قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

كان يدور يمينًا ويسارًا في كل أنحاء المنزل، ينظر هنا وهناك وكأنه يُطالب بالتأكيد..
هربت من بين يديه ك حُلم سلبه الواقع المرير!
مسح على شعره عدة مرات قبل أن يصرخ بصوت عالي شق السكون المخيم على أرجاء المنزل:
-شهههههد!
ولكن لا من مجيب، صمت قاتل من تردد صداه في ارجاء المكان..
قطعه حسين الذي تدخل يقول ببرود:
-خلاص يا عمر فكك واهدى بقا اهي راحت لحال سبيلها
ظل يهز رأسه بهيسترية هامسًا:.

-لاااا، لااا يا شهد إنتِ ملكي وهتفضلي طول عمرك ملكي أنا بس!
وقعت عيناه على ورقة موضوعة اعلى المنضدة، ليركض متلهف نحوها يفتحها، ليشعر وكأنما تلقى صفعة قوية على وجهه وجهتها كلماتها القاسية:.

-مبروك عليك يا عمر، ماتحاولش تدور عليا، أنا كنت حلم وأنت فوقتنا منه على الحقيقة المُرة، مش هارجعلك يا عمر، مش هارجعلك ومش هاتشوفني، بس أنا هاشوفك وأنت بتتوجع زي ما وجعتني!، واه ماتنساش ورقة طلاقي، مع السلامة يا، يا طليقي العزيز!
-لااااااا
صرخ بها وهو يدور في المكان يُكسر كل ما تطوله يداه بعصبية شديدة..
يشعر بشيئ ما ينصهر داخله، شيئ لن يطفئه إلا عودة، مستحيلة!

وهناك، هاربة هي...
الوصف المعتاد والدائم لحياتها، الهرب ذاك الملجئ الذي لا تجد غيره يرحب بها دومًا!
وكان دومًا السحابة التي تأتي لها بعد غيمة من القسوة...
ولا تعلم أن كانت ستشق الشمس غيوم حياتها الميتة ام لا!
ولكن هذه المرة تختلف، تختلف كثيرًا، هي هربت من حبيبها و زوجها هذه المرة، هربت من أسدها ومأواها عمر ..
ورغمًا عنها خضعت لذكرى السبب القاتل والذي نجحت مهمته بمهارة في تفريقهم! وتذكرت...

فلاش باك:
كانت ترتجف ارضًا، صوته العالي القاسي يرن بأذنها كرعد يكاد يصيبها بالصم، نبرته الجامدة تسقط على أذنيها ك صوت حاد يُجرح فيها بلا رحمة!
ازدادت من ضغط يدها على تلك القطعة اللعينة التي تمسح بها الأرضية المتسخة بالطعام كما أمرها...
أمرها!
منذ متى كانت تتلقى الاوامر من عمر حبيبها!..
ولكن يبدو أنها ستتلقى، منذ أن توغل الحقد والقسوة ثناياه، طاردًا أي نوع من الشفقة أو الرحمة...

إزدادت ارتجافتها وهي تسمعه يكمل توبيخه:
-حتى الأكل مش عارفه تعمليه زي الناس؟ امال انتِ بتعرفي تعملي إيه غير تفكيرك الشيطاني
هزت رأسها نفيًا بهيسترية، تمنع الدموع بصعوبة من أن تتحرر، ستصمد، وتصمت، من أجله هو! فقط من أجله..
بينما أكمل هو بصلابة لاذعة:
-هتقومي في ثواني تعملي أكل زي الناس، ويا ويلك يا سواد ليلك لو طول زي اللي قبله، المرة الجاية هدلقه عليكِ إنتِ
آآآهٍ، كفى أرجوك...

روحي تُسلب مني من كثرة الأهانات، لتترك جسدي يتلقى نصيبه من الذل وحده!
وهو لم يعد يحتمل، سوط كلماتك السامة مزقه أشلاء لا تُسوى!
صرخت داخلها في قهر، داخلها فقط!
لن تخرج ابدًا إلى العلن!
والسبب ببساطة أنه أعمى عن خيوط الصدق التي تنسدل من كل كلمة منها...
نظرت له بعينيها اللامعة بتلك الطبقة التب تخفي خلفها ازدالاً ساحقة من القهر والمعاناة، ثم قالت بصوت حاولت اخراجه غير مهزوز رغم تلك الرعشة به:.

-كفاية بقا، أنا مش قادرة، جسمي كله مابقتش حاسه بيه
بقى صامتًا تمامًا للحظة لينقض عليها يمسك ذراعها بقوة آلمتها، ثم هتف من بين أسنانه:
-ولسة، طول ما إنتِ بتغلطي مش هتشوفي مني غير المعاملة الزبالة دي
إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها، وبداخلها نار تستعر من كثرة الكتمان، نهضت راكضة نحو غرفتها..
- باك -.

مسحت دمعتها التي فرت هاربة من أسر الصمود..
لنعود بالزمن للخلف قليلاً، مستمتعة بغلال الذكريات السامة لتتُم مهمة صمودها الواهي!

- فلاش باك -
كانت حياتها طبيعية، هادئة وناعمة تمامًا كهدوء ما يسبق العاصفة!
سعادتها بطفلها الوحيد حسام تطفو على حياتها الزهية...
بالطبع لا تخلو من شجار بينهم ولكنه وكأنه يضيف نكهة خاصة على حياتهم..
حتى أشعار قلب حياتهم رأسًا على عقب، جعلها سمومًا تسري بعروقهم..
وموتًا حُسب بالخطئ حياة، وفاة طفلهم الوحيد حسام !

القشة التي كسرت ظهرهم بجبروت، وخاصةً عند علمهم أن من قتله تابعًا ل حاتم وفارس، ك ردًا على سجنهم المؤبد!
مرت الأيام، بل والشهور، مؤلمة كسكين يُجرح في كلاهما دون توقف وهم يعانوا من مرارة الفقدان..
وحتى الان، عمر يحمل نفسه ذنب موت طفله الوحيد!
وهل يجب أن نتمنى
( قول للزمان إرجع يا زمان )
وبالطبع لن يعود، فقط ليُرينا أن ما صُك بخطى الأمام، لن يسحبه رماد ماضي دُفن منذ زمن!

كانت شهد تنتظره كما اعتادت مؤخرًا، سمعت صوت ضجة في الأسفل فجرت ساقيها بصعوبة لتهبط مسرعة وكما توقعت مظهر عمر وهو لثم سكر يطوح يمينًا ويسارًا...
اسرعت تركض نحوه لتمسك به، إلا أنه كان الأسرع لينفض يدها عنه وكأنه يضمن ألا يمسها أتربة ضعفه فتُصيب نقاء روحها المبهر!
أغمضت عيناها بقوة علها تزيل تلك الصورة المشوهه عن حبيبها المثالي لتفتح على صوته الأجش الذي صدح:
-إيه اللي مصحيكِ لحد دلوقتي؟

أبتلعت ريقها بصعوبة، ثم أجابته مباشرةً:
-مستنياك
لو الظرف إختلف، والشعور تغير، لو النبرة خرجت دون الإرتعاشة المخفية خلفها، لكان تهلل عشقًا لتلك الكلمة..
ولكن ضمن الواقع، تحت طابع الان
وهو يعلم جيدًا أنها تنتظره ليصب غضبه عليها بعمد..
عل صراع النفسي يُصفى قليلاً، ولكن - اسفًا - هي تخلق اشباحًا جديدًا تتصارع داخل روحه المشتتة للدفاع عنها!
نظر لها بعينيه الزائغة قبل أن يصيح فيها:.

-كم مرة قولتلك ماتستنينيش، إنتِ مابتفهميش لية؟
هزت رأسها نافية بصلابة:
-وأنا قولتلك هستناك ومش هسيبك في وحل بيسحبك كل شوية ليه اكتر
رفع كتفيه مرددًا بلامبالاة مذبوحة رغمًا عنه:
-ماهو سحبني خلاص..
هزت رأسها نافية وقد إندفعت الدموع لعينيها البنية:
-لأ يا عمر، انا محتاجاك، محتاجاك اكتر من أي وقت وكل وقت، أنا بعاني زيك
لم ينظر لها وهو يرد بحرقة:
-وأنا محتاج نفسي يا شهد!

اقتربت منه لتمسك وجهه بين يديها هامسة بحرارة مختنقة:
-قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، صدقني انا بموت من ساعة ما سابنا، بس صدقني انا محتاجاك لاني من غيرك هموت زيه
وبتلقائية أقتربت منه اكثر تدفن نفسها بحضنه، حضنه الوحيد الذي لم يتخلى عن صفته، عن جدرانه الحنونه الدفئ ...
لتهمس مختنقة:.

-عمر، أنت جوزي وأبني، وحبيبي، أنا اقدر استحملك واستحمل أي حاجة مني لكن ماقدرش أشوفك بتعمل في نفسك كدة وأسكت، خليك جنبي
أبعدها عنه ليمسكها من ذراعها يضغط عليها بقوة، ثم تقوس فمه بابتسامة ساخرة ميتة وهو يتشدق ب:
-اه أنا فهمت إنتِ محتاجة إيه، معلش مكنتش متفرغ ل حقوقك بشكل يرضيكِ ويرضيني
شهقت مصدومة، وظلت تنظر له مبهوتة تكاد لا تصدق أنه عمر، أن ذاك الكلام منه هو!

ولكن لا، هو حاليًا يتلبسه شيطان الجنون الذي يعبث بروحها هي شظايا لا تعود!
لم يعطيها الفرصة ليكتم شهقتها بشفتاه القاسية، العنيفة والمتطلبة في آنٍ واحد وكأنه يعاقبها على كلمتها هموت زيه
ذاك القلب الضعيف لم يعد يحتمل الفراق، بل الفكرة نفسها مرفوضة في قانونه!
أبتعد عنها يخبرها لاهثًا:
-الظاهر اني قصرت، لكن ملحوقة.

ثم إنقض على شفتاها التي كادت تتورم من قبلاته العنيفة ليحملها ولم يبتعد بشفاهه عنها والتي تجرأت اكثر في قبلاتها...
وهي متبلدة كصنم بين ذراعيه، صنم نحته كلامه الذي أصابها في مقتل!
لتتكرر معه معاناتها مع عنفه الذي فننه صراعه النفسي المكبوت...

- رضوى -
حياتها متقلبة منعكسة، أحيانًا هادئة مستقرة في الفترة التي لم تأتى لهم والدة عبدالرحمن، واحيانًا كثيرة غير مستقرة تنقلب الأمواج لتُسقط القارب عن عمّد، ولكنها تعشق مرحلة حياتها منذ زواجهم بحلوها ومرهّا، بكل الآمها، حزنها، وكسرتها، كانت في الشهر الأخير من حملها، طفلها الذي تحملت من أجله كل شيئ، تأتى والدة عبدالرحمن كل فترة قصيرة والحُجة كاذبة وغطاء بات مكشوف لهم، أن تطمأن على حفيدها..

تختلق المشاكل وتنفعل لتحصل على شفقتهم، يأست رضوى من تغييرها ولكن بالطبع لسانها مُقيد بسلاسل عشقها، إن تفوهت ستنهى كل شيئ، وبالطبع لا يمكن بعد هذه الحياة وهذا الطفل الذي لم يرَ الدنيا بعد..

استقرا في منزل متوسط المعيشة، ذو اثاث حديث وغالى، منزل هادئ يملؤوه الحب والحنان اللذان حاولت رضوى زرعهما بكل الطرق، وخاصةً بعدما شُفي عبدالرحمن من مرضه النفسي تمامًا، لتنزاح أخر عقبة اعتقدتها رحلت، ولكن من دون ارادةً منهم حلت مكانها عقبة اكبر واصعب، لتتحداهم بلا منازع، وهي عدم رغبة والدته في هذا الزواج..

كانت تجلس أمام التلفاز في الصالة، على الأريكة الكبيرة البنية، وعبدالرحمن بعمله، وهي ووالدته فقط في المنزل، كانا مندمجة مع احدى الافلام المصرية، حتى وجدت والدته تقترب منها بهدوءها المخيف، ثم نظرت لرضوى وقالت بهدوء حذر:
بتعملى أية يا حبيبتى؟
أشارت رضوى للتلفاز، واجابتها بلامبالاة:
بتفرج على الفيلم ده يا طنط
اومأت بهدوء لتجلس مقتربة منها وهي تشير لبطنها المتكورة قائلة بخبث:
وحبيب نناه عامل أية؟

ابتسمت رضوى بنصف عين، ثم غمغمت محاولة إفتعال الهدوء:
الحمدلله اهوو
اومأت والدته وقد طرقت على عقلها فكرة ما ستنفذها بالطبع، عبدالرحمن بالعمل وهي معها بالمنزل بمفردهم، بالطبع فرصة لن تعوض، واخيرًا ستحصد ما زرعته وخططته منذ أشهر..
نهضت وهي تسألها بلطف غير محبب:
تشربي معايا عصير يا حبيبتى؟
نظرت رضوى لها بنصف عين، يراودها شعور غير مطمئن، وكأنها تتفحصها لتمحى ذاك الشك الذي يُعكر صفوها دائمًا..

اجابتها بهمس يكاد يسمع:
طيب اوكى يا طنط
ابتسمت الاخرى ابتسامة لم تترجمها رضوى بالمعنى الذي كان يرتسم داخل تلك السيدة، لكن وصلتها بالمعنى الذي ارادته هي فقط..
كادت تتجه للداخل حتى قاطعتها رضوى بابتسامة صفراء:
خليكِ يا طنط أنا هقوم أعمل ارتاحى
هزت رأسها نافية بسرعة وكأن ثعبان لدغها وسارعت بالقول:
لأ لأ لأ خليكِ أنتِ حامل، لكن أنا لسة بصحتّى!

اومأت رضوى بهدوء، ثم امسكت هاتفها لتتصل بشهد، رفيقتها وابنة خالتها التي لن تبتعد عنها بعد الان، اما هي فاتجهت بهيرة إلى الداخل بخطوات متعجلة، ثم اخرجت كوب زجاج، واخرجت زجاجة العصير البرتقال من الثلاجة ثم صبت جزء في الكوب، ثم إلتفتت تنظر على الخارج، وبترقب شديد أخرجت من جيبها زجاجة صغيرة جدًا، لونها أبيض، زجاجة دواء..

ثم قطرت بضع قطرات في الكوب الخاص برضوى، قلبته بالملعقة وهي تبتسم بشر، ثم اخذت الاثنين وتقدمت للخارج مرة اخرى لتجد رضوى على نفس وضعيتها، مدت يدهت بالكوب لها وهي تقول بابتسامة زائفة:
خدى يا حبيبتى اشربى وغزى صحتك
اومأت رضوى بهدوء ثم مدت يدها لتأخذ الكوب، ومدت يدها واخذته..
جلست والدة عبدالرحمم بجوارها وعيناها تتقافز حماسًا للقادم غير مبالية برد فعل ابنها او تلك المسكينة مما سيحدث..

جلست بجوار رضوى تتذكر ما فعلته في الصباح..
فلاش باك
دلفت الى احدى الصيدليات الصغيرة، تنظر خلفها كل حين ومين، ما إن رأت الطبيب حتى هتفت مسرعة:
دكتور لو سمحت
نظر لها ومن ثم اجاب بجدية:
اؤمرينى يا حاجة؟
ظلت تنظر للأرض بتوتر، تفكر في سببًا مقنع لما ستطلبه، حتى لا تثير شكوك ذاك الطبيب، واخيرًا وجدتها فتابعت بحزن مصطنع:
معلش يابنى هطلب منك حاجة وتخليها ف سرك.

اومأ مؤكدًا بأنصات شديد، فتحمست هي واستطرد لتنال على شفقته:
عايزة الدوا اللى بيخلى الست تسقط
إتسعت حدقتا عينيه مرددًا بصدمة:
نعم، أنتِ واعية للى بتطلبيه يا حجة؟
اومأت هي واكملت بأسف اصتنعته بمهارة:
اصلى يا حبت عينى، بنتى متجوزة وحامل ف اخر شهر، لكن الدكتور اكتشف ان في خطورة على حياتها ولازم تنزله، وهي راسها وألف سيف مش عايزة تنزله ابدًا.

ظل ينظر لها بنصف عين، الشك ينهشه من الداخل حثًا على عدم تصديقها، والعقل يدفعه نحو حافة اللامبالاة، فهذا شيئً لا يعنيه، في النهاية أستسلم للكفة الراجحة بالنسبة له واومأ ثم اتجه للداخل وجلب ذاك الدواء الذي سيُهلك اسرة كاملة ثم اعطاه لها وهو يقول بتحذير:
حطيه لها ف اى مشروب، لكن حذارى تكترى منه لانك كدة هتعرضيها للخطر!
اومأت بامتنان حقيقي لمع في عينيها ثم اخذته وغادرت على عقبيها تكاد تطير فرحًا..
باك.

افاقت من شرودها على صوت صريخ رضوى المفاجئ ولكن ليس بالنسبة لها، و...

في اليوم التالي، وصل عمر الى احدى الشركات الكبيرة، سمعتها تسبقها، كبيرة بحد كبير، امام ابوابها حراس مفتولين العضلات، ذات هيبة واضحة، لا يعمل بها اى شخص، ترجل من سيارته بملابسه المهندمة والتي كانت عبارة عن بنطال من اللون الأسود وچاكيت من اللون الأسود أسفله تيشرت احمر، اتجه الى الداخل بخطوات واثقة، ثم اتجه الى المكتب الخاص به، فتح الباب ثم جلس على الكرسي الجلدى بتنهيدة حارة، ينظر امامه بشرود، لم تكن حياته كما توقعها، لم تكن هادئة مستقرة بل تشكلتها مشاكل وشظايا من الماضي تذكره انها مثل السراب لا نهاية لها!

قطع شروده صوت طرقات على الباب، يتبعه دخول شاب يبدو في الثلاثينات من عمره، يرتدى حلة رسمية، ملامحه السمراء صارمة قاسية، لا توحى بشطاطات رحمة مرت بها، صديقه الذي اعتز به، صديق منذ القدم لجأ له بعد إنتقامه من حاتم،
جلس على الكرسى الصغير امام المكتب تمامًا، ليصبح مقابلاً لعمر، ثم تنحنح قائلاً بهدوء:
اية يا عمر اتأخرت كدة لية؟
تنهد مجيبًا بضيق بدء لتوه في الظهور:
عادى مشاكل.

اومأ الاخر متفهمًا ثم سأله فجأة مضيقًا عيناه:
أنت قولتلها على شغلك ولا لسة يا عمر؟
هز رأسه نافيًا بسرعة، ليتابع محذرًا:
أوعى اعرف انك قولتلها حاجة
إرتسم ثغره بابتسامة خبيثة لا يطمئن لها عمر، ثم قال ببرود:
ومش ناوى تقولها؟
تأفف مجيبًا بصراخ حاد:
عايزنى أقولها يا حبيبتى أنا سبت القتل وأشتغلت ف المخدرات ده غير موت ابننا!
صمت برهه يلملم شتات هدوءه المبعثر بفعل خبث ذاك الأبلة ثم اكمل بضيق:.

ده أنت مش معقول يا حسين والله
واخيرًا إستطاع حسين معرفة نقاط ضعفه التي كان يتلهف شوقًا لمعرفتها، دائرة عمر المحصنة لم يستطع دخولها إلا من باب واحد حاول جعله مفتوحًا، واخيرًا عرف اهم نقطة، وهي علم زوجته بعمله!
نهض يهندم نفسه، ثم ألقي نظرة اخيرة على عمر قبل أن ينصرف وهو يقول بجدية شابتها الخبث:.

في صفقة جديدة لازم أنت اللي تعملها، والسكرتيرة الجديدة جت هبعتهالك مع المعلومات، وهبعتهالك مع مفاجأة مش عارف هتشكرنى عليها ولا لا
قطب عمر جبينه بحيرة ثم سأله مستفهمًا:
مش فاهم مفاجأة أية دى؟
رفع كتفيه وهو يخرج ببرود وقال:
ماتستعجلش هتعرف...!

كانت مها في منزلها والذي لم يعّد منزلها وحدها، الجزء الوحيد الذي كانت تشعر بالراحة فيه جاءت اخرى لتشاركها فيه، منزلها الذي كان مأوى لها ولأبنها سيف وزوجها أحمد، اصبحت الان رودينا تعيش معهم بنفس المنزل، كل يوم والأخر تنشب معركة نسائية كلامية واحيانًا دموية بينهم، بالطبع لم تستقبل مها زواجه بترحاب، بل غضبت وثارت وافتعلت معه العديد من المشاكل، ووصلت أنها طلبت الطلاق!

ولكن تحت ضغط من والدتها قررت أن تستسلم لعقابها على كل ما فعلته سابقًا والذي اتاها على هيئة تلك التي تدعى رودينا والتي حاولت بشتى الطرق إثبات أنها الأفضل من مها، وكسب الجزء الأكبر من قلبه الذي كانت تمتلكه مها مسبقًا..

خيرها أحمد بين أن تعيش رودينا معهم، أو يجلب لها منزل أخر ويصبح يومان عندها وثلاثة عند رودينا، والحجة باطلة بالنسبة لمها وظالمة لحد كبير، وهي أن رودينا مازالت عروس في اوائل زواجها، وفي احدى الأيام التي ستشهد خطط اخرى وجديدة لرودينا..

كانت مها تغط في نومًا عميق، فاليوم هو يوم تأخر أحمد في عمله، على سريرهم الكبير تنام بجوار طفلها الوحيد سيف ، تحتضنه بحنان أصبح يغمره منذ عودة والديه لبعضهم، بدء سيف يتململ في نومته، وفتح جفنيه البيضاوين بتثاقل شديد، وبنعاس طفولى حاول إبعاد يد والدته عنه، ثم نهض بخفة بجسده الصغير، واتجه للخارج، وجد رودينا تجلس امام التلفاز بأنتظار أحمد بأحدى اقمصة النوم الصيفية، تترك شعرها الاصفر ينسدل خلف ظهرها، ما إن رأت سيف حتى تسللت الابتسامة الخبيثة لثغرها، ثم نهضت متجهة له وهي تقول بابتسامة لم يفهمها سيف بسبب صغر سنه:.

حبيبي اية الى صحاك الوقتِ؟
فرك عيناه بقبضة يده الصغيرة، ثم مطت شفتيه مجيبًا بحزن طفولى:
أصلى طلبت من ماما نروح دريم بارك، وهي ضحكت عليا ونيمتنى
قطبت رودينا حاجبيها، وشيطانها يوسوس لها انها الفرصة المناسبة، امامها عجينة لحياة مها وسترسمها بالشكل الذي تريده الان!
نظرت له ثم هتفت بخبث:
طب ما تروح أنت يا سيفو، لية تستنى ماما توديك
صمتت برهه تستشف رد فعله، فاكملت بتهكم خبيث:.

ولا أنت مش راجل بقا ولازم تاخد ماما معاك؟
ظهر الغضب الطفولى على ملامحه، فاحمرت قسماته لحمم بركانية بالرغم من صغر سنه، وزمجر فيها بغضب:
أنا راجل مش طفل، وهاروح لوحدى
رفع كتفيها تنظر امامها بلامبالاة مصطنعة:
امممم روح نام يا طفل
جز على أسنانه بغيظ، ثم ركض للخارج وهو يقول بجدية طفولية:
أنا رايح دريم بارك لوحدى عشان أعرفك إنى مش طفل وقولى لماما انى روحت.

اومأت هي بجدية مصطنعة، لتجده اخذ الحقيبة التي بها اموال والدته ثم ركض خارج المنزل تحت انظار تلك الثعبانة التي كانت قطرات السعادة تتقافز بعيناها، ثم همست في خواطرها:
ولسة الى جاى احلى يا ست مها!

كان عبدالرحمن يعمل بأحدى المطاعم الشهيرة كمدير للمكان، يعمل بأتقان من أجل طفله القادم وزوجته التي بات يعشقها حد الجنون، لم يغفل لتصرفات والدته بالطبع ولكنه يحاول التغاضى عنها، فهو بين حدين مؤلمين، زوجته ووالدته!

تنهد وهو يجلس في مكتبه الصغير بالمطعم يتذكر المشاكل العديدة التي مروّا بها بسبب والدته، ولكن هذه الكلمة والدته تجعله مقيد غير راضٍ بأى حل يزعجها، أفاق من شروده على صوت طرقات هادئة على الباب، قال بصوت جاد:
ادخل
دلف احدى العاملين بالطمعم بزيه الرسمى، نظر لعبدالرحمن ثم هتف متنحنحًا:
أستاذ عبدالرحمن في واحدة كدة بره طالبة تشوفك
سأله عبدالرحمن بحيرة:
واحدة مين دى الى عايزة تشوفنى.

رفع كتفيه قائلاً بعدم معرفة:
الحقيقة مش عارف، لكن أنا أول مرة أشوفها هنا
اومأ عبدالرحمن بهدوء، ثم أردف امرًا:
طب روح انت يابنى وانا جاى وراك
اومأ الأخر ثم استدار وغادر على عقبيه تاركًا عبدالرحمن يتخبط بأفكاره يمينًا ويسارًا يحاول التذكرة هل أعطى وعدًا لمقابلة سيدةً ما؟!
ولكن لنذهب ونرى اذنً..

قال لنفسه هكذا وهو ينهض تاركًا هاتفه على مكتبه وخرج خارج المكتب متجهًا للخارج، لمكان تلك السيدة حتى أصبح امامها فاتسعت حدقتا عينيه بصدمة واضحة، وتوقفت جميع حواسه عن العمل تأثيرًا بتلك الصدمة، فهمس بتعجب واضح كاد يسمع:
هو أنتِ!

بعد تحدث شهد مع رضوى أغلقت الهاتف، كانت تشعر بأختناق كبير يجتاحها، ظلت تتأفف عدة مرات وهي تسير ذهابًا وإيابًا في حجرتها، اتجهت لفراش طفلها الفارغ تنظر له بحرمان وإشتياق قاتل، نعم تسللت الأبتسامة الهادئة لثغرها، ولكن لم تستطع محو الألم والأشتياق من جنبات قلبها!

وكأن القدر قرر إعطاؤوها سببًا حقيقيًا لذاك الخوف والحزن فسمعت أصوات غريبة تأتى من الخارج، إبتلعت ريقها بازدراء، وشحب وجهها هلعًا، اتجهت للخارج تتفحص الخارج بنظرات مذعورة، نظرات إن رأها القادم بالطبع ستدب الشجاعة في أوصاله!
هتفت بصوت متحشرج:
م مين هنا؟!

لم تجد إجابة وانما ازدادت الحركة بالأسفل وتزداد معها ضربات قلبها التي هددت بالوقوف، نجحت بصعوبة في اخراج الحروف من بين شفتاها المرتعشتين، ولكنها لم تنجح بعد في إختلاق بعد الاوامر للتحرك لتتجه للأسفل!
وفجأة وجدت من يضربها بقوة على رأسها جعلتها تفقد الوعى بصرخة مذعورة من أعماقها المرتعدة و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة