قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والتسعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والتسعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والتسعون

- زيدان!
همس ضعيف خافت مشتاق صدر منه تهمس بأحرف اسمه، لتتوقف دقات قلبه برودة قارصة تغزو خلاياه، صوتها هي، لم يكن يعرف أن اسمه أكثر عذوبة من الماء إلا الآن...
اغمض يديه يشد قبضته يلتقط أنفاسه السبية من همسة واحدة، مهلا يا زيدان مهلا لن تعود لتلك الدوامة من العشق المؤلم من جديد، تمالك نفسك، التقط أنفاسه بصعوبة بالغة، حمحم يحاول إظهار الثبات في نبرة صوته:.

- ازيك يا لينا، يا رب تكوني أحسن، أنا كنت متصل عايز حسام هو جنبك ولا اطلبه في وقت تاني.

أغمضت مقلتيها لتنساب دموعها تغرق وجهها آه من نبرته الجافة التي اصابت شتات قلبها المبعثر وماذا تنتظر منه إن يأخذها بين ذراعيه يغرقها في طوفان عشقه بعد كل ما حدث، بعد أن جرحت كرامته كبريائه عشقه لها، شدت قبضتها علي الهاتف تغمض عينيها تنهمر دموعها في صمت قاتل، ليسارع حسام باختطاف الهاتف من يدها، وضعه علي أذنه سمعت حديث متوتر من جهة أخيها يحادثه به، ينظر لها بين حين وآخر بينما هي عينيها شاردة في الفراغ البعيد في خدعة قضت فيها عمرا كاملا، كيف كانت بتلك السذاجة لتقع فريسة فخ لافعي دمرت حياتها بالكامل، رفعت يدها تزيل دموعها تنظر للفراغ البعيد، زيدان يحبها، تعرف أنه لازال يفعل، زيدان حقها هي، وهي ستسترد حقها، التفتت لأخيها لتراه يبتسم لها ابتسامة هادئة حنون، مد كف يده لها، لتبسط كفها داخل كفه قامت بصحبته تنفض حبات الرمال عن ثيابها، تحركت بصحبته للداخل حيث سهيلة تجلس علي أحدي الارائك تمد قدميها المتورمة من أثر الحمل أمامها، جلست لينا بالقرب منها ترسم ابتسامة مرحة علي شفتيها بسطت يدها برفق علي بطن صديقتها المنتفخ تغمغم:.

- قوليلي بقي يا سوسو تفتكري البيبي هيبقي ولد ولا بنت
عند تلك النقطة انفجر حسام الجالس بالقرب منهم في الضحك ظل يضحك الي أن أدمعت عينيه، نظرت لينا لسهيلة في عجب لترد لها الأخيرة نفس النظرات لا تفهمان علي ما يضحك لتلك الدرجة هدأت ضحكات حسام شيئا فشئ بقيت بقايا ضحكات بسيطة تخرج بين لحظة وأخري من بين شفتيه، نظر لهما يمسح دموعه الساقطة من الضحك:.

- معلش اصل الموقف فكرني بموقف مريضة كانت جاية تعمل سونار هي ووالدتها، طلعت علي جتتي السبع سنين بتوع طب، مقتنعة أن بنتها حامل في بنت من مناخيرها، بعد الكشف بتاعها كنت مقرر اقفل العيادة واسرح بعربية ترمس.

ضحكت لينا وسهيلة علي ما يقول هو، ليتحرك حسام من مكانه، يجلس علي مقعد بالقرب من سهيلة يسألها عدة أسئلة طبية معتادة ليطمئن علي حالتها، بينما لينا تنظر له تبتسم في امتنان كم تحب حسام كم هي سعيدة لوجوده في حياتهم، حسام علي الرغم من الشبة الكبير بينه وبين والدها الا أن طباعهم مختلفة تماما، حسام أكثر مرحا سهل الحديث، سلس في المعاملة، عكس والدها تماما، يكفي روحه المرحة التي دائما ما تطغي علي اي مجلس يكون فيه، اجفلت من شرودها علي صوت دقات هاتفه من جديد تلك المرة برقم جاسر، نظر حسام لسهيلة يغمغم:.

- اتفضلي يا ستي جوزك، ما هو اصل أنا شغال سنترال، كل شوية واحد يتصل يسأل علي مراته
أغمضت لينا عينيها ما أن نطق جملته الأخيرة ليشد حسام قبضته ندما نطقها تلقائيا لم يكن يقصد تماما أن يجرحها، حمحم بخفوت يفتح الخط يضع الهاتف علي أذنه ليقابله صوت جاسر الملتاع:
- أيوة يا حسام، طمني علي لينا وسهيلة اخبرهم ايه، والجنين بخير، اوعي يكون حصلهم حاجة ومخبي عليا.

ابتسم حسام في هدوء زوج عاشق يبدو أن زوجته غاضبة منه لسبب هو يجهله، ابتسم يحادث جاسر يطمأنه علي الجميع ليبادر قائلا بتلهف:
- هي سهيلة جنبك، لو جنبك خليني اكلمها بالله عليك
نظر حسام لسهيلة يشير للهاتف في يده لتحرك رأسها نفيا تشيح بوجهها بعيدا، تنهد حسام حانقا النساء!، حمحم بخفة يحادث جاسر:
- لا يا جاسر مش جنبي مع لينا.

ابتسم جاسر ابتسامة حزينة لم يراها حسام بالطبع، سهيلة لا ترغب فئ الحديث معه حسام فاشل في الكذب تنهد تنهدية حارة ملتاعة يحرقها جوي الشوق ليغمغم في هدوء حزين:
- أنا عارف انها جنبك ومش عايزة تكلمني، قولها تخلي بالها من نفسها كويس، وأنا هتصل دايما اتطمن عليها، سلام يا حسام.

اغلق حسام الخط مع جاسر ينظر لسهيلة يضيق عينيه ينظر لها مغتاظا كأنه طفل صغير غاضب، لتنظر سهيلة له حانقة قطبت ما بين حاجبيها تصيح بحرقة:
- ما تبصليش كدة، أنت ما تعرفش هو عمل فيا ايه
تنهدت لينا حزينة علي حال صديقتها لتتحرك من مكانها جلست جوار سهيلة علي الاريكة تمسك بكفي يدها ابتسمت في حنو تحاول ترقيق قلبها قليلا:.

- بس أنا عارفة يا سهيلة جاسر حكالي، صدقيني جاسر ما كنش فئ وعيه، ما كنش مدرك لأي حاجة بيعملها أنا عارفة جاسر بيحبك قد ايه، وشوفت حالته من غيرك عاملة ازاي
ارتسمت ابتسامة واسعة ساخرة علي شفتي حسام ينظر لشقيقته حقا، ما تقولين، هل رأيتي حالة زيدان في غيابك الرجل كان يحتضر تقريبا، تنهد حسام يزفر أنفاسه حانقا، حين نظر لشقيقته مرة أخري رآها ترميه بنظرات نارية قاتلة رفع حاجبه الأيسر ساخرا يتمتم متهكما:.

- تبتصيلي كدة ليه، مش كلنا مصطفي أبو حجر علي فكرة
ضحكت سهيلة بخفة تمسح دموعها المتساقطة، لتبتسم لينا في سماجة تتمتم ساخرة:
- لاء وأنت الصادق كلكوا مجانين وعندكوا كام برج ضارب، عايز تتجوز سارة البسكوتة اللي بتخاف من ضلها يا ذكر التور إنت
شهقة متفاجاءة خرجت من بين شفتي سهيلة تنظر لحسام في ذهول رفعت يدها تشير إليه إشارة شاملة تتمتم بذهول:.

- يا نهار اسوح بقي سارة الكتكوتة تتجوزك أنت، دا أنت لو سلمت عليها بس هتكسر ايديها
ضيق حسام عينيه حانقا يرمي شقيقته وصديقتها بنظرات سوداء قاتلة، رفع كف يده يبسطه أمام وجه سهيلة يتمتم في غيظ:
- الله أكبر، أهو القر دا هو اللي جايبنا ورا، ولا هعرف اتجوزها في سنتي البيضا دي، أنا طالع اوضتي وعلي الله اسمع نفس واحدة فيكوا، هبلعها!

تعالت ضحكات لينا وسهيلة من جديد يراقبان حسام وهو يأخذ طريقه لغرفته، التفتت لينا لسهيلة تحادثها مبتسمة بحنو:
- سهيلة، جاسر بيحبك زي ما أنا واثقة أنك بتحبيه، يا سهيلة صدقيني جاسر ما كنش في وعيه!
حركت سهيلة رأسها نفيا مرة تليها أخري وأخري أحمر وجهها وعينيها نزلت قطرات الدموع تغطي وجنتيها لتصيح بحرقة قلبها الملتاع ألما وشوقا:.

- مش قادرة يا لينا، افهميني، أنا حبيت جاسر حبيته اوي هو اول وآخر حب في حياتي، بس اللي عمله فيا صعب، صعب اوي بجد، صعب اني اسامحه عليه، ما تقوليش ما كانش في وعيه لأن زيدان بردوا ما كنش في وعيه وانتي ما سمحتيهوش
قطمت شفتيها تنظر لصديقتها نادمة لا تعرف كيف اوجعتها بتلك الكلمات دون قصد منها، بينما تحجرت عيني لينا تنظر للفراغ نظرات متألمة تتعذب، مدت سهيلة يديها سريعا تمسك بكفي لينا تحادثها بحرقة:.

- لينا سامحيني أنا بجد آسفة ما كنش قصدي افكرك باللي فات، أنا آسفة
لا تعرف كيف رسمت ابتسامة، فقط ابتسامة خالية من الحالية، ابتسامة بالكاد وصلت لشفتيها ولم يعرفها قلبها تحركت مقلتيها ناحية سهيلة لتري الأخيرة دمعات حبيسة داخلها، دمعات قوية ترفض الهبوط، وصوت هادئ كالجليد خرج من بين شفتي لينا:.

- عشان كدة عيزاكي تسامحيه ما تكرريش غلطتي يا سهيلة، ما تضيعيش من أيدك حب كان كل كياني، أمان وحياة وعشق، ما صدقتوش وما سامحتوش، ومشيت ورا الشيطان اللي دمرلي حياتي، ما تغلطتيش غلطتي ارجوكي.

ابتسمت لينا لصديقتها ابتسامة صغيرة لتتركها وتأخذ طريقها لأعلي عبر السلم تسير، وصلت لغرفة حسام لترفع يدها تدق الباب، سمعت صوته يأذن لها بالدخول لتدير المقبض رأته جالس علي فراشه يمسك بهاتفه يتصفحه ابتسم ما أن رآها بينما ظلت تعابيرها جامدة جملة واحدة فقط هي ما نطقتها:
- أنا عايزة ارجع بيتنا يا حسام.

شهر كامل لا يصدق أن الأيام تمر بهذه السرعة الرهيبة تحسنت صحته كثيرا عن السابق، قاب قوسين أو أدنى من التعافي تماما، وقف في شرفة غرفته في منزل جدته ينظر للشارع امامه تحديدا تلك القهوة التي اعتاد مراد أن يجلس هناك، تنهد يغمض عينيه يبتسم ساخرا، هو حقا أشتاق له، أشتاق لشقيقه المتسول، ذو الأخلاق الفاسدة واللسان السليط ولكنه يبقي شقيقه اولا واخرا، اختفائه الغريب يقلقه، أحلام او الارجخظح كوابيس جدته عنه كل ليلة دفعته للبحث عنه، في خضم موجة شروده الهادئة قاطعة صوت رنين هاتفه، توجه الي الفراش يلتقطه، فتح الخط سريعا ما أن أبصر اسم المتصل:.

- ايوة يا كارم عرفت هو فين
صمت للحظات يستمع إلي الطرف الآخر لتتوسع عيني أدهم في ذهول يتمتم فزعا:
- محبوس، ليه وفي قضية ايه ولمين.

صمتت للحظات أخري عينيه تزداد دهشة مراد شقيقه في السجن علي ذمة قضية شروع في قتل وقتل من تحديدا، قتل جاسر رشيد الشريف، جاسر!، كيف لا يعقل، أخذ كافة التفاصيل من صديقه ليشكره ويغلق معه الخط، ظل للحظات جالسا ينظر أمامه في ذهول، جاسر ومراد، ما علاقة مراد بجاسر ولما قد يحاول شقيقه قتل جاسر، الكثير من الأسئلة تدور في رأسه بلا إجابة واحدة، جاسر من يملك كل تلك الإجابات هو يملك رقم جاسر، بحث في هاتفه سريعا الي أن وجد الرقم، سريعا كان يتصل بجاسر ينتظر أن يجيب دقة اثنتين ثلاثة إلي أن اجاب اخيرا:.

- اهلا اهلا ازيك يا ابو الاداهيم واحشني يا جدع فينك مختفي
حمحم أدهم يحاول إيجاد أيسر طريق لسؤال جاسر لم يجد سوي الطريق المباشر:
- جاسر أنت هنا ولا في بلدكوا
تعجب جاسر من سؤال أدهم ليجيبه سريعا في عجب:
- لاء في أسيوط في حاجة يا أدهم خير
تنفس أدهم بعمق يرد بإيجاز:
- هفهمك كل حاجة لما اجيلك مسافة السكة وهبقي عندك، سلام.

قام سريعا يبدل ثيابه، أخذ هاتفه ومحفظته ونقوده ابتسم حين تذكر سيارته الفاخرة التي كان يعشقها أكثر من حياته، مفتاحها الخاص الذي نقش عليه اسمه، تغير الوضع كثيرا الآن عن السابق ولكنه سعيد رغم ذلك، تحرك للخارج ليجد جدته تخرج من غرفتها، ابتسم ما أن رآها ليقترب منها يقبل رأسها يحادثها بحنو:
- أنا عرفت أدهم فين، مش هرجع غير وهو معايا.

اشرق وجه جدته الحزين، تنظر للماثل امامها بابتسامة كبيرة ممتنة، قلبها يقتلها خوفا علي ذلك الارعن التي لا تعلم أين هو او ماذا حل به، ربتت علي يده تدعو، تحرك ليغادر لتستوقفه سريعا:
- أدهم استني، خد المفتاح علي الترابيزة قبل ما تمشي.

قطب جبينه متعجبا اي مفتاح تحرك ناحية الطاولة لتشخص عينيه في ذهول حين رآه مفتاح سيارته هو بنفسه كيف حدث ذلك، أمسك المفتاح في يده يرفعه امام عينيه ينظر له في دهشة، ليسمع صوت جدته يأتي من خلفه:
- الراجل اللي اسمه حمزة بعتلك المفتاح دا امبارح وبيقولك العربية جت من الجمرك ومستنياك تحت البيت.

ارتسمت ابتسامة كبيرة علي شفتيه ادمعت عينيه ليرفع كفه يمسح دموعه سريعا، أمسك المفتاح في قبضته يشدد عليه، تحرك يودع جدته، خرج من المنزل ليجد روحية تنزل من أعلي ابتسمت علي استحياء ما أن رأته ليعطيها ابتسامة صغيرة، من الجيد أن جدته اعطتها الشقة الفارغة في الطابق الثالث حتي تصبح قريبة منهم وحتي لا تنالها ألسنة الناس بالباطل، لوح لها وداعا ليأخذ طريقه إلي أسيوط حيث سيجد إجابات جميع الاسئلة التي تشغل عقله.

مسابقة الخيل السنوية ها قد جاء موعدها من جديد، عمار بطل الساحة الآن فوق صهوة جواده الاسود، الخيول علي اهبه الاستعداد، تبقي فقط دقائق وتبدأ مسابقة الخيول السنوية، الكثير من الأصوات تأتي من مدرجات المشاهدين، كل منهم يتوقع بطل السباق الجديد، من سيفوز اليوم، لحظات وفقط وخيم الصمت علي المكان الجميع ينظر لما يحدث في دهشة بأعين جاحظة، مذهولة، يرون ذلك المشهد العجيب عثمان، الصياد هنا، علي مقعد متحرك جواره جواده الذي يصهل بصوت عالي همهمات من كل مكان علي أن الصياد جُن وأنه بالطبع سيخسر وأنه سيسقط من فوق خيله ما أن يمطته، بينما هو فقط يبتسم في هدوء وثقة الصياد، ساعده أحد العمال ليمتطي صهوة جواده، رفع يده يغللها في خصلات شعره الاسود الكثيف، ليسمع صوت ضحكة سمجة سخيفة تأتي من الجالس علي الجواد المحاذي له:.

- ايه يا عثمان إنت ضربت ولا ايه جاي تعمل نفسك مسخة الكل
التفت عثمان برأسه لذلك العامر يعطيه فقط ابتسامة ساخرة، قبل أن يتوجه بعينيه إلي الطريق امامه، رفع يده يربت علي رأس جواده ليصهل الأخير عاليا، انطلقت الاعيرة النارية تعلن عن بداية السبق، ليبدأ المذيع بحماس عرض تفاصيل المبارة:.

- سيداتي وسادتي اهلا ومرحبا بكم في مسابقة الخيل السنوية زي ما احنا شايفين قدامنا الخيول والمتسابقين في طريقهم للأمام، ولكن مفاجاءة السبق السنة دي الصياد رجع تاني، رغم حالته، إدارة المسابقة بلغتنا أن الصياد كتب علي نفسه تعهد عشان يدخل المسابقة، ربنا يستر بصراحة وتعدي المسابقة دي علي خير، عمار متقدم لحد دلوقتي، الصياد ما بيحركش رحله الفرس بتاعه بس هو اللي بيجري بيحاول يسبق خيل عمار، قربنا من اول حاجز، مش عارف بصراحة الصياد هيعمل ايه، ايه دا في ايه؟!، أنها احدي ألعاب الصياد يا سادة.

ما حدث تحديدا الخيول تركض تثير حولها حمم من الغبار الأصفر عمار يبتسم في ثقة هو من سيفوز، من سيغلبه عثمان بعد أن بات عاجزا، اقترب اول حاجز، كم اراد أن يري الصياد وهو يسقط من جديد من فوق خيله ليصبح اضحوكة للناس، شد سرج حسانه بطريقة معينة ليهدئ من سرعته قليلا الي أن اصبح محاذيا لخيل عثمان، ابتسم عمار في سخرية قبل ان يصل الخيل للحاجز بقليل ارتفع عثمان بجسده يحرك ساقيه بسهولة، صدمة اذهلت الجميع وخاصة عمار، صاح فرس عثمان بقوة يقفز من فوق الحاجز بمهارة في لقطة فريدة التقطها جميع العدسات، ليصبح هو المتقدم، غلت الدماء في عروق عمار يحاول بشتي السبل اللحاق به ولكن عثمان كان ولازال بطل أي سباق يدخل فيه، ها هو الصياد يستعيد مكانه من جديد خلف خط النهاية هو اول من وصل، قام من في المدرجات جميعا يصفقون للصياد بحرارة بينما يقف هو خلف خط النهاية يبتسم في ثقة يصعب تقليدها، نظر ناحية عمار الذي يكاد يتميز من الغيظ، لتتعالي ضحكاته، عينيه تمشط المكان بأكمله تبحث عنها لتجدها هناك جوار والديه تقف مع الجماهير تصفق له بحرارة، قفز بسهولة من فوق صهوة جواده ليتحرك إليها راكضا، امسك بكف يدها يجذبها بعيدا عن الأضواء وعدسات الكاميرا التي لا تتوقف عن إلتقاط كل حركة يفعلها ليضمها بين ذراعيه، بكت وعلا نشجيها تلف ذراعيها حول رقبته تدفن رأسها في صدره تغمغم من بين نشجيها الحار:.

- نجحت يا عثمان، الصياد رجع تاني
أبعدها عنه قليلا يحتضن وجهها بين كفيه يمسح دموعها بإبهاميه، مال يقبل جبينها قبلة شغوفة ممتنة محبة يهمس لها بولة عاشق:
- نجحت بيكي يا سارين، لولا وجودك جنبي ما كنتش زماني بقيت هنا تاني، انتي معجزتي، اللي جت عشان ترجعني للحياة تاني، بحبك يا سارين، بحبك اوي اوي.

ختم كلامه ليعاود ضمها إليه من جديد لتلف هي ذراعيها حول عنقه تشدد علي عناقه، لحظات طويلة قبل أن تبعده عنها مدت يدها تمسح ما سقط من دموعه تدفعه ناحية الخارج:
- يلا اخرج، روح عشان تاخد جايزتك
حرك رأسه إيجابا يبتسم لها في اتساع امسك بكف يدها يجذبها معه للخارج لتتوسع حدقتيها تسأله في دهشة:
- أنت بتعمل ايه يا مجنون
التفت لها برأسه يطالعها بنظرات متيمة عاشقة غمز لها بطرف عينيه يغمغم مبتسما:
- انتي جايزتي!

جذبها معه للخارج لتبدأ عدسات الكاميرا تتوجه ناحيتهم، لف يده حول كتفيها يتحرك بها ناحية منصة استلام الجوائز كم شعرت بالحرج الخجل يكاد يغزوها خاصة وهو يرفض ترك يدها ولو للحظة واحدة، وضع رئيس المسابقة القلادة الذهبية حول رقبته ليسلمونه كأس الفائز، تحرك يلقي كلمته كما اعتاد في كل مسابقة يفوز فيها وقف أمام مكبر الصوت يحمحم بهدوء يردف:.

- مساء الخير يا جماعة، طبعا كلكوت عارفين الأخبار الفظيعة اللي حصلت من شهور طويلة وازاي الصياد وقع واتشل وخلاص مات الصياد وماتت اسطورته، اتعودت بعد كل سبق افوزه اطلع اشكر في نفسي وفي ذكائي وفي اجتهادي، إنما النهاردة عايز اشكر اكتر من حد، عايز اشكر رب العالمين علي أنه حطني في الإختبار دا، عشان اشوف الدنيا علي حقيقتها، عشان أراجع حساباتي من اول وجديد، عشان اعرف أن كل شر بيحصل لنا وراه خير عظيم، عايز اشكر والدي ووالدتي، وعايز اعتذرلهم علي اني كنت عثمان الشاب الصايع اللي علي طول جايبلهم المشاكل، في نهاية كلامي عايز اوجه شكري لاحب إنسانة علي قلبي، صديقتي وحبيبتي ومراتي وعكازي اللي لولاه ما كنتش هبقي هنا النهاردة، مش أنا اللي استحق الجايزة دي لاء، هي البطلة هي اللي عملت المعجزة، هي استحق جوايز العالم كله، بحبك، بحبك اوي يا سارين.

تستمع إلي كلماته الجديدة عثمان تغير جذريا تغير، قلبها ينبض بعنف يصيح باسمه يصفق له، عينيها تملئها دموع الفرح، إلي أن وصل الي كلماته الأخيرة زاد وجيب دقات قلبها اختفت أنفاسها برودة قارصة غزت اطرافها، عثمان يقول تلك الكلمات لها يعترف بحبه لها أمام الجميع دون خجل، الوقح يخجلها أمام الناس أجمع، أحمر وجهها من شدة الخجل تكاد تبكي، تحرك هو من مكانه وقف أمامها.

يطالعها بنظرات عاشقة متيمة ليخلع القلادة من رقبته يلبسها إياها ليصفق له الجميع بحرارة، علا هتاف الجماهير باسم الصياد، وهناك من يقف يغلي غضبا، بعد قليل كان يقف معها بصحبة والديه، في دائرة صغيرة، اقترب علي يعانق عثمان بفخر يغمغم:
- قد ايه أنا فخور بيك يا عثمان
عانق عثمان والده يبتسم لم يشعر بسعادة قط بقدر ما شعر بها الآن مع كلمات والده، عانقت لبني سارين بقوة دمعت عينيها تهمس لها ممتنة:.

- أنا بجد مش عارفة أشكرك ازاي يا سارين، انتي قدمتي لعثمان في فترة قصيرة اللي أنا ما عرفتش اقدمه ليه في عمري كله، ربنا يسعدكوا يا بنتي، ويخليكوا لبعض.

ابتسمت سارين في خجل تعانق والدة زوجها لم تشعر بالسعادة بقدر ما تشعر بها الآن تكاد تغرق فيها، تنظر لعثمان وهو يقف علي قدميه يتحدث مع هذا وذاك ضحكاته تصدح في المكان، يتشاكس مع والده وكأنهما طفلين يلعبان، اجفلت علي يده تمسك بيدها يجذبها معه لخارج المكان بأكمله يتوجهان الي السيارة، وهي تصيح فيه مدهوشة:
- عثمان براحة يا عثمان، في اي يا عثمان بتجري بيا كدة، انت يا ابني هقع مش كدة.

تعالت ضحكاته وصل بها إلي سيارته ليجلسها جوار مقعد السائق ليجلس هو خلف المقود يشق الطريق بسرعة جبارة نظرت له مدهوشة تصيح في عجب:
- في ايه يا عثمان، شدتني وجريت بين الناس هو دا ينفع بردوا
ضحكت بخشونة ضحكات قوية شرسة، التفت لها برأسه، يغمز بطرف عينيه يغمغم في خبث:
- فاكرة أنا وعدتك بإيه يوم جوازنا، إن جوازنا هيفضل علي ورق لحد ما اقوم علي رجلي واثبتلك حسن نيتي وإني مش بستغلك.

توسعت عينيها في خجل اغرق وجهها بماء الورد الجوري يكسيه بالكامل ليضحك هو من جديد، يغمز لها من جديد:
- واديني اثبت حسن نيتي وقومت علي رجلي.

وضعت يديها علي وجهها من الخجل، ذلك الوقح هو عثمان الذي تعرفه قديما، كانت تظن أن كل شئ تغير فيه حتي وقاحته ولكنه أثبت العكس تماما، اوقف السيارة في جراش منزلهم تحرك يفتح لها باب السيارة، يحملها بين ذراعيه يتجه بها الي طابقهم نظرت للمصعد لتعاود النظر إليه رمشت بعينيها تهمس بصوت مبحوح من الخجل:
- الأسانسير اهو
حرك رأسه نفيا قاطعا دني بمقلتيه ينظر لعينيها نظرات طويلة عاشقة مال يهمس جوار اذنيها بشغف:.

- ما شلتكيش يوم جوازنا، وانتي لسه عروسة بالفستان، بس هشيلك دلوقتي، وهعوضك عن كل اللي صبرتي عليه معايا..
ابتسمت في سعادة تخفض رأسها خجلا، توجه ناحية باب منزلهم بصعوبة بالغة فتح الباب وهو يحملها يرفض تماما أن ينزلها من بين ذراعيه، تحرك بها الي الداخل يصفع الباب خلفه بعنف يسطر معها اولي صفحات عشق الصياد!

بعد رحلة طويلة، وصلت سيارته اخيرا الي المكان المتفق عليه أن يقابل جاسر هناك نزل من السيارة يصافح جاسر، اتجها معا الي مقهي قريب جلس أدهم أمام جاسر الذي بادر يسأله قلقا:
- في ايه يا أدهم قلقتني، حصل حاجة
تنهد أدهم يحاول تجميع ما سيقوله الآن سيكون صادما حقا خاصة وأن لا أحد في العائلة يعلم سوي عمه خالد، ابتسم في هدوء حمحم يردف:.

- أنا عارف إن اللي هقولهولك يبان صادم بس ارجوك ما تقاطعنيش، مراد أنا ومراد اخوات
في لحظة شخصت عيني جاسر في ذهول حتي شعر أدهم أنها علي وشك أن تخرج من مكانها، ابتسم اجهزة في بساطة يحرك رأسه إيجابا يؤكد ما يقول يردف:.

- أنا عارف أنك مصدوم بس دي الحقيقة، ما حدش في العيلة يعرف بس الحقيقة أن أنا مش ابن حمزة السويسي بالدم، بالتبني، ولما كبرت، وقررت اعرف مين هما أهلي الحقيقين، غلطت غلطة كبيرة اوي بدفع تمنها لحد دلوقتي، بس مش دا موضوعنا، أنا عرفت أن مراد محبوس علي ذمة قضية شروع في قتلك دا صحيح.

كم الصدمات التي ألقاها أدهم في وجه جاسر الآن وضعته في موقف لا يحسد عليه، مراد صديق عمره الخائن شقيق قريبه ادهم، هي حقا حلقة مغلقة من العلاقات المتشابكة تبدأ حينما تظن انها انتهت اخيرا، تنهد جاسر حائرا يحرك رأسه إيجابا، تجلدت بنبرته بجفاء قاسي يتمتم في خواء:
- زي ما أنت حكتلي، أنا بردوا هقولك الحقيقة أنا ومراد كنا اصدقاء عمر كامل، كنت بعتبره اخويا وصاحبي ودراعي اليمين، و.

وبدأ يقص علي أدهم كل ما فعله مراد به شاهيناز المطعم، محاولته لاختطاف شقيقته، يحكي في صلابة فارغة من الحياة لازال قلبه يتمزق كلما تذكر أن من فعل به كل تلك الأشياء هو صديق عمره، انهي جاسر كلامه ينظر لادهم الذي بانت إمارات الغضب والحزن علي وجهه شقيقه الأحمق خائن، دمه اسود قاتم ملئ بالحقد، تنهد حائرا يمسح وجهه بكفي يده، عاد ينظر لجاسر لا يجد ما يقوله إطلاقا، تنهد يغمغم في حرج:.

- جاسر أنا عارف اني ماليش وش زي ما بيقولوا اني اقولك خرجه، بس دا أخويا، وجدتي ست كبيرة، خبر زي دا ممكن يدمرها مش هتستحمله، جاسر أنا يعني عشمان في كرم أخلاقك وأنا اوعدك والله أنه مش هيتعرضلك تاني ابداا، لا إنت ولا اي حد من طرفك، من حقك ترفض طبعا، بس أنا عارفك يا جاسر أنت قلبك طيب، وصدقني والله مش هتشوف وشه تاني ابدا لآخر عمره.

صمت جاسر للحظات ينظر لادهم الجالس أمامه اضطربت حدقتيه يفكر أيعفو ويصفح، ام يترك ذلك الخائن ينال جزائه، يري نظرة الرجاء المختبئة في عيني أدهم، هو لم يكن يوما بالشخص القاسي ولكن ما فعله به مراد اسوء من ان يسامحه عليه، تنهد بحرقة يعزم أمره نظر ناحية أدهم يبتسم في هدوء يحرك رأسه إيجابا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة