قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني والسبعون

جلطة، جلطة، جلطة، جلطة، كلمة ترددت بسرعة وعنف داخل ثنايا عقلها، كصفعات عنيفة تهبط على وجهها توقظها من ثباتها رغما عنها، فتحت عينيها فجاءة تشهق بعنف كأنها غريق طفي فوق سطح الماء بعد طول عذاب، التفتت تنظر حولها للحظات عقلها يعجز عن ترجمة اي إشارات أين هي ماذا يحدث، ما حدث، لحظات معدودة قبل أن يبدأ عقلها في ترجمة في كل شئ، مات جنين ابنتها، زيدان في الغرفة، خالد سقط أرضا، جلطة، توسعت عينيها ذعرا عند الكلمة الاخيرة، تزامنا مع اقتراب احدي الممرضات منها تسألها مبتسمة:.

- حمد لله على سلامتك يا دكتورة حضرتك كويسة، تحبي اندهلك الدكتور
استندت بكفيها على الفراش تجذب جسدها تنزع سن إبرة المحلول من يدها، تحركت من الفراش قامت بصعوبة تشعر بدوار يغزو ثناياها بالكامل، هرعت الممرضة إليها تسألها فزعة:
- رايحة فين يا دكتورة، حضرتك تعبانة
نظرت لينا لها بألم تحرك رأسها نفيا انسابت دموعها تهمس باكية:
- أنا كويسة، أنا عايزة اشوف جوزي، ساعديني أروح اوضته.

نظرت الممرضة لها بشفقة، لتهرع إليها تمسك بيديها تحاول اسنادها، نظرت له تقول مبتسمة تحاول طمئنتها:
- على فكرة جوز حضرتك بخير، دكتور حسام بيقول جلطة خفيفة ودوبوها بالأدوية وهو دلوقتي كويس جدا.

توسعت عيني لينا تنظر لها بتلهف، تترجاها بنظراتها أن يكن ما تقوله صدقا، لتحرك الفتاة رأسها بالإيجاب تؤكد لها ما تقول، لتشق ابتسامة واسعة شفتي لينا، استندت على يدي الممرضة تتحرك معها بخطى متلهفة تحاول الإسراع في خطواتها تتسارع دقاتها تلهفا لرؤيته، كل خطوة تسرع بها تتذكر يمر أمامها مشاهد كثيرة من حياتهم قديما والآن...

حياتها بأكملها فيلم قصير يمر سريعا هو البطل منذ كلمة البداية، وقفت أمام باب غرفته لتهرع سريعا تفتح مقبض الباب، انحدرت دموعها وابتسامة كبيرة شقت ثغرها حين رأته يجلس على فراشه يتحدث مع أخيه وزيدان، التفت برأسها لها سريعا ما أن رأها نظر لها حزينا يفتح ذراعيه لها، تقدمت ناحيته مسلوبة الإرادة تهرول في خطاها، ارتمت بين ذراعيه ليطبق يديه عليها يخبئها بين أحضانه، نظر حمزة لزيدان، ليخرج كلاهما من الغرفة يغلقان الباب عليهما...

في الداخل كان نص يلتقي بالآخر يجبر كل منهما شرخ الآخر، هي تختبئ بين أحضانه ترمي بروحها الملتاعة ذعرا عليه بين امواج قلبه العاتية لتغرق لوعتها للأبد، وهو يدفن روحه قبل رأسه بين حنايا عبيرها الشذي ينعش به صحراء قلبه الملتاعة شوقا لها، انتحبت وزادت دموعها تشد بكفيها على ملابسه تختبئ بين طيات قلبه، رفع يده يمسح على حجابها يتمتم بترفق:
- اهدي يا لينا، اهدي يا حبيبتي، أنا كويس والله كويس.

حركت رأسها نفيا تقبض على ملابسه بعنف بين كفيها كأنه سيهرب سيتركها ويرحل، ارتجفت نبرتها تتمتم بحرقة:
- ما ينفعش تقع، أنت ما ينفعش تقع، ما تعملش كدة تاني عشان خاطري، أنا مش هستحمل...
جذبها ناحيته يريح رأسها على صدره يمسح على حجابها، قبل قمة رأسها يتمتم مبتسما:
- حاضر يا حبيبتي، اهدي بقى، كفاية عياط، طب على فكرة بقى شكلك بيبقي وحش لما بتعيطي.

رفعت وجهها إليه ليري وجهها الشاحب عينيها تكاد تنفجر من البكاء، يشعر بأنفاسها المتسارعة، مد يده يزيل برفق سيل دموعها المنهمر، قرص قمة انفها يتمتم مبتسما في مرح:
- أنا كويس يا بسبوسة، ما تعيطيش بقى يا قلبي، يا ستي أنا قولت اريح من مشاكلوا شوية، بتبصيلي كدة ليه.

اردف بها متعجبا، حين رأي نظراتها المعاتبة، ابتعدت عنه تجلس على الفراش تمسح هي ما سقط من دموعها، ازدردت لعابها الجاف اخفضت رأسها قليلا تنظر أمامها مباشرة تتمتم متألمة:.

- ما ينفعش، ما ينفعش تقع وتوقعنا كلنا معاك، انت ما ينفعش حتى تبقي ضعيف، ما ينفعش تحرق قلبي تموت روحي، تكسر ضهر حمزة وعمر، تقهر لينا وزيدان، احنا كلنا بنتحامي فيك، عارفين أنك السد اللي دايما واقف حامينا، لما انت تقع، يبقي بتدمر الكل يا خالد.

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه ينظر لها كلماتها، وااه منها اكسير حياة جدد نشاط قلبه، أشبع جوا روحه، أشعل بركان شبابه الذي بدأ يخبوا، لف ذراعه حو كتفيها يقرب رأسها منه يقبل جبينها، يتمتم مبتسما:
- حقك عليا، آخر مرة ما تعطيش بقى، وحياتي عندك، طب فاكرة لما كنا في أسوان وبنتمشي مع بعض وكلت الايس كريم بتاعك.

خرجت من بين شفتيها ضحكة خافتة تتذكر ذلك الموقف البعيد، رفعت وجهها له تقطب ما بين حاجبيها تتمتم حانقة:
- عشان إنت طماع تاكل بتاعك وبتاعي وبتاع لوليتا
خرجت منه ضحكة عالية يردف ضاحكا:
- الله ما أنا اشتريت ليكوا غيره، بس والله كان طعمه حلو..
ضحكت ضحكة صغيرة لتصدمه بكفها برفق على صدره تتمتم ساخرة:
- تقوم قايل للراجل عندك آيس كريم بالبسوسبة، يا مفتري.

ارتفعت ضحكاته حتى أدمعت عينيه يشدد من ضمها لصدره رفع يده الأخري يمسح ما سقط من عينيه من شدة الضحك ليتمتم مشاكسا:
- طب والله اختراع عظمة، مش خليتك تجربيه، انكري بقى أنك حبيته.

توجه برأسه لها ليراها تستند بيسراها على صدره تنظر له تبتسم، ابتسامة صغيرة عاشقة يعرفها جيدا، تتحرك مقلتيها بسرعة تحفر ملامح وجهه وهو يضحك في قلبها، توقف عن الضحك ينظر لها يبتسم ينظر لمقلتيها دون كلام لحظات طويلة قبل أن ترتفع برأسها قليلا تقبل وجنته تتمتم بخفوت عاشق:
- أنا بحبك أنت، من أول نفس في عمري لحد ما يخلص عمري.

تنهد بولة يشدد على احتضانها للحظات طويلة، ابعدها عنه يمسح وجهها بكفه برفق يتمتم مبتسما:
- قومي اغسلي وشك وفكي حجابك ما حدش هيدخل تاني...
ابتسمت تحرك رأسها إيجابا تحركت خطوة من الفراش لتتوسع عينيها فزعا، لينا!، نسيت ابنتها في موجة لهفتها وعشقهم التفتت له سريعا تتمتم فزعة:
- لينا، لينا فين واخبارها إيه.

حين خرج حمزة وزيدان من غرفة خالد، التفت حمزة يربت على كتف زيدان يسمح وجهه بيده الاخري يتمتم مرهقا تعبا:
- أنا هنزل اشرب فنجان قهوة في الكافتريا، تعالا معايا اشرب حاجة.

حرك زيدان رأسه نفيا دون أن ينطق بحرف واحد، ليتنهد حمزة حزينا على حاله هو الآخر، تركه وغادر يشعر بحاجة ملحة لكوب قهوة، ليستطيع المواصلة، بينما وقف زيدان مكانه ينظر لغرفة لينا زوجته، او كما كانت، يزدرد لعابه بين حين وآخر يصارع رغبة ملحة تدفعه للدخول للاطمئنان عليها، خاصة بعد ما حدث لخاله، تري كيف سيكون حالها، تحرك خطوة للأمام ليعودها مرة أخري، عقله يصرخ فيه أن يتوقف، إلي أن ويكفي كل ما بينهما انتهي، وقلبه يصرخ فيه أن يتقدم يرجو عقله أن يتركه يذهب...

اغمض عينيه يشد على قبضته بعنف الصراع داخله مؤلم، ورؤيتها أشد ألما، دون كلمة اخري أسرع في خطواته إلي غرفتها، ادار المقبض ودخل يتدلي من يده الغطاء الذي كان بالخارج جلبه ربما كانت في حاجة إليه، تقدم هو منها وقف جوار فراشها ينظر ناحيتها والعديد من المشاعر المبعثرة تضرب كيانه، بينما كانت هي في حالة بين الوعي واللاوعي تحرك رأسها للجانبين تشعر برأسها يلتف بعنف رأت ظل طويل يقف أمامها عينيها مشوشة لا تري ملامحه جل ما رأته أنه يمسك في يده حبل كبير، رأت الغطاء في يده حبل كيف لا تعرف...

لحظات وبدأت تتضح الرؤية أمامها بالكامل، زيدان هو من يقف رأته بنظرة مشوشة ولكن لما زيدان يمسك في يده حبل، طرف الغطاء الطويل ما كانت تري، لحظات وبدأت تشعر برأسها يثقل من جديد، جسدها مرتخي عينيها مغمضتان ولكنها تشعر بما يحدث، تسمع كل ما سيقوله، اقترب هو أكثر يضع الغطاء في يده فوق غطائها، تنهد يبتسم ساخرا يشعر بالشفقة على حالها، على طرف الفراش جوارها جلس، مد يده مترددا يبسطها على بطنها الفارغ، لتدمع عينيه رغما عنه، دمعة حزينة هربت من إثر مقلتيه تركض على صفحة وجهه، حين همست شفتيه:.

- كان نفسي تعيش، كنت مستعد اتنازلك حتى عن عمري، بس أنت تيجي للدنيا، اشيلك على ايدي، انا اتعذبت اوي في حياتي، انت وهي نقطة النور الوحيدة اللي فيها، حتى النقطة دي انطفت
لحظات وسحب يده من فوق بطنها، لتشعر به يحطها فوق رأسها يمسد على خصلات شعرها المنسدلة، تسمع نبرة صوته الحزينة الممزقة:.

- أنا همشي، مش هعذبك ولا هعذب نفسي اكتر من كدا، أنتي اكتر واحدة عارفة أنا قد ايه بحبك، كان نفسي بس في فرصة تانية، اعوضك بيها عن اللي حصل، بس حتى الفرصة دي استكترتيها عليا، مع اني ما استكرتش عمري كله ليكي، يمكن انتي ما حبتنيش وأنا كنت بوهم نفسي، بس أنا حبيتك وهفضل طول عمري أحبك، سلام يا لينا!

قالها لتشعر بفراغ بارد جوارها وصوت خطواته يبتعد، صوت الباب يفتح، ليظهر في تلك اللحظة صوت والدتها تغمغم متلهفة:
- زيدان هي لينا كويسة، طمني عليها
سمعته يطمأن والدتها عليها، ليختفي صوته للحظات، لحظات تسارعت فيها دقات قلبها، قبل أن تهدئ حين سمعت والدتها تحادثه:
- أنت رايح فين يا زيدان
والصمت عاد من جديد صمت طويل، قبل أن تسمع نبرة صوته التي لن تنساها ابدا:
- ماشي!

كلمة واحدة عرفت بها قصده هو ذاهب دون عودة، يبدو انه ملّ خسر رهان الحب، نزلت دمعة حزينة من عينيها تستمع لخطواته ترحل بعيدا وتقترب خطوات والدتها، اقتربت لينا من فراش ابنتها جلست جوارها تمسد على خصلات شعرها بحنو مالت تطبع قبلة حانية على رأسها تهمس لها حزينة:.

- ربنا يشفيكي يا حبيبتي، وتقومي بالسلامة، بإذن الله ربنا هيعوضكوا، أنا عارفة شعورك كويس أوي يا لينا، بس الحمد ما حصلكيش زي ما حصلي، هسيبك ترتاحي...

مالت مرة اخري تقبل جبين ابنتها لتجذب الغطاء المبعثر تدثرها جيدا مسحت على شعرها برفق، قبل أن تغادر هي الأخري ويتركونها وحيدة، ظنون أنها نائمة وهي كانت تتمني حقا أن تكون كذلك، على حالها كما هي فقط انسابت دموعها الصامتة من خلف جفنيها المغلقين يصرخان وجعا والصمت يقتل الجميع.

خرجت لينا من غرفة ابنتها توصد الباب عليها، لتلمح حسام يخرج من أحدي الغرف هرعت إليه سريعا تسأله متلهفة:
- حسام طمني على لينا هي كويسة...
ابتسم حسام في هدوء يعطي الأوراق في يده للطبيب الواقف جواره ليستأدن الأخير ويغادر، بينما كتف هو ذراعيه أمام صدره يتمتم مبتسما:.

- حمد لله على سلامتك الأول يا دكتورة وسلامة خالد باشا، مش عايزة حضرتك تقلقي بنت حضرتك صحتها زي الفل، الحمد لله الرحم ما اتضررش من السقط، هي بس محتاجة راحة، وهتبقي أحسن من الأول
ابتسمت لينا متوترة، شردت عينيها تحرك رأسها إيجابا، تحركت متجهه إلي غرفة خالد، دخلت الغرفة توصد الباب خلفها، رفعت وجهها إليه لتراه يناظرها مبتسما، اردف يسألها قلقا:
- لينا كويسة.

ابتسم تحركت رأسها إيجابا لتأخذ طريقها إلي مرحاض الغرفة دخلت تغلق الباب عليها من الداخل، يحلس هو يراقب حزينا، لحظات وسمع صوت دقات على باب الغرفة، سمح للطارق بالدخول لتدخل تلك الممرضة ريهام قطب جبينه ينظر لها مستفقا بينما حمحمت الفتاة تردف بخفوت:
- أنا آسفة للازعاج، هي دكتورة لينا مش موجودة قالولي انها هنا، انا كنت عيزاها في حاجة مهمة.

نظر لباب المرحاض المغلق، لا يعرف لما ولكنه حقا يشعر بشعور سئ خلف ما تريد تلك الفتاة اخبار لينا به، عاد ينظر للفتاة ليحمحم بخشونة:
- دكتورة لينا في الحمام عايزة تبلغيها بإيه وأنا اقوله ليها
توسعت عيني الفتاة بهلع ذلك هو زوج الدكتورة لينا على ما تتذكر، ذلك الرجل هو من أخبرتها عنه صديقتها أنه ذو رتبة كبيرة في الشرطة، ابتلعت لعابها مرتبكة حركت رأسها نفيا تهمس متلعثمة:
- ها لا ابدا، عن إذن حضرتك.

التفتت لتغادر ليصدق حدسه تلك الفتاة ستخبر لينا شيئا هاما وخطيرا وعليه أن يعرفه هو اولا والآن، همس بصوت خفيض غاضب:
- استني عندك.

انتفض قلب الفتاة خوفا ازدردت لعابها الجاف لتلتفت ناحية ذلك الجالس على فراشه يرميها بنظرات نارية تكاد تخترقها، يسبر اغوارها ليعرف ما يدور بخلدها، اشار بيده أن تقترب قليلا، جفت الدماء خوفا في عروقها تفكر في اسوء الاحتمالات، وقفت بالقرب منه تتنفس بسرعة تشعر بالذعر، بينما كتف خالد ذراعيه يسألها في هدوء:
- حاجة ايه، ومن غير كذب
قبضت يديها متوترة حمحمت مرتجفة تردف بنبرة خائفة متلعثمة:.

- اااا، اصل بصراحة...
قصت عليه ما أخبرت صديقتها به، سريعا بتلعثم شديد، صمتت ما أن انتهت تلتقط أنفاسها الهاربة من الخوف بلعت لعابها الجاف تكمل:
- والله يا باشا دا اللي شوفته، أنا قولت احذر الدكتورة لينا، انا نيتي خير، مش قصدي حاجة.

رفعت وجهها تنظر له بحذر لتري عينيه شاردة في الفراغ، ملامح وجهه مقطبة غاضبة قاسية، من حسام وتلك الفتاة التي فسرت الوضع بأكمله بشكل خاطئ وكانت على وشك أن تهدم كل شئ أن أخبرت لينا بما أخبرته به الآن، وذلك الأرعن هو من وضع نفسه وشقيقته في موضع شبهه، سريعا نظر للفتاة قبل أن تخرج لينا من المرحاض حرك رأسه إيجابا يتمتم في هدوء:.

- تمام أنا هتصرف، بس حسك عينك اللي قولتيه دا، تفتحتي بوقك ليه لأي حد، حتى الدكتورة لينا، وما تقلقيش ما فيش تحقيق، مفهوم
حركت الفتاة رأسها إيجابا سريعا، صحيح أنها تعجبت من هدوء الرجل بعد ما قالت، أخبرته أنها رأت ابنته بين أحضان الطبيب وهو لم يثور حتى ما تلك العائلة الغريبة، حمحمت الفتاة تردف سريعا:
- حاضر حاضر، مفهوم، عن إذن حضرتك.

قالتها لتفر سريعا من الغرفة بينما جلست هو مكانه ينتهد بارتياح، حمدا لله أن أصر أن يعرف من الممرضة ماذا حدث، تخيل لو كانت لينا هي من سمعت تلك الكلمات، التف برأسه ناحية باب المرحاض قطب جبينه متعجبا، لما تأخرت بالداخل، ما الذي حدث لها لكل ذلك التأخير، علا بصوته ينادي باسمها، لحظة وراها تخرج من خلف باب المرحاض عينيها متنفخة حمراء للغاية، عرف أنها كانت تبكي، الان فقط فهم لما تأخرت، تحرك من فراشه وقف أمامها ينظر لعينيها المنتفخة، تنهد يهمس متضايقا:.

- كنتي بتعيطي صح، يلا يا لينا عشان هنمشي...
توسعت عينيها مدهوشة فتحت فمها لتعترض تخبره بأنه بحاجة للراحة أكثر من ذلك ليرفع سبابته أمام وجهها يردف مقاطعا إياها:
- قولا واحدا هنرجع البيت دلوقتي، هتصل بحمزة يجهز العربية، هروح اشوف لينا على ما تلبسي حجابك...

نظرت له محتدة غاضبة، ليتحرك هو يتصل بأخيه يخبره بأن ينتظرهم في السيارة، ليتركها ويخرج من الغرفة، إلي غرفة ابنتهم، بعد دقائق قليلة كانوا جميعا في سيارة حمزة، لينا تجلس جوار ابنتها النائمة على الاريكة الخلفية، حمزة خلف مقعد السائق، هو يقف بالخارج أمام حسام، ذلك الطبيب الذي بات يحتل نصيب الأسد من حياتهم، قطبت جبينها مستفهمة تنظر للقميص الذي يرتديه خالد، خالد كان يرتدي صباحا « تيشرت أسود » قد قصه الاطباء، قميص من هذا!، ذلك القميص رأته من قبل، ليس أحد قمصان خالد، خالد يرتدي ألوان محددة للغاية وذلك القميص ذو الخطوط الكثيرة ليس منهم ابداا، قميص من إذا...

وقف خالد بالخارج وحسام أمامه يهمس له بصوت خفيض غاضب:
- يا باشا، اللي أنت بتعمله دا ما ينفعش، المفروض تفضل هنا تحت الملاحظة مش هخرج يعني هخرج، طب لينا وحالتها مستقرة إنما أنت...
ابتسم خالد ساخرا ينظر لولده باستهجان دس يديه في جيبي سرواله يتمتم متهكما:
- قميصك ذوقه عرة شبهك، أنا خالد السويسي يا دكتور يا حليوة إنت، فين أدوية لينا، او ورشتة العلاج بتاعتها.

تنهدت حسام مغتاظا ليعطيه حقيبة صغيرة بها علب دواء وورقة بها اسماء كل نوع وموعده تنهد يهمس حانقا:
- دي الأدوية بتاعتها، هتلاقي ورقة فيها اسم كل دوا ويتاخد كل قد ايه، وغذوها كويس الفترة الجاية، مهمة صحتها النفسية عشان تتجاوز اللي حصل...
اخذ خالد الحقيبة منه يعطيها لحمزة، التفت ليستقل السيارة ليجد حسام يمسك بذراعه قبل أن يركب التف خالد بوجه له ليتنهد حسام يتمتم مبتسما في اصفرار:.

- الدوا بتاع حضرتك، ما سألتش عنه، اتفضل، دكتور هاشم كاتب المواعيد جنب كل نوع...

التقط خالد الحقيبة الاخري يلقيها في السيارة بإهمال، اعطي حسام شبح ابتسامة صغيرة ليستقل السيارة جوار أخيه، انطلق حمزة بهم، تركزت عينيه على مرآه السيارة الامامية ينظر الي حسام الذي يقف بعيدا، بينما تنظر عيني له تري جيدا ما يفعل، والشك داخل قلبها يزيد، حسام وخالد بينهما شئ، رابط تشعر به جيدا، تتمني فقط لو يكن حدسها كاذبا، ان يكون فقط مصادفة، إن يكن خالد يعامله كزيدان وهي فقط تتوهم، أسندت رأس ابنتها لها تحتضنها بحنو، بينما همس غاضبا يعاتب أخيه:.

- اللي في دماغك في دماغك مش هتتغير ابداا، يا ابني اقعد حتى النهاردة ترتاح، لا يعني لاء، يا اخي حسبي الله ونعم الوكيل فيك، وفي دماغك، هتنقطني
ضحك خالد ساخرا ينظر لأخيه في ثقة مبالغ فيها كثيرا
بعد اقل من ساعة وصلت السيارة إلي المنزل، نزل حمزة اولا يفتح باب السيارة المجاور لابنة أخيه انحني بجسده يحملها بين ذراعيه خرج بها من السيارة نظر لأخيه يتمتم سريعا:
- أنا هطلع لينا اوضتها وجايلك على طول.

تحرك للداخل سريعا يصعد لأعلي لتنزل لينا من السيارة، تحركت تفتح باب سيارته تجذب يده ابتسم يخرج معها من السيارة لتلف ذراعه حول رقبته تتمتم سريعا:
- اسند عليا، يلا عشان عايزة اطلع اشوف لينا
وقف جوار السيارة يبتعد عنها نظر لها يتمتم مبتسما:
- اطلعي انتي للينا، أنا هعرف اطلع لوحدي أنا لسه واقف على رجليا يا لينا.

وقفت أمامه للحظات أرادت حقا أن تسأله عن العلاقة بينه وبين حسام ولكن لم تجد الوقت مناسبا حتى لذلك، رأت حمزة ينزل من أعلي لتتركه وتهرول للداخل بخطى سريعة تصعد لغرفة ابنتها، رأت بدور ومعها مايا في غرفة لينا، بدور تخلع حذاء لينا ومايا تدثرها بالغطاء، التفتا معا ناحية لينا ما أن دخلت لتبادر مايا تسأل متلهفة:
- مالها لينا يا طنط بابا حطها على السرير ونزل على طول هي كويسة.

نظرت لينا لابنتها النائمة مشفقة على حالها، تتمني فقط لو تستطيع أن تتجاوز صدمة ما حدث سريعا، ما يحدث لها كثير، أكتر مما يحتمل، ادمعت عينيها تنظر لمايا تهمس مختنقة:
- لينا سقطت...

شهقة فزعة خرجت من مايا لتلتف برأسها ناحية لينا، كم كانت حمقاء حين شعرت بالغيرة منها، لينا تلاقي الكثير من المصائب البارحة فقط طلقها زيدان واليوم فقدت جنينها، انهمرت دموعها لتتوجه ناحية فراش لينا جلست عليه تهمس لها بصوت خفيض مختنق:.

- يا حبيبتي يا لينا، كانت فرحانة بالبيبي أوي، وزيدان الحيوان هو السبب، اكيد لما طلقها نفسيتها باظت اكتر ما هي بايظة، عشان كدة الجنين سقط، كان عندها حق لما ما رضتيش تسامحه، بس هي قالتلي أنها بتحبه، يكون دا جزاتها في الآخر يطلقها، والطفل يموت...

مسكينة لينا همست بها بدور في نفسها تنظر لابنه شقيق زوجها، التي من المفترض أنها كانت والدتها، حال لينا ذكرها بحالها قديما مع زوجها السابق، في احدي شجاراتها مع أسامة دفعها بعيدا وهي تحمل في الشهر الثامن تقريبا لتسقط على ظهرها، صرخت صرخة مدوية إثر ما حدث بينما خرج هو من المنزل دون أن يعيرها انتباها، لولا أنها استطاعت الاتصال بخالد ربما كانت لتموت وقتها، ولكن لسوء حظها مات الجنين، مات وهو على بعد أيام من أن تراه، لم تكن تدري انها تبكي بعنف الا حين شعرت بيد لينا تربت على كتفها تسألها قلقة:.

- بتعيطي ليه يا بدور مالك يا حبيبتي
نظرت بدور للينا المسطحة على الفراش مشفقة عليها لتخرج من الغرفة سريعا، قابلت في طريقها خالد وهو يستند بجسده على حمزة متوجهين الي غرفته يتحرك بخطئ بطيئة متعبة ملامحه مجهدة بكل ما تعينه الكلمة من معني شهقت بعنف تهرول ناحيتهم تسأله مذعورة:
- بابا أنت كويس، في ايه حصل إيه
أعطاها شبح ابتسامة شاحبة ليمد يده يربت على خدها يردف مبتسما:
- ما تقلقيش يا حبيبتي أنا كويس.

حمحمة غاضبة خرجت من حمزة ينظر لبدور في حدة، لكنها حقا تجاهلت كل ما فعل اندفعت تسند أبيها كما يعرف قلبها، الي غرفته لم تبالي بتلك النظرات الغاضبة التي يرميها حمزة بها، توجهت معه الي غرفة خالد، تركهم الاخير ليتوجه الي فراشه جلس على الفراش يستند بظهره الي ظهر الفراش الوثير ابتسم يتمتم بارتياح:.

- ايوة كدة سريري حبيبي، مش سرير المستشفى اللي يدوب واخد جسمي بالعافية، يلا يا حبيبي إنت وهي اطلعوا برة عشان عاوز أنام
اقتربت بدور منه سريعا وقفت جوار الفراش تسأله قلقة:
- أنا مش همشي قبل ما اطمن على حضرتك، ايه اللي حصل يا بابا، أنت كويس.

ابتسم خالد يوجه انظاره ناحية حمزة ليربت على طرف الفراش جواره لم تتردد هي لحظة واحدة جلست بالقرب ظهرها ناحية حمزة وجهها مقابل خالد، ابتسم الاخير ينظر لابنته تنهيدة طويلة متعبة خرجت من بين طيات قلبه نظر لها يتمتم مرهقا:.

- بصي يا بدور ومن انتي عيلة عندك 8 سنين يوم ما شوفتك وانتي عيلة بتلعبي على السلم، شوفت فيكي سما الله يرحمها، حبيتك كأنك بنتي من صلبي، أنا ربنا ما رزقنيش غير بلينا، بس عوضني بيكي وبزيدان وبالواد جاسر، ربنا يعلم أنا بعتبركوا ككلوا ولادي، يمكن زيدان وجاسر اهم رجالة زيي زيهم، الموضوع بسيط، انما أنتي، أنا كنت وهفضل معتبرك زي لينا بنتي بالظبط، بس الموضوع عندك مختلف، بدور الصغيرة كبرت وبقت عروسة، والعروسة دي بقت مرات اخويا، انتي هتفضلي بنتي طول عمري، بس بردوا لازم نراعي الراجل الواقف وراكي دا، كلامي مفهوم يا بدور.

اخفضت رأسها، لتدمع عينيها، في تلك اللحظة تحديدا شعرت بالندم على موافقتها على الزواج من حمزة، حركت رأسها إيجابا بخفة لترفع وجهها مدت يدها تمسح دموعها براحة يدها تتمتم بخفوت حزين:
- حاضر يا بابا، حضرتك مش عايز مني حاجة
حرك رأسه نفيا يبتسم لها برفق:
- لاء يا ستي أنا هنام، يلا خدي جوزك وامشوا، تصبحي على خير.

وقفت بدور من جوار خالد توجهت ناحية حمزة مرة من جواره لتشعر بحرارة غضبه تلسع جسدها، لم تتوقف جواره سوي ثانية لتكمل طريقها لباب الغرفة وحمزة يتابعها بعينيه، اجفل على جملة نطقها خالد ساخرا:
- يا عم الغيور، خلاص هتاكلها، على الله تزعلها يا حمزة، ما تحبش تعرف أنا لما كنت بعمل في أسامة إيه
توجه حمزة بعينيه ينظر لأخيه مستهجنا ما يقول كتف ذراعيه أمام صدره ابتسم ساخرا يتمتم في حدة معتدا بذاته:.

- حمزة السويسي ما بيتهددش، حمد لله على سلامتك يا كبير، تصبح على خير.

ابتسم خالد ساخرا، ها هو مختل آخر من عائلته، وضع رأسه على الوسادة يريح جسده على الفراش، قطب جبينه متضايقا قميص حسام ضيق يشعره باختناق، مد يده يفتح أحد أزرار القميص ليشعر بشئ في جيب القميص، مد يده يلتقطه ليجد ورقة بيضاء عليها بضع كلمات، لفها ينظر لها من الناحية الاخري ليجدها صورة، صورة لسارة في قميص حسام، قطب جبينه غاضبا يتمتم متوعدا:
- آه يا ابن ال، بتقرطسني، وايه اللي كاتبة على الضهر دا...

بضحكاتك احيا، بآنفاسك أعيش، بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي، فأنتي الروح والنبض، أنتي اكسير حياتي
يا حبيب أبوك وكمان عملي فيها شاعر، دا أنا هنفخ أمك، بس لما اشوفك يا حيوان، بس حلو الشعر دا ابقي اقوله للينا كأني أنا اللي مألفة
ابتسم في خبث ليضع الصورة مرة أخري في جيب القميص، يغمض عينيه.

على صعيد آخر، خرج حمزة من غرفة خالد يبحث عن بدور ليجدها هناك على وشك الدخول لغرفتها، تقدم ناحيتها سريعا بخطى واسعة امسك بيدها قبل أن تدخل، شهقت مما حدث قبل أن تعي اي شئ شعرت بحمزة يجذبها إلي غرفته، ادخلها ليترك يدها يوصد الباب عليهم من الداخل نظرت هي له فزعة خائفة مذعورة، تفكر في اسوء الاسوء تري ما سيفعل، يضربها كما كان يفعل أسامة او ربما اسوء، لا يمكنها حتى تخيل ما يمكن أن يفعل ادمعت عينيها خوفا شهقت مذعورة حين رأته يقترب منها لتتمتم سريعا بهلع:.

- ما تضربنيش، أنا ما عملتش حاجة
نظر حمزة لها حزينا، ليرسم ابتسامة خفيفة على شفتيه وقف بالقرب منها يتمتم في هدوء:
- ما تخافيش مني ابدا يا بدور، مش أنا اللي امد ايدي على واحدة ست، يمكن زمان أيام ما كنت اياد، كنت ممكن اعمل فيكي اسوء مما تخيلي انما دلوقتي لاء، أنا عمري ما تترفع عليكي ابدا، عشان كدة مش عايزك تخافي مني.

نظرت له في شك أحقا هو صادق فيما يقول، ومن إياد هذا الذي قال اسمه للتو، ابتلعت لعابها متوترة حين اقترب منها وقف أمامها يمسك برسغ يدها برفق يجذبها الي أقرب مقعد، جلست وجلس أمامها جذب مقعده ليصبح أمامها مباشرة لا يفصلهم فاصلة، ليرتجف جسدها، تسارعت دقاتها تسابق أنفاسها، برودة قارصة عصفت بجسدها، تشعر بجسدها بارد كالثلج، بينما مد هو يده امسك كف يدها يخفيه بين راحتيه يشعر بيديها المرتجفة ابتسم يقول مازحا:.

- ايه يا بنتي بتترعشي كدة ليه، هو الجو عندك برد اوي كدة، ما تخافيش مني يا درة، ممكن
رفعت وجهها تنظر له متوترة ابتلعت لعابها المتصحر تحرك رأسها إيجابا ليتنهد هو اخذ نفسا قويا يظفره بهدوء اردف يعاتبها بلين:.

- بصي يا بدور أنا عارف إن علاقتك قوية أوي بخالد، بس دلوقتي الوضع اختلف، دلوقتي خالد اخو جوزك، ومش عايز اقولك على عرق الغيرة في عيلة السويسي حاجة زبالة، تخيلي كدة أنا مرة نسيت وكنت رايح أسلم على لينا، الحيوان اللي اسمه أخويا كان هيكسر ايدي، فياريت بس تراعي دا لحد ما نسافر
نسافر، تمتمت بها بهلع تنظر له عينيها متسعتين من هول ما سمعت، بينما احتفظ هو بابتسامته حرك رأسه إيجابا يردف مبتسما:.

- ايوة، دبي المكان هناك هيعجبك جداا، أنا شغلي وحياتي وشركتي كله هناك، أنا هنا لفترة مؤقتة وقريب هنرجع، أنا وانتي ومايا وأ، قصدي وخالد وسيلا
توترت حدقتيها عن أي سفر يتحدث ولما لم يخبرها من قبل، لتنهر نفسها كم هي حمقاء، هي من الأساس تعلم أنه لا يعيش هنا فقط يأتي زيارات سريعة، ولكنها لم تكن تعرف أنه ينوي أن يأخذها معه حين يسافر، رفعت وجهها له تهمس مرتبكة:
- طب ما تخيلني أنا هنا، وسافر أنت وتعالا.

اختفت الإبتسامة من على وجهه في لحظة ليطرق قلبها خوفا مما حدث، مد هو احدي يديه يربت على وجنتها بخفة يردف في هدوء:
- ليه يا درة، أحنا متجوزين عشان تفضلي هنا وأنا اسافر، مكانك جنبي معايا يا درة، ما تشليش هم حاجة صدقينئ المكان هناك هيعجبك جداا، وهيعجب خالد وسيلا جدااا...

ابتلعت لعابها متوترة، لم يكن السفر ضمن مخططاتها القادمة ابداا، اجفلت يرتعش جسدها حين شعرت به يقترب منها ليميل هو يطبع قبلة صغيرة على جبينها، أغمضت عينيه تستشعر معاملته الحانية لها، والمقارنات في عقلها لا تتوقف ابدا.

في صباح اليوم التالي استيقظت باكرا للغاية، الشمس قد سطعت قبل ساعات معدودة، فتحت عينيها فجاءة تنظر حولها، لتجد مايا تنام جوارها، كيف ومتي عادت للبيت ألم تكن في المستشفي، سحبت جسدها تتحرك من الفراش بخطئ بطيئة تتحرك ناحية المرحاض تتذكر حديثه الأخير معها وصلت للمرحاض دخلت تغلق الباب عليها من الداخل، تجذب قدميها الي الحوض وقفت تنظر لانعكاس صورتها في المرآة لحظة اثنتين ثلاثة، تتفرس عينيها قسمات وجهها الميتة، جثة بلا حياة تتحرك بلا روح، لتهبط دموعها فجاءة دون سابق إنذار فتحت صنوبر المياة فجاءة لتنهمر المياة بعنف ملئت كفيها تصفعه وجهها بدفعات مياة قوية عنيفة امتزجت دموعها الحارة بقطرات المياة الباردة لتزيدها حرارة، انتهي كل شئ خسرت كل شئ، أهي النهاية، إم فقط كلمة البداية، تقف على أطلال الماضي تبكي ما أنهار، أم تدفع بجسدها للأمام تكتب بداية قصتها من جديد جلست على حافة المغطس تمسك منشفة كبيرة تجفف بها وجهها بعنف، تتصارع الأفكار في عقلها بشكل مخيف، القت المنشفة من يدها أرضا بقوة ضعيفة تحركت للخارج متجهه الي شرفة غرفتها التقطت هاتفها قبلا متوجه إليها فتح بابيها دخلت تغلقهم عليها، وقفت تستند بجسدها الي سور الشرفة، اغمضت عينيها للحظات، في تلك اللحظات مر أمامها آخر مشهد جمعهما هنا في الشرفة، ابتسمت ساخرة كانت ترغب في السجائر، انسابت دمعة حزينة تحرق وجهها، لما تكرهها الحياة لتلك الدرجة ما الخطأ الذي ارتكبته، لما يحدث لها ذلك، اجفلت على صوت دقات هاتفها نظرت له متعجبة لتجد ما يفوق ال300 مكالمة من معاذ والآن هو يتصل من جديد، لما كل ذلك القدر، تنهدت ساخرة تفتح الخط ولم يعطيها الأخير فرصة حتى للنطق بكلمة واحدة سمعته يهتف سريعا متلهفا متلعثما:.

- انتي فين يا لينا، انتي كويسة، أنا هتجنن من القلق عليكي، من امبارح بتصل بيكي وما بترديش، طمنيني عليكي انتي بخير، كنتي تعبانة اوي لما كنتي معايا، انتي كويسة، ساكتة ليه
التفت برأسها تنظر لشرفة زيدان الفارغة حقا كان سيغضب لو كان هنا الآن ابتسمت معذبة لما تفكر فيه اصلا، لما لا يتوقف قلبها عن السؤال عنه، انتبهت من شرودها تجيب ذلك المتلهف بنبرة ثقيلة حزينة:.

- أنا مش عارفة أنا كويسة ولا لاء يا معاذ، حاسة اني ضايعة، محتاجة حد يدور عليا، أنا عايشة في غربة جوا نفسي، أنا اجهضت يا معاذ الجنين مات، الحاجة الوحيدة اللي كانت كويسة في حياتي راحت
تبدلت نبرته الي أخري حزينة مترفقة:.

- أنا آسف ما كنتش أعرف، بس مش يمكن دا أحسن ليكي عشان ما يفضلش زيدان ضاغط عليكي بالطفل، وبعدين كان في حاجة كنت عايز اقولها ليكي بس ما رضتش أقولك عشان ما اقلقكيش، انتي حكتيلي عن اللي زيدان عمله، يعني في الأغلب الطفل ما كنش هيعيش يا لينا، ولو كان اتولد، احتمال كبير أنه يكون عنده إعاقات، بس بما انه خلاص حصل، فدا الأفضل ليكي عشان تبدأي حياتك من نقطة البداية من جديد، من غير اي خيوط للماضي.

معاذ دائما يشعرها بأنها تحادث طبيب نفسي ماهر يعرف جيدا كيف يسكن اوجاعها، اغمضت عينيها لتمد يدها الأخري تقبض على بطنها الفارغ ليتجلي الألم على ملامحها، ينخر قسماتها، محق هو محق هي فقط تتألم، وقريبا سيزول الألم نهائيا، انتهي كل شئ رحل الماضي بكل ما فيه من عذاب، كان يجب أن يأخذ جزءا منها قبل أن يغلق أبوابه، فتحت عينيها فجاءة حين سمعته يكمل مترددا:.

- بصي يا لينا أنا عارف أنه مش وقته، بس أنا كنت ولازالت بحبك، بحبك أوي، ولولا خوفي عليكي زمان من تهديد زيدان، كان زمانا أنا وانتي أسعد زوجين، كل اللي حصل لك دا ما يقللش حبك في قلبي ولو درجة واحدة، بالعكس دا يخليني متمسك بيكي اكتر، عشان اعوضك عن كل اللي فات نفتح سوا صفحة جديدة، لينا أنا بحبك اوي وعايز اتجوزك، قولتي ايه.

عقدت صدمة ما قال لسانها ظلت واقفة مكانها للحظات طويلة تعجز بالقيام بأي فعل، معاذ يريد الزواج منها، ولما التعجب ألم تكن تحبه، ألم تكن تنتظر تلك اللحظة قديما بفارغ الصبر، ألم تكن تطير فرحا حين تحادثه ولو للحظات قليلة، وماذا حدث لها حين قررت أن تسكت صوت قلبها الذي كان يدق بحبه وتذهب لزيدان، تقف الآن شبح انثي تبكي الأطلال لم لا تعيد كل شئ كما كان عليه وتعد هي كما كانت، تعطي الفرصة لمعاذ كما أعطتها لزيدان من قبل، ولكنها أحبت معاذ اولا، وها هو معاذ هنا بعد كل ما حدث له بسببها مازال جوارها يحتويها يساندها يخفف عنها وقع ما تلاقي، أما زيدان ففر هاربا من الجولة الأولي، تنهدت تأخذ نفسا قويا تردد بنبرة هادئة واثقة:.

- وأنا موافقة يا معاذ
في اللحظة التالية سمعت صوت صيحته الفرحة، لتسمعه بعدها يردد سريعا متلهفا:
- موافقة بجد موافقة أنا مش مصدق نفسي، لا بجد حاسس اني بحلم، انتي بجد وافقتي، يا رب ما يكونش حلم، يعني انتي موافقة إن أنا وانتي نتجوز، أنا هاجي اطلب ايدك دلوقتي حالا
ارتسمت ابتسامة حزينة ساخرة حين تذكرت ما فعله زيدان حين وافقت على زواجهم
« ليناااااا وااااااافقت، ليناااااا وافقتتت اخيرااااااااااااا.

ضحكت بقوة تتعلق برقبته لينزلها برفق ينظر لها بسعادة تشع من مقلتيه يتعلثم من شدة سعادته:
- أنا مش مصدق نفسي يا لينا، لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة زي ما بيقولوا
أسند جبينه الي جبينها ينظر لمقلتيها يهمس بشغف:
- بس حتى لو كنت استنيت العمر كله قصاد السعادة اللي أنا حاسس بيها دلوقتي مش كتير، بحبك، لآخر نفس فيا هفضل أحبك »
خرجت من ذكراها فجاءة على صوت معاذ يقول متلهفا:.

- ها اجي، قولي اه اه هتلاقيني عندكوا حالا
حركت رأسه نفيا كأنه سيراها تتمتم بخفوت مثقل:
- هبلغ بابا يا معاذ واقولك
سريعا كان يرد فرحا متلهفا:
- وأنا هفضل جنب التليفون الأربعة وعشرين ساعة مش هسيبه ثانية، باباكي بس يحدد الميعاد وهتلاقيني عندكوا قبلها بست ساعات، انتي بس قوليلي، رني عليا، إن شاء الله حتى تبعتيلي كلمني شكرا
ضحكت ساخرة على ما يقول، لتغلق معه الخط بوعد باتصال قريب...

مرت عدة ساعات وهي تقف مكانها تنظر للحديقة الهادئة ربما تنتظره، وربما تنتظر حالها تبحث هنا وهناك عن ذاتها الضائعة، اجفلت على دخول سيارتين الي الفيلا، أحدي نزل منها عمها عمر، الذي دخل يركض الي الداخل والاخري نزل منها عمها محمد صديق والدها منذ القدم وشقيقه في الرضاعة كما تعرف، وهو لم يأتي، دقائق مرت قبل أن تسمع صوت والدتها تنادي باسمها قلقة، دخلت إلي غرفتها لتجد والدتها تبحث عنها، هرولت لها سريعا ما أن رأتها تسألها قلقة:.

- لينا انتي ايه اللي مخرجك البلكونة يا حبيبتي انتي لسه تعبانة تعالي ارتاحي، أنا جبتلك الفطار، تعالي كلي عشان تاخدي علاجك
تحركت لينا متوجهه الي فراشها، لتحمل لينا صينية الطعام وضعتها أمامها على الفراش تسمح على شعرها برفق تحادثها بحنو:
- كلي يا حبيبتي، اللي عدي خلاص، انسيه ما تفتكريش اي وحش حصل
شردت عينيها في الفراغ لتحرك رأسها إيجابا تغمغم بشرود:
- عندك حق أنا مش لازم افتكر اي وحش حصل، هو كمان عنده حق.

في غرفة خالد استيقظ فجاءة على أحدهم يعانقه بعنف فتح عينيه مفزوعا ليجد محمد يعانقه ليدفعه خالد بعيدا عنه يصيح فيه غاضبا:
- يا اخي حرام عليك قطعتلي الخلف، بتعيط ليه قالولك اني مت
وقف محمد أمامه ينظر له غاضبا اقترب منه يقبض على ذراعيه بعنف يصرخ في وجهه:.

- حرام عليك يا اخي، عايز تعمل فيا ايه تاني، كل يوم والتاني موقع قلبي عليك، دا أنا شعري أبيض بسببك هتعمل فيا ايه تاني، جلطة يا خالد، هتفضل تحرق في نفسك لحد ما تقع ميت
نظر خالد لصديقه متوترا مدهوشا، لينظر لشقيقه الواقف في الخلف، ليخفض عمر رأسه ارضا يشعر بالخزي من نفسه لولا اتصال محمد به ما كان ليعرف أن شقيقه مريض، في اللحظة التالية كان محمد يجذب خالد يعانقه بقوة يتمتم له راجيا:.

- ما تحرقش قلبي عليك كدة تاني ورحمة أبوك يا خالد ما هستحمل يجرالك حاجة...
ابتسم خالد يعانق صديقه، ليقترب عمر منه يخفض رأسه في خزي يتمتم بصوت خفيض نادم:
- أنا آسف يا أخويا، سامحني، أنت طول عمرك شايل همي وأنا ما اعرفش أنك تعبان غير من محمد، أنا آسف يا خالد...
ابتعد محمد عنه يدفع عمر ليقترب من شقيقه، ليرتمي عمر بين ذراعي خالد ينوح باكيا:.

- سامحني يا خالد، دا أنت أخويا وابويا وكل حاجة ليا في الدنيا، شايل همي وبتحل مشاكلي من وأنا عيل صغير لحد ما بقيت شحط متجوز ومخلف، دايما بتفكر فيا قبل نفسك، انما أنا، أنا أناني حيوان ما بفكرش غير في نفسي
ضحك خالد بخفة يبعد عمر عنه يصفع وجهه بخفة يردف ضاحكا:
- من ناحية إنت حيوان فأنت حيوان فعلا، المهم يا حيوان طمني عملت ايه مع تالا اتصالحتوا ولا اجيب المأذون واتجوزها.

حرك عمر رأسها إيجابا ينظر له غاضبا كطفل صغير حانق، جلس ثلاثتهم يتحدثون بعض الوقت، قاطع محمد كلامهم حين نظر لخالد تنهد يردف بحذر:
- على فكرة يا خالد زيدان طلب نقل، من القاهرة للغردقة، والطلب اتوفق عليه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة