قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثالث والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثالث والسبعون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثالث والسبعون

احتدت عيني خالد غضبا ما أن سمع تلك الكلمات تخرج من فم صديقه، كور قبضته يسحق عروقه الغاضبة، الأحمق يهرب، يظن أن حله الأمثل هو الهروب بلا رجعة، استسلم بتلك السرعة، شرد للحظات ليعاود النظر لصديقه نظرات حادة مشتعلة، شد علي اسنانه يهمس بصوت غاضب:
- والنقل اتوافق عليه وأنا آخر من يعلم، طلب النقل مش هيتوافق عليه غير لما محمد بيه بنفسه يوافق، ولا إيه، وبعدين امضتي عليه...

تنهد محمد ياسا يتحاشي بكل السبل النظر ناحية صديقه تنهد يغمغم باستياء:
- خالد أنت عارف إن زيدان واخد مني موقف من زمان من ساعة ما لوجين خدته وسافرت وأنت رجعته، وهو قاطع كلام معايا، سنين وأنا بحاول أصلح علاقتي بيه وهو رافض، وأنت كمان رافض تقولي ايه اللي حصله أنا ما صدقت اتكلم معايا يا خالد
ارتسمت ابتسامة تهكمية سخيفة علي شفتي خالد ينظر لصديقه في سخرية كتف ذراعيه أمام صدره يتشدق متهكما:.

- فتروح موافقله علي طلب النقل لا حقيقي أحسنت يا ابني والله، دماغك دي الماظات
تنهد محمد حانقا من سخرية صديقه اللاذعة سلط عينيه علي عيني خالد يتمتم محتدا:.

- خالد من غير تريقتك دي، بس فعلا زيدان محتاج يبعد بعد كل اللي حصل، زيدان بيتعذب يا خالد شوفتها في عينيه، سيبه يبعد يا خالد يمكن يرتاح، مش عشان اسمه علي اسمك واسم بنتك علي اسم مراتك، عايزهم يعيدوا قصة حبك تاني بالعافية يا خالد، بنتك ما حبتش زيدان، كفاية عليه أوي كدة.

قال ما قال ليهب واقفا ينظر لخالد محتدا ينتفس بعنف، يشعر بالذنب يلاحقه في كل لحظات حياته حين أهمل زيدان، ابن صديق عمره قبل أن يكن ابن شقيقته، بينما كست نظرات حزينة محبطة نظرات خالد، ربما صديقه محق هو فقط من يري قصة حب خيالية نسجها من خياله لتظل قصة حبه هو حية ابد الدهر، تبدلت نظرات محمد الغاضبة إلي اخري حزينة مسبقة حين رأي نظرات صديقه المحبطة تنهدا يآسا ليقترب جلس جوار خالد مد يده يربت علي كتفه يحادثه بترفق:.

خالد أنا عارف أنت بتحب زيدان وبتعزه قد ايه، مش مجرد ابن صاحبك اللي وصاك عليه، أنت بتعتبره ابنك واغلي كمان، بس المرة هو فعلا محتاج يبعد، كفاية عليه عذاب حب من طرف واحد.

التفت خالد برأسه ناحية زيدان يناظره بنظرات حزينة تتألم، يبعد زيدان عنه سنوات وهو يشب امام عينيه من مجرد طفل صغير الي رجل شاب ترتفع له الهامات فخرا، ازدرد لعابه الجاف، تنهد يخرج أنفاسه الحزينة المحترقة، مد يده يلتقط هاتفه الموضوع جواره علي الوسادة يطلب رقم زيدان، لحظات وجرس الهاتف يدق، الي ان اختفت وظهر صوت زيدان يغمغم في هدوء حزين:
- خير يا خالي.

تسارعت دقات قلب خالد تتطارق بعنف خلف قفصه الصدري، شد علي أسنانه تخرج الكلمات من بين شفتيه بصعوبة مؤلمة وكأنها تُسلخ:
- هات ورق النقل بتاعك وتعالا الفيلا...
دون أن ينطق بكلمة أخري أبعد الهاتف عن اذنه يغلق الخط، ليشد محمد بيده علي كتف صديقه يشجعه بابتسامة صغيرة ذات معاني كثيرة.

في غرفة لينا السويسي
رفعت لينا رأسها عن صينية الطعام التي لم تُمس الا بأقل القليل، تنظر لوالدتها نظراتها حائرة ضائعة مشتتة تنهدت تزفر أنفاس حارة حزينة تشتعل ألما قبل أن تهمس فجاءة دون اي مقدمات:
- معاذ كلمني وقالي أنه عايز يجي يطلب ايدي.

جحظت عيني لينا الشريف في صدمة جمدت عقلها للحظات، عقلها لا يعي ما تقول ابنتها عن أي زواج تتحدث ومِنْ مَنْ ذلك الشاب معاذ، لحظة لحظة ابنتها التي فقدت جنينها البارحة وانفصلت عن زوجها قبلها مباشرة ترغب في الزواج الآن ارتسمت ابتسامة مذهولة علي شفتي لينا تتمتم مدهوشة:
- أنتِ بتهزري يا لينا صح
وضعت المعلقة الصغيرة من يدها تنظر لوالدتها لحظات قليلة لتحرك رأسها نفيا بحركة بطيئة تتمتم شاردة:.

- ههزر ليه يا ماما، خلاص كل اللي بيني أنا وزيدان خلص، من حقي أعيش حياتي
كلمات قالتها نطق بها لسانها ولم يعترف بها قلبها ابدا، هي حقا تريد ان تحيي من جديد ولكنه وكيف تكون معه وقد هدما معا بايديهم كل شئ، توسعت عينيها قليلا حين هبت والدتها وقفت أمامها تصرخ غاضبة:.

- لا دا انتي اتجننتي رسمي، أنا معاكي ومسنداكي في كل اللي عملتيه، عشان عيزاكي انتي اللي تحددي طريقك بايدك، حتي لما اتطلقتوا انتي وزيدان والجنين نزل، قولت خير، يمكن لما يرجعوا لنقطة الصفر تاني ترجع مشاعرهم تاني من اول وجديد، قولت لينا اكيد هتركز في حياتها، هتراجع مشاعرها، هتبني نفسها من تاني، إنما جاية تقوليلي البتاع بتاعك عايز يتجوزك وانتي اكيد موافقة مش كدة.

ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتي لينا حركت رأسها للجانب لتري مايا انتفضت من نومها مذعورة تنظر لزوجة عمها وهي تصرخ بتلك الطريقة لا تفهم ما يحدث، عادت لينا تنظر لوالدتها لحظات معدودة للغاية نظرات فارغة قبل أن تحرك رلسها إيجابا بهدوء تام، تزامن مع تصاعد دقات خالد القلقة علي باب الغرفة، فتح الباب دخل يحاول قدر استطاعته أن يسرع في خطواته، وقف أمام زوجته يسألها قلقا:
- في ايه يا لينا بتصرخي ليه...

نظر ناحية ابنته يصيح فيه خائفا من أن يكن اصابها مكروه:
- انتي كويسة في حاجة وجعاكي، اتصل بالدكتور
نظرت لينا لابنتها حانقة لتتوجه تمسك بيد خالد تحاول جذبه من الغرفة، رسمت ابتسامة مصطنعة علي شفتيها تتمتم بخفة:
- ما فيش يا خالد أنا كنت بزعقلها عشان مش راضية تاكل، بقالي ساعة بتحايل عليها، روح يا حبيبي إنت ارتاح، أنت لسه تعبان.

وقف للحظات ينظر لهما مترددا قلقا لتمسك لينا بكفه ابتسمت له بحنو تجذبه معها للخارج، رمت ابنتها بنظرة اخيرة معاتبة لتأخذ زوجها وتغادر...

جلست لينا مكانها تفكر في كلمات والدتها هل حقا اخطئت حين وافقت علي الزواج من معاذ بتلك السرعة، ام انها تحتاج إليه، تحتاج أن تشعر بيد تمسك بيدها تجذبها، يد لم تمل منها وتتركها كما فعل هو، وربما هي محقة معاذ شخص جيد، ساعدها وسيظل يفعل، التفتت حين شعرت بيد مايا توضع علي كتفها، رأت الاخيرة تبتسم لها ابتسامة شاحبة حزينة فتحت فمها تحادثها برفق:.

- لينا ما تاخديش اي قرار في حالتك دي، أنا فهمت من كلام مامتك أن معاذ عايز يتجوزك وانتي موافقة تقريبا، لينا انتي لسه جرحك بينزف ما تحوليش تخيطيه بأي حاجة عشان بعد كدة انتي اللي هتتعبي...
وجهت انظارها لها تبتسم ساخرة مايا الصغيرة باتت أكثر حكمة من الجميع الآن، تحركت بعينيها تنظر لنقطة في الفراغ تخطط في نفسها أمرا.

علي صعيد آخر في منزل حسام، لم يذق للنوم طعما منذ الأمس تقريبا ساعة تقريبا يقف في شرفة غرفته ينظر للشارع الشبه فارغ يشاهد جموع الناس وهم يتحركون هنا وهناك، دائما ما كان عنده فضول غريب لمعرفة تلك الدوائر التي تربط بين الجميع، خلف كل شخص يتحرك قصة، علاقات، حياة، واخري واخري واخري والدوائر تتشابك، تتنافر، تتصارع من اجل البقاء، وهو يقف عند الهامش ينظر للجميع، بابتسامة صغيرة غير مبالية بما يحدث تماما...

لا يهتم بكل تلك الصراعات التي تحدث حوله، يعيش في دائرته الخاصة، تتشابك مع غيرها لتساعد ثم تنفصل من جديد ويعد وحيدا، يراقب من جديد، علي درب هو فقط من يراه يسير، ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها، حين مر اسمها في باله تذكر أنه اعطي والده قميصه الذي يحمل صورتها فيه ليضحك بخفة ساخرا، والده حقا سيغضب حين يري الصورة، يتمني فقط الا تراها زوجته، حتي لا يضع والده في موقف غريب حقا، اختفت الإبتسامة من علي شفتيه، زيدان يصر علي السفر، فشلت كل محاولاته معه في العدول عن رأيه يتمني فقط أن ينصلح الحال بينه وبين شقيقته، كلاهما بحاجة لبداية جديدة، سفر زيدان يعني خسارة صديق عمر سنوات وهما معا يتشاركان السئ قبل الجيد والآن يغادر، اجفل من شروده علي يد يعرف صاحبتها جيدا تربت علي ذراعه برفق التفت لها ليجدها تمد يدها له بكوب شاي كبير، ابتسم لها ابتسامة صغيرة يأخذ منها الكوب يضعه علي سور الشرفة جواره يتمتم مبتسما:.

- تسلم ايديكِ يا ماما
ابتسمت شهد لحسام ابتسامة واسعة حانية وقفت تستند بجسدها علي سور الشرفة جواره تتمتم مبتسمة:
- تسلم من كل سوء يا رب، قولي بقي مالك حالك متشقلب بقالك كام يوم، وامبارح راجع متأخر أوي وصاحي بدري اوي، أنت لحقت نمت
مد يده يربت علي كف يدها بحنو تنهد يأخذ نفسا قويا ليحرك رأسه نفيا يتمتم:
- لا ابدا، تعبان بس من ضغط الشغل، الواحد كبر بردوا أنا عديت التلاتين.

توسعت عيني شهد في دهشة اعتدلت في وقفتها تتمتم سريعا بنبرة متلهفة قلقة:
- كبرت ايه يا ابني و30 ايه اللي عديته دا أنت لسه في عز شبابك يا حسام، مش عايزة اسمع منك الكلام الاهبل دا تاني والله أزعل منك
ابتسم لها يحرك رأسه إيجابا يرتشف رشفة كبيرة من كوب الشاي، كاد أن يختنق بها حين سألته فجاءة:
- صحيح بتشوف أبوك، البيه بقاله كتير ما بيجيش، وقبل كدة ساعة واحدة ويجري.

ابتلع ما في فمه يضع الكوب جواره من جديد التفت لها يعقد ذراعيه أمام صدره حان وقت سؤاله الذي اجله كثيرا والآن وتحديدا الآن يريد أن يعرف له اجابة لم يتردد وهو يسألها مباشرة:.

- أنا اللي عندي سؤال ليكي يا ماما، انتي ليه اصريتي اوي كدة أنك ترجعي لبابا، استفدتي ايه، سوري يعني مع كامل احترامي ليكي، بس انتي قبلتي علي نفسك تبقي زوجة تانية في السر، انتي اللي قبلتي أنك تشوفيه ساعة واحدة كل فين وفين، ليه، السؤال اللي هيجنني ليه، انتي مستفيدة إيه من دا.

غامت عيني شهد تكدر صفوها اخفضت رأسها أرضا أمام نظرات طفلها القاسية المتسألة، ابتلعت لعابها، ابتسمت تنهدت، لحظات ورفعت وجهها تنظر لذلك الصغير الذي شب وصار رجلا ويسأل وله الحق في أن يحصل علي إجابة الآن وحالا توجهت برأسها الي الشارع الفارغ ابتسمت تردف متهكمة:.

- باخد حقي، من غير ما اخد حقي، اسوء حاجة ممكن تحصل لابوك، إن مراته لينا هانم تبعد عنه، جوازي منه هيخيله علي طول مرعوب خايف قلقان في لحظة في حياته خايف لتسيبه، خايف أنا اروح اقولها، خايف تعرف بأي شكل من الأشكال، أنا عيشت معاه وشوفت حالته بتبقي عاملة ازاي من غيرها، صدقني اللي ابوك عايش فيه دلوقتي هو أكبر عقاب علي اللي عمله فيا.

انهت كلامها لتزفر نفس حاد جثم بعنف علي صدرها التفتت جوارها لتري حسام يناظرها بنظرات حزينة معاتبة، رأت دمعة حبيسة تحجرت في عينيه سمعت صوته يغمغم حزينا:
- ليه القسوة دي يا ماما، طول عمرك أحن أم وزوجة في الدنيا
قسوة!، رددتها شهد مدهوشة تناظر ابنها نظرات مذهولة، وقفت قباله تشير لنفسها تتمتم بحرقة:
- واللي أبوك عمله فيا ما كنش قمة القسوة يا حسام، أنا شوفت كتير اوي في حياتي بسببه.

رفع حسام كف يده يمسح وجهه يمحي سريعا تلك الدمعة التي حاولت الهروب خاارج مقلتيه انحني برأسه لأسفل قليلا يبتسم معاتبا:
- كان مريض نفسي، صدقيني المرضي النفسيين بيتعذبوا أضعاف المرضي العاديين...
رفع وجهه ينظر لوالدته يتمتم مبتسما في سخرية مريرة:
- علي فكرة بابا جاله جلطة، واتحجز امبارح في المستشفي، الحمد لله ربنا لطف بيه وبقي كويس، عن إذن حضرتك هروح ألبس عشان عندي شغل.

تركها ودخل الي غرفته بعد أن قال ما قال بينما وقفت شهد متجمدة مكانها عينيها متستعين عاي آخرهما انفاسها تختفي دقات قلبها تتصارع أغمضت عينيها تشد علي كفيها بعنف ليشق وجنتيها خطي دموع سوداء امتزجت بكحل عينيها الحالك، فتحت عينيها تتمتم لنفسها بصوت خفيض متألم:
- يا ريتني ما حبيتك يا خالد...

مر سبعة أيام بعد ذلك اليوم اسبوع كان الجميع في حاجة إليه في حاجة الي هدنة من كل شئ، الجميع في حاجة إن يعيد ترتيب حساباته المبعثرة من جديد، أولهم كانت مايا، التي خرجت من مرحاض غرفتها بعد أن ابدلت ثيابها لاخري تناسب العمل وقفت أمام مرآه زينتها تنظر لانعاكسها في المرآه تبتسم ساخرة اختلفت كثيرا عن السابق لم تعد تلك المدللة التي تهوي شراء الثياب، وليتها ظلت، وقفت تمشط خصلات شعرها تعقده في شكل حلقة كبيرة في نهاية رأسها تضع القليل من مستحضرات التجميل تظهر بها طلتها الساحرة، التقطت حقيبة يدها تنزل لأسفل، وجهت انظارها لغرفة لينا المغلقة منذ أسبوع وهي ترفض الحديث مع اي من مكان تخبر الجميع انها بحاجة لتعيد حساباتها القديمة والقادمة بمفردها، نزلت الي أسفل فتحت باب المنزل الكبير لتتطالع والدها يجلس في الحديقة أمامه علي طاولة صغيرة بدور زوجة ابيها، يحتسيان القهوة، ابتسامة والدها المشرقة، جعلت ابتسامة صغيرة تتسرب لشفتيها، اقتربت في خطواتها تتجه ناحيتهم وقفت بالقرب منهم تتمتم مبتسمة بتكلف:.

- صباح الخير
قام حمزة سريعا يحاوط كتفيها بذراعه يقبل جبينها يتمتم مبتسما:
- صباح الفل يا حبيبة بابا، علي فين العزم بدري كدة
اعادت خصلة ثائرة من شعرها خلف أذنيها تتمتم بخفوت:
- رايحة شغلي
ضحك حمزة بخفة يقرص وجنت ابنته برفق يتمتم مبتسما:
- بقيتي اللي قادرة علي التحدي والمواجهة رسمي خلاص، مالوش لزوم لشغلك يا ميوش يا حبيبتي احنا خلاص راجعين دبي.

توسعت عيني مايا في دهشة لتبتعد عن والدها ترميه بنظرات مصدومة حركت رأسها نفيا بعنف تصيح محتدة:
- راجعين دبي، امتي وازاي، وازاي حضرتك اصلا ما تاخدش رأيي في حاجة زي دي، أنا مش هرجع دبي ومش هسيب الشغل...
انتفخت اوداج حمزة غضبا سجنه خلف قبضان سيطرته العالية علي التحكم بمشاعره، دس يديه في جيبي سرواله ارتسمت ابتسامة صفراء مستهجنا ما تقول:.

- طيب يا مايا روحي شغلك ولما ترجعي لينا كلام تاني مع بعض، خلي بالك من نفسك يا حبيبي
وقفت مايا للحظات، ترميه هو وبدور بنظرات غاضبة حانقة لتتحرك بعنف الي أحدي السيارات تصفع بابها خلفها بعنف لحظات وتحرك بها السائق ليتنهد حمزة يآسا جلس أمام بدور لحظات قبل أن يسمعها تتمتم بنبرة خافتة متوترة:
- علي فكرة هي عندها حق، كان لازم تقولها قبلها بفترة كبيرة، بس اللي عملته أنك بتفرض عليها أمر واقع...

زفر أنفاسه يخلل أصابعه في خصلات شعره ربما بدور محقة كان عليه اخبارها قبلا، قبل ان يبدأ تجهيز ترتيبات السفر، عاد ينظر لبدور يتمتم متسألا:
- طب وانتي اتضايقتي بردوا لما عرفتي اننا هنسافر
تحاشت النظر ناحيته بكل السبل الممكنة، حركت رأسها إيجابا تتمتم بصوت خفيض:
- بصراحة آه، أنا قضيت حياتي كلها هنا، طفولتي وشبابي هنا، هيبقي صعب عليا يعني اني ابعد عن دا كله فاهمني.

رفعت وجهها إليه ما أن أنهت كلامها لتزدرد لعابها قلقة حين رأته يقف من مكانه، تسارعت أنفاسها خوفا ماذا ينوي أن يفعل بها، رأته يجذب مقعده بخفة يضعه جوارها جلس بجانبها يلف ذراعه حول كتفيها، ارتعشت وارتجف جسدها إثر لمسته بينما ابتسم هو يتمتم برفق:
- هحاول اعمل كل اللي اقدر عليه، عشان لا ازعلك لا انتي ولا الهبلة اللي مشيت مكشرة دي
لم تفهم حقا ما يعني الا أنها ابتسمت متوترة تومأ برأسها إيجابا.

علي صعيد قريب كان هناك من يقف في شرفة غرفته يدس احدي سجائره بين شفتيه ينظر لذلك المشهد بابتسامة تهكمية ساخرة يتمتم:
- مراهق اوي، المرة الجاية هياخدها في كازينو.

علي صعيد بعيد بعد دقائق قليلة وصلت مايا لشركة آل مهران جروب للسياحة، نزلت من سيارتها تخطو خطواتها للداخل، دون أن تتحدث بكلمة واحدة، لم تكن بالشخصية الاجتماعية التي تحب الاختلاط، ولكنها حقا لاحظت تلك النظرات الغريبة التي يرميها بها الجميع خاصة الموظفات، منذ الحادث وهي في اجازة مرضية، لما ينظر لها الجميع هكذا، نظرت لملابسها جيدا علها تجد الخطأ ولكن لا شئ، هي حقا لا تفهم ما يحدث، توجهت إلي غرفة المكتب التي تتشاركها مع زملائها يبدو أنها اول الحضور فالغرفة فارغة، توجهت الي مقعد مكتبها الصغير، جلست تنظر لتصاميمها الأخيرة الموضوعة علي سطح المكتب ملتفة كما هي برباطها، فتحت إحداها تنظر لتصميمها الغير مكتمل لتلتقط قلم رصاص تكمل ما بدأت مرت لحظات قبل أن تسمع صوت فتاة تتمتم ساخرة بنبرة لعوب:.

- هو انتي بقي مايا، اللي المهندس ادهم نط من فوق السطح علي الأسانسير عشان ينقذها
قطبت جبينها متعجبة من نبرة الفتاة الغريبة وطريقتها السخيفة، بينما عقدت تلك الفتاة ذراعيها أمام صدرها تتشدق ساخرة:.

- دا الحب ولع في الدرة جامد اوي يعني، بس السؤال هنا بقي ايه اللي بينك وبين المهندس اللي لسه جاي من أيام، شكلك مش سهلة خالص، يعني وقعتي أدهم في يومين، يومين كمان وتوقعي رعد بيه، ومين عارف اسبوع كمان وتكوني وقعتي جاسر باشا بجلاله قدره
اشتعلت عيني مايا غضبا هبت واقفة توجه نظرات نارية مشتعلة ناحيتة تلك الفتاة اشارت بسبابتها ناحية باب الغرفة تصيح فيها غاضبة:.

- امشي اطلعي برة انتي فكراني زبالة زيك، أنا مش هنزل من مستوايا لامثالك، يلا برة، أنتي ما تعرفيش أنا اقدر اعمل فيكي إيه، اطلعي برة
نظرت تلك الفتاة لمايا نظرات حانقة كارهة مغتاظة لتتحرك لخارج الغرفة تتوعد لها بالانتقام، بينما تهاوت مايا علي مقعدها من جديد، لحظات ووقفت من مكانها تهرب الي اقرب مرحاض منها دخلته توصد الباب خلفها بالمفتاح وضعت يدها علي فمها تكبح صوت بكائها تهبط دموعها في صمت.

بينما توجهت تلك الفتاة تدخل إلي غرفة مكتبها القت الحقيبة بغل علي سطح مكتبها تشد علي اسنانها مغتاظة تلك الوقحة تقسم أنها ستعمل علي جعل سيرتها علكة يمضغها الجميع في أفواههم بلا رحمة، باب الغرفة الإلكتروني انغلق من جراء نفسه، قطبت جبينها تنظر للباب متعجبة كيف ومن اغلقه من الأساس، خرجت من بحر افكارها تشهق بعنف الي سيل ماء اندفع من جهاز إنذار الحريق المثبت في سقف الغرفة، اغرقها هي والغرفة والاوراق جميعا شهقت بعنف تلطم خديها:.

- يا ليلة مش فايتة دا ورق الشغل بتاع جاسر باشا، هينفخني...
اخذت الأوراق سريعا توجهت لباب الغرفة تحاول فتح الباب ولكنه مغلق موصد، لديها كارت مبرمج علي فتح مثل تلك الاشياء، هرعت سريعا تجلبه حاولت فتح الباب مرة اخري ليعطيها رسالة أن الكارت لا يعمل
وقفت جوار الباب تدق عليه بعنف تصرخ فزعة مذعورة:
- الحقوني، حد يلحقني، افتحولي الباب...

دقائق مرت وهي تصرخ قبل أن يفتح الباب من تلقاء نفسه كما فعل سابقا لتهرع الي الخارج بمنظرها ذاك ملابسها المبللة مستحضرات التجميل لطخت وجهها بشكل بشع، البعض لم يستطع رؤية المشهد وانفجروا ضاحكين، والبعض الآخر كانوا يضحكون ولكن في الخفاء
ووقفت مايا بعيدا عنهم جميعا تنظر لها بابتسامة واسعة متشفية، هي حقا سعيدة علي ما حدث لها بعد ما قالته لها دون شفقة...

رفعت وجهها لأعلي هي علي اتم ثقة أن تلك افعال أدهم لمحت احدي كاميرات المراقبة تتحرك بشكل عشوائي لتثبت عليها ما أن نظرت لها، لحظات وارتسمت علي شفتيها ابتسامة صغيرة تشكره بها.

ارتسمت إبتسامة واسعة متشفية سعيدة علي شفتيه تلك الفتاة حقا ظنت أنها تستطيع إيذاء وتين قلبه ولو حتي ببضع كلمات سامة خرجت من فم افعي، بتر أنيابها حتي لا تبث سمها من جديد، تسارعت دقات قلبه بعنف تكاد تقفز من قفصه الصدري ترقص فرحا، ابتسامة بلهاء واسعة تغزو شفتيه، ليسمع في اللحظات التالية صوت رسالة وصلت لهاتفه فتحها بتلهف لتتوسع عينيه في فرحة عارمة حين قرأ تلك الجملة التي بعثتها
( شكرا يا أدهم ).

تسارعت أنفاسه يقرأ احرف الجملة مرة تليها اخري وأخري وأخري ابتسامة بلهاء تزداد اتساعا تغزو ثغره بالكامل هب من فراشه يتحرك بشكب عشوائي مضحك يصيح بفرحة وهو يضحك:
- شكرا ويا أدهم وقلب ازرق، شكرا ويا أدهم وقلب ازرق، شكرا ويا أدهم وقلب ازرق، دا أنا هقابله بكرة وبعد بكرة وبعد بعده هقابله بكرة.

ظل يتحرك بعشوائية سعيدة يلتف في انحاء الغرفة وحول نفسه يستند علي ساقه السليمة ليلمح بطرف عينيه شخص يقف عند باب الغرفة التفت للواقف ليري مراد شقيقه المتسول ذاك يقف يرميه بنظرات تهكم ساخرة للغاية:
- أنا قولت من الاول انك عيل لمؤخذة واقف تترقص زي الحريم، كاتك خيبة
قالها ليلتفت ليغادر بينما وقف ادهم ينظر في أثره غاضبا للحظات ليعاود ما كان يفعل...

اخذ مراد طريقه الي أسفل حيث دكان جدته، توجه إليه مباشرة يجلس علي المقعد أمامه ينظر لبداية الشارع ينتظرها أن تهل يتمني أن تفعل، إن لم تفعل هي سيفعل هو، خطوة واحدة تفصله عن الوصول لوجبته القادمة، توسعت ابتسامته حين رآها خرجت من أفكاره لتتجسد امامه ها هي تأتي من بعيد تتشح بجلبابها الاسود ووشاح رأس يماثله في اللون تسرع في خطاها كما تفعل دائما، ارتسمت ابتسامة شيطانية خبيثة يتفحصها جيدا بنظرات، لا يزال جسدها هزيلا، كآخر مرة رآها، ولكن الفرق واضح وجهها تظهر حمرة خديه الفطرية، تتحرك بسرعة إذا هي في أفضل حال، وها هي تقترب ناحيته الي الدكان مباشرة دخلت دون أن تعره انتباها، توجهت الي جدته مباشرة التفت برأسه يتابع المشهد المعتاد، جدته تعانق الفتاة بمحبة وكأنها من دمها، تسألها عن حالها بتلهف لتهمس تلك الأخيرة بصوت خفيض:.

- أنا الحمد لله يا ست منيرة، مش عارفة اشكرك ازاي بجد، ربنا يكرمك يا رب، اتفصلي يا ست منيرة
ختمت كلامها لتمد يدها بلفة نقود صغيرة حمحمت تردف في حرج:
- أنا عارفة طبعا انه دا ما يجيش ربع تمن الحاجات اللي حضرتك جبتيها، بس بإذن الله اول ما اخد معاش ابويا هجيبلك الباقي
نظرت منيرة نظرات حازمة غاضبة اخذت النقود تضعها في يد الفتاة من جديد تطبق كفها عليها تتمتم بصوت حازم غاضب:.

- بت يا روحية تاخدي فلوسك في ايدك وتطلعي علي شقتك يلا، قبل ما حد من الحوش اللي هنا يضايقك، مش عايزة اسمع منك الهبل دا تاني مفهوم
اخفضت الفتاة رأسها أرضا تحركها إيجابا ابتلعت لعابها تهمس بصوت خفيض هامس:
- حاضر يا ست منيرة، أنا كنت نازلة اشوف عم عبده بتاع المفاتيح والترابيس، مفتاح الشقة ضايع مش لاقياه والباب قديم ما فيهوش ترباس
شهقت منيرة قلقة علي الفتاة لتضرب صدرها بكف يدها تتمتم متلهفة:.

- ضاع ازاي دا، عمك عبده تعبان قافل النهاردة، بكرة الصبح من النجمة اجيبهولك يركب ترباش متين للباب وتربسي علي نفسك كويس
رفعت روحية وجهها تنظر لمنيرة ممتنة، تشكرها بصوت هامس، ودعت الفتاة جدته ورحلت تهرول كما تفعل دائما لتتوسع ابتسامته الخبيثة، لديه الليلة اذا لينفذ ما يريد.

عودة لفيلا خالد السويسي، في حديقة المنزل توقفت السيارة نزل منها يخلع نظرات الشمس الخاصة به لتظهر زرقاء عينيه الغائمة حزنا، ملابسه سوداء وكأنه ينعي روحه علي ما حدث لها، التقط ملف به عدة أوراق ليتوجه الي الداخل خطي، رفع يده يطرق باب المنزل لحظات وفتحت له الخادمة التي تعجبت من عدم دخوله، الجميع يعرف ان زيدان يملك عدة نسخ لمفاتيح المنزل، خطي للداخل وقف أمام الخادمة يتمتم في هدوء خاوي من الحياة:.

- بلغي خالد باشا اني مستنيه في مكتبه.

قالها ليتركها متوجها ناحية مكتب خالد مباشرة لتقف الخادمة تنظر في أثره مدهوشة، قبل أيام فقط كان زيدان يتحرك في البيت بدون قميص واليوم يتعامل علي أنه ضيف غريب، هرعت سريعا الي غرفة خالد لتبلغه، بينما توجه زيدان الي غرفة مكتب خالد مر في طريقه علي المطبخ، ما إن تجاوزه سمع صوتها المميز يصيح باسمه، لحظات وقف متجمدا مكانه دون ان يستدير لتتقدم هي منه وقفت أمامه تلحم زرقاء عينيها بامواج عينيه، تنظر مشفقة حزينة لقسمات وجهه المجهدة المنطفئة، رفعت يدها تود أن تضعها علي وجهه كما تفعل دائما، لتجده يعد خطوة للخلف كأنه يرفض أن تفعل ذلك، نظرت له مدهوشة، ليقابل بشبح ابتسامة طفت علي ثغره، تجاوزها يكمل طريقه لغرفة مكتب خالد، جلس علي أحد المقاعد يضع الاوراق علي سطح المكتب، هو فقط يحتاج لامضائه وسيرحل سريعا، حتي ملابسه التي هنا لا يريدها، جلس علي أحد المقاعد الملاصقة للمكتب، ينظر ارضا ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه، شريط حياته يمر سريعا أمام عينيه، ربما كان عليه الرحيل منذ زمن وتأخر كثيرا في تلك الخطوة، هو حقا يشتاق إليها ولكنه لا يرغب في رؤيتها بعد الآن، قلبه يتألم، يصرخ، يختنق، وهو يعرف أنها بالقرب، يريد الفرار من هنا بأي شكل كان، دقائق قبل أن يسمع صوت باب المكتب يُفتح وطل خاله، رفع وجهه ينظر له سريعا نظرات قليلة يرغب في الاطمئنان عليه بأي شكل ممكن، ابتسم خالد ابتسامة حزينة ينظر للواقف أمامه، تقدم ناحيته بضع خطوات، ليصبح بالقرب منه قريبا كثيرا، للحظات كل منهما ينظر للآخر نظرات بها ما بها من العتاب والاسف، والأسرع كان خالد جذب ابنه الذي لم يولد من صلبه يعانقه بقوة أغمض زيدان عينيه يبتسم حزينا، ابتعد عن خالد ليمد يده الي الأوراق امسكها يتمتم بخفوت:.

- ممكن امضة حضرتك
نظر خالد للاوراق ليزدرد لعابه تتسارع دقاته ألما، قبض علي الأوراق بعنف ينظر لزيدان يتمتم:
- بردوا مصمم تمشي
حرك زيدان رأسه إيجابا عدة مرات سريعة متتالية يؤكد له مع كل اماءة أنه فقط لا يرغب سوي في الرحيل، سمع صوت خالد يتمتم بخفوت حزين:
- أنت بتهرب يا زيدان، مش قادر تكمل معركتك لنهايتها
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتي زيدان يحرك رأسه إيجابا يتمتم متهكما:.

- ايوة فعلا أنا جبان وبهرب، حربي خلصت خلاص يا سيادة اللوا ممكن حضرتك تمضيلي علي الورق عشان امشي
زفر خالد أنفاسه المختنقة يقبض علي الاوراق في يده تحرك يتجه الي مقعد مكتبه تهاوي بجسده عليه ينظر للواقف أمامه يحاول إثناءه عن رأيه:
- يا زيدان...

في الاعلي، تحديدا في غرفتها سبعة ايام كانت أكثر من كافية لتختلي فيها بذاتها المهمشة تعيد تجميع قطع روحها تلصقها من جديد، وقد قررت جيدا ما ستفعل، عودتها لزيدان، ستبقيها في تلك الحلقة المفرغة من المشاعر المضطربة الخائفة، بينهم الكثير من الحواجز وهي لم تعد لها طاقة حتي للسير، ربما هي لم تحب زيدان كما يجب أن يكون، لكي تغفر له خطاءه او أخطائه، الحب الأبسط والامثل في تلك اللحظات هو معاذ، معاذ يحبها وهي كانت تفعل ومن يعلم ربما تعود تلك المشاعر من جديد، توجهت الي مرحاض غرفتها اغتسلت تنفض عنها غبار امراءة بائسة، لتخرج من المرحاض بدلت ثيابها مشطت خصلات شعرها، تتوجه الي أسفل، قابلت والدتها في طريقها لتشيح لينا بوجهها غاضبة من تصرفات ابنتها الرعناء بينما ابتسمت الصغيرة ساخرة، أخذت طريقها لغرفة مكتب والدها، الباب لم يكن مغلقا رأته يجلس هناك جوار مكتب والدها الذي يصيح فيه:.

- يعني بردوا اللي في دماغك في دماغك، طب ايه رأيك بقي مش ماضي علي الورق
وقف زيدان ينظر لوالدها يبتسم في هدوء تام يغمغم بلامبلاة:
- براحتك طبعا يا باشا، بس أنا ساعتها هصعد طلب النقل للي أعلي من حضرتك...

إنت بتهددني يا حيوان، صاح بها والدها محتدا، دخلت هي الي الغرفة في تلك اللحظة ليضرب جسد ذلك الواقف صاعقة كهرباء عنيفة ترجفه بعنف مخيف، اشاح بوجهه بعيدا سريعا لا يرغب حتي في أن يلمح طيفها، تقدمت هي للداخل، ليصدح صوت خالد الساخر:
- اهلا اهلا اهلا لينا هانم، اخيرا نجمة الشباك الأولي قررت تخرج من عزلتها الفنية وتنورنا بطلتها البهية.

تنهدت حانقة ألن يتوقف والدها عن السخرية، وذلك الواقف هناك بعيدا عنها ماله ينظر بعيدا لتلك الدرجة لا يريد حتي أن يراها، ابتلعت لعابها توجه انظارها ناحية والدها تنهدت تستعد لتفجير القنبلة في وجوده:
- بابا معاذ عايز يجي يتقدملي، أبلغه يجي أمتي.

وقعت الجملة علي خالد وقع الصاعقة توسعت عينيه علي اتساعهما ينظر لذلك الواقف هناك قلبه يكاد ينفجر قلقا عليه بعد ما قالت، رأي عروق فكه ورقبته النافرة يكور قبضته يغرزها في المقعد أمامه، وقلبه يكوي وهو حي...

روحه تصرخ تتعذب، وهي تتحدث ببساطة بأن غيره يريد الزواج منها، حاول ازدارد ريقه ليشعر بسيخ نار يقف في حلقه اغمض عينيه متألما يشد علي جفنيه، في تلك اللحظات، فتح خالد قلمه يخط إمضاءه علي الأوراق أمامه يمدها لزيدان يتمتم بنبرة حانية حزينة:
- خلي بالك من نفسك كويس...
حرك الأخير رأسه إيجابا سريعا التفت وياليته لم يفعل كان وجهها اول ما وقع عليه تقف هناك بعيدة بقدر قربها منه، فقط خطوتين تفصلهم.

تجرع مرارة الحسرة ارتجفت حدقتيه تنازع ألم ينهش جنبات قلبه بلا رحمة، نجحت وبشدة في إحراق روحه يشعر بقبضة من نيران تعتصر قلبه، ردت له الدين الذي ارتكبه خطأ ليتها فقط تصدق أنه خطأ، بصعوبة تحركت قدميه ناحيتها، الي أن صار أمامها مد يده ناحيتها يبتسم، ابتسامة مريرة تخفي خلفها دموع من نار قلب يغلي كمرجل متقد همس اخيرا بصوته الاجش عينيه لا تنزاحان عن وجهها:
- مبروك يا بنت خالي!
مبروك يا بنت خالي!

كلمة خرجت بشق الأنفس نطقتها شفيته ولم ينطق بها قلبه، ذلك النابض الذي يصرخ ألما وهو يسمع ما تقول، تريد الزواج بتلك السرعة لتلك الدرجة ليس لوجوده اي أهمية في حياتها، منذ أسبوع فقط فقدوا طفلهم الذي لم يري النور بعد وها هي الآن تريد الزواج، رأي ابتسامة صغيرة للغاية تطفو فوق ثغرها تتمتم:
- شكرا يا زيدان.

مد يدها لتصافحه فما كان منه إلا أنه نظر لكفها الممدود للحظات ليخطو خطواته للخارج دون أن يعيرها انتباها...
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتيها يبدو أن كل شئ قد انتهي حقا، خاصة بعدما قالت في وجوده، واي أوراق تلك التي كان يريد من والدها أن يوقع عليها وهو رفض في البداية والآن وافق، اجفلت فجاءة من شرودها علي صوت والدها:
- معاذ دا ايه بقي اللي عايز يتقدملك...

أخذت نفسا قويا تنظر لوالدها في هدوء وثقة كتفت ذراعيها أمام صدرها تتمتم ساخرة:
- معاذ الحسيني يا بابا اعتقد أن حضرتك جايب معلومات الدنيا كلها عنه، معاذ اللي حضرتك لعبت مع زيدان عشان تبعدوه عني، عشان حضرتك شايفه مش مناسب، انما أنا شايفة ايه لاء مش مهم، معاذ مش لعبي ولا بيتسلي بعد كل الي عملتوه لسه بيحبني وعايز يتقدملي وأنا موافقة.

عاد خالد يجلس علي مقعده يحرك سبابته وابهامه أسفل ذقنه رسم ابتسامة صفراء علي شفتيه يتمتم متهكما:
- وأنا مش موافق، ومش هقابله يا بنت خالد، ايه رأيك بقي
كلماته البسيطة كانت قبس نار اشغل الحريق أحمرت عينيها تسارعت أنفاسها تقبض علي كف يدها تصرخ بحرقة قلبها:.

- لييييه، لييييه دايما مش عايز سعادتي عايزني دايما انفذ اللي انت عايزه وبس، امشي كدة يا اما، تقولي ماليش دعوة اتصرفي انتي، أنا مش موافق، عايزني نسخة تانية من ماما تفرض عليها كل حاجة من غير ما تقول لاء، أنا بحب معاذ وهتجوزه برضاك او غصب عنك.

صمتت تتنفس بحرقة تتسارع أنفاسها الحارة في الخروج تعزف إيقاعا عنيفا تشاركها دقات قلبها الهادرة وذلك الجالس لم تتغير تعابير وجهه لم يغضب لم يثور، جل ما فعله أنه قام من مكانه، تحرك ناحيتها وقف للحظات عينيه لا تنزحان عن وجهها ينظر لها نظرات حادة كسهام تخترقها، في لحظة وقبل أن تعي أي شئ كان كفه يهوي علي وجهها، ألم بشع شعرت به يحرق قلبها قبل وجنتها، التف وجهها بعنف إثر صفعته، شخصت مقلتيها تضع يدها علي خدها، لفت رأسها ناحيته ترميه بنظرات مصدومة عينيها متسعتين تنظر له في ذهول، بينما وقف هو للحظاا يقبض علي كفه الذي صفعتها، تلك الصغيرة كما يجري تجاوزت كل الخطوط، رسم ابتسامة صفراء علي شفتيه يتمتم متهكما:.

- قوليله اني مستنيه النهاردة الساعة 7 لو أتأخر دقيقة واحدة ما يجيش احسن له
ورحل قال ما قال ورحل في هدوء تام وكأن شئ لم يكن وكأنه لم يصفعها للتو، كورت قبضتها شدت علي أسنانها بعنف نظرت أمامها مباشرة بأعين حمراء غاضبة تحبس فيها سيل من الدموع، ابتسمت غاضبة تتمتم في نفسها باصرار:.

- هخرجك من سجنك هبعد وبكرة تشوف يا خالد يا سويسي، ومعاذ أول خطواتها للخروج اندفعت من الغرفة تركض لغرفتها صفعت الباب عليها توصده بالمفتاح تحركت في انحاء الغرفة تحرق أنفاسها تتحرك بعنف هنا وهناك، صرخت صرخة ذبيحة لتمسك أحد التحف في غرفتها تلقيها بعنف علي زجاج مرآتها بعنف تصرخ بحرقة قلبها، سقطت علي ركبتيها تجهش في البكاء تبكي وتتسابق شهقاتها، تسمع أصوات طرقات عنيفة علي باب الغرفة من الخارج وأصوات متداخلة تطلب منها فتح الباب لتصرخ فيهم وهي تبكي:.

- ابعدوا عن هنا مش عايزة اشوف حد فيكوا، امشوووا كلكوووووا
جلست علي ركبتيها أرضا تضم كفيها لصدرها تصرخ بصوت مكتوم تغمض عينيها تشد علي جفنيها بعنف، بقيت لحظات علي تلك الحال قبل أن تفتح مقلتيها، عينيها الحمراء الباكية ككأس دماء فاض عن حدة فسقطت منه الدماء تنهمر بغزارة، التقطت هاتفها الملقي هناك جوارها، تبحث عن رقمه بتلهف، تتصل به لم تمر لحظة واحدة مع اول دقة كان تسمع صوته يجيب متلهفا:.

- ايوة يا لينا أنا مش مصدق أنك اتصلتي أخيرا، بقالي اسبوع بحاول اكلمك قولتي لوالدك...
صمتت للحظات تزدرد لعابها المحترق من صحراء قلبها المشتعلة تحت نيران روحها المستعرة، خرجت الكلمات من فمها بشق الأنفس:
- ايوة قولتله وهو مستنيك الساعة 7 ما تتأخرش
سمعته يصيح فرحا كأنه طفل صغير حصل علي جائزته الكبيرة لتسمعه يغمغم متلهفا سعيدا:.

- بجد، بجد والله أنا مش مصدق نفسي من 6 بالظبط هكون قدام الباب، أنا هجري ألبس مش هتأخر عليكي سلام يا حبيبتي
واغلق الخط ليصدر بعدها صوت صفير طويل لم تسمع منه سوي كلمة حبيبتي التي قالها في
النهاية، ونفر منها قلبها، لم تحبها ابدا، ألم تكن تحبه قبل قليل؟!

علي صعيد قريب للغاية في غرفته التي يتسخدمها للتدريب في الأسفل، دخل الي الغرفة يجلس علي أحد المقاعد من الجلد يخفي وجهه بين كفيه يتنهد بحرقة بين حين وآخر، صفعها وتلك المرة لم يكن نادما، قاسية القلب تماما مثله، لما لم تكن مثل زوجته حنونة طيبة، نسخة أخري منه لا تقبل السماح بسهولة، شعر وكأن ذلك الكف يصفعه لنفسه، انعاكسه يقف أمامه، تريد الزواج من ذلك الشاب لتفعل ما تريد، ربما هو المخطئ، حسابته أخطأت في حقها، ربما هي أدري منه بصالحها، ما يمزق قلبه حقا زيدان، نظرة عينيه حين التفت وراءها وهي تنطق بتلك الكلمات كان ابشع ما رأي يوما، جذب هاتفه من جيب سرواله، يبعث رسالة لرقم حسام كتب فيها.

( حسام، زيدان تعبان اوي، دور عليه، خليك جنبه، سيب كل اللي في ايدك وشوفه فين ما تسيبهوش، وأنا هتصل بيك بعد شوية )
بعثها لرقم ولده ليعيد هاتفه لجيب سرواله يمسح وجهه بكفيه يشعر بالعجز يشل تفكيره لا يعرف ما عليه أن يفعل.

علي صعيد بعيد للغاية في جنوب مصر في اسيوط تحديدا، منزل رشيد الشريف تحديدا، في صالة المنزل الواسعة علي احدي الارائك، يجلس جاسر جوار شاهيناز، يبسط يده برفق علي بطنها المنتفخ يضع علي قدمه طبق به قطع تفاح مقطعة شرائح رفيعة التقط احدي الشرائح من الطبق يقربها من فمها توسعت ابتسامته يغمغم بنبرة حانية للغاية:
- حبيبتي افتحي بؤك، أنا عرفت أن التفاح مفيد جدا ليكي وللجنين.

ارتسمت ابتسامة ناعمة لعوب علي شفتي شاهيناز لتفتح فمها بدلال قليلا قطمت قطعة صغيرة برقة متناهية لا مثيل لها، تمضغها بنعومة تنهدت تهمس بخفوت ناعم:
- حبيبي تسلمي لي يا جاسر أنا بحبك اوي اوي يا جاسر
امسك كف يدها يلثمه بقبلة طويلة شغوفة، مال يقبل جبينها أيضا ابتعد عنها قليلا يبتسم ابتسامة واسعة مشرقة:
- وانتي اغلي حاجة عندي يا قلب جاسر ربنا يخليكي ليا وما يحرمنيش منك ابدا لا انتي ولا اللي في بطنك.

في تلك اللحظات خرجت شروق من المطبخ تمسك في يديها منشفة صغيرة تجفف يديها، توسعت عينيها في دهشة تنظر لذلك المشهد الغريب أمامها صحيح أنها كانت تريد أن يعامل زوجتيه بالعدل، ولكن ما يحدث منذ أن عاد مع سهيلة قبل أيام هو العجب بعينه، جاسر لم يطأ غرفة سهيلة، والاخيرة لم تخرج من غرفتها، علاقة جاسر وشاهيناز تغيرت بشكل غريب مفاجئ، بات يعاملها كأنه يعشقها منذ صغره، الأمر برمته لا يعجبها القت المنشفة من يدها تتوجه ناحيتهم بخطي سريعة وقفت بالقرب منهم حمحمت بحدة ليلتفا لها معا، ليغمغم جاسر مبتسما:.

- خير يا أمي
تنهدت شروق بامعتاض علي حاله الغريب كتفت ذراعيها أمام صدرها تنظر لشاهيناز تغمغم بحزم:
- شاهيناز اطلعي اوضتك عايزة اتكلم مع جاسر كلمتين
ابتسمت شاهيناز ببراءة قطة صغيرة لتستند علي ذراع وقفت تبسط كف يدها الأيسر خلف ظهرها نظرت لشروق تبتسم في دلال:
- من عيوني يا ماما
لتعاود النظر لجاسر تغمزه بطرف عينيها تهمس له:
- مستنياك في اوضتنا يا جاسر ما تتأخرش..

تحركت شاهيناز تصعد الي أعلي تراقبها عيني جاسر بقلق شديد، وكأن حياته بأكملها معتمدة عليها، اجفل علي يد والدته تقبض علي رسغ يده تجذبه خلفها، الي المطبخ وقف امامها ينظر لها متعجبا لتبادر هي تهتف فيه محتدة:.

- مالك يا جاسر حالك متشقلب ليه كدة من ساعة ما جيت من السفر، أربعة وعشرين ساعة لازق جنب مراتك، لا بتروح تشوف الأرض ولا بتخرج من باب البيت حتي، حتي سهيلة ما روحتش تتطمن عليها، أنا صحيح كنت عيزاك تعدل بينهم بس أنت دلوقتي رامي سهيلة خالص، ذنبها ايه البنت عملتلك ايه يعني عشان تقهرها بالشكل دا.

تنهد جاسر بملل يقلب عينيه مستاءا، مجرد ذكر اسمها يشعره بالغضب بات ينفر حتي من سماع اسمها، عقد ساعديه أمام صدره العريض يغمغم حانقا:
- بقولك ايه يا ماما أنا مش عايز اسمع سيرة الزفتة دي خالص هي ايه اللي مقعدها ما تغور في داهية، أنا مش عايزها اصلا.

أصفر وجه شروق عينيها مرتكزة لتلك الواقفة خلف جاسر تمسك بيد شقيقته، يبدو آت صبا نجحت اخيرا في إخراجها في وقت غير مناسب تماما، فجاءة من العدم اندفعت من خلفه عاصفة هوجاء وقفت سهيلة امام جاسر ترميه بنظرات كارهة مقهورة حزينة بشراسة بدأت تصرخ فيه:.

- أنت ايه يا اخي، حرام عليك، تلعب بقلبي ومشاعري تطلعني لسابع سما وترجع ترميني في سابع أرض، إنت بتلعب بيا، شوية بحبك وشوية غوري في ستين داهية، إنت مش بني آدم، دا حتي الحيوان ما تستاهلش اني اشبهك بيه، أنا بكرهك يا جاسر، منك لله يا اخي، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، ربنا يجيبلي حقي منك
ما إن نطقت كلماتها الأخيرة احمرت عينيه نفرت عروقه، يصرخ فيها بصوت حاد عالي جهوري:
- اسكتي، اخرسي، مش عايز اسمع صوتك.

اقترب يريد ضربها لتهرع شروق تقف بينهما دفعته في صدره بعيدا بعنف، تصرخ فيه:
- أنت اتجننت يا جاسر عايز تضرب مراتك..

ارتدت للخلف خطوتين ينظر لتلك التي تقف بالخلف تختبئ خلف والدته نظرات قاتلة ليشعر بألم بشع فجاءة دون سابق إنذار، مال يتقئ مادة سوداء قاتمة، هرعت شروق إليه فزعة، بينما وقفت سهيلة تنظر له كارهة مشفقة علي حاله، حزينة، تركته تخرج من المطبخ، لتصطدم برشيد يقف أمامها، نظراته مصوبة علي جاسر، يعقد ما بين حاجبيه، ينظر لولده بريبة يدبر في نفسه أمرا.

وقف ينظر للشمس وهي تغرب قرص أحمر دامي يختفي بين جنبات السماء، قرص تسيل منه دماء قلبه، يختفي شيئا فشيئا ويحل الظلام في لحظات يكسي المكان يغطي روحه المجهدة بغطاء أسود، عند شط بعيد يقف وحيدا ينظر لقرص الشمس الذي رحل ورحل معه الأمل من قلبه، أحبها ولم تحبه، أخطأ دون قصد فلم تسامحه، اخلص لها فأحبت غيره، طلب العفو كثيرا فذلت كرامته أكثر، كور قبضتيه يشد عليهما لما، فيما أخطأ ليحدث له ذلك كله تباعا، لم يكد يجد السعادة، لتهرب من بين يديه تقسم علي عدم العودة له من جديد، سيرحل يبدأ من نقطة الصفر، يبني ما حطمته هي، التفت برأسه بحركة آلية للغاية حين شعر بحركة جواره وسمع صوت صديقه يردف بصوت متعب لاهث:.

- أنت هنا يا اخي بقالي أربع ساعات بدور عليك...
وقف حسام للحظات يلتقط أنفاسه ليتقدم من صديقه وقف جواره ابتسم يقول في مرح عله يخفف عنه ولو قليلااا:
-هيييح وتينة غصة الافنان باسقة، قالت لأترابها والصيف يحتضرُ
قالها لينظر لصديقه عله يجد ولو شبح ابتسامة صغيرة تعلو ثغره ولكنه بقي كجلمود صخر لم تهتز منه شعره، تنهد حزينا علي حاله ليمد يده يربت علي كتفه يقول مترفقا:
- هون علي نفسك يا صاحبي.

ارتسمت ابتسامة مريرة ساخرة علي شفتي زيدان، تلاها ضحكة عالية، ضحكة تنزف ألما، توقف عن الضحك ليلتفت لصديقه يصيح ساخرا:.

- أهون علي نفسي أنت بتتكلم بجد، اهون علي نفسي ايه ولا ايه، اهون عليها ان فرحتي بمراتي اللي عيشتي عمري كله اتمناها ما كملتش، اني طلقتها، انها بتحب غيري وعايزة تتجوزه، إن ابني حلمي، كنت بحلم بيه كل ليلة بتخيله وأنا شايله علي ايدي بيضحكلي، بيكبر قدام عينيا بحققله كل حلم نفسه فيه، هعيش بس عشان اشوفه بيضحك، بس حتي الحلم دا مات، هو أنا مش مسمحولي حتي أحلم، لدرجة دي أنا شخص وحش...

حرك حسام رأسه نفيا سريعا، ليري دموع قاسية فرت من أسر عيني زيدان ضرب قلبه بقبضة يده يصيح بحرقة:
- اختك قهرتني، داست علي قلبي وكرامتي ورجولتي، ما رضتيش حتي تديني فرصة تانية، ودلوقتي هتتجوز، بمنتهي البساطة
قلبي بيتحرق نار بتحرق روحي قبل جسمي...
ادمعت عيني حسام حزنا علي حال صديقه، ليقترب يود معانقته، بادله زيدان العناق الأخير يشد علي جسد صديقه، ابتعد عنه يرسم ابتسامة زائفة علي شفتيه يتمتم:.

- أنا ماشي يا حسام، خلاص شنطي في العربية، كنت هتصل بيك اودعك بس اديك جيت خلي بالك من نفسك يا صاحبي...
ادمعت عيني حسام حزنا ليندفع يعانق زيدان من جديد يتمتم بحرقة:
- أنا مش عايزك تمشي، مش عايز اخسر صاحب عمري بس أنا أكتر واحد عارف أنت محتاج تبعد قد إيه...
ابتسم زيدان يبعد حسام عنه مد يده يصافحه بقوة يتمتم مبتسما:
- سلام يا صاحبي!

أنها السابعة مساءا الموعد المنتظر، خالد في غرفته يتصفح هاتفه يحاول الاتصال بزيدان أو حسام، بينما لينا تقف أمام فراشه تنظر له حانقة تتمتم متعجبة:
- خالد أنت هتجنني صح، شوية تقول موافق علي معاذ، ودلوقتي قاعد بتلعب علي الموبايل والواد تحت بقاله فوق النص ساعة
رفع خالد وجهه عن هاتفه لوي ثغره بابتسامة ساخرة يتمتم ببرود:
- أنا قايل أن الميعاد سبعة هو اللي جاي بدري، يبقي يترمي لحد ما انزله.

تنهدت لينا حانقة من أفعالهم جميعا يأست من البيت كله بمن فيه اقتربت تجلس امامه علي الفراش تسأله متعجبة:
- أنت بجد موافق علي جواز لينا ومعاذ
اغلق الهاتف يضعه في جيب سرواله ابتسم يعقد ذراعيه أمام صدره يتمتم متهكما:
- بنتك اللي عايزة، تعمل اللي هي عايزاه، عايزة تتجوزه اوي أوي تتفضل، بدل ما انا بقيت شرير الرواية اللي بيغصبها تعمل حاجات هي مش عايزاها.

نظر لساعة الحائط أمامه ليتحرك من مكانه متجها لباب الغرفة فتحه كاد أن يخرج، حين استوقفته لينا تسأله متعجبة:
- أنت هتنزل كدة
نظر لما يرتدي لترتسم ابتسامة ساخرة علي شفتيه يردف ساخرا:
- عندك حق فعلا الترنج دا أنضف من اني انزله بيه بس للأسف مكسل أغير.

تركها ونزل لتضرب كف فوق آخر، اغمضت عينيها تحاول استيعاب ما يحدث حولها، زيدان ومعاملته النافرة منها، ابنتها وموافقتها السريعة علي الزواج بتلك السرعة، حمزة وبدور وعلاقتهم الأكثر من غريبة، والآن خالد الذي حقا لا تفهم ما يدور بخلده ابدا، تحركت لتنزل، سمعت صوت رسالة تصل لهاتف خالد الآخر، التقطته تفتحه تنظر لما أرسل له؟!

علي صعيد آخر في غرفة لينا السويسي، وقفت أمام مرآة زينتها الشبه مهشمة تنظر لتلك الانثي التي لا تقل عنها شيئا هي الأخري شبه مهشمة وربما مهشمة بالكامل، تنهدت تأخذ نفسا قويا تشجع نفسها، ترتدي فستان اسود لامع يغطي ذراعيها يصل لكحليها تعقد شعرها كجديلة طويلة، ارتدت حذاء ذو كعب رفيع، مستحضرات التجميل الباهظة التي تمتلكها اكثر من جيدة لاخفاء ملامحها المجهدة النازفة، ورسم ملامح انثي رائعة الجمال، وقفت للحظات ترفع رأسها لأعلي تنظر لصورتها تعتد بحالها، لن تنكسر مهما فعلوا، امراءة غير قابلة للكسر، تحركت تنزل لأسفل لتجد والدها هناك عند نهاية السلم، احتدت عينيها تنظر له حانقة ملابس البيت ما يرتدي، لم يبدل حتي ثيابه، نزلت لأسفل خلفه، لتجده يتوجه ناحية معاذ الذي يجلس متأنقا بحلة فاخرة يبتسم ابتسامة واسعة بلهاء لا معني لها، هب سريعا ما أن رأي خالد يمد يده يريد مصافحته يتمتم متلهفا:.

- خالد باشا اهلا وسهلا يا افندم أنا بجد سعيد اتي قابلت حضرتك، حضرتك
قاطعه خالد يبسط كفه امام وجه ذلك الاخير قلب عينيه يردف ساخرا:
- خلاص أنت هتعملي فرح، اقعد
حمحم معاذ حرجا يعود الجلس مكانه ليجلس خالد أمامه يضع ساقا فوق أخري، ينظر له للحظات طويلة يقيمه بنظراته دون أن ينطق بحرف واحد، ارتبك معاذ من نظرات خالد الحادة ابتسم يهمش مرتبكا:
- هو في حاجة حضرتك.

حرك خالد رأسه نفيا ببطئ رسم ابتسامة صفراء سخيفة صفراء علي شفتيه يتمتم مستهجنا:
- أنا قاعد مستني البيه ينطق، أنت مش جاي تتقدم ولا جاي تشرب شاي ونعشيك وتروح
ابتلع معاذ لعابه يتنفس بسرعة من شدة توتره ابتسم مرتبكا يحرك رأسه إيجابا سريعا يتمتم بلهفة متلعثما:.

- ايوة طبعا يا باشا جاي اتقدم، حضرتك أنا اسمي معاذ الحسيني عندي 27 سنة، خلصت كلية طب من شهر تقريبا وعندي شقة تمليك باسمي، والدي متوفي من زمان ووالدتي عايشة عن خيلاني برة مصر، وبشتغل في مستشفي خاصة وبقبض منها كويس جدا يعني، أنا تحت أمر حضرتك في اي طلب تطلبه
صمت خالد للحظات يرسم ملامح الاقتناع علي وجهه حرك رأسه يتمتم متهكما:.

- كلام جميل، كلام معقول، ما اقدرش اقول حاجة عنه، بس قولي الأول انت قاعد فين دلوقتي
قطب معاذ جبينه متعجبا من ذلك السؤال الغريب حمحم ابتسم يردف:
- علي الكنبة
خرجت ضحكة عالية ساخرة من بين شفتي خالد ينظر لمعاذ نظرات استهجان باردة توقف عن الضحك لتتجهم ملامحه في لحظة يتمتم محتدا:
- طب يا لذيذ، أنت قاعد دلوقتي في بيت خالد باشا السويسي عارف مين هو خالد باشا السويسي.

حرك معاذ رأسه إيجابا سريعا، دني خالد بجذعه العلوي يستند بمرفقيه علي فخذيه ليعود معاذ تلقائيا للخلف، ابتسم خالد ساخرا يردف في قسوة:
- لاء مش عارف، خالد السويسي يقدر ينفسك بإشارة واحدة من صباعه وهو قاعد، فلو جاي تلعب تستظرف، انفد بعمرك، العمر مش بقذعة يا معاذ ولا ايه
ابتلع الأخير لعابه الجاف نظر لخالد يردف مرتبكا:.

- هو في ايه حضرتك أنا جاي اتقدم والله ومش فاهم حضرتك بتتكلم عن ايه، ومش فاهم بردوا حضرتك موافق ولا لاء
تنهد خالد غاضبا يرمي معاذ بنظرات نارية حارقة كاللهب نظر للاشياء الموضوعة علي الطاولة يردف متهكما:
- اومال أنت قرفنا من الساعة 6 وجايب معاك شوكولاتة وورد عشان نقعد نتساير مثلا، صحاب احنا، للاسف هي شايفة انها بتحبك وأنا شايف أنها ما بتشوفش اصلا، لازم اوديها لدكتور نظر.

نظر معاذ لخالد مدهوشا ذلك الرجل مختل بكل ما تعنيه الكلمة من معني، توسعت عينيه فزعا حين رآه يقبض فجاءة علي تلابيب ملابسه يهمس له بهسيس مستعر:
- أنا لو وافقت عليك وطلعت بتلعب هدفنك حي، أنت لسه مش عارف أنت بتتعامل مع مين
لفظه خالد من يده بعنف ليرتد الاخير للخلف ينظر لخالد مذعورا، حرك رأسه بالإيجاب سريعا عدة مرات يتمتم بصوت خفيض متوتر للغاية:.

- ااا، ااااا، اااا، اكيد، صدقني هكون عند حسن ظن حضرتك، نقرا الفاتحة بقي!

علي صعيد آخر أعد عدته جيدا، الليلة بعد الثانية عشر، الشارع يصبح فارغا تماما لا أحد فيه، ليس أمامه سوي الليلة، انتظر بفارغ الصبر، في تلك القهوة امام منزله الي أن بدأت الأقدام تختفي عن الشارع، أعمدة الإنارة اشتعلت تنير الشارع الغارق في الظلام، قام يتحرك بخفة متوجها الي عمارتها.

التي يعرفها جيدا، خطوة اثنتين ثلاثة ينظر حوله هنا وهناك الي أن وصل ارتسمت ابتسامة ثعلبية خبيثة علي شفتيه يخرج المفتاح من جيب سرواله وضعه في القفل يديره بخفة وبطئ شديد إلي أن انفتح الباب، دخل علي أطراف أصابعه، يرد الباب ببطي لينغلق دون صوت، نظر للصالة الصغيرة يلتف برأسه يبحث عنها لا أحد، لا يجدها في اي مكان، تحرك يمشي علي اطراف أصابعه الي أقرب غرفة ادار مقبضها يفتح بابها، لترتسم ابتسامة واسعة أظهرت انيابه المدنسة، خطي داخل الغرفة بخطي بطيئة يتحرك بخفة إلي فراشها التي تتسطح عليه اتجه، اليه يجلس جواره، مد يده يتحسس خصلات شعرها برفق، رفع بعض من خصلاتها جوار أنفه يشتمها لتجفل هي من تلك الحركة فتحت عينيها فجاءة لتشخص بذعر حين رأته في غرفتها كادت أن تصرخ حين كمم فمها بيمناه ورفع سبابته الاخري امام فمه يهمس لها بصوت خفيض خبيث:.

- هششششش!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة