قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الخامس والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الخامس والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الخامس والستون

في منزل على محفوظ، في غرفة عثمان تحديدا، لفت سارين ذراع عثمان حول رقبتها تسند جسده يحاول هو مساعدتها قدر استطاعته ليعود لمقعده المتحرك، إلي أن نجحت بعد جهد شاق، حرك عجلات مقعده يبتعد عنها انطفئت نظراته ارتسمت ابتسامة ساخرة على ثغره ليتمتم متهكما:
- عايزاني اخرج بمنظري دا!، عايزة الناس تضحك عليا.

توسعت عينيها في حزن ازدردت لعابها الجاف تحاول تشجيع نفسها قبل تشجيعه، اقتربت منه عدة خطوات لتقف أمامه مباشرة ربعت ذراعيها أمام صدرها ابتسمت تردف مترفقة تحاول إقناعه:
- ليه بس يا عثمان ما زهقتش من القعدة في البيت، لازم تخرج تغير جو، تشوف الدنيا، ما وحشكش حصانك، برق
أخفض رأسه حزنا هو حقا أشتاق لخيله صديقه.

رفيق دربه منذ 3 سنوات، اغمض عينيه يحرك رأسه نفيا لن يسمح له كبريائه، كرامته أن يرى نظرات الشفقة لدي البعض والشماتة والسعادة لدي الأكثر، التفت يتوجه ناحية النافذة ينظر للطريق من خلف زجاج غرفته المغلق، للشارع، الطريق، الأشخاص، السيارات جسده يشتاق بشده للانطلاق كخيل عجوز مريض يحلم بالعدو من جديد، ولكن الخيل سقط وسقطت معه كل شئ الحلم، الكبرياء، هامته التي لم تنحي ولو للحظات انغمرت في التراب، تنهيدة حارة حزينة خرجت من بين شفتيه لتسمعه يتمتم بعدها بألم:.

- وتفتكري أنا مش نفسي اخرج وأرجع للحياة اللي بقيت اراقبها من ورا الشباك، بس مش هقدر يا سارين صدقيني مش هستحمل اشوف نظرة شفقة في عينين حد
حركت رأسها نفيا لتتوجه ناحيته وقفت جواره تضع يدها على مقبضي مقعده تدفعه بتروي لإمام دفعته باب الشرفة لتخرج به الي الخارج ليضرب تيار هواء بارد جسده، اغمض عينيه مرارة الحسرة تغص قلبه فتح عينيه حين سمعها تقول:.

- مش صح يا عثمان أنت كنت ولازلت الصياد، الصياد اللي ما حدش يشمت فيه ابداا، الصياد اللي عمره ما كان جبان هروبك من الناس هيخليهم يفتكروا أن الصياد خايف يواجه، إن الصياد بقى ضعيف، خيل اتصاب ومش هيرجع للسبق تاني، اثبتلهم أنهم غلط، وأنت الصياد اللي ما فيش حاجة تقدر تغلبك، الصياد اللي مهما وقع هيرجع يقوم اقوي واشرس من الأول.

كلماتها لمست وتين قلبه تحفز تدفعه للإمام ليواجه لا ليهرب، حرك رأسه نفيا يخفض رأسه أرضا يتمتم بصعوبة:
- مش هقدر يا سارين صدقيني مش هقدر
توجهت تجلس على ركبتيها أمامها تمسك بكف يده التي يضعها فوق ساقه تشبكه بكف يدها تشد عليه رفع وجهه لها يناظرها عينيه مليئة بالحسرة والألم بينما ابتسمت هي باتساع تحاول تشجعيه:.

- هبقي معاك مهما حصل أنا جنبك، أنت عمرك ما كنت ضعيف يا عثمان ومش هتبقي دلوقتي، وريهم أن الصياد ما فيش حاجة تقدر تغلبه
اثلجت كلماتها نيران قلبه المستعرة تنهد يحرك حائرا ليحرك رأسه إيجابا، لتتبدل ابتسامتها بأخري متحمسة تكاد تقفز من الفرح وقفت تصفق في سعادة تغمغم بتلهف:
- الله عليك، احلي عثعث في الدنيا
ضحك رغما عنه ليتركها يستدير عائدا الي غرفته لتستوقفه تهتف متعجبة:
- رايح فين.

التفت له قليلا برأسه يرفع حاجبه الأيسر ساخرا ليردف مستهجنا:
- هغير هدومي ولا هنروح بالترنج، وانتي روحي خدي بلوزة واسعة شوية من عند ماما
تقدمت تقف امامها اشارت الي بلوزتها لتعقد ذراعيها قطبت جبينها تردف بإيباء:
- مالها بس يا عثمان ما هي حلوة اوي اهي
رفع حاجبيه يتهكم مما تقول ليرفع سبابته أمام وجهها يردف بنبرة حازمة ترفض النقاش:
- كلمة مالهاش تاني، عايزة نخرج تروحي تغيري البتاعة دي...

ضربت الأرض بساقيها تتمتم بصوت خفيض حانق:
- ليه الناس بتتدخل في حياة الناس بطريقة تضايق كل الناس دي
ضحك هو ساخرا على ما تقول ليشير لها لباب الغرفة لتخرج توسعت عينيها في دهشة تصيح مغتاظة:
- أنت كمان بتطردني
ارتفع جانب فمه بابتسامة لئيمة رماها بنظرة ماكرة ليردف ببراءة ذئب:
- لاء خالص، أنا بس هغير هدومي، عايزة تفضلي براحتك.

أنت منحرف، صاحت بها فجاءة بعلو صوتها لتهرول من الغرفة تصفع باب غرفته، تسمع ضحكاته تلاحقها لتستند بظهرها على الباب المعلق تبتسم بحالمية سعيدة وستسعده هو الآخر.

على صعيد آخر في منزل خالد السويسي، في غرفة لينا ابنته...

تجلس على فراشها الكبير تهز ساقها اليسري بعصبية مفرطة، الساعة الي الان لم تتجاوز السابعة صباحا وهي لم تنم منذ الأمس الا أقل القليل، وجهها شاحب عينيها حمراء هالات سوداء زحفت أسفل عينيها، مدت كف يدها تشبك خصلات شعرها تشد عليه بعنف، قلقة عليه رغم أن الطبيب قال أنه على اتم ما يرام وأخيها أكد ذلك إذا لما ذلك الذعر الذي استوطن قلبها الليل بطوله، مدت يدها تبسطها على بطنها تتحسسها برفق تتذكر توسله لها أن تحافظ على طفلهما، اغمضت عينيها تشد عليها تهز ساقيها بعنف، ذلك الصغير يطيح بثبابتها، ذلك الصغير يتلاعب بمشاعرها، قبل يومين فقط كانت تشمئز من رائحة زيدان حد الموت، أما الآن لا ترغب سوي أن تضع زجاجة عطره في أنفها، حاولت إلهاء نفسها بعطرها هي ولكن الأمر لم يفلح تماما، توجهت الي المرحاض تمسك قطع الصابون، غسولها الفاخر، مرطب شعرها، كل ما له رائحة تريد فقط ما يليها عن ذلك الشعور، ولكن الأمر كان يزداد سواءا، بدأت تشعر بوخزات في بطنها إثر ما تفعل، هبت تقف فجاءة تتمتم مع نفسها بصوت خفيض مختنق:.

- هو اكيد نايم لسه بدري، هجيب ازازة البرفن بتاعته واخرج على طول...

خرجت من غرفتها بخفة تنظر هنا وهناك تبحث عن اي من كان خوفا من ان يراها احد تنهدت في ارتياح تتحرك لغرفة زيدان ادارت المقبض ببطئ شديد تفتح الباب بحذر اطلت برأسها أولا تنظر ناحية فراشه لتجده يغط في نوما عميق، تنهدت بارتياح تركت الجزء الصغير التي دخلت منه من الباب مفتوح، تسللت على أطراف أصابعها الي داخل الغرفة، زيدان دوما ما يحتفظ بزجاجات عطره في الرف الأول من دولابه الخاص، عليها أن تمر على فراشه أولا، وتلف من جواره لتصل للدولاب الذي يرتكز على الحائط المجاور للفراش، بخطى خفيفة مشت بحذر شديد، وصلت لفراشه، باتت قريبة منه للغاية، وقفت للحظات تنظر لقسمات وجهه وهو نائم، مستكين كطفل صغير، رأسه الملتف بالضماد أوجع قلبها حزنا على حاله، تاهت عينيها اللحظات بدأت دقائق ونظراتها الحزينة تبدلت بأخري معاتبة ممزقة تعاتبه فقط داخل قلبها:.

- ما ينفعش تتعب وتبقئ نايم كدة وتوجع قلبي عليك، الشرير ما بيبتعبش، أنت في الشرير في حكايتي يا زيدان، أنت اذتني اوووي، حتى لو كان غصب عنك، ما كنش عنك وأنت بتضحك عليا بتخدعني، انا موجوعة منك أوي...

انسابت دموعها في صمت وضعت يدها على فمها تمنع شهقاتها، مسحت ما تساقط من عينيها، لتتوجه ناحية دولابه فتحته بحذر تلتقط أحدي زجاجات عطره التي جميعها متماثلة من الأساس، اغلقت الرف بحذر شديد، تقبض على الزجاجة في يدها لتتحرك لخارج الغرفة التفت حول فراشه ما كادت تتجاوزه سمعته يتمتم ناعسا:
- بتسرقيني وأنا نايم.

في منزل أدهم في الحارة، استيقظ من نومه متأففا ينظر للنائم جواره يأخذ مساحة الفراش كله بنومته العجيبة تلك، لم يستطع النوم ساعتين منذ أن جاء ذلك المدعو أخيه ليلا يرتمي بجسده على الفراش نائما كجثة هامدة، لا مكان ينام فيه سوي هنا، فراش جدته صغير لن يسعه معها، بجهد شاق ازاح تلك الجثة بعيدا ليأخذ جانب صغير بالكاد احتوي نصف جسده يحاول النوم، قام يحرك عظامه المتيبسة من إثر نومه، ليتوجه الي مفتاح الإضاءة في الغرفة اشعله، ليسمع صوت مراد يتمتم حانقا وهو نائم:.

- اطفي الزفت يا زفت ما بعرفش أنام فئ النور
لم يعره أدهم انتباها فقط ابتسم ساخرا توجه يلتقط ثيابه ليخرج إلي مرحاض منزلهم بالخارج يغتسل يبدل ثيابه بأخري تليق بالعمل، عادت لغرفته من جديد لتحتقن عينيه بالدماء حين رأي مراد يمسك هاتفه ينظر لصورة مايا التي تعلو صورة قفل الشاشة بملعة خبيثة شد على أسنانه يطحنها غاضبا ليتوجه إليه كعاصفة هوجاء جذب الهاتف من يده يصيح فيه غاضبا:.

- أنت ازاي تتجرء وتمد ايدك على حاجتي، إياك تكررها تاني
تجاهل مراد ما قال أدهم، فقط ابتسم ابتسامة سوداء خبيثة، لمعت عينيه وهو يغمغم في مكر:
- سيبك من الهبل اللي بتقوله دا، قولي مين المزة دي، دي حاجة جامدة اوووي
احتقنت الدماء في وجه أدهم حتى بات كالجمر ملتهب حارق، مال يقبض على تلابيب ملابس مراد يزمجر غاضبا:
- ايااااك يا مراد، الا دي، اقتلك فيها، أنت فاهم.

ولم يحدث سوي أن ابتسم مراد مرة أخري يبعد يدي أدهم عن ملابسه تحرك من الفراش متوجها للخارج يتهكم ساخرا:
- خلاص يا عم هتاكلني عشانها، اشبع بيها
تركه وغادر الغرفة يبتسم ساخرا على ما فعل أخيه منذ لحظات توجه إلي المرحاض لتستوقفه صوت جدته تقول:
- أنت صحيت يا مراد، كويس خد البطاقة هاتلنا عيش قبل الفرن ما يتزحم.

التفت برأسه لجدته سريعا ليجدها تضع بطاقة صغيرة على الطاولة جوار الباب ومن ثم نزلت تفتح دكانها الصغير تأفف حانقا يشد أسنانه، توجه الي المرحاض يصفع وجهه بالماء يتمتم حانقا:.

- طبعا ما البيه ابن البهوات ما بيقفش في فرن انما مراد يقف ويطلع عينه، اقول فيكي ايه بس يا منيرة، جفف وجهه بعنف ليلقي المنشفة ارضا، مشط خصلات شعره بعشوائية، ليتوجه التقط البطاقة بعنف ينزل إلي أسفل، الي متجر الخبز الصغير الذي يتقدمه كشك بحجم علبة تقريبا، على مرمي بصره استطاع أن يرى أن المكان لم يزدحم بعد، أسرع في خطواته ليجد سيدة تقف توليه ظهرها، وقف خلفها يعقد ذراعيه ينتظر دوره، ليجد تلك السيدة تلتفت له نظرت له حانقة لتردف محتدة:.

- دا طابور الستات يا جدع أنت، أنت واقف هنا ليه
رماها مراد بنظرة شاملة خبيثة ليرفع حاجبيه مستهجنا ما تقول ابتسم يغمغم متهكما:
- هما فين الستات دول، دا انتي فيكي رجولة عني
كان يتوقع أن يصفر وجهها حرجا مما قال ولكن حدث العكس تماما، ابتسمت تغمغم باستيعلاء:
- طب كويس على الاقل حد فينا راجل.

هو من أصفر وجهه، احمرت عينيه شد قبضته ينظر لها، يرميها بنظرات حادة كالسهام المشتعلة، اخترزت عينيه قسمات وجهها ملامحه هادئة ليست بفاتنة ولكن لها ما لها من جمال خاص هادئ، عينيها سوداء واسعة، ابتسم في خبث يتمتم متهكما:
- وماله...

كلمة واحدة نطقها ليخرج من الصف ويتجه الي الصف المجاور له والذي من حسن حظه كان فارغا تماما، اشتري ما أرادت جدته ليعد الي منزله سيعطيها ما أرادت ويعد للنوم من جديد، رأي تلك الفتاة تسير أمامه بخطى سريعة تهرول تكاد تركض قطب ما بين حاجبيه متعجبا مما تفعل، ليرفع كتفيه لا يبالي وما دخله هو، تناهت إلي اسماعه صوت حديث من رجلين يسيران بالقرب منه يتحدثان عنها، ركز حواسه يسمع ما يقولان:.

- مش دي البت روحية أخت الواد سيد الزفت اللي كان بيبع حشيش
- ايوة هي، يا عيني غلبانة اللي حصل فيها مش قليل بردوا
- أخوها هو السبب هو اللي خلاهم يعملوا فيها كدة، ربنا يجحمه مطرح ما راح
- بس البت ذنبها من ساعة اللي حصل فيها وما فيش راجل عايز يتقدملها، والله بتصعب عليا
- ما عندهم حق بردوا أنا نفسي ما اتجوزش واحدة اتلمست ابداا، حتى لو غصب عنها وأنا ليه احاسب على مشاريب واحد تاني.

- ربنا يستر على ولايانا يا عم.

كان ذلك آخر ما سمعه قبل أن يغادر الرجلين عند مفترق الطريق، قطب جبينه يحاول ترتيب ما قالوا، وفهم ما حدث، بينما هو عائدا إلي منزله وصل الي دكان جدته ليعطيها الخبز، جلس على المقعد أمام المحل يشرد في الفراغ تلك الفتاة ما السر ورائها وماذا حل بها، أفكار كثيرة تصارعت في رأسه أفكار انتشله منها، هي نفسها روحية قادمة ناحية دكانهم الصغير تمد خطواتها كالعادة، ابتسم في خبث ما أن رآها، بينما لم تعره هي انتباها، دخلت الي المحل، التف برأسه يشاهد ما تفعل، لتتوسع عينيه مندهشا حين رأي جدته تعانقها بحرارة تسألها عن حالها بتلهف كأنها ابنتها:.

- روحية يا حبيبتي، عاملة ايه يا بنتي، اخبارك ايه
ابتسمت الفتاة ابتسامة باهتة تهز رأسه إيجاب يتنافس تماما مع انطفاء عينيها الظاهر، همست بصوت خفيض مختنق:
- الحمد لله على كل حال يا ست منيرة، معلش أنا كنت عايزة علبة جبنة وباكو شاي.

حركت منيرة رأسها تنظر لها مشفقة على حالها تدعو في نفسها بالويلات لمن اذي تلك الفتاة المسكينة، امسكت حقيبة كبيرة تضع من كل شئ في المحل تقريبا الي أن امتلئت، التفتت تعطيها للفتاة لتتوسع عيني الفتاة في دهشة تردف سريعا:
- ايه يا ست منيرة دا أنا مش هاخد غير الشاي والجبنة لو سمحتي رجعي باقي الحاجة
تحولت نظرات منيرة إلي اخري حازمة لتمسك يد الفتاة تجعلها تقبض على الحقيبة رغما عنها تتمتم بصرامة:.

- بت يا روحية مش عايزة كلمة كمان، تسمعي كلام جدتك منيرة، خدي الحاجة يلا وروحي
ادمعت عيني الفتاة تنظر للسيدة متحسرة لتشفق منيرة عليها مسحت على رأسها تحادثها بحنو:
- ما تقهريش نفسك يا بنتي انتي مالكيش ذنب في حاجة، بكرة ربنا هيبعتلك ابن الحلال اللي يعوضك.

ابتسمت الفتاة ساخرة كأنها تقول حقا لن يحدث ابدااا، التفت وغادرت اصطدمت عينيها بعيني مراد الذي يجلسها يرميها بنظرات غير بريئة بالمرة نظرات رئتها من قبل، نظرات جعلت جسدها يرتجف خوفا، هرولت تعد إلي منزلها، ليتحرك مراد الي داخل المحل وقف خلف جدته مباشرة يهتف فجاءة:
- منيرة ايه حكاية البت دي، أنا سمعت الناس بتتكلم عنها في الشارع كلام غريب واخوها وحشيش وغصب عنها في ايه.

زفرت منيرة حانقة ألن يتوقف هؤلاء الناس عن تمزيق لحم الفتاة في أفواههم، جلست عؤي مقعد صغير في المحل تنهدت تردف متحسرة:.

- من سنة تقريبا جه يسكن في الحارة روحية ومعاها اخوها سيد، أخوها الكبير، عرفنا أن أبوها وأمها ماتوا، وهما عزلوا لهنا، والشهادة لله البنت أدب وأخلاق واحترام ما فيش بعد كدة، بس اخوها منه لله ربنا يجحمه وما يرحمه ابدااا، كان بيشرب ويتاجر في الحشيش والبت يا يعيني صغيرة عندها 19 سنة، اللي عرفته منها يا قلب أمها، اخوها اشتري المدعوق اللي اسمه الحشيش دا من واحد، وما سددلوش الفلوس، الراجل جه يطالبه بالفلوس والمخفي أخوها كان ساعتها مسطول مش واعي بالدنيا، قال للراجل ما عنديش فلوس خد اختي مكان فلوسك، البت يا عيني صرخت وحاولت تجري وتهرب من البيت بس الحيوان التاني لحقها اغتصبها واخوها غايب عن الدنيا وسابها جثة، واخوها واضح أنه كان مزود في العيار مات، اللهي يتحرق فئ نار جهنم والبت يا عيني من ساعتها وهي مكسورة ميتة، وألسنة الناس ما بترحمش، البت بقت بتخاف تطلع من بيتها، كل فين وفين وترجع جري، غلبانة ما عندهاش غير معاش أبوها...

الآن فقط وضحت الصورة، لا ينكر أنه شعر بالشفقة على تلك الفتاة ولكن تلك الشفقة لم تدم سوي لحظات وذهب تفكيره بعيدااا، بعيداااا عن اي فكرة بريئة نظيفة.

سعيدة فرحة تكاد تصرخ من الفرح ها هي الآن تجلس جوار عثمان في سيارته التي يقودها السائق متجهين إلي النادي مشاعرهما معا كانت خليط ما بين القلق والحماس والخوف من المواجهة، تنهدت سارين تحاول تشجيع نفسها ستكون جواره لن تخذله ابدا، خاصة في تلك اللحظات، تسارعت دقات قلب عثمان يشعر بجسده بارد من الخوف، الخوف من المواجهة، ابتسمت سارين تحاول تشجيعه، وقفت السيارة داخل النادي، فئ المرآب، نزلت ونزل السائق أخرجت مقعده من حقيبة السيارة، ساعدته هي والسائق في الجلوس على مقعده، اخبرهم السائق أنه سينتظر في السيارة بينما ابتسمت هي تمسك بمقبضئ مقعده، تدفعه للأمام قبل أن يخرجا من المرآب التفتت له تقول مبتسمة:.

- جاهز
حرك رأسه نفيا لتضحك بخفة، إلي الخارج دفعته، المكان حوله شبه فارغ تقريبا ينظر هنا وهناك أين هم رواد النادي، لا يفهم ما يحدث وسارين تستمر في دفعه متجهه ناحية غرفة تدريباته، نظر للمكان متحسرا على حاله، ليعاود النظر لساقيه الساكنة، ليبتسم متهكما يسخر من حاله، استمرت سارين في دفعه الي أن دخلا الي الغرفة ورأي ما جعل عينيه تتوسع في دهشة لا يصدق ما يرى، على الحوائط حوله هنا وهناك جمل عدة.

- حمد لله على سلامتك يا صياد
- اهلا برجوع الصياد
- الصياد رقم واحد
المكان أشبه بأحتفال صغير زينة تملئه، طاولات طعام ومشروبات وهؤلاء زملائه في التدريبات والسباقات لا تربطه به علاقة سوي الزمالة فقط، اقترب مدير النادي منه، يضع يده على كتفه يبتسم في سعادة صادقة:.

- حمد لله على سلامتك يا صياد، لما آنسة سارين بلغتني أنك جاي وعايز تشوف الخيل بتاعك، قولنا نعملك حاجة بسيطة، مكانك موجود ما حدش غيرك يعرف يبقي الصياد يا صياد
لا يصدق ما يرى حقا أليسوا فرحين فيه، الجميع يعانقه، يدعو له بصدق أن يتم شفائه يحفزونه بكلماته أن لا يستسلم، وسارين تقف جواره فقط تبتسم سعيدة هي الاخري...

بعد كثير من الترحيب انحسب يتوجه الي خيله يشتاق لرؤيته، تحركت تدفعه سارين ليقف أمام غرفة خيله المربعة الصغيرة، ادمعت عينيه بينما صهل الجواد عاليا يقق على قامتيه الخلفتين، ابتسم عثمان يمد يده يفتح الحاجز الفاصل بينهما ليندفع الجواد ناحية عثمان يمسح وجهه يدفعه برأسه الي أن اسقطه من فوق مقعده شهقت سارين مذعورة بينما تعالت ضحكات عثمان على رأس جواده يغمغم ضاحكا:.

- عجبك كدة يا استاذ برق اديك وقعتي مين هيقومني بقى
صهل الجواد عاليا ظل عثمان يمسح على شعره ورأسه وحين رأي الحصان أن صديقه لم يقف جلس هو أرضا احني قامتيه كأنه يجلس جواره ليربت عثمان على جسده يداعبه كما يفعل، الجواد سعيد يصهل، وسارين تراقبهم مبتسمة سعيدة، قاطع تلك اللحظات الصافية صوت بغيض يتمتم ساخرا:
- تؤتؤتؤ عجبت لك يا زمن بقى الصياد مرمي على الأرض مش عارف يقف على رجليه مش قادر يركب خيله.

نظر عثمان وسارين للقائل لتحتد عيني عثمان غضبا ينظر اليه ذلك الشاب ماذا كان اسمه، عمار غريمه الذي يسعي جاهدا لزهيمته في اي مباراة ولكن دون فائدة فدائما يفوز الصياد، احترق قلب عثمان إثر ما سمع بينما ذلك الشاب الواقف بشماتة ينظر لعثمان منتصرا سعيدا:
- شوفت الحال اتقلب في ثانية ازاي وبقيت عاجز زيك زي خيل الحكومة لما يعجز بيضربوه بالنار، وعمار بقى هو اللي على الساحة وهيفضل فيها، زمنك انتهي يا صياد.

اشتعلت عيني سارين غضبا تنظر لذلك الرجل ما به لما ذلك الكره والشر، فتحت فمها تصيح فيه محتدة:
- أنت مريض وعندك عقدة نقص...
قطمت ما بقى من كلامها حين هتف عثمان محتدا:
- سارين وبعدين
رماها بنظرة حادثة واثقة ليعاود النظر لذلك العمار يبتسم في ثقة يربت على رقبة جواده يتمتم في سخرية لاذعة:.

- عمار ما غلطش، أنا فعلا عاجز حتى اني ارجع الكرسي بتاعي، بس عارفة ايه الغريب أن العاجز دا مخلي الأستاذ السليم اللي واقف على رجليه، بيتحرق من غله منه، اسمعني يا عمار كويس، عثمان العاجز اللي قاعد قدامك خد جوايز بعدد شعر راسك، لما كنت إنت بتقع من على العجلة أنا كنت بكسب بطولة العالم، عثمان الصياد اسم يعرفه الصغير قبل الكبير بيتعمله ألف حساب في كل بطولة، وقع آه، لكل جواد كبوة زي ما بيقولوا، فأنا بقى يا حبيبي عايز تستمتع حلو اوووي، بدور بطل الساحة عشان لما ارجع مش هتشوفه، وحاجة كمان أنا عارف أنك عمال تتواصل مع الاندية وتبلغهم أن الصياد اتشل، اللي ما تعرفوش إن أصحاب الاندية دول اتصلوا كلهم بيا يقولولي احنا في انتظارك، فيا حبيبي لما تيجي تحفرلي حفرة احفرها كويس عشان لو طلعت منها هدفنك حي فيها.

قال ما جعل ذلك الواقف يكاد ينفجر غضبا يرميه ينظرات حانقة كارهة ودون كلمة اخري التفت وغادر ليسمع صوت عثمان يصحيح من خلفه ساخرا:
- اتقمصت ليه يا ميرو دا احنا لسه هنحمرلك بطاطس ونقرمشها
ابتسمت سارين فرحة من رد فعل عثمان كانت مرتعدة من أن تسوء حالته بسبب ما قال ذلك المريض المعقد ولكنه اثبت العكس تماما، ها هو عثمان التي تعرفه اقتربت منه تجلس جواره تغمغم مبتسمة:.

- تعرف أن انا فخورة بيك اوي بجد مش قادرة اقولك أنا فرحت قد ايه باللي قولته للحيوان المريض دا
ابتسم عثمان في ارتياح يشعر براحة نفسية رهيبة بعد أن حطم كرامة ذلك المختل، التفت برأسه ناحيتها ابتسم يتمتم في خبث مضحك:
- ما تجيبي بوسة كدة بسرعة وبرق مش واخد باله
صدمته على كتفه بعنف تنظر له مغتاظة لتتمتم حانقة:
- اتلم يا عثمان وبطل قلة أدب.

انكمشت قسمات وجهه غيظا كالطفل الصغير ينظر لها في ضيق، لحظات و عاد يبتسم من جديد يغمغم بمرح باهت:
- عارفة يا سارين انك أول واحدة اجيبها هنا...
ابتسمت سارين ساخرة تنظر له مستهجنة لتصيح متهكمة:
- يا اسطوانتك يا صياد، دا لو الحصان اللي جنبك دا حيوان ناطق كان شتمك...
تعالت ضحكات عثمان لحظات لتشاركه هي الأخري في الضحك بينما برق يصهل عاليا.

في منزل خالد السويسي في غرفة زيدان
تصمنت لينا مكانها تخبي الزجاجة خلف ظهرها سريعا ما أن سمعت صوته التفت تحاول الا تنظر لعينيه حمحمت تهمس مرتبكة:
- ععلي فكرة أنا كنت، حاطة حاجة في الدولاب ونسيتها، ما سرقتش منك حاجة.

- لاء سرقتي ومن زمان سرقتي حاجة ومش عايزة ترجعهالي: نطق جملته بسخرية ممتزجة بألم شديد لتواجه عينيه بملئ ارادتها ابتسمت ساخرة وقد نسيت تماما انها تمسك بيدها الزجاجة ربعت ذراعيها أمام صدرها تغمغم متهكمة:
- وسرقت منك ايه بقى
رفع يده يصدم صدره بيده التحمت عينيها ببحر عينيه الهائج تسمعه صدي موجه العنيف في نبرته القوية:.

- سرقتي طفولتي اللي عيشتها كلها وأنا بلف وراكي، سرقتي شبابي، شاب مراهق من حقه يحب بدل المرة ألف، كنت بشوفك في الألف، سرقتي عمري، اللي فاتت، سرقتي قلبي اللي مع دقة فيه بقيت بتوجع أضعاف، وعايزة تسرقي روحي اللي في بطنك، وازازة البرفان اللي في ايدك بتاعتي بردوا.

توسعت عينيها مندهشة تنظر لما في يدها، اشاحت بوجهها بعيدا عنه لا تجد ما تقوله مشاعرها تتخبط في أمواجه، كل شئ بات مبعثر وهي فقط تبحث عن الساحل لتنجو من الغرق في طوفان حيرتها.

نزلت سارة بصحبة والدتها من المنزل متجهين لشراء فستان جديد لها لزفاف شقيقتها، وهذا هو الظاهر، أما الباطن عمر من طلب من سارة أن تأخذ والدتها لخارج البيت عدة ساعات لأنه يود مفاجئتها وعمل شئ مميز، مشت سارة جوار والدتها تتحدث بانطلاق:
- بجد فرح عثمان وسارين هيبقي واو، أنا مش مصدقة، سارين هتتجوز عثمان، أنا عايزة اجيب فستان كاشمير ولا سيلفر، لاء الكاشمير أحلي، ماما ماما انتي ما بترديش عليا ليه.

التفتت تنظر جوارها لتري والدتها تسير شاردة عينيها تائهة كأنها في عالم آخر منفصل عن الدنيا، التفت تالا ناحية سارة تتمتم قلقة:
- تفتكري سارين هتبقي مبسوطة مع عثمان
ابتسمت سارة في حماس تحرك رأسها إيجابا سريعا تغمغم سريعا بتلهف:
- آه والله يا ماما انتي مش عارفة سارين بتحب عثمان قد ايه، عشان خاطري يا ماما ما تبينيش قدامها انك متضايقة من جوازتها عشان سارين ما تزعلش.

ابتسمت تالا ابتسامة شاردة تحرك رأسها بالإيجاب، قلبها يحترق قلقا خائفة أن تكرر ابنتها مأساتها مع عمر، اجفلت على جملة سارة التي قالتها بحماس:
- بصي يا ماما الفستان دا...

نظرت تالا لما تشير ابنتها ليعلو وجهه نظرة إعجاب إعجبها حقا الفستان، تحركت سارة متحمسة ناحية المحل فلم تنتبه لذلك الحجر الذي اصدمت فيه وسقطت ارضا بعنف مؤلم على رسغ يدها صاحت صيحة قوية من الألم تمسك رسغ يدها، لتصرخ تالا فزعة توجهت إليها تصيح في المارة:
- تاكسي حد يوقف تاكسي بسرعة
اوقف أحد الرجال سيارة اجري لتسند تالا سارة ادخلتها السيارة لتجلس جوارها تصيح في السائق فزعة:
- اطلع على اقرب مستشفي بسرعة.

ادار السائق محرك السيارة بينما احتنضت تالا سارة التي تنتفض من عنف شهقاتها، تشعر بعظام رسغها الأيسر تهشمت تماما، ألم بشع لا يُحتمل، دقائق ووقفت السيارة أمام مستشفي كبيرة، للمصادفة الغير مقصودة بالمرة، كانت مستشفي تعرفها تالا والجميع!، نزلت تالا سريعا تسند ابنتها حاسبت السائق لتهرول بها سريعا الي المستشفى، ما كادت تدخل من الباب رأت ذلك الطبيب يهرول إليهم، ذلك الطبيب تعرفه أليس هو ذلك الشاب، حسام!

اخيرا انتهي من حالة ولادة متعسرة ورغم ما مر به من صعوبات في إجراءات تلك الجراحة للمحافظة على حياة الأم و الجنين ولكن حقا مر من صعوبات وألم وخوف من فشل تلك الجراحة تلاشي تماما حين حمل حياة خرجت للحياة بين يديه، طفل صغيرة روح نقية برئية، دائما ما ينظر لكل طفل رضيع يخرج الي الدنيا يتسأل في نفسه كيف يمكن أن تلوث الحياة تلك الهالة النقية البريئة كيف يمكن لرضيع كهذا أن يصبح في يوم قاتل، مجرم، سارق، لما لا يحتفظ الإنسان بسجيته البريئة، لما تصفعنا الحياة بآلوانها، لما لا يبقي اللون الأبيض كما كان، انهي جراحته ليتوجه إلي غرفة مكتبه الخاصة جذب المقعد يجلس جوار النافذة يستند برأسه على ظهر مقعده، يمسك كوب كبير من الشاي في يده يوجه انظاره للحديقة الكبيرة ينظر هنا وهناك، المشاهد حوله مكررة أناس تدخل وتخرج، سيارات فاخرة في كل مكان، فهي مستشفي خاصة أولا واخرا، إلي أن وقعت عينيه على مشهد جعله يعتدل في جلسته يوجه انظاره لسيارة الاجري التي تدخل مسرعة إلي المشفي، نظرات تملئها الفضول سرعان ما توسعت عينيه في فزع حين رأي تالا تخرج من السيارة تمسك بيد فتاة تخرجها تلك الفتاة هي سارة!، لم ينتظر لحظة وضع الكوب من يده ليهرول للخارج عقله يصور أبشع المشاهد الممكنة لما تبكي ماذا حدث، هل عاد ذلك الشاب لحياتها من جديد، يرى نظرات الدهشة في أعين الجميع خاصة وهو يركض هكذا لأسفل، وصل سريعا كانوا هم في منتصف غرفة الاستقبال حين تقدم إليهم بخطوات واسعة وقف للحظات ينظر لهما قلقا ليردف جزعا بقلق لم يستطع إخفاءه:.

- خير في ايه مالها أنسة سارة
قطبت تالا جبينها متعجبة من نبرة القلق الهائجة في صوته، نظرات عينيه التي لا تحد عن ابنتها حمحمت تلفت انتباهه:
- وقعت على ايدها في الشارع، قسم العظام فين لو سمحت
تطوع سريعا لإرشادهم لغرفة طبيب العظام، دخل معهم الي داخل الغرفة نفسها، تقدم من مكتب الطبيب مال ناحيته يهمس بصوت خفيض:
- عمدة زي ما خليتك تخلع اول إمبارح عشان تقابل خطيبتك، تخلع دلوقتي وتسيبلي الكشف دا.

توسعت عيني الطبيب « عماد » ينظر للواقف أمامه ليغمز له بطرف عينيه يغمغم بخفوت ماكر:
- من عيوني يا ابو الصحاب، بس ما تنساش تعزمنا على الفرح
رد حسام له الابتسامة، التفت لهم لتختفي الإبتسامة من على وجهه حمحم يوجه انظاره لتالا يردف في هدوء:
- دكتور عماد من أفضل دكاترة العظام هنا، ربنا يطمنك عليها، عن اذنكوا، ما تنساش يا عمدة دول العالم معرفة تتوصي بيهم.

قالها ليغادر تعلقت عيني تالا به وسارة به وهو يرحل، خرج يغلق الباب، ليتحرك الطبيب من مكانه متوجها ناحية تالا التي تجلس جوار والدتها ما كاد يتحرك خطوتين سمع هاتفه يرن
اعتذر لهم بلباقة امسك الهاتف يفتح الخط لحظات وتوسعت عينيه فزعا يتمتم خائفا:
- يا نهار أبيض حصل امتي دا، أنا جاي حالا
اغلق الخط ليخلع مئزره الابيض يتمتم سريعا بتلهف وهو يغادر:.

- معلش يا جماعة أنا آسف حصلت مشكلة عندي في البيت، خليكوا زي ما انتوا هيجي دكتور تاني حالا
قالها ليهرع الي خارج الغرفة، حيث كان حسام في انتظاره، ابتسمت الأخير في خبث يعدل من وضع تلابيب مئزره الأبيض، يأخذ خطاه إلي غرفة الكشف، دق الباب ودخل في لحظة دخوله سمع تالا تقول بحنو تواسي ابنتها:
- هيجي دكتور حالا يا سارة
الدكتور جه اهو، قالها بابتسامة واسعة مرحة لتنظر تالا له مستنكرة تغمغم في استياء:.

- هو أنت مش دكتور نسا وتوليد
لم يعر كلام تالا انتباهها تقدم ناحية تلك الجالسة على فراش الكشف جذب مقعد يجلس أمامها ما كاد يمد يده يمسك بيد سارة المكدومة سمع صوت تالا تهتف فيه غاضبة:
- هو أنا مش بكلمك، أنت ازاي هتعرف حالتها وأنت دكتور نسا وتوليد
وعظام، قلبت عظام النهاردة الصبح عند حضرتك مانع:.

- زفر حانقا يصيح بها بعد أن نفذ صبره ليعود برأسه ناحية سارة مد يده يمسك يد سارة يحاول ألا يفقد ثباته أمام نظراته الناعسة الباكية، من خبرته الغير قليلة في مجال العظام وبعد الاشعة تأكد من أنها لا تعاني من ايه كسور في يدها فقط كدمة عنيفة بعض الشئ، امسك ورقة الاشعة في يده تنهد هو يردف بارتياح:
- الحمد لله ما فيش كسور، كدمة بس أثر الوقعة..

تنهدت تالا تقبل جبين ابنتها التي تجلس صامتة منذ أن رأته، ذلك الطبيب حقا غريب به شئ غير مفهوم يجذبها إليه، رأت نظرات اللهفة والخوف في عينيه، تري نفسها دائما داخل حدقتيه كأنه يأسرها فيها، يديه التي كانت تمسك يدها كانت تحتوي كفها أكثر منها تفحصه، اجفلت حين عاد مرة أخري يجلس أمامها يمسك يدها يلفها بشاش طبي بخفة، رفع رأسه لتتلاقي عينيها مع مقلتيه للحظات، لتشعر بدقات قلبها على وشك أن تنفجر، بينما ابتسم هو في حالمية كأنه مراهق عاشق، حمحمة غاضبة صدرت من تالا جعلت كل منهما يجفل من تلك الدوامة التي جذبتهم للحظات، نظرت سارة لوالدتها لتراها تنظر لها غاضبة متضايقة مما حدث، بينما أكمل حسام لف الرباط على يدها الي انتهي ابتسم ابتسامة باردة ينظر لتالا باستفزاز تلك السيدة تشك فيه، قام من مكانه متوجها الي المكتب يخط بعض الأدوية على ورقة الكشف يغمغم في عملية:.

- دي ادوية ومراهم ومسكنات للألم...
رفع وجهه يقطع الورقة من الدفتر يعطيها لتالا يقول مبتسما:
- على ضهر الروشتة رقم تليفوني لو احتجتوني في اي وقت أنا في الخدمة
أخذت تالا الورقة من حسام تنظر له متشككة، لتعاود النظر لابنتها تقول بحزم:
- استنيني برة يا سارة عايزة اسأل الدكتور على حاجة.

حمحمت سارة متوترة تحرك رأسها إيجابا، تحركت سارة للخارج لتتعلق عيني حسام بها الي أن غادرت وهو صدق حدس تالا وهي تري عيني حسام لا تنزاح عن ابنتها، الا يكفيها زواج ابنتها الاخري من عثمان ذلك المنحرف والآن ابنتها ذلك الطبيب الذي يكبرها بأعوام وأعوام يلف شباكهه حول ابنتها الاخري، اشتعلت عينيها غضبا لتقترب من مكتبه استندت بكفيها على سطح المكتب تهمس له بشراسة:.

- أنا واثقة أنك اتفقت مع الدكتور عشان يخرج وتيجي إنت، مالكش دعوة بسارة خالص، فاهم، والا والله هقول لوالدها وعمها وانت ما تعرفش هما يقدروا يعملوا ايه
نظر حسام لها للحظات مستهجنا ما تقول سرعان ما انفجر في الضحك اعتدل جالسا يقترب بجذعه العلوي من المكتب يردف ساخرا:.

- تؤتؤ ليه ظن السوء دا يا مدام تالا، دا أنا حتى من العيلة، قصدي صديق العائلة، قولي لوالدها وعمها، إن دكتور حسام عايز يتجوز البنت، صدقيني أنا عريس لقطة من نفس الدم بس انتي مش واخدة بالك
توسعت عينيها في دهشة من جراءته الغير متوقعة ابدااا، فتحت فمها لتوبخه ليوقفها هو حين بادر يبتسم في ثقة:.

- كان نفسي نكمل حوارنا مع بعض بس للأسف عندي حالة ولادة مستعجلة، بإذن لما المرة الجاية لما نتقابل تكوني حماتي عن إذنك يا مدام تالا.

قالها ليخرج من الغرفة رأي سارة تقف هناك بالقرب من الغرفة توجه ناحيتها يبتسم في اتساع وقف امامها للحظات التقط شئ من جيب مئزره يضعه في يدها ليغادر سريعا نظرت هي بدهشة لما وضع فئ يدها لتجدها قطعة حلوي صغيرة ابتسمت رغم عنها تقبض عليها حين رأت والدتها قادمة تبدو غاضبة جداا امسكتها من رسغ يدها السليمة تجذبها بتروي خلفها تردف حانقة:.

- أنا غلطانة اننا جينا هنا اصلا، قليل الأدب والذوق منحرف، على جثتي لو وافقت على الهبل اللي قاله دا.

وسارة فقط تسرع في خطواتها تنظر لوالدتها مندهشة لما تبدو غاضبة لتلك الدرجة، توجهت معها الي سيارة الاجري التي تنتظرهم بالخارج، قبل أن تركبها وقعت عينيها عليه يقف هناك أمامها يبتسم فئ هدوء واثق لتسحب تالا ابنتها لداخل السيارة، وغادرا المكان، نظرت تالا خلفها لتجد حسام لازال يقف هناك يلوح لها يبتسم باصفرار، لحظات واختفي من أمامها، التفتت تالا للسائق تتمتم معتذرة:.

- معلش يا اسطا أنا عارفة اننا عطلناك، بس اللي تطلبه ه...
قاطعها السائق حين قال يبتسم سعيدا:
- لا يا هانم ما تقوليش كدا، وبعدين خلاص أنا خدت اجرتي
قطبت ما بين حاجبيها تنظر للسائق متعجبة تسأله مستنكرة:
- خدت اجرتك، خدت اجرتك ازاي ومين اللي ادهالك
نظر السائق لها من خلال مرأه السيارة الامامية، يقول بابتسامة راضية:.

- في دكتور خرج من المستشفى قبل ما حضرتك تخرجي وقالي أنه قريبكوا واداني اجرتي وزيادة شويتين، هو مش قريبكوا ولا ايه
تنفست تالا حانقة، تعقد النية انها ستخبر خالد أليس هو من عرفهم عليه، عليه اذا أن يبعده عنهم حركت رأسها ايجابا تتمتم حانقة:
- لاء قريبنا، قريبنا.

قال ما قال وطال الصمت في الغرفة تنظر له وهو لا يحيد بعينيه عنها، امواج مشاعرهم الثائرة تغرق المكان تسحبهم لأسفل تخنق الجميع تلف حبال الحيرة حول رقابهم، قبضت بأظافرها على زجاجة العطر في يدها تنظر له بشراسة لتصيح فيه غاضبة:
- بلاش تعيش في دور الضحية يا زيدان، أنت كدبت عليا خدعتني، كدبك كان غصب عنك بردوا، هتبرر كدبك وغشك بإيه، اتفضل اخترع كدبة جديدة.

استند هو بكفيه على سطح الفراش يعتدل في جلسته يستند بظهره على الوسادة خلفه ابتسم مرهقا ملامحه مجهدة متألمة الا انه ابتسم يتمتم في هدوء:.

- أنا مش مضطر اخترع كدبة جديدة، في الحب والحرب كل الأسلحة متاحة، كنتي عيزاني أعمل إيه، اروح اجبلك فستان فرحك على البيه، اسيبك تضيعي من ايدي، بعد كل دا اسيب حد تاني يخطفك مني، أنا لو كنت عملت كدة كنت هبقي فعلا ما حبتكيش، أنا فضلت أحارب عشانك لآخر لحظة، حتى أنتي، أنتي ما حبيتيش معاذ لينا، لو كنتي حبيتيه ما كنتيش حبيتيني، كانوا بيغنوا زمان دا القلب يحب مرة ما يحبش مرتين، وقلبك دق ليا أنا.

شدت على أسنانها تنظر له غاضبة عينيها تكاد تنفجر تتنفس بسرعة وعنف، أكثر ما ازعجها فيما قال انها حقا أحبته، وهو يعرف، ضربت عارضة الفراش القريبة منها بقبضة يدها تصرخ بشراسة:
- أنا حبيتك إنت، أنت واهم بتحلم، أنا بكرهك وهفضل أكرهك طول عمري.

جل ما حدث أن ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه مد يده يلتقط حافظته الجلدية فتحها يبحث بين أوراقه ليخرج ورقة مطوية بدأ يفتحها وهو ينظر لعينيها مباشرة ابعد عينيه عن عينيها ينظر لما خط على الورقة ليقرأه بصوت مسموع
« من لوليا لزيدان، تعرف اني حبيت الدلع دا.

منك اوي، شكرا لكل حاجة حلوة عملتها عشاني، شكرا عشان رجعتني انسانة تعيش من جديد، شكرا عشان استحملت مني اللي ما حدش يستحمله بصراحة وكنت صابر عليا، لو فضلت اقولك شكرا مش هتكفي من هنا لسنة جاية، زيدان أنا بحبك، بحبك أوي
لوليا ».

انهي قراءة ما كتبته هي ليرفع وجهه إليها مرة أخري رأي دموعها تنساب في صمت، صمت يقتل قلبه، يمزق جوا روحه العاشقة، تغمض عينيها تشد عليهما بعنف تحرك رأسها نفيا بعنف كأنها تنفي كل كلمة يقولها وكل كلمة كتبتها هي، حمحم هو يردف بترفق:.

- أنتِ بتحبيني يا لينا، زي ما عارفة وواثقة أن أنا بحبك، أدي لحياتنا فرصة تكمل، فرصة نرجع تاني، أنت ِ محتاجة تروحي لدكتور نفسي، تخرجي من قلبك كل اللي مش عارفة تقوليه أنا عارف أنك بتعاني حاسس بيكي، هو هيساعدك، وأنا هبقي جنبك، وترجع حياتنا تاني، أنا وأنتي واببنا او بنتنا.

تجمدت للحظات لم تقدم على اي فعل، فقط صامتة كالتمثال فتحت عينيها كجمر نار ملتهب التهبت حدقتيها تنظر له كارهة القت زجاجة العطر من يدها بعنف لتتهشم مئات القطع أشارت الى زجاجة العطر المهشمة تصرخ يائسة:
- رجعها زي ما كانت خلي الدكتور النفسي بتاعك يرجعها زي ما كانت ويرجع روحها جواها بعد ما اتقتلت، أنا وأنت مش هنرجع تاني يا زيدان...

ليه، نطقها بهدوء لتلتفت برأسها لها تناظره بنظرات معذبة تصرخ ألما، زفر هو أنفاسه يردف في هدوء:.

- ليه مش هنرجع، ليه مش عايزة ادي حياتنا فرصة، اشمعني انا دايما بديكي فرص وبلاقي مبررات واعذرا لكلامك وعمايلك بدل المرة ألف، وانتي فرصة واحدة رافضة تحاولي فيها، عشان ننهي الموضوع يا لينا قدامك حل من اتنين يا تدي لحياتنا فرصة وهبقي في انتظارك نبدأ تاني من جديد، يا ترفضي وساعتها لو عايزاني اطلقك تتنازلي عن ابني، أنا مش هسمح أن ابني يشوف اللي أنا شوفته، اختاري أنت.

من شدة ما تشعر به من غضب ثقلت أنفاسها وبدأ الدوار يهاجم رأسها استندت بكفيها على عارضة الفراش تنظر له نظراتها ضائعة زائغة، تشعر برغبة ملحة في النوم، في أن تهرب من كل شئ وتنام علها لا تستيقظ مجددا، ستنتهي حينها حيرتها للأبد، شعر هو باضطرابها تحامل يتحرك من فراشه بخطى بطيئة يشعر برأسه يلتف هو الآخر، وقف أمامها يسألها قلقا:
- انتي كويسة.

حركت رأسها تنفي ما يقول، وما هي الا لحظات وكادت ان تسقط أرضا، التقطها بين أحضانه يشدد على احتضانها وهي ساكنة، كطفلة بريئة انهكها اللعب فسقطت نائمة دون سابق إنذار، رغم كدمات جسده المؤلمة حقا الا أنه انحني بجذعه يحملها بين ذراعيه يخرج تحرك خطوة اثنتين وهو يحملها ناحية باب الغرفة ليشعر برأسه تصرخ من الألم وبدأ يشعر بدوار عاصف هو الآخر، فما كان منه الا أنه عاد بها إلي فراشه، رؤيته مشوشة ضبابية الا أنه استطاع وضعها على الفراش ليتسطح بجسده جوارها، بما تبقي له من طاقة اخذها لاحضانه يشدد على عناقها، يتنفس عبيرها لحظات وغاب عن الدنيا وهو يحتضن قلبه بين ذراعيه.

في الأسفل، قبض خالد على تلابيب ملابس أخيه، حين أخبره بكل هدوء أنه قرر عقد قرانه على بدور، في نفس يوم زواج عثمان وسارين، فما كان من خالد الا أن هب من مكانه يقبض على تلابيب ملابسه يزمجر غاضبا:
- دا عند أمك يلا، عارف أمك تاخد بعضك وتروح عندها، أنت اتجننت ضربت خلاص، دي قد بنتك يا متخلف
قلب حمزة عينيه ينظر لأخيه مستهجنا ما يقول، ليقبض على قبضتي أخيه يحاول إبعاده عنه زفر يقول ساخرا:.

- ايوة أنا متخلف، قولت ايه يا أبو العروسة...
دفعه خالد بعيدا عنه يناظره، نظرات حادة مشتعلة جلس على اقرب مقعد يحرك ساقه اليسري في حركة سريعة عصبية ليتمتم ساخرا:
- قولت مش موافق، يا راجل عيب على شعرك الأبيض دا أنت قدي، قد أبوها يا شايب، ياللي بتبص لواحدة من دور بناتك، فكرتني برشدي كان نفس العينة دي، يتجوز عيلة صغيرة عشان ترجعلوا شبابه من أول وجديد.

نظر حمزة لأخيه غاضبا كلماته كسهام حادة تخترق هدفها بسهولة مفرطة، تمزق رجولته، كبريائه، كرامته، اشتعلت أنفاسه غضبا ولكنه لم يكن ليظهر غضبه ابدااا بتلك السهولة، ابتسم في خبث ليجلس على المقعد المقابل لأخيه يضع ساقا فوق اخري يتمتم في هدوء خبيث:
- والله أنا والعروسة متفقين على كل حاجة، لو مش مصدقني اندهلها اسألها، مش أنا اللي أغصب واحدة على الجواز...

هب خالد واقفا اقترب من سلم البيت يصدح بعلو صوته نبرة حادة غاضبة:
- بدوووور يا بدوووور انزلي هنا حالا
تنفس بعنف يلتفت لأخيه الذي يجلس مسترخيا في هدوء تام يبتسم بثقة، لحظات وسمع خطواتها تنزل رفع وجهها إليها يرميها بنظرات حادة، انتظر الي أن نزلت إلي أسفل وقفت أمامه تخفض رأسها أرضا تتمتم بصوت خفيض مرتعش:
- خخخير يا بابا.

ابتسم خالد في سخرية مريرة ليقبض على رسغ يدها يجذبها خلفه الي غرفة مكتبه يصفع الباب خلفه يوصده من الداخل بالمفتاح، دفعها لتجلس على أقرب مقعد رفعت وجهها تنظر له هلعة دقات قلبها تتقافز من الفزع بينما تحرك هو امامها ذهابا وايابا يرميها بنظرات قاتلة كلما نظر لوجهها وقف ينظر له غاضبا ليصيح فيها:.

- قاعدة طول النهار في أوضتك مع سيلا وأنا اقول معلش مصدومة نفسيتها وحشة، اهو خالد الصغير بيلعب حواليا، كل كلمة جنبها مش عايزة اتقل عليك يا بابا وأنا اقول معلش اصلها حساسة شويتين، كنتي رايحة للحيوان اللي أسامة برجليكي، لييييه عشان خايفة تعرفي بابا، كل دا عديته بمزاجي، لكن أعرف أنك عايزة تتجوزي واحد قد ابوكي لاء أنتي كدة اتجننتي رسمي، حمزة قدي في السن، اديني سبب واحد يخليكي موافقة على الجوازة دي.

انسابت دموع عينيها جسدها يرتجف من عنف شهقاتها لا تعرف ما تقول، أتخبره بأنها انجذبت لشخصية حمزة، احترامه لها معاملته الجيدة حب أطفالها له جعلها تنجذب له رغما عنها، مدت يدها تمسح دموعها تهمس بخفوت متوتر:
- بابا، ااا انا مموافقة، ما حدش ضاغط عليا ومش بقول كدة عشان ما ابقاش عبئ على حضرتك، أنا محتاجة يكون ليا حياة وبيت، محتاجة أعيش حياة سوية، مش اللي عيشتها مع أسامة.

ما أنتي ممكن تعيشي كل اللي بتقولي عليه دا مع واحد قريب منك في السن، اشمعني وافقتي على حمزة: صاح بها بعد أن نفذ صبره من تلك الفتاة التي ستصيبه بجلطة دماغية في اي لحظة
لترفع وجهها إليه اغمضت عينيها تأخذ نفسا عميقا تستعد لإخراج ما يجيش ما بصدرها:.

- عشان ما اضمنش ما ممكن يبقي زي أسامة، او يعامل الولاد وحش من ورايا حتى، او يجبرني اني اتخلي عنهم، انما حمزة لاء، بيحبهم أوي، وبيحترمني ويعاملني على اني بني آدمه ليها مشاعر وبتحس، وبعدين الفرق بينا مش كبير كدا زي ما حضرتك شايف...
ما جبتيش سيرة الحب، نطقها بإلتواء وهو يوجه انظاره الي وجهها خاصة عينيها عله يستشف ردة فعلها، ليري ابتسامة باهتة تعلو جانب ثغرها ومن ثم سمعها تتمتم متهكمة:.

- حب، صدقني يا بابا أنا اتأكدت أن أهم حاجة في الجواز الاحترام مش الحب، ما أنا حبيت مرة خدت ايه، في حاجات كتير اوي ما اقدرش حتى احيكهالك من اللي أسامة كان بيعملها، قد ايه كان بيهني وأنا كنت بحبه، كنت غبية ماشية ورا الحب، عشان كدة أنا موافقة على جوازي من حمزة، أخو حضرتك
عقد ذراعيه خلف ظهره يناظرها بنظرات حادة ثاقبة حرك رأسه إيجابا يسألها للمرة الأخيرة:
- دا آخر كلام عندك.

صمتت للحظات لتحرك رأسها إيجابا مرة بعد أخري كأنها تؤكد له ما قالت وما يسألها عنه لتراه يتحرك وقف أمامها يرميها بنظرات مستائة ساخرة:
- مبروك، يا مرات أخويا
قالها ليستدير ويغادر الغرفة بينما وقفت هي تنظر في أثره عينيها متسعتين على آخرهما يحتلهما الفزع تفكر في محور فكرة واحدة، هل خسرت حق انتمائها لأبيها الروحي الآن!

خرج هو من غرفة مكتبه، نظر ناحية أخيه بضع لحظات، يرميه بنظرة حزينة ليصعد الي غرفته مباشرة تتصارع الأفكار في عقله الكثير من المشاكل فوق رأسه، شهد عليه أن يتواصل معها في أقرب فرصة كما حدد له الطبيب، ابنته وحالها المتقلب، زيدان وما حل به، وذلك الشخص الذي يود إيذائهم وهو لا زال يبحث عنه، وحسام كم يرغب في أن يعلن للجميع أنه ابنه لما ظل صامتا الي الان، معاذ ذلك الحية الذي يلتف حول ابنته هو على اثم الثقة أن ذاك الفتي خلفه لغز كبير رغم كل ما جاءه من تقراير تؤكد العكس، والآن حمزة وبدور، ها هو قد خسر ابنته الاخري بعد أن صارت زوجة أخيه او ستصير، وما ينقصه حقا تعامل لينا البارد معه في الفترة الأخيرة، يعرف أنها تشك فيه، الكثير وهو بمفرده من يتحمل...

دفع باب غرفته لتشهق لينا فزعة، قامت من مقعدها المجاور للشرفة تنظر له متعجبة من نظرة عينيه الزائغة، لتجده تحرك ناحيتها يلقي بثقله بين أحضانها تنهد يزفر أنفاسه
المثقلة بين ذراعيها يهمس لها بصوت خفيض متعب:
- أنا عايز أنام يا لينا، تعبان أوي وعايز أنام، خديني في حضنك وانسي اي زعل منك ساعتين زمن بس، عشان أعرف اقف على رجلي تاني.

تفتت قلبها حزنا على نبرة صوته المتعبة حركت رأسها إيجابا تصطبحه الي الفراش تعانقه كأنه طفلها الصغير تمسح على رأسه إلي أن شعرت بانفاسه تنتظم ويغط في نوم عميق بين ذراعيها.

يجلس في مكتبه منذ ساعة تقريبا، يعمل بخفة على الحاسوب أمامه يعيد برمجة قاعدة بيانات أحدي المنتجعات السياحية، حانت منه التفاتة سريعة ناحية ساعة الحائط، من المفترض أن تصل إلي الشركة الآن، عرف من قاعدة البيانات للشركة أمامه أن مهندسي الديكور، ميعاد عملهم يبدأ بعدهم بساعة واحدة تقريبا، حاول إبعادها عن رأسه قدر المستطاع، ليعد إلي ما كان يفعل لم تمر أكثر من عشر دقائق وسمع من الخارج اصوات ناس تصيح وصوت جاسر صاحب الشركة يصرخ فيهم، هب من مكانه سريعا هو وزملائه في الغرفة متوجهين الي الخارج، ما إن اقترب منهم سمع صوت جاسر يصيح غاضبا:.

- يعني ايه الأسانسير يعطل وفيه حد، اتصرفوا لازم يشتغل حالا، رعد بيه فين، اتصلولي بشركة الصيانة يلااا
انقبض قلبه خوفا من فكرة أن تكن هي من بالداخل، خاصة وأنها تعاني من فوبيا الاماكن المغلقة، اقترب أكثر يحاول أن يسأل أحد الموظفين عن العالق في الداخل، ليسمع موظفة تحادث زميلتها:
- دي المهندسة الجديدة اللي جت امبارح يا عيني عيلة صغيرة.

توسعت عينيه فزعا وقد تحقق ما كان يخشاه، هرع الي جاسر صاحب الشركة يصرخ فيه فزعا:
- هي مايا اللي جوا الأسانسير
حاول جاسر تهدئته قليلا أمسك بكتفيه يردف سريعا:
- اهدي يا أدهم عمال شركة الصيانة على وصول
اهدي ايه وزفت ايه، مايا عندها فوبيا من الاماكن المغلقة، دي ممكن تموت:
صرخ بها بعد أن تنصل عقله عن كل ما له علاقة بالعقل وفكرة أنها هي من بالداخل تقتله.

اندفع ناحية أحد العمال يقبض على تلابيب ملابسه يصرخ فيه غاضبا:
- أنا مش لسه هستني، شوفلي حل لهقتلك حالا
توسعت عيني الرجل ذعرا من هيئة ذلك الضخم المخيف وهو يصرخ ليردف بنبرة مرتجفة:
- هو حل متخلف، تطلع على السطح وتنزل من الفتحة اللي فوق، فوق سطح الأسانسير، في مقبض كبير شده ناحية الشمال، وارفعه هيتفتح جزء كبير، تقدر تنزل منه ليها بس مش عارف هتطلعها ازاي.

دون كلمة اخري أخذ طريقه يركض لأعلي خلفه جاسر الذي يصرخ فيه أن يتوقف، يتوقف وقلبه هناك محبوس على وشك أن يقف من الخوف، بعد طول صعود وهو يركض كأنه يسابق العمر وصل للسطح وقف يلهث بعنف ينظر حوله هنا وهناك الي ان وجد ذلك الفتحة التي أخبره بها العامل، خلع سترة حلته يلقيها ارضا تلاها رابطة عنقه، توجه ناحية الفتحة من الجيد أن المصعد في طابق علوي قريب اخذ نفسا قويا ليقف عند الحافة ويقفز، انكمشت ملامحه ألما حين اصطدمت قدميه بعنف في سطح المصعد وبدأ يسيل منها الدماء، ها هو المقبض امامه جذبه بعنف ناحية اليسار، حركة قوية الي أن سمع صوت وكأن قفل يُفتح، رفع ذلل الجزء لأعلي انفتح جزء من المصعد يسع جسده لينزل بداخله، ليهبط إليها، رآها تجلس تضم ركبتيها لصدرها ترتجف من الخوف همس باسمها بلوعة:.

- مايا
رفعت وجهها سريعا تنظر له وجهها شاحب عينيها منتفخة تبكي بلا توقف، اندفع ناحيتها يجذبها بين أحضانه يحاول تهدئتها لتتشبث بقميصه تغرز وجهها في صدره ترتجف باكية.

مرت ثلاثة ساعات منذ أن تركته نائما، تشعر بالحزن والشفقة عليه، تعرف أن مشاكل الجميع فوق كتفيه هو، لن تكن حملا زائدا معهم، هي تلك اليد التي تحنو عليه في أصعب اوقاته تدفعه لينهض، لما الجفاء لمن كان يملك الفؤاد، اعدت له الطعام الذي يحب، حقا ما يجعلها سعيدة، حين ذهبت لتطمئن على زيدان، رأت لينا تنام بين أحضانه، ربما تصالحا اخيراا، أخذت الطعام واتجهت الي غرفتها، وضعته على الفراش بعيدا عنه، لتقترب من وجهه تمسد على خصلات شعره، تهمس له بصوت خفيض حاني:.

- خالد، خالد، اصحي يا حبيبي، قوم يلا كفاية نوووم
قطبت جبينها قلقة حين لم يبدي اي رد فعل اعتدلت في جلستها تهز جسده برفق تغمغم متلهفة:
- خالد، خالد اصحي يا خالد
لا استجابة أمسكت ذراعه تهزه بعنف تصرخ فزعة:
- اصحي يا خالد، خاااااالد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة