قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثامن

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثامن

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثامن

كان ينظر إلي كأن عيناه متجمدتان لا حياة فيه..
إرتجف أوصالي، قلبي يدور مثل بندول الساعة، صدري لا يحتمل حتى نوبة شهيق..
حاولت أن أتماسك أمام نظراته الثاقبة التي تعوث من رأسي و شعري المسدول المبلل حتى أقمص قدماي، لم أستطع الصمود، هربت الى ركن خفي نحو الحمام..
لحظة تمضي، و تتناهى في سمعه صوت إرتطامي على الأرض، ترافق أنين حاد، و صرخة مدوية..
أسرع نحوي كالمجنون
يا إلهي، حبيبتي ماذا فعلت بنفسك.

بسرعة حملني بقوة، و إختطفني من أرض بيديه القويتين، أخدت أرتعد عارية بين ذراعيه المفتولتين كورقة خريفية..
رمى نظرة نحو طرف شفتاي المرتجفتان، المتألمتان
أخدني نحو الفراش، و ضعني برفق..
تلوح في وجهه نظرات القلق
- أنت بخير يا لوسي
- أظن ذلك!
- لا تتهوري بهذه الطريقة أبدا، لقد أقلقتني حقا!
قام بتغطيتي على غظاء السرير، أخد منشفة و تولى مهمة تجفيف شعري المبلل..

لقد كنت أشعر حقا بالهدوء قرب سام، ينتشلني يديه القويتين الحنونتين، أتمنى لو كان بهذه الحنان طوال الوقت، يا إلهي كم أكره ضعفي و سرعة ذوباني على بحر عاطفته، حقا أنا مثيرة للشفقة!

قام برمي منشفة جانبا، و أخد يحدق بي بعينيه الزرقاوين العميقين..
إنتشلني بنبرة رقيقة
- كم أنت جميلة يا لوسي!
إرتعشت شفتاي متذكرة آخر مرة عاملني بهذا الحنان
و ضع يديه على كتفيي، جذبني نحوه برقة تسلب إرادتي..
طبع قبلة دافئة على شفتاي المرتعشتان..
لم أقاومه، وجدت دموعي ترقرق على خدي بصمت..
- ما بك يا لوسي!
- أرجوك! لم أعد أتحمل أكثر!
- لماذا؟!

حاولت أن أتماسك، و لكن أجهشت بالبكاء، و نحيبي يقاطع سكون الغرفة..
خاطبني بشيء من القلق
- أرجوك! لا تفعلي هذا بنفسك يا عزيزتي!؟
- ألا تفهم يا سام! أنا لا يمكن أن أعيش بهذه الطريقة طوال حياتي!
- ماذا تريدني أن أفعل؟!
- طلقني! أطلق سراحي!
- لن أستطيع أن أتركك! ربما أنا خائف أن أتخيل حياتي أيضا بذونك!
- لكنك لا تحبّني! أنت تحب أليان!
ساد في وجهه صمت غامض..

نشفت دموعي فيما أبتعد عنه و شعري ينسدل بفوضى على كتفيي، و الدموع ترسم خطوطا لامعا على وجهي الناعم
تبعني و لم أحس إلا و هو يحتضنني بقوة من خلفي
إنسدل شعره الأشرق تلامس خدي..
خاطبني بهدوء
- لن تعاني مني بعد اليوم يا لوسي، سأكون لك زوجا حنونا، أعدك!
كان يبدوا أنه إقتنع أن مشاركة الحياة الزوجية السعيدة تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر و التحدي المستمر..

ضعفت حقا لوقع كلماته التي تنم بالجدية و الهدوء، لا أدري كيف وقعت بسهولة في شباكه، هل بضعفي؟ أم حاجتي و جوعي الى الحنان التي ظلت تنخر في داخلي كلما أجد نفسي وحيدة، لم أجد ما يفيدني من غروري و مقاومتي
تركته يحتضنني، فالحاجة الى أكاذيب الجسد كي نقصد نزوات مسروقة تضمر لي بعروض مواربة عن الحنان و الدفء..

تكلم و هو يهدج خلفي
سآخد الليلة الى أمسية رومانسية..
لم أرد أن أبني آمالا كاذبة حتى أتفاجئ بإتلافها..
إكتفيت بإطلاق ضحكة خريفية على شفتاي الشاحبتان
أردف سام
هيا جهزي نفسك، سوف آخدك الى المعهد و سأمر بك في المساء أيضا!
- و لكن أين قدر و هو من يأخذني او المعهد
طفح منه شحوب الغيرة سرعان ما تحلل بنبرته إستقراطية
لن يأتي، ألم اقل بأنني سأكون لك زوجا بكل معانيها!

أحسست بأنه يؤدي فقط واجبا ثقيلا ألقى نفسه على كاهلها، و إلا لماذا يحتاج أن يقول كل هذه الكلمات بثبات و قوة ( زوج بكل معانيها ) تافه! لن أصدقه حتى لو أعيد تكرارها ألف مرة..!
ذهبت ناحية الخزانة، لمحته يختفي..
وقفت أمام المرآة، تحسست جسدي، يأخذني دهاليز الداكرة الى لحظات كنت عارية أمامه، طفح في وجهي إحمرار الخجل!

لماذا أزعجت نفسي بالهروب؟! أنه ينظر إلي مثل طفلة تماما! مع أن غيره لا يفعل ذلك! إنهم يظهرون إهتماما خاصة بمعالم أنوثتي التي تظهر علي بشكل مُلفت للنظر..

إبتسمت بغرور، عاث نظراتي الزائفتين على نفسي..
تذكرت أنني تمنيت مرة عندما كنت في في صف الثامن لو أنني ولدت كفتاة عادية بعيدة كل البعد عن هذا الجمال الباهر..
و لكني أحب الجمال و كنت سأمقت نفسي الآن لو لم أكن بهذا النضارة و البهاء، كنت عانيت أكثر من سام الميال للسخرية اللادغة، و كنت ألهث ككلبته عندما أشاهد وسامته أنتهد و أجرى وراءه!

لبست ثيابي و خرجت، وجدته ينتظرني متأنقا قرب باب الخروج، إختطفني بسيارته، وصلنا نحو باب المدرسة..
وقف أمامي بقامته الممشوقة، الفارع الطول
كان شعره الذهبي الجميل يلمع تحت ضوء الشمس، حاجباه يغضي الى حد ما عينيه الزرقاوين.

كان مُلفت للنظر ببدلته الأنيقة و جسمه القوي و منكبيه العريضتين، أعجبه طالبات الفرنسيات، و راحوا ينظرون إليه بإهتمام بالغ، أنفه الحاد، ووجهه الجذاب، و بشرته البرونزية و أكثر من ذلك فمه رائع و قاس...
أعطاني بعض المال..
قلت بحدة
أخبرني هل ينظر إليك الجميع هكذا دائما و كأنك نجوم سينما
قال متبجحا بغروره
أنت محظوظة يا لوسي، قريبا سوف يحسدك وجميع من يدرس هنا عندما يعرفن أنني زوجك!
إبتسمت بخبث واضح.

أنت حقا زير نساء
ضحك قائلا
دائما ما يحوم حولي كثير من النساء يحاولن إيقاعي في الشرك! لكنهن يفشلون فشلا ذريعا! أنا متأكد بأنه لم تولد بعد تلك المرأة التي تستطيع على حصولي!
يا إلهي، كنّت أعرف أنه مغرور و لكنني لم أتخيّله يوما بهذا الشكل سيد متغطرس و متعجرف أكثر.

ودعني بقبلة على جبيني، لابد و أنه يحاول أن يكسبني أعداء حاقدين!
ثم راح بسيارته ألماسية الرياضية!

إنزويت نحو زاوية، إنعطفت يسارا، صعدت الدرج الى آخره
وجدت حفنة من الفتيات على طريقي..
تراطنا بالفرنسية التي تعلمتها بمدة قصيرة على دكائي الحاد!
- انت محظوظة يا لوسي، يحوم حولك شباب رائعين، مرة مع صاحب العيون الخضراء و اليوم لقد نزلت من سيارة أنيقة مع سيد أنيق!؟
- لا تنخدعوا في مظهره، أنه قاس و خبيث!
- نتمنى أن نكون تحت رحمته، يمارس علينا بقسوته و ساديته..
- كم عمره يا لوسي!

- أظنه لم يكمل الخامسة و عشرون!
- هل يقرب لك!
- إنه زوجي!
سكت الجميع مرة واحدة، و كأنما قطع عنهم الكهرباء دفعة واحدة، عاثوا علي بنظرات بين الصمت و الحقد! يا إلهي! لماذا لم أصدق كلام سام!
لم أجد مندفعا للهروب
لمحت قدر من بعيد..
ناديته..
رمى نظرة غريبة تجاهي، و مضى في طريقه يتجاهلني
ماذا يحدث؟!؟ ألم يراني!
حرت نحوه، لمست كتفه
- قدر، ما بك؟!
في وجهه شحوب عدواني..
أزاح يدي عن كتفه بإزدراء.

- أتركني يا لوسي، أنا مشغول!
- لماذا تعاملني بهذه الطريقة!
- تسألني هذا الكلام و أنت التي تغتابني من ورائي
- ماذا تقصد!
لم أستوعب كلامه، ماذا بحدث له غريب
رِن الجرس
- إنتظر قدر
- أتركني لوسي، سأتأهب عن درسي
يا إلهي ما هذه المعاملة الباردة، تركته يذهب! و لكني حتما سأعرف ما يجري..

جرى الوقت أسرع مما تخيلت، و كان الجو غائمة إمتص سحائب الرمادية قرص الشمس..
مساء باهت بضبابية المنظر الساكن!
إصطحبني سام قرب بوابات الخروج..
إبتسامة بريئة أرصع بها قلبي المتوهّج..! لقد كنت أتمرن في داخلي من السعادة! هذا أول موعد لنا!

وصلنا الى مطعم فاخر..
جلست بفستاني الأرجواني، مقابل سام، قرب مائدة مضاءة بالشموع في شمعدان فضي، و كريستال مزهرية مليئة بالورود الحمراء على طرف الطاولة، و مرش أبيض كالثلج تضيئه السكاكين و الأشواك
كل شيء يسحر جمالا و سعادة، حتى هواء الليل نقي يطيب الهموم، تتعطر أنفاسي لتعلوا في سماء السعادة بلا قيود أو حتى أفكار..
شعرت عضلاتي تسترخي ببطء مريح
لمحت سام مقابلي، لقد إندمج مع المنظر الرومانسي.

سرح في وجهي بكلتا عينيه الناعستين
تغلغل منسابة في عروقي، للإستسلام في تلك اللحظة
لدي شعور غريب بأنه سيعترف لي شيئا، إحساس غامض في داخلي يقول لي بأن سام يحبني و يعترف لي هذه الليلة بالضبط كل ما أخفاه في داخله
إقترب مني، فألقت الشمعة بعض الضوء على وجهه، لمع عينيه الساحرتين..
نعم يا سام، هيا قل لي انك تحبّني! هيا تكلم..

تملؤني لهفة داخلية، أنظر إليه بعيناي الواسعتين دون أن تطرف، إنه على وشك أن يقول لي كلاما مهما..
خاطبني بنبرة رقيقة
- لوسي
- نعم يا سام
إقترب أكثر نحوي، كان يتمهل في كل شيء، أحملق فيه بكل بلاهة و حماقة..
تمتم قليلا بإسمي
- لوسي
- نعم سام
- لا يمكنك أن تحب غيري! أنت يجب أن تحبّني للأبد!
- ماذا.

يا له من حقير مغرور، أحضرني الى مكان جميل ليقول لي كلاما كهذا، ليتوارى خلف ألفاظ مبهمة، أصلا ماذا كنت أنتظر من سام و كأنني لا أعرفه!
سرى في أوردته لحظة صمت قاطعها رنين هاتفه..
رد بشيء من الإرتباك، طفح في وجهه شحوب، باهت حروف وجهه
لماذا هو هكذا! إمتقع وجهه و هو يرد بهدوء على الهاتف..
وقف مبتعدا عني، لا يريد سماع حديثه، لابد و أنها حبيبته الفرنسية تلك! اللعنة عليهما!

داهمني إنقباض أسي ممزوج بالغيرة، لفني صمت موجع، تجمعت الغصة في حلقي، الدموع عسيرة تأبى الخروج
أوشكت للحظة أن أنصرف من المكان إلا أنه رجع بسرعة قبل إقدامي على فعل شيء أستعيد فيها كرامتي على الأقل
كان يبحث من جيبه شيئا من الغبطة والإستعجال، أخرج محفظته
وضع بعض المال فوق الطاولة...
- سامحني لوسي، يجب أن أخرج بسرعة، هناك حالة طارئة، خدي تكسي الى المنزل!
- خير يا سام! ماذا يحدث..

- إنها أليان، مريضة و في حالة سيئة
لم أملك سوى أن أدعي لها رغم أنها عدوتي الوحيدة
- الله يشفيها
كلمات الشكر تنساب بين شفتي سام و هو يخرج بسرعة..
لبرهة قطع أنفاسي حومة فكرة غابت عنا
- إنتظر سام، أنا لا أعرف مكان القصر..
جريت وراءه، و لكنه كان أسرع مني، إختطف نظراتي صوت محركه و هو يمضي بعيدا على الشارع كأزقة المطر الهائم..

تبا، لا يهم! من يحتاج إلى ذُلك الحقير، هيا أهرب الى تلك المرة، أنا سوف أتصل لقدر..
قال لي بأنه يكون زوجا صالحا، إبتسمت بسخرية، واحد عديم المسؤولية
أخرجت هاتفي من حقيبتي ببطء
كبست الزر، كان ميت البطارية، يا إلهي، إنبثق من عيناي الداكنتان ما يشبه الصراخ، و اشتد وتيرة تصاعد أنفاسي، طار قلبي مثل خفافيش مرعوبة
ماذا أفعل؟! لم أملك سوى أن ألوم سام!

الحقير، كيف تركني! كيف سمح لنفسه أن يترك فتاة صغيرة في مرمى الإشتهاء..
خرجت من المطعم في حالة ضياع، في شارع ليلي وحيد مبهم و بغيض، لا أعرف ما أفعل! سحائب صفراء تمتعض وجهي!
تاهت نظراتي في الزوايا حاويات القمامة المظلمة..
عاودني ذلك الإحساس بالغثيان ثانية..
باغتتني وعكة فجأة، و نلت أطرافي
غيبت عن وعيي قرب الرصيف، و أمام المطعم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة