قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون

كانت شهد تجلس على قدم عمر في حديقة منزلهم الصغيرة، توزع الابتسامات الغائبة هنا وهناك..
بالكاد تصدق أنها واخيرا إستطاعت إنتشال نفسها من بين أشباحًا لا تزداد ولا تقبل النقصان!
وهو يحيط خصرها بيداه وعلى قدمه الاخرى طبقا من الفراولة التي تعشقها شهد...
كادت تمد يدها لتتناول واحدة اخرى إلا أنه سحب الطبق للجهة الاخرى وهو ينظر لشفتاها مرددًا بخبث:
-احنا اتفقنا على إيه؟ بلاش نصب، كل فراولة قصادها بوسة!

مطت شفتاها بطريقة أثارته للحظة، قبل أن تهتف بشيئ من الحنق:
-لا أنت كداب، البوسه بتاخدها عشرة ومش بتسيبني
ضحك بمرح يشاكسها:
-اعملك إيه يا شهدي، ما أنا قولتلك إني مشتااااق يا عيوني
حاولت سحب الطبق الذي يحوي الفراولة منها مستطردة تحاول إستعطافه:
-طب هات الفراولة بقا يا عمر عشان خاطري؟
هز رأسه نافيًا يتشدق بأصرار خبيث:
-تؤ تؤ، كل فراولاية قصادها بووووسه، وبوسه زي الناس كمان.

تأففت قبل أن ترفع كتفيها مستسلمة، لتقترب من شفتاه ببطئ ترميه بقبلة وادعة ولكنه لم يكن ليتركها بهذه السهولة فلم يتركها تبعد شفاهها عنه، وكأن جوعه واشتياقه لها لا يموت ولا يقل!
اخيرًا بعد دقائق أستطاعت الابتعاد تلهث، لتنظر له غاضبة بنبرة طفولية:
-أنت نصاب على فكرة وبتغش، أنت قولت بوسه واحدة هه!

إتسعت ابتسامة عمر فيما اقتربت هي تحاول إلتقاط الطبق من يداه الاخرى فكانت وكأنها تحتضن طفلها وترتكز رأسه على صدرها الحنون...
إبتعدت ما إن اخذت من فراولة تردف بانتصار:
-هيييح، فراولتي
عض عمر على شفتاه السفلية يغمز لها بخبث راغب:
-على فكرة انا بدأت اغير من الفروالة دي؟!
رفعت حاجبها الأيسر وكادت تعترض ولكنه قاطعها هامسًا:
-يلا بقا اصلي بحب اخد حقي مقدما.

قال كلمته الاخيرة وهو يهجم عليها ملتهمًا شفتاها التي لا يقل اغرائها، لينهض حاملاً إياها معه وهي ملتصقة به، وإن حاولت الابتعاد ولكنها استسلمت لهوج قبلاته الساخنة التي توزعت تشمل كل جزء ظاهر منها...
ابتعدت عنه بعد دقائق تهمس بحروف متقطعة حانقة:
-أنت مابتكتفيش ابدا!؟
هز رأسه نافيًا وهو يقترب منها مرة اخرى:
-تؤ تؤ، ولا عمري هكتفي منك!

قطع سعادتهم الحالمة الهجوم المفاجئ وصوت إطلاق النار الذي دوى في المكان ليعم الصمت الرهيب ك اسوء رداءًا لهم والانظار مبثتة على اللاشيئ وفجأة...

بأقل من لحظات كان يدوي صوت إطلاق النار فصرخت شهد مرتعدة تضع يدها على اذنيها تحاول منع ذاك الصوت من الوصول لها، بينما زجها عمر نحو الداخل صارخا فيها بسرعة:
-ادخلي جوة واقفلي الباب
وبالفعل ركضت شهد تدلف وتغلق الباب ولكنها إستطاعت سماع صوت حسين الذي صدح بوضوح يقول بحقد:
-تدخل جوة لية ده الليلة لسة مطولة
رفع سلاحه يصوبه نحو عمر وهو يهتف بصوت هيستيري لا يليق سوى بشخصٍ فقد عقله مؤخرًا:.

-دايما أنت ليك كل حاجة حلوة، حب، عيلة، زوجة، وحتى الحرام قدرت تبعد عنه، ودبستني أنا في صفقة خسرانة بمليارات وانت عارف إنهم اخر حاجة امتلكها، انا بقيت ع الحديدة، يعني مليش في الحياة، لكن مش هسيبك تعيش حياتك عادي كدة، لازم ادمرك انت كمان
بينما كان عمر يبحث بعينيه عن ضباط الشرطة التي من المفترض أنها تقوم بحراسة المنزل ترقبًا لمجيئ حسين...

ومرت لحظات تنهي حياة أصبحت بداية حياة اخرى وسطرًا جديدًا ناقي من هالات سوداء تحيطه...
في اللحظة التي كاد يطلق فيها الرصاص على عمر أطلق عنصر الشرطة الرصاص عليه فسقط صريعًا وقد إنتهت تلك التي كانت تُدعى حياة!
ولكن ما هي إلا دار، دار نسبح فيها سواء للطريق الصحيح او المعاكس...
على كلاً، كلاهما يُحسب عليك وأنت غافل عما حولك!

كانت شهد تراقب ذاك المشهد الذي تصادم بتعاطفها الإنساني نحو ما كان يسعى لمحو ذرة تعاطف مسروقة من الحياة...
بينما عمر مرت امامه كل اللحظات التي عاشها معه، ولكنه لم يتأثر ولو للحظة بموته، فكان يتوقع له الأسوء!
اقترب منه - الضابط - يسأله متوجسًا:
-أنت بخير يا استاذ عمر؟
اومأ عمر مؤكدًا ولكنه إنفعل بغيظ وهو يسأله:.

-ايوة بس فين عناصرك اللي بتحرسني يا حضرت الظابط؟ تعملوا إيه لو كنتوا اتأخرتوا لحظة واحدة كان زماني مكانه!
تأفف الضابط وهو ينظر لهم بخزي مرددًا:
-معلش يا استاذ عمر، هما الظاهر اتلهوا شوية ولكن لكل واحد جزاؤوه
اومأ عمر موافقاً، فيما قال الضابط وهو يمسح على شعره بضيق:
-كدة احنا مش هنعرف نخليك تقابل الراس الكبيرة!
ضيق عمر ما بين عيناه وهو يسأله مفكرًا:.

-ازاي؟ دي حركة الصفقة دي كان المتوقع إنها تخلي حسين يجري ل الراس الكبيرة من غير تخطيط ولا يلحق يفكر كويس في الفخ عشان يلحقه من مصيبته!؟
اومأ الضابط متنهدًا:
-ايوة بس هو ماخرجش من العمارة اللي ساكن فيها إلا لما جالك على هنا! في لغز أنا لسة مش فاهمه
ربت على كتف عمر وهو ينظر ل جثة حسين التي نقلوها ل سيارة الإسعاف مردفًا بهدوء:.

-على العموم أنت لازم تيجيلي مكتبي في كام نقطة لازم نتكلم فيهم، وتجيب لي البت اللي اسمها چودي دي معاك ومعلش على الخضة دي
اومأ عمر موافقا بابتسامة عملية:
-ولا يهمك يا حضرت الظابط كتر خيرك تعبت معايا من البداية لحد دلوقتي، وتمام حاضر
وفي الدقائق التالية كان الجميع يغادر المنزل ليعم السكون مرة اخرى بعد حرب دامية كادت تُزهق فيها أرواح...

كروحه التي لم يتبقى منها في دنيانا لا جسد ولا حقد، لم يتبقى سوى اثر دماؤوه المكروهه والتي ستتكفل تلك الارض بابتلاعها!
دلف عمر مسرعًا لشهد ليجدها تبكي وهي ترتعش إلى حدًا ما، إحتضنها على الفور يحتويها بين ذراعيه هامسا:
-هشششش اهدي يا حبيبتي
تملصت من بين ذراعيه بصعوبة لتنظر في عيناه التي تابعتها بتوجس، ثم قالت بجمود:
-لو سمحت أبعد عني!
رفع حاجبه الأيسر يقلدها بسخرية:.

-لو سمحت ابعد عنك! نعم ياختي؟ ما احنا كنا كويسين وبناكل فراولة
أنهى جملته بغمزة من عينيه التي رأت فيها منحدر الخبث، لتخبره بشرود واهن:
-أنا كنت زي اللي مش واعيه غير إن البني ادم انا بريئة من لمساته، لكن اللحظات اللي عدت دي كانت زي ريفريش لذاكرتي إن كل اللي كان هايحصلي بسببك، وإن معاملتك الزبالة ليا كانت ما هي إلا وسيلة عشان تخلي حسين يصدق إنك فاقد الذاكرة.

كاد عمر يندفع بالكلمات مدافعًا عن نفسه ولكنها قاطعته بجدية حادة بعض الشيئ:
-ماتقوليش إنتقام وبلابلا بلا! انت كنت مطلع عيني حتى ف غيابه
نكس رأسه بخزي يحاول أن يشرح لها:.

-حسين كان عارف إني حاطط كاميرات في البيت كله معادا اوضة نومي طبعا، عشان كدة أصر لما جالي إننا نتكلم في اوضتي عشان يشوف الجهاز ويقدر يتابع التسجيلات من غير ما احس كل ما يجيلي، والبديهي إني مش هعرفك عشان مايلاحظش حاجة ولانك مش اد خبثهم، والاكيد بردو إني مش هعاملك جوه اوضتنا حلو واطلع امثل بره! كان مسيره هيلاحظ حاجة!

برغم عقلانية كلامه، بالرغم من سمات الذهنية التي ألصقها بتصرفاته الماضية، إلا أنها لن تغفر بسهولة، وستريه النجوم في عز الظهر كما يقولون!
إنتبهت له وهو يكمل بصوت كاد يأن ألمًا:
-لكن قبل ما يحصل اللي حصل أنا كنت فعلاً موجوع منك، مش مصدق أنك كنت احدى الاسباب ل انهم يقدروا ياخدوا ابننا ويرجعوه لنا جثه
نظر لبطنها بابتسامة حالمة مستطردًا:
-لكن خلاص ربنا عوضنا
اومأت بسخرية لتسأله بعدها مباشرةً:.

-ومراتك؟ طلقتها!؟
هز رأسه نافيًا:.

-حنان مش مراتي بالمعنى اللي إنتِ متخيلاه، أنا إذ فجأة لقيت خالي ف مرة بيتصل بيا وكان بقاله فترة مش بيسأل عليا، رغم إنه كان حنين عليا يمكن اكتر من ابويا نفسه، المهم انه كان صوته بيبكي وهو بيقولي إلحقني يا عمر مليش غيرك يلحقني، فهمت منه ان في واحد ابن حرام اعتدى على بنته وإنه كدة سمعته بقت في الطين والله اعلم مين هيصدق موضوع الاغتصاب ومين لا وانها كدة مستقبلها اتدمر، طلب منها اتجوزها كام شهر بس وهتعيش معايا هنا في القاهرة وهيقولوا لاهل البلد انها سافرت مع جوزها وبعد فترة ترجع مطلقة عادي احسن ما تكون مُغتصبة، انا كنت بين نارين، أنتِ او الراجل اللي زي ابويا واول مرة يستقصدني في مسألة حياة او موت بالنسباله، المهم اني وافقت وتمت كل حاجة، وكدة كدة حنان ماتعتبرش زوجتي الا بالاسم بس.

تنهدت بعمق تنهيدة تحمل الكثير والكثير في طياتها قبل أن تهمس:
-ياااه يا عمر، أنت للدرجة دي حياتك كلها ألغاز في ألغاز؟!
أقترب منها ببطئ يحاول مواساتها فابتعدت وهي تشير له مرددة بصلابة قاسية بعض الشيئ:
-استوب، بريَك شوية من الدايرة اللي مابتنتهيش دي، إبعد عني الفترة دي يا عمر، عشان مانخسرش بعض اكتر من كدة!
ثم استدارت لتغادر دون أن تعطيه فرصة الرد، فيما تأفف هو وهو يمسح على شعره هامسًا بغيظ:.

-الله يحرقك يا حسين حتى بعد موتك مسبب لي المشاكل!

صباح يومًا ما...
إستيقظت والدة عبدالرحمن باكراً لتأخذ الطفلة مسرعًا متجهة للمنزل الذي تقطن به رضوى..
لسوء حظها أنها كانت قد غادرت عندما همس عبدالرحمن بأن رضوى على قيد الحياة، وللحق هو حتى لم يناقشها!
شكه يمنعه من اخبارها ولقب امي يُقيد يداه عن اي فعل متهور...
كان قد ارتدى ملابسه هو الاخر ليتبعها مسرعا حتى وصلت الى تلك الشقة فظل يتابعها بعدم فهم وقلبه ينبض بعنف..

دلفت الى المنزل وكادت تغلق الباب خلفها ولكن يد عبدالرحمن منعتها..
ظهر لها ينظر بتفحص خلفها فشهقت مصدومة بخوف:
-عبدالرحمن؟!
لم يرد عليها وانما دلف رغما عنها متجاهلا صوتها الذي صدح مرتبكا:
-أنت ازاي تراقبني؟
وفجأة رأها، رأى المعشوقة الغائبة والحنونة المفقودة، رأى رضواه تتكور في احدى الاجزاء كعادتها تبكي!
لم يصدق عيناه وهو يقترب مسرعا منها يحتضنها بلهفة غير مصدقا:.

-رضوى، رضوى إنتِ عايشة، إنتِ معايا يا حبيبتي!
لم تكن تسمع اخر كلماته فكل ما استطاعت ادراكه انها اصبحت بين يداه واخيرا، فسمحت لنفسها بالانغماس في عالم اللاوعي...!
لتسقط بين يداه كالجثة الهامدة!

كانت شهد عائدة من شراء بعض المشتريات، وتنبيهات عمر التي رمتها عرض الحائط ترن بأذنيها كالرعد يُنبئها بأمطار سوداء غزيرة قد لا تنتهي!
وصلت الى الشارع الذي يقطن المنزل به، وكان الشارع خالي تماما من البشر..
تنهدت بقوة قبل ان تسرع خطواتها الى حدا ما نحو المنزل...
ولكن صوت طرقات بالعصى التي تُدب على الارض اخترقت مسامعها كالرنين المنذر قبل حلول الانهيار!

نظرت امامها برعب لتجد نفس ذاك الشخص - الصعيدي الملثم - ولكنه باختلاف انه هذه المرة يرفع الحجاب عن وجهه، وعمر ليس معها ليحميها؟!
وكانت لها الصدمة التي جعلتها تشعر انها شُلت تماما تحت تخدير الصدمة..
فلم تستطع سوى الهمس بضياع:
-ع آآ عمي؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة