قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إبن الخادمة وسليلة العائلة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

رواية إبن الخادمة وسليلة العائلة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

رواية إبن الخادمة وسليلة العائلة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

توالت الأيام، كانت أيام سعيدة للبعض وحزينة للبعض ومُملة للبعض الآخر، فكانت من أحلي أيام عمر وأمل التي أخيرا قررت فتح قلبها لإستقبال الحب، الحب الذي كانت لا تؤمن به أبداً، الآن هي تستشعره لطالما وجدت من يُجيد الحب الحقيقي والصادق، وببراعة إستطاع إقتحام قلبها وجعل له مساحة كبيرة بداخله، وهو الآن علي وشك إختراقه بالكامل...!

كانت تجلس في الشرفة وبيدها كوب من النسكافيه تحتسيه بشرود، إلي آن إستمعت لرنين هاتفها، فإلتقطته ونظرت إلي الشاشة وجدت إسم عمر يضئ به فإبتسمت وأجابت قائلة: ألو
عمر بغزل: مساء الورد علي مراتي حبيبتي
توردت وجنتيها سريعاً وقالت بخفوت وصوت جادي بعض الشئ: مساء الخير
تحدث بمزاح: هي دي وأنت كمان وحشتني؟
حاولت أمل حبس ضحكاتها وقالت: اه وبعدين أنا عاوزة أنام بقي معلش.

رفع حاجباه وقال سريعاً: ايه ده! لا قوليلي بحبك يا عموري الأول
حركت رأسها نافية وقالت: لاء يلا تصبح علي خير
عض علي شفته السفلي وقال بغيظ: أنتي بحالات يا أمولتي؟ ساعات تجيلك الجنونة وتطلعيها علي أمي ليه!
ضحكت أمل عالياً، بينما قال هو متغزلا بها ؛: اللهم صل على النبي أيوه كده
صمتت وهي تتنهد وقد توردت وجنتيها آثر غزله ومزاحه لها فيما قال هو غامزاً بهدوء: بحبك جدا علي فكرة.

تنحنت أمل بحرج وخجل وقالت بصوتٍ خافت: إحم، وأنا كمان!
تنهد بسعادة وهو يقول: أهو كده أعرف أنام
أمل برقه: طب تصبح على خير
عمر مبتسمآ: وأنتي من أهل الخير يا عمري
أغلقت الخط وهي تبتسم بإبتساع ونهضت متجهه إلى داخل الغرفة ما إن دلفت حتي وجدت أميرة تخبئ شيئاً ما فآثار فضولها وإقتربت قائلة في تساؤل:
أميرة! مالك في إيه مش علي بعضك كده ليه؟
أميرة بتوتر: ها آآ لاء مفيش حاجه.

تنهدت أمل وجلست إلي جوارها وهي تقول بجدية:
أنتي هتفضلي قالبة وشك كده علي طول؟ يا حبيبتي ده قسمة ونصيب وبكرة ربنا يرزقك بالي أحسن من عاصم ده!
أميرة بغضب وقد إحتدت ملامحها:
دي حياتي وأنا حره فيها يا أمل حرام عليكم بقي كفايه!
ربتت أمل علي ذراع شقيقتها وقالت: يا أميرة إحنا عاوزين مصالحتك!
إنهمرت الدموع من عينيها وقالت بنفاذ صبر: لو سمحتي يا أمل سبيني لوحدي...

إنصاعت أمل لها ونهضت بهدوء خارج الغرفة، تاركه لها علي هذه الحالة الواهنة، لقد ذبلت عينيها من كثرة البكاء وباتت جميع محاولاتها فاشلة في إقناع أمها علي تلبية طلبها، فماذا تفعل بعد؟ أنها صغيرة تفكيرها لا يزال غير ناضج مُجرد أن تأتي لها فكرة، تُقرر فعلها مهما كانت العواقب وها هي قد آتت لها فكرة الإنتحار! إنها لا تتخيل الحياة بدون ذلك العاصم الذي لم تعرفه بعد إلا من الوصف لقد تعلقت فيه لدرجة أنها أصبحت تتمني الموت في بعده!

أمسكت بشريط الحبوب المُسكنه وقامت بتفريغ ما فيه بأكمله في راحة يدها الصغيرة، ثم رفعته إلي فمها لتبتلعه بالماء! ومن ثم إنهارت في البُكاء وهي تدعي في نفسها: سامحني يارب...

عندما يُنهك القلب من كثرة التمني عندما تضيق النفس ويشعر الإنسان بالعجز، فلقد تعشم عاصم في تلك الأميرة الصغيرة أرادها حلالا ولكن العواقب تقف في طريقهما فمن وجهة نظر مُجتمعنا أنه كيف لإبن خادمة ان يتقدم لسليلة عائلة!

هكذا كان عاصم يتمني ويتضرع إلي خالقه بأن ينال مراده عاجلا غير اجلا، ...
إنتهي من صلاته ومن ثم أخذ يُسبح بإسم خالقه، ثم نهض متجها إلى الشرفة الصغيرة ليستنشق الهواء الطلق لعله يخفف من ذاك الجبل الذي علي صدره من هموم...
شعر بيد تربت علي كتفه من الخلف فإلتفت ليري شقيقته حنان فعاد لينظر مرة ثانية إلي الفراغ متنهداً، فيما قالت حنان بهدوء ؛: لسه برضو يا عاصم زعلان علي البنت إياها؟

لم تتلقي منه إجابه بينما قالت متنهدة: كل شئ قسمة ونصيب يا عاصم وبكرة ربنا يرزقك بالي أحسن والله...
أومأ لها في صمت وعينيه الحزينتين تنظران في الفراغ بمرار، بينما قالت هي محاولة التهوين عنه: طب تعالي إتعشي معانا أنا حضرت الأكل وكلهم مستنينك بره!
حرك رأسه نافياً دون أن ينظر إليها وقال بحده: مش جعان يا حنان روحي انتي كلي معاهم!
أومأت برأسها وإنصاعت له متجهه إلي الخارج تاركه له يشرد مرة أخري...!

أخذت إيمان تُعد الشاي لها ولزوجها في المطبخ بينما كانت تتدندن بسعادة وكأنها تضيف حبها للشاي فيصبح له مذاق خاص، وفيما رن هاتف مصطفي وما إن نظر إلي شاشته زفر بضيق ونهض مُتجها إلي الشرفة ليجيب قائلاً بصوت مُنخفض: أنا مش قولتلك متتصليش بيا طول ما أنا في البيت!
علا بلا مبالاه: عادي يعني ما أنا مراتك برضو يا درشوشي
كز علي أسنانه بغضب وقال بحدة: إخلصي! عاوزة ايه دلوقتي...

علا ببرود: فين الشقة الي قولتلي هأجرهالك؟
تنهد مصطفي بغضب وقال: هو ده وقت زفت كلام من ده بقولك إيه أنا مش فاضي سلام! ثم أغلق الخط وإتجه إلي الخارج بينما وضعت إيمان الشاي علي الطاولة وهي تقول في تساؤل: بتكلم مين
مصطفي بتوتر خفي: أبدا ده واحد زميلي!
أومأت له بإبتسامة وجلست إلي جواره لتقول برقة: وحشتني القعدة معاك يا حبيبي أنا قصرت معاك أوي حقك عليا.

إبتسم بمرارة، ولف ذراعه حول كتفها قائلاً في ندم: ولا يهمك ياحبيبتي...
رفعت بصرها إليه لتنظر مباشرة إلي عينيه الحزينتين لتتابع مردفه: مالك يا مصطفي؟ ليه حاسه إنك سرحان ديما؟
إبتسم لها بحنان، وهمس بخفوت: أبدا مفيش بالعكس ده أنا مبسوط إنك رجعتي تحبيني زي الأول
إيمان بعتاب ؛: إخص عليك يا مصطفي ده علي أساس إني كرهتك يعني؟ علي فكرة أنا بموت فيك وعمري حتي ما زعلت منك ولا هزعل.

إبتلع ريقه بمرارة وتابع مردفاً: مهما حصل عمرك ما هتزعلي مني؟
أومأت برأسها وقالت: أيوة ده أنت حب عمري كله يا درش
أخذها إلي أحضانه وأغلق عينيه متنهدا بألم يكاد أن يمزق قلبه تمزيقا، ليحدث نفسه بندم شديد: اااااه يا إيمان لما تعرفي الي حصل يارب سامحني مكنتش في وعي!..

فما أسوء من خيانة الثقة مهما كانت الأسباب!
عادت أمل لتدلف إلي الغرفة مرة ثانية وما إن دلفت حتي صرخت بإهتياج وهي تري شقيقتها مُلقاه علي الأرض ووجهها يتصبب عرقا، فأسرعت إليها جاثية علي ركبتيها رافعه إياها بذهول وهي تقول صارخة:
أميرة قومي، أميرة مالك يا حبيبتي!
بينما أسرعت نجية وسالم بخضة، فيما لطمت نجية علي صدرها وهي تصيح: يالهوي بالي، بنتي أميره إيه الي حصل يا أمل.

أمل ببكاء: معرفش يا ماما أنا دخلت لقيتها كده!
أسرعت نجيه تتصل ببيت عمهم ليساعدها وينحدها سريعاً وبالفعل بعد ما يقارب النصف ساعة كانوا جميعا يركضون وراء السرير النقال الذي يحمل أميرة ركضا إلي غرفة الاستقبال بالمشفي...
وقفت نجية تبكي وتنتحب وهي تقول: يارب سترك يارب ياتري مالك يا بنتي وحصلك ايه!
إقترب سعيد ليقول ماوسيا: خير ان شاء الله يا أم سالم...
بعد مرور نصف ساعة أخرى...

خرج الطبيب فأقبلوا عليه جميعاً ليتساءلون فيما قالت نجية بلهفة: خير يا دكتور بنتي مالها؟
تنهد الطبيب وأردف قائلاً بجدية: محاولة إنتحار...
لطمت نجية علي صدرها وهي تقول بذهول تام: يالهوي إنتحار!
وفيما صُدم الجميع أيضاً من ذاك الخبر المُحزن بينما تحدثت نجية من بين دموعها:
ه هي عاملة ايه يا دكتور دلوقتي وإيه الي حصل بالظبط.

الطبيب بجدية: أخدت حبوب مسكنة كتير جدا عملت تسمم في المعدة بس الحمدلله عملنا غسيل معدة وكل شئ تمام
سعيد في تساؤل: يعني هي كويسة دلوقتي؟
أومأ له الطبيب وقال: أيوة الحمدلله لكن نفسياً مقدرش أحدد لإن ده مش تخصصي، بس حالات الإنتحار دي مبتجيش إلا من الضغوط النفسية فحاولوا تشوفوا إيه الي هيريحها وإعملوا أفضل، عن إذنكم.

دلفت أمل سريعاً إلي الغرفة، لتتجه إلي شقيقتها النائمة علي الفراش لا حول لها ولا قوه، إقتربت تمسح علي جبهتها بحنان وهي تقول: كده برضو يا أميرة هي حصلت تنتحري عشانه...!
دلفوا جميعاً خلفها وتراصوا حول الفراش الذي ترقد عليه مُتغيبه عن الوعي تماما، بينما قال هشام بغضب دفين: هو كل ده عشان الي إسمه عاصم هو في حد عاقل يعمل كده؟

جلست نجية بإنهاك أمام فراش إبنتها وهي تقول ببكاء: لله الأمر من قبل ومن بعد، الله يرحمك يا حاج محمود ويحسن إليك...
سعيد باعتراض علي ما يحدث: ده أخويا لو كان عايش كان عرف شغله مع البت دي علي أخر الزمن هنفجر
نجية بحدة: إيه الي أنت بتقوله ده يا سعيد عيب عليك يا اخي فجر ايه الله يسامحك
بينما همست له سهام زوجته: ملكش حق يا سعيد إيه الي أنت بتقوله ده!

صر سعيد علي أسنانه وقال: بس لو السما اطربقت علي الأرض برضو مهواش متحوزها يا أم سالم
هبت نجية واقفة وقالت ؛: جري ايه يا سعيد تكونشي يا اخويا أبوها عشان تقول ايه الي يمشي والي ميمشيش! دي بنتي وأنا حرة فيها والقرار ليا أنا، وأنا خلاص قررت..!
سعيد بذهول وتساؤل: قررتي! قررتي ايه يا أم سالم؟
نجية بثبات: أنا معنديش أهم من بنتي ومش مستغنيه عنها وهبعت لعاصم أقوله إني موافقة وأنا مش هقف قدام النصيب!

صُدم سعيد وقال: بقي كده يا نجية ترفضوا أنتي وبنتك ولدي وتوافقوا علي إبن الخدامه!
جلست نجية مرة أخري متنهدة بضيق وهي تقول: كل شئ قسمه ونصيب وبكرة ربنا يرزق ابنك باللي أحسن من بنتي...
رمقها سعيد بغيظ وقال. بعصبية تامة: طيب يا أم سالم يلا سهام يلا ياض يا هشام يلا يا بت ياسارة...
ثم خرج بصحبة عائلته والشر يتطاير من عينيه...

ثم لم تلبث نجية حتي هتفت قائلة موجهه حديثها لسالم: واد يا سالم لما تشوف عاصم في سكتك بلغوا إني موافقة!
أومأ سالم برأسه غير مبالي بما يحدث حوله وخرج من الغرفة...
بينما نظرت نجية إلي إبنتها وهي تقول بحزن: ليه كده بس يا بنتي ليه!
سار سالم في طريقه، إلي أن مر بجوار منزل عاصم بينما وهو يسير وجده لا يزال واقفاً في الشرفة شارداً، فهتف قائلاً: ياه!

إنتبه عاصم علي صوته ولف له سريعاً ليقف قبالته وقال بلهفة: أهلا يا سالم
سالم رافعاً حاجبه بتكبر: أمي بتبلغك إنها موافقة عليك
إتسعت إبتسامة عاصم وهتف قائلاً بسعادة: أنت بتتكلم جد؟
سالم بسخافة: أومال ههزر معاك
حمد عاصم ربه سراً وقلبه يُكاد أن يطير فرحا بينما قال في تساؤل: طيب هي والدتك موجودة في البيت بكرة؟
سالم: لا ما هي أميرة في المستشفي
عبست ملامح وجهه عاصم وقال في قلق: في المستشفي! ليه؟

سالم باستهزاء: آل ايه يا سيدي حاولت تنتحر عشان خاطرك!
رفع عاصم حاجباه في اندهاش وهو يقول بعدم تصديق ؛: ايه!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة