قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل العاشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل العاشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل العاشر

لم يصدق نوح ما عرضه عليه يزيد بل نظر اليه مبتسما بسعادة جعلت يزيد يقهقه من ردة فعله، احس نوح بالحرج قليلا فتحدث اليه يزيد قائلا:
يمكن انا مش والد ديدا الحقيقي بس هي فعلا بنتي، قدرت بوجودها تعوضني انا وسهيلة احساس ومشاعر اتحرمنا منها ولو انا مش متأكد من حبك ليها وحبها ليك مستحيل كنت هطلب منك تتمموا جوازكم وخاصة ان الظروف مش سهلة..

انا حاسس بيك جدا يانوح وعارف يعني تبقي محروم من انسان روحك متعلقة بيه، بس قبل ما ترد عليا وتوافق او ترفض ياريت توعدني ان تحافظ عليها.

نوح بحزن: حضرتك خابر ان ميادة مرتي من زمان جوي مش دلوك وخابر اني لو رايد اتمم چوازي منيها جبل اكده مكنش حد هيجدر يمنعني بس چيت على نفسي لما حسيت ان وچودها چنب مني هيأذيها هملتها تسافر وتبعد بس دلوك لاه اني تعبت ومبجاش جلبي يتحمل بعاد تاني والحل اللي جولتلي عليه مناسب عالجليل دلوك.

يزيد: تمام انا شايف ان ميادة مش هترفض بس الأصول نكلم والدتها واخوها الكبير الأول ولو وافقوا نجهز اللازم ونفرح بيكم هنا...
نوح بتوتر: يعني ايه، ولو چاد وخالة نوارة موافجوش..؟ ايه الحل؟
يزيد: هنشوف يانوح بس اعتقد انهم مش هيرفضوا حتى لو في اعتراض فمصلحة ميادة هتبقى أولوية بالنسبة ليهم
نوح: اتمني، وعالعموم انا هنتظر ردهم وبعد اكده هكلم امي وخالي فهد هو التاني ويبجى عنديهم خبر.

ولا تشكو ظلاما يحيطك بيديه من كل اتجاه وانت جالس مكانك مستسلم له؛ فلا يغادر هو مكانا استوطنه إلى بعدما تأتيه أشعة الشمس الصارمة تدعوه بثبات إلى الخروج فيهرول خارجا ويترك لها المكان بأكمله تملؤه بنورها الدافئ وأشعتها الحانية
تنهد بتعب وكم تكون التنهيدة قاسية اذا أتت من قلب كسير يهاب المضي قدما خوفا من الفشل ويود الحياة بسلام لكنه لا يستطيع...

نظر الى المكان من حوله برفض فهو لن يستسلم لن يضيع الباقي من عمره هباء من اجل امرأة خائنة لا تستحق وها هي قد ذهبت بلا رجعة الى حيث تجتمع الخصوم وتوفى كل نفس جزاءها العادل وهو مازال على قيد الحياة، حياة رزقه الله بها عوضا عما فات، بداية جديدة وقلب نقي وروح عاشقة عليه استغلال فرصته الاخيرة ويكفي إلى هنا حماقة وبكاء على ما فات..

توجه إلى دورة المياه؛ أخذ حماما باردا واستجمع قوته وثباته، خرج من حمامه وادي صلاته ثم ارتدى ملابسه ونظر إلى نفسه بثقة وخرج ناويا تحقيق غايته مهما حدث والفوز بهيامه التي نالها من ماضيه المعقد بعض الأذى وينبغي عليه تصحيح ذلك
بعد قيادته لسيارته وهلة من الزمن وصل اسفل البناية التي تقطن بها هيام، امسك بين يديه باقة الورود التي انتقاها من اجل تلك الغاضبة منه وتوجه الى مدخل البناية.

فتحت هيام الباب ونظرت الى مصطفي الذي اختفى عن ناظريها عدة ايام كادت تجن من اختفائه الغير مبرر وساورتها العديد من الافكار كانت اهمها انه قد يأس من صدها وله وسافر مبتعدا الى الأبد
ادمعت عيناها عندما قرأت بعينيه تلك النظرات التي تعبر عن أسفه الصامت فأبعدت ناظريها عن خاصته وتحدثت بخفوت قائلة:
بابا مش موجود..
مصطفى بهدوء: يعني امشي؟
هيام: لأ
مصطفى: طيب ايه مش هتاخدي الورد بتاعك؟
هيام: لأ.

مصطفي مبتسما: وبعدين كله لأ كده؛ يعني لو قولتلك بتكرهيني هتقولي لأ برده
رفعت بصرها اليه ولم تعقب فتحدث بإرهاق فشل في اخفائه
شهد طليقتي ماتت يا هيام، جوزها قتلها
شهقت هيام بفزع وكان فزعها ممزوجا بصدمة من هول الخبر وما يحتويه من عنف تكرهه هي وتخشاه وكان بداخلها تساؤل تخشى اجابته، هل مصطفي حزين الى تلك الدرجة من اجل زوجته الأولى، هل غلبه الحنين اليها
لم يتركها مصطفي حائرة كثيرا بل باغتها بقوله:.

انا ارتحت لما هي ماتت يا هيام، تفتكري انا بقيت معدوم المشاعر وقلبي ميت
ابتسمت هيام قليلا وقد هدأت افكارها الهوجاء وحل محلها تعاطف مع ذلك الرجل الواقف امامها والذي مهما فعل لن يتزحزح عشقها له، فبعض البشر يتملكون الفؤاد ولا يغادرونه مطلقا
ابتلعت هيام ريقها بخجل وتحدثت بخفوت قائلة:
اتفضل ادخل بابا بيصلي في المسجد وقرب يوصل.

تلقت نوارة ما قاله يزيد بصدر رحب ظاهريا وقلب داميا داخليا الا أن مشاعر أمومتها طغت، فلا يهم ان كان نوح شقيقا لحماد او ابنا لشهيرة فما يهمها الأن ان طفلتها تهواه وترجوه زوجا، لقد علمت نوارة بحمل رباب وتراقص قلبها فرحا بذاك الخبر، سوف يحظى جاد بطفل من صلبه؛ سوف يخطو طفلا بين أحضان ذلك البيت فيتجدد بداخله شبابا فقده بعد غياب أحبابه وتزهر وروده ربيعا لم يأت منذ سنوات.

ولكن بداخلها كانت تتمني أن تنال ابنتها ميادة سعادة مماثلة، تمنت ان تراها عروسا بحق، وتنعم بتلك المشاعر التي حرمت منها فيما مضي، ودت أن ترى طفلا لميادة هي الأخرى لذا وقبل أن تفكر فيما قاله يزيد اعلنت موافقتها فهي لن تقف في وجه ابنتها ويكفيها ضياع اجمل سنوات العمر بين هروب وهواجس تطاردها
سوف تتناسى نوارة ما فات وستعطي لطفلتها فرصتها في الاستمتاع بحياتها...

وتقبل جاد الأمر هو الأخر بهدوء عكس ما كان متوقع وربما ان طلب اليه يزيد ان يبارك تلك الزيجة قبل علمه بأمر حمل رباب لما وافق ولكن ذاك الخبر جعله ينضج فجأة ويري امورا كانت غائبة من قبل، عليه ان يساعد شقيقته كي تحيا فما بينها وبين نوح صعب ان ينتهي...

اراح نوح جسده فوق الفراش يفكر فيما ينبغي عليه فعله فها هي نوارة قد وافقت وما كان لأحد ان يعترض سواها ولكنها آثرت سعادة ابنتها ولم يبق سوى والدته التي يعلم يقينا أنها لن توافق ولكنه لن يتراجع سوف يخبرها وينهي تلك المسألة، سوف ينعم بزواجه دون خوف من أحد
استعد نوح وتحدث إلى والدته التي قابلت كلماته بصمت دام طويلا لكنها بنهاية المحادثة أخبرته قائلة:.

ربنا يسعدك يا نوح، اتچوز يابني ممنوش فايدة الحديت واني خابرة انك مهترچعش عن اللي في راسك
نوح: خالي فهد چارك ولا لاه؟
علمت شهيرة انه يتهرب من الحديث معها فأجابته باقتضاب، معاك اها
تحدث فهد إلى نوح بجدية قائلا:
مبروك ياواد يانوح، چدع ياواد عزيز
ابتسم نوح وتحدث بهدوء قائلا:
كلم خالة نوارة وجولها ان ميادة صعب تنزل مصر دلوك وعشان اكده هنتچوز اهنه
فهد: ملكش صالح بحد ونوارة من غير كلام فاهمة وخابرة كلامك زين.

خد بالك من نفسك ياولدي ومن بت خالك
نوح: حاضر يا خال..
ورغم كل شئ لا يود نوح الأن سوى احتضانها بين يديه
ولا يود أن يقف أحد بجانبه ليلة زفافه سوى، حماد
ولكن لن تحقق الأمنيات بأكملها في لحظة واحدة فالسعادة دائما تكن ناقصة والسعادة الكاملة ليست بدنيانا بل هي في جنة نسعى جميعا للفوز بها.

وتلك الطائرة الورقية تشبهني كثيرا؛ فهي تعشق سماء الحرية والانطلاق الا أنها تحيا عندما تستشعر تمسك صاحبها به فتزداد قوتها وترفرف عاليا دون خوف من الوقوع فريسة بين انياب الرياح العاتية
كم ازدادت ميادة عشقا لنوح بعد سفره اليها وبقائه بجانبها، تتمني الأن مرور اللحظات الباقية كي تبقي معه بعيدا عن الجميع.

نعم تتمني لو أن نوارة بجانبها الأن ولكن محال ان تعود إلى مصر، لقد كانت ترتعب من المكان ومن شهيرة ورغم ادعائها القوة الا انها كانت تخشاها
هي الآن بأمان بعيدا عنهم ويكفيها نوح ونوارة سوف تتفهم موقفها
أدمعت عيناها حزنا على تلك المرأة التي تعاندها الأيام وتجبرها على الرضوخ وتمنت لو أن الحياة تسير وفق أهواءنا لكانت الأن نوارة بجانبها وسهيلة تحيطها برعايتها ويزيد يشد عضدها بحنانها وأبوته.

طردت عن رأسها اي شئ سيؤرقها الأن واخذت تعبث بسعادة بتلك الملابس التي اشترتها سهيلة فور ان علمت بموعد زفافها والذي لم يبق على اقامته سوى ثلاث ليال، ليال باقية وتصبح له...
امسك يزيد كف سهيلة المرتعش والذي بدا كقطعة ثلج باردة من فرط توترها ونظر اليها بحب قائلا
اهدي شوية يا سهيلة
سهيلة: انا خايفة نكون اتسرعنا، خايفة عليها يا يزيد؟

يزيد: الخوف منفعناش بحاجة خلينا نديها فرصه تعيش يا سهيلة حرام البنت عمرها بيضيع عالفاضي
سهيلة ربنا يسعد ايام عمرها يارب
يزيد مشاكسا: وانا يا ست سهيلة، مش من حقي اقضي يومين عسل انا كمان
سهيلة: انت من حقك فرحة الدنيا كلها، من حقك عمري كله
احتضنها بقوة واحتواء وصارا الى الغرفة التي حجزها يزيد مسبقا بنفس الفندق الذي ستقضي بداخله شهر العسل فهو يعلم ان سهيلة لن تطمأن الا بالقرب منها.

نظر فهد إلى نوارة التي تزداد دموعها قوة مع كل صورة يقوم جاد بعرضها عليها
لقد كان نوح حريصا على ارسال مقاطع فيديو كاملة لحفل الزفاف وتحدثت ميادة اليها مطولا ولكنها تود احتضانها الأن، كم كانت ابنتها فاتنة، ملكة بفستان أبيض شبيهه بملاك كامل الاوصاف
ابتسمت من بين شهقاتها فابتسم فهد ولما لا هو يعشق تلك الابتسامة وتحدثت اليه بمزاح يفتقده قائلة:
الواد نوح كان هياكل بتي بعنيه يافهد، جول لواد اختك يتحشم.

فهد متنهدا: بزيداكي يانوارة حرام عليكي، جال يتحشم جال، الواد فاض بيه، اني لو مطرحه هخطفها واخبيها عن الناس
نوارة بسعادة: اني كل اللي يهمني انها مبسوطة جوي
فهد مؤكدا: وهو كمان مبسوط، ربنا يعوض عليهم
نوارة: وعليك ياأبو چاد
قهقه جاد قائلا: الست نوارة النهاردة بتتكلم بجلب جامد جوي
فهد: بكيفها، ولا تحب انادملك رباب تاخدك بعيد عننا
نوارة بحب: اخوك وين يا چاد؟
جاد: بيذاكر يامه، عنده امتحان جريب.

نوارة: خابرة ياجلبي، بس جوله ياچي يجعد معانا
فهد: اندهله وهات مرتك ياچاد تلاجيها لسه منماتش
جاد: لاه صاحية بتحضر العشا
فهد: لاه اني معاود عمتك لحالها في الدار
نوارة: اتعشي وروح يا ابوچاد
فهد: لاه، اني فرحتي النهاردة مشبعاني جوي، يلا تصبحوا بالخير
غادر فهد وعادت نوارة لتصفح الصور مرات ومرات دون ملل.

حمل نوح ميادة بخفة وكم تمنى ان يحيا معها تلك اللحظات، هي فقط من تاق إلى وصالها، بينما كانت هي تحلق بين سماء صافية خالية من الغيوم..
وما أن دلفا الى الداخل الا ونظرت اليه بخوف وقد تجمعت برأسها فكرة واحدة تعلمها عن الزواج وهي ان نهايته موت
ادرك نوح مغزي نظراتها فجذبها اليه حاولت الابتعاد دون فائدة فأحضانه كانت غير قابلة للكسر بل قوتها جعلت ميادة تتقوي بها على خوفها
تحدث بهدوء قائلة: خايفة مني ياجلبي؟

ميادة بخوف: ارجوك يانوح خليني امشي، انا مش هقدر، انا حاسة روحي بتطلع
رفع وجهها اليه وقبل جبينها بحنو وحب وهمس أمام شفتيها قائلا:
استحالة أفكر في أذيتك يا ميادة، انتي حته مني خابر زين اللي في راسك دلوك بس احنا اتفجنا ننسى الماضي ونبدأ حياتنا لوحدنا، مظبوط؟
ميادة: افهمني يا نوح، انا بخاف من اي حاجة لونها أبيض، بحس ان اللون ده لازم يتلوث لازم يتغرق بالدم، يمكن انا مش طبيعية بس..

وضع يده فوق شفتيها برقة وتحدث بلين محاولا امتصاص خوفها..
اللون الأبيض اتخلج لاچل ما يبين الجلوب يا ميادة العيب مهواش في اللون العيب چوانا احنا في ناس حجدهم بيغير لون الكون وفي ناس بطيبة جلبهم بيرچعوا البياض من تاني، اني جدامك اها عمري كله بين ايدكي، استنيتك سنين ومستعد استنى كمان لحد ما تطمني وتعرفي اني هحبك.

استكانت قليلا وظل هو يشدد من قربه الى ان ذاب الجليد المتراكم فوق الايام وتولت الألام فليس لها مكانا بين قلوب العاشقين وحل سكون يشوبه صوت انفاس ترجو اقترابا لا يتخلله فراق وزاد الهمس وازداد الاشتياق الى الحد الذي جعلها تتحدث بخفوت قائلة:
بحبك
ولم ينتظر نوح بل كان قربه منها مهلكا لسنوات من ماضي ظل يعصف بأقدارهم وان الأوان لان ينالا جزءا من حياتهما المفقودة.

قد يبدو السكون مريحا لبعض النفوس وقد يكون قاتلا للبعض منا فهو أرض خصبة للذكريات بحلوها ومرها يغذيها ويجعلها تنمو وقد اعتاد هو ذاك السكون وصاحبه وترك العنان لذكرياته التي تخلو من الحلو وعاش بين أركان الألم الى أن فاض به ولم يعد يحتمل
انتبه على صوت زوجته تصرخ بقوة ترجوه ان يخرج اليها من تلك الغرفة التي يحيا بداخلها.

اقترب حماد من باب الغرفة وفتح بابها ناظرا اليها بتساؤل فوجد وجهها متعبا باكيا؛ سألها بتوجس قائلا
خبر ايه عاد..؟!
نادية: الحجني يا حماد شكلي هولد دلوك
حماد: وااه تولدي كيف وانتي في السابع؟
نادية صارخة: مخبراش، الحجني وخدني على المستشفي.

تأفف حماد فهو ليس بكامل وعيه ولكن رق قلبه لها فيبدو عليها التعب القوي لذا بحث عن محفظة نقوده ومفاتيح سيارته وحمل طفلته النائمة فلا يوجد احد بالقرب منهم لتركها لديه وتوجه هو واسرته الى مصير مقدر مهما طال الزمن..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة