قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الخامس

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الخامس

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الخامس

ويبقي الخوف حاجزا لا يرى بالعين ولكنه من اقوى السدود التي يصعب اختراقها والعبور من خلالها الى افئدة من نهوى
فخوفنا من الاستسلام يجعلنا نقاوم بشراسة مؤذية قد تجعل الطرف الأخر ييأس وينسحب مبتعدا وقد يبقي ولكنه يبقي مرغما؛ الحب الصادق لا يعرف خوفا ولا يسمح لتلك الحدود ان تحجب الرؤية عن القلوب العاشقة بل تصبح الحدود مشتركة ويمكن أن تخطوها متي شئت دون اذن أو تصريح.

جال بخاطر نوح الكثير من الافكار قبل ذاك الصدام بين والدته وميادة وتخيل مئات الاحاديث التي قد تقولها زوجته الا انه لم يتخيل أن تتدلل عليه هكذا أمام شقيقها ووالدته، والدته التي ألجمتها الصدمة.

وجعلتها تتراجع عن تحديها السابق ولو مؤقتا فمن الواضح انها كانت تعتقد ان ميادة مازالت تلك الطفلة ذات الثلاثة عشر عاما ولم تضع بحسبانها أنها صارت انثى قوية ناضجة تعلمت الكثير بجامعات لم يحظ الكثيرون بفرصة الدخول اليها وتعلمت اكثر بالحياة التي عاشتها ومؤكد انها تعلمت اكثر عندما بدأت مسيرتها الفنية.

اغمض عينيه وكأنه يدفع عن نفسه تلك الحقيقة فزوجته المصون؛ ابنة خاله، فنانه يتلهف الكثيرون لرؤيتها ونيل ودها، هل حقا سيسمح لها بالاستمرار وهل تسمح هي له بمنعها، أتحبه حقا وتستطيع التضحية من أجله وتقدير غيرته عليها أم أن ما بينهما لا يسمح بتلك الاحلام
ابتسم محاولا استدعاء ذكرى الطف من تلك ارتاح قليلا عندما تأكدت له غيرتها عليه عندما علمت بشأن خطبته التي لم تكتمل، هي تغار اذا هي تحبه..

ما أجمل البوح بما نعانيه وما أجمل الاحتواء ممن يستمع الينا فقد ينطق البعض كلمة واحدة وتحتضنك أحرفها وتأخذ بيديك بعيدا عن كل الهموم وقد يتحدث أخر مطولا ولا تزيدك كلماته الا حزنا وهما..
كان ذلك حال نوارة مع الجميع تتحدث فتحتوي من يجلس امامها وتصمت فيعطيك سكونها سكينة وهدوء يريحك دون عناء
مسدت نوارة فوق رأس رباب التي خفت وتيرة بكاؤها بعدما احست بطيبة نوارة وحنوها فتنهدت نوارة قائلة:.

خابرة يا رباب اني مفروض الفرحة متبجاش سيعاني دلوك، بتي رچعتلي وولدي طمر فيه التربية وحاول ينتجملي من اللي اذوني
نظرت رباب اليها بغيظ فابتسمت نوارة لنظراتها الطفولية قائلة:
چاد مأذاش حد، ولا حتى أذاكي يا رباب، يمكن غلط لما خدك بذنب غيرك بس الظلم عفش جوي يابتي ونهايته واعرة واني طول عمري راضية بعيشتي وفي حالي كافية غيري شري ومسلمتش من الأذية، وامك كانت اول اللي أذوني يا رباب.

وياريتها اكتفت بأذيتي دي فضلت تحرب ورايا وتنخور في اي حاجة تفرحني وتبعدها عني كيه ما اكون عدوتها ولحد دلوك مخبراش هي هتكرهني لييه...؟

وفضلت اني ساكته وهي تأذي لحد ما أذاها طال بناتي، حليمة ماتت وميادة طفشت، هملوني لحالي والسبب امك واخوكي وجبل منيهم خالك فهد، يمكن متفهميش كلامي ولا تحسي بناري بس اني بنصحك كيه ما تكوني واحدة من بناتي، عيشي يابتي وانسي اللي حوصل چوزك راچل اصيل وهيصونك وديه اللي يهم في الچواز، ان الراجل يصون مرته مهما عملت.

لم تجيبها رباب بل حاولت استيعاب ما تقول والتمست لها العذر ولو قليلا الا انها احست بالغضب يعتريها عندما استمعت إلى صوت جاد الضاحك بصخب يمازح شقيقته قائلا:
تصدجي بالله يا بت ياميادة انتي ارچل من ايها راچل بالنچع، دي عمتك شهيرة احتمال يودوها الخانكة النهاردة
ميادة: هي البادية والبادي اظلم
جاد: لاه، ضربة معلم اني حسيت انها اتخرست مرت تانية
ميادة: يووة اسكت بقى بقالك ساعة بتضحك يا مجنون.

جاد: يابت عمتك ديه ماحدش بيجدر عليها غير الموت تجومي تكتميها اكده كيه ما يكون واكله سد الحنك
رباب بصوت حاد: مفروض تتكلم عن عمتك بأدب ولا انت متعرفوش؟
اسرع جاد باتجاه رباب الا أن ميادة استوقفته بقوة ووقفت تحول بينه وبين رباب التي لم تتراجع بل استكملت قائلة.

امي مهما عملت هتفضل امي ومهسمحش لحد يهينها واصل ودلوك اني رايحة اطمن عليها واشوف عملتوا فيها ايه تاني وجسما بالله يا چاد لو امي صابها حاجة ما راچعة اهنه تاني
تحدثت ميادة بثقة قائلة: متخافيش امك صعب يحصلها حاجة دي المرأة الحديدية
رباب: وانتي مالك انتي التانية؛ اصلا كل اللي بيحصل ديه من تحت راسك
ميادة: من تحت راسي ليه؟! هي امك بسببي كارهه نفسها وكارهه العالم والبشرية.

جزت رباب على اسنانها وابتسمت نوارة فها هي ميادة بلسانها السليط تعود اليها بجمالها الاخاذ وروحها الخفيفية وبعض الشراسة التي كانت تميزها عن حليمة والتي يحتاج اليها الانسان بعض الاوقات
تداركت نوارة الأمر فتحدثت بجدية قائلة:
وصل مرتك يا ولدي متهملهاش تطلع من الدار لحالها بعدين الناس ياكلوا وشنا ويجولوا كلام عفش في حجها.

كانت رباب على اعتاب الاعتراض الا ان جاد جذب يدها وتحرك بهدوء قائلا بتحذير: ساعتين وراچع اخدك
رباب: ربنا يسهل؛ اطمن الاول على امي وبعدها نشوف
بدت هيام حائرة لا تستطيع انتقاء ما تريد، ابتسم اليها مصطفي بحب فتحدثت اليه قائلة:
انا حاسة اني هبقي بشعةجدا يا مصطفي، الفستان مش لايق عليا
مصطفي: حبيبتي انا مش فاهم سبب توترك ده ايه مش مفروض ان انا بس اللي يهمك رأيه
هيام: اكيد طبعا، بس انا عاوزة ابقي عروسة حلوة.

مصطفي ممازحا: وهو في احلي من كده
هيام: مصطفي بلاش هزار وبعدين قولي ازاي هنعمل الفرح والست جودي مش معانا
مصطفي: طبعا مستحيل؛ انا كلمتها وقالت هترجع بس بتظبط امورها وهتستأذن والدتها وتيجي
هيام: تفتكر ممكن يمنعوها
مصطفي: مش موضوع يمنعوها، بس الحياة في الصعيد مختلفة وتفكيرهم غيرنا
هيام: ولو رفضوا انها ترجع.

مصطفي: هجبها بالقانون، ديدا قانونا بنت يزيد القاضي ومفيش عندهم دليل انها ميادة وحتى لو حاولوا يثبتوا هنكون خدناها ورجعنا اوروبا
هيام بخوف: يعني احنا هنسافر برة
مصطفي: هيام المفروض انك متقلقيش بالشكل ده ولا انتي مش واثقة فياوبعدين انا نازل مصر لاسباب معينة وانتي عارفة لكن شغلي وحياتي برة مصر
هيام: مش حكاية ثقة، بس انا عمري ما بعدت عن ابويا وهو ملوش غيري.

مصطفي: وانا مستحيل ابعدك عنه ولا دي اخلاقي وياستي لو اضطرينا للسفر ناخده معانا انا وهو اصحاب ومش هيرفض ولو رفض هفضل وراه لحد ما يقتنع.

النكران هو احدى الطبائع البشرية العجيبة التي لا تفسير لها ننكر كلما ضاقت بنا السبل عن استيعاب الحقيقة، من يتألم من الحب ينكر وجوده ومن يكره ويحقد ينكر شعوره بل يدعي انه طيب القلب؛ من يرى عجائب الخالق ينكر ألوهيته ومن يفقد عزيزا ينكر حقيقة ابتعاده الأبدية، ننكر لكن نستمر واحيانا ننكر لكي نستمر بالطغيان.

جلست شهيرة بغرفتها تخطط وتحاول ايجاد حلا لتلك المصائب المتتالية التي حلت ببيتها وتناست انها السبب فيما يحدث ولم تتذكر سوى ما فعلته ميادة وسبقها جاد بفعله لابد ان تستعيد بأسها وقوتها، ابتسمت بمكر فقد اوشكت على تنفيذ أولى خطواتها
انتظرت عدة لحظات وبعدها اجابها صوت انثوي يغلفه براءة وانوثة مصطنعة قائلا:
السلام عليكم؛ كيفك ياخالة شهيرة.

شهيرة: بنعمة وفضل ياجلبي، بجى اكده متسأليش عني ولا تجولي حماتي راجدة وواچب اطل عليها واشوفها
قمر: كنت جاية والله يا خالة بس شهاب اخوي جالنا انه شاف سي نوح ومعاه واحدة في البندر ولما كلمه جاله انها مرته ومن ساعتها وابوي حالف كام يمين يفض الموضوع لوما امي جالتله طول بالك خلونا نتوكد الاول.

شهيرة مدعية البكاء: يابتي دي واحدة مخبراش طلعتلنا من فين ضحكت على نوح وبلفته بكلمتين مغنوتيه يابتي وانتي خبراهم كيه العجارب
قمر: والعمل يا خالة؟
شهيرة بمكر: هجولك، هجولك تعملي ايه؟
استمعت نوارة إلى حديث جاد وميادة بصدمة ممزوجة بسعادة ثم ما لبثت ان تحدثت برفض قائلة:
كيف يعني خدتي من نوح كل حاچة؛ وتعبه وشجاه السنين اللي فاتت؟
ميادة بهدوء: خدهم وزيادة كمان؛ عاش احسن عيشة هو وامه واخوه الكلب.

نوارة برفض: نوح مخابرش مكان حماد
قهقهت ميادة بينما نظر جاد بترقب لما ستقوله هي لتروي عليهم ما حدث
نوارة بقهر: يعني حماد اتچوز وخلف كمان؟
ميادة: ايوة؛ وبفلوسنا لأنك عارفه وكلنا متأكدين ان ابوهم مكنش سيبلهم ورث ولا حيلتهم حاجة
جاد: فين مكانه، انتي خابره هو فين؟

ميادة: لأ، واكيد نوح مش هيقول، وخلاص كده يا جاد انا اخدت جزء من حقنا وانت عملت جزء مش قليل ابدا كفاية اني شفت شهيرة عاجزة مبتتحركش، اما ذنب اختي فعند ربنا ومتأكدة انه مش هيروح
جاد بتصميم: لاه، حماد لازمن يموت وامه يتحرج جلبها عليه
نوارة: واني يا چاد، فاكرني هرتاح وناري تبرد لما تبجى جاتل ياجلبي، احنا غيرهم يابني وكيه ما اختك جالت حج بتي ودمها عند ربنا واللي عنده مهيروحش واصل.

جاد: ونوح يا ميادة، هتعملي معاه ايه؟
ميادة بلا مبالاة: معرفش، هفكر واشوف للأسف كل ما احاول انسي واكمل معاه يظهر حاجة تبعدنا
نوارة: يعني هتهمليني تاني يا ميادة؟

ميادة بدموع تحوي ما لا يتحمله القلب: مش عارفة انا تعبانه بوجودي هنا ومش عاوزة اسيبك نفسي افضل في حضنك والمكان ده بيوجع روحي كل شبر في البيت ده بيألمني ذكرياته كل نسمة هوا بتمر عليا بتحرق قلبي وبتفكرني اد ايه انا كنت ضعيفة ومكسورة لما هربت من هنا؛ انا عارفة وفاهمة احساسك بس ياريت تفهميني..

نوارة: فاهمة ياجلبي وحاسة بيكي وكل اللي يهمني سلامتك واني اسمع عنك كل خير، انا كنت الاول بتمني اعرف عنك اي خبر دلوك بعد ما ربنا من عليا بشوفتك ورچوعك مريداش حاچة واصل غير انك تبجي مبسوطة...

احس نوح بانقباض قوي يعتصر فؤاده بعد محادثته لشقيقه والذي بدا من خلالها حماد شاردا تائها، هاجمت نوح افكار عديدة وهواجس من رجوع حماد الى الإدمان لكنه نهر نفسه مطمئنا اياه بأن حماد لن يفعلها مرة أخرى فهو قد تخطى تلك المرحلة بلا رجعة..

بينما انتهى حماد من حديثه مع شقيقه الاصغر شاعرا بمدى احتياجه اليه يود الصراخ باسمه مستغيثا به عله يأتي اليه ويبعد عنه تلك الذكرى الدموية التي تأبي تركه، يود الهروب من نفسه والسكون بعيدا، كم يهفو الى صدر يحتويه ولو لحظات، استمع الى صوت زوجته الغاضب تناديه قائلة
وبعدهالك يا حماد هتجعد اكده كيه الحريم ومهمل مالك ومصالحك؟
حماد: ملكيش صالح.

زوجته صارخه: كيف يعني مليش صالح، ديه مالي ومال ولادي؛ بتك الصغيرة والعيل اللي چاي في السكة بس هنجول ايه ما انت مسطول ليل نهار مدريانش بحاچة واصل، كانت واجعة سودة ساعة ما اتچوزتك
لطمها حماد بقسوة وكأنه يلطم ماضيا أدى به اليها.

نظرت اليه بكره وحقد تحول إلى رعب وخوف من نظراته الخاوية وملامحه القاسية فاسرعت تختبأ داخل غرفتها ليلتفت حماد فيجد طفلته الصغيرة تنظر اليه ولا تعي ما يدور من حولها إلى انها اسرعت اليه مما جعله يجفل في وقفته وكأنها بقربها منه افاقته من ضياعه الوقتي، همست اليه الطفلة قائلة:
انت زين يابوي؟

وكان ذاك السؤال هو كل ما يحتاجه حماد ومن هم على شاكلته، هو ليس بخير على الاطلاق يدور في فلك نهايته مظلمة ولا سبيل اليه للرجوع
انتحب بضعف جعل قلب تلك الصغيرة يرق لحاله فبكت وكأنها تؤازه واحتضنته بيديه الصغيرتين فضمها هو الى صدره يحاول تهدئتها ويستمد منها أمانا يسعى اليه...

بحث نوح باهتمام عن رقم احد اصدقائه القدامى والذي كان يدرس بصحبته بكلية الهندسة واستمرت صداقتهما سنوات انتهت بسفر ذاك الصديق إلى الخارج ليسمع عنه نوح بعض الاخبار تؤكد عودته ورغبته في تأسيس شركة انشاءات..
هاتفه نوح وبداخله رجاءا قويا الا يخذله ذلك الصديق
نوح بهدوء: السلام عليكم، فاكرني يا حسن؟
حسن: وااه، معجول نوح السياف، كيف انساك ياحزين ده اني سألت عنك طوب الارض ونفسي اشوفك.

نوح: جولي انت فين وانا اچيلك؟
حسن: اني دلوك في المركز بعمل مصلحة وجدامي ساعتين اكده واخلص
نوح: خلاص نتجابلوا عند السكة الحديد زي زمان فاكر ولا الغربة غيرتك ياواد الزيات؟
نوح ضاحكا: لاه ياخوي فاكر...
بعدما تقابلا سويا ظلا يتحدثان عما مضي وما مرا بهما وكيف كانت سنوات الغربة وكم كانت قاسية الا انها اتت ثمارها بعدما استطاع حسن توفير مبلغا ماديا لا بأس به سيبدأ به شركة متواضعة.

تحدث اليه نوح قائلا: اني ممكن اشاركك بمبلغ ده لو انت محتاج شريك
حسن بسعادة: بتتكلم چد، ياريت اني بصراحة كنت بدور عليك لاچل افاتحك في الحكاية ديه بس زمايلنا جالولي انك دلوك ما شاء الله مليونير وشركتك اسمها مسمع في السوج كله
نوح: المال والشركات ملك لعمي سلمان الله يرحمه ومرته، اني كنت بديرهم مش اكتر
حسن: حلو جوي انت اخوي ومش هلاجي احسن منك يشاركني وبأذن الله ربنا هيكرمنا...

أفاق مصطفي في الصباح متفائلا باقتراب موعد زفافه وبدأه لحياة جديدة..
امسك هاتفه ينوي الاتصال بهيام الا انه اراد تصفح الاخبار اولا ليجد ان ميادة تتصدر صفحات الفيس بوك وقصة حياتها منذ ليلة هروبها معروضه ومقترنة بالصور
وكل ما جاء بخاطره ان هيام خذلته وأفشت اسرار عائلته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة