قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

لحظات مرت وهو ينظر لها ساكنًا، كانت تتسطح أمامه على فراشهم، بدءت تتململ في نومتها، تحركت أهدابها الكثيفة السوداء، لتبدء في فتح جفنيها البيضاويين رويدًا رويدًا، لتظهر عينيها البنية وتشرق معها شمسهم، بدءت الصورة تتضح امامها، عمر يجلس أمامها بهدوء، عقدت حاجبيها بعدم فهم، أخر صورة تتردد بين جنبات عقلها هي صورة وهي تترنج لتقع مغشيةً عليها، خرج صوتها متساءلاً بوهن:
عمر، أية اللي حصل؟

تجاهل سؤالها وكأنه لم يسمعه أو لم يرغب أن يسمعه، ثم تنحنح وهو يسألها في هدوء:
حاسه بأية؟
سارت معه في نفس السبيل، وتجاوبت معه وهي تضع يدها على رأسها متألمة:
حاسه دماغى وجعانى
اومأ موافقًا بهمس:
- هتخف إن شاء الله
أبتسمت نصف أبتسامة، وهي تتمعن فيه متوجسة، تعرفه جيدًا وتحفظ تفاصيله، لا ترى ذاك الغموض بين حلكة عينيه، ولا يصعب عليها قراءة سطور عيناه إلا في حالة الطوارئ...!
سألته مرة أخرى بقلق:.

عمر أية اللي حصل؟
تنهد وهو ينظر للجهة المقابلة، لا يرغب في تمعن عيناه، ولن يعطيها الفرصة التي إن سنحت لها ستعرف كل ما يجيش بصدره على الفور..!
أجابها بصوته الأجش:
مفيش يا شهد محصلش
رباه من كلمته شهد التي تخرج مضطربة في تلك الأوقات، تستشعرها مهزوزة غير مليئة بالثقة كما كانت، وكأن أعضاؤوه لا تسعفه في الكذب عليها..
سألته مرة اخرى، والضيق يتسلل لنبراتها الهادئة ليحتلها:
لأ في، خبى على أى حد إلا أنا يا عمر.

أستطرد منفعلاً بصوت بدء يعلو:
قولت مفيش، بطلى زن بقي
إنفعل، نعم يحق له الإنفعال، إن ظلت تحثه على البوح هكذا ستنهار حصونه، ويقص عليها ما حدث، وساعتها، لن تصمت وسيحتلها الرعب بلا منازع!
كادت تبكيِ وهي تلح عليه متساءلة:
لو سمحت قولى، ماتخبيييش أرجوك
هز رأسه نافيًا وأردف بثقة زائفة:
مش مضطر أكذب عليكِ
مصمصمت شفتاها بغلب ومن ثم قالت بثبات:
بص في عنيا وأنت بتقول محصلش، ومين اللي ضربنى على دماغى.

نظر في عينيها البنية، لهم سحر وتأثير خاص يضعف قوته على المقاومة!
نهض فجأةً وهو يصرخ فيها بنفاذ صبر:
عايزانى أقولك أية، أقولك إن في ناس بالفعل كانت هنا وانا جيت على اخر لحظة!؟
شهقت بصدمة، تخيلت للحظات أن احلامها بمصطفي يعود مرة أخرى ما هي إلا احلام، ولكن، هل تتحق تلك الأحلام لتتجسد أمامها كاملة!
وبصوت حاولت إخراجه هادئًا سألته:
مين هو؟!
مسح على شعره الأسود بقوة، ثم زفر متابعًا بحنق:
ملحقتش أعرف، هرب.

دون أن تنظر له عادت تسأله مرة اخرى:
مصطفى صح؟
رمقها بنظرات مغتاظة بحق، تتجاهل حديثه وكأنها ترى الحقيقة كاملة، وتسعى لتبعد تلك الشوائب وتصل لها!
أقترب منها يزمجر فيها غاضبًا:
معرفش يا شهد معرفش
تنهدت تنهيدة قوية عبرت عن محاولتها القوية للسيطرة على شهقاتها من الخروج، ثم هتفت بصوت متهدج:
لأ أنت عارف بس مش راضى تقولى يا عمر انا اصلاً حاسه انه عايش.

أقترب منها بهدوء حذر، نعم، لقد وصل تأثيرها عليه لمبتغاها، وزاحت الجزء القاسى من امامها كما تزيح أى غطاء، ليرمقه بنظراته الحانية وهو يحتضنها بحارف جارف تحول في ثوانى معدودة، وأخذ يربت على شعرها الذهبي الناعم مرددًا بهدوء حذر:
ثقي فيا، والا من دلوقتي نفضها سيرة يا بنت الناس
اومأت وهي تتابع بصوت مختنق:
لو مكنتش واثقة فيك مكنتش عيشت معاك ده كله.

حاول أن أبتسم نصف أبتسامة متوجسة، وفي خواطره يسأل نفسه سؤال واحد..
إلى متى سأكذب عليكِ يا معشوقتي، أنا غير قادر حتى على حماية نفسي !
أقترب منها أكثر، حتى بات ملتصقًا لها فهمس بهدوء مسرعا يود الهرب:
-أنا ماشي
أمتعضت وقد رسم القلق أفضل لوحاته على وجهها الذي أظلمه الحزن كمراهقة في بداية حياتها!
فقالت متسائلة:
-رايح فين يا عمر؟، لو سمحت آآ..

وفجأة شعرت بشفتاه تغزو شفتاها بنعومة قاتلة لأي اعتراض، لم يستطع مقاومتها اكثر!
فما كان منها إلا أن ترفع يدها لتحيط عنقه وتبادله ما تعلمته على يده برقة تليق بها!
ليرفعها بخفة على الفراش وهو فوقها، بينما هي مغمضة العينين مستسلمة لاجتياح عاشق ولهان باتت تتوق شوقًا له، إنزلقت شفتاه مبتعدة عن شفتاها لثواني يلتقط فيها انفاسه..
ثم عادت لرقبتها يلتهمها بجوع لا يُسد وأشتياق لا يموت..

وصار يقبل كل جزء منها ظاهر...
إلى أن ابتعد، يعدل ثيابه قبل أن يستسلم تمامًا، وساعتها لن يلوم إلا نفسه!
ثم هتف بجمود:
-مش هتعملي لي تحقيق يعني يا شهد، أنتِ عارفة إن وجودك ف حياتي مؤقت!
ثم غادر ببرود صافعًا الباب خلفه...

دوامة، دوامة من الضياع عصفت ب مها الشريدة، وضياع هالك إستحوذ على روحها الثائرة دومًا ليتركها ناعمة بهلاك مؤذي!
ناعمة كجلد ثعبانًا سام، جلست تضم ركبتيها إلى صدرها...
دموعها تتساقط بصمت قاتل، دموعها التي كانت دومًا محبوسة خلف نظرة القوة، والان، الان بعينيها نظرة كشمسًا تُغيب ببهوتًا في كل ثانية تمر!
ذكريات وذكريات تتلاطم داخل خلدها المزدحم بأمر الواقع المرير، طفلها...
طفلها الذي لن تراه!؟

لا، ستراه لطالما كانت على قيد تلك الحياة ستُعافر لتسترد منها ما سلبته، نعم ستعترض على قدرًا ينتشل منها السعادة بعدما وهبها إياها!
لم تشعر بالباب الذي فُتح، ولم تشعر بتلك السامة التي تدلف لجحرها لأول مرة، لم تشعر بها إلا وهي تسألها ببرود لم تصطنعه قط:
-إيه يا مها، هتفضلي حابسه نفسك بتعيطي بس؟! لازم تاكلي ماتنسيش إنك مافطرتيش.

لم ترد، ولكن الأجابة الساخرة كانت تحوم ما بين قلبها الثائر، وعقلها الغاضب، كيف تأكل وهي لا تدري طفلها جعان أم ظمأن ام، ام لم يعد يدري بشيئ؟!
بمجرد وصول تلك الكلمة لمركز العقل لديها صرخت بصورة هيستيرية:
-لا لاااا هو هيبقى كويس وهيرجع لي، أنا متأكدة
مطت رودينا شفتيها بطريقة ساخرة متلذذة بذلك القهر الذي يتلبسها، ثم ردت:
-قومي كلي طيب ده إنتِ شكلك هتتجنني والله
قاطعتها بشراسة:.

-ملكيش دعوة بيا، غوري برررة اوضتي
أشارت لها بيدها تزمجر فيها بغضب حقيقي لا تدعيه هذه المرة:
-يعني أنا خايفة عليكِ وجاية أقولك تاكلي، تقومي تطرديني ياختي
ودون أن تنظر لها اكدت على أمرًا سليمًا تمامًا بصوت عالي:
-أيوة بطردك، ولو عندك دم تمشي
تمالك نفسها قليلاً، فقط قليلاً ليكتمل ما ارداته، وبعدها هي من ستلقيها خارج هذا المنزل بنفسها!
و ببرودًا أضطرت للتماسك بخيوطه الثلجية أخبرتها:.

-ما خلاص يختي قال يعني بتطرديني من الجنة، أنا اساسا ماكنتش هاجي بس أحمد هو اللي وصاني عليكِ قبل ما ينزل عشان يدور على المحروس ابنك
إبتلعت تلك الغصة التي عادت تحيى في حلقها..
شُعلة من الأمل أشتعلت بين عينيها البنية، شعلة تتخفى خلف البريق اللامع على وعدًا منه بلقاء أحسن في الغد...
تتوق للقاء طفلها الحبيب، ترجوا أن يصل طفلها مع زوجها، أن تُعيد كرة الحياة الغدارة مرة اخرى!

نعم غدارة، توهمك وتوهمك أنك في أسمى معاني السعادة...
ولكن الحقيقة أن الحياة خُدعة، تُفاجئك على حين أن حروفها مسمومة يذقيها كل شخص ايًا كان!
وفجأة نهضت تقترب من تلك التي كادت تُقسم أن فقدان طفلها أدى لفقدان عقلها ايضًا ولكن لم تعطيها مها الفرصة لتنقض عليها ممسكة بتلابيبها، فشهقت الأخرى في محاولة لأبعادها عنها:
-انتِ مجنونة، أبعدي كدة.

ولكنها لم تستجيب، لم تستجيب لأي نداء خارجي هادر، كان تسمع لصوت عقلها المنفعل باهتياج يهفو
هي من فعلت بالتأكيد
كادت تخنقها حتى توصلها لأخر مرحلة في حياتها الموت وهي تهتف بصلابة:
-إنتِ اللي عملتِ كدة يا حيوانة، أنتِ خطفتي ابني يا مجرمة
شهقت الأخرى بفزع حقيقي كاد يشل أطرافها صدمةً، ولكنها تمساكت وهي تزجرها بحدة:
-لا طبعاً، إنتِ اللي اتجننتي، إيه اللي هايخليني أخطف أبنك هو انا ناقصة هم!

لم تبالي، لم تبالي بأي دفاعات كاذبة تصدر منها، بل ظلت تخنقها حتى زحفت الحمرة المُميتة لوجه الاخرى وهي تحاول إلتقاط أنفاسها!

كان يُهندم ملابسه أمام المرآة، ذلك الجلباب الغامق الذي يضم جسده الضخم، يضع العمامة البيضاء بإتزان على رأسه، متواعدًا معها أن تحفظ أسرار عقله الشيطاني...
طُرق الباب مرتان قبل أن يدلف أحدهم، نظر له وهو منحني بأحترامًا له..
ثم قال بصوتًا أجش:
-تم يا باشا
تحركت عيناه في برود تام يُناقض إحمرار الغضب الأهوج الذي دائمًا ما يرتكز داخل جزءً فيها، يرمقه بنظرة شبه راضية، قبل أن يخرج صوته الخشن متوجسًا:.

-نفذت زي ما جولت لك؟
اومأ مؤكدًا، وبثقة أجابه:
-طبعًا يا باشا، كل حاجة حصلت زي ما حضرتك عاوز
إبتسمتا شفاهه الغليظة بنصرًا بات يحفظ مكانه في حياته، ولكن ختم سعادته التي لم تكتمل بعد بسؤال الاخر المتعجب:
-بس في حاجة مش فاهمها يا باشا
تساءلت عيناه في صمت، فتابع الأخر بنفس النبرة والتي كانت واقعاً ملموسًا على أن طلاسم الشيطان، لا يفهمها سوى شيطان مثله، بنفس درجة خبثه ومكرة، وبنفس جزاؤوه لاحقًا!

-مش عارف إزاي تخليني أروح وبعد ما تكون ادام عنيا، اسيبها
تقوس فمه بابتسامة شيطانية خبيثة، تزداد أمواج نشوته كلما أستشعر لين النصر...
و راح يردد بصوتًا مبحوحًا دُست به غصة مؤلمة رغمًا غنه:
-عايزة أسويها على نار هادية زي مابيجولوا
صمت برهه وعاد ينثر خيوطه الخبيثة هنا وهناك بين حروفه المتوعدة:
- ماهخليهاش تتهنى بيوم واحد في حياتها، حخليها تجن وبعدين أفكر أجتلها!

إتسع بؤبؤي عينا الرجل، لا يتخيل كم الشر والحقد الذي كان ينبعث من نظراته، بل لا يتخيل أنه هكذا يومًا ما!
ربما يختفي الحقد بين ثنايات روحنا، وعند إعلان حالة الثوران
يبدأ في الظهور دون العلن كالسراب تمامًا!
فيما تساءل الأخر ومازال يتمسك بالتعجب لأظهاره:
-بس هي عملت إيه للدرچة يا باشا؟
إحتدت عيناه بسواد مخيف أكثر،
و ذكرى...

كلمة داعبت مشاعره المكبوتة والتي حجرها بفعل يَداه، حجرها واعدًا إياها بتركها فوضوية تُثير الأنتقام لاحقًا!
زفر بقوة يخرج تلك الشحنات التي أرسلت لأعماق الرجل الخوف الوحشي:
-ملكيش صالح، أنت هنيه بتنفذ بس، صمم بكم عمي، لا بتجول لية ولا ميتى ولا كيف حتى، بتجول حاضر وبس!
ردد الاخر لسانه تلقائيًا من فرط أزدال الهلع:
-حاضر، حاضر يا باشا...

بعد فترة عودتهم من المستشفى..
جلس عبدالرحمن أمام الشرفة، لا زال يتذكر ذاك اللقاء الذي خلد بعقله، لازال يتذكر كل حرفًا يرن بأذنه!
لازال يتذكر وجهها وهي تُبرر بأنفعال لم تصطنعه...
يتذكر قسمات وجهها التي لم يغيرها الزمن سوى أزدياد لمسات الجمال عليها، شفتاها التي كانت تنطق بأسمه كل حينٍ بشغف معشوقة لازالت ترجو أن يكن معشوقها رهن اشارتها!

ولكن هل هو ذلك؟!، لا لا هو لم ولن يكن خائنًا ل، حبيبته، زوجته، وأم طفله القادم، لن يجعلها تذيق مرارة نفس الكأس، مرارة الفراق الذي بقى يُعاني منها لحين ظهورها!
هو يحبها هي فقط، قلبه يدق بشغف لها هي فقط، يرتجف قلبه بعنف من أبتعادها المأسوي هي فقط..

لن يجعل غيرها تتربع على عرش قلبه، لن يجعل سبيل العشق مفتوحًا لغيرها، لن يجعله خالي ومُسالم إلا لها، هي فقط، رضوااه الحبيبة، حبيبته الأولى والأخيرة، وإن لم تكن الأولى في العد، هي الأولى في كل شيئ..
في شعوره المختلف نحوها، في لهيب غيرته الذي يستعر من مجرد إقتراب الجنس الأخر منها..
هي الأولى في السيطرة على تلابيب روحه الثائرة، وستبقى كذلك!
ورغمًا عنه، تُسيطر الذكرى لتحوم في الملأ، ويتذكر...

نظر لها مطولاً، رآن الصمت ينتشر بين النسمات المُكهربة، لا ينكر أن نظراتها التي لم تتغير أربكته، ولكنه أحكم السيطره على تعابيره وهو يسألها ببرود:
-أية اللي جابك هنا يا أسيل؟
وبالطبع كانت تتوقع، كانت تتوقع النفور الذي يأتي في مرحلة متأخرة بعد عذاب الفراق، كعلاج حتمي من القدر!
فلم تتعجب وأخبرته بنفس النبرة:
-جيت عشانك، أنت
تقوس فمه بابتسامة ساخرة تلقائية، لتوها أكتشفت أن تصل تلك العلاقة المُهدمة بينهما؟!

و رد عليها بصلابة بدت لها صعبة بدرجة كبيرة لتتخطاها:
-عشاني! لا ماعتقدش إنك ليكِ حاجة عندي
سارعت تردف بوقاحة علانية:
-لا ليا عندي حُبك، قلبك اللي أتقفل عليا أنا وبس
قهقه بسخرية واضحة وهازئة منها، كيف تعتقده، ساذج ليبكِ على الأطلال التي كانت مُحطمة من الأساس؟!
بالطبع لا، هو ليس كذلك ولن يصبح..
رمقها بنظرات ذات مغزى، قبل أن يباشرها في الحديث الحاد:
-الكلام ده كان قبل شهر، سنة، اتنين، إنما مش دلوقتي خالص.

سألته عن جهل مصطنع بمهارة:
-لية أية اللي اتغير؟
أشار لقلبه الذي ينبض بعشق معشوقته مرددًا:
-ده اللي اتغير، شعوره ومالكته اتغيرت
لم تتأثر وهي تخبره بثقة أغاظته:
-عادي، مسيره ينساها ويرجع لأصله
تعجب، نعم تعجب، بل دُهش من وقاحتها التي وصلت لأقصى حد، لا يكفي أنها عادت بعد أن تركته ببرود، بل تطلب إسترداد حقها الذي تنازلت عنه مسبقًا!
تحاول غرس سمومها بين ثنايات روحه!
همس بذهول:
-أنتِ مجنونة، أكيد مجنونة.

أقتربت منه أكثر تقطع تلك المسافة القاطنة بينهم، تلتصق به علها تؤثر على شيطانه إن لم تؤثر على قلبه...
وهو قلبه يرتجف بعنف، لم يرتجف عشقًا، بل دهشةً من تلك الغريبة!
فيما أكملت هي تحاول ملئ ذاك الفراغ بكلماتها المعسولة و الذي وهبه إياها دون قصد:
-أنا مجنونة بحبك! أنا مُش عارفة أعيش حياتي من غيرك، أنا بعدت عنك غصب عني صدقني
سألها بتهكم صريح:
-وأية اللي غصبك يا ترى؟

سارعت تهتف في شيئ من الحنق الداخلي الذي يُزعزع روحها يومًا بعد يوم:
-بابا، بابا هددني إني لو مابعدتش عنك وأتجوزت العريس اللي متقدملي هيأذيك في شغلك وحياتك لإن، لإن العريس كان جاهز من مجاميعه وآآ، والفلوس زغللت عينه
ولكن، كانت تقص عليه نصف حقيقتها هي، هي من كانت الأموال تُهز بركان العشق الثائر بداخله فتُهدئه كليًا!
الجشع في الرفاهيه هو من قيد قلبها العاشق بالموافقة...

إختلجت ذاك العشق من بين طيات قلبها ملقيه أياه عرض الحائط، لتغتنم فرصة المعيشة العالية! متنازلة عن باقي أساسيات ذاك الزواج...
خنقها، خنقها ذاك الجشع بمرور الأيام، الأيام التي كشفت لها شخصيته الشديدة، والتي لا تناسب شخصيتها بأي شكل!
أصبحت زوجته أمام الناس والقانون، ولكنها لم تقر بذاك يومًا...

كانت تعتقد كل شيئً سهل، ولكنه كان أصعب مما تخيلت، كلما أقترب تشعر بأنقباض قلبها، واضطراب أنفاسها، أختناق، اختناق، شعور موحش يتشبعها داخله!
تحاول الفرار ولكن دون جدوى، كالوحل المُتشدد يسحبها له..
-ياااه، حد قالك إني أهبل ولا حاجة عشان أصدق
أنتشلها من تلك الأفكار والذكريات الهوجاء التي تموج داخلها، فيما تألق الأنكسار مُشققًا بين عيناه وهو يستطرد بعصبية خفيفة:.

-أنا حاولت، حاولت أقابلك، أتكلم معاكِ، أفهم منك الأسباب بس حتى، بس إنتِ كنتِ جبروت، جبروت وإنتِ بتقوليلي أسفة بس أنا اتخطبت، عانيت وبقيت مريض نفسي، واحد منبوذ بين الناس، لحد ما الشمس ظهرت في ضلمة حياتي أخيرًا، تيجي أنتِ بعد ده كله بكل بساطة تقوليلي غصب عني؟!
قال كلمته الأخيرة بعصبية مفرطة، عصبية اختزتت داخله لسنوات، بينما بكت هي بحرقة، الذكريات تحرقها كلما تذكرت، والندم يأكلها كلما قارنت..

والنتيجة واحدة، هي زوجة آخر!
رمقته بنظرات مترجية، متمسكة بعطفًا يحمله الحنين للماضي، وما كان منها إلا أن تعترف بما خبئته عن العالم كله:
-عبدالرحمن أنا مُش بحبه، مش طيقاه ومش قادرة أقبله في حياتي، كلهم شايفين أن هو المناسب بس أنا شيفاه أخر واحد ممكن اتأقلم معاه
رفع كتفيه يرد بجمود لا يتحلى به ألا في تلك الاوقات:
-وأنا مالي، شيئ لا يعنيني، أنا واحد متجوز ومستني أبني الأول وبحب مراتي فوق ما تتخيلي.

ثم عاد خطوتان للخلف، يؤكد لها على تلك المسافة التي أصبحت بين حياتهم، التي فرقت أرواحهم المتجانسة مسبقًا، ليكمل بنفس النبرة:
-ياريت تحلي مشاكلك بعيد عني، بعيد جدًا
تقطع أخر أمل لديها لأشلاء، فكرت وخططت ونفذت، وخاطرت، ولكن النتيجة واحدة!
سحرًا هذا ما فعلته له تلك الفتاة؟!
فقالت متقهقرة بحسرة حاقدة:
-ماشي يا عبدالرحمن، هحلها، اوعدك هحلها بس هسترد كل حاجة.

عاد لواقعه السليم بهزة كتفه من رضوى التي قابلت إلتفاتته بابتسامة متسائلة:
-مالك سرحان في إيه؟
بادلها أبتسامة مؤرقة وهو يخبرها:
-لا ولا حاجة
ثم سألها بجدية صارمة:
-إنتِ إيه اللي قومك من على السرير؟ مش الدكتور قال ماتعمليش أي مجهود إلا ف اخر كام يوم قبل الولادة تتمشي
هزت رأسها نفيًا، ثم تهكمت في غلب من تلك التحكمات، تعلم أنه يخشى عليها من النسمات الشديدة، ولكنها بشر، تمل بالطبع!
:.

- حبيبي هو قالي ماتعمليش مجهود، مش أقعدي على السرير ماتتحركيش زي المشلولة
رغمًا عنه ضحك بمرح، في ثوانٍ معدودة تستعيد روحه المنطلقة، بعيدًا عن تلك التي تمر عليها بهبوب عاصف، ولكن سريع، جدًا!
فقال مشاكسًا لها:
-اممم حبيبي، المهم أنا لحد دلوقتي مش مستوعب ازاي كنتي هتموتي وازاي الدكتور يقول دي من حركة الجنين مش اكتر؟!
تلاعبت بحاجبيها وقد أستحسنت ذاك الحوار الخبيث:.

-حبيبي، وروحي ونور عيوني، ده قضاء وقدر ياسيدي هنعترض!
نهض فجأة، ليحملها خلسةً، فصرخت فيه متذمرة:
-حرام عليك أنا حاسه إني شوال بطاطا كل شوية تشيله تحطه مطرح ما أنت عاوز بس..
قهقه بمرح يجادلها:
-إيزي يا روحي، مش بسهل عليكِ بدل ما تتعبي نفسك
وضعها على الفراش برقة شديدة، وكأنها ماسة بين يديه يخشى أن تُكسر من خشونته!

ظلت نظراته العابثة تحوم قسمات وجهها بحنان، بداية من رأسها العنيد، وصولاً لشفتيها التي دائمًا وابدًا تحمل دعوة صريحة له بالتقبيل...
وما هو إلا عاشق ولهان يُلبي النداء دون ذرة تردد، إلتهم شفتاها في قبلة عميقة، طويلة متطلبة بالمزيد، هالة من رغبة العشاق تحيط بهم من كل جانب، لينغمسا سويًا في عالمها الخاص...!

كانت أسيل تقف في المطبخ في منزلها، الغضب يحتل جزءًا ملحوظًا من عينيها الزيتونية..
مازالت تتذكر لمعان إصراره على رفضها، تتذكر كلامه الذي حُفر بذاكرتها وكأنه قاصدًا تعذيبها!
قلبها ينتفض تأثرًا بتوسع الفجوة بينهم، الحنق يتسرب مسيطرًا على خلايا عقلها الأهوج...
شعرت بيد زوجها تحيط بخصرها من الخلف، فصرخت مفزوعة وكأنما لمسها ثعبانًا سام:
-جاسر، خضتني.

أستدارت له لتنحصر بين حضنه وذراعاه القوية التي اُحكمت حولها، كما انحصرت مسبقًا في حياته التي لم ترغبها يومًا...
قابلت عيناه المزروعة بأعجابًا خالصًا لها لطالما تغاضت عنه، وخطوط وجهه ترسم عشقًا بات يتخذ طريقه في قلبه!
إبتلعت ريقها وهي تلحظ تلك الرغبة التي تلتمع بين شقي عيناه..
تعطي لبياض عيناه بريقًا مخيف وحنون في آنٍ واحد..

تلك الرغبة التي لطالما أحكمها داخله، سيطر عليها وكبتها بكل عنفوان، يمنع حروف التغزل والرغبة من الزلزلة بين شفتيه..
شهورًا وهو يمنع نفسه عن حقه الشرعي، يحاول فيها، يلين ويتحدث ويتقرب، ولكنه في كل مرة يلاقي الفشل جوابًا واضحًا يُدمر سيل مشاعره المتأملة!
عادت لواقعها على لمسة يداه لوجنتاها الناعمة، بجوار همهمته الرقيقة:
-سلامتك من الخضة.

إبتلعت ريقها بازدراء، وباتت وكأنها تحاول ابعاد جبلاً ثقيلاً عنها، ولكنه ينجذب نحوها أكثر بكل قوته مستجيبًا لسحر عيناها التي لا تشفق على جوعه لها...
شعرت بملمس يداه على جسدها الناعم، شهقت بقوة تأثرًا لها، ثم همست:
-جاسر، لا
ولكنه كان مخدرًا من ذلك الأقتراب الذي لا يتحلى به سوى قليلاً على حين غرة..
ملس بأصابعه الخشنة على شفتاها الوردية وعيناه مثبتة عليها، يهمس بصوت عذب:
-وحشتيني.

أغمضت عيناها تبادله الهمس:
-شكراً
ثم حاولت زحزحته وهي ترجوه بصدق:
-ممكن تبعد عشان أخلص الأكل
هز رأسه نافيًا دون تردد، يداه لم تبتعد عن محور شفتاها، يشعر بكل حرف تنطقه، يرغب في إلتقاطه بين شفتاه، ولكن، هل تسمح له بكل هذا!؟
خرج صوته مبحوحًا بنبرة تعرفها جيدًا:
-لأ، أنا مُش عايز أكل، أنا عايزك إنتِ
نظرت له بجدية زائفة مرددة:
-أنت عارف إني آآ...

قاطع إعتراضها الذي حفظه مسبقًا بشفتاه، شفتاه التي كانت تتوق لتلك اللحظة التي يلتهمها فيها بنهم، شهورًا وهو يُمني نفسه بليلة تصبح له فقط، ليلة واحدة تصبح له قلبًا وقالباً...
ولكن تقلباتها باتت المطرقة التي تُدمر ذاك الجرف من رغباته..
أبتعد عنها اخيرًا يلتقط انفاسه الهادرة، لتستغل هي الفرصة وهي تدفعه بقوة مذبذبة:
-أبعد عني بقا
سألها بقوة وهو يضغط على كتفيها:
-لأمتى، لأمتى هبعد عنك.

ولم تستطع إخفاء ذاك الكره بين سطور عيناها وهي تخبره بشراسة:
-لحد ما أموت مش هتقرب لي، إلا وانا جثة بين ايديك...!
ولم يمنع الذهول من الظهور في نبرته وهو يسألها بحرقه:
-إنتِ بتعملي معايا كدة لية؟!
نظرت ارضًا هروبًا من حصار عينيه، ليعاود سؤالها بنبرة أكثر خشونة:
-قوليلي لو حد أجبرك على جوازي منك؟! مالك في إيه!
ولم تستطع الكبح أكثر، فلتت زمام الأمور منها، فصرخت منفعلة:.

-عشان أنا بكرهك، بكرهك أكتر من أي حد في الدنيا دي يا جاسر..
كلامها يحرقه حرفيًا، حروفها الساخنة تُصيبه في مقتل، يشعر بروحه تختلج من أسفل جلده فتتركه جثه هامدة..
وعقله يغيب بالكامل عن عالمًا لا يدير له جانبه الحلو!
رأت هي إشتعال عيناه، رأت نتيجة السهام القاتلة التي ألقتها بين حروفها، أستعدت لصفعه مؤكدة ستتلقاها منه، ولكنه أستدار وذهب!

بكل بساطة رحل ليترك الذهول يتشبع مسامها متبدلاً مع الكره، إنسحب ببساطة كما لم ينسحب من حياتها، ابداً!

أختناق، شعور ما يقرب للموت يحكم ثنايا روح شهد قبل عقلها، لا تستطع الجلوس بهدوء هكذا وهي داخليًا تحترق من ذاك الأبتعاد الاضطراري..
ماذا عساها تفعل؟! كيف تُسكت ضجة المشاعر تلك التي تهيج داخلها...
تشعر بذاك الصراع النفسي بين أشباحًا من المشاعر تختلط بها!
تنهدت أكثر من مرة قبل أن تنهض متجهه لدولابها، لقد عزمت أمرها، ستذهب له لعمله، إن كان يفر هاربًا من بين شباك عشقها..

ستمُدها هي حتى تتمكن منه، تتمكن الانقضاض والسيطرة على تمرده الحانق!
ستفعل وتفعل، لتصل للأستسلام الغير معهود منه، وإن كان بعيدًا، جدًا من زاويتها...
شيئً ما من النصر داعب روحها المُشتاقة، وقد بدأت بارتداء ملابسها في شيئ من السرعة المتلهفة..
وبالفعل خلال دقائق كانت قد انتهت لتتجه نحو الخارج بخطى متلهفة وسريعة ولكن ما إن فتحت الباب حتى تفاجئت برسالة أسفل قدماها!

اتكأت ببطئ مرتبك تمسك بتلك الرسالة لتجد الكلام المدون..
هجيبك لحد عندي، مذلولة ومكسورة تتمني الموت، تترجيني أسيبك بس أنا هدمرك جسديًا، بعد ما ادمرك نفسيًا، ومفيش كلب هيقدر يمنعني !
كورت تلك الورقة بين يديها، نعم نجح في زرع الخوف في حياتها، ولكنها لن تصمت!
ولكن لمن تلجأ؟! أخيها الذي لن يصدقها بالطبع، ام زوجها الذي بات يكره رؤيتها امام عينيه، وكأنها تصيبه بوعكة صحية!

لم تشعر بنفسها سوى وهي تجر اقدامها متجهة نحو الشركة التي يعمل بها عمر...
بعد فترة وصلت بالفعل، تقدمت ببطئ امام الحارس، لتجده يضع يده ليمنعها، فنظرت له بطرف عينيها متسائلة:
-نعم! ممكن أفهم حضرتك بتمنعني لية بقا؟
سألها بجدية هادئة:
-حضرتك طالعة ل أستاذ عمر صح؟
اومأت مؤكدة:
-ايوة، ممكن تسيبني بقا
زفر بقوة، قبل أن يفجر الخبر الذي خدر خلاياها بل وأوقفها تماما عن العمل:.

-للأسف يا مدام، عمر إتخطف لسة من ساعة تقريبا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة