قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السادس والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السادس والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السادس والستون

في شركة جاسر مهران، في المصعد، اختبئت مايا بين أحضان أدهم ترتجف بعنف تكاد تختنق من عنف شهاتقها المتتابعة وهو فقط يحاول تهدئتها بشتئ الطرق:
- مايا اهدي، اهدي يا حبيبتي، الاسانسير هيشتغل حالا، انتي بس اهدي، حاولي تاخدي نفسك...

ابعدها عنه برفق مد يده أسفل ذقنها يرفع وجهها لأعلي قليلا يحاول جعلها تلتقط أنفاسها مرت دقائق قبل أن يشعر بها تهدئ قليلا، ارتمي بجسده على احد جوانب المصعد جوارها، ينظر لسرواله الاسود من الجيد أنه اسود حتى لا تظهر بقع الدماء فيه، ولكن تلك الاجزاء الممزقة منه إثر قفزته المتهورة يظهر أسفلها جروح غائرة، تنزف بلا توقف، نظر لها بطرف عينيه نظرة سريعة ليجدها تستند جواره تلتقط أنفاسها بصعوبة يشعر بخوفها يرى شحوب وجهها الظاهر، يسمع أنفاسها الثقيلة المتقطعة، دون أن يتردد امسك رأسها يضعها على كتفه يحرك يده الاخري على خصلات شعرها برفق يهمس برفق:.

- اهدي يا مايا، دقايق وهنخرج من هنا، بصي فوق في فتحة كبيرة اهي، المكان مش مقفول...

رفعت وجهها لأعلي تنظر لتلك الفتحة التي قفز منها لتقطب جبينها متعجبة كيف فعل ذلك، بدأت تهدي شيئا فشئ من حالة الذعر التي تملكتها، التفتت تنظر له ممتنة خاطر بحياته لأجلها، لأنه يعرف أنها تعاني رهاب بشع من من الأماكن المغلقة، لمحت عينيها سائل أحمر يلطخ الأرض جواره لتقطب جبينها قلقة، تنظر لملابسه بهلع لتلمح عينيها ذلك الجزء الممزق من سرواله مدت يدها تزيح ذلك الجزء الممزق أسفل ركبته لتشهق فزعة جرح طويل عميق ينزف بغزارة كأنه يحارب في معركة الاستنزاف، بحثت حولها بتلهف تنساب دموعها ذعرا عليه امسكت وشاح أسود اللون يلتف حول أحد حلقات حقيبتها لتنزعه سريعا تلفه حول جرح ساقه هي تبكي وهو يبتسم ابتسامة واسعة عرفت طريقها لثغره وهو يراها خائفة عليه تهرع لمساعدته، تحبه، لازالت تحبه، يكاد قلبه ينفجر من السعادة، اول شعاع يضئ من جديد في حياته بعد أن ظن أن شمسه لن تسطع أبدا...

انهت هي لف جرح ساقه، تمسح دموعها براحتي يدها حمحمت مرتبكة ليتناهي إلي اسماعها صوت جاسر مدير الشركة يصيح في أحد العمال:
- ساعة عشان تيجوا، انتوا عارفين الأسانسير واقف بقاله قد ايه، أنا ليا تصرف تاني مع البيه صاحب الشركة، اتفضلوا دقايق والاقيه شغال في ناس محبوسة فيه.

تنهدت بارتياح، دقايق وسيعمل المصعد، بالإضافة الي وجود أدهم معها جعلها تتناسي حالة الذعر التي تقتلها، رهاب الإمكان المغلقة مرض يقتلها منذ أن حُبست وهي صغيرة في أحد المصاعد وباتت تخشي الأماكن المغلقة حد الذعر...
اقترب قليلا بجذعه العلوي منها يبتسم لها مرهقا، يشعر بدوار طفيف يغزو رأسه يبدو أنه نزف الكثير من الدماء، امسك بكف يدها يخبئه داخل كفه ابتسم يهمس لها بشغف:
- وحشتيني بجد وحشتيني اوي...

ترقرقت الدموع في عينيها اشاحت بوجهها بعيدا عنه، قلبها ينتفض كطير جريح عاشق ذبحته سكين الخيانة حاولت نزع كفها من يده لتشعر بأصابعه تشدد وثاقها حول أصابعها ترفض رفض قاطع أن تبتعد عنه ليسمع قلبها قبل أذنيها صوته وهو يهمس لها بعشق يجرف قلبها رغما عنها الي شط عشقه الآمن:.

- أنا عارف أنك مجروحة من اللي عملته، وكنت عايز اعمله، وأنا مش هبرر اللي حصل عشان عارف اني مهما قولت مش هبرر غلطتي، وأنا مش هطلب منك تسامحيني على الأقل دلوقتي، أنا بس مش عايزك تكرهيني...

التفتت تنظر لوجهه لتري عينيه الذابلة المتعبة تناظرها بنظرات عاشقة نادمة، نظرات تحتوي تطمئن، ترجو، ابتلعت لعابها الجاف كانت على وشك أن ترتمي بين أحضانها تخبره أنها أيضا اشتاقت له حد الموت حياتها لم تكن سوي جحيما بدونه ولكن حركت المصعد المفاجئة ازالت بقسوة تلك الفقاعة الناعمة التي كان يلفها فيها، ابعدت يدها عن يده، تجلس بعيدا عنه، ما هي الا لحظات ونزل المصعد الي الطابق السفلي وانفتح الباب ليهرع حمزة إليها ينتشلها لأحضانه يغرزها داخل صدره يتمتم مذعورا:.

- الحمد لله يا رب الحمد لله كنت هموت من الرعب لما جاسر اتصل بيا وقالي انك محبوسة في الاسانسير أنا عارف عندك فوبيا، انتي كويسة يا حبيبتي كويسة.

حركت رأسها إيجابا تنظر لأدهم الذي يستند على زملائه وهو يخرج من المصعد أعطاها نظرة أخيرة نادمة، ساقه اليسري بها ألم لن يستطع وصف بشاعته ابدااا، في الخارج كان الجميع ينظر إليهم نظرات شك وريبة يحاول الجميع معرفة العلاقة الخفية بينهما حتى ينتفض أدهم فزعا عليها بتلك الطريقة، بينما صاح جاسر محتدا:
- حد يجيب دكتور الشركة بسرعة.

حالة من الهرج والمرج الجميع يتحرك بشكل عشوائي سريع وهو يجلس يراقب عينيه فقط تبحث عنها جاء الطبيب وعالج جرحه وتركوه يجلس في أحدي الغرف إلي أن يهدئ قليلا ومن ثم سيقوم سائق الشركة بإيصاله الي منزله، دخل جاسر الي تلك الغرفة يبتسم ابتسامة هادئة رزينة جذب مقعد يجلس جواره ربت على ذراعه يردف مبتسما:.

- حمد لله على سلامتك يا أدهم، الدكتور بيقول ما ينفعش تدوس على رجلك على الأقل أسبوع، اعتبر نفسك في اجازة لحد ما رجلك تخف وما تقلقش يا سيدي مش هخصم من مرتبك.

ابتسم أدهم ابتسامة باهتة عينيه لا تنزاح عن باب الغرفة لا يرغب في أن يراها، في تلك اللحظة تحديدا يرغب بشدة في أن يرى حمزة يعانقه يبكي بين ذراعيه كطفل صغير خائف ينشد الأمان، لاحظ جاسر نظرات عينيه المعلقة بالباب ليتنهد حزينا، خالد أخبره بإيجاز ما حدث مع أدهم وحمزة وهو حقا حزين على ما حل بهم، ربت مرة أخري على كتف أدهم يردف معاتبا:.

- اللي أنت عملته دا كان قمة الشجاعة، بس باللي عملته بردوا هتخلي كل موظفين الشركة مش هيبقي ليهم غير أدهم واللي عمله ويا تري ايه علاقته بمايا وازاي عرف أن عندها فوبيا، وليه اترعب عليها كدة، ما حسبتش إنت عملت ايه يا أدهم، أنا عارف أنه غصب عنك، بس اللي أنت عملته هيضرها جداا..

ما إن انهي ما يقول التفت أدهم ينظر اليهم متوترا هو لم يفكر في كل ذلك قلبه اندفع خوفا حين شعر بأن مكروها سيصيبها، استأذن جاسر وغادر بعد أن أخبره أن السائق سيكون هنا بعد قليل، بينما جلس هو يصارع امواج أفكاره العاتية هل حقا اذاها بدلا من أن يحميها، هل ستكرهه بسبب ما فعل هو فقط كان يرغب في إنقاذها، أنتشله فجاءة من تلك الموجة العنيفة رائحة، رائحة يعرف صاحبها جيدا، رفع وجهها سريعا ليجد حمزة أبيه، يقف هناك عند باب الغرفة نظر له متلهفا كأنه فقط طفل صغير رأي ابيه بعد طول غياب، اقترب حمزة من أدهم يسير بخطى بطيئة، جلس على المقعد الذي جذبه جاسر قبل قليل، ينظر بعيدا بينما أدهم لا ينظر إلا له، يبتسم بتوسع، حمحم حمزة يلتف برأسه ناحيته يردف:.

- أنا متشكر جداا على مساعدتك لمايا وبعتذر على اللي حصل لرجلك، انا مستعد ادفعلك أي مبلغ تطلبه، اعتبرها تعويض او مكفاءة على اللي مساعدتك لبنتي
اختفت الابتسامة من فوق شفتي أدهم ينظر للجالس هناك بالقرب منه يكاد يبكي، كيف يقول له أباه مثل ذلك الكلام، يعرف انه غاضب منه على ما فعل ولكنه لم يتصور حتى في اسوء كوابيسه أن يقول له حمزة مثل تلك الكلمات ابتلع غصته الخانقة اشاح بوجهه بعيدا يغمغم باختناق:.

- متشكر أنا لا عايز عوض ولا عايز مكفاءة أنا كنت برد جزء من جميل قديم في رقبتي...
القي حمزة نظرة طويلة ناحية ادهم كم رغب في أن يجذبه يطوقه بين أحضانه يستعيد طفله الصغير، ولكنه لم يفعل جل ما فعل انه تحرك قام، وقف دس يديه في جيبي سرواله يغمغم في برود ظاهر تحته مرجل يغلي حزنا:
- براحتك أنا عرضت ولسه عرضي قائم، في اي عايز مكفئتك قولي، عن إذنك.

تحرك حمزة الي خارج الغرفة وقف بالقرب من الباب ليلفت برأسه ناحية ادهم نظرة طويلة تبادلها، نظرة بها من الحنين والألم والعتاب والشوق ما بها، تنهد حمزة يكبح مشاعره الابوية الثائرة ليخرج من الغرفة سريعا يغلق الباب خلفه...

اعتدلت في جلستها تهز جسده برفق تغمغم متلهفة:
- خالد، خالد اصحي يا خالد
لا استجابة أمسكت ذراعه تهزه بعنف تصرخ فزعة:
- اصحي يا خالد، خاااااالد، يا خااااااالد.

ايييييييه في اييييييه حد يصحي حد كدة: انتفض في جلسته مفزوعا حين سمعها تصرخ باسمه بتلك الطريقة وكأن كارثة قد حلت عليها، لم يكد يستوعب ما يحدث وجدها تندفع ناحيته تختبئ في صدره تشهق في بكاء عنيف جسدها يرتجف كأن كهرباء صعقتها، طوقها بذراعيه يزرعها داخل صدره يحاول تهدئتها يشعر بكفيها تتشبث بملابسه مسح على شعرها برفق يحاول تهدئتها من تلك الغريبة التي تملكتها، يهدهد قلبها الخائف:.

- مالك يا لينا ايه اللي حصل
ابتعدت عنه تتحسس وجهه بكفيها، تنساب دموعها بغزارة بلا توقف علا نشيجها تهمس من بين شهقاتها العنيفة المتتالية:
- - حرام عليك، رعبتني عليك، كنت عمالة اصحيك وأنت ما بتصحاش...
ارتسمت شبح ابتسامة صغيرة باهتة على شفتيه ليمد يده يمسح ما سقط من دموعها يغمغم ساخرا:
- ايه افتكرتي اني أنا مو...

وقبل أن يكمل ما يقول شعر بها تضع كف يدها سريعا فوق فمه تمنعه من إكمال ما يقول، حركت رأسها نفيا بعنف تردف فزعة:
-لاء ما تقولش كدة، ما تجبش سيرة الموت، أنت مش هتسبني أنت فاهم
تنهد يآسا يحرك رأسه إيجابا مد يده يزيح كف يدها برفق كتف ذراعيه امام صدره رفع حاجبه الأيسر يتمتم مستهجنا:
- ليه هو انتي مش زعلانة مني وشاكة فيا، وانا خلاص ما بقتش بحبك وبكذب وبخبي عليكي.

انهمرت دموعها إضعافا تحرك رأسها بالإيجاب هي على أتم ثقة من أنه يخفي شيئا هاما عليها رفعت كفيها تمسح دموعها، حمحمت تحاول إجلاء نبرة صوتها من تلك الغصة الباكية:
- أيوة أنا زعلانة منك وواثقة انك عامل حاجة ومخبيها عليا، ولو طلعت حاجة تأذيني يا خالد بأي شكل من الأشكال صدقني هسيبك، بس أنت افضل عايش، حتى لو بعدت عنك، أفضل بس عايش وكويس..

لا ينكر أن دقات قلبه تسارعت خوفا وهو فقط يتخيل أن لينا علمت بموضوع شهد وتركته دون رجعه، ازدرد لعابه الجاف ليوجه لها ابتسامة باهتة يمسح ما سقط من عينيها يضمها بين ذراعيه يغمغم واثقا:
- ومين قالك اني بعمل حاجة غلط او اني هسيبك تبعدي عني، دا لما تشوفي قفاكي يا قلبي
ضيقت عينيها تنظر له مغتاظة غاضبة لتكور قبضتها تصدمها على صدره بعنف تتمتم حانقة:
- بقى كدة طب يا رب تموت.

توسعت عينيها فزعا في اللحظة التالية لتصيح سريعا بهلع:
- لالالا بعد الشر عنك بعد الشر...
ضحك هو عاليا ينظر لها يلاعب حاجبيع مشاكسا يشاكسهل عبثا:
- مجنونة يا بسبوسة
علت ضحكاتها هي الأخرى لتضع رأسها على صدره بعد لحظات تطوق ظهره بذراعيها تهمس له بشغف:
- ما تخوفنيش عليك كدة تاني، أنت كل حاجة ليا في الدنيا.

صمتت للحظات لتخرج من بين شفتيها تنهيدة طويلة تعبر عن استكانة دقات قلبه المتسارعة خوفا علا ثغرها ابتسامة صغيرة تتمتم فرحة:
- تعرف لينا وزيدان شكلهم اتصالحوا
قطب جبينه متعجبا ليسمعها تكمل:
- أنا روحت اشوف لينا ما لقيتهاش في أوضتها، روحت اوضة زيدان لقيتهم نايمين في سابع نومة ما رضتش اصحيهم، يا رب يكونوا اتصالحوا.

يشك في ذلك ابنته عنيدة للغاية رأسه صلب تماما مثله لن تلين بتلك السهولة، شئ ما حدث، تغيرت ملامحه في لحظة من التعجب والتفكير إلي الغيظ والغضب حين سمعها تردف:
- تعرف بابا واحشني اوي بقالي كتير ما شوفتوش
قلب عينيه متهكما ذلك الرجل العجوز كلما كبر في العمر زاد جبروته أكثر، تذكر شجارهم الأخير بسبب أن جاسم يريد أن تسافر لينا ومعها ابنته له كل شهرين يفضوا معه عدة أيام هناك وانتهي الأمر برفضه القاطع:.

- لاء يعني لاء يا جاسم، عايز تقعد معانا هنا هشيلك على راسي إنت في مقام والدي الله يرحمه، إنما مراتي وبنتي مش هيسافروا بعيد عني ولو ساعة واحدة.

وانتهي الأمر بحل وسط من قبل زوجته أن يسافرا في الإجازات كل عام إلي والدها وأيامه في تلك الأوقات تصبح جحيما بسبب أفعال جاسم، يكفي أنه يبيت كل ليلة وحيدا لأن جاسم لا يرغب في ترك ابنته، تنهد يزفر أنفاسه الغاضبة المشتعلة يكاد يتميز من الغيظ، كلما يتذكر ما يحدث له بسبب جاسم في كل زيارة...

تنهدت متعبة اخيرااا عادت للمنزل بصحبة والدتها بعد أن أصرت الأخيرة اصرار قاطعا لا يقبل النقاش إن يذهبا إلي طبيب عظام آخر وبالفعل أوصلهم السائق، إلي عيادة طبيب عظام متخصص في مجاله واجري لسارة نفس الفحوصات التي اجراها حسام تقريبا، وارته تالا صورة الأشعة وتقرير حسام عن الحالة وما كتبه من أدوية فما كان من الطبيب إلا أنه قطب جبينه متعجبا ينظر للسيدة الواقفة أمامه:.

- معلش يعني هو حضرتك بتكشفي تاني ليه، الأشعة والتقرير والعلاج اللي مع حضرتك مظبوطين مية في المية وأنا ما اقدرش اغيرلك نوع علاج واحد من اللي مكتوب...
والدتها كادت تتميز من الغيظ، حين علمت أن تقارير حسام كلها سليمة واخيرا عادا إلي البيت هرع عمر إليهم يسألهم فزعا:
- كل دا يا تالا وسارة مالها دراعها ملفوف ليه أنا اتصلت بيكوا بدل المرة ألف كان ناقص انزل ادور عليكوا في الشوارع، كنتوا فين.

سردت سارة بإيجاز ما حدث لينظر عمر لذراع سارة الذي يلتف حوله الضمادات، اطمأن على ابنته وتركها تتجه الي غرفتها حيث توجد شقيقتها، اقترب هو من تالا التي تجلس على أحد المقاعد تسمك أصابع قدميها المنتفخة من إثر ذلك الحذاء ذو الكعب العالي، ابتسم هو يقترب من زوجته اخرج من جيبه قماشة سوداء رفيعة ليتحرك وقف خلفها يعصب عينيها فجاءة بقطعة القماش، لتشهق هي متفاجئة مما فعل، مال هو ناحية اذنيها يهمس لها بشغف:.

- ما تخافيش، قومي معايا
ابتلعت لعابها مرتبكة، تري ماذا فعل هي حقا لن تتقبل منه أي شئ مهما كان تنهدت حائرة لتتحرك معه الي الداخل يمسك يديها بجذبها برفق دفع باب الغرفة ليتوجها معا الي الداخل يوصد الباب عليهما، ابتعد عنها يقف في منتصف الغرفة يهمس لها:
- فتحي عينيكِ.

ازاحت ما فوق عينيها، تفتح مقلتيها تنظر للغرفة حولها ورود وبالونات مختلفة الالوان تغطي الأرض شموع في كل مكان مشهد تقليدي رومانسي يأتي كثيرا، ولكن المختلف شاشة التلفاز المضاءة على فيلم يبدو أنه وقف عند لقطة معينة، وقبل أن تسأله بادر هو حين اقترب يأخذ جهاز التحكم من فوق الطاولة الصغيرة ضغط على أحد الأزرار ليبدأ الفيلم في العمل من جديد فيلم مختلف من نوعه، حديث الطراز، رأت تلك السيدة التي رأتها معه في ذلك المقطع القصير، تجلس أرضا في غرفة شبه مظلمة يديها وقدميها مقيدتان بحبال سميكة تنساب دموعها ذعرا، ليصدح صوت رجل ما يهدر بصوت حاد عالي كالرعد:.

- ما تنطقي يا بت
حركت رأسها إيجابا عدة مرات سريعة متتالية ترتجف ذعرا، تردف بنبرة كارهة حاقدة رغم ما بها من ذعر:
- هقول والله هقول اللي حصل، نظرت ناحية شاشة الكاميرا تردف متلعثمة من الذعر:.

- تالا انتي مش فكراني بس، أنا عارفة أنك اكيد مش هتفتكريني أنا نادرين، كنت معاكي في نفس الكلية على فكرة، كنت بكرهك اوي يا تالا حب المعيدين والدكاترة الدفعة كلها كانت بتحبك وتحترمك وأنا كنت بكرهك وبغير منك، حتى عمر دنجوان الجامعة حبك واتجوزك، عدت سنين وأنا كرهي ليكي بيزيد ما بيقلش، وكانت فرصتي لما عرفت اني هشتغل وسيط بين شركة السياحة وشركة جوزك، كنتي طالبة ممتازة وناجحة بس زوجة فاشلة يا تالا، عمر كان محتاج يحس أنه ما لا كبر ولا عجز محتاج يجدد شبابه اللي بتحاولي تقتليه انتي اللي بعديته بايدك وما كنش ينفع اسيب الفرصة دي تضيع من ايدي، يوم ما جالي البيت وشرب وسكر وما بقاش شايف قدامه، قولت خلاص هحقق انتقامي منك كااااامل، بس هو ما قربليش مجرد ما دخلنا الأوضة وخدني في حضنه فجاءة لقيته عمال يبكي زي الطفل الصغير، بيكلمك ويعاتبك انك بعدتيه عنك وعن البنات وأنه لسه بيحبك كنت هتجنن من الغيظ فحاولت أمثل قدام الكاميرا انه فايق، وبيخونك، أنا بكرهك يا تالا ولسه لحد بكرهك وهفضل أكرهك، أنا ما بقولش كدة عشان ابرئ عمر بيه بتاعك، بس في مسدس 9 ملي قدام دماغي، وفي حقنة غريبة ادهولي الكلام بيخرج من لساني غصب عني، أنا حقيقي بكرهك يا تالا وبتمني ليكي الموت.

وانتهي مقطع الفيديو عند ذلك الحد وهي تقف متجمدة عينيها متسعة بشكل مخيف تكاد تسقط خارج وجهها، دقات قلبها تتصارع بشكل بشع، ناردين تذكرتها زميلة الدراسة، ناردين صديقتها قديما هي من فعلت بها ذلك، لما كل ذلك الكره ماذا فعلت هي لتكرهها لتلك الدرجة، لتحاول هدم بيتها، اجفلت من شرودها الحزين على جملة عمر:
- أنا غلطت وغلطت جامد اوووي ما بنفيش الغلط عني، بس فوقت يا تالا، صدقيني أنا بحبك، وما خنتكيش.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها لتجلس على حافة الفراش تخلع حجاب رأسها تلقيه بعيدا تشبك أصابعها في خصلات شعرها تتمتم متهكمة:
- ما خونتيش بجسمك بس خونتي بمشاعرك، روحت بمشاعرك ليها، فكرت فيها، حبيتها، دي خيانة بردوا يا عمر
اقترب منها يجلس على ركبتيه امام الفراش يمسك ذراعيها يضغط عليهما برفق يصيح متألما:.

- كنتي عيزاني اعمل ايه وأنا حاسس اني مكروه منبوذ منك دا حتى البنات، علاقتي بيهم كانت ضعيفة جدااا، سنين وأنا عايش حاسس اني غريب في بيتي...
توسعت ابتسامتها الساخرة تنفض يديه بعيدا عن ذراعيها قامت تقف بعيدا عنه عقدت ذراعيها أمام صدرها تتشدق ساخرة:
- يعني أنا السبب أنا اللي خليتك تخوني عشان ما كنتش عايزة اشيلك مسؤوليات زيادة واقول كفاية عليه تعب الشغل وبلاش اشغله بمشاكل البيت التافهة.

وقف أمامها مباشرة يردف منفعلا:
- مشاكل البيت التفاهة دي هي اللي بتخلي للحياة طعم، سارة خربشت سارين، سارة وسارين نحجوا، شوف جبنا لبس ايه، تيجي معانا واحنا بنشتري هدوم للبنات، جمل كان نفسي اسمعها، نفسي احس اني عايش وسطكوا، انما أنا كنت مهمش، تالا أنا كنت بتوتر لو حضنت من البنات من كتر ما انتي بعداهم عني...
وبدأ الصياح يعلو في الغرفة من كلا الطرفين.

- أنا مش غلطانة أنا بس ما كنتش عايزة ازعجك، كنت بقول لنفسي دايما اني اقدر أشيل المسؤولية لوحدي
- وأنا ما طلبتش منك تشيليها لوحدك كام مرة عرضت عليكي وكنتي بتردي عليا بجملة واحدة ( وأنت هتفهم ايه يا عمر في تربية البنات خليك يا حبيبي في شغلك )
- يعني برضوا بتجيب الغلط عليا، أنت مش شايف نفسك غلطان خالص، وأنت من امتي شوفت نفسك غلطان أساسا.

- أنا ما قولتش اني مش غلطان بس انتي بردوا مشاركني في جزء كبير من الغلط دا فما تجيش اللوم في الآخر كله عليا، تالا مع كل اهمالك ليا عشان خاطر البنات كنت بتتعاملي مع البنات بمنتهي الرسمية كل اللي يفرق معاكي أنهم يبقوا متفوقين فئ الدراسة والتدريبات وبس، واديكي شوفتي اللي حصل لسارة وسارين بسببنا.

- بردوا بترمي الغلط عليا على الأقل أنا فوقت واشتريت بناتي مش البيه اللي باع عشرة سنين في لحظة نطقها أنتي طالق يا تالا
- وأنا ما بقولش اني مش غلطان، أنا لما بعدت فوقت وعرفت قد ايه كنت غلطان وحاولت أصلح عشان الحياة ترجع ليه مش عايزة تديني فرصة، فرصة يا تالا، صدقيني الفيديو دا قديم واديكي سمعتي ما حصلش بينا حاجة، خلينا نرمي كل اللي فات بقى يا تالا ونفتح صفحة جديدة...

انتهت أصوات الصياح من الغرفة وبقيت أصوات انفاسهم العالية تالا تقف عند الباب وعمر يقف عند الفراش، ينظر لها راجيا أن تسامح وتمضي معه وهي تنظر له نظرات طويلة بها من القهر والألم ما بها، مدت يدها تفتح باب الغرفة لتخرج من الغرفة اتجهت الي الغرفة الاخري، تغلقها عليها من الداخل ليتهاوي هو جالسا على الفراش يخفي وجهه بين كفيه يتمني فقط لو يعود الزمن للوراء.

مرت عدة أيام أحوالها متشابهة على الجميع، عداها هي كانت تجلس في غرفتها اعلي فراشها تمسك بورقة صغيرة في يدها كتب عليها جملة واحدة ( فكري كويس ).

تلك الورقة وجدتها في يدها حين استيقظت من قيلولتها الطويلة على فراشه بحثت عنه لتعرف من والدتها أنه أصر على المغادرة، تركها تفكر أي طريق تختار، تعود او ترحل وتتخلي عن طفلها، احتضنت بطنها بذراعيها تحرك رأسها نفيا لن تترك له طفلها ابداا، تنهدت تخرج من بحر افكارها على صوت رنين هاتفها برقم معاذ تجاهلته كثيرا في الأيام الماضية ولكنها تشعر بحاجة ملحة للتحدث مع اي من كان، ربما زيدان محق وهي تحتاج لعلاج نفسي، ابتسمت ساخرة تلتقط هاتفها فتحت الخط وقبل أن تنقط بحرف سمعته يبادر قلقا:.

- ايه يا لينا بقالي كذا يوم بتصل بيكي وما بترديش وروحت ليكي الكلية ما بتبجيش انتي كويسة طمنيني عليكي
شردت تبتسم ساخرة وجملته تتردد في أذنيها بوقع سريع مخيف ( انتي ما حبتيش معاذ يا لينا )، زفرت انفاسها الثائرة غضبا مما قال لتحادث ذلك المنتظر على الخطط دون كلل:
- أنا كويسة يا معاذ، الحمل تاعبني بس شوية ومعظم المحاضرات اون لاين وكمان فرح بنت عمي بكرة عندنا في الفيلا فمالهاش لازمة اني انزل دلوقتي.

سمعته يضحك بخفة ليردف مشاكسا:
- ايه دا فرح أنا نقطي ضعفي الأفراح، اسمحيلي بقى أنا عازم نفسي عندكوا بكرة عشان البوفية اولا وعشان اشوف عشان حقيقي وحشتيني ثاني...
ظلت هي صامتة للحظات عينيها متوسعين مدهوشة مما يقول مجئ معاذ قد يستفز والدها وفي الاغلب سيفعل، أرادت أن ثنيه عن المجئ ولكن قبل أن تنطق بحرف سمعته يغمغم بمرح:
- أنا عارف اني ضيف شرف يا بنتي من غير ما تقولي، هشوفك بكرة بقى، سلام يا لوليا.

قالها ليغلق الخط، جلست هي صامتة بضع لحظات لتقطب جبينها متعجبة تتسأل مع نفسها كيف علم معاذ بذلك الاسم؟!

في الحارة عند جدة أدهم، ينتصف أدهم جالسا على فراشه يمد ساقه المكدومة بينما جدته تجلس جواره تطعمه الي أن انتفخت معدته ليهمس مستاءا:
- كفاية يا جدتي بطني هتنفجر
اقتطعت قطع لحم من الدجاجة الكبيرة امامها تدسها في فمه رغما عنه تردف بصرامة:
- مش عايزة اسمع صوتك تاكل وانت ساكت مش كفاية متعور ومش قادر تدوس على رجلك.

أصله عيل خرع أنا كنت عارف انه مش هيكمل يومين في شغلانة، : تشدق بها مراد ساخرا وهو يدخل من باب الغرفة ليرميه أدهم بنظرة نارية حانقة، رفعت منيرة وجهها تنظر لمراد تردف ساخرة:
- وأنت لابس كدة ورايح فين في انصاص الليالي يا ابن وحيد
نظر مراد لجدته ساخرا ليتوجه لباب الغرفة يردف متهكما قبل أن يغادر:
- خليكي في حالك يا منيرة، زغطي انتي في ننوس عينك.

اشتعلت أنفاس أدهم غضبا بينما قامت منيرة من جوار ادهم تلف شالها الصوف حول شعرها تتمتم سريعا:
- أدهم أنا نسيت حاجة في المحل هنزل اجيبها بسرعة وجاية
وقبل أن تعطيه فرصة حتى للرد، كانت قد غادرت الغرفة، ليضرب هو كف فوق آخر حقا لا يفهم ما يحدث.

دقات عالية متتالية على باب منزله، دقات جعلته يتوعد للطارق بأنه سيدق عنقه ما أن يراه، فتح باب المنزل بعنف قسمات وجهه تصرخ غضبا لتتوسع عينيه على آخرهما حين رأي ذلك الرجل جاسم يقف امامه ينظر له بتلك النظرة الماكرة التي يكرهها، اجفل على صوت صيحة سعيدة تأتي من خلفه لتندفع لينا تعانق والدها ليضمها جاسم إليه يربت على رأسها برفق:.

- وحشتيني يا حبيبتي، وحشتيني أوي، حاجات كتير حصلت في غيابي وأنا جاي اشوف خالد باشا كان بيعمل ايه!

نركز بقى الأيام الجاية منحدر حاد، برجاء ربط الأحزمة ممنوع القراءة لأصحاب القلوب الضعيفة ومحبي خالد السويسي.

الرواية طويلة ولسه في أحداث كتير، واحترامي الكامل للجميع، حضرتك لو مش عاجباك الرواية حقك الكامل اصل دي اذواق، بس بلاش نشتم أنا بحترم حضرتكوا لأبعد حد، قسما بالله أنا أوقات ما ببقي قادرة ابص حتى على شاشة الموبايل، بشوف تعليقات بتخليني اقول يا ريتني ما ضيعت وقتي فئ كتابة الفصل، بقيت بكتب الفصل رغما عني عشان بس المتابعين...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة