قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السابع والتسعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السابع والتسعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السابع والتسعون

الظلام الدامس يلف المكان بالكامل، مخزن قديم للأقمشة، كان تابعا لمصنع والده في منطقة نائية صحراوية، معلق من يديه لأعلي كل من نائل، أما جوليا يلتف بها الحبال حول عمود قديم، ونائد رفقا بحاله يجلس مقيدا علي مقعد ثابت في الأرض، ثلاثتهم في ثبات عميق من أثر ذلك المخدر، المكان مظلم الا من أضواء ضعيفة من مصابيح ضغيرة معلق، الحشرات والقوارض تتحرك هنا وهناك، بقايا قطع قماش تملئ المكان وعدة ماكينات قديمة ملقاه هنا وهناك، صوت البوابة الحديدية الضخمة تُفتح بعنف تشق سكون الليل، خطت قدميه للداخل يتحرك في هدوء خطير، اقترب من الغرفة يصفق بيديه للحراس ليسرعوا بإشعال المصابيح، كسي ضوء أصفر باهت يضئ المكان بأكمله، تقدم احد الحراس سريعا يحمل مقعد وضعه خلف ذلك الواقف ليجلس عليه يضع ساقا فوق أخري، يشير بإصبعيه للحراس يتمتم بابتسامة قاسية ملتوية:.

- فوقوهم.

توجه ثلاثة رجال كل واحد منهم يحمل سطل كبير من الماء يلقيه علي اولائك المقيدون، سمع شهقات عنيفة أثر اصطدام الماء القوي بجسد كل منهم، تحرك بمقلتيه يتفحص الثلاثة أجساد أمامه، بداية من جوليا لنائل وانتهي اخيرا بنائد الجالس علي مقعد بعيد، ينظر لحمزة كارها، تعالت ضحكات حمزة وفي تلك اللحظات تحديدا يُفضل أن نقول إياد، إياد الدهشوري، يعود من جديد بابتسامة السوداء المختلة، لمعة عينيه القاتلة شرسة حركاته العنيفة، أفكاره السامة، انزل حمزة ساقه من فوق الاخري تنهد ساخرا ليتحرك بخطوات رشيقة خفيفة ناحية نائد أولا، طفقه بنظرات قاتلة، ليتحرك ناحية جوليا، وقف أمامها يدس يديه في جيبي سرواله يبتسم في وعيد قاتم اسود، اخرج يمناه من جيبه رفعها يقبض برفق شديد علي فك جوليا، نظر ينظر لها للحظات قبل أن يصدم رأسها في العمود خلفها بعنف طفيف، تركها وتحرم ناحية بطل حفلة الليلة، ينظر لها يبتسم وهو يقف أرضا ساقيه مقيدة بسلاسل من حديد ذراعيه مرفوعين لأعلي يقيدهما سلسلة ضخمة من الحديد تعلو لتصل لسقف الغرفة، رفع حمزة سبابة يمناه يشير له بعلامة رائع، ليباغته بلكمة عنيفة ارتد نائل علي إثرها للخلف، سمع في تلك اللحظة خطوات حادة غاضبة تأتي من الخارج ابتسم بالتواء يتمتم ضاحكا قبل أن يلتفت للقادم:.

- كويس أنك ما اتأخرتش عشان تلحق معايا الحفلة من أولها.

التفت حمزة لأخيه ليجد خالد يقف هناك ينظر للجمع امامه بنظرات اخافته هو نفسه، تسارعت أنفاس خالد غضبا يتذكر كلمات ابنته التي ظلت تهذي بها بعد أن فقدت الوعي بين ذراعيه، تبكي وترتجف، يتشنج جسدها وكأنه يُصعق تصرخ بما فعلوه بها، لتزداد حمم بركانيه الغاضبة، خلع سترة حلته تلاها قميصه، يقبض به علي تلك العصا الحديدية الضخمة رياضة « البيس بول »، اقترب بخطي كالاعصار من جوليا يغرز أصابعه في فكها يصرخ بسعير ملتهب:.

- سنيييين، سنيييين وأنا بدور علي اذي بنتي ومن هي طفلة، طفلة مالهاش ذنب في اي حاجة، خطفتوها، والحيوان ابنك حاول يغتصبها، عيشتوها سنين عمرها كله في رعب وخوف من الكل، هي اذيتك في ايييييييييييه
استعرت عيني جوليا يعصف بها نيران الانتقام السوداء تشجنت عضلات وجهها لتصرخ فيه بشراسة:
- كنت بنتقم باخد حق جوزي اللي انت قتلته..

صرخت من الألم ما أن انهي كلامه لتصدح صرخات نائل الغاضبة حين هوي خالد بكفه علي وجه جوليا بعنف، التف وجهها من عنف صفعته، عاد خالد يقبض بكفه علي وجهها يدير وجهها إليه قصرا نفرت عروقه الثاثرة تغزو وجهه يخرج صوته كالرعد حاد صارخ غاضب:.

- جوزك المجنون، خطف مراتي وضربها وحاول يغتصبها، جوزك المجنون جالي يوم فرحي جايبلي صور باوضاع مخلة لمراتي، وابوه خطف بنتي طفلة صغيرة مالهاش ذنب في اي حاجة وموتها، عايشني عمري كله بحسرتي عليها، لو رجع بيا الزمن ألف مرة هقتله، بدل المرة ألف.

انهي كلامه لينزل بكفه علي وجهها مرة تليها أخري وأخري وأخري، إلي أن فقدت وعيها، بصق عليها ليتوجه ناحية نائد الجالس علي مقعد تلتف حوله الحبال، رفع ساقه يستند بقدمه علي جزء فارغ من المقعد ينظر لنائد نظرات قاتلة شيطانية قبض علي خصلات شعره بعنف يقربه من وجهه يبتسم:
- أنت بقي، علي اللي عملته زمان وهربت وعملت مجنون، وعملته دلوقتي...
نزل بكفه علي وجهه بعنف يرفع رأسه له يتمتم بنبرة قاتمة سوداء:.

- ايدك القذرة اتمدت علي وش بنتي، ما كفكش اللي عملته زمان، جاي تكمله دلوقتي، أنا مش هقتلك تؤتؤتؤ أنا هديك للي اسوء من الشيطان هيخليك تتمني الموت ألف مرة
تركه ينظر حمزة لتتوسع ابتسامة الاخير نظر لأخيه مبتسما يتمتم متفاخرا:
- حبيبي تسلم والله مش عارف اقولك ايه علي الاطراء الرائع دا، سيبهولي.

اخيرا، توقفت رحلته الغاضبة أمام ذلك المعلق أمامه اشار بيده لرجال أخيه أن يفكوا قيدوه، لحظات وتحررت يديه وقدميه من القيد، ارتمي أرضا ينظر للواقف أمامه بهلع يخفيه خلف نظراته الكارهة ارتسمت ابتسامة واسعة ساخرة علي شفتي معاذ او نائل ينظر لخالد في تحدي ساخر تعالت ضحكاته يحادثه ساخرا:.

- اوعي تكون فاكر أن أنا خايف منك، أنا خدت حقي انتقمت لابويا، كان لازم تشوف شكل لينا لوليا حبيبة لما عرفت الحقيقة، كان لازم تسمع صريخها وزيدان بيغتصبها بعد ما أنا حطيتله الحبوب في العصير، زيدااان ارحمني يا زيدرااان، يا بابا الحقني يا بابا...

انهي كلامه بضحكة قوية رجت المكان لتنفجر الدماء في رأس خالد رفع يده الممسكة بالعصا لينزل بها علي جسد نائل بعنف، خرجت معها صرخة متألمة من بين شفتيه، ليعاود النظر لخالد يبتسم بجنون وكأنه مختل هارب من احدي المصحات النفسية:
- أضرب كمان، بس تفتكر بالضرب دا هترجع اللي فات، هترجع سنين عمرها اللي عايشتلها في رعب، هترجع معاذ الغلبان اللي أنا موته، هترجع حفيدك اللي أنا قتلته بإيدي...

صرخ خالد صرخة قوية شقت صمت المكان لينزل بعصاه علي جسد نائل مرة أخري وأخري واخري كل ضربة تُجسد أمام عينيه مشاهد صراخات ابنته، انهيارها، خوفها منذ أن كانت طفلة، فقدانها لطفلها، وصرخات ذلك الملقي أرضا تتعالي من الألم، كان حريصا للغاية الا تمس العصي رأسه حتي لا يموت لازال الوقت مبكرا لموته، القي العصا من يده، نظر لأحد الرجال يصرخ فيهم:
- يتعلق زي الكلب زي ما كان...

حرك الرجل رأسه إيجابا سريعا، ليلقي خالد العصا بعيدا من يده، يتحرك لخارج المخزن بأكمله يتوجه إلي سيارته يشق بها غبار الطريق.

في منزل خالد السويسي، تحديدا في غرفة زيدان يتحرك في مكانه كليث حبيس، لا يصدق أن خاله اغلق عليه باب الغرفة من الخارج حتي يمنعه من الذهاب معه أو اللحاق به، كان يجب عليه هو أن يذهب، هو من يجب أن ينتقم، ماذا حدث، حدث له هو وزوجته، تحرك ناحية شرفة غرفته المغلقة يجذبها بعنف مرة تليها أخري أن كسر المقبض وفتحها، دخل إلي الشرفة يلتف برأسه حيث غرفتها هناك بالقرب منه، قلبه ينتفض شوقا لرؤيتها للاطمئنان علي حالها، خاصة بعد أن انهيارها بين ذراعيه، اغمض عينيه يتذكر ذلك الشعور اللذيذ من جديد حين هرولت إليه تحتمي بين ذراعيه، قلبه انفجر يتقافز حينها قبل أن يسمع ما قالت وينفجر حمم غضبه، تحرك بخفة من شرفة غرفته يحاول الوصول لشرفة غرفتها المسافة بينهما بعيدة إلي حد ما، ارتمي بجسده علي الشرفة الاخري ليتسمك بسورها الضخم قبل أن يسقط، رفع جسده بخفة لداخل الشرفة، وقف للحظات يلتقط أنفاسه، تحرك يختلس النظر لداخل الغرفة ليجد لينا والدته، تطمأن علي ابنتها، ربتت علي رأسها بحنو تقبل جبينها، لتتحرك إلي خارج الغرفة تركها نورها مضاءا تحسبا لاستيقاظها فجاءة خاصة مع حالتها النفسية الشبه مدمرة، تحرك زيدان لداخل الغرفة ما أن خرجت لينا، يتقدم من فراشها، جلس علي ركبيته جوار فراشها، ليمد يده برفق يزيل خصلات شعرها التي تغطي وجهها خرجت تنهيدة حارة من بين شفتيه كشظية صغيرة من حرب مندلعة تتأجج داخل قلبه، تحركت زرقاء عينيه علي قسمات وجهها يشعر بخنجر مؤلم يطنعه في قلبه ما أن ينظر إليها، ولكنه لم يكن يملك سوي أن ينظر إليها، يشبع مقلتيه المشتاقة القلقة، توترت قسمات وجهه حين رأي حاجبيها ينعقدان، قسمات وجهها تتشنج، جسدها بدأ يرتجف بعنف، لم يعرف ما يفعل خاصة وأنها بدأت تصرخ تصيح من بين صرخاتها بكلمات مبعثرة غير مفهومة، انتفض سريعا يمد يديه يمسح علي خصلات شعرها يهمس لها بنبرة حانية قلقة متلهفة:.

- هششش، هششششش، اهدي، اهدي يا حبيبتي خلاص.

لم تستجب بل زاد جسدها تشجنا انتفض خوفا عليها ليقترب منها سريعا يجلس علي حافة فراشها لا يعرف حتي كيف جذبها لصدرها يحاوطها بأحد ذراعيه والاخري تمسح علي خصلات شعرها علها تهدئ قليلا، يهمس لها بكلمات مترفقة حنونة جوار اذنيها، لحظات وكان كل من في المنزل في غرفتها ومعهم خالد الذي جاءا توا وتحرك يركض مع صرخات ابنته، بدأت صرخات تهدي وجسدها يتوقف عن الارتجاف شيئا فشئ تتشبث بكف يدها باستماته علي قميص زيدان، اندفع خالد لداخل الغرفة يحاول جذب ابنته برفق من بين أحضان زيدان لتزداد تشبثا به، بدت كطفلة صغيرة ترفض تركض أحضان والدها، لحظات طويلة إلي أن هدأت وارتخي جسدها، وخفت قبضتها عن قميص زيدان، ليضعها علي فراشها، جذب خالد الغطاء يدثر ابنته، تركوا لينا مع ابنتها ليتحركوا جميعا لخارج الغرفة، نظر خالد لحسام يحادثه قلقا:.

- حسام ما ينفعش تديها مهدئ بدل حالتها دي
تنهد الاخير حزينا يحرك رأسه نفيا، نظر لأبيه يحادثه قلقا:
- أنا اديتها فعلا من مدة بسيطة ما اقدرش اديها مهدئ تاني، غلط عليها
زفر خالد أنفاسه القاتلة من صدره المستعر، تحرك برأسه ناحية زيدان تقدم بضع خطوات منه يرميه بنظرات حادة قاتلة يحادثه بهمس غاضب:.

- أنت خرجت من أوضتك ازاي، ودخلت اوضتها إزاي، أبعد عنها يا زيدان هي خلاص ما بقتش مراتك، أنت هربت وبعدت، سيبني ألم اللي باقي من بنتي.

نظر زيدان ناحية خالد بضع لحظات طويلة بصمت غريب لم يبدي رفضه او قبوله فقط تحرك ينزل لأسفل، ليقترب حسام من أبيه يشد بيده علي كتفه نظر خالد لابنه ليبتسم الأخير ابتسامة باهتة، تحركوا جميعا لأسفل ليجدوا زيدان يجلس علي أحد المقاعد يخفي وجهه بين كفيه، جلس حسام جواره ليجلس خالد علي مقعد قريب منهم، لحظة فقط ورفع زيدان وجهه يتحدث فجاءة:
- لينا لازم تبعد عن الكل!

رحلة العودة للمنزل كانت صامتة، صمت تام ينسجم مع أنفاسها الهادئة وهي تغط في نووووم عميق هادئ، تختلس عينيه النظرات إليها بين حين وآخر يتطلع بشغف عاشق مشتاق إلي قسمات وجهها البرئية وهي نائمة، ينظر لانتفاخ بطنها سعيدا مبتهجا سهيلة تحمل بطفل منه، كم يشعر بالسعادة، يكاد يطير فرحا، حين وصلت السيارة كان الفجر قد أعلن عن خيوطه وبدأ الليل في الإنسحاب شيئا فشيئا، اوقف السيارة أمام منزل والدها، ليلتف لها بجسده ظل يتأملها دقائق طويلة، قبل أن يوقظها بصوت هادئ:.

- سهيلة، سهيلة، اصحي، سهيلة اصحئ خلاص وصلنا.

استجابت بعد لحظات رآها ترفع كف يدها، تفرك عينيها تتثأب كطفلة صغيرة ناعسة، فتحت مقلتيها تنظر لوجهه لتري تلك الابتسامة الواسعة تشق شفتيه سيطرت علي مشاعرها بصعوبة قبل أن ترتمي بين أحضانه، التفت برأسها تنظر لمنزل والدها لترتسم ابتسامة حزينة علي شفتيها نزلت سريعا من السيارة، ليلتقط هو حقيبة ثيابها يتحرك خلفها، توجهت لداخل المنزل، تدق الباب مرة تليها أخري وأخري الي أن سمعت صوت خطوات تتقدم تفتح الباب، ظنتها احدي الخادمات، لتري والدها يقف أمامها عينيه حمراء يبدو أنه كان يبكي، انهمرت دموعه ما أن رآها، ليسرع باختطافها بين ذراعيه يشدد علي عناقها تنهمر دموعه سيولا، يهمس شاكرا:.

- الحمد لله يا رب، الحمد لله أنك هتقبل دعايا، الحمد لله، كدة يا سهيلة، تحرقي قلبي عليكي كدة، أنتي مش عارفة أن ماليش في الدنيا غيرك
وقف جاسر بالقرب منهم يراقب لقائهم السعيد حتي أن عينيه دمعت من بكاء عزالدين، واعتذار سهيلة لوالدها، تحركت مع والدها للداخل ليلحق جاسر بهما، جلس عز الدين جوار ابنته يسألها:
- ايه اللي حصل خلاكي تهربي...

التفت برأسه ناحية جاسر الواقف بعيدا، ليتحرك إليه وقف أمامه ينظر له غاضبا قبل أن يصيح فيه:
- أنت عملتلها إيه، اذيتها مش كدة، دا أنا آمنتك عليها، ليه، اذيتها ليه
اخفض جاسر رأسه يحرك رأسه إيجابا تجلي الندم في حدقتيه حين رفع من جديد تنهد حزينا يهمس بصوت خفيض متعب:
- هحكي لحضرتك كل حاجة وربنا شاهد علي كل كلمة بقولها.

وبدأ يقص عليه ما قاله سهيلة دون أن يزيد حرفا واحدا، يحكي له ما حدث كاملا، انهي جاسر كلامه ليقترب من عز الدين أمسك كف يده يحادثه بانفعال صادق:
- والله يا عمي دا اللي حصل، أنا طلقت شاهيناز أنا محبتهاش والله عمري ما حبيتها، أنا بحب بنتك، بحبها اوي اوي، ومستعد أعمل أي حاجة في الدنيا عشان تسامحني.

عزالدين بشخصيته الهادئة اللينة المسامحة شعر بالشفقة علي ذلك الفتي الواقف أمامه يري الصدق يصرخ في حدقتيه، ابتسم له برفق يربت علي كتفه، التفت ينظر ناحية ابنته لتشيح بوجهها بعيدا ترفض تماما، زفرت أنفاسها المختنقة، ترغب فئ الذهاب لصديقتها بأي شكل كان، وقفت من مكانها تنظر لأبيها تحادثه:
- بابا معلش أنا لينا وحشاني اوي، عن إذنك هروح اشوفها.

تحركت للخارج مرت من جواره ليغمض عينيه بقوة يلتهم نسيم عطرها الهادئ حين مرت جواره توجهت للخارج مباشرة دون أن تلقي عليه نظرة واحدة، اقترب عزالدين منه يدفعه في كتفه يحادثه حانقا:
- أنت مالك واقف زي التمثال كدة ليه، ما تروح وراها، حاول تصالحها، جيل اهبل صحيح
ضحك جاسر بخفة يلوح لوالد سهيلة ليتحرك سريعا يهرول خلفها وصل إليها يمشي جوارها التفت برأسه لها يتمتم في مرح:.

- أنا كمان وحشتني البت لينا اوي وعايز اشوفها واشكرها...

نفخت سهيلة أنفاسها بضجر تحاول الإسراع فئ خطواتها أكثر ليصل إليها بسهولة في كل مرة بضع دقائق فقط ووصلت لمنزل لينا، خطت عبر الحديقة الي الداخل، كادت أن تدق الباب ليخرج جاسر نسخة من المفتاح من جيب سرواله، دخل اولا لتتبعه هي، كاد علي وشك أن يقول شيئا مرحا كعادته ليصمت تماما حين رأي خالد وزيدان وحسام كل منهم ملقئ علي أريكة ملامحهم مجهدة متعبة وكأنهم لم يذوقوا للنوم طعما، وكيف يفعلون ولينا لا تتوقف عن الصراخ بين وقت وآخر، فتح فمه يريد أن يقول شيئا، ليمنعه صرخات لينا التي علت تشق المكان من مكان، توسعت عيني جاسر فزعا يصيح فيهم:.

- دي لينا اللي بتصرخ
لم يعطيه احدا إجابة، بل صعد خالد يهرول لأعلي ومعه حسام وزيدان ليلحق بهم جاسر وسهيلة تركض بقدر استطاعتها، دخل جاسر إلي الغرفة مفزوعا ليجد لينا تصرخ بهستريا بين أحضان والدتها التي لا تتوقف عن البكاء...
بينما تقدم خالد من حسام يصيح فيه:
- اديها أي مهدئ كدة هتموت.

حرك حسام رأسه إيجابا سريعا لم يكن يملك اي خيار آخر، اقترب سريعا منها يحقنها بمهدئ قوي لتصمت بعد لحظات صدمة ما يحدث عقدت لسان جاسر لا يفهم ما يحدث وقلبه ينتفض خوفا علي شقيقته، لم يجفل سوي علي شهقة سهيلة التي وصلت اخيرا الي الغرفة، اقتربت تهرول من فراش صديقتها، تحتضن رأسها المسطحة علي الفراش تنظر لهم تصيح مذعورة:
- مالها لينا فيها إيه، مالها لينا يا طنط، حد يرد عليا.

أهو سؤال بلا إجابة أم سؤال إجابته حقا مؤلمة لا أحد يرغب في ذكرها، تحرك جاسر للداخل ناحية خالد مباشرة توجه، وقف أمامه مباشرة يحرك رأسه نفيا، تسارعت أنفاسه يسأله قلقا:
- ما اذاهاش مش كدة، أنا غلطان، أنا ما كنتش مرتحله، قولتلها، أنا قولتلها، قولي أنه ما اذاهاش.

نظرة الألم والغضب التي رآها في عيني خالد تكفلت بالرد علي سؤاله، تسارعت الدماء تفور فئ رأسه نفر ذلك العرق الصغير المجاور لكفه قبض كفيه يهمس بهسيس قاسي متوعد:
- هو فين
انثني جانب فم خالد بابتسامة ساخرة شرسة تحمل قدرا كبيرا من الشر، رفع يده يضعط بها علي كتف جاسر يغمغم في هدوء قاتل:
- وأنت فاكر اني هسيبه من غير حساب...

تحرك يرتمي بجسده علي الاريكة في الغرفة، ليقترب زيدان منه يحاول أن يتحدث بصوت هادئ قدر الإمكان:
- لينا لازم تبعد صدقني وجودها هنا غلط عليها، تروح مكان ما راحتهوش قبل كدة تبني نفسها فيه من اول وجديد...
تحرك حسام يقف جوار صديقه يؤيد فكرته يحرك رأسه إيجابا يردف هو:.

- زيدان عنده حق في كل كلمة، لينا لازم تبعد، في مكان هادئ، مكان قريب من بحر مثلا، او حقل، مكان صافي، أنا هكون معاها، أنا وهي ودكتور نفسي بس...
- أنا مش هسيب بنتي، صاحت بها لينا بحرقة وهي تسمعهم يخططون لإبعاد ابنتها عنها وهي في حالتها تلك، التفت حسام بجسده يقترب من لينا زوجة والده وقف بالقرب منها يحادثها بتعقل:.

- صدقيني يا دكتورة وجودك جنبها الفترة دي مش هيفيدها بالعكس هيأذيها، لينا محتاجة تلاقي نفسها من أول وجديد
هنا تحدث خالد محتدا يري أن له كامل الحق بأن يكون جوار ابنته فئ حالته تلك:
- وليه تكون أنت معاها، أنا هسافر معاها
هنا ابتسم زيدان في هدوء يحرك رأسه نفيا يحاول إقناع ذو الرأس الصلب الجالس أمامه بتعديل فكرته:.

- صدقني مش هينفع، مش هتتقدم خطوة وهي شايفة في عينيك الندم والحسرة علي اللي حصلها، لما تشوفك هتفتكر دايما أنهم اذاوها، أنا آسف يعني، عشان ينتقموا منك، حسام أنسب حد يفضل معاها، حسام كان جنب لينا قبل كدة وهي بتتجاوب معاه بشكل سلس، واخوها وأكيد هيحميها، ودكتور وهيعرف يتصرف في اي ظرف طارئ
- أنا كمان، أنا كمان ارجوك لو ينفع أسافر معاها صدقني مش هضايقها خالص أنا وهي أصحاب من زمان اوي.

همست بها سهيلة بنبرة خافتة باكية تنظر لحسام برجاء صامت، فكر الأخير للحظات قبل أن يحرك رأسه إيجابا، وجود سهيلة جوارها ربما يشد من ازرها قليلا، حاول جاسر إقناعهم بالذهاب معهم هو الآخر تنهد حسام حانقا يردف بنزق:
- يا جماعة مش رحلة هي، المهم هنروح فين.

نظر خالد للينا للحظات، شعرت أنها فهمت ما يرمي إليه حركت رأسها إيجابا سريعا دون تردد، ليقوم خالد من مكانه يخرج مفاتيحه يخرج منها مفتاح مد يده يعطيه لحسام تنهد يحادثه قلقا:
- دا شالية في الساحل، هقولك عنوانه بالتفصيل، وهكلم حد ينضفه قبل ما توصلوا، قاسم هيسافرلكوا علي هناك، أنا عارف قاسم مش هيتأخر
تنهد خالد تنهيدة طويلة حارة قلقة ينظر لابنته الممدة علي الفراش ليعاود النظر لحسام يحادثه قلقا:.

- خلي بالك من اختك يا حسام، هتبقي عيني عليكوا دايما هناك، بس خلي بالك إنت منها
ابتسم حسام في هدوء يطمئنه، ساعة مرت قبل أن تجهز لينا حقيبة ثياب ابنتها بأعين باكية لا تتوقف عن ذرف الدموع، بينما توجهت سهيلة سريعا تودع والدها، وقفت جوار سيارة حسام ليقترب جاسر منها وقف أمامها ينظر لها للحظات ليحادثها قلقا:
- مش هقدر اقولك ما تروحيش، أنا عارف انتي بتحبي لينا وهي بتحبك قد ايه، خلي. بالك منها ومن نفسك.

صمت للحظات قبل أن يمد يده يبسطها علي بطنها ارتسمت ابتسامة طفيفة علي شفتيه يردف بحنو:
- ومن اللي في بطنك
اقترب حسام منهم يحمل حقيبة شقيقته فتح صندوق السيارة يضع فيه حقيبة شقيقته وحقيبته ليضع جاسر جوارها حقيبة سهيلة، أغلق حسام صندوق السيارة بعنف يتنهد قلقا يتمني أن تمر الفترة القادمة فقط علي خير...

تحرك حسام ليجلس خلف المقود حين استوقفه جاسر يوصيه علي سهيلة لكونها حامل، ليضحك حسام بخفة، من الجيد أن يتذكر المرء كل حين وآخر مجال اختصاصه الفعلئ ربت علي كتف جاسر يحادثه مبتسما:
- ما تقلقش يا عم أنا دكتور نسا قديم.

ابتسم جاسر ينظر لحسام ممتنا هو حقا لا يعرف كيف يكون ذلك الشاب شقيق لينا ولكنه ليس الوقت المناسب تماما لأي أسئلة، دقائق قبل أن يظهر خالد يحمل ابنته النائمة بين ذراعيه فتح جاسر له الباب سريعا ليضعها خالد علي الأريكة الخلفية، لتجلس سهيلة قوية، نظر لابنته يودعها بنظرات حزينة نادمة، أغلق باب السيارة عليها، لينظر لحسام يحادثه بإرهاق:.

- قاسم في طريقه للساحل، وأنت معاك العنوان، في ناس راحت تنضف الشالية، خلي بالك منها كويس يا حسام
ابتسم حسام يطمأن والده قبل أن يستقل السيارة يرحل سريعا تتحرك خلفه سيارات حراسة خالد، وقف خالد ينظر لسيارة حسام وهي تغادر، اغمض عينيه لتتساقط دمعتين منهما مد يده سريعا يمسح دموعه ليعود إدراجه لداخل المنزل، حيث تجلس لينا علي أحدي الارائك تبكي، اقترب خالد يجلس جوارها لتنظر له بأعين حمراء تصيح فيه بحرقة:.

- ليه بيحصل فيها وفينا كل دا يا خالد ليه
جذبها لاحضانه يطوقها بذراعيه عينيه تنظر للفراغ البعيد يهمس لها بنبرة قاطعة يؤكد بها ما تقول لنفسه قلبها هي:
- هتبقي كويسة، هترجع كويسة، صدقيني هترجع كويسة.

في الأعلي تحديدا في غرفة لينا يجلس زيدان علي فراشها الفارغ يلتهم الشوق قلبه وهي لم تغادر سوي قبل دقائق، هو من ابعدها لأجلها لن تصبح بخير وهئ هنا، تحتاج للعودة من نقطة الصفر، مد يده يتحسس الوسادة التي كانت تنام عليها ليشعر بها رطبة مبللة بدموعها، رفع الوسادة يضمها بين ذراعيه يغمض عينيه يستشعر وجودها هي بين أحضانها.

شهر، شهر كامل مر علي ما حدث، شهر عادت تبني فيها بنيان محطم منذ سنوات، بنيان لم ينفع معه الترميم كان يجب أن يهدم لتعيد بنائه من جديد، ها هي تقف هناك خارج منزل الساحل، أمام أمواج البحار المتلاطمة تنظر إليها تبتسم ابتسامة شاحبة مجهدة، ابتسامة تشق طريقها للحياة من جديد، الأيام الماضية كانت ججيما بكل ما تعنيه الكلمة من معني، الكوابيس البشعة لم تتوقف تراه كلما اغمضت عينيها، تسمع كلماته السامة تعاد في اذنيها مئات المرات، عليها فعلا أن تكون ممتنة لحسام الذي ظل شهرا بأكمله ينام ليلا علي « مرتبة » أرضا جوار فراشها تحسبا لنوابة فزع مفاجاءة، ولسهيلة التي لم تكن تتركها تعاملها كطفلة صغيرة تطعمها تمشط شعرها، تفعل كل ما تقدر عليه، واخيرا قاسم، لم تكن تعرف أنه طبيب ماهر لتلك الدرجة، جلساته المكثفة التي تستمر لساعات بدأت تؤتي ثمارها بعد ثلاثة أسابيع، توقف السير، وقفت تواجه البحر تفرد ذراعيها جوارها تغمض عينيها تلك المرة لم تظهر صورة نائل منذ أيام واختفت صورته توقفت عن الظهور، حين أخبرها قاسم أن توجه تفكيرها سريعا لشئ آخر ما أن تظهر صورة نائل أمام عينيها، فاختارته هو، باتت تراه كلما أغمضت عينيها، انسابت دموعها خلف جفنيها المغلقين تشتاق له، تحبه، نادمة، هي فقط لم تكن تعرف، ذاك ليس ذنبها، أنها كانت ضحية لذئب ماكر ببرائته المدنسة ليسلب منها كل شئ، اجفلت من شرودها علي شئ دافئ وضع علي كتفيها وصوته الهادئ يحادثها:.

- أنا حسام ما تخافيش
نظرت له تبتسم في شحوب ليرفع كفه يمسح دموع عينيها برفق يسألها مترفقا:
- ليه الدموع دي
ابتسمت له بوهن تحرك رأسها نفيا اقتربت منه تستند برأسها علي صدره ليرفع يده يربت بها علي رأسها برفق يسألها ما بها مرة أخري، لحظات صمت لا تعرف ما تقول تحرك لسانها تلقائيا يعبر عما يجيش بقلبها:
- زيدان وحشني أوي!

توسعت عيني حسام في ذهول للحظات كان علي وشك أن يقول جملة حمقاء ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة حالتها النفسية علي المحك، جذبها لتجلس علي الرمال ليجلس أمامها أمسكت كتفيها بكفيه برفق يردف:
- أنت حبيتي زيدان يا لينا.

كان سؤاله غريبا، حقا غريب، رفعت وجهها تنظر لعينيه للحظات شعرت بأنها تحادث والدها خاصة وقد خلع عدساته الطبية واستبدلها بنظرات شفافة، حركت رأسها إيجابا بعد لحظة أخري، ليتنهد هو كان علي وشك أن يصرخ فيها، لما يا حمقاء لم تعطيه فرصة أخري طالما تحبينه ولكنه تراجع للمرة الثانية، زفر أنفاسه حائرا حانقا، ليراها تنظر له كطفلة صغيرة، لم يعرف ماذا يفعل جل ما فعله أنه عاد يعانقها من جديد يمشط خصلات شعرها بأصابعه يتمتم مبتسما:.

- علي فكرة زيدان بيتصل بيا خمسين مرة كل يوم عشان يطمن عليكي
ابتسمت حزينة تعرف، سمعته مرات عدة يحادثه يطمأنه عليها، شردت عينيها في الفراغ البعيد رفع مقلتيها تنظر لوجه حسام تسأله في توتر:
- تفتكر هو لسه بيحبني، أنا جرحته أوي، بس والله كان غصب عني، ما كنتش اعرف أن هو اللي بيعمل فيا كدة
وضع حسام كفه علي فمها قبل أن تكمل ما تقول ليردف بنبرة قاطعة:.

- ما تجبيش سيرة الموضوع دا تاني احنا اتفقنا هننسي اللي فات صح
حركت رأسها بإيجاب يرفضه قلبها، ليدنو هو من اذنها ليهمس لها بمرح ونبرة عاشقة ولهةة:
- اقولك أنا علي سر، أنا بحب البت سارة بنت عمك عمر، وشكلي كدة هخطفها واتجوزها عشان بابا وعمي رافضين.

نظرت له مدهوشة ترمش بعينيها سريعا حسام جُن هو الآخر، ضحك الأخير بملئ شدقيه قبل أن يوقفهم دقات هاتف حسام، نظر للطارق لتتوسع عينيه في دهشة فتح الخط يضع الهاتف علي أذنه يتمتم ضاحكا:
- ايه يا عم صادق ليك وحشة والله اخيرا قررت تتصل باصحاب زمان
ضحك الأخر يتحدثان سويا بضع دقائق عن ذكريات الصداقة القديمة قبل أن يردف صادق:
- بص يا عم حسام، أنا عايزك في خدمة، هتيجي انتداب شهر في جامعة (، ) تدرس لطلبة سنة أولي.

تغنضت قسمات وجه حسام في ضيق يتمتم رافضا:
- لا يا عم بطلناها الشغلانة دي، أنا درست سنتين لما كنت في السعودية، لالالا مش هعيد الفيلم دا تاني
تنهد صادق يحاول إقناع صديقه بالموافقة:
- عشان كدة اتصلت بيك يا حس، إنت دكتور شاطر ومعاك ماجستير ودرست قبل كدة، شهر واحد بس يا حس، عندي بحث مهم ولازم اسافر عمان يلا بقي فين جدعنتك يا صاحبي.

تنهد حسام حانقا يحاول التملص من ذلك العرض دون جدوي صادق يسد جميع الثغرات أمامه، تنهد حسام حانقا يتمتم علي مضض:
- ماشي يا صادق، لما ارجع القاهرة لينا كلام تاني، سلام يا صاحبي.

أغلق معه الخط ينظر للينا في غيظ مضحك لتضحك الأخيرة بخفة عليه، لحظات وأخري ودق هاتفه تلك المرة برقم زيدان، عرفت لينا أنه هنا من توتر وجه حسام الذي ظهر فجاءة لتلتقط الهاتف من يده فتحت الخط تضع الهاتف علي اذنها لتستمع إلي صياح زيدان الغاضب:.

- أنت يا حسام الزفت بقالي ربع ساعة بحاول اتصل بيك بترغي مع مين دا أنا هعلقك لما اشوفك صبرك عليا يا حيوان، لينا طمني علي لينا هي كويسة، بتتحسن، كلت، أنا اتصلت بمطعم سمك وخليتهم يتوصوا بشوربة السي فود اللي بتحبها بي ما تخليهاش تتقل منها عشان بطنها بتوجعها ، ما ترد عليا يلا، حيوان صحيح علي رأي خالي.

انسابت دموعها وابتسامة صغيرة عرفت طريقها لشفتيها، بعد كل ما حدث لا زال يتذكر ادق التفاصيل خرجت شهقة من بين شفتيها لم تستطع حبسها طويلا، تهمس له بصوت خفيض حزين مشتاق:
- زيدان!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة