قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع

تزين البسمة بعض الوجوه ولا تفارق محياهم كما هي تلك الدموع التي تتدفق دون انقطاع داخل قلوبهم الممزقة، فلا تنخدع بتلك الوجوه الباسمة فهي تدعي سعادة لم تدق أبوابهم من قبل لكنهم يحاولون الاستمرار ليس الا..

ظل نوح حائرا لقد صدمته شهيرة بطلبها في الذهاب إلى حماد والعيش معه، نعم أحس بالارتياح لطلبها فهو لن يقوى على البقاء بجانبها بعدما دمرت حياته لكنه لن يستطيع ان يتخلى عنها بعدما تخلى عنها الجميع، لن يفعل فبعض الرجال خلقوا لتحمل اعباء المحيطين بهم، ربما كان مخطئا وربما كان خطؤه لا يقبل الصواب فعندما يتعلق الأمر بأبويك تفقد المنطق ويتحكم بتصرفاتك غريزة تدعوك الى البر حتى وان لم تجده منهما...

توجه إلى والدته مرة ثانية فوجدها على حالها اقترب منها قائلا:
حجك علي يامه، متزعليش يام حماد
شهيرة: مزعلناش يا نوح، اني هروح اعيش عند اخوك يمكن يتحملني اليومين اللي باجيين
نوح بأدب: ربنا يطول بعمرك، يعني حماد ولدك واني لاه، اني بس تعبان حبتين وراسي وچعاني من الشغل..
شهيرة: سلامة راسك يابني، كله منها بنت نوارة
نوح مبتسما على ذكر اسمها:.

بزيداكي يامه، ميادة بنت سلمان السياف جبل ما تكون بنت نوارة، ومرتي عاد..
شهيرة بمهادنة: اللي يريحك اعمله يانوح انت طول عمرك مهتسمعش كلام حد
اغمض عينيه متذكرا كلمات خاله سلمان من قبل عندما تحدث اليه هو وحماد طالبا منهما الاحسان الى شهيرة دون الانسياق وراء أفكارها وكأنه كان يرى أمامه ما سيحدث ولحسن حظ نوح أنه استجاب لنصيحته لكن حماد لم يفعل فانتهت حياته في مقتبلها...
نظر اليها قائلا:.

ايه رأيك نتعشوا سوا جبل ما ارچع اسكندرية؟
ابتسمت شهيرة موافقة بترحاب فهي تعلم أن نوح ورغم عناده قد ورث من خاله سلمان الكثير وأهم ما أخذه عنه نقاء نفسه...
واقتنع نوح أن بعض الأمراض لا شفاء منها مهما اجتهدنا للوصول الى علاج يداويها
وخاصة سواد القلوب وغياب العقل لا أمل في شفائهما الا بمعجزة والمعجزات لسنا قادرين على صنعها بل نطلبها من المولى فيهدينا اياه متى يشاء..

سوف يرضي أمه لكنه لن يكسر قلبه بعد الأن سوف يراضيه بعدما اساء اليه كثيرا خاصة وقد وجد علاجه واتت اليه معجزته التي ظن أنها لن تأتي مطلقا
مرت ثلاثة أشهر أخرى سريعة بساعاتها وأيامها بطيئة كحجر وضع وسط أمواج البحر فلم تقذفه الى أعلي بل اختار أن يرسو في قاع البحر المظلم.

كان نوح يستشعر طاقة للعمل فتلك المرة يسعى لتحقيق ذاته لن ينسب جهده الى أموال سلمان التي طالما اعتبرها لعنة أصابتهم جميعا رغم أنها أموالا مصدرها حلال الا أن الظلم الذي أحاط بنوارة وبنتيها لوث تلك الأموال..
علمت رباب أنها ستحظى برفقة جديدة، ربما توطد علاقتها اكثر بجاد ربما يأتي ذلك الطفل بحياة جديدة يمحو بياض قلبه سوادا اهلكهم لسنوات..
نعم ورغم خوفها من الاتيان بطفل وهي في مقتبل العمر الا أنها تحتاجه.

لم ترغب الأن بأخبار أحد سوى نوح ربما ان علم بحملها سامحها، ربنا عاد اليها شقيقها وأبيها الروحي
استأذنت من جاد وهرولت إلى بيت العائلة، بحثت عن شقيقها وجدته جالسا يرتشف بعض الشاي وأمامه الكثير من الأوراق التي يعمل عليها
تحدثت اليه بحذر مناديه باسمه فأدعى الانشغال
لتبتسم على تصرفاته التي تحفظها عن ظهر قلب
تشجعت قليلا وتحدثت بخفوت:.

سامحني بجى يانوح..؟ يعني رايد نوح الصغير ياچي وانت مخاصمني؛ رفع بصره اليه ينتظر ان يتأكد مما تقول فرق قلبه لدمعها المنهمر لكنه أثر الصمت
اقتربت منه دون خوف والقت بنفسها بين يديه تندس بين أحضانه فلم يطاوعه قلبه على الرفض ليضمها اليه بحب تخلل بعض الالم وخيبة الألم ولكن عليه أن يسامح ويلقى بما فات بأكمله وراء ظهره ويبدأ من جديد
سألها بترقب:
انتي حامل يا رباب؟
أومأت اليه بخجل فتحدث بلين:.

مبروك يا حبيبتي؛ رحتي للدكتور ولا لاه
رباب: لاه، اني لسه مجولتش لچاد، حبيت اجولك الاول
ورزقنا الله جميعنا ميزة الكلام ولكن القليل منا من يصدق القول...

جلس ذاك الشاب الوسيم أمامها يخبرها عن مشاعره التي زارته ولم تغادر قلبه منذ أن رأها بالحفل وظلت هي تنظر اليه ولا تستشعر الصدق بحديثه ولا تدري هل نوح السبب بما تمر به الأن؛ هل كونها زوجته يجعلها تضع سدودا بين قلبها وبين الأخرين أم أن عشقه صادق إلى الحد الذي يجعل نفاذ غيره من الرجال الى حنايا قلبها مستحيلا
لم انتظرته تلك السنوات الماضية رغم أنها كانت تنتوي الانتقام؛ وهل الانتقام جائز.

ممن لم يعشق القلب سواه
نظرت الى ذاك الرجل وتحدثت بثقة قائلة:
أنا سيدة متزوجة وعاشقة لزوجي
الرجل: حقا! ولكني جمعت حولك معلومات كافية ولم اعلم انك متزوجة!
ميادة: وهل ينبغي علي أن اقدم تقريرا للأخرين فيما يخص حياتي الشخصية
الرجل بتحذير: أنا لم أقصد ذلك، كما أن اعجابي ومشاعري تستحق منك مزيدا من الاهتمام
نظرت اليه ميادة بتعجب امتزج ببعض الخوف من نظراته الثاقبة..

تنفست بعمق راغبة في الابتعاد عن الجميع والعودة الى أحضان وطنا حرمت منها مرارا لكنها لم تيأس من استقرار تهفو اليه الروح ولا يتحقق الا بأرضه هو...
توجهت ميادة إلى بيتها بقلب مثقل بأفكار متضاربة فقد زاد الحمل وفاض التعب، منذ سنوات تحملت تلك الالام القاسية التي تهاجمها لكنها لم تعد قادرة الأن..
تعلم أنها لا ينبغي أن تستسلم لكنها مرغمة...

هرولت سهيلة باتجاهها بعدما لاحظت شحوب وجهها البادي وصرخت في هلع باسمها لتفقد ميادة الوعي للمرة التي لا تعلم عددها ولكن تلك المرة كانت الأشد والأقوى
صرخت سهيلة بخوف بعدما احتضنت ميادة قائلة:
الحقني يا يزيد، الحق ميادة
أتى يزيد محاولا جذبها اليه لكن سهيلة تمسكت بها رافضة التخلي عنها قائلة:
اتصل بالدكتور بسرعة البنت جسمها بارد زي التلج، ياحبيبة ماما حصلك ايه تاني، يارب، يارب احفظها علشان خاطري.

كيف يمسي حب بلغ عنان السماء كرها لا نهاية له؟ ترى هل تتقلب القلوب أم تنقلب ضد ساكنيها بعدما تغدو غير قادرة على تحمل المزيد من قسوتهم القاتلة!
نظر مصطفي ال تلك الرسالة اكثر من مرة، انهمرت دموعه الحبيسة منذ سنوات فيبدو أنه قد آن الأوان لإطلاق صراحها..
نظر مرة أخرى الى صورة الضحية.

انها شهد، من تملكت الفؤاد واهلكته، من جعلت من مصطفي رجلا تائها، لقد تركته وتركت له احساسا مريرا بالنقص لم يمحه سوى هيام..
نظر مرارا إلى محتوى الخبر المرفق بتلك الصور وفيه أن شهد قتلها زوجها بعدما تشاجرا سويا عندما علمت بأمر خيانته لها؛ وانتهي بهما المطاف بعدما دفعها بقسوة لتسقط من أعلى درجات السلم.

ذاك السلم الذي يشبه كثيرا سلم الخيانة الذي ارتقته قبل سنوات تاركة خلفها رجلا تنزف كرامته دما ويحترق قلبه بنيران الغدر
لقد كانت القتيلة زوجته الأولى عشقه الأول والتي اذاقته مرارة خيانة لم يكن ليتخيلها عقله في يوم ما، ها هي أمامها جسد بلا روح..
صارت ضحية تتحدث عنها وسائل التواصل وتملأ صورها صفحات الحوادث.

لكنه لا يأبه لها؛ لا تعتريه أية مشاعر، بل يطارده شعور بارتياح ربما لأنها كانت السابقة فيما مضى وقتلته كما قتلت هي الأن..

لقد عشق روحها من قبل وبعدما غادرت تلك الروح لا يشعر الأن تجاه الجسد الملقى أمامه بشئ؛بل ما يؤلمه أن هناك شعورا أخر يتسلل اليه رغما عنه، احساس بالشماته والانتصار، احساس قاتل أن تسعد بموت أحدهم، ولكن هل يكون العذر مقبولا ان كان ذاك القتيل قد قتل احدهم من قبل بأبشع الطرق، هل مصطفى لديه العذر الا يحزن لموتها، أم أنها قد قتلت بداخله كافة المشاعر بما فيها الرحمة...

حاول استرجاع بعض اللحظات الجميلة بينهما لكنه لم يأتي بمخيلته سوى تلك الليلة التي عاد بها من سفره مشتاقا لأحضانها ممسكا بين يديه بعض الورود البيضاء التي كانت تعشقها شهد، خطى بخفة ناحية غرفة نومها..
فتح باب الغرفة فوجد شهد بأحضان عشيقها، وقعت من بين يديه تلك الورود لتتلوث بعدما دهسها بحذائه ومنذ تلك اللحظة تدمرت بداخله الكثير من الاشياء وتمزق قلبه..
ألقى مصطفي الهاتف بقسوة محطما اياه
وصرخ بقهر قائلا:.

ليه، ليه تعملي كده..؟!
مش قادر حتى اقول ربنا يرحمك، حرام عليكي تجبريني ابقى شخص عمري ما اتخيلت أبقي شبهه في يوم، منك لله
مش هقدر أسامحك مهما حصل
فتحت عيناها ببطئ وودت لو لم تفق وتعاود رحلتها المؤلمة بين طرقات الحياة التي لم تعد تدري اتجاهها الصحيح
فهي كلما حاولت السير في اتجاه اتضح انه معاكسا لما تريد.

تود أن ترسو سفينتها فتعلم هل هي ميادة الفتاة البسيطة ابنة الصعيد، نصف الثمرة التي نشأت بين قلبين تعلقا ببعضهما وتزوجا فأنجباها هي وحليمة
ام أنها ابنة سهيلة ويزيد القاضي الفتاة القوية المثقفة ذات الشأن والصيت الذائع، المرأة التي يتهافت على رؤيتها وطلب ودها اعتى الرجال لكنها معلقة بين سماء ملبدة بغيوم الخوف وأرض ترابها ملوث بدماء الغدر
هل ستحيا ولو لحظات دون خوف.

استمعت الى صوته يهمس باسمها فبكت بقوة معتقدة أنها تتوهم لكنها اقترب منها برائحته التي تأثر حنايا القلب وتغيبها عن الواقع لتنظر اليه وتغمض عيناها لتفتحها ثانية وهي على يقين ان نوح من المحال أن يأتي اليها
لم يهتم لنظراتها الحائرة بل اقترب منها يطمأن قلبه الذي هلك بعدما غابت عن الوعي تلك المدة وكأنها تعاقبه على بعاده
اقترب منها فنظرت اليه بغضب طفلة تركها والدها وحيدة فأعلنت العصيان عليه قائلة:.

ايه اللي جابك، لسه فاكر؟
نوح: بحبك
ميادة كداب، انت كداااب، بقالك شهور مفكرتش حتى تتصل عليا تطمني بكلمة، تقولي مش هتخلى عنك، سبتني لوحدي
نوح بحب: أسف، كنت مفكر اني هجدر اغير من نفسي وظروفي واچيلك افاچئك، بس أول ما عرفت انك تعبتى رميت كل حاچة ورا ضهري وهملت الدنيا كلياتها وچيتلك
ميادة: برده مش هسامحك.

جلس جوارها وجذب جسدها اليه محتضنا اياها بقوة ساحقة وكأنه يتأكد من عودتها اليه ليتنهد بارتياح وبعد قليل أبعد رأسها عن صدره ناظرا الى عينيها بسعادة...
قبلها بقدر اشتياقه واحتياجه وعشقه لها فكانت قبلته هي اجابة لكل سؤال جال بخاطرها
وأخبرها من بين قبلاته الشافية لقلوب أدماها أخرون لسنوات أن حياتهما ستبدأ رغما عن الجميع ورغما عن عنادها فاستسلمت قائلة:
أوعى تبعد عني تاني يا نوح، أنا هموت من غيرك..

وبينما كان يعاتبها بقبلاته أخبرها أنه لن يكون للفراق مكانا بعد اليوم، قضى بجانبها يومان أخران، لم يتركها مطلقا وما كانت لتسمح هي..
استطاعت بوجوده أن تستعيد رونقها ورغبتها في الحياة واعطته هي سعادة لم يكن يعلم أن لها وجود
غادرت المشفى ولم تشأ ان تترك يده فقد صارت تخشى أن تترك يده فيبتعد
أقام نوح معها بالبيت بعد الحاح من يزيد وصمت من سهيلة فهي حائرة خائفة ان يعود نوح الى مصر وتنهار ميادة ثانية.

انتهز يزيد فرصة نوم ميادة ومكوث سهيلة بجانبها فطلب التحدث إلى نوح قائلا:
ناوي تعمل ايه يا باشمهندس؟
نوح: هعمل ايه في ايه بالظبط؟
يزيد: يعني هتسافر وتسيب ديدا تاني؟
نوح: مستحيل
يزيد: والحل للمشكلة دي ايه..؟
احنا جربنا انها تنزل مصر وانت شفت النتيجة وانا عارف انك صعب تعيش هنا
ظل نوح صامتا فما يقوله يزيد حقيقة..
انتظر يزيد منه اجابة وعندما طال الصمت اقترح هو حلا مؤقتا قائلا:.

انا شايف انكم تتموا جوازكم هنا اعتبروا انكم مسافرين تقضوا شهر العسل وبعدين سافر انت ظبط امورك وهي هتفضل معانا لحد ما ربنا ييسر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة