم هيجي إلا أنا، وأنت بتقعد مع طنط رودينا كتير، عشان هي هتجيب لك نونو صح، وأنا مش هتروح معايا حته زي الأول!
ذُهل أحمد من غيرة صغيره، التي وكأنه ورثها عن والدته التي إلتزمت هدوء ما قبل العاصفة!

ليحاول التبرير قائلاً:
-لا طبعا يا حبيبي، طنط رودينا ملهاش دعوة بالموضوع ده، وبعدين أنت مين قالك إنها هتجيب نونو؟!
غمغم بصوت منخفض:
-أنا سمعتكم وأنتم بتتكلموا
أشار له أحمد بصرامة:
-مفيش واحد كويس بيتصنت على أهله وهما بيتكلموا يا سيف، ماشي؟
إنكمش سيف في مقعده سريعا، وكأن تلك الضربات عاودت شعوره بالتزامن مع صوت احمد العالي قليلاً، فانحسرت الشجاعة في ركن المهملات!

إنتبهوا جميعهم لصرخة رودينا المتعجبة وهي تنظر ل - طبقها - وتسب دون مقدمات:
-الله يخربيتك يا مها، تااااني عاوزة تخلصي من إبني حرام عليكِ
إتسعت حدقتا مها بذهول من الإتهامات الواهية التي تُلصق في صفحة لامبالاتها دون تردد...
ثم همست في عدم تصديق:
-انا! لا ده إنتِ إتجننتِ بالحمل ده والله، هو انا عملتلك إيه دلوقتي؟
كادت تبكي وهي تتفحص الطبق، بينما سألها احمد بنزق:.

-في إيه يا رودينا؟ عملت إيه ما احنا قاعدين اهو!
أخرجت - قرص دواء - من طبقها لتشير له مرددة في حرقة كاذبة تبدو للناظرين كحرقة بكاء حزين:
-بص يا أحمد، حطالي دوا في أكلي لييية هه؟ وأكيد دوا عشان أسقط اللي ف بطني، لما فشلت أول مرة قالت تجرب تاني، أنا تعبت منها بقا بجد
وبتلقائية إلتفتت عينا أحمد نحو مها التي أخذت تردد بهيسترية:
-لا لا، أقسم بالله كذابة أنا ماحطتش أي حاجة في الأكل.

بدأت رودينا تتلوى وهي تتأوه بافتعال يكاد ينضم لخيوط الواقع الصادق!
بينما نهض أحمد يمسك بيدها قبل أن يهتف بصوت قلق إلى حدًا ما:
-تعالي بس ريحي وأنا هاتصل بالدكتور وأكيد دي وقعت غلطة مش أكتر
أزداد نحيب رودينا بينما نهضت مها هي الأخرى تصيح بانفعال حانق:
-هو ده اللي هي عايزاه، تبقى الغلبانة الكويسة وأنا العقربة اللي مش عايزاك تخلف من غيري، وأنت بوتجاز أول ما بتولعك بتولع على طول!

شهقت بعنف وهي تستشعر الوحش الكاسر الذي حررت تسرعه الذي كان يأسره، ليصفعها بقوة تناسب حيرته وقلقه بين دارًا لاخر...
وضعت يدها على وجنتها تنظر له بألم، بينما قال هو بقسوة:
-أنا كنت بحاول أمسك نفسي عشان ماظلمكيش، لكن الظاهر إنك فعلاً ماتستاهليش ابدا.

ثم إستدار يسير مع رودينا نحو غرفتهما، بينما مها تبكي بعمق على صورةٍ لأم وأب مثاليين كُسرت، بل وتردد صوت شظاياها على هيئة بكاء مها الذي إزداد لجوار إبنها سيف خاصةً وهي ترى رودينا التي إتسعت إبتسامتها دون أن يراها ذاك المغفل!

يُسقطك القدر أخر دمعة يُمكن أن تذرفها توافقًا للشعور الذي يطبق على أنفاسك..
حينها فقط تصبح كحجرًا صلب لا يتأثر لهجر معشوق غير متوقع!
كان عبدالرحمن ينتظر أسفل منزل والدة رضوى في سيارته..
ملامحه تكاد تكون تحمل هموم الدنيا وما فيها!
ينتظرها حتى ترضى عنه وترضى به، ينتظر ما يكون ضمن قائمة المستحيلات لدى رضوى...
بالفعل خلال دقائق كانت رضوى تهبط من البناية، بمعالم لا تقل تشققًا من البُعد الضاهي عنه!

نزل مسرعاً نحوها وما إن رأته حتى كادت تستدير وتذهب..
ولكنه قبض على ذراعها بقوة هامسًا بتوسل:
-رضوى، رضوى أستني لو سمحتِ
هزت رأسها نافية بقوة:
-لو سمحت أنت أبعد من طريقي، أنا مفيش بيني وبينك أي كلام!
وبدقيقة كان ذلك اللين يتحول لسلاسل متينة تعرف مهامها في أسر ذاك العند جيدًا، فأمسك بذراعها يجذبها بقوة متجهًا نحو السيارة غير عابئًا بندائتها الغاضبة باستنكار:.

-سيبني أنت بأي حق بتجرني كدة زي الخروف المخطوف وراك؟!
إلتفت لها يغمز بعينيه هامسًا:
-لما نركب العربية هقولك بأي حق يا زوجتي العزيزة
رغمًا عنها تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل، مهما أختلفت الظروف، وترددت الحروف، تبقى كلماته المعسولة سحرًا لا ترياق له بين منابع روحها المتلهفة!
وبالفعل جعلها تركب السيارة ليقترب منها ببطئ، وبتلقائية وضعت يدها على وجهها صائحة فيه بصورة كوميدية:.

-لا أحنا في الشارع، يا فضيحتشك يا رضوووى، كانوا بيقولولك شيخة دلوقتي هتبقي منحرفة المنطقة
شقت الأبتسامة عبوسه المصطنع، قبل أن يربط لها الحزام بصرامة مشاكسة ويقول:
-لأ هو المفروض يتقال يافضيحتشك يا ام رضوى على خلفتك العار، ده أنا جوزك يا هبلة!
إبتلعت ريقها بازدراء في محاولة لإستعادة رباطة جأشها، لتتابع بجدية تُعاكس طقس موقف مرح كهذا:.

-طب ياريت تقولي أنت عايز مني إيه، وبسرررعة عشان بنتي مابتقعدش لوحدها كتير، أصلي بخاف عليها من الهوا الطاير، الدنيا مابقاش فيها امان ابدا
وبالطبع وصله المغزى الجارح من كلامها، وهل له أن يسد جوارحه عن جرحًا صُوب ولا يقبل الرفض؟!
اومأ مسرعا بخفوت متألم:
-وأنا برضه بخاف عليها يا رضوى، ما هي بنتي برضه
لم تدري بماذا تُجيب تحديدا، تنكر واقع ملموس، أم تقبل بصدمة لم تتردد الأقلام عن ذكرها!؟

أدار المقود ليغادر، لم تلتف له وهي تسأله:
-أحنا هنروح فين!؟
حاول الإمساك بيدها مرددًا:
-للدرجة دي مش طيقاني ولا طايقة قعدتي؟!
برغم تلك الحرارة التي تدفقت أوردتها من الإجابة الحاسمة، وبرغم شبحًا من الشوق المتيم الذي جاهدت لحرقه بنيران الجدية التي تشتعل بين أحشاؤوها، إلا إنها ردا ببرود منعكس:
-اه، وجدا كمان، وكويس إنك عارف كدة كويس!
ضغط على يدها التي تحاول إبعادها بحزم، ليقول بصرامة محببة:.

-أسمعي بقا، إنك زعلانة مني دلوقتي حاجة، وإنك تسمعي كلامي دي حاجة تانية خالص
تأففت عدة مرات، غابات موحشة تشتعل حول روحها فلا تعطيها طاقة للصبر، بل رغبةً في الفرار!
بينما رفع هو يدها ببطئ يلثمها، قبل أن يهمس بصوت ذو بحة لا تُنغم إلا لها:
-أنا أسف
نفذ الصبر، ونفذت الجدية، واُزيلت قشرة الصلابة الواهية، لتتعرى ثناياها المُكسرة وهي تصرخ بهستيرية:.

-سيبني في حاااالي بقااا والنبي، ماقدرش أسكت واعدي، أنت عملت كتير اوووي، كنت بتحلم بواحدة وبتقولي أنا عايزها، ضربتني وهنتني وقربت مني غصب عني، لكن بنتي لااااا، كله إلا ضنايا، مش هأمن عليها وأنا جمبك، أنا اللي أسفة بس ارحمني أنا ليا طاقة في التمثيل، أنا تعبت، حاجة جوايا إتكسرت، ثقتي أن أنت حمايتنا إتحولت ل خوف رهيب إني ممكن أكون نايمة في حضنك وتاني يوم أصحى ألاقيك موت بنتي الوحيدة لمجرد إنها مني! أنا نفسي اصرخ واقول اااااه، قلبي واجعني مش قادرة، بس لا، ده أنا لازم أفوق عشان بنتي، ماهو مش هيبقى ضياع جوزي وكمان بنتي، أنا اسفة، أسفة اوي بس أحنا حياتنا أتدمرت يا عبدالرحمن!

كان ينظر لها، يسمع أنينها الملكوم وهي تناجي الرحمة بوضوح...
ورغمًا عنه تهبط الدموع، تأثراً لها ومنها!
وفجأة أنتبه لصرختها وهي تنظر أمامها بهلع:
-عبدالرحمن اوعى العررررربية!
ولكن لحظة غيرت كتابًا كاملاً، كلمة نُقشت بسرعة الواقع المفاجئ غيرت توقعات أملاها عقل راجي!
وإصطدمت سيارتهم بأخرى، وقد حدث ما كان، وبالفعل إنتهى الأمر، او بالأحرى إنتهت حياتهم سويًا !

صوت رنين الهاتف أزعج أسيل من نومتها الهنيئة، نومتها التي امتلأ فيها فراغ الوحدة الذي سببه جاسر واخيرًا!
حاولت الحراك ولكنها كانت مقيدة في مكانها الطبيعي، بجوار صدره، وكأنها ستحاول الفرار؟!
ولكن لا، هي لن تحاول، هي إستسلمت، بل ورضخت للهزيمة مرحبة بها!
أبعدت يده قليلاً عنها لتمسك بهاتفها، وكما توقعت كانت والدة عبدالرحمن التي ما إن اجابت الاتصال حتى سمعتها تنعتها على الفور:.

-إيه يا بت يا * إنتِ نسيتِ نفسك ولا إيه؟ بقا أنا مابترديش عليا يابت!؟
تأففت أسيل بضيق قبل أن ترد باختصار حانق:
-مكنتش فاضية!
-دي حجة كل مرة هه، بس خلاص زهقت منك ومن حججك
-يبقى نفضها سيرة بقا، أنا زهقت واتهانت أكتر من 3 مرات ورا بعض واترفضت بأسوء الطرق، مش هاجي على كرامتي اكتر، انا كدة راضية
-ههههه ما احنا هنفضها طبعا، بس بعد ما أقول لجوزك المصون واهلك، كُل حااااجة!
-أعلى ما في خيلك، أركبيييييه.

ثم أغلقت الهاتف وهي تنظر امامها ببلاهه، تشعر أن ذلك الغضب تتناثر صوره أمام مرآى عيناها!
هي تخشاها..
لا بل تخشى الفيضحة التي ستتسبب بها!
تخشى النيران التي ستُحيطها من كل جانب ما إن يظهر غاز حارق في حياتها البائسة...
هي تخشى أي شيئ، وكل شيئ!
وتتظاهر بالقوة، بل ترجوها أن تمن عليها بنذة صغيرة في مقدمة حروفها الواهية!
أستفاقت من شرودها على ملمس يد جاسر التي تحسست وجنتها هامسًا:
-سرحانة في إيه؟

ظهرت شبح أبتسامة على ثغرها العابس لترد عليه بهدوء متوتر بعض الشيئ:
-احم، لا ماتشغلش بالك دي مشكلة مع واحدة صحبتي بس
اومأ موافقاً لينهض من جوارها بهدوء، ولكنه عاد على الفور يخبرها بجدية:
-صحيح، قومي يلا جهزي شنطنا بسرعة
عقدت حاجبيها هامسة بحيرة:
-شنطنا! أزاي؟
أجاب مختصرا أميالاً سيغوصاها سوياً وهو يهتف:
-أنا وإنتِ هنسافر البلد، أهلي وحشوني أوي وامي عايزة تشوفنا
فكرت للحظة او اثنان قبل أن تقول حاسمة امرها:.

-ماشي
نهضت من الفراش فجأةً وكادت تسير ولكن ترنجت في مكانها وكادت تسقط ممسكة برأسها، فسارع يمسك بها وهو يردف في هلع إمتد لحواسها:
-مالك فيكِ إيه؟ أقعدي أقعدي
جلست على الفراش مرة اخرى، وحاولت النطق وإن خرج صوتها واهنًا:
-أنا كويسة هي الدوخة دي بتجيلي اول ما أقوم فجأة كدة
رفع حاجبه الأيسر ساخرا بغضب:
-هي دي حاجة طبيعية يعني ولا إيه؟ أسكتِ أسكتِ
جعلها تتمدد على الفراش مرة اخرى بينما هي تراقبه بتفحص...

كان قلقه وخوفه على مرآى ومسمع حتى الجماد..!
ذاك القلق الذي لمس الوتر الحساس داخله لا يمكن أن يُصدر بطريقة خاطئة او يضل طريقاً وإن كان مظلمًا حد الوحشة!
حاولت الهدوء وهي تخبره:
-طب أنا مش عاوزة انام سيبني اقوم احضر الشنط عشان نلحق
أشار لها أن تصمت بحزم:
-هششش هي كلمة واحدة، إنتِ هتريحي لحد ما نيجي ماشيين، وأنا اللي هحضر الشنط، خلاص!

ثم أستدار ليدلف إلى المرحاض، كانت تنظر لأثره، مُقارنة قوية ومتسعة وقد تكون حادة ايضا تُنشب داخلها!
مقارنة بين ذلك وذاك، ولا وجه مقارنة اصلاً للأسف!
أنتبهت لخروجه من المرحاض يجفف خصلات شعره السوداء، لتقول دون وعي بصوت بدا غريبا حتى على عقلها:
-جاسر؟
نظر لها في المرآة يغمغم:
-ها؟
والطلقة كانت أخر إستنفاذ لصبره على غرابة تستحوذ ساحة حياته وهو يسمعها تستطرد بنفس النبرة:
-أنا مرتاحة معاك...!

جلست چودي في غرفتها على الكرسي الخشبي، يهتز بقوة كما تهتز الذكريات بعقلها، تنظر أمامها بشرود سام، خبيث كعقلها تمامًا!
تدق بأصبعها الرفيع على ذراع الكرسي برفق، مع كل دقة تحوم الذكريات بعقلها أكثر الى ذاك اليوم...
ذاك اليوم الذي هي بسببه هنا الان..
كانت تقف أمام والدتها المنفعلة، تأففت بضجر وهي تسمع طلبها الذي تكرره للمرة التي لا تذكر عددها..
فنظرت لها ثم زمجرت فيها منفعلة بنفاذ صبر:.

-مامي لو سمحتي خلاص بقا، قولت لك أنا مُش هنزل مصر تاني
أقتربت منها والدتها أكثر، ثم أستخدمت صيغة الأمر في محاولة لإقناعها، ذاك الشيئ صعب المنال:
-لأ هتنزلي، لازم تنزلي يا چودي، أحنا مش ادامنا غير الفرصة دي، إنتِ بقالك شهور هنا محدش إعترض
ثم صمتت برهه، والخزي يفترش على ملامحها شيئً فشيئ، حتى أكملت:
-لكن لو قعدتي تاني هنا هنشحت، لإما هتشتغلي خدامة.

إحتدت نظرة چودي وهي تصيح فيها بغل لم تُخفى خيوطه عن والدتها:
-وكل ده بسبب مين؟ مش بسببك إنتِ اللي أمنتي لواحد حقير سرق كل فلوسك
ألم، ألم ذلك ما يتسرب لخلاياها بأحتلال لن تقدر على مقاومته يومًا..
هي من دون شيئ تلوم نفسها، تلوم نفسها على ذاك الحنين للشباب والحب الكاذب الذي لم يسحبها سوى لمستنقع مميت أسود!
ولكنها أخفته بمهارة وعادت تنظر لچودي مرددة بقوة لا تتحلى بها:.

-أنا كنت غبية إنتِ ماتبقيش زيي، أرجعي ل عمر قبل فوات الأوان، أسترجعي مكانتك عنده، هو مأمن نفسه وأكيد هيأمن حياتك معاه
ثم إنتحب صوتها وهي تتابع همسها:
-ما أدامكيش غير كدة، وإلا تفضلي معايا هنا تواجههي نفس المصير اللي أنا هواجهه، وهو طبعًا الذل!
ذل!
چودي الجمال تواجه الذل يومًا؟!
نسبةً لها هذا الشيئ خارق لقوانين الطبيعة...
وهي لن تسمح بذلك اصلًا، لن ينزل أنفها الشامخ يومًا إلا في قبرها!

لن تسمح لذاك الذل بفرض مقاليده على حياتها المرفهه دومًا...
تنهدت تنهيدة طويلة وحارة تحمل في طياتها الكثير والكثير، قبل أن تخبرها بيأس:
-أنا خرجت بصعوبة من موضوع البوليس ده، أخاف انزل يدبسوني في قضية تانية يا مامي
سارعت الاخرى مبررة:
-لأ لأ، التهمة نزلت من عليكِ خلاص، وبعدين إنتِ مش هتعملي حاجة تخليهم يدبسوكِ في قضية
ودون تعبير واضح أردفت مفكرة:.

-ثم إن عمر الواضح إنه بيحب مراته ومش هيتخلى عنها بسهولة، ولا نسيتِ محاولتي القديمة عشان أرجعه ليا
تلاعبت الابتسامة على حبال ثغرها الذابلة، ثم همست بصوت أشبه لفحيح الافعى:
-ما ده بقا بيعتمد على شطارتك إنتِ
اومأت موافقة، وحروف والدتها الخبيثة ترتكز على مسام رأسها الشيطاني فهمست بشرود:
-اممم، فعلاً
تشجعت والدتها من موافقتها المبدئية التي نالتها، فاستطردت بحماس:.

-واهو تبقي مستقرة في بلدك ومتجوزة اللي إنتِ عايزاه وعايشة عيشة مرفهه حلوة جدًا ومبسوطة
ماتت حروف الرفض على شفتيها، وحل محله التصميم على النصر، ذاك النصر الذي لم يكن من حقها يومًا!
فأومات هاتفة بصلابة لا تليق بخبثًا كالذي تدفن نفسها به:
-موافقة، وهنفذ، وهيبقى ليا!

عادت للواقع من شرودها على صوت هاتفها الذي لم يصمت عن الرنين، بالطبع هذا حسين، ذاك الذي يركض خلف رغباته التي كانت كالسراب...
وهي، هي عالقة ما بين الامتثال لرغباته وتنفيذ ما أرادته...
وبالنهاية هي المنتصرة الخاسرة في آنٍ واحد، هي عملة لوجهتان متضادتان!
تأففت قبل أن تفتح الهاتف لتجيب وهي تحاول بث الهدوء في نبرتها:
-الوو
-أية يا چودي كل ده عشان تردي؟
-سوري يا بيبي كنت باخد شور
-امممم طيب ماشي، أنا نفذت.

-وطبعًا دوري جه أنفذ
-بالظبط كدة شاطرة
-تمام وأنا مستعدة يا سحس
-شقتي في الجيزة يوم الأحد الساعة 6 المغرب فاضية، هبعتلك العنوان في رسالة
-اوكيه ماشي تمام
-تمام، باي
-باي
أغلقت الهاتف وجملة واحدة فقط تترد في عقلها كصدى لصوت شيطانًا يتولى مهمة دمارها...
أعملي أي حاجة يا چودي عشان ترجعيه ليكِ، أي حاجة يا چودي !

بعد مرور ثلاث أسابيع...
كانت شهد تجلس في منزلها، ترتدي ملابسها السوداء التي لم تتخلى عنها ولو للحظة منذ وفاة رضوى
القشة التي كسرت ظهر الجميع!
والفتيل الذي أشعل نيران العذاب...
بالأضافة لعمر الذي إقتصرت تعاملاته معها على الجفاء والقسوة والأهانة!
وخاصة منذ أن زارت رضوى قبل وفاتها دون إرادته مع محسن ...
ألف هم وهم يتزاحموا بين طيات روح تكورت ألمًا وكادت تنفجر مصدرة تردد قوي يكاد يدمر من حوله!

أستفاقت من شرودها على صوت هاتف المنزل وهو يرن مصدرًا صوت ازعجها، فنهضت ببطئ متجهة نحوه لتمسك به وترد هاتفة بصوت واهن:
-الووو السلام عليكم..؟
-وعليكو السلام، دِه بيت عمر؟
-ايوة
-طب هو فين لو سمحتي؟!
-اقوله مين؟
-جوليله آآ جوليله حنان، حنان مراته!
سقط الهاتف من يدها، وتجمدت مكانها والكلمة تصلبها بلا رحمة...!
مراته، مراته، مراته و...

هب عبدالرحمن من فراش المستشفى منتصباً يصرخ بفزع عاليًا بصوت إخترق مسامع كل الموجودين:
-رضووووووووووووووووى
إلتف حوله كل الممرضات سريعا ليبدأوا بمعاودة فحصه، فيما حاول هو النهوض صارخًا بهيسترية:
-ابعدوا عني، فين رضوى، فين مراتي؟ أنا عايز مراتي
نادت الممرضة بصوت عالي تتساءل:
-يا جماعة فين والدته كانت لسة هنا؟
هنا دلفت والدته مسرعة تهرول تجاهه مهللة بفرحة:.

-اخيرا، حمدلله ع سلامتك يا ضنايا ان شاء الله اللي يكرهوك
كانت عيناه قصة سطورها مُمحاه، مشوهه ومتقلبة، قصة يُبحث فيها عن حروفها، عن مغزاها الضائع!
لا يظهر منها سوى اللهفة في نغمات الصوت وهو يسألها مسرعا:
-ماما فين رضوى؟ هي كانت معايا!؟
هزت رأسها نافية بضيق:
-رضوى إيه دلوقتي أنت بقالك 3 أسابيع في المستشفى ف غيبوبة يا حبيبي!
إتسعت عيناه بفزع من مؤشرات الكلام الطبيعي التي تنحدر نحو السلب وقال:.

-يعني إيه؟ فين مراتي يا أمي!؟ حصلها حاجة؟!
أطرقت رأسها خزيًا هامسة:
-البقاء لله يا حبيبي عطتك عمرها
سكون، سكون نتج عن روح نشبت بين طيات الماضي، الماضي الذي كانت هي معه فيه!
لا حاضر سالب كاسر ومؤلم، ولا مستقبل مشرق دون شمس تُضيئ عتمته!
ظلت يهز رأسه مسرعًا بهستيريا:
-لا لا إنتِ بتكذبي عليا عايزة تخضيني عليها بس
سارعت تنفي مرددة:
-لا والله يا حبيبي، هو الموت فيه هزار؟!

نهض عن الفراش عنوة عن الجميع، وسار ببطئ يهمس وكأنه جُن تمامًا:
-لا ده كذب انا متأكد، ماتت إيه بس بعيد الشر عنها يا امي، هي مستحيل تروح من غيري اصلا
شهقت والدته تضع يدها على فاهها، الصدمة وكأنها أفقدته الجزء الذي يحمل مهمة التصديق من عقله!
بينما صرخ هو فجأة بحرقة:
-رضووووى، والنبي لااااااااا يااااارب لا ياااارب خدني معاها لااااااااااااااااااا
سقط على الأرض يبكي بعنف صارخًا وهو يدب على الارض:.

-سابتني اااااه سابتني عشان انا حيوان ماستاهلهاش اصلا، كان عندها حق انا حيوان وقذر وخااااين بس ماتسبنييييييش لاااااا ابوس ايدكم قولولي انكم بتكذبوا
جلست والدته مسرعة بجواره تحتضنه وهي تردد في حزن حقيقي على حال إبنها الوحيد:
-لا يا ضنايا أنت مش حيوان، اهدى يا حبيبي
ظل يضرب بقبضته على صدره متابعًا بصوت مبحوح:.

-لا انا حيوووان، أنا اللي قتلتها يا امي، انا اللي ماخدتش بالي، انا اللي يتمت بنتييييييييي يا امي كانت بتقولي انها موجوعة، انها نفسها تصرخ وتقول ااااااااااااااه قلبي بيوجعني..
نهض مسرعا وهو يكمل وبكاؤوه لا يتوقف:
-انا هينتها، زعلتها ومديت ايدي عليها كمان!
نظر للزجاج بجواره ليضرب بكل قوته الزجاج الذي انكسر ليستمر في الخبط فيه بيده التي بدأت تنزف بغزارة:.

-يارب ايدي اللي اتمدت عليها تتقطع، يارب خدني معااااها يارب انا مقدرش اعيش من غيرها
نظر ليده التي تنزف ليضربها في الزجاج عدة مرات اخر:
-دي ايدي اللي اتمدت عليها، اهوووو، اهووووو
حاول الجميع امساكه او تهدأته، ولكنه كان كالثور الهائج الذي وُضع امامه الخط الاحمر فلم يعد يرى سواه!
لم يهدئ سوى عندما اعطته الممرضة - حقنة مهدئة - عنوة عنه..

كان كأسدٍ فقد قدرته على الحياة فلم يعد يفعل سوى إفتراس نفسه قبل أي شيئ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة