قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع عشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع عشر

رواية أمواج قاتلة الجزء الثاني للكاتبة نداء علي الفصل التاسع عشر

ولا يحتل اليأس سوى قلوب الضعفاء وهم كثر والقليل منا من يمتلك بداخله يقينا يعجز الكون عن فهمه وادراكه، ذاك اليقين الذي جعل أم تلقي برضيعها في بحر أمواجه لا ترحم والموت بين براثنه محقق، ولكن يقينها بأن هناك خالق سيجعل من أحضان اليم أمانا وسكنا ساق الى طفلها عدوه الأكبر ينقذه بترحاب..

أخذ فرعون موسى ولا يدري ان ما يفعله ماهو هو الا دعوة قالتها أم موسي في وقت يأس أوشك أن يصيبها فرفعت ناظريها إلى السماء بيقين قادر على تغيير القدر فتبدلت الاحوال
كانت نوارة تحتضن جسدها بيديها تبكي بقهر من نهاية لم تتوقعها ولا تتمناها لفهد..
تبكي بخوف من فقد جديد ووجع لن تتحمله...
تدعو بيقين أن من خلقها سيحميها ويحمي ولدها ووالده.

يقينا جعلها تواصل حياتها سنوات رغم ما قاسته من قبل، لم تيأس من عودة ابنتها رغم ان رجوعها كان محالا ولكن المحال لا يقف بوجه دعوة من قلب نقي أمواجه تغدو وتروح بين شاطئين أحدهما يقينا والاخر ثبات لا يهتز، يقينا لا يزعزعه ابتلاء ولا يقسمه موج ولا يحيطه ظلام بل هو كالشمس نوره يضئ الكون وأشعته حارقه للقنوط...

بالقرب كان جاد ونوح وقوات الشرطة على بعد خطوات قليلة من الوصول اليهم، لقد كان فهد حريصا على ابلاغ جاد بما يحدث معه، لم يستطع انتظار الشرطة واسرع الى نجدة ابنه لكنه كان يتوقع الغدر من بسام لذا وضع هاتفا اخر وخبأه بعيدا حتى يتسنى لجاد اللحاق به وتحديد موقعه...
هرول جاد ونوح في عقبه بعدما شاهدا ألسنة اللهب تلوح في الأفق والدخان المتصاعد يعلو بالسماء..

وللنيران رهبة وقسوة وغضب لا يتحملها أحد مهما بلغت قوته فهي عدو شرس أمواجه تزهق الروح بقسوة لا يضاهيها شيئا أخر بالكون..
ترجلا سويا من السيارة في لهفة وتخوف وارتعاب بعدما شاهدا سلمان ملقي أرضا ولا أحد جواره..
جثي جاد ورافعا رأس أخيه فوق قدميه باكيا بضعف قائلا:
سلمان، واد يا سلمان مهتردش ليه جوم ياحبيبي..
بينما صعد نوح دون تردد درجات السلم ليصعق بعدما وجد نوارة منهارة أمام الشقة..
اقترب منها قائلا:.

خالي وين يا خاله نوارة، أبوي فهد وين
نظراتها باتجاه الباب المشتعل أكدت مخاوفه...
لحظات لا تعد جعلت نوح يخلع عنه سترته ويقتحم المكان دون خوف فلا مجال له الأن
صرخت نوارة بفزع بعدما أدركت ان نوح قد يصيبه مكروه هو الأخر ليتوافد عقب استغاثتها رجال الشرطة محاولين اللحاق بنوح..
بالداخل كان نوح يبحث بعينيه عن خاله، والده الحقيقي الذي نشأ في كنفه حتى وان لم يعترف مسبقا بذلك ولكن فهد بالفعل هو الأقرب اليه..

لا يتمنى مطلقا ان يراه هكذا..
أحس نوح بالاختناق وكاد أن يبتعد لكن شهامته لم تتح له مجالا للتراجع اما أن يأتي بخاله أو يبقي معه وتنتهي حياته معه، لن يتركه ولن يتخلى، هكذا كان هو وسيبقى رجلا لا يعرف الخوف..
كادت النيران أن تقضي على المكان بأكمله ولم يستطع أحدهم أن يخمدها لكنهم استطاعوا مساعدة نوح في اخراج فهد وهو أشبه بالجثة...

وقع نوح أرضا يشهق بقوة يحاول التقاط انفاسه التي كاد ان يفقدها بالداخل بينما يديه قد أصابهما بعض الحروق...
تم وضع فهد وسلمان داخل سيارة الاسعاف وجلست نوارة جوار جاد الذي كان يحتضنها بقوة يحاول مساعدتها على الاطمئنان رغم أنه يرتعب من فقد اخيه ووالده
مضت ساعات اجتمع خلالها أفراد أسرة السياف بأكملها كبيرا وصغيرا.

نعمان وابنائه، اخواته ومن بينهم بثينة التي لم يجمعها بفهد مكان منذ طلاقهما وزواجها من أخر، تزوجت وانجبت واستمرت حياتها لكنها مطلقا لم تتخط عشقها لفهد ولا تجربتها معه، ربما تعلمت منها الكثير وتغيرت تصرفاتها كثيرا لكن القلب مهما ادعي النسيان بداخله نافذه صغيرة لا يراها أحد لكنها بين حين وأخر يعبر من خلالها شعاع من ضوء خافت يذكرك بما مضى..

أدمعت عيناها وهي تسترق النظر تجاه نوارة، نوارة تلك المرأة التي يحيطها موج من خوف وترقب دموعها كطوفان يهدد بتدمير الحياة من حوله، لم ترها هكذا من قبل..
تائهة وكان فهد بغيابه تركها بلا حماية..
تنهدت بثينة بحزن وانتظرت كما حالهم جميعا...
اقترب جاد من والدته قائلا بحب:
جومي يامه روحي غيري خلچاتك وريحي جتتك
نوارة: ارتاح يا چاد، وهو اني مكتوبلي راحة يا ولدي
جاد بحزن: وحدي الله يامه كله هيعدي.

نوارة: لا اله الا الله..
هب جاد مسرعا تجاه الطبيب الذي خرج للتو من غرفة سلمان
ابتسم الطبيب بعملية قائلا:
الحمد لله المريض كان عنده ارتجاج من اثر الضربة لأنها كانت عنيفة بس الحمد لله فاق وتقدروا تطمنوا عليه
جاد مبتسما: الحمد والشكر ليك يارب، متشكرين يا داكتور
الطبيب: ربنا يطمنكم عليه
تحدث جاد بتردد يخشى الاجابة قائلا:
وابوي يا داكتور..

الطبيب: الحاج فهد لسه في العمليات حضرتك عارف ان حالته كانت صعبة، اصابة في الكلي واختناق بسبب الحريق ده غير انه حصله تمزق في عصب اليد نتيجة الضغط القوي عليها
نوارة باكية: يعني ايه، چوزي هيروح مني؟!
الطبيب: ادعيله يا حاجة وبأذن الله يقوم بالسلامة
كان نوح بالغرفة الطبية يقوم الطبيب بمعالجة يده من تلك الحروق التي اصابتها وبجواره مياده تبكي بقوة خوفا عليه ومن تلك الافكار التي تتسرب اليها..

نظرت اليه بغضب بعدما غادر الطبيب قائلة
ازاي تدخل بنفسك جوة النار ازاي هان عليك تعمل فيا كده، مش هامك نفسك ولا انا ولا ابنك، عاوز ايه يا نوح عاوز تسبني..
بكت بشكل جعله يبتسم حزنا عليها
اقترب منها محاولا احتضانها لكنها دفعته دون وعي قائلة:
ابعد عني، انا مش فاهمة ازاي تعمل كده!؟
نوح: كنتي ريداني اسيب عمك؟
اسيبه يموت بالساهل اكده.

ميادة ببكاء أشد: لا طبعا انا مستحيل اتمنى موته، انا طول عمري بعتبره ابويا حتى بعد ما...
توقفت عن الكلام قائلة المهم انت بتتوجع حاسس بحاجة؟!
نظر اليها قائلة: لاه ايدي مولعة بس
القت بنفسها اليها تحتضنه قائلة:
انا بحبك اوي يانوح، ارجوك تنتبه لنفسك انا مقدرش اعيش من غيرك واسفه لو ضايقتك بس بجد الحمل موترني جدا، وكنت مرعوبه عليك
لاحظت تألمه فتألمت من اجله امسكت كفيه بحذر مقبلة اياهما برقة قائلة:.

سلامتك ياقلب ميادة
ابتسم نوح منتشيا من فعلتها فقبلت جبينه ووجنتيه وكأنها تداعب طفلا صغيرا، ليتسلم هو الباقي ويأخذها بين احضانها متناسيا الالامه مقبلا اياها برغبة كموج لا يهدأ ولا يعرف الاكتفاء...

وضعت رأسها بين كفيها تخشى ان تفضحها دموعها التي تأبى التوقف، نعم هو مازال زوجها لكنها تخجل من البوح بما ينتابها الأن..
تمنت لو انه أمامها الأن كانت ستلقى بنفسها اليه تاركه الماضي يمضي بلا رجعه
تنهدت محدثة نفسها قائلة:
جوم يافهد، الدنيا من غيرك كيه الشوك صعبه وجاسية
خابرة اني بعدتك عني وعن عيالك سنين بس كان غصب عني، جهرتني جوي
ووچعتني يافهد بس مجدرتش اكرهك..

صحيح بعدت وبعدتك بس عمري ما سكيت الباب عالأخر يا فهد كان دايما الباب موارب بينك وبيني، كنت بتحچچ بولادك واجول حرام احرمهم من أبوهم بس جلبي كان بيجولي خليه جريب ولو من بعيد..
خفت يا فهد، خفت اسامح وارجع تدبحني مكنش بيدي حاجة غير الخوف، بجى.

صاحبي ورفيجي طول الليالي وكل ما جلبي يلين ويجول مشتاج خوفي يزيد ويجولي لاه اوعاكي ترچعي يا نوارة فهد كيه البحر غدار وموجه ملوش أمان، بس اني غلطانة، غلطانة يافهد لاني طول السنين ديه لا جدرت اعيش ولا سبتك تعيش فضلنا متشعلجين باحبال دايبة واهي اتجطعت..
ارچعلي وبعد عني الخوف ديه يا فهد.

ظلت تتخبط بين دفاترها المليئة بذكريات مرها كالعلقم كان يطغى دائما فوق تلك الأمواج الحلوة التي عاشتها مع فهد، نعم قد ظلمها وبشدة لكنها لن تنسى مطلقا عشقه لها، ربما لا نتذكر حلاوة الشئ الا بعدما يمضي ويبقي مراره فقط، الأن بعدما غاب فهد تشتاق إلى نظراته التي كانت تقويها على الاستمرار، كانت نظراته تخبرها انها أجمل النساء بل انها المرأة الوحيدة بالكون أما الأن فتشعر بالعجز وكأن وجوده كان يمنع الشيب ان يغزو أيامها.

التف الجميع حول الطبيب الذي بدا جادا الى حد افزعهم
تساءل جاد قائلة:
خير يا داكتور، ابوي ماله؟
الطبيب: هنستأصل كلية ولازم موافقة حضرتك..
شهق الجميع بخوف لتتحدث بثينة بلهفة:
اني ممكن اتبرعله يا داكتور
نظرت اليها نوارة بشراسة قائلة:
لاه يا بثينة كتر خيرك يا جلبي، چوزي مهياخدش حاچة من حد اني وولاده موچودين وانتي ربنا يخليكي لچوزك وولادك، ولا ايه؟!
بثينة بتوتر: فهد كيه اخوي تمام ويهمني صحته.

نوارة: صحته تهمنا جبل الكل يا حبيبتي، شايلنك لوجت عوزة، شوف اللازم يا داكتور واني هتبرع لچوزي
الطبيب: يا جماعة اهدوا وافهموا احنا هنستاصل كلية وعادي المريض هيعيش بكلية واحدة ومش هيحتاج متبرع ولا حاجة، كل الحكاية ان الطعنة دمرت الكلية ولازم يتم استئصالها...
ربطت ميادة على ظهر والدتها هامسة اليها:
اهدي يا نوارة الولية خافت منك
نظرت نوارة الى ابنتها بخجل قائلة:
وبعديهالك يابت سلمان هتتنجوري علي اياك؛؛.

ميادة بدلال طفولي:
انا رايحة لنوح حبيبي شكلك ناوية تضربينا كلنا النهاردة، سلام يا نوارة يا جامدة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة