قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الحادي والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الحادي والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الحادي والسبعون

جلطة!

ما إن خرجت تلك الكلمات من فم الطبيب تلاها لحظة صمت طويلة، فزع سيطر على الجميع، الجم ألسنتهم جمد الدماء في عروقهم، لم يكمل الطبيب جملته اوقفه صوت صرخة قوية صدرت من لينا باسم زوجها تبعها صوت ارتطام قوي، نظر الجميع فزعا لما سقط، ليصرخ زيدان باسم لينا هرع يحملها بين ذراعيه صاح حمزة في الطبيب، هرولوا جميعا الي أحدي الغرف الفارغة زيدان يحمل لينا ومعه حمزة، وبقيت هي، قدميها لم تعد لها القدرة على تحمل ما يحدث جسدها ينتفض وكأن كهربا ضربته، والدها اولا والآن والدتها، جسدها وكأنه التصق في المقعد تبكي فقط تبكي تتسابق دموعها في الانهمار، تنظر لغرفة والدها، بجهد شاق رفعت جسدها من فوق المقعد تجر ساقيها إلي غرفته، وقفت جوار الباب الغرفة الشبة مغلق فقط شق صغير رأت من خلاله حسام أخيه يجلس ارضا على ركبتيه جوار فراش والدها يبكي يمسك بيد والده يقبلها بين حين وآخر سمعت صوته الضعيف احست نبرته الخائفة المرتعشة:.

- كدة يا حج، كدة توقع قلبي عليك، تتعب وتخوفني، مين هيشتمني ويقولي يا حيوان، وهما 200 جنية ما فيش غيرهم، عارف لو تعبت تاني هتجوز البت سارة غصب عنها، هخطفها واتجوزها
لحظات ورأت دموعه تتسابق ليميل براسه يضع رأسه على الفراش يحتضن ذراع ابيه يبكي بعنف يجهش في البكاء:
- أنا آسف لو في يوم زعلتك، قوم أنت بس بالسلامة وأنا مش هزعلك تاني، أنا بحبك اوي يا بابا، والله إنت اغلي حاجة عندي في الدنيا.

وقفت تنظر لحالة أخيها تبكي على حاله وحال والدها، تحركت عينيها تتوجه الي جسد أبيها المسطح على الفراش يتصل به كل الكثير من الأجهزة الطبية، يغلق عينيه جسده ساكن يستسلم لحالة سكون مخيفة لم تعهدها منه قبلا، حركت ساقيها تدخل إلي الغرفة ليرفع حسام وجهه ينظر لمن أتي لا يهمه أن رآها أحد هكذا لا يهم إن عرفوا من يكون كل ما يهمه الآن هو ذلك الساكن على الفراش بلا حول ولا قوة، كسي الحزن عينيه ينظر لشقيقته متألما.

ينظر لخطواتها البطيئة تجر جسدها ناحية فراش والدهم اقتربت من الفراش لتميل بجسدها تسند رأسها الي كتفه اغمضت عينيها تهمس له بصوت خفيض مختنق خائف:.

- بابا، أنا عارفة انك سامعني، أنا آسفة، آسفة لو في يوم زعلتك، والله ما كنش بيبقي قصدي أنا بس، كنت مقهورة اوي لما عرفت أن اللي عملتوه كان لعبة، قلبي اتوجع من اللي هو عمله ومن اللي عرفت انكوا عملتوه، ما تزعلش مني، وقوم عشان خاطري أنا عمري ما اتخيلت ابداا اني اشوفك كدا...

في مكان آخر، مكان استراح فيه جسده وتوقف عقله قليلا عن التفكير في كل مشاغل العائلة، مشهد من عقله الباطن ربما، يجلس هو على أرض خضراء اعشابها كثيفة يستند بظهره الي جزع شجرة كبيرة يغمض عينيه يستريح، يتنفس هواء بارد يغزو كيانه يربت على روحه الملتاعة، صوت بكاء صغير جعله يفتح عينيه ينظر حوله متعجبا ليجد طفل رضيع يبكي موضوع جواره أرضا على العشب، رفعه بين ذراعيه ينظر له مبتسما، لينتفض على يد وضعت على كتفه نظر جواره سريعا ليجد زيدان صديقه يجلس جواره يحمل هو الآخر طفل صغير بين ذراعيه توسعت عينيه مدهوشا ينظر لصديقه الجالس جواره يبتسم في هدوء، ليمد زيدان يده له بالطفل الآخر فحمل الطفلين كل منهما على ذراع ابتسم له يقول بهدوء:.

- ولاد خالد
قطب خالد جبينه متعجبا ينظر للطفلين مدهوشا ليعاود النظر لصديقه يتمتم مذهولا:
- ولادي أنا؟!
ضحك زيدان ضحكة عالية يحرك رأسه نفيا نظر لصديقه يقول مبتسما:
- أنت نسيت ولا ايه، فاكر لما قولتلك أنا هسميه خالد عشان يطلع رخم زيك
انتفض قلب خالد للحظات هل يقصد زيدان أن هذين الطفلين أحفاده أولاد زيدان، ضمهما لصدره برفق ليعاود النظر لصديقه تنهد يقول تعبا:.

- أنا تعبت أوي يا زيدان، تعبت اوي يا صاحبي، الدنيا كلها بتتهد من حوليا
ابتسم زيدان في هدوء يربت على كتف صديقه يشد من ازره يردف مبتسما:
- بطل تحاول تعاند القدر يا خالد، المكتوب هيحصل هيحصل مش بإيدك توقفه، مش لازم تلوم نفسك أنك دايما السبب، شيل مناخيرك من كل المشاكل عشان ترتاح، وخد بالك حماك مش ناويلك على خير، خلي بالك من نفسك يا صاحبي ومن الواد خالد، سلام يا صاحبي...

قالها ليتلاشي كسراب يبتسم بينما جلس هو ينظر للطفلين الصغيرين وضحكاتهم البريئة يبتسم يشعر براحة تملئ كيانه، يسمع صوت ابنته يأتي من بعيد يسمع كلماتها وهي تعتذر، يخترق حلمه كل كلمة تقولها ولكنه لم يهتم حقا لم يهتم لم يرغب في أن يرحل هو والطفلين هنا يجلس يستريح يسمع ضحكاتهم البريئة سلوي قلبه مما لاقي
عودة للغرفة، رفعت لينا رأسها قليلا تنظر لحسام تسأله بصوت خفيض متحشرج:
- هو بابا كويس يا حسام.

نظر لها للحظات صامتا مشفقا ليحرك رأسه إيجابا وقف يمسح وجهه يبعد ما نزل من دموعه حمحم يحاول إجلاء تلك الغصة القاسية التي خنقته يحادثها بترفق:
- الحمد لله جت سليمة، جلطة خفيفة قدرنا نتعامل معاها بالأدوية، سيبيه دلوقتي يستريح وارجعي اوضتك انتي كمان محتاجة ترتاحي، تعالي.

انهي جملته يمد يده لها، ترددت للحظات تنظر لوالدها خائفة عليه، مالت تقبل جبينه لتتحرك ببطئ تشعر بألم بشع يمزق احشائها، تقدمت تمسك بيده ليبتسم لها متعبا حزينا شاحبا، لف ذراعه حول كتفيها يتحرك بها للخارج، لتلقي ناحية فراش أبيها نظرة أخيرة، قبل أن يخرج بها من الغرفة يغلق الباب على والدهم...

اصطحبها الى أقرب غرفة من غرفة والدهم يمشي معها برفق، دخل معها الي الغرفة يغلق الباب عليهم يجذب الستار ليحجب رؤية من في الخارج، اقترب منها يطوقها بذراعيه يشدد على احتضانها، أدمعت عينيه، بينما انهمرت دموعها، تعالت شهقاتها تتمسك بملابسه تخفي وجهها بين ثنايا صدره، تتلعثم من بين شهقاتها:.

- هو أنا وحشة اوي كدة يا حسام، أنا عملت ايه وحش في حياتي عشان يحصلي كل دا، أنا مش عايزة زيدان، بس عايزة ابني، ابني اللي راح مني، روحي اللي كنت حاسة بيها بتكبر جوايا يوم ورا يوم، قلبي بيوجعني اوي يا حسام، وبابا، أنا عمري ما تخيلت أنه ممكن يقع كدة، بابا رغم كل المشاكل والمصايب اللي بتحصل كان دايما بيبقي موجود، أنا خايفة عليه اوي، وماما مش هتستحمل أنت ما بتعرفش هي بتحبه قد ايه، حياتنا كلها بتنهار يا حسام.

تركها تخرج كل ما يجثم فوق قلبه للحظات طويلة وهو صامت لا يتفوه بكلمة، قلبها يحترق حزنا على الجميع، يتمني فقط لو في يده شئ ليقدمه، يساعد ولكن ما باليد حيلة كما يقال، دقائق طويلة وابعدها عنه يمسح دموعها المتساقطة يحاول رسم ابتسامة مطمئنة على شفتيه:.

- بابا هيبقي كويس صدقيني، خالد باشا السويسي ما يقعش بسهولة، هو بس بيريح من همكوا شوية، أما انتي فأنا عايزك تعرفي وتتأكدي أن نزول الجنين في مصلحتك انتي وزيدان، انتوا محتاجين فرصة تبعدوا عن بعض ما يبقاش فيه اي حاجة ربطاكوا، تراجعوا مشاعركوا من الصفر، أنا عارف إن الموضوع صعب ويمكن اكتر من عليكي، بس صدقيني دا أفضل ليكي وليه.

صمت للحظات ليعطيها ابتسامة مرحة زائفة دني بجزعه قليلا يحملها بين ذراعيه يتوجه بها الي فراشها يردف مبتسما:
- أما الأستاذة بقى فمحتاجة ترتاح لأنها تعبانة واحنا في غني عن أن يحصل اي مضاعفات
وضعها على الفراش لتنتصف جالسة، بينما جلس هو أمامها اضطربت مقلتيها في الفراغ حولها ليمد هو كف يده يربت على وجنتها يتمتم:
- أنا هروح اشوف اخبار الدكتورة لينا إيه، نامي شوية.

نظرت لشقيقها تبتسم ممتنة، هي حقا تغبط نفسها في تلك اللحظات على وجوده في حياتهم، ارتمت بين ذراعيه تعانقه تتلمس دفئ وأمان والدها بين ذراعيه ليبتسم لها ابعدها عنه قليلا فقط يقبل جبينها مبتسما ليمسعا في تلك اللحظة صوت شهقة مذهولة تأتي من عند باب الغرفة التفت حسام سريعا ليري أحدي الممرضات تقف جوار باب الغرفة تنظر له وهو يعانق لينا ويقبل جبينها، مذهولة عينيها متسعة في دهشة، بينما احتدت عيني حسام غضبا يصيح فيها:.

- انتي واقفة عندك متنحة كدة ليه وازاي تدخلي اي اوضة اصلا من غير ما تخبطي بابها اتفضلي يا أستاذة حسابك مع شؤون العاملين
أصفر وجه الممرضة فزعا لتخرج من الغرفة سريعا تغلق الباب خلفها، وقف حسام يجذب الغطاء يدثر شقيقته وقف أمامها يردف مبتسما:
- نامي وما تفكريش في حاجة، لما تصحي هتلاقي كل حاجة كويسة.

ابتسمت له ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالإيجاب تحرك هو يحضر محلول وريدي علقه على الحامل الخاص به ليغرز سنه برفق في كف يدها، امسك رسغها يقيس نبضات قلبها، تنهدا مرتحا يضع يدها جوارها برفق توجه ناحية المحلول يغرز به مصل مهدئ، نظر لشقيقته يبتسم حزينا للحظات ليتركها ويخرج من الغرفة يجذب الباب يغلقه عليها، لترفع هي رأسها لأعلي تنظر للسقف أمامها رغما عنها انسابت دموعها حين مدت يدها تتحسس بطنها التي باتت الآن فارغة، تكالبت دموعها بغزارة تحادثها طفلها الغائب:.

- سامحني يا حبيبي إني ما عرفتش أحافظ عليك، كان نفسي تعيش واشيلك على ايدي واخدك في حضني، أنا السبب مش زيدان أنا اللي ضيعتك مني، أنا اللي اذيتك واذيت نفسي
شيئا فشئ وبدأت تشعر بجفنيها يثقلان وجسدها يرتخي، لم يتبقي سوي دموع صامتة تكوي قلبها حزنا، إلي أن غابت تماما عن الواقع المؤلم.

على صعيد آخر توجه حسام ناحية قسم الطوارئ، ما إن أقترب من القسم سمع صوت صياح صديقه الغاضب، أسرع خطواته ليجد زيدان يقبض على عنق هاشم، الطبيب المسؤول عن حالة خالد يصرخ فيه غاضبا:
- يا راجل يا *** يا متخلف، خارج تقولنا جلطة، اهي وقعت وعندها انهيار عصبي...
الدكتور اللي كان معاك قلنا جلطة خفيفة ودوبوها بالأدوية، أنت فاكر نفسك في مسلسل ولما تقول جلطة هينزل وراك الموسيقي ونقفل الكدر عليك.

شحب وجه الطبيب ذعرا واختناقا يحاول التوسل بعينيه لحمزة الجالس على المقعد ينظر للطبيب باشمئزاز بشماتة، بينما اندفع حسام سريعا يخلص هاشم من زيدان ابعده عنه بعنف يصيح فيه محتدا:
- ايه يا زيدان إنت ضربت ولا ايه، بتتهجم على الدكتور.

وقف زيدان بالكاد تحمله ساقيه وجهه مشتعل عروقه بالكامل نافرة، وجهه مجهد عينيه حمراء، شعره اشعث، قميصه ازراره معظمها مفتوحه بشكل مذري، وقف حسام حائلا بينه وبين الطبيب المسكين الذي وقف خلف حسام يحتمي به من ذلك المجنون الغاضب، بينما صدح صوت زيدان الغاضب:.

- ابعد يا حسام أنا هطلع روحه في ايدي، جلطة خارج متأثر اوي وجلطة، دا دكتور بهايم لو قولنا أنه دكتور اصلا، ورحمة ابويا الغالي لهسسفك التراب يا دكتور على ما تفرج أنت...
دفع حسام هاشم بعيدا يحادثه بصوت خفيض هامس:
- معلش يا هاشم امشي أنت دلوقتي، الراجل معذور ابنه راح وبعدين خاله تعب وبعدين والدته تتعب، الموضوع صعب عليه.

نظر هاشم لزيدان مشفقا ليحرك رأسه إيجابا يرحل سريعا بينما توجه حسام ناحية صديقه حرك رأسه نفيا يأس من صديقه وأفعاله التي لا يحسبها عقل تنهد يسأله قلقا:
- الدكتورة لينا كويسة!
تهاوي زيدان جالسا على المقعد المجاور لحمزة تنهد بحرارة تكوي جوا قلبه ارتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة ساخرة متألمة يسخر من حاله قبل الجميع:.

- كويسة؟! ما حدش فينا كويس يا حسام، عندها انهيار عصبي الدكاترة ادولها مهدئتات كتير ربنا يستر عليها...
رفع وجهه لصديقه يسأله متلفها قلقا:
المهم طمني خالي، خالي عامل ايه...
ابتسم حسام في هدوء يحاول طمئنة صديقه جلس على المقعد المجاور له يربت على ساقه يردف في هدوء:
- الحمد لله عدت بخير، هو بس مجهد ومحتاج يرتاح.

شردت عيني زيدان في الآخر ابتسم متعبا ينظر لصديقه وكأنه يخبره مجهد فقط صدقا هو مستنزف ونحن جميعا ما استنزفنا قواه حتى سقط.

في هدوء تحرك حمزة من جوارهم يأخذ طريقه لغرفة أخيه، يسرع بخطواته يشعر بدموع ساخنة تغزو مقلتيه، قلبه ينتفض دقاته تتصارع وكأن روحه تتمزق بلا رحمة، شطر من روحه يتألم خامل منطفئ، أسرع خطاه ليصل إلي غرفة أخيه، فتح الباب سريعا يدخل إلي الغرفة وقف أمام الباب المغلق ينظر لأخيه متحسرا حزينا عينيه تسكب الدمع كأسا يشربه قلبه، تحرك بخطى بطيئة ناحية فراش أخيه، مع كل خطوة يخطوها يتذكر احدي مواقفهم معا.

- جاهز ومستنيك يا دون
- النار اللي عندك مش نيران صديقة يا حمزة
- يا جدع أنت اخويا يا اهبل
- دوس يا عم وما يهمكش أنا في ضهرك
عند تلك الجملة الاخيرة كان يقف جوار فراش انهار على ركبتيه يبكي كطفل صغير يمسك سد أخيه يتوسله من بين شهقاته:.

- ما تكسرش ضهري يا خالد دا أنا من غيرك ابقي زي العيل الصغير، قوم يا خالد وحياة لينا عندك، ما ينفعش أنت تقع، أنا عارف أنك زعلان مني عشان اتجوزت بدور لو عايزني اطلقها هطلقها، بس أنت قوم...

علقت الكلمات في فمه فجاءة حين شعر بحركة أصابع يد أخيه تتحرك حركة خفيفة داخل كف يده، رفع وجهه سريعا ينظر لوجه اخيه متلهفا ليراه يحرك مقلتيه أسفل جفنيه المغلقين شئ فشئ بدأ يعود للدنيا من جديد، فتح جفنيه ينظر حوله هنا وهناك، اول ما لاحظه قناع التنفس الذي يغطي وجهه مد يده بصعوبة يحاول أزاحته من على وجهه ليهتف حمزة متلهفا:
- ما تشيلوش يا خالد...

تحرك بعينيه ناحية عينيه يعيطيه شبح ابتسامو صغيرة شاحبة أزاح القناع من فوق وجهه فتح فمه يهمس بنبرة ضعيفة متهالكة:
- زيدان فين
تحرك حمزة سريعا يكبس الزر المسؤول عن استدعاء الطبيب الخاص بالحالة عاد لأخيه يتمتم سريعا متلهفا:
- زيدان برة يا خالد كلنا هنا حواليك، استريح أنت بس.

ابتسم خالد ساخرا من تلهف أخيه المبالغ فيه الذي ذكره بأحد الممثلين في فيلم عربي قديم لا يتذكر اسمه الآن، لحظات وامتلئت الغرفة طبيب وآخر وحسام ابنه، وعدة ممرضات اخرجوا حمزة وشرعوا في فحص حالته، لم يكن قلقا هو حقا لم يهتم بما أصابه، بالعكس بل أحبه ساعات طويلة ارتاح فيها جسده من المشاكل، يكفي أنه رأي زيدان، والطفلين ابتسامة صغيرة نمت على شفتيه ينظر لحسام لا يحيد بعينيه عنه، كم يشعر بالفخر فقط ما أن ينظر إليه، وقف هاشم جوار فراش خالد يتمتم مبتسما:.

- الحمد لله عدت على خير، هتفضل معانا تحت الملاحظة لحد ما نطمن عليك، حمد لله على سلامتك
قطب جبينه قلقا ينظر للطبيب يقول بصوت خفيض مجهد قلق:
- لينا فين، مراتي وبنتي فين
هنا جاء دور حسام نظر لوالده يطمأنه بنظراته يتمتم في هدوء:
- ما تقلقش حضرتك، هما بخير وكويسين.

نظر خالد لحسام في حذر يشك حقا فيما يقول، أين لينا وماذا حدث لابنته وأين زيدان، هو متأكد على اتم ثقة أنهم ليسوا بخير كما يحاول أن يخبره حسام بعينيه، ما كان عليه سوي أن ينتظر الي أن خلت الغرفة وخرج الأطباء ولم يبقي سوي حسام، مد خالد يده يقبض على رسغ ولده التفت له ليتمتم خالد بصوت خفيض متعب حانق:
- حسام، أنا مش عيل صغير هتضحك عليا، لينا واختك فين، ما تقولش ما تقلقش هما كويسين، هما فين.

تنهد حسام يآسا من رأس أبيه الصلب، تحرك من مكانه يقف جوار حافة الفراش امسك كف أبيه يقبله يتمتم مبتسما:
- يا بابا ما تقلقش والله هما كويسين، لينا نايمة في الأوضة اللي جنبك على طول، ودكتورة لينا في قسم الطوارئ عندها انهيار عصبي وواخدة مهدئات
توسعت عيني خالد زعرا ليقبض على يد ولده يتمتم مذعورا:
- أنت بتقول ايه، لينا عندها انهيار عصبي، اوعي أنا رايحلها.

قبض حسام على ذراعي والده يمنعه من النهوض من مكانه، نظر خالد لحسام محتدا غاضبا خرجت صوته غاضبا رغم نبرته الضعيفة:
- انتي بتمسكني يا حسام أنت اتجننت، سيب ايدي يا حيوان
حرك رأسه نفيا بعنف يجلس أمام والده يحجزه بجسده من أن يتحرك ابعد ذراعيه امام صدره يتمتم في صرامة:.

- بص يا حج مع كامل احترامي ليك ولعصبيتك اللي أنا حافظها بس أنت مش هتتحرك من هنا، دكتورة لينا زي الفل أنا لسه كنت عندها واطمنت عليها، وأنت محتاج ترتاح، فبالود كدة يا حج خليك مرتاح...
نظر خالد لحسام حانقا يتوعد له ما أن يتعافي في تلك اللحظات دق الباب ودخل حمزة ومعه زيدان إلي الغرفة، استند خالد على ذراع حسام ينتصف جالسا وجه انظاره لهما يغمغم تعبا:
- لينا كويسة طمنوني عليها.

حرك زيدان رأسه إيجابا ليبادر حمزة قائلا سريعا بتلهف:
- والله يا خالد بخير ارتاح أنت وهي لما تفوق وتعرف انك كويس هتجيلك، في ممرضة معاها في الأوضة مش سيباها
حرك رأسه إيجابا يحاول إقناع قلبه المحتضر خوفا عليها أنها بخير كما يقولون، التفت برأسه ناحية زيدان الذي يجلس على المقعد المجاور لفراشه يغمغم معاتبا:.

- استسلمت خلاص أنت تعرف أن كدة لينا عدتها سقطت، وتقدر تتجوز معاذ الزفت دا من بكرة لو حبت، أنا مش هفرض عليها حاجة تاني، كان المفروض تحارب أنت أكتر من كدة
ابتسم زيدان متألما يحرك رأسه نفيا مسح وجهه بكفي يده رفع وجهه ينظر لخاله نظرات ضعيفة يغشاها الدموع يغمغم متعبا ممزقا:
- أنا تعبت يا خالي، هفضل أحارب لحد أمتي، من صغري بحارب، هي رافضة تماما اي فرصة، حتى الخيط الوحيد اللي كان بينا اتقطع...

اطال خالد النظر لزيدان بلع لعابه الجاف يلتقط أنفاسه المتعبة يغمغم:
- الخيط اللي بينكوا ما اتقطعش يا زيدان، لأن الخيط اللي بينكوا ما كنش الطفل، الخيط اللي بينكوا قلبكوا اللي حبت، قلبها هي اتجرح بسببك، كان المفروض تداوي الجرح دا حتى لو خد أيام شهور ما تستلمش، ايه قلبك تعب بالسرعة دي دا أنت لسه شباب حتى...
حرك زيدان رأسه نفيا بعنف يتمتم متألما:.

- أنت بتقول كدة من وجهه نظرك أنت، من تجربتك مع ماما، بس ماما حبيتك قدرت تسامحك كانت بتطبطب عليك في عز وجعك تطمنك، بنتك لاء، بنتك ما حبتنيش، أنا كنت أناني عشان قررت طالما أنا حبيتها يبقي لازم هي كمان تحبني، اذيتها من غير قصدي، وخلاص يا خالي أنا هسيبها يمكن تلاقئ السعادة لما ابعد أنا...
أراد خالد أن يضرب وتره الحساس ليحفزه أن يتحرك ابتسم يهمس بالتواء:
- يعني هتبقي مبسوط لما تبقي مع راجل غيرك.

كلمة كانت كشرار نار الهب قلبه هب واقفا احمرت عينيه نفرت عروقه حرك رأسه نفيا يصيح بحرقة:
- لاء وأنت عارف أنه لاء، بس أنا قربي منها بيعذبها أكتر ما بيعذبني، أنا عندي أبعد واتعذب لوحدي ولا اني افضل جنبها وتتعذب بسببي...
نظر حسام وحمزة لزيدان مشفقين بينما ادمعت عيني خالد ينظر لزيدان مشفقا على حاله، مد يده يربت على الفراش جواره ليتقدم زيدان يجلس جواره مال خالد برأسه ناحية زيدان يهمس له بخفوت حزين:.

- تعرف اني حلمت بأبوك
توسعت عيني زيدان في دهشة يوجه رأسه ناحية خاله ينظر له متلهفا ليبتسم خالد مجهدا يحرك رأسه إيجابا يتمتم في راحة:
- مش عارف دا حلم ولا تخاريف بس حقيقي كان واحشني اوي، تعرف اداني طفلين وقالي انهم ولادك، وقالي كمان خلي بالك جاسم مش ناويلي على خير.

قطب زيدان جبينه متعجبا مدهوشا، حين اصطدمت سيارته في ذلك الحادث رأي هو الآخر أبيه ولكن في المرة السابقة أخذ طفله وغادر والآن خاله يخبره أنه رأي أبيه وتلك المرة أعطاه طفلين، طفلين هل حقا سيرزق بطفلين أم أنها فقط مشاهد شكلها عقل خاله إثر صدمة ما حدث، صدمة هو نفسه لن يتعافي منها قريبا، قاطع شروده صوت حمزة يغمغم متعجبا بنبرة غاضبة:.

- يعني ايه جاسم مش ناوليك على خير هو بيفكر يأذيك تاني ولا تالت دا أنا ادفنه حي قبل ما يمس شعرة منك
ابتسم خالد ينظر لأخيه ضحك بخفوت يغمغم:
- هدي اعضائك يا دون، جاسم كبيره يعكنن عليا طول ما هو هنا غير كدة ما يقدرش، جاسم كبر بردوا و...
قاطعه حمزة يغمغم في اصرار:
- ولو بردوا لازم ناخد احتياطتنا جاسم دا تعبان ما يضمنش، سيب الموضوع دا أنا هخلصه...

في منزل عثمان وسارين، تركته في الغرفة وتوجهت الي المطبخ تشعر حقا بالجوع لم تأكل شيئا منذ الأمس تقريبا، دخلت الي المطبخ الواسع تتوجه الي البراد فتحته لتتوسع عينيها في دهشة لما كل تلك الكميات الكبيرة من الطعام، أخرجت بعض الأشياء تضعها على الطاولة امسكت بضع حبات بيض وطبق به شرائح اللحم المجفف ( البسطرمة ) وقفت امام الموقد تطهو تلك الوجبة الخفيفة التي تحب، تشعر حقا بشهية مفتوحة تسع لأكل الكثير، يكفي سعادتها التي بدأت تشعر بها بالأمس، تحبه ولا تخجل من قولها يكفي ما قاله لها بالأمس، تنهدت تشرد عينيها تتمني حقا أن تبني معه أسرة قوية يتعلمان فيها من أخطاء عائلتهم، انتفضت حين سمعت صوت صوته يقول من خلفها:.

- البسطرمة هتتحرق..
توسعت عينيها فزعا تنظر لقطع اللحم لتسرع بازاحتها من فوق الموقد، وضعت يدها على قلبها تحاول التقاط أنفاسها التفتت له تهتف معاتبة:
- حرام عليك يا عثمان خضتني
ضحك بخفة يغمزها بطرف يغمغم ضاحكا:
- اللي واخد عقلك كنتي بتفكري فيا صح
ارتسمت إبتسامة ناعمة على شفتيها لتنحي قليلا تطوق عنقه بذراعيه تتمتم متدللة:
- إنت واخد قلبي مش عقلي بس يا صياد.

تاهت عينيه في تفاصيل وجهها الناعمة تتقافز دقاته بعنف ما قالت ازدرد لعابه الذي تصحر فجاءة يغمغم بولة:
- الوعد اللي وعدتهولك مقوي قلبك، لاء خدي بالك أنا لحم ودم وكرسي بعجل، الكرسي ابو عجل لو جاب آخره أنا مش مسؤول...
تعالت ضحكاتها لتبتعد عنه التفتت للمقود تكمل ما كانت تعمل بينما هو يجلس خلفها يشاهد ما تفعل مبتسما، ابتسامة واسعة تشق شفتيه يراها تتحرك من هنا لهناك، بخفة.

تضع الطعام على الطاولة، رضت الكثير من أصناف الطعام على طاولة المطبخ، وقفت امامه تغمغم مبتسمة:
- يلا عشان نفطر
توسعت هو الآخر ابتسامته مد يده يجذبها برفق لتسقط على ساقيه توسعت عينيها في دهشة، شهقة فزعة خرجت من بين شفتيها، ليلاعب هو حاجبيه مشاكسا يغمغم في خبث:
- ايه يا سيرو بوصلك يا قلبي.

غزا وجهها حمرة قانية ليتحرك هو بمقعده متجها صوب طاولة الطعام، انتفضت سريعا تجلس على مقعدها، تحاول إخفاء وجهها داخل طبقها تكاد تنصهر من الخجل، بينما يبتسم هو في اتساع يشعر بالسعادة رغم كل ما حدث، بات يشعر الآن بالسعادة، سعادة اخذها من الرضي، من أنه يستحق ما حدث، بأن تلك هي فرصته الجديدة ليحي حياة نظيفة، ما يقلقه حقا جلست العلاج الطبيعي كم هي شاقة عليه، في بعض الأحيان يبكي بعد أن تنتهي جلسته، هو لا يريد أن تراه بمثل ذلك الضعف المخزي، اخرجه من شروده صوتها وهي تحمحم تهمس مرتبكة:.

- صحيح، جلسات علاجك هتبدأ أمتي
تنهد مقهورا يغمغم بخفوت متوتر:
- بعد اسبوع هترجع تاني
شعرت هي بتخبطه، لبني والدته اخبرتها كم يعاني، مدت يدها تمسك بكف يده ليرفع وجهه لها رأي ابتسامة جميلة تزين شفتيها يسمعها تغمغم في حنان:
- أنا معاك و جنبك، لحد النهاية
ابتسم لها سعيدا كأنه طفل صغير وجد يد تحنو عليه، في تلك اللحظات دق جرس الباب عدة مرات سريعة متتالية تلاه صوت عمر الذي يصيح حانقا:.

- يا عثماااااااان، إنت يالا افتح الباب بوليس، قصدي حماك
تعالت ضحكاتهم لتتحرك سارين سريعا وهو خلفها توجهت تفتح الباب ليندفع عمر يعانق ابنته متلهفا عليها طوقها بذراعيه يضمها يغمغم
:
- حبيبة بابا من جوا، مضلمة الدنيا يا سيرو، شكلك خاسس، ليه كدة، الواد دا ما بيأكلكيش...
ضحكت سارين بخفة عاليه لتشب قليلا تقبل وجنته ابيها تغمغم ضاحكة:
- يا بابا لحقت اخس في اقل من 24 ساعة.

ضيق عمر عينيه ينظر لعثمان في شك يتمتم بثقة كأنه محقق ماهر:
- أنا اتوقع اي حاجة من الواد دا، أنا شاكك اصلا انه بيمشي وبيشتغلنا...
ضحكت تالا يآسه من أفعال زوجها التي لا تتغير، أمسكت بيد ابنتها تجذبها للداخل بينما جلس عمر مع عثمان وسارة في غرفة الصالون، ضحك عثمان رغما عنه مع نظرات عمر المتشككة نحوه ليردف من بين ضحكاته:
- في ايه يا عمي بتبصلي كدا ليه
رفع عمر حاجبه الأيسر مغتاظا زفر أنفاسه يتمتم حانقا:.

- مش عارف عندي رغبة ملحة، اني عايز اقوم الطشك بالقلم بنتي اللي عمرها ما اتأخرت ساعة برة البيت، بايتة معاك في نفس الشقة وعادي يا بابا دا عثمان جوزها، لاء هموت واقوم اضربك
ضحك عثمان عاليا يتخيل نفسه مكان عمر وحقا اراد فعلا أن يضرب نفسه الآن.

في الحارة كان الوقت قبل غروب الشمس بقليل في منزل جدة أدهم يجلس على فراشه يمد ساقيه يضع جهاز الكمبيوتر المحمول أمامه.

يعمل عليه بخفة، رفع وجهه بعد لحظات عن شاشة حاسبه ينظر للفراغ ترتسم ابتسامة صغيرة على شفتيه، منذ أيام وهو يباشر عمله عن طريق حاسبه إلي جانب عمله الآخر يقوم بتصميم البرامج والألعاب وبيعها، وما فعله حقا ويندم عليه تقريبا، هو الوحيد الذي كان يعرف رمز الأمان الخاص بتشفير الكاميرات في فيلا خالد السويسي، كان في أشد حالته شوقا لأن يراها، تغلب عليه شيطان عشقه وباتت كاميرات المنزل جميعا تحت سيطرته هو الآخر، الكاميرات في كل مكان عدا غرف النوم، بات يبحث عنها في أرجاء المكان يحاول أن يملح طيفها وهي تتحرك، أسعد لحظاته حين تخرج من غرفتها وتجلس في الحديقة او في غرفة الصالون، يظل يراقبها بشغف لن ينتهي ابداا...

تحرك بأصابعه بخفة يفتح برنامج المحادثات بينهما، ليظهر له حوارهما الأخير يوم زواج بدور وحمزة، اخذ نفسا عميقا يتشجع يرسل لها:
- مايا
تحركت عينيه سريعا ناحية شاشة المراقبة ليراها تخرج من غرفتها تمشي في الممرات، متوجهة إلي غرفة المعيشة جلست تفتح هاتفها ليصلها رسالته ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها رآها هو جيدا، ليدق قلبه لها لحظات واتاه الرد منها:
- نعم
حرك أصابعه على لوح المفاتيح سريعا يرسل لها:.

- أنتي كويسة أنا بس كنت حابب اطمن عليكي وعلى والدك
راقب رد فعلها من خلال شاشة المراقبة التي يقرب وجهها منه ليشبع شوقه منها ليري دمعات بسيطة تنزل من عينيها كور قبضته يشد عليها كم تمني في تلك اللحظات أن يكن هناك جوارها، رآها تحرك أصابعها على لوح المفاتيح انتظر بتلهف ما سترسل ليجدها ترسل له:
- آه كويسة كلنا كويسين شكرا لسؤالك.

تلك المرة قلبه من كتب تلك الجملة التي لم يحسبها عقله ولو لثانية قبل أن يرسلها:
- اومال بتعيطي ليه.

راقب عينيها التي توسعت في دهشة ما أن قرأت رسالته لترفع رأسها عن شاشة هاتفها تبحث حولها سريعا كيف يراها، تلف رأسها هنا وهناك وقعت عينيها على كاميرا المراقبة الصغيرة المثبتة على أحدي الأسطح، لتثبت عينيها عليها، تنظر له مباشرة وهو لا يحيد بعينيه عنها، لحظات طويلة وكأنهما التقيا كل منهما ينظر للآخر دون أن يراه حقا، تسارعت أنفاسه حين وقعت عينيه على مقلتيها، التي تنظر لسطح الكاميرا، رأي من شاشة المراقبة تلك السيدة يتذكر أن اسمها بدور تقرييا تقترب من مايا تضع يدها على كتفها تسارعت قلقة:.

- مالك يا مايا انتي كويسة يا حبيبتي
نظرت مايا لها عدة لحظات قبل أن تشيح بوجهها تغمغم بنبرة باهتة:
- ايوة كويسة، عاوزة حاجة
ابتلعت بدور لعابها مرتبكة من معاملة مايا الجافة لها تنهدت حزينة تهمس لها بخفوت متوترة:
- انتي زعلانة مني، عشان أنا وباباكي اتجوزنا
توسعت عيني أدهم في دهشة تلك السيدة هي عروس ابيه، بينما ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي مايا تتمتم متهكمة:
- لا ابداا مبروك، وانا هزعل ليه يعني، دا حقكوا.

ابتسمت بدور حزينة لتمد يدها تمسح على شعر مايا برفق تردف مبتسمة بحنو:
- تعرفي أن شعرك حلو أوي، ماشاء الله لتقولي بحسد
لم تبتسم مايا حتى ظلت توجه انظارها لهاتفه وجهت لها نظرة خاطفة تتمتم بإستياء:
- thanks
جلست بدور صامتة بضع لحظات تنظر لأسفل تحرك ساقها اليسري بحركة سريعة تعبر عن توترها، رفعت وجهها فجاءة حين باغتها سؤال مايا:
- هو انتي ليه وافقتي تتجوزي بابا مع أنه أكبر منك بكتير، انتي لسه صغيرة.

انتظر أدهم بفضول أن يعرف اجابة السؤال ولكن قبل أن تنطق بدور بحرف واحد اسودت الشاشة امامه وبعث له حاسبه رسالة ان الكاميرا جميعها مغلقة، قطب جبينه متعجبا ما يحدث، حاول أن يعيد فتح الكاميرات بالاكواد التي معه، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل، في تلك اللحظات وصل رسالة لهاتفه من رقم حمزة جملة واحدة
« لو حاولت تفتح الكاميرات تاني حسابك هيبقي معايا اسوء مما تتخيل ».

تنهد أدهم متضايقا، حمزة سيكرهه أكثر الآن، بالطبع مايا من أخبرته، كيف يخبره أنه فقط كان يشتاق إليها، تنهد يزفر أنفاسه الحانقة، حمزة لن يثق به ابدا بعد ما فعل، هل سيصدق أن نيته لم تكن دنيئة ابداا، صدق من قال أن للطريق للشر محفوف بالنوايا الطيبة.

بينما على قرب منه في الشارع أمام الدكان يجلس مراد كعادته لا شئ يفعله، سوي الجلوس هناك يراقب الشارع، المارة عامة والسيدات خاصة، ينتظر بفارغ الصبر رسالة شاهيناز التي ستخبره فيها أنها نفذت ما طلب، ليبدء هو بتنفيذ جزئه الخاص، توسعت ابتسامته حين تذكر الرسالة التي بعثتها له بالأمس تخبره بأن العمل أتي ثماره الفاسدة وإن جاسر الآن بات رهن إشارة منها.

اجفل من شروده على حركة جواره ليجد جدته تخرج من المحل تحمل في يديها حقيبتان من البلاستك الاسود منتفخان حتى آخرهما وقف مراد أمامها ينظر للحقائب في يدها يغمغم ساخرا:
- ايه يا منيرة انتي قررتي خلاص تبيعي الدكان الخردة بتاعك دا وبتصفي البضاعة
تنهدت منيرة متحسرة على حال حفيدها، امتضعت ملامحها تنظر له حانقة تتمتم بإستياء:.

- لاء يا مراد ريح نفسك مش هبيعه، أنا رايحة للغلبانة روحية، بقالها مدة طويلة ما خرجتش من بيتها وهتلاقي ما عندهاش لقمة، منهم لله أهل الحارة لو البت دي جري ليها حاجة ذنبها في رقبتهم
لمعت مقلتيه ببريق أسود مخيف، لما لا يلعب قليلا يمضي وقته الي أن تتم شاهيناز المطلوب، مع لعبة صغيرة مثلها لن تجرؤ على النطق بحرف، توجه ناحية جدته سريعا يحمل عنها الحقائب يغمغم سريعا:.

- عنك يا منيرة الشنط تقيلة عليكي وانتي عضمة كبيرة ضهرك يتقطم
نظرت منيرة له غاضبة كورت قبضتها تصدمه على كتفه بعنف تتمتم حانقة:
- هو أنت لو قعدت محترم ساعة هتموت، اتعلم من أدهم أخوك، وبعدين ايه يا منيرة يا منيرة دي، أنا بعديهالك بمزاجي ما تقولي يا ستي ولا يا جدتي حتى زي ما أدهم بيقول
قلب مراد عينيه ساخرا ارتفع جانب فمه بابتسامة لئيمة يتمتم مستهجنا:.

- خلاص يا ستي ارتاحتي كدة يا ستي مبسوطة كدة يا ستي، يلا يا منيرة، الشنط تقيلة في ايدي انتي حاطة فيها ايه
تنهدت منيرة يآسه ألن ينصلح حاله ابدا، سارت جواره متجهين الي المنزل في نهاية الشارع الطويل، التفت منيرة برأسها ناحية مراد تحادثه برفق عله يستمع منها ولو مرة واحدة:.

- مراد يا ابني، أغني اغنياء الدنيا كلها لما يموت مش هيتدفن معاه جنية واحد من فلوسه، صدقيني يا إبني ميزان الدنيا عادل ما خدش بياخد اقل من حقه، اللي تشوفه معاه مال وجاه وتنبهر بيه، بيبقي ناقص منه صحة راحة بال عُمر، ما حدش بياخد كل حاجة في الدنيا، صدقني يا ابني ارضي باللي في ايدك ربنا يزيدك، ما تخليش الشيطان يحركك كأنك لعبة تنفذ شره، عشان نفسك الأمارة بالسوء، لو عملت حاجة او حاجات وحشة توب يا ابني واستغفر ربك، مراد أنا بشوفك في أحلامي بأشكال وحشة أوي والعياذ بالله...

تمنت حقا لو يلمس كلامها ولو وتر واحد في قلبه فيحسه على التوبة، ولكن قلب مراد الأسود كان كحائط سد يصد ما يحاول التسلل إليه انتظر الي أن انهي جدته كلامها كاملا ليلتفت لها برأسه ابتسم يتمتم مستهجنا:
- ايوة يعني اعمل ايه أنا دلوقتي، اعيط واخدك بالحضن، خليكي في حالك يا منيرة انتي مش هتيجي تتحاسبي مكاني...

غامت عيني منيرة حزنا على حاله لتتقدمه الي أحدي البيوت القديمة العتيقة صعد خلفها على سلم البيت القديم المهتري، الطابق الثالث الشقة المقابلة للسلم حفظ في ذهنه تلك المعلومات جيدا لأنه سيحتاج إليها قريبا، قريبا جدااا، دقت منيرة باب الشقة ليسمع صوت ضعيف مرتعش يهمس من خلف الباب:
- مممين، مممين
هتفت منيرة سريعا تتلهف على حال المسكينة:
- أنا ستك منيرة يا روحية افتحي يا بنتي.

سمع صوت طرقات المفتاح واحدة تليها أخري وأخري وأخري، لينتفح جزء صغير من الباب تقدمت جدته لتدخل وهو خلفها، رآها ما أن دخل كان ترتدي جلباب بيتي قديم تخفي شعرها بحجاب كبير جسدها هزيل للغاية عينيها غائرة، وجهها شاحب، يبدو أنها لم تأكل منذ أيام، شهقت منيرة مذعورة على حال الفتاة تغمغم قلقة:
- ايه يا بنتي اللي انتي فيه دا هتموتي يا روحية، مراد هات علبة عصير من عندك بسرعة.

وضع الحقائب من يده ينتشل علبة عصير من احدي الحقائب يعطيها لجدته التي اسرعت في إسناد الفتاة لأقرب اريكة ترغمها على شرب العصير بينما ظل هو يقف جوار الباب، حانت منه التفاتة خاطفة ناحية الباب لتتوسع ابتسامته الخبيثة باب قديم ليس به مزلاج فقط مفتاح يتدلي في قفله، مد يده سريعا ينتشل المفتاح يدسه في جيب سرواله، ليعاود حمل الحقائب توجه للداخل يجلس على الأريكة المقابلة لهم تتفرسها عينيه في صمت مخيف، تلك الفتاة رغم كل ما سمعه عنها بها شئ نقي استطاع رؤيته جيدا، شئ لن يدم طويلا فهو الآن يملك المفتاح!، ربما فقط عليه تركها بضع أيام الي أن تتحسن صحتها وتأكل ما جلب هو بيديه، قبل أن يزورها قريبا!

وقفت تراقب أشعة الشمس وهي تغرب فوق سطح منزلهم الكبير تضع حبوب الغلال لطيور الحمام التي تعود لمسكنها، تحتمي به من وحشة الليل، تخاف من وحشه كما تفعل هي، لا تعرف كيف يحب الناس الليل هو موحش مخيف مظلم، اغمضت عينيها تشعر بالهواء لا تتنفسه، كأنها تعلو تحلق كطير الحمام، بلا قيد العادات، حواجز التقليد، الي خارج القطيع ترغب في الفرار ولكن كيف وهي لا تزال تلك الطفلة صاحبة الخامسة عشر، كيف ستخبر أخيها انها أحبت وحين أحبت، أحبت صديقه، بالطبع سيغضب، مراد كم اشتاقت له، اخرجها فجاءة من شرودها الغير مكتمل، صوت بغيض تكرهه يتمتم ساخرا:.

- الإنسان طائر لا يطير زيه زي النعامة يعني لو فردتي دراعتك هتنزلي على دماغك
كلامه كان يحمل الكثير من المعاني الباطنة التي لم تستشفها بعد، التفتت برأسها له، تنظر لذلك الوسيم البغيض، ابن عمها تكرهه أكثر مما يظن أنها تفعل، كتفت ذراعيها أمام صدرها تتمتم ساخرة:
- والله أنا حرة أنت مالك ومالي شاغل بالك بيا، اطير اقع، أنا حرة...

أعطاها ابتسامة كبيرة باردة امسك احدي طيور الحمام يرفعها بين يديه امام وجهها يتمتم ساخرا:
- يعني احنا مثلا لو رمينا الحمامة دي لفوق كدة هطير
دفع الحمامة برفق ناحية السماء لتفرد جناحيها تحلق في الفضاء، عاد ينظر إليها يبتسم في خبث يتمتم ساخرا:
- تخيلي بقى لو رمانكي انتي كدة
اقتربت يمسك ذراعيها لتتوسع عينيها في صدمة دفعته بعيدا غاضبة تتمتم محتدة:
- أنت قليل الأدب.

رفعت يدها تود صفعه ليمسك يدها سريعا قبل أن تصل لوجهه قبض على كف يدها يرفض تركه وهي تحاول سحبه بعنف بعيدا عنه لترتسم ابتسامة لئيمة على شفتيه يتمتم في ساخرا:
- خديها مني نصيحة اياكي ترفعي ايدك على محامي وخصوصا لو خبير، بدل ما تقضي باقي عمرك في المحاكم...
ترك كفها يعطيها ابتسامة واسعة ليتركها ويغادر بينما وقفت هي تنظر في أثره حانقة تكاد تتميز من الغيظ.

عودة لمستشفي الحياة، في احدي غرف الممرضات، التفت إحداهن لزميلتها تتمتم قلقة:
- بس يا ستي أنا سمعت في الأوضة وأنا عارفة انها فاضية، فتحت الباب اشوف في ايه، لقيت دكتور حسام حاضن بنت الدكتورة لينا على السرير وكان بيبوسها ولولا اني دخلت يا عالم كانوا هيعملوا ايه تاني
توسعت عيني الممرضة الأخري في دهشة مصت شفتيها تتمتم حانقة:.

- شوفي يا اختي البت البجحة دي لسه مسقطة، تقوم تخون جوزها بعدها كدة على طول، بقى دي بنت الدكتورة لينا، طب وحصل ايه
تنهد الممرضة قلقة تتمتم متلعثمة:
- دكتور حسام زعقلي وطردني من الأوضة وقالي حسابك مع شؤون العاملين، أنا خايفة اني اتطرد ولا يتخصملي
اقتربت الممرضة الاخري من زميلتها تهمس جوار اذنيها بصوت خفيض:.

- أنا لو منك اروح اقول للدكتورة لينا، اهو منها تعرف عمايل المحروسة بنتها، ودكتور حسام مش هيبقي ليه عين، دي اكيد هتطرده، او هيتحبس دا جوزها رتبة كبيرة اوي في الداخلية
ابتلعت الممرضة ريهام لعابها قلقة هل تستمع لكلام صديقتها وتذهب لأخبار لينا، ام تصمت وتنتظر جزائها، ولما هي من تنتظر الجزاء ليست هي من أخطأت على كل حال، حركت رأسها إيجابا وقفت تنظر لصديقتها تتمتم سريعا:.

- عندك حق، أنا هروح اقول للدكتورة لينا واهو بردوا ابقئ خليت ذمتي قدام ربنا...
قالت ما قالت، لتغادر غرفة الممرضات تبحث عن لينا...
بينما في غرفة لينا السويسي، كانت بين الوعي واللاوعي تحرك رأسها للجانبين تشعر برأسها يلتف بعنف رأت ظل طويل يقف أمامها عينيها مشوشة لا تري ملامحه جل ما رأته أنه يمسك في يده حبل كبير!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة