قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

دوامة من الضياع تلك التي عصفت بها، صدمة لم تتوقعها فشعرت انها تلقت أقوى صفعة الان بقسوة!
إختطف زوجها، حبيبها، مؤسس حياتها وعامودها!؟
هي امرأة لا تقوى على العيش في كيان خالي من مالك القلب والروح...
تلك الدقات لا تنتظم إلا في وجوده فقط، كان وجهها جامد، شاحب تمامًا كالأموات، خالٍ من أي روح، تلك الروح التي خضعت تحت رحمة معشوقها فتركتها للظلمات تبتلع جسدها!

دقائق مرت عليها كسنواتٍ من الضياع، إلى أن صرخت صرخة شقت ذاك الصمت القاسي الذي طبق على صدرها:
-لااااااا عممممممررر!
ثم إندرجت لمرحلة جديدة، البكاء العنيف، شيئ ما تستطع التعمق به دون أن يبتلعها فيزهق روحها!
وكأن قناع تختلج فيها كل ألامها وصرخاتها المكبوته، أمسكت بمكان قلبها تشعر بألم رهيب فيه...
صرخات وصرخات، روحًا تُذبح ببُعد مفاجئ ومُميت، قاتل دون رحمة!

ماذا تفعل الان!؟ توقف عقلها عن العمل تمامًا، تضامنًا مع خلاياها التي شُلت تمامًا!
آآهٍ، لم تشعر يومًا أن مرارة الفقدان مؤلمة لهذه الدرجة..
هما لم يخطتفوه هو فقط، بل كادوا يختطفوا روحها المتعلقة بروحه برابط معنوي صلب ضد القطع!
واخيرًا إستطاعت التحرك بسلام لتركض على الفور نحو مكتبه، غير عابئة بالأنقلاب الذي يعم الشركة...
إلى أن رأت حسين يجلس أمام مكتب عمر يضع يده على رأسه يحكها ببطئ..

اقتربت منه صارخة بانفعال:
-فين عمر يا استاذ حسين، فين جوزي؟
برود، برود ذلك ما كان يتبختر بين حروفه وهو يرد عليها:
-زي ما حضرتك شايفه، إتخطف واحنا بنحاول نوصل للخاطف
كزت على أسنانها بغيظ مزمجرة بحرقة:
-ازاي يعني إتخطف؟! هي وكالة من غير بواب؟ ثم ان اكيد في كاميرات هنا، فين الكاميرات فين البوليس
تدخل الحارس في الحوار محاولاً تهدأتها:.

-اهدي ارجوك يا مدام شهد، استاذ عمر كان رايح يركب عربيته والموبايل في ايده، فجأة ناس جت خدرته وبلمح البصر كانوا اخدوه وجريوا، حتى انا ملحقتش اتصرف ولقيت موبايله اللي وقع ده
لم تعد ترى امامها سوى اشباح الجنون، فصارت تصرخ:
-جوزي اتخطف ومعرفش إيه اللي جراله وأنت بتقولي اهدي
اخترقت جملة حسين اذنيها كالرعد وهو يخبرها متقنًا دوره:
-البوليس مش هيتحرك قبل 24 ساعة على الاختفاء يا مدام، اهدي كدة وفكري بعقل.

كادت تجن، كادت تجن فعليًا، يطلبون منها الهدوء بينما داخل ضلوعها روحًا تتلوى من ألم الفراق!
وظلمات تهجم على حياتها البائسة لتعطيها نكهة السواد الحالك، والأبدي!
إشتدت ظلمة عيناها الحادة ثم أردفت بصوت غريب على نفسها هي المسالمة:
-أقسم بالله لو عمر مارجعش، مش هسكت وهقدم بلاغ ضدكوا انتوا، لإنه اتخطف عندكم!
-ياريت تعرفي إنتِ بتتكلمي مع مين يا مدام شهد.

قالها حسين بنبرة لم يُخفى عليها التهديد الذي كان يتراقص أعلى حروفه الباردة..
تهديد لم يزيد سوى لذة إنتقامها من ذاك الخاطف الحقير، ولكن كيف؟!
هي حتى لا تدرك كيف تتمسك بخيوط حياتها فتعيدها بحزم، عمر دائمًا كان ذراعها الأيمن في كل شيئ...
تلك القوة لا تكتمل إلا بدونه، تلك الحياة لا تستمر إلا بدونه، ذاك النبض يخرج عن حده الطبيعي في غيابه!
غيابه سيسبب اضطرابًا واضحًا في صلب حياتها الواهية...

تنهدت بقوة، وحاولت إسترجاع ذكرياتها مع الحبيب علها تمدها بيد العون ثم قالت:
-أنا عارفة أنا بتكلم مع مين، لكن الظاهر انت اللي مش عارف، أنا دلوقتي ولا اعرف صديق ولا عدو، اللي أعرفه اني مش هسكت الا اما جوزي يرجع لي...
ومن دون كلمة اخرى كانت تستدير لتغادر، لتطلق لدموعها العنان..
خلف ذلك التماسك بحورًا من الألم الصارخ بالنجدة، وبالطبع تلك النجدة لا تتمثل سوى في، عودة الحبيب!

بينما إتسعت ابتسامة حسين وبخلده يردد ساخرًا:
-ربنا معاك يا عمور على اللي هتشوفه!

وحاليًا قد تُسمى مها مجنونة، بالفعل هي جنت تمامًا، الفراق بشكل عام يُشكل أسوء فراغ في حياة الأنسان..
فما بالك بفراق قطعة من روحها؟!
ضجة مشاعر واضطراب يسود داخلها، بكاء وعويل مكتوم اُرهقت من اخراجه فكبتته داخلها!
وسرعان ما إنفجر بوجه تلك الشيطانة رودينا ..
الالاف والألاف من الآهات المكتومة تتحشرج بين ثنايا روحها الملكومة اثر ذاك الفراق القاتل...
وماذا عساها تفعل مع كل هذا!

أي قوة تلك التي تحتاجها لتتغلب وتنتصر، بهذه الحالة لن ترى النصر يومًا، إلا في الأحلام!
نظرت ل أحمد الذي كان يصرخ بوجهها، غضبه المكتوم ينفجر بلا هوادة، دلف باللحظة المناسبة لينقذ تلك من بين يديها..
ولا تدري ما مصيرها إن لم يأتي أحمد بالوقت المناسب تمامًا...
دقيقة كانت ستتحكم في مصير كلاهما معًا!
أستفاقت على هزة احمد القوية لكتفيها الهزيلين وهو يتابع صراخه المنفعل:.

-إنتِ مجنونة! وصلت للقتل يا مها؟ عايزة تخشي السجن
نظرت له بهدوء تام بعكس الثوران الذي بعول داخلها، لتهمس:
-أيوة، وصلت للقتل ولو ماكنتش جيت كان زماني خلصت منها
شل الذهول أطرافه، هذه المرة فاقت توقعاته، فاقتها وبجدارة!
قتل، قتل!
ولمَ لا، تفعلها إن فقدت ذرات العقل المتبقية ترتكز داخلها على امال كاذبة..
كز على أسنانه كاملة بغيظ:
-احمدي ربنا إن أنا جيت ولحقت المصيبة، وإلا رد فعلي ماكنش هيعجبك ابدا.

رفعت حاجبها الأيسر تردد متهكمة بصراحة فجة:
-خايف عليها ولا إيه؟! اه طبعا ماهي السنيورة اللي بتقضي رغباتك
صدح صوت تنفسه العالي، دليلاً قوياً على صراعه النفسي مع وحش غضبه، لولا حالتها، لولا طفلهم المفقود فقط، لكان دمر تلك الثقة المختزنة بين سطورها!
حالتها النفسية، كلمة فقط من تقف حائل بينهم، عاد يحاول التحكم بأنفجاراته بوجهها وهو يأمرها:
-روحي على أوضتك يا مها
هزت رأسها نفيًا تعانده:.

-لأ مش هروح أنا حره، أنا مُش واقفة فوق راسك
هنا تدخلت تلك لتزيد من حدة الفجوة بينهما بقولها:
-إيه ده! لا دي فعلًا إتجننت، فوق ما هي بتغلط ف جوزها مابتسمعيش كلامه
قبض على رسغها بقوة ألمتها، ولكنها تجاوزتها دون وعي تزمجر فيه:
-أبعد ايدك عني، سيبني بقاا بطل التخلف بتاعك ده
وبالطبع جوابه كان صفعة، صفعة تردد صداها في الملأ كنهاية لتمردها دون سببًا قويًا...

أصابعه تركت أثرًا على وجنتاها، وعلى روحها الشرسة ايضًا!

تكاد رضوى تتراقص فرحًا وهي ترى والد زوجها حماها قد أتى لاصطحاب تلك الثعبانة من جحرها..
الابتسامة لا تغيب من بين ملامحها الهانئة، اخيرًا ستحظى بحياة هانئة ولو مؤقتًا..
قلبها يرتجف سعادة، راحة، تهليل، ولكن ليس ضيق ك عبدالرحمن الذي أعتاد على وجودها معهم..
فصار يحاول إقناعها بشتى الطرق:
-طب إنتِ عايزة تمشي لية؟! فهميني يمكن احلهالك وتقعدي
ابتسمت نصف أبتسامة وهي تخبره جادة:.

-لازم أرجع بيتي بقا يا حبيبي كفاية كدة لازم تاخدوا راحتكم شوية
سارع بالقول الجاد:
-لا طبعًا، هو إنتِ يعني اللي هتقلي راحتنا يا أمي، أكيد لا، ولا إيه يا رضوى؟!
ورغمًا عنها كانت أبتسامتها امر مفروغ منه فهمست:
-اه طبعًا، خليكِ يا طنط
هنا تدخل والد عبدالرحمن يهتف بشيئ من المرح:
-ما خلاص بقا، كلكم عايزينها وأنا بلاش يعني، وبعدين انا عايزها بردو
إرتياح...

ارتياح كان شعورًا يهجرها منذ أيام، غمرها وبقوة هذه المرة، ارادت احتضان ذاك حماها شكرًا على معروفه لها..
ولكنها اكتفت بقولها الهادئ رغمًا عنها:
-احنا يهمنا راحتكم يا عمي
وشعرت بهم يغادروا، شعرت بالاختناق يبتعد مغادرًا طيات صدرها..
ولم تشعر سوى بنفسها تحتضن عبدالرحمن، تتشبث به بقوة وكأنها اخيرًا اثبتت انه ملكًا لها!
بينما في الاسفل تنظر تلك لزوجها هاتفة بجدية:.

-روح انت يابو عبدالرحمن وأنا هروح مشوار كدة وهحصلك
سألها مباشرةً:
-مشوار إيه؟!
والكذبة الجديدة كانت على حافة لسانها فأجابت مبتسمة بخفوت:
-واحدة كدة معرفة هزورها، هي كانت صحبتي زمان اوي بس سافرت ولسة راجعة
اومأ بهدوء مجيبًا:
-ماشي متتأخريش، هستناكِ
اومأت مؤكدة، ستنهي خطتها سريعًا، ستنفذ ما أرادته دومًا، ستنقذ أبنها من مستنقع الزواج الذي سيخنقه بعد مدة حتمًا!

ولكن ذلك، من وجهة نظرها الخاطئة فقط، من حقدها الفطري الذي فار وازداد بانتصار رضوى الدائم في حياة ولدها!
وصلت بعد فترة الى احدى الحدائق المغلقة، مكان مقابلتهم السري...
جلست باتزان على احدى المقاعد تنتظرها، الزوج الاخر للثعبان، المتحكم الثاني بمقاليد حياة ذاك المسكين، سليطة الحقد واللسان، وبعد دقائق كانت الاخرى تجلس لجوارها، نظرت لها بجدية تسألها مباشرةً دون اي مقدمات تعتبر:.

-مانفذتيش اللي قولنا عليه لية!
رفعت كتفيها، تنظر امامها بشرود وقد عادت كلماته المخلصة لذلك الرباط اللعين ترن بأذنيها كرعد مؤلم..
ثم همست بصوت شاحب كملامحها تمامًا:
-نفذت، بالحرف
سارعت سؤالها بحدة مغتاظة:
-امال رجع على طول لية؟! مافضلش معاكِ ولا حتى اتواصل معاكِ تاني لييية
صرخت فيها الاخرى بنفاذ صبر:
-ماعرفش، ماعرفش، روحي اسألي مراته دي عملاله انهي نوع من السحر
هتفت متهكمة:.

-لأ أنا مش محتاجة اسألها، عملاله سحر كداب اسمه الحب، طوق ملفوف حوالين رقبته مش راضي يتفك ابدًا
رفعت حاجبها الأيسر، وبسخرية مريرة حملت الألم لنفسها قبل ان يكون لها قالت:
-وتتوقعي إن انا بعد كل السنين دي هقدر أفكه بسهولة كدة!؟
اومأت تتابع بصوت أشبه لفحيح الافعى:
-أيوة تقدري، لأنه بيحبك وإنتِ بتحبيه، ورضوى دي مجرد نزوة في حياته.

صوت داخلها يصرخ بجنون ليست مجرد نزوة للأسف، ليست كذلك ابدًا، سيطرتها ستخلد على قلبه، كانت عيناه تضخ بصدق كل حرف نطقه
فهمست يائسة بحق:
-ماعتقدش إني هقدر يا فريدة
كزت على أسنانها بغيظ، لن تستسلم للهزيمة، لن ترحب بها في قاموس حياتها!
ستظل الهزيمة مجرد رياح عاصفة ومؤقته، ستظل تحتل الصدارة في النصر، دائمًا وابدًا!
نظرت لها بحدة قوية، تغمغم بغليان داخلي:.

-أنا مادورتش عليكِ كل الوقت ده وماتعبتش نفسي كل ده عشان تقوليلي مش هقدر، غصب عنك لازم تقدري
تنهدت باستسلام تسألها:
-والمطلوب مني دلوقتي يعني؟
أبتسمت بحقارة تأمرها:
-اهو ده الكلام، ركزي معايا بقا عشان أقولك هتعملي إيه بالظبط
اومأت تنصت لها بأهتمام، ستجازف، ستحاول، عبدالرحمن يستحق ذلك، عشقها الأبدي يستحق ذلك بالتاكيد...!

وقف سيف أمام ذاك الرجل يرتعش بخوف، كفريسة تتوقع إنقضاض الذئب عليها في أي لحظة، كطرفًا من الخيط الطاهر وقع وسط دناسة بالخطأ!
ينظر له نظرة طفولية غاضبة وحانقة، بينما الاخر يتفحصه كسلعة يخشى كونها سيئة!
نظر للأخر وهو يحك ذقنه الأسمر ويهتف بصوته الأجش:
-اممم وده لقيته فين ده يا مرعي؟!
اجابه الاخر بلهفة إتضحت في نبرة صوته:
-لقيته صدفة وأنا مروح وكان مش لاقي اهله ولا عارف عنوان وبيعيط.

اومأ الاخر وبفم متقوس بخشونة أردف:
-مش بطال يالا
عدل مرعي لياقة قميصه وهو يخبره بفخر أعمى:
-عيب عليك يا ريس هو أنا اي حد
إلتفت الاخر لذاك الكتكوت المبلول يسأله بجدية مترقبة:
-أسمك إيه ياض؟
جاهد سيف لتحريك لسانه إعتراضًا على الخوف الذي شل اجزاؤوه:
-س سيف، أسمي سيف أحمد
وسرعان ما سأله ببراءة:
-هتساعدني أرجع للبيت تاني؟!

إتسعت ابتسامته في خبث، ثم مسح على كتفه، وراح يخبره بنبرة يصعب على طفل في عمر سيف أن يفك شفراتها الخبيثة:
-طبعًا يا حبيبي، بس أنا عشان أدور على أبوك وامك محتاج وقت، ف الوقت ده أنت هتقعد هنا مع عيال ف سنك وتعمل اللي هقولك عليه، ماشي؟
اومأ سيف ولم يغمره الاطمئنان للحظه، ولكنه قال باستسلام:
-ماشي
استقام واقفًا يمسم جلبابه الغامق بيده الكبيرة وصدح صوت الرجل ينادي على شخصًا ما بصوته الأجش:.

-واااد يا زينههههم، أنت يا زفت
ركض الأخر نحوه مسرعًا يسأله بخشوع:
-اؤمرني يا معلم فايز؟
عاد صوته يلتمع بالخبث الذي لا يفارق حروفه وهو يأمره:
-خد سيف، ده جديد غيرله هدومه واديله أكل، خليه يتأقلم معاكوا شوية، بعدين هينزل معاكم في النزلة الجاية
سأله الاخر مبهوتًا بتعجب:
-مسرع ما هتنزله يا معلمي كدة! وبعدين ده لسة طفل 6 سنين او 7 بالكتير مش هيفهم الشغل
زجره الأخر بخشونة وملامحه الحادة متشنجة:.

-دول بيبقوا أكتر ناس مناسبين للشغلانة دي، وهنربيه ع طريقتنا عشان أما يكبر هينفعنا جدا
ظل يجادله معترضًا:
-ده هيودينا في داهية يا معلم صدقني
أمسك فايز طرف ملابسه يهزه بعنف صارخًا بوجهه:
-أنت من امتى وأنت بتجادلني في حاجة ياض يابن * شكلي اديتك اكتر من قيمتك، ده انا جبتك من الزبالة ياروح امك فوووووق كدة.

إبتلع الإهانة الجديدة التي اُضيفت لقاموسه، ليس الان فقط، فحياته تقريبًا أصبحت مجرد - حفرة - تبتلع الإهانات على مضض!
فأطرق رأسه خزيًا، ثم همس:
-امرك يا معلم
سار مع سيف يسحبه للداخل، كل خطوه يخطيها سيف للداخل، يُقسم الاخر انها اولى خطوات عذابه على المدى البعيد!
كل خطوه يتقدمها، يفتح فيها بابًا جديدًا من الشقاء على مصرعيه لحياته الهنيئة - مسبقًا -!

وصلا للداخل، رائحة مقززة تخترق أنف سيف كمقدمة لكم القذارة التي نختزنه تلك الغرفة..
أطفال ينامون على كرتون والبعض الاخر على فراشًا صغيرًا من صنع يديهم، ملابسهم ممزقة تكاد تسترهم...
وملامح متسخة تنم عن فقدان أهم شيئ بتلك الحياة، النظافة الفطرية
أشار له زينهم نحو الداخل بشيئ من السخرية يهتف:
-أتفضل، اهلاً بيك في منطقة الجحيم!

وعلى الناحية الاخرى في وقت اخر، كانت شهد تجلس على الأريكة في منزلها الذي اصبحت لا تطيقه منذ أن غادره رفيق العمر...
بكاء، وعويل، صراخ بالإحتياج، وقلب يأن بضعف مكتوم..
فقط مكتوم! لم تُظهر شهد ولو لونًا واحدًا من ألوان ضعفها..
بل كبحت بكاؤوها، وهزمت ضعفها هزيمة ساحقة، وسرعان ما كانت تعود لقناعها الجامد بلا روح!
كانت رضوى تجلس لجوارها كالعادة في المصائب، لم تصدق اذنيها وشهد تخبرها بأختصار ما حدث..

والاخرى تمليها الكارثة التي حلت فوق رأس مها ايضًا، ولم يكن منها إلا أن اتجهت تطمأن على شهد بعد إصرار...
كلاهما تحتاجها، شهد الهشة، ومها المنهارة!
ظلت تربت على كتفها برفق هامسة:
-لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا..
اومأت شهد دون أن تنظر لها:
-ونعم بالله
فرت الحروف هاربة من حلق رضوى، لتتركه جاف كصحراءٍ ترويها المصائب فقط!
لم تدري كيف تُصبرها وهي شخصيًا تكاد تقع صريعة الصدمات...

ولكنها شددت على كتفها تهتف بصوت العقل:
-شهد، عمر هيرجع لك صدقيني، محنة وهتعدي بس لازم تكوني قدها
شهد!
شهد اساسًا تموت ببطئ، تُسلخ تلك الروح منها، تفتقد كل معاني القوة..
ولكن رغم ذلك تتمسك بقناع كاذب يتوارى خلفه ضعفها الغير متناهي!
ولكن لا تستطيع أن ترسم افضل، لقد رسمت أفضل لوحة لفتاة قوية تنتظر عودة زوجها سالمًا...
بينما قلبها ينعتها بالنفاق، النفاق الذي اتخذته مرضخة تحت سلطة العقل!

نالت رضوى منها نظرة تحمل سواد الليل بأسره، لترد عليها بصوتها المبحوح:
-أنا قدها، أنا كويسة!
كاذبة، كاذبة أنتِ يا بنت حواء...
صرخ بها صوتًا داخليًا شريدًا وبعيدًا كثيرًا عن مرمى العقل!
صوتًا وحيدًا مُتيقظ وسط ألالاف الخلايا الميتة اثر الفراق الموجع...
فسمعت صوت رضوى تقول بمرح كاذب:
-هحاول اصدقك واعمل نفسي هبلة
حاولت، حاولت الابتسام ولكن فشلت بجدارة، فأردفت بصوت يكاد يسمع:.

-اطمني انا هبقى كويسة، وطمني خالتو قوليلها مفيش داعي تيجي خليها مع مها هي محتاجاها أكتر
سألتها بريبة:
-متأكدة من كلامك ده يا شهد؟
اومأت مؤكدة دون تردد، هي بالفعل ليست بحاجة أي شخص، سواه هو!
-ايوة متأكدة، أنتم بس اطمنوا على مها ولما سيف يوصل بالسلامة، ووصلي اعتذاري لمها مش هقدر اروحلها من غير عمر
اومأت رضوى متنهدة بصمت، إلا ان شهد أكملت بخفوت أكثر وكأنها تستمد القوة من مجرد السيرة:.

-ومحسن زمانه جاي في الطريق، أنا كلمته من بدري
ظلت رضوى تنظر لها بصمت، إلى أن قطع ذلك الصمت صوت طرقات شديدة الفزع على الباب جعلت قلوبهن تكاد تُشق نصفين تحت إشراف الرعب!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة