قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الثالث عشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الثالث عشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل الثالث عشر

وقد يبدو الثبات سهلا لكنه كالمشي على حد السيف مؤلما حد الموت مرهقا للغاية الا أن نهايته تستحق لذا ينبغي المحاولة وتكرارها مرة وأخرى الى أن نعتاد المشي فوق ذاك النصل دون خوف...
تملل سلمان في جلسته وشعر بالضيق من كثرة المذاكرة والضغط الذي يستشعره مع اقتراب امتحاناته حدثته نفسه انه لا بأس ببعض الترفيه؛ لم لا يهم بالخروج ولقاء اصدقائه، نهر نفسه فهو قد عزم التوبة والرجوع عن ذلك الطريق وتلك الصحبة..

وضع رأسه بين كفيه وبعد قليل أتاه اتصال من باسم وكأنه يدعوه الى العودة الى ذاك النفق المظلم، تردد سلمان بين الاجابة والرفض بين الثبات وبين العودة..

تنهد بضيق فأصعب انواع الصراعات هي صراع المرء ونفسه ولأنها نفسك فهي الأدرى بك وبميولك ونقاط ضعفك لذا يصعب عليك التغلب عليها، استعاذ بالله من شيطانه فانصرف مسرعا وبقيت نفسه وحدها تراوده وتجمل له واقعا ظاهره يحمل الكثير من المتعة واللهو الذي لا بأس به، أوشك سلمان على الاستماع الى نفسه فقد أرهقه الجدال معها لكنه استمع الى صوت والده يناديه بجدية قائلا:
واد يا سلمان، لساتك صاحي ولا نعسان..؟

سلمان بسعادة وكأنه قد وجد حبلا للنجاة يتمسك به قبل الغرق: لاه صاحي يابوي
فتح سلمان الباب مهرولا الى والده الذي ابتسم اليه قائلا:
اني نازل المركز هشتري حاچة، تاچي معاي
سلمان بترقب: وامي هتجول ايه؟
فهد: واه، واني ممليش عينك اياك!
سلمان برفض: لاه لاه مجصدش اكده، اني بس عامل على المذاكرة
فهد: هم ياواد اني سألت امك الاول وجالت خده يشم هوا وبالمرة اشتريلك هدمتين چداد ولا مرايدش؟

سلمان مسرعا: كيف يعني مرايدش، دجيجة واكون عندك اوعاك تمشي
فهد: ماشي ياواد فهد، واجف مستنيك أها
غادر سلمان كي يستعد وبقي فهد بانتظاره وربما أتي فهد في ذاك الوقت لاحتياجه الى صحبة ولده وربما كان ولده هو من يحتاج ال وجوده والنتيجة واحدة، احتواء وأمان لا يستشعره الولد الا بوجود أبيه...

تأففت ميادة ترغب في انهاء تلك المكالمة فقد أرهقها الجدال مع ذلك الرجل فهو لا ييأس؛ أحد متعهدي الحفلات الكبار؛ ذات صيت شائع وسمعة حسنة لكنه لا يكل ولا يمل من الوصول الى مبتغاه، رأى بميادة وجها فنيا صاعدا وادرك أنها صفقة رابحة له لذا يسعى بجدية الى التعاقد معها لكنها أخبرته أنها ستتوقف عن العمل حاليا؛ ربما تود البقاء بجانب نوح ومؤازرته وربما تخشى العودة الى الفن وهؤلاء الذين يتفننون في العبث بحياة صاحبي الشهرة؛ تخشى ان يحدث ما يفسد حياتها مع نوح، ربما غيرته وقوة شخصيته سببا لن تنكره وربما ما حدث قبل سفرها وتلك الاخبار التي نشرت حول حياتها سببا آخر.

لقد صدمت ميادة من سرعة انتشار الخبر أنذاك فهي تعلم يقينا ان الشهرة والفن طريقهما ممهد بالمخاطر والشبهات الا أنها لم تهتم فيما مضى كما تهتم الآن، هي بالفعل ابتعدت فترة ليست بهينة عن الصعيد وعاداته لكنها عادت وبداخلها خوفا من تلك العادات..
ترى هل تعتزل وتبعد ام تنتظر لتتضح معالم حياتها مع نوح فهي مازالت تخشى القادم وكأن الماضي قد تركهم وغادر لكنه ترك الخوف مصاحبا لهم الى الأبد.

مرت عدة أيام استطاعت خلالها احتواء ضعفه بجدارة فتحول ضعفه الى قوة واصرار على الاستمرار ومتابعة حياته، نعم لم يقل الألم ولن يختفي لكنه سيتعايش معه ويتقبل ما بحياته من نعم وأهمها وجودها جواره هي ورحيم؛ جزء باقي لديه من شقيقه، ربما كان نسخة مصغرة من حماد قبل أن تفسده الأيام والنفوس وينبغي عليه ان يحيطه بحبه وعنايته...

لم يعد يغفو نوح سوى بين يديها وكأنه يستمد من حضنها الدافئ عالما خاليا من الأحلام بحلوها ومرها وتبقي هي حلمه الأوحد الذي يشعره بالاكتفاء..
نظر اليها باشتياق فهو لم يقربها منذ وفاة شقيقه وعودتهما من الخارج..

اقترب منها بحذر خشية أن يوقظها فقد أرهقها رحيم الى أن استطاعت التغلب عليه وجعله ينام؛ ابتسم بحب بعدما طمأنه الطبيب بشأن الصغير فرغم أن ولادته مبكرا عن مولده جعلت الاطباء يخشون عليه كثيرا الا أن ارادت الله كتبت الله النجاة وها هو ينمو ويكبر رويدا روايدا أمام عينيه وبين يدي ميادة
احتضنها بقوة ولم يعد يفصلهما سوى دقات قلبه التي تود ايقاظها الأن واستجابت هي فقد اشتاقت اليه كذلك..

تحدثت اليه بخفوت وتساؤل قائلة:
انت كويس يا نوح؟
ابتسم نوح بعشق فتلك البحة المميزة بصوتها وطريقة نطقها لأسمه تختلف؛ وربما هو من يتوهم ذلك فعندما نعشق نرى كل ما يفعله من نعشق مميزا
اقترب من شفتيها وغابا معا في عالم غابا عنها مطولا وعادا اليه بلهفة ورغبة في اقصاء مخاوفهما من القادم...

استمعت هيام الى مصطفي باهتمام بينما يقول:
ان شاء الله السفر هيكون خلال شهر ونص انا جهزت كل حاجة بس لو مش حابة نسافر مع سهيلة ويزيد عادي قوليلي ده حقك
هيام بتساؤل: مش هحب نسافر معاهم ليه؟
مصطفي: عادي اغلب البنات بيبقوا محتاجين يحسوا باستقلال في بداية جوازهم ومش معني اني حابب وجودهم أفرضه عليكي
هيام: مع ان كلامك مظبوط وفي بنات كتير كده؛ بس انت قولت حابب وجودهم.

مصطفي: اه طبعا، سهيلة مش بس اختي ولا يزيد ابن خالي، دول اهلي واصدقاء طفولتي...
هيام مبتسمة: بص يا مصطفى، لما تحب انسان مش لازم تخنقه وتجبره يغير ملامح شخصيته ويعيش لابس توب غير توبه، لما تحب انسان هتحب حبايبه لأنه في وجودهم بيبقي سعيد بيبقي روحه مكتملة، مش هقولك اني مثالية، اخفضت بصرها قائلة بحرج:.

انا بحبك ومتفهمة لارتباطك بأهلك وهما يشجعوا اني ابقي منكم واندمج معاكم، ناس بسيطة رغم انهم مش قليلين وبيحبوني وبيتعاملوا معايا باحترام وانا مستحيل أمنعك عنهم او احاول اغيرك...

ابتسم مصطفى ابتسامة حزن وانكسار فقد استطاعت السابقة لهيام ابعاده عن سهيلة ويزيد ومحيطه الذي تربى بداخله عملت على تغييره كليا وكأنها تصنع منه نسخة تنال رضاها واعماه حبه لها عن رؤية ما تسعى اليه وربما لم يهتم فما كان يشغله وقتها هي فقط...
نظر الى هيام واقترب منها مقبلا اياها بغته..
شهقت هيام بخجل من فعلته لكنه لم يبتعد بل احتضنها وهمس اليها قائلا.

أسف يا هيام، انتي أجمل من ان عقلي يستوعب أو يصدق انك بقيتي ملكي ومن نصيبي، أسف على غلطي في حقك
تحدثت بصوت مهزوز: خلاص يا مصطفي اللي فات انتهى وبلاش تعتذر تاني...
مصطفي بصدق: بحبك، انا بحبك اوي...

لكمة قوية تلقاها باسم من احد الرجال المحيطين به والذين تربصوا به إلى أن انتهي به المطاف في طريق معزول عن المارة فتكاثروا عليه وانهالوا عليه بالضرب الذي لن يؤدي الى وفاته بل سيتسبب له في الالام قوية كنوع من التأديب والتحذير
دفعه احد الرجال بعنف ليوقعه أرضا هامسا بتحذير
الريس برهان هيجولك جدامك شهرين وترچعله الفلوس اللي عليك يا واكل ناسك، المرة ديه أدبناك المرة الچاية هنچيب خبرك.

تركوه وحيدا يتأوه لكنه لم يعتبر بل اعتبر أن ما أصابه خطأ اشترك به سلمان فهو قد وضع في اعتباره من قبل ان سلمان سوف يعطيه تلك الأموال فهو لديه الكثير لم لا يعطيه، لم يكتب عليه الفقر بينما ينعم اخرون بالثروة والجاه..
لن يتراجع اما أن يختطف سلمان الى عالمه ويجعله صورة منه أو يرفعه سلمان الى عالمه ويحظى ببعض من أموال عائلة السياف.

تحامل على نفسه وحاول الوقوف على قدميه متمتما ببعض الكلمات الغير مفهومة يسب ويتوعد لسلمان قائلا:
كل دية من تحت راسك ياواد السياف، هتشوف اني هعمل ايه يا اما هاخد منك الفلوس لاما هاخد روحك.

مسدت رباب فوق رأس والدتها بحنو وحزن من هيأتها التي لم تعتادها من قبل، امراة كسيرة؛ الصمت يحيطها والقهر يعلو هيأتها، صدمتها جعلتها تكبر بالعمر فجأة وكأنها قد تخطت الزمن وولجت في وقت مختلف، ليست تلك شهيرة المراة القاسية المعتدة بنفسها وهيأتها. حتى بعدما أصابها العجز ولم تعد تحملها قدماها لم تفقد كبريائها ولم يخفت جمالها هكذا...
لقد انتشر الشيب برأسها فجأة وكأنه استطاع اقتحام قلاعها وغزوها بشراسة.

دموعها لا تجف وان جفت تغفو قليلا:
فتطاردها أشباح الماضي الذي لوثته يداها
تنادي بأسم ولدها كلما استطاعت ولا تنطق سوا بكلمة واحدة:
سلف ودين يا شهيرة؛ سلف ودين
بكت رباب فرق قلب شهيرة من أجل طفلتها وخرجت من قوقعتها الصامته قائلة:
متبكيش يابتي وادعيلي ربنا يصبر جلبي وياخدني عن جريب
رباب بحزن: لاه يامه حرام عليكي اكده، استغفري ربنا، الشر برة وبعيد.

شهيرة: الموت مهواش شر، الشر اننا منعملش حسابه وننساه، واني نسيته يابتي لحد ما زارني وخطف أول فرحتي، ربنا رايد يحرج جلبي كيه نوارة ما اتحرج جلبها من سنين
رباب: بزيداكي يامه، كله مجدر ومكتوب
شهيرة باكية: كله مجدر ومكتوب، والظلم أخرته واعرة جوي يا رباب..
ارحمني يارب وصبرني، نار في جلبي يا ناس نار مهيحسش بيه غير اللي مچربها.

لاحظت رباب انهيار والدتها فاحتضنتها بقوة وظلت شهيرة تبكي عليها تهدأ وتهدأ نيران قلبها ولكن دون فائدة فالندم نيرانه لا تخمد بل تحرق دون هوادة ولا تخمد الا بعدما تقضي على مصدرها فتنتهي
تخضبت وجنتاها بلون يشبه روعة لحظاتهما سويا فكل ما يحيط بهما يبدو جميلا، تود أن تبقي بين أضلعه ولا تبتعد فهو يشبه فصول العام الأربعة بكل ما فيها من جمال.

لقد كان ابتعادها عنه خريفا قاسيا وانتهى ذاك الخريف بعودتهما سويا ليأتي ربيعا تتمنى الا ينتهي وعندما يغضب تستشعر حر الصيف القاسي الذي ينمو ويزداد بين احضان الصعيد...
تجاهله له يجعلها تتجمد من برودة قلبها الذي عانى سنوات من جبال ثلجية احاطتها بالخارج...
عبث هو بخصلات شعرها قائلا:
وبعدهالك يا بت خالي نايمة في حضني وهتفكري في مين..؟ اني غيرتي واعرة جوي
ابتسمت ميادة لتسأله بترقب:.

انت حبيت مين يا نوح اكتر، ميادة ولا جودي؟
نظر اليها مدهوشا من سؤالها، لكنه تحدث بتلقائية قائلا، : وهو في فرق بينهم؟
ميادة بهدوء: أكيد فيه، يعني صعب تكون حبيت ميادة البنت الصغيرة اللي هربت من هنا وهي عمرها 13 سنة، بس احتمال تكون جودي بشكلها وشخصيتها لفتت نظرك
نوح: تجصدي ان حبيت شكل چودي وانوثتها!؟
ميادة بخجل: ممكن، بس مجرد فضول، حابة اعرف؟

نوح: لما هربتي يا ميادة جلبي وچعني جوي، خوف عليكي وخوف من الناس والدنيا، خوف على بت خالي ميادة الطفلة اللي عاشت معايا في نفس الدار..
ميادة مرتي اللي رغم سنها الصغير بس طول عمرها هتناكف في الكل، شعنونة حبتين بس ذكية وروحها حلوة
ميادة بغيظ: لا والله، بقى انا كنت شعنونة؟!
نوح مقهقا: لاه، كنتي ولساتك ياجلبي
امسكت ميادة الوسادة المجاورة لها ولكمتها بها
تأوه نوح بادعاء فاقتربت منه لكنه قرص وجنتيها قائلا:.

هتضربي چوزك حبيبك ياست ديدا؟!
اطمني انا طول حياتي مفيش ست جدرت توجعني لا بچمالها ولا بشخصيتها، مفيش غير روح سرجت نص جلبي وهي صغيرة ولما اتجابلنا بعد فراج خطفت مني جلبي كله...
وقبل أن يتسابقا مرة ثانية الى عالمهما توالت دقات فوق باب غرفتهما تدعوه إلى رؤية بعض الزوار الذين قد أتوا لرؤيته
نوح بهدوء: ضيوف مين دلوك يام سعيد؟
ام سعيد: هيجولوا نسايب سي حماد الله يرحمه.

ازدادت دقات قلبه بتوتر اقتربت منه ميادة تبثه بعض الثقة قائلة:
غير هدومك وانزلهم ياحبيبي، اكيد جايين يعزوا ويطمنوا على رحيم
بعد ان تناول الضيوف الطعام وتم الترحيب بهم كما ينبغي صعدت النسوة إلى غرفة شهيرة لتقديم واجب العزاء وبقى الرجال بصحبة نوح وفهد الذي اتى بعد قليل
استمع نوح الى حديثهم بهدوء بينما استنكر فهد قولهم قائلا:
كلام ايه اللي هتجوله ده ياواد عمي..

رحيم في وسط اهله وناسه، دار ابوه وچدوده وميهطلعش من اهنه واصل
الرجل: الجانون هيجول ان سته ام امه أولى بيه، الست جلبها موچوع على فراج بتها وحفيدتها، بعدين الست ام حماد بعافية، أها
نوح: اسمع يا حاچ، رحيم بجى ولدي عوض ربنا عن اخوي الله يرحمه ومفيش مخلوج هياخده مهما كان، وجدته وجت ما تحب تشوفه تاچي على روسنا من فوج...
الرجل: يبجى خالته تجعد چاره وتربيه ومفيش ست هتبجى احن عليه منيها..

فهد بتعجب: يعني ايه؟!
الرجل: الباشمهندس يتچوز حياة أخت الست أم رحيم وتجعد تربي ابن اختها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة