قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع والعشرون والأخير

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع والعشرون والأخير

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع والعشرون والأخير

في حفلة الزواج، توافد المدعوون، و غص القاعة الفسيحة بالناس، و الشباب و كبار و نسوة، ثلاث طبول تقرع بشدة، و حلقة من المحتفلين تشكلت، حلقة من الرجال و النساء، تشابكت أكفهم، و راحوا يرقصون بضراوة..
في صدر المكان قبالة ساحة الرقص، صفت طاولات مغطاة بأطباق و أوعية الطعام و الشراب، لقد كانت زفة بلا نظير..
بدت أليان كالجوهرة وسط الحفل، و إلى جانبها يجلس سام، يتداولان الحديث بصمت بليغ..

وضعت أليان ظرفا جميلا بجانبه، مد سام يدي، أمسكت الظرف و سألها
- ما هذا!
- إنها هديتي لك يوم زفافنا، إفتح!
نظر الى المحتوى، و هنا حلت به عقدة في لسانه و حل به صمت يائس..
تكلمت بحرارة و دفء.

- هل أعجبك يا سام! لقد عدت مليونير من جديد! و أخيرا جاء الفرج يا حبيبي! إضحك، غن و أرقص، الآن نستطيع أن نفعل ما نريد، أن نحقق أحلامنا، سام حبيبي، سنشتري بيتا، سيارة، و نستثمر بمشاريع تجارية لأطفالنا، ما رأيك؟! لماذا أنت صامت يا حبيبي! قل شيئا! هنئني! هنئ نفسك!
و ظل سام مدهوشا، و لم ينبس بكلمة، بقي داهلا، عضلات وجهه تراخت
حينئد ودت أليان أن تختصر عليه، و قذفت بالخبر في وجهه دفعة واحدة.

- لوسي، إنها حمقاء مغفلة، لقد رمت كل شيء لأنها تكرهك، حتى الخاتم، أنا لست آسفة لأنني أخدت ما سرقته منا، تعتقد بأنها إستعدت كرامتها بهذه الطريقة، و لكنها تخدع نفسها، فلا يوجد ما يسمى كرامة، هذه كلمة إخترعها المتفوهون به بحنكة و دكاء!
- سرقته منا! كم أنانية يا أليان!
- أنا لم أسطوا عصابة من اللصوص، ألا يحق لي أن أطالب بمال زوجي!

- معك حق! و لكن عليك أن ترجع الخاتم! لا يهمك حتى لو وضعتها في القمامة! لأن هذا حقها!
المدعوون يرشفونها بعبارات التهنئة و الثناء و الود، و كانوا يحسون بهما كطائرين يوشكان أن يقلعا، و يرتفعان من شدة الفرح كما تبدوا لهم!

و لكن بدا سام مكتئبا، و على وجهه مشروع بكاء ناقص رغم إبتساماته المصطنعة، عيناه تصارعان الدمع، بينما أليان كانت لا تتوقف عن الرقص و الزغردة، الآن عرف بأنه آساء فهم لوسي، بسرعة أشاح وجهه و كفف دموعه...
خرج سام من القاعة، و غاب عميقا داخل غرفة مخصصة للمعاطف الزوار..

طال إنتظار أليان بعض الشيء، أكدت ذلك إحدى النسوة فأكفهر وجه أليان، و شعرت بالإهانة، لقد كانت واثقة دائما بسام، فهو لن يتركها يوم زفافها لتكون ضحية سخرية، لقد كانت تعرف طبيعته و سماته، و لكنها بقيت تلوك غيظها بصمت، و لم تجد ما ترد عليهن
فكرت أليان متشككة
- لن يخذلني، لكن، لقد تأخر فعلا..
- الله يسترنا لقد جاء الشيخ..

ضاق صدر أليان و لم تعد تحتمل الصبر، روحها صارت في أنفها، فلم تتمالك إلا أن قالت لها عالية..
- دقي الباب، حثيه، إستعجله!
دلفت نحو الغرفة المخصصة للرجال، إقتربت من الباب، ظفرت بصوت هامس
- حبيبي، هل أنت بخير، لقد جاء الشيخ، و المحامي، الجميع ينتظرنا
- إنتظري قليلا.

بدا عليه الإرتباك شديد، كأنه طفل في ساعة الإمتحان، نظر الى الورقة في يده، هل حقا لوسي تخليت الملايين من أجله، لقد تكسر حبنا الجميل في شكوك غيرتي، لماذا إستسلم للحطة غضب فغادر، تاركة إياها وحيدة! لماذا لم يوجهها؟!
الليلة سوف يتزوج إمرأة غيرها، و لكنه يعرف أن ما يجمعه مع لوسي فلذة القلب، أكثر بكثير مما يفرق! فلماذا إستسلم و تقبل إنسرابها..! و لم يفعل شيئا! أو لم يكن من الأجدر به أن يتحرك..

مرت برهة و هو في مكانه صامت لا يتكلم، و أخيرا طوى الورقة، و أنتظر فترة قبل أن يدخل القاعة، بدا حائرا متوتر الأعصاب، مرهق الحس، حان الوقت، سيرتبط بهذه المرأة التي لا يكاد يشعر بها، كأنما هي حمل لا قبل له به..
لحظتها رن هاتفه، ضغط زر الإستقبال، تناهى صوت لوسي
- يجب أن تأتي حالا..
و تبعها صراخ متواتر، و نشيج طويل هزت مخيله..
- هل أنتي، يا إلهي..!

إضطرب رأسه، و تشابكت الألوان أمامه، بسرعة ركض نحو القاعة، و قد إنعكس وجهه القلق و الخوف..
- ماذا حدث لك يا حبيبي..
تحسس داخل حقيبته مرات و مرات بيئس، لم يجد مفتاح السيارة..
- أين مفتاح السيارة يا أليان
- ليس لديك، هل نسيت بأنك تخليت عن..
صاح بعقل مزود جعل الجميع في حيرة أمرهم..
- ماذا يجري..
- فاليعرني أحدكم سيارته..
- أنت تخيفني يا سام، ماذا يجري..
إقترب منها بهمس.

- إنها لوسي، على وشك الولادة، يجب أن أصل الى البيت حالا..
تقدم أحدهم بمفتاح سيارته، مشيرا إليه بنوع الدي يوده..
بسرعة تمسكت أليان بطرف قميصة متوترة
- لا تذهب، أرجوك، أتوسل إليك!
إفترسها بنظرات متوحشة..
- هل تمزح معي..!
دفع يدها من قميصة، ، و لكنها تشابكت بطرف الآخر..
- هل أنت مجنونة، الجميع ينظر إليك!
- بل إنهم ينظرون إليك، هل رأيت عروسا يغادر في ليلة عرسه، إتصل بسلمى و قدر سوف يطمئنون عليها.

- سأفعل و لكن علي أن أكون بجانبها أيضا، إنه طفلي!
تململت أليان به، و تكورت عليه، و زادت عبارتها إستغرابا و دهشة
- لن اسمح لك! لن تذهب إليها!
و فكر الجميع لعل الحب يعمى القلب و العقل!
دفعها و كأنها جرباء أمام الجميع، و الرؤوس تهتز مأخودة مدهوشة، و فكر الجميع لعل الحب يعمى القلب و العقل!
لحظتها تمنت أليان أن تنشق الأرض و تبتلعها، إفترسته بنياتها الخطرة المهددة.

- أنا أحذرك يا سام، لو خرجت عن القاعة الآن، لا تتعب نفسك بالرجوع..
لم يستطع أن يجيب فأثار الصمت، و خرج راكضا، تناول معطفه بسرعة، و اندفع الى الخارج، يقود السيارة بجنون على الشارع كأزقة مطر هائلة..
في طريقه إليها، إتصل بسلمى و معها قدر، طلب منهم الرجوع الى القصر، لم تفارق الهاتف من يدها، إتصل بالإسعاف و أعلمهم العنوان، كما أنه طلب من الطبيب أن يجهز كل شيء..

أما أليان فكانت وحيدة وسط همسات النسوة و نظرات الناس الوقحة، و الصريحة، يدوسون بسمعتها، و يشتومنها، و يصمونها بأحط الألقاب و الصفات..
تمزقت صورتها أمام الجمع، و فجأة إرتفع صوت بكائها، لأول مرة تبكي أليان بحرقة و ألم، ذعرت، هالها هذا المنظر غير المعقول..
لم يكن يخطر ببال أليان أنّ ليلة العمر التي طالما حلمت بها أحلاماً وردية ستكون أطول ليلةو وأسوأ ليلة في حياتها، كما لم يخطر ببالها..

- وا أسفاه على حظك يا أليان، من كان يصدق أن سام يفعلها؟ كنت له صديقة وفية، وقفت معه في الضراء قبل السراء، في الشدة قبل الفرج! ضحيت في سبيله، قدمت له كل خير و عون، و مع ذلك قد فعلها!
هكذا كانت عالية تتحدث بعد أن تفرق الجميع و بقيت الوحيدة في القاعة، و كانت قريبتها من بعيد جنفير تصغي إليها متأثرة بما ترى، قالت مواسية..
- معقول نقابل الخير بالشر!
- ما ذنبها المسكينة! فوق حقه دقة! هذا جزاء المعروف!

- أليان لا تستاهل إلا الخير، هذا السافل، اين كان يخبئ وقاحته!
- اللعنة عليه، الحقير! اللعنة عليه!
- طولي بالك يا اختي، أريد أن أفهم! أليان ما عيبها؟! حتى يفعل بها الكلب ذلك!
صبية و لا كل صبايا، راكزة و عاقلة و مكملة، علم جمال و أخلاق و اصل، أين سيجد مثلها! و من تفعل له ما فعلته أليان!
كانت أليان صامتة، و كان صمتها مرعبا، لقد صدمت، و أخدها الدوار، و تجمد أحاسيسها و أفكارها..
تولى الرد شقيق أليان..

- أين سيهرب مني! سأجعله يموت ألف موت! سأنكشه من تحت الأرض..
و كان راي قد هرب، و أختفى بعد الفعل الشنعاء التي جلبت العار لأخته، لم تعلم أليان مما على وشك أن يقدم عليه أخوها، فأرسلت له رسالة تمنعه من إرتكاب جريمة!

كان يركض، يعدوا، يلهث، بل سابح لا يحس بالأرض تحت قدميه، مرتجفا، ، متوتر الأعصاب، تتكاثر الأحداث في رأسه و تختلط، يمتلئ ذهنه بالصور و التخيلات، تتراكم به القلق، تكاد تسحب الدمع من عينيه..
إندفع نحو القصر بجنون، عوى بإسمها، صاح و ناد بها، و لم لا تجبه..
خطواته ثابتة متتالية، نحو جناحها..
وصل لاهثا ممزقا مبعثرا.

كانت لوسي هناك على الأرض خيفيف ترتعش مثل سخف النخيل، تعوي، تتمزق، الموت يداعب عينيها، ترمقان الى الأفق البعيد، إستنجته، إنطلق صوت صاخب من حلقها
- ساعدني، ساعدني، أرجوك، سام، ساعدني، يا الله ساعدني، سأموت!
بسرعة شد الغطاء من السرير ليستر جسدها الطري المرتعش، إعتدلت في إستلقائها، إتكأت بيديه، ثم حملها دفعة واحدة، و أخد يسير بها نحو الخارج، هناك قابلها سلمى و قدر..

ثوان، ووصل الإسعاف، تمطت بإسمه طوال وصولهم الى المستشفى...
- انا هنا حبيبتي! أنا هنا!
شد يدها، منحها ذلك قوة...
تمطت بإسمه و هي في سريرها نحو غرفة التوليد..
أوقفوه سام خارج الغرفة..
عيناه يعصفان القلق، قلبه يتألم، لأول مرة يعرف أن القلب يتألم بألم حبيبته!
لم يكن سام يتحمل لعبة الأعصاب هذا، بإعتقاده أن الألم النفسي أقوى من الألم الجسدي!

لقد برز أمام عينيه صور عقلية لإبنه و هو يعاتبه، يكرهه! يلومه! لماذا تركتنا يا أبي! لماذا لم تواجه مشكلة الخلاف بينك و بين والدتي!.

وأخيراً حانت الساعة...! كلما بدأت آلام المخاض كان خوفي يبتعد، بصورة سام مرتسمة في خيالي لا تفارقني، أهتف إليها من أعماق نفسي، أرجوك لا تتركني، أريدك أن نعيش لطفلي، و أحسه يمسك بيدي لتقودني إلى الغيب، ضربات قلبي تتسارع، و يبتعد المخاض، ابتلعه، لا أريده أن يبدأ، حتى بدأت حالتي تسوء و الطبيب حائر في أمره مني، اضطر معها إلى إجراء عملية قيصرية..

عندما وضعوني على عربة المستشفى انقلي إلى غرفة العمليات أمسكت يد زوجي، أردت أن أودعه، أن أحدثه عما سيجري لي، أردت أن أقول له لا تنتظرني، اهتم بابني و سمه باسم ما تريد، لكني كنت مستسلمة، مسلوبة الحس، فقد ضغطت على يده و قرأت قلقا كبيرا في عينيه...

نظرت إلى سلمى فإذا عيناها مليئتان بالدموع تحاول التماسك بغير فائدة، تضغط على يدي تشجعني و أنا مستسلمة، أغط في بحر من الأوهام كاد يودي بحياتي، لم أشعر بالطبيب يعطيني المخدر...

كان سام يحس بقلبه يدمي و هو ينتظر خارج غرفة العميلة، و بقي مدة طويلة شارد الذهن، محملقا في الظلمة، لا يكاد يعي شيئا..
أحس أن هناك غصة في حلقي أو كأن يد تعتصر قلبي، فلقد كان بي شعور أب يوشك أن يفتقد حشاشة كبده..
بدت أشم في جو المشفى رائحة الخطرة، و بدا لي من وجوه الأطباء أن خطبا مدلهما على وشك أن يحيق بنا، فلقد كان وجوههم مظلمة، متجهمة..

كنا نجلس القاعة كأن على رؤوسنا الطير! لا ننبس بكلام، و قد توترت أعصابنا، و أرهفت نفوسنا، لا نكاد نجسر حتى الإستلقاء..
خرج الطبيب، فتطلعنا إليه بأنفاس مبهورة، و في أعيننا تطرق التساؤل..
و تقدم الطبيب و همس بي
- إنها تريدك!
دلفت الى الحجرة التي ساد فيها السكون، و عمت الظلمة. إتجهت الى فراشها، فجلست على حافيته، و مددت يدي، فأمسكت بيدها أربت عليها برفق، و أجبرت نفسي على الإبتسامة و التضاحك..

قلت لها
- أنت الآن أحسن، و ستشرق الشمس عليك فتصبحين في خير و عافية، إن شاء الله!
هزت رأسها هزات خفيفة، و همست:
- إن الشمس لن تشرق علي، لا فائدة، إقترب مني، أتسمعني!
حاولت جهدي أن أتماسك، و أقتربت منها و قلت..
- إني أسمعك حبيبتي، و لكن لا تجهدي نفسك بالحديث..!
رأيتها تمد يدها تحت الوسادة، فتخرج إلي مفكرة صغيرة، و تعطي إلي قائلة...
- إحتفط بها، و لا تقرأها، أعطه إبني عنذما يكبر! ساشتاق اليه!

- لا حبيبتي، سوف تعطيه بنفسك!
جذبت يدي، تضعها في فمها برهة
- أحبك، سام!
ثم ذهبت..
أجل لقد ذهبت لوسي الى غير رجعة، لقد رحلت عني رحيلا لا إياب فيه، لم أستطع أن أصدق ما يجري، أصبت بصمت، تحشرج صوتي، دمعت عيناي..
أحدهم يربت يده على كتفي..
- ما بك يا رجل! لماذا تبكي!
- لقد ماتت!
- من مات!
- لوسي، لقد ذهبت!
- إستيقظ، ، أنت ترى كابوس..

عندما أفقت لم أصدق نفسي، فتحت عيني، أغمضتهما، و كأني طفل يولد من جديد، شعرت أن ذاكرتي تأتي بالتدريج، أنها حية، لم تمت، فتحتهما مجدداً، دلفت نحو الحجرتها، أه إنها تنظر إلي، وضعت يدي فوق فمها، إنها تتنفس، أستطيع فتح عيني، ها هي لوسي أمامي، نعم عرفتها، أنها تبتسم، تذكرت، هكذا تبتسم دائما مثل ربيع باسم، و الابتسامة تعني أنها حية، لم ترحل، أنها هنا لتكمل مشوار حياتها معي.

كنت سعيدا إلى درجة الاستسلام، لم أفق من شرودي إلا على صوت طفل، فوق حضن لوسي، حضنتهما معا، لقد إتسعهم صدري!
- حمدا الله على سلامتك.
فتحت لوسي أيضا عينيها بصعوبة لتقرأ فرح العمر الذي عاد، أخذ الطفل يدها و ضغط عليها فأحسست حنان الدنيا و أمل المستقبل، قاومت المخدر و الفرح و قالت له. :
- هل ابنتي جميلة، نسميها!1 لم أستطع نطق اسمها لكن زوجي سام قال لي بدهشة.

- من قال لك أنك أنجبت بنتاً، إنه ولد، ولد جميل مثل والده، إنه ولي العهد، ماذا تريدين أن نسميه؟
أخذني الذهول، لم أستطع التفكير، لم أستطع الابتسام، فقط غططت في النوم، جبل عال من الأوهام انزاح عن كاهلي، غططت في نوم لذيذ، سمعت زوجي ينادي الممرضة بسرعة لترى ما بي، و سمعتها تقول لهم.
- اتركوها ترتاح فتأثير المخدر لم يزل يجب أن تنام، هي بحاجة فقط إلى النوم، لا تخافوا.

ابتسم قلبي، نسيت كل سيئات سام، ضمني، عانقني، بكينا فرحين، زغردت، بدوت كم طق عقلها..
أي حمقاء أنا؟!، لم لا أحاول أن أكون إمرأة هادئة رزينة، بدلا من التعلق بأهداب الحب و بأساليب المظاهر الروماتيكية..
و كما يقال في قصص الأساطير..
( happy ever after )
و عاشوا في سعادة الى الأبد
النهاية..

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة