قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وثمانية عشر

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وثمانية عشر

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وثمانية عشر

مر يومين على آخر مشهد حدث مر بعدها يومين في هدوء تام، ذلك الهدوء القلق المحمل بغبار العاصفة القادمة تعلن عن نفسها برتابة مخيفة، في سيارته يقطع الطريق إلى وجهته عينيه مرتكزة على الطريق يده تشد على المقود في حين ذهنه شارد يسبح في بوتقة حارة من الحيرة لا يعرف حتى إن كان ما سيفعله صحيحا أم لا هو فقط يريد أن ينتهي من تلك الحيرة للأبد ربما لن يحالفه الخط ويعد من تلك المخاطرة حيا، وربما فعل، وقف بالسيارة أمام بوابة المنزل الكبير المغلق مد يده يدق الزامور يتأفف حانقا، لحظات وجاء حارس البوابة فتحها على مصراعيها لتدخل سيارته اوقفها بعيدا جوار البوابة، نزل منها يزيح نظاراته السوداء...

لتظهر عينيه الزرقاء في تلك اللحظة وهو يقف بعيدا جوار سيارته ينظر لتلك الجالسة هناك على مقعد بعيد في الحديقة عينيها شاردة في الفراغ دموعها تهبط بين حين وآخر، لترفع كف يدها المرتجف تحاول مسح دموعها التي سرعان ما تهبط من جديد ما أن رآها شعر بألم حاد في صدره وكأن خنجر يغترس في قلبه بعنف، تحرك ناحيتها بخطي ثقيلة يجر قديمه جرا ناحيتها كم يرغب في أن يعد إلى سيارته يهرب منها، وقف فجاءة في منتصف الطريق، وقف ينظر لها والغضب يأكل قلبه، في لحظة استدار يرغب في الرحيل حين سمع صوت طائش يعرف صاحبه جيداا يصيح باسمه:.

- زيدااان أنت هنا
امتعضت قسمات وجهه ينظر ناحية مصدر الصوت ليزفر حانقا فراس ابن خاله ذلك الفتي الطائش في الثانوية العامة، فراس النسخة المصغرة عن خاله محمد في الشكل فقط، أما الطباع فالارجح ورثها من من لا يعرف، تنهد يزفر أنفاسه حانقا حين اقترب فراس منه يرتدي سروال من الجينز ممزقة و( تيشرت) ابيض عليه جمجمة سوداء، نظر زيدان للسروال باشمئزاز يحادث فراس:.

- ايه القرف اللي أنت لابسه دا، هو اي حاجة طالعة موضة نمشي وراها من غير عقل، شكلك شبه المتسولين على الأقل المتسول ليه عذره مش هو اختار لبسه، انما أنت عذرك ايه أنها الموضة
قلب فراس عينيه في ملل ألن تنتهي تلك المحاضرات التي يسمعها يوميا من والده والآن يأتي ضحك، ضحك فراس في سماجة يديه في جيبي سرواله يتمتم في زهو:.

- أنا حر يا زيدان، وبعدين أنا مش عيل صغير، لما اوصل لسنك كدة هبقي اقضيها قمصان غامقة وبناطيل بدل، مش كل ما حد يشوفني يسمعني محاضرة عن اللبس...
- فراس وبعدين معاك اتفضل على أوضتك ما شوفتش خلقتك براها النهاردة
صدح صوت محمد الغاضب يأتي من خلفهم ابتسم فراس لزيدان في اصفرار يلوح لزيدان يودعه ساخرا قبل أن يعود إدراجه إلى الداخل اقترب محمد من زيدان وقف أمامه يبتسم يتمتم في حرج:.

- منور يا زيدان، معلش فراس بيه هيجنني والله.

ابتسم زيدان في هدوء ساخر حين كان في مثل عمر فراس لم تستهويه اي من تلك الموضة التي يفعلها الشباب أجمع كان يحاول أن يسابق العمر والزمن ليكبر بأي شكل وياليته لم يفعل، تحركت عينيه ينظر ناحيتها ليراها هناك لا تزال جالسة مكانها تنظر ناحية في لهفة، تشد يديها على ذراعي المقعد كأنها تحاول أن تتحرك، عقد جبينه متعجبا نظر ناحية خاله الذي كست الدموع عينيه اختقنت نبرته يغمغم في خفوت حزين:.

- يوم فرح أدهم، لما أنت خرجت من الفيلا ولوجين حاولت تتكلم معاك وأنت زعقت فيها ومشيت وقولتلها أنك عمرك ما هتسامحها، لما روحنا فضلت تعيط لحد ما نامت، الصبح لما روحت اصحيها اكتشفت الكارثة لوجين مش قادرة تحرك رجليها، الدكتورة حالة نفسية زعل شديد، مع الوقت ونفسيتها تتحسن هترجع تمشي تاني، زيدان أنا عارف أنها غلطت في حقك كتير اوووي بس سامحها يا إبني، هي مش عايزة اي حاجة في الدنيا دلوقتي غير أنك تسامحها.

وقفت عاجزا عن فهم ما يقول خاله صدمة بشعة سقطت فوق رأسه شخصت عينيه ينظر لها مصعوقا والدته باتت قعيدة، عاجزة، لا تقدر حتى على الحركة لتأتي إليه وهو يقف مكانه كالصنم متجمد، أتي لهنا ليخبرها أنه حقا لن يقدر على سامحها، ولكنها ستظل والدته مسؤولة بالكامل منه، ظل يحفظ في تلك الكلمات أياما عدة لتتلاشي جميعها حين رآها بحالتها تلك، عاجزة عن الحركة ملامح وجهها تصرخ اشتياقا إليه، لم يكن يدري أن دموع تجمعت في مقلتيه إلا حين شعر بها تغطي وجهه تحركت قدميه ناحيتها، المسافة بينهما ليس بذلك الطول ولكنه يشعر بها دهرا لا ينتهي ابداا، كلما تقدم هو امتدت بهم الأرض لتباعد بينهما من جديد، وصل أخيرا بعد رحلة طويلة من السير بالقرب منها يقف أمامها مباشرة ينظر لحالتها دون كلام، فقط عينيه الحمراء التي بالكاد تكبح دموعه هي من تصرخ بألمه، رفعت يديها الإثنين تمدهم ناحيته تدعوه لها، في حين وقف هو ثابتا قدميه تأبي الحراك خطوة واحدة في حين تمرد مقلتيه تسكب الدمع انهارا، رفع يده قليلا ناحيتها اقتربت المسافة بينهما مدت لوجين يدها بالكاد لامست أصابع يده، قبضت عليها تجذبه إليها بقوتها الواهية الضعيفة ليتحرك ناحيتها ارتمي بين أحضانها على حين غرة هو حتى لا يعرف كيف فعل ذلك، فقط أغمض عينيه واسكت عقله العاصي وقلبه المتعب وروحه الحزينة الممزقة صمتت الأصوات جميعا حين بات بين ذراعي والدته التي ألقت نفسها من فوق الكرسي ارضا تعانقه بقوة تشدد على عناقه تحكم ذراعيها حوله وكأنه سيهرب وكأن ما يحدث فقط حلم تراه علا صوت نشيجها تتوسله باكية:.

- سامحني يا ابني، سامحني، أنا آسفة يا حبيبي، حقك عليا، ياريت في ايدي ارجع الزمن والله ما كنت دخلت الشيطان دا حياتنا، سنين وأنا بتعذب ببعدك عني، بس كنت بقوله اكيد حاله أحسن مع خالد، معتز كان ما بيعملش حاجة غير أنه بيذلني عشان يديني الزفت دا اللي خلاني ادمنته، وفي الآخر رماني في السجن سنين وأنا هو قدامك بقيت عاجزة مشلولة، سامحني يا ابني مش عشان خاطري حتى عشان خاطر زيدان الله يرحمه أنا عارفة أنه أغلي عندك من الدنيا كلها.

ظل صامتا فقط تتساقط دموعه يستمع إلى كلماتها التي تنزل على قلبه كحمم من نار مستعرة تأكله ذلك الشيطان سيمزق ما بقي منه، في حين عادت لوجين تنتحب من جديد، فتح عينيه يبتعد عن أحضانها، مدت يدها تمسك كف سريعا قبل أن يغادر، بينما ظل هو يفترش الأرض جوارها، رفع وجهه إليها ينظر لعينيها الغائرة من البكاء وجهها الشاحب، والحرب بين قلب متعب يريد السماح، وعقل ثائر يرفض ذلك، صراع لم يحسمه سوي جملة واحدة تذكرها في تلك اللحظة.

( على قد الغلاوة بيكون الوجع ) اذا ذلك الشعور المؤلم الذي يطحن قلبه يخبره صراحة أن والدته أغلي لدي قلبه مما يدرك عقله، رفع كفيه يحاوط وجهها بهما، يهمس بصوت مختنق:
- نفسي اسامحك أوي بس مش قادر، نفسي انسي اللي حصل صدقيني حاولت كتير، بس برجع افتكر كل مشهد كل لحظة، عارف أنه غصب عنك ما كنتيش في وعيك بس أنا كنت.

صمت في تلك اللحظة يعقد جبينه فجأة في دهشة توسعت حدقتيه، نفس الحلقة التي دارت بينه وبين والدته، دارت بينه وبين لينا، ولكن في حلقتهم هو من لم يكن واعي وهي لم تقدر على سماحه، هو يحاول نيل سماحها وهي ترفض كما فعل هو مع والدته، الحلقة تتشابك باخري وهو بين هذه وذاك يلتف في دوائر مفرغة أحدهما فيها جاني والاخري مجني عليه، عاد ينظر لوالدته يري خبو لمعة عينيها من الحسرة، مال برأسه يقبل جبينها، امسك كف يدها بين كفه يشدد عليه يحادثها بشبح ابتسامة:.

- أنا ما بكرهيش، أنا بس موجوع أوي، أنا مسافر مأمورية شهر بالكتير وهرجع عايز اللاقي أحسن من كدة لما اجي، عايز الاقيكي مستنياني لما اجي
ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتي لوجين تحرك رأسها بالإيجاب بلا توقف عادت تعانقه بتلهف من جديد، قام هو من مكانه يحملها بين ذراعيه أعادها إلى مقعدها يربت بيده على كفها يهمس في خفوت حائر:
- خلي بالك من نفسك، عن اذنك.

انتظرت أن تستمع إلى تلك الكلمة التي انتظرتها على أحر من الجمر ولكنه لم يقولها ولكن لا يهم ما حدث الآن أكثر من كافي لقلبها الحزين ليعود للحياة من جديد، تحرك زيدان ناحية سيارته ليستوقفه محمد يحادثه قلقلا:
- زيدان، خلي بالك من نفسك يا إبني
ابتسم زيدان في هدوء يحرك رأسه بالإيجاب توجه ناحية سيارته من جديد في حين توجه محمد ناحية لوجين ابتسمت الأخيرة تصيح من سعادتها:.

- زيدان هيسامحني، شوفته لما قالي لما ارجع عايز اللاقيكي مستنياني
غامت عيني محمد قلقا نظر لها يحاول رسم ابتسامة على شفتيه تنهد يهمس في نفسه بخفوت:
- يارب بس هو يرجع بالسلامة، استرها يارب.

بعد عدة ساعات في منزل خالد السويسي، في غرفة الجلوس تجلس لينا ابنه خالد جوار اخيها على الاريكة هي تنظر لحاسوبها المحمول تذاكر أحدي محاضراتها الهامة أما حسام فيقرأ في معجم طبي غريب الشكل في الأغلب ليضع إمتحان للطلاب قريبا، أما لينا والدتها تجلس امامهم على الاريكة جوار زوجها تمسك بهاتفها تتصفحه تحادث شمس شقيقتها على أحدي مواقع التواصل الاجتماعي، أما خالد فعينيه معلقة بساعة الحائط ينظر لها بين لحظة واخري، هاتقه يدق كل دقيقة وأخري ليستأذن يتوجه إلى غرفة مكتبه يغلق الباب عليه بضع دقائق ليخرج من جديد، قاطع ذلك الصمت صوت رنين جرس المنزل هب خالد واقفا سريعا ليظر له الجميع مندهشا اقتربت أحدي الخادمات تفتح الباب ليظهر زيدان من خلفه، بملابسه العادية يضع حقيبة ملابس صغيرة في السيارة خارجا، يبتسم في هدوء تام، توجه إلى الداخل وقبل أن ينطق أحدهم بحرف قبض خالد على كف يده يجذبه معه إلى غرفة المكتب يغلق عليهم الباب وقف يتنفس بعنف يحاول أن يهدئ نظر ناحية زيدان يحاول رسم ابتسامة على شفتيه اقترب منه يغمغم متفاخرا به:.

- محمد قالي على اللي أنت عملته، لوجين من ساعتها وهي ابتسامتها مش بتفارق وشها بعد ما كانت رافضة تاخد الدوا رافضة العلاج كله، عمالة تقول لمحمد عايزة اخف بسرعة عشان لما زيدان يجي يلاقيني مستنياه
صمت للحظات يلتقط أنفاسه المسلوبة قلقا على ذلك الواقف امامه أدمعت عينيه رغم رفضه لذلك اختنق صوته يحادث زيدان راجيا:
- ارجع عشانها يا ابني...

ابتسم زيدان رغما عنه خاله ما يظهر أنه قاسي جلمود القلب لا يقلق نادرا ما تظهر تلك الدموع التي يراها في عينيه الآن ولكنه يعرف دائما أنه يخشي عليه كما لو كان ولده من صلبه، عاد يضحك من جديد حين سمع خالد يغمغم محتدا:
- بتضحك على ايه يا حيوان
ضم زيدان دفتي شفتيه يحرك رأسه نفيا في حين تنهد خالد حانقا يزفر أنفاسه قلقا، اقترب من زيدان يمسك بكتفيه بين كفيه بقوة يحادثه في حزم:.

- إنت هتخلي بالك من نفسك كويس وتبطل شغل المجانين اللي بتعمله في كل عملية دا، أول واحد بيرمي نفسه في النار، لو حصلك حاجة يا زيدان هقتلك
ضحك الأخير عاليا حقا خالد وكلماته الحانية التي لا مثيل لها، في اللحظة التالية جذب خالد زيدان اليه يعانقه بقوة يربت على ظهره برفق تنهد يهمس قلقا:
- خلي بالك على نفسك يا ابني، يلا عشان ما تتأخرش.

ابتسم زيدان مرة أخري في هدوء، رفع يده يؤدي التحية لخالد، قبل أن يخرج من الغرفة، توجه مباشرة ناحية لينا جلس جوارها على الأريكة مد يده أمسك كف يدها يقبله، نظرت هي في عينيه تلك النظرة تعرفها انقبض قلبها خوفا تصيح فيه:
- إنت طالع عملية صح.

حرك رأسه إيجابا لينقبض قلب تلك الجالسة هناك خوفا، رأت المشهد عشرات المرات بكاء والدتها حين تعلم أنه سيذهب، محاولاته الفاشلة لتهدئتها، ولكنها في السابق لم تكن حقا تهتم زيدان كان مشكلتها الكبري التي ترغب في التخلص منها، أما الآن فتشعر بوخز قوي في تلك العضلة النابضة، وهي تراه يقبل رأس والدتها توجه ناحية حسام يعانقه بقوة، لما تشعر به يودعهم دون عودة!، هدر نابضها بعنف حين اقترب منها مد يده ناحيتها يود مصافحتها رفعت وجهها تنظر لعينيه مدت يدها تضعها داخل كفه تهمس له بصوت خفيض قلق:.

- خلي بالك من نفسك
ابتسم دون كلام، يحرك رأسه بالإيجاب، إلى باب المنزل توجه، لتسمع صوت والدها يصيح باسمه من نبرة صوت والدها شعرت حقا بالذعر خاصة حين عانقه والدها بقوة يوصيه جيدا، ورحل، زيارة قصيرة ورحل بعدها، نظرت لوالدها في تلك اللحظة لتري تشتت حدقتيه لما تشعر به قلق خائف منذ متي ووالدها يقلق لتلك الدرجة ويبدو أنها ليست الوحيدة التي لاحظت فقد هدر صوت والدتها يبادر قبلا:.

- مالك يا خالد، أول مرة أحس أنك قلقان كدة، دايما كنت بتتريق عليا وتقولي هيرجع بطلي عياط دا زي القط بسبع أرواح
نظرت سريعا لوالدها تنتظر إجابته على أحر من الجمر عله يطمأنها ولكن ما حدث أصاب الجميع بالفزع، فجاءة صاح خالد عاليا:
- عشان المرة دي مش زي كل مرة، المرة دي الموضوع كبير، ادعي بس انه يرجع حتى لو متصاب
وقع كلامه على الجميع وقع الصدمة، هدر قلبها خوفا، هل يمكن الا يعد حقا؟!

مر شهر لا أحد يعرف حتى كيف مر، الايام متشابهة بشكل مخيف وتيرة الحزن والقلق والخوف تسيطر على الجميع، في خلال ذلك الشهر، الجميع كان حرفيا يغرق نفسه في العمل في الدراسة في اي شئ كان يجعل الوقت يمر دون تفكير، ادت لينا اختباراتها الفائتة بسبب مرضها، وعادت تستذكر السنة الجديدة، حسام لم يعد حتى يبتسم عينيه دائما شاردة يخشي بين لحظة واخري أن يأتي خبر لن يتحمله قلبه ابداا، في الجامعة يقوم بإعطاء محاضراته ويغادر في صمت مخيف، حتى سارة لم يعد يتحدث إليها، خالد سيجن جميع الاتصالات بينه وبين فريق زيدان انقطعت لا يعرف حتى أين هم، يحاول جاهدا الوصول لأي معلومة طفيفة ليطمأن عليه لينا زوجته لا تتوقف عن الدعاء له في كل، شهر مر ثقيلا على الجميع، أيام تجذب أيام، ربما يحدث شئ سعيد فيها ولما لا.

في مستشفي الحياة، تحرك حسام من غرفة مكتبه إلى حضانة الأطفال بصحبة طبيب الأطفال المختص بحالة الصغير أحمد طفل سهيلة وجاسر، بعد فحص دقيق من الطبيب اخيرا سمح للطفل بالخروج من « الحضانة »، حمل حسام الصغير بين يديه ينظر لوجنتيه الحمراء يبتسم رغم قلبه الحزين الخائف، نظر لجاسر الذي يقف خارجا ليراه ينظر للصغير في لهفة، تحرك حسام يحمل الصغير إلى خارج الغرفة اقترب منه يعطيه له بحذر يرسم ابتسامة زائفة على شفتيه يردف:.

- اتفضل يا سيدي جبتلك ابنك اهو مش ناوي تسميه حسام بقي
أدمعت عيني جاسر حين حمل الصغير بين يديه يستشعر به طفله قطعه صغيرة منه لا يصدق أنه يحمله، بعد صبر طويل ها هو بين أحضانه، شعور لذيذ يدغدغ جسده يرجف خلاياه ضم الصغير لاحضانه برفق شديد، انهمرت دموع عينيه رفع وجهه لحسام يحادثه ممتنا:
- أنا مش عارف اشكرك ازاي يا حسام، بجد شكرا.

ابتسم الأخير أو زيف ابتسامة، توجه جاسر إلى غرفة سهيلة بالطبع ستكون نائمة في ذلك الوقت، فتح باب الغرفة بهدوء يتبعه حسام يحمل فراش صغير للطفل وضعه جوار فراش سهيلة بحذر ليضع جاسر الطفل في فراشه ينسحبان من الغرفة في هدوء تام يغلق جاسر الباب خلفه، نظر حسام لجاسر يتمتم ساخرا:
- دقني اهي هتفتحها مناحة، أنت متجوز انثي البومة، هي ولينا ما يفرقوش عن بعض حاجة.

ضحك جاسر عاليا كور قبضة يصدم حسام في ذراعه يردف ساخرا:
- مالكش دعوة يا حقود إنت، المهم ما تنساش بكرة بليل مستنيكوا
ابتسم حسام يحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يستأذن ويغادر غدا مساءا حفل خاص بمناسبة خروج الصغير من الحضانة اخيرا وعودتهم للبيت، اختفت الابتسامة من على شفتيه يتنهد قلقا يدعو في قلبه أن يعود زيدان سالما فقط سالما.

على صعيد آخر في غرفة سهيلة كانت تغط في النوم بعد أن قضت الليل بأكمله تنظر لصغيرها من خارج غرفة الحضانة تتلمس الزجاج بيديها تبكي رغما عنها، يهدئ قلبها حين تعلم أنه قريبا سيصبح بين ذراعيه تناهي إلى اسماعها صوت بكاء طفل رضيع، ظنته حلما فهي دائما ما تحلم به وسيختفي حين تفتح عينيها، ولكن الصوت لم يختفي فتحت مقلتيها تنظر لسقف الحجرة بالطبع حلم توسعت عينيها في دهشة حين استمعت إلى الصوت من جديد ليس حلما حقا، التفتت برأسها ناحية مصدر الصوت لتجد فراش لطفل صغير يجاور فراشها ماذا كيف يحدث ذلك، قامت سريعا تهرول ناحيته لتشهق بعنف وضعت يدها على فمها تنساب دموعها في لحظة تنظر لطفلها لا تصدق أنه هنا تراه أمام عينيها، مدت يديها المرتجفة تحمله برفق من فراشه تتأكد من انها لا تحلم تاوهت بعنف حين ضمته لاحضانه شهقت في البكاء حين شعرت أن ساقيها لم تعد لها القدرة على حملها توجهت سريعا صوب الفراش جلست عليه تضم الصغير لصدرها تبكي بعنف تحادثه وكأنه حقا سيفهما:.

- ابني، يا حبيبي، أنا مش مصدقة أن أنا اخيرا وخداك في حضني، كنت هموت وأنا واقفة بعيد مش عارفة امد إيدي اخدك في حضني، الحمد لله يا رب الحمد لله
ابعدت الصغير عنها تنظر له تبكي بلا توقف، لتسمع صوت جاسر يغمغم ضاحكا:
- حسام كان عنده حق لما قالي هتقلبها مناحة
لم تلتفت لما قال بل رفعت رأسها له تنقل انظارها بينه وبين طفلها الصغير تغمغم بتلهف:
- أحمد يا جاسر، أحمد اهو، أحمد في حضني.

اقترب جاسر منها جلس جوارها يلف ذراعيه حول كتفها يقربها من صدره ابتسم حين نظر للصغير ليرفع وجهها ينظر لسهيلة قبل جبينها يهمس لها بحنو:
- وانتوا الاتنين في حضني ربنا يخليكوا ليا وما يحرمني منكوا ابداا.

في الجامعة وصل حسام بعد الموعد المقرر للمحاضرة بعشر دقائق تقريبا توجه سريعا إلى مقر غرفة المحاضرات الخاصة بمادته دخل لتهدئ الضوضاء السائدة بين الطلاب، وضع حقيبته على المكتب دون كلمة واحدة يخرج جهاز الحاسب الخاص به، توجه إلى اللوح يخط عليه بالقلم العريض عنوان محاضراتهم الجميع من تغير استاذهم المفاجئ، بدأ حسام في الشرح دون كلمة واحدة يحاول إشعال عقله القلق، يتحرك هنا وهناك تتابعه عيني سارة القلقة ما به حسام، يأتي بعد موعد المحاضرة يغادر قبل الجميع ماذا حدث لما يبدو وجهه شاحب عينيه منطفاءة لم يعد حتى يبتسم، انتهت المحاضرة سريعا، بدأ الطلاب في الرحيل في حين لم يفعل هو ذلك بل توجه إلى مقعده الخاص جلس عليه يخفي وجهه بين راحتيه، ظلت هي تجلس في مكانها تراقب الطلاب إلى أن خرجوا جميعا من الغرفة قامت تتحرك ناحيته وقفت أمام مكتبه تنظر له للحظات همست تسأله متوترة:.

- إنت كويس
رفع وجهه لها ينظر لعينيها كطفل صغير مشتت خائف، حرك رأسه بالنفي تنهد بحرقة يخرج أنفاسه المثقلة التي تقتله خوفا يهمس لها بحرقة:
- لا، أنا خايف اوي على زيدان، لو حصله حاجة، بعد الشر، يا رب لاء، دا صاحبي واخويا وأبويا لو حصله حاجة أنا مش قادر حتى أتخيل...
أدمعت عينيها تستمع إلى نبرة صوته الحزينة تشتت حدقتيه، انقباض كفيه، تقسم أنه على وشك أن يبكي، حاولت التخفيف عنه ولو ببضع كلمات فهمست له:.

- هيبقي كويس صدقني، أنت بس ادعيله وما تفكرش في الحاجات الوحشة دي
ارتسمت شبح ابتسامة باهتة للغاية على شفتيه يحرك رأسه بالإيجاب، لترتسم لطفية رقيقة للغاية على شفتيها تغمغم في خفوت خجول:
- على فكرة عمو خالد عازمنا بكرة عندكوا على الغدا، جاسر كان كلم بابا عشان حفلة خروج أحمد من المستشفي، فعمو خالد كلم بابا بعده وعزمنا على الغدا وبعدين نروح كلنا الحفلة.

خبر سعيد لم يدخل سوي شعاع فرح صغير على قلبه الملكوم، قام من مكانه يحمل حقيبته على كتفه اشار لها تتقدمه يحدثها مبتسما:
- تعالي اوصلك
توردت وجنتيها خجلا تحرك رأسها نفيا بعنف نظرت أرضا تهمس بصوت خفيض مرتبك:
- لاء ما ينفعش، لو حد شافنا هيفهمنا غلط، وبعدين بابا قالي ما اركبش معاك العربية عشان أنت قليل الأدب.

توسعت عينيه في دهشة يرفع حاجبيه مستنكرا من أين جاء عمه العزيز بتلك المعلومة الكاذبة فقط يعود زيدان ويطمأن عليه وسيريه كم هو قليل الحياء، رفعت سارة رأسها تبتسم له في رقة لطيفة قبل أن ترفع كفها تلوح له وداعا توجهت إلى سيارة والدها في حين وقف حسام يراقبها بعينيه إلى أن غادرت السيارة ليعقد جبينه يغمغم في نفسه حانقا:.

- بقي أنا قليل الأدب، ورحمة أمي لوريك يا عمي حسام قليل الأدب، يارب ترجع بالسلامة يا زيدان...
توجه إلى سيارته يعود سريعا إلى منزل والده ربما يكن زيدان قد عاد.

على الأريكة في غرفة المعيشة تجلس أمامها الطاولة الصغيرة تضع عليها عدة كتب وحاسبها المحمول، هل تذاكر لا بالطبع تختلس النظرات إلى باب المنزل، قلقة عليه بشكل يثير غيظها من نفسها، لما تأخر كل ذلك الوقت بما لم يعد إلى الآن، هل تري أصابه مكروه تتمني الا يحدث ذلك، زفرت حانقة توجه انظارها للكتاب أمامها ستذاكر، وربما لا صدح صوت والدتها تناديهم:
- يا لينا يا خالد يلا الغدا جاهز هو حسام فين، حد يكلمه.

التقطت هاتفها للاتصال له لتجده يدخل من باب المنزل القي حقيبته على اقرب مقعد نظرت لينا تتمتم ساخرة:
- كويس أنك جيت كنت لسه هضيع رصيدي عليك
رمقها حسام بنظرات مشمئزة قبل أن يتوجه صوب غرفة الطعام يحادثها:
- معفنة بقي هنعمل إيه
التف اربعتهم حول الطاولة، نظرت لينا لخالد تسأله قلقة:
- ما فيش اي معلومات عن زيدان.

تنهد الأخير قلقا يحرك رأسه نفيا، هو يملك كافة المعلومات تم القبض على العصابة المسلحة وضبط كافة الأسلحة والمواد المخدرة سقوط سبع شهداء من عناصر الشرطة، ستة منهم يعلم هويتهم والسابع هويته مجهولة له، وما يزيد القلق في قلبه، إنه لا يعرف حتى أين زيدان، تنهد بحرقة يمسح وجهه بكف يده، يهمس في قلبه راجيا:
- يارب ما يكونش هو السابع، يارب رجعه بالسلامة.

- صحيح أحمد ابن سهيلة وجاسر خرج النهاردة من الحضانة بس هيخرجوا بكرة من المستشفى
غمغم بها حسام بنبرة هادئة عله يخفف من خدة التوتر السائدة ليبتسم الجميع سعيدا خبر جيد في خضم ما يحدث...
عطره!، لما تشم رائحة عطره، ربما فقط يهئ لها، ليس من المنطقي أن تشتم رائحة عطره ابداا، خيال هو فقط خيال، خيال، خيال يتحدث!
على حين غرة سمعت صوته هو يغمغم بنبرة مرح عابثة:
- ما فيش حمد لله على السلامة يا زيزو ولا إيه.

صرخت لينا زوجة خالد باسمه في سعادة تهرول ناحيته تضمه إلى أحضانها بقوة تبكي بلا توقف في حين توسعت ابتسامة زيدان يضم والدته لاحضانه، قام خالد خلفها يجذبها بعيدا عنه يحادثها حانقا:
- والله اقتله
ضحكت لينا بقوة رفعت يديها تمسح دموعها المنسكبة من مقلتيها تنظر لصغيرها في سعادة اخيرا عاد، في حين اندفع حسام كالسهم يعانقه بقوة يصيح كالمجانين:.

- زيزو يا زيزو يا زيزو، أخيرا يا أخي حرام عليك وقعت قلبي كنت هموت من الخوف عليك ربنا ياخدك
ضحك زيدان عاليا يعانق صديقه بقوة كم اشتاق لذلك الابلة، ابتعد عنه بعد عناق حاد، يبحث عنها بعينيه ليراها تجلس هناك رأت ابتسامة عينيها الجميلة شعر بالسعادة تطفو في حدقتيها، احقا هي سعيدة بعودته، التفت برأسه ناحية خالد ليبتسم له يغمغم في هدوء:
- كنت واثق أنك هترجع، حمد لله على سلامتك.

لحظات من الصمت ليفتح خالد ذراعيه أقترب زيدان يرتمي بين أحضان أبيه شدد خالد على عناقه يصدمه على رأسه بقوة تنهد يهمس بارتياح:
- حرام عليك يا اخي وقعت قلبي، دا أنا هنقلك مكافحة الآداب بعد اللي حصل دا
ضحك الجميع، لتجذب لينا زيدان من بين أحضان خالد تجلسه في المنتصف بينها وبين لينا الاخري تملئ صحنه بالطعام تغمغم بتلهف:.

- إنت اكيد واقع من الجوع الحمد لله يا رب أنك رجعت بالسلامة، أنا مش عايزة الطبق بس يخلص أنا عايزة الترابيزة كلها تخلص...
حمل حسام طبقه بين أحضانه ينظر لهم حانقا يغمغم في غيظ طفولي:
- اللي هيجي جنب طبقي هعوره...
تعالت ضحكات الجميع وبدأ حسام في المشاغبة من جديد يبدو أن بعودة صديقه عاد هو للحياة من جديد.

في حين التفت زيدان للينا الجالسة جواره تواصل بصري قصير بينهما كان اكفي من ألف حوار لم ينطقه اللسان ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها تهمس له:
- حمد لله على السلامة
ابتسم هو الآخر يهمس في خفوت:
- الله يسلمك، شكرا.

ساعات قضوها حسام لم يتواني عن رسم الضحكات على شفاه الجميع لينا تصر على إطعام زيدان كل أصناف الطعام في المنزل، حين حل الليل صعد الجميع إلى غرفهم، توجهت هي إلى غرفتها تخرج إلى الشرفة وقفت فيها تبتسم رغما عنها شردت عينيها في الفراغ، البيت الكئيب الصامت امتلئ بالضحكات فقط لعودته، حسام الذي لم يتوقف عن الضحك، والديها وكأن الحياة عادت لهما، بعودته، زيدان لم يكن فقط ابن صديق خالد الذي تربي معهم منذ أن كان طفلا بل هو جزء من كيان كل فرد، حتى هي؟!، هل هو جزء من كيانها هي الاخري، ربما نعم وربما لا التفتت برأسها ناحية شرفة غرفته التي صارت بعيدة عنها لتراه يقف فيها، ينظر ناحيتها!، توترت حدقتيها، تقبض على سور شرفتها تذكرت كلمات قاسم في تلك اللحظة يحتاجون إلى مصارحة أخيرة، تهربت مقلتيها عدة لحظات قبل أن تعود إليه تحادثه بصوت هادئ فالجو هادئ في ذلك الوقت على اي حال:.

- زيدان أنا عايزة اتكلم معاك، بس مش هنا، اي مكان برة الفيلا...
عقد جبينه للحظات قبل ان يومئ رأسه بالإيجاب يتمتم في هدوء:
- هستناكي في العربية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة