قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثامن والستون

- ابعدي!، كلمة واحدة نطقها من بين أنفاسه المتعبة اللاهثة، لتتوسع عيني سهيلة في صدمة، دفعها! لا يريدها أن تقترب منه، قلقها عليه كان أكبر من أن تأخذ ما فعل بعين الإعتبار، اندفعت ناحيته من جديد تلتقط زجاجة مياة من الطاولة المجاورة صبت القليل على يدها تمسح بها وجهه ليشعر بنيران تحرق وجهه مع ملمس يديها على قسمات وجهها ينظر له غاضبا كارها، هي فقط خائفة تسأله مرارا وتكرارا بلا توقف:.

- مالك يا جاسر إنت كويس يا حبيبي، بسم الله الرحمن الرحيم ايه اللي جرالك بس
لحظات وبدأت تلك النيران التي اندلعت في جسده تهدأ قليلا ليتنفس بعمق أشار الي الأرض أمامه ليعاود النظر لسهيلة يبتسم مجهدا:
- ابعدي احسن هدومك تتوسخ
تنفست الصعداء بعد أن فهمت موقفه يبدو أنها فقط كانت تتوهم، تظلمه، جلست جواره تردف قلقة:
- مش مهم هدومي دلوقتي المهم أنت، انت كويس ايه اللي حصلك.

أعطاها شبح ابتسامة صغيرة يحرك رأسه إيجابا يحاول طمئنتها لتمسك هي برأسه تضعه على كتفها تمسح على خصلات شعرها لتسمعه يتمتم بخفوت ناعس:
- أنا كويس، أنا بس تعبان شوية من الطريق، عايز أنام.

تعالا يا جاسر نام هنا شكلك تعبان بجد، قالتها لينا بتلهف، ابتعدت عن الفراش ليميل جاسر بجسده يتسطح على الفراش يشعر برغبة ملحة في النوم وثقل رهيب فوق عينيه ورأسه، وضع رأسه على وسادة شقيقته لترتسم ابتسامة صغيرة على شفتيه اشار للينا أن تقترب منه، فعلت ما طلب ليهمس لها بصوت خفيض ناعس:
- ريحة البرفان بتاعت زيدان مغرقة المخدة.

توسعت عينيها حرجا نظرت له مغتاظة ليقابلها بشبح ابتسامة عابثة وبعدها اغمض عينيه ونام بشكل مفاجئ، اقتربت لينا من سهيلة تمسك بيدها تجذبها لخارج الغرفة، ذهبت سهيلة لتطمئن على والدها، بينما جلست اعلي درجات السلم تنظر هنا وهناك الممرات فارغة الجميع منشغل بالأسفل يستعدون لحفل زفاف سارين، ارتسم على شفتيها شبح ابتسامة ساخرة، وكأن ليلة زفافها تعاد من جديد، كل شئ يعاد أمام عينيها للحظة سألت نفسها سؤال لم يرد على خاطرها، لو أن زيدان لم يقم بتلك اللعبة هو ووالدها هل كانت لتصبح زوجة معاذ الآن، هل أحبت معاذ لدرجة أن يصبح زوجها، حاول عقلها تصوير صورة خيالية لها بصحبة معاذ تقف جواره ترتدي فستان زفاف أبيض، باءت كل محاولاتها بالفشل عقلها لا يأتي سوي بصورة زيدان يقف جوارها بحلته السوداء ابتسامته الهادئة عينيها الزرقاء كالموج يهدئ حين يصفو ويثور حين يغضب، تنهدت تبتسم ساخرة على حالها تشعر أنها حقا باتت مثيرة للشفقة، اجفلت على حركة جوارها لتراه هو يأخذ طريقه لأسفل دون أن يلقي نظرة واحدة عليها، ولما تهتم، ربما لأن رائحة السجائر تعلق بثيابه وهي حقا ترغب فيها، استندت على راحة يدها تراقب من الأعلي ما يحدث لتراه يقف أمام عامل توصيل طلبات، يأخذ منه طرد صغير ويعطيه النقود، طرد!، تري ماذا اشتري، فضول هو فقط فضول أنثي، ترغب في أن تعرف ماذا يوجد داخل تلك العلبة المغلقة، التفت يأخذ طريقه عائدا، لتشيح بوجهها سريعا تنظر بعيدا وكأن الأمر بأكمله لا يعينها، ابتسم هو ساخرا يعرف اكثر مما تظن أنها تعرف حالها، صعد درجات السلم ليصل إليها جلس على الدرجة التي تجلس عليها جوارها مباشرة ليبدأ في فتح الطرد، وهي تختلس النظرات من جانب عينيها تكاد تتحرق شوقا لمعرفة ما في الداخل وهو يزيل غطاء الطرد ببطئ مرهق للأعصاب، لحظات ووجدته يلتقط علبة غريبة الشكل، فتحها يخرج سيجارة غريبة من المعدن عليها نقش لاسم شركة لم تستطع رؤيته جيدا، اشغل تلك السيجارة يضعها في فمه ينفس منها دخان كثيف، رائحته غريبة تشبة رائحة النعناع، رائحة مشبعة ترضي ذلك الصغير الكامن في احشائها، الآن فقط عرفت ما في الطرد، الطرد لها وليس له، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها، تحتضن جسدها بذراعيها تشعر ببروده لا تناسب حرارة الجو تتسرب لجسدها، ليتحرك هو تلقائيا يلصق جسده بجسدها انتفضت في جلستها تنظر له خائفة، لينفث هو دخان كثيف في وجهها، دخان كان كحاجز بين وجهه و وجهها، لحظات غريبة تمر عليهم، مزيج من مشاعر الحيرة والغضب والخوف والنفور تمتزج تقيدهم بأساور من نار تحرق القلوب، قيود خاصة للعشق، قاطع تلك اللحظات صوت خالد الذي صدح فجاءة يعبر عن غضبه الشديد مما يرى:.

- والله عال، ايه يا حبابيي المنظر دا، قاعدين لازقين في بعض على السلم والبيه بيشرب سجاير ما تشيش أحسن ما هي غرزة
ابتسم زيدان ساخرا، هب واقفا ينظر لخاله يبتسم، في خواء مال ناحيته يهمس ساخرا:
- بنتك بتتوحم على دخان السجاير
قالها وغادر الي أعلي بينما وقف خالد متسمرا مكانه ينظر لابنته مدهوشا لحظات طويلة قبل أن يصيح مذهولا:.

- سجاير، سجاير، ليه حامل في مسجل خطر، أنا عملت إيه يا ربي في دنيتي عشان ترزقني بالعيلة الهبلة دي، هتجلطوني يا ولاد الكلب
تركها ونزل إلي أسفل لتبتسم هي ساخرة قامت تنفض الغبار عن ملابسها تأخذ طريقها لغرفة جاسر الفارغة تود أن تستريح قليلا...

حل المساء سريعا، تسابقت عقارب الساعة في الركض لتصل للساعة الثامنة مساءا، كل في غرفته يستعد لزفاف عثمان وسارين، وقفت لينا أمام مرآة الزينة تلف حجابها ابتسمت تلتقط أحدي أدوات مستحضرات التجميل التي تملكها ما كادت تقترب بها من وجهها شعرت بها تُأخذ من يدها وصوت يأتي من خلفها مباشرة:
- القمر مش محتاج لمعان فوق لمعانه.

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها كلماته أشعبت الانثي داخلها، التفت له لتراه يقف هناك ارتدي حلته كاملة عادا رابطة العنق، تعرف أنه يستطيع عقدها ولكنه دائما ما يتددلل حتى تعقدها هي، استندت بكفيها على صدره تبتسم له ابتسامة حانية سعيدة، التحمت مقلتيها بعينيه في حديث طويل وكأن سماء عينيها اشتاقت أشد الشوق لتلتحم بصخوره الصلبة، هو عاشق مجنون عشقها بها انطلق لعنان السماء، وهي تعشق العاشق بكل عقده وجنونه، قيد من حرير يلفها بالكامل، اغمضت عينيها لحظات من الجنون العاشق تلفهم مستسلمة لطوفان عشقه الذي مهما تعلمته تبقي تلميذة لا تفقه شيئا، اجفلت تنتفض على صوت دقات على باب الغرفة حاولت الابتعاد عنه وكأنه سيتم ضبطهم بالجرم المشهود، حاولت الابتعاد ليلف ذراعه حول كتفيها يضمها لصدره التقط أنفاسه المسلوبة، يصيح بصوت عالي لاهث:.

- ايوة مين
سمع صوت أخيه يهتف متذمرا من الخارج:
- يا عم روميو سيب جوليت شوية وتعالا عايزك
سمعته يسب أخيه بصوت عالي لتتدرج وجنتيها حرجا مما قال، ابتعدت عنه تنظر له غاضبة صدمته على صدره تتمتم حانقة:
- قولتلك ما تشتمش
انثني جانب فمه بابتسامة ماكرة خبيثة يقرص وجنتها بخفة مال جوار أذنيها يهمس عابثا:
- طب البسي حجابك وحصليني.

قالها ليبتعد خرج من الغرفة يغلق الباب خلفه لتقطب جبينها متعجبة مما يقول، مدت يدها تتلمس حجاب رأسها لتتوسع عينيها في دهشة أين ذهب حجابها ألم تكن ترتديه توا، حركت رأسها يآسه من حالها قبل حاله، التقطت حجاب رأسها تشرع في ارتدائه مرة أخري..

في غرفة جاسر حيث توجد لينا، تحركت من الفراش تتلمس فستانها الأسود المخملي، ينساب بنعومة مريحة، هادئ لا يعكر صفوه الأسود اي لون آخر، التقطت فستانها تتوجه الي المرحاض، اغتسلت وارتدته خرجت من الغرفة تقف أمام مرآة الزينة تمشط خصلات شعرها تطلق له العنان، ليثور مع مشاعرها الثائرة، اجفلت تلتفت خلفها فجاءة حين انفتح الباب دون سابق إنذار وظهر صوته يقول متعجلا:
- جاسر ال...

وصمت حين سقطت مقلتيه عليها، لؤلؤة سوداء تخطف الأنظار كيف جعلت الأسود يضئ هكذا فقط لأنها ارتدته، سلبت أنفاسه حتى شعر برئتيه يصرخان يطالبان بالهواء، قلبه على وشك أن يتوقف من عنف نبضاته المتسارعة يصيح فيه أن يذهب ويعانقها والا سيكسر قفصه الصدري ويذهب هو ويعانقها، خصلات شعرها التي تتطاير بفعل نسمات الهواء، شرارات نار تحرق جسده تلهب قلبه، كيف يمكنها أن تكون فاتنة اكتر وهي في الأساس فتنة، فتنة تاه فيها ليصل لطريق التوبة، كان يعلم أن جاسر ليس في الغرفة وانها هي من في الداخل، رغب فقط في الاطمئنان عليها، وليته لم يفعل، تحركت قدميه يسير كالمسحور متوجها إليها يسير في درب لا نهاية له كل خطوة يحطوها ناحيتها للأمام يشعر بالطريق والأرض تمتد بها للخلف وكأن القدر يرفض اجتماعهم من جديد، وقفت هي متجمدة مكانها أن كان قلبه يدق بعنف، فقلبها تعب من الدق، سلبت طلته أنفاسها للحظات ربما هي هرمونات تتقلب بسبب حملها الغريب، حلته السوداء تتمزج مع قميصه الأبيض كما امتزج فستانها مع بشرتها البيضاء كالحليب نقية، عينيه الزرقاء التي تلمع في شغف تشعر بها تضئ، رائحة عطره التي لفتها بالكامل ما أن دخل، والطريق بينهم يقصر وهو يسرع في خطواته، الي أن وصل إليها وقف أمامها، يبعده عنها خطوتين، يعجز لسانه عن النطق يشعر به ثقيل، لا يرغب سوي في شئ واحد فقط أن يضمها لأحضانه يغرزها في قلبه، يحاوطها بأضلاعه قلبه يردد جملة واحدة.

« يا ضلعي الأعوج عد إلي فأنا الميت الحي ».

دون أن يعد التفكير من جديد سحق المسافة بينهم يعانقها يغرزها بين أحضانه، يتنفس بعنف لم ينطق بحرف، وهو يشعر بها ترتجف كطير صغير خائف، طير يظن أنه سقط بين شباك الصياد، ولكنه لا يعلم أن الصياد لا يريد له سوي الحرية، يريده أن يراه وهو يحلق بعيدا، ابتعد عنها بعد لحظات قليلة، كانت أكثر من كافية ليشحذ قلبه المثقل من جديد، مال يلتقط تلك السترة المخملية السوداء التي تغطي الذراعين يضعه على ذراعيها يغلق أزراره.

ليخرج من جيب حلته شئ وضعه في كف يدها
ومن ثم رحل، فتحت كف يدها تنظر لما فيها لتجد قلادة صغيرة تتوسطها شكل نبضات قلب، قربت مجسم النبضات الذهبي من عينيها لتري نقش صغير منحوت عليها جملة قصيرة
( أنتِ والنبض سيان كلاكما يبقيني حيا )
قبضت بيدها على القلادة لا تعرف أترتديها أم لاء...

على صعيد آخر قريب منهم، في غرفة لينا، خرجت سهيلة من المرحاض بعد أن بدلت ثيابها، لفستان فضي اللون مطرز بفصوص لامعة، خرجت من الغرفة تنظر للفراش حين من المفترض أن جاسر نائما عليه، قطبت جبينها متعجبة أين ذهب، لم تدم دهشتها طويلا حين رأته يدخل من باب الغرفة، يجفف شعره بمنشفه صغيرة، بدل ثيابه لقميص رمادي اللون وسروال أسود، ابتسمت ما أن رأته وعلى العكس تماما لم يرتسم حتى شبح ابتسامة على شفتيه رماها بنظرات باردة ليتوجه لمرآة الزينة يمشط خصلات شعره، زادت دهشتها بما فعل، لتقترب منه وقفت خلفه تبتسم تردف مستفهمة:.

- كنت فين يا جاسر أنا دخلت الأوضة لقيتك نايم، قولت هلبس واصحيك، إنت كويس دلوقتي
نظر لها من خلال سطح المرآة، نظرات غريبة اخفاتها، نظرات فارغة لم تفهمها ابتسم هو في برود يردف متهكما:
- بقالك ساعة في الحمام، قولت اخد هدومي واروح ألبس في أوضة زيدان
حسنا جاسر به شيئا غريب هي ليست غبية لكي لا تلاحظ ذلك، اقتربت منه خطوتين تمسك بذراعه تسأله متعجبة:.

- مالك يا جاسر فيك ايه وبعدين بتكملني كدة ليه هو أنا عملتلك حاجة ضايقتك
التفت لها مد يده يبعد يدها عن ذراعه يبتسم ابتسامة باردة سخيفة يتمتم ساخرا:
- وعايزاني أكلم ست الحسن والجمال ازاي بقى اضربلك تعظيم سلام مع كل كلمة، روحي يا سهيلة كملي لبسك...
قالها وغادر لتقف هي تنظر في أثره مدهوشة حقا لا تعرف ما حل به.

في منزل عمر السويسي، يقف في صالة منزله يتحرك متوترا يذهب ويأتي قلبه ينتفض بين أضلاعه ابنته الصغيرة ستتزوج بعد قليل، ستتركه سترحل، كيف ستعيش، تري كيف سيعاملها عثمان، أليست صغيرة على الزواج، لما وافق اذا، كان فقط يريد أن يراها سعيدة، والآن فقط يريد رؤيتها أمامه دائما، لا يريدها أن ترحل ابدااا، اجفل على صوت رنين هاتفه ليلتقطه من جيب سروال رأي رقم عثمان يضئ الشاشة ليزفر حانقا يشعر برغبة حارقة في قتل ذلك الفتي الآن فتح الخط يضع الهاتف على أذنه يغمغم متضايقا:.

- ايوة يا عثمان، لاء خلاص روح إنت، يا ابني ما هي كدة كدة مش هتجيبها من كوافير هي بتخلص البتاع اللي بيحطوه على وشهم دا هنا، اه روح واحنا هنحصلك، سلام.

اغلق الخط ليرفع يده يمسد جبينه براحته يشعر بجبينه يتفصد عرقا، اجفل على صوت باب غرفة ابنته يُفتح ليرفع وجهه سريعا وقعت ابصاره على تالا، كم كانت جميلة ملامحها فستانها حجاب رأسها، جميلة كعروس في ليلة زفافها، عدل من وضع حلته السوداء، ليتوجه ناحيتها يبتسم في شغف، وقف جوارها مباشرة ليظهرا معا في المرأة الكبيرة التي تتوسط الحائط أمامها توسعت ابتسامته ينظر لانعاكسهما معا ليغمغم مبتهجا:.

- ولا كأننا احنا العرسان، أم ما كانوش شوية الشعر الأبيض اللي مضيعين شباب الواحد
تعجب حين ابتسمت منذ آخر محادثة لهما معا لم تحادثه مرة أخري، انشعلت كثيرا بتجهيزات زفاف ابنتها، كانت تتهرب منه وهو يعلم تركها تفكر تقرر مصير حياتهم القادم، تنهد حائرا سيسألها الآن مهما كان قرارها سيتقبله، التفت ما كاد يفتح فمه يود التكلم بادرت هي تقول في هدوء:.

- أنا عارفة أنت عايز تقول ايه يا عمر بيبان على وشك، بعد فرح سارين هقولك قراري الاخير
صمتت للحظات لتبتسم في هدوء تردف:
- مش هتدخل تشوف سارين.

ابتسم متوترا يحرك رأسه إيجابا، تحرك ناحية غرفة ابنته يدق الباب سمع صوت سارة تصيح في الطارق إن يدخل، ادار المقبض يفتح الباب، توترت قسمات حين وقعت عينيه عليها تلك العروس الجالسة هناك هي ابنته، طفلته الصغيرة التي كانت تحبو قبل أيام ترتدي فستان زفافها الآن، تاج كبير مرصع يستقر فوق رأسها كأميرة وهي بالفعل أميرته، تسمرت قدميه ينظر لها فقط يحاول بشتي الطرق ردع دموعه، تقدم لداخل الغرفة، لتجذب سارة تلك الفتاة التي جاءت لتضع لهما مستحضرات التجميل، تعتذر لها بلباقة، اقترب عمر يجذب مقعد يجلس أمام مقعد ابنته يبتسم مرتبكا، ينظر لها لتدمع عينيه رغم محاولته المستميتة لردع دموعه، ابتسم يردف متوترا:.

- ااا، أنا مش عارف المفروض اقول ايه، بس صدقيني شعور بشع اوي أنك تكون أب وبنتك خلاص هتتجوز وتسيب البيت، مش هتشوفها كل شوية مش هتسمع ضحكتها وقلبك يفرح بس لفرحتها، سارين أن السبب الوحيد اللي خلاني أوافق على جوازك من عثمان اني بس عايز اشوفك مبسوطة وسعيدة، لو في يوم عثمان زعلك ولو بكلمة اوعي تخبي عليا صدقيني هتلاقيني دايما في ضهرك، يمكن ما كنتش عارف ابقي في ضهرك زمان بس هبقي موجود دلوقتي، صدقيني يا بنتي أنا ما عنديش في حياتي أغلي منك انتي وسارة وتالا، انتوا حياتي كلها...

انهمرت دموع سارين تغرق وجهها لتندفع ناحية عمر تطوق عنقه بذراعيها، ضمها هو لصدره يشدد على عناقها، يشبع قلبه منها قبل أن ترحل، لحظات طويلة قبل أن يبعدها عنه يسمح دموعها بكفيه برفق، قبل جبينها يتمتم مبتسما:
- يلا يا حبيبتي عثمان مستنينا من بدري في بيت عمك.

جذبها برفق ليعقد ذراعها في يده، يخرج معها من الغرفة، لتطلق تالا زغرودة عالية منذ عدة أيام وهي تتدرب عليها، لتنجح اخيرا في إطلاق سيمفونية صوتية مزعجة للغاية.

توقفت سيارة عمر في منتصف فيلا حديقة فيلا خالد قرابة الساعة التاسعة والنصف تماما، يجلس عمر بالمقدمة جواره تالا وسارة وسارين في الخلف، نزل عمر اولا يفتح الباب لتالا اقترب يفتح الباب المجاور لابنته ليجد عثمان يقترب منهم، بحلته السوداء، على وجهه ابتسامة واسعة ولكنها متوترة، رأي عمر توتره جيدا فقط من ابتسامته ليترك له المجال، مد عثمان يده يفتح باب السيارة المجاور لسارين لتتوسع ابتسامتها ما أن رأته بينما اختطفت هي أنفاسه ما أن وقعت عينيه عليها، تبادلا ابتسامة عذبة عرفت طريقها للقلب قبل الشفاه مد يده يجذبها برفق من داخل السيارة جذبها لتنحني ناحيته فقبل هو جبينها، ومن ثم الي الداخل توجها...

في غرفة الصالون الكبيرة في فيلا خالد السويسي، الجميع مجتمع خالد يقف جوار لينا يلف ذراعه حول خصرها، رجل وقور بجبة وقطفان يجلس في المنتصف بين عمر وعثمان، والكثير من المقاعد تجلس تالا جوار ابنتها ومن الناحية الأخري تجلس سارة، على ولبني يجلسان متجاوران على المقعد المجاور للاريكة التي يجلس عليها عثمان ابتسامة واسعة تغطي ثغرهم كل منهم، اما زيدان فيقف بعيدا يستند بكتفه الي عمود من كبير من الجرانيت يراقب ما يحدث ينظر لذلك المشهد امامه ليبتسم متألما ذكري قريبة كانت سعيدة وكالعادة تحطمت سعادته، نظر حوله يبحث عنها، أين هي، رأي الجميع حتى سهيلة التي تجلس جوار العروس مباشرة والجاسر الواقف هناك يحتسي كوب عصير، الجميع حاضر الا هي، الجميع يهتم بما يحدث وهو لا يهتم الا بها، نظر لسلم البيت ينظر له متلهفا قلقا، لحظات قليلة ورآها تنزل بخطى بطيئة متهملة، راقبها قلقا عليها من أن تتعثر، رفع عينيه سريعا ينظر لجيدها يبحث عن القلادة ليبتسم ساخرا بالطبع لم ترتديها، وقفت جوار السلم تراقب ما يحدث بابتسامة ذابلة ليستغل هو تلك الفرصة ليتقرب منها، اقترب يتجه ناحيتها، ليخرج السيجارة يضعها في فمه ينفث منها ببطي وقف جوارها يحاول أن يقترب منها بحذر، الي أن بات يفصلهم فاصل صغير بالكاد يمر منه الهواء، تنهدت ساخرة تعرف ما يفعل ولكنها لم تعد تقدر حتى على الكلام...

عند لينا اقتربت من خالد قطبت جبينها تهمس له قلقة:
- خالد زيدان بيشرب جنب لينا، دا غلط عليها
ابتسم خالد ساخرا ليلتف برأسه ينظر لابنته وزيدان ليعاود النظر لزوجته لف ذراعه حول جسدها يقربها منه أكثر بتمتم متهكما:
- انتي مش عارفة بنتك بتتوحم على السجاير
توسعت عينيها مدهوشة مما يقول ليضحك عاليا بسخرية يردف:
- الحمل اتغير عن زمان يا لينا.

حل الصمت حين حمحم المأذون بهدوء ليصغي له الجميع يوجهون أنظارهم ناحية الأريكة ومن يجلس عليها، كان الجميع يبتسم عداها هي، كلمات المأذون وهو يعقد القران إعادتها لذكري زفافها، أكانت ذكري سعيدة، هي حتى لا تتذكر، ربما وقتها لم تكن تكره زيدان كانت مخدوعة بوجهه البرئ الناعس، اعطته نفسها قلبا وروحا ليدمر كل شئ وينتهي الحال باكتشافها لخدعته، اجفلت مع جملة عثمان الأخيرة ( قبلت زواج موكلتك سارين عمر محمود السويسي )، ليبتدل المشهد بالكامل رأت زيدان يجلس مكان عثمان وعلى الجانب الآخر كان يجلس والدها وزيدان يردد نفس الجملة.

( قبلت زواج موكلتك لينا خالد محمود السويسي )
لتصرخ بأعلي صوتها ترفض ما يحدث:
- لاااا لااااا، ما توافقش، أنا مش موافقة، هيأذيها زي ما اذاني
صمت مخيف طغي على المكان لتتوجه نظرات الشك والاتهام ناحية عثمان!، الذي أصفر وجهه بأي مصيبة تلقيه لينا في ليلة زفافه، حمحم زيدان حرجا من الموقف بأكمله يحاول أن يقل شيئا يمرئ به ما فعلت، ابتسم يقول في هدوء:.

- معلش يا جماعة لينا والحمل، أعصابها تعبانة بس شوية، تعالي يا حبيبتي
امسك رسغ يدها يجذبها خلفه إلي المطبخ وهي.

لم تعترض فقط مستسلمة لتيار الحيرة الذي يجرفها رغما عنها، لم تكن هي الوحيدة التي يهجامها شعور الحيرة، التخبط، القلق، ففي الغرفة بالأعلي، وقفت بدور أمام مرآة زينتها تنظر لانعاكسها قلبها على وشك ان يتوقف من عنف نبضاته، بعد لحظات ستصبح زوجة حمزة، هل هي حقا سعيدة راضية ترغب في تلك الزيجة، وهل تسأل نفسها الآن، هي راضية وهذا يكفي ويزيد لتمضي قدما، ما يعصر قلبها ألما حقا خالد والدها، ليست ابنته حقا ولكن ما قدمه لها طوال تلك السنوات أكثر بكثير من رابط دم لا جدوي منه عند الكثيرين في هذه الأيام، نظرت للفراش خلفها خالد الصغير يرتدي حلته يقفز فرحا على الفراش، والصغيرة سيلا بفستانها الأبيض الجميل كالفراشة تركل بساقيها في الهواء، ابتسمت تنظر لطفليها حمزة سيكون أب جيد لهما، اجفلت من شرودها على صوت دقات على باب الغرفة تلاه صوته المميز:.

- درة خلصتي المأذون تحت بقاله شوية...
تسارعت أنفاسها، ارتجف جسدها برودة قارصة تسري بأوصالها، تشعر بأنها زيجتها الأولي حمحمت تحاول إيجاد صوتها حين عاد يتحدث من جديد:
- درة ممكن ادخل
حركت رأسها إيجابا وكأنه سيراها لتردف بصوت ضعيف متوتر لا تعرف حتى كيف التقطتته أذنيه:
- ايوة خلصت...

لم ينتظر أدار المقبض يفتح الباب، كان تتوقع أن تري نظرة اندهاش وانبهار على وجهه، لكن جل ما حدث أن رأت خضراء عينيه تلمع للحظات ليعطيها ابتسامة هادئة، توجه ناحية الفراش يحمل الصغيرة سيلا من فوقه، انزل خالد الصغير بخفة ليمسك بكف يده عاد ينظر لها يقول مبتسما:
- يلا بينا.

التقطت أنفاسها تحرك رأسها إيجابا، ليتقدمها يحمل سيلا على أحد ذراعيه ويمسك خالد بيده الاخري، نزلا في الوقت المناسب ها هي سارين تخط توقيعها على عقد قرانها، الكثير من أصوات الزغاريد تملئ المكان، بينما أغلق المأذون دفتره قام ليغادر يقول مبتسما:
- زواج مبارك إن شاء الله، عن اذنكوا.

استني يا شيخنا لسه في جوازة تانية: قالها حمزة بهدوء تام لينظر خالد له غاضبا، يرمي بدور بنظرة حارقة لتخفض رأسها أرضا تبلع لعابها الجاف خائفة، التفت المأذون لحمزة يقول مبتسما:
- وماله يا إبني بس بسرعة ارجوكوا عشان عندي فرح تاني في 6 أكتوبر.

قام عمر من مكانه ليجلس حمزة بدلا منه بينما ابتعد عثمان بمقعده عن الجمع يجلس جوار مقعد سارين يمسك بيدها يشبك أصابعه بخاصتها رفع كف يدها يقبله يبتسم سعيدا، بينما كان يقف عمر هناك عاي صفيح ساخن يشعر بالغيرة تحرق اوصاله، عاد المأذون لمكانه ينظر لحمزة يقول متعجبا:
- فين وكيل العروسة.

هي وكيلة نفسها، نطقها حمزة بهدوء ينظر لبدور يشير لها أن تجلس، وقفت متجمدة للحظات لتحرك رأسها نفيا تنظر لخالد تكاد تبكي ليشيح بوجهه بعيدا غاضبا مما يحدث، اقتربت منه تهمس ؤصوت خفيض مختنق:
- بابا عشان خاطري
لم ينظر ناحيتها ظل ينظر بعيدا ملامح وجهه متشنجة غضبا، يرغب في صفعها بقوة، يرغب فئ أن يضمها ويبكي، ابتلع غصته الخانقة يغمغم ساخرا:.

- لاء يا بدور، أنا مجرد ما احط ايدي في ايده واجوزك ليه، مش هينفع ابقي بابا تاني، هبقئ خسرت بنتي تاني...
امسكت بيده تحرك رأسها نفيا تنساب دموعها لتهمس بصوت خفيض باكي:.

- لاء يا بابا ما تقولش كدة، أنت هتفضل طول عمري بابا اللي رباني وكان جنبي وفي ضهري من وأنا عيلة صغيرة، بيمنع عني كل اذي، بيحميني ويحافظ عليا، ما تقولش كدة ابداا، لا أنت ابويا بالدم ولا اسمك ورا اسمي في البطاقة، أنت أكبر من كدا وهتفضل في حياتي لآخر يوم في عمري
ابتسم متألما يحاول إخفاء دموعه لن يبكي وسط جموع الناس ابدا، التفت لها يمد يده يمسح دموعها المتساقطة يردف بنبرة مرح باهتة:.

- أنا لما قولتلك يروح قرد يجي زين الرجال ما كنش قصدي على الراجل دا...
ضحكت بدور حزينة تنظر له ممتنة ليتنهد يآسا ماذا يفعل، أمسكت بكف يده تجذبه معها ليجلس على الجانب الآخر من المأذون، مد حمزة يده تردد للحظات قبل ان يمد يده يضعها في يد أخيه يردد بأحرف ثقيلة خلف المأذون إلي انتهوا بجملة المأذون المعتادة
( بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ).

وقف حمزة يعانق اخيه يبتسم سعيدا ليشدد خالد على عناقه يربت على ظهره بخفة يوصيه على طفلته:
- خلي بالك منها، ورحمة أبوك يا حمزة ما تزعلها، كفاية اللي شافته من الحيوان أسامة
ابتعد حمزة عن أخيه يبتسم له مطمئنا يحرك رأسه إيجابا، ليخطو خطاه ناحيتها وقف أمامها يبتسم في هدوء ليميل يقبل جبينها...
شعر بارتجافتها ليبتسم سعيدا، بينما يقف خالد يراقبهم يعلو ثغره ابتسامة حزينة يتمني فقط، إن يكن حمزة هو العوض لها...

دقائق وخرج الجميع الي الحديقة المزينة، عثمان يجلس جوار سارين في ( الكوشة ) المزينة لهما، عدة طاولات لباقي أفراد العائلة، زفاف عائلي لم يكن به الكثير، اقتربت الكاميرا من عثمان الذي مال ناحية إذن سارين يردف مبتسما:
- مبسوطة
حركت رأسها إيجابا سريعا تبتسم بتوسع تردف متحمسة:
- اوي اوي، بجد الفرح جميل، بس غريب اوي اللي لينا عملته
تنهد حائرا يحرك رأسه إيجابا هو الآخر تعجب مما فعلت عاد ينظر لها يهمس مبتسما:.

- فعلا، بس زيدان بيقول أعصابها من الحمل، عقبال لما أعصابك تتعب زيها
غمزها بطرف عينيه لتحمر وجنتيها خجلا تصدمه على كتفه تتمتم غاضبة:
- على فكرة إنت قليل الادي وأنا مش هتجوز واحد قليل الأدب اتفضل طلقني حالا
تعالت ضحكاته تشق المكان، لتبتسم لبني تلقائيا وهي تستمع لضحكات طفلها، بينما اقترب هو برأسه منها تنهد يردف حذرا:
- اكيد نفسك ترقصي مش كدة.

نظرت له تبتسم في رفق لتحرك رأسها نفيا، صحيح أن في تلك اللحظة تحديدا مر امام عينيها مشهده وهو يراقص تلك الحية ليلا، ليشتعل قلبها حزنا الا أنها حركت رأسها نفيا تقول ببساطة مبتسمة:
- أنا اصلا ما بعرفش ارقص وما بحبش الرقص...
ابتسم من جديد ليميل يقبل جبينها يتحدثات معا في حياتهما القادمة.

انهت كوب العصير الثاني الذي جلبه لها منذ أن دخلا الي المطبخ وهي تجلس على الطاولة ترتجف بعنف مخيف، خاف من أن يقترب منها فتزداد حالتها سوءا، ليجلب لها كوب عصير أناناس يعرف أنها تحبه، وهل هناك شئ تحبه او تكرهه وهو لا يعرفه، امسكت الكوب بايدي مرتعشة ترتشف منه بشراهة وكأنها كانت تركض فئ صحراء لا نهاية لها، ليعاود ملئه من جديد، لترتشفه من جديد، تنهد حزينا على حالها ليجلس على ركبتيه أمامها ابتسم يقول مترفقا:.

- انتي اللي بتعذبي نفسك، صدقيني الفرصة دي هتفيدك هتخلصك من الحيرة والعذاب اللي عايشة فيهم، حبنا ما يستاهلش فرصة تانية، حياتنا، اللي في بطنك ما يستاهلش أنه يعيش حياة طبيعية بين أب وأم بيحبوا بعض، صدقيني يا لينا، أنتي محتاجة الفرصة دي
لم تجبه فقط نظرت له ناقمة غاضبة، ليقم هو من مكانه ينفض الغبار عن ملابسه...

على صعيد آخر، سارة تجلس على طاولة قريبة من ( كوشة )العروسين تنظر لهما تبتسم سعيدة، تتخيل نفسها هي الاخري ترتدي فستان زفاف أبيض ولكن تري من هو العريس، اجفلت عند تلك الفكرة تحديدا حين شعرت بأحدهم يجلس جوارها وصوته الذي تعرفه جيدا يقول:
- هيييح وتينة غصة الافنان باسقة، قالت لأترابها والصيف يحتضرُ...

نظرت جوارها سريعا مدهوشة لتراه ذلك الطبيب المجنون حسام يتأنق بحلة باهظة الثمن يجلس على مقعد مجاور لها متي اتي وكيف لا أحد يعلم، ومنذ متي وهي تعلم، دائما ما يظهر في حياتها فجاءة اجفلت من شرودها للمرة الثانية حين مد يريد مصافحتها يقول مبتسما فئ اتساع:
- بخيت مهيطل رجل أعمال...

طريقته وهو يقولها جعلتها تنفجر في الضحك وضعت يدها على فمها تكبح ضحكاتها، بينما توسعت ابتسامته يشعر بقلبه يطرب فرحا لضحكاتها، مال ناحيتها قليلا يغمزها بطرف عينيه اليسري يغمغم في مرح يحمل خلفه الكثير:
- أنتي مش عايزة تطلي بالأبيض بقى يا زهرة نيسان
تخضبت وجنتيها خجلا، خرجت منها ضحكة خفيفة لتحرك رأسها نفيا تقول بامتعاض:
- لاء.

استفزه ردها كثيرا ومع ذلك لم يغضب هو ليس بالشخصية سريعة الغضب، مهنته كطبيب عملته جيدا كيف يضع أعصابه في ثلاجة باردة، مال ناحيتها من جديد يغمغم ساخرا:
- طب طلي بالأسود يا زهرة البنتجان.

كانت طرفة سخيفة ولكنها انفجرت في الضحك، ضحكات عالية تردد صداها، ليلتف عمر برأسه ينظر لها غاضبا، اخفت ضحكاتها سريعا تضع يدها على فمها تنظر لوالدها متوترة، ترك عمر الجمع الصغير الذي يقف فيه ليقترب ناحيتها يرميها بنظرات غاضبة حانقة ما كاد يقترب ناحيتها وقف حسام سريعا يقف حاجزا بينهما مال ناحية عمه يغمغم بصوت خفيض مرح:.

- بنتك ضحكتها عايزة كاتم للصوت فأنا رأيي أن تقتلها قبل ما تفضحكوا، او تجوزهالي قبل ما افضحكوا أنا
توسعت عيني عمر في دهشة ينظر للواقف أمامه في صدمة الجمت لسانه عن الكلام، لحظات وجذب يده بعيدا عن ابنته قبض على ذراعه يهمس له غاضبا:
- اسمع ياض يا ابن خالد، أنا صحيح لسه مش عارف أنت ابنه ازاي، بس حركات ابوك دي مش عليا، أنا لسه مجوز سارين النهاردة وأنت جاي عايز تتجوز سارة إنت كمان النهاردة.

ابتسم حسام في توسع يغمغم ببساطة:
- بكرة طيب اجيلك بكرة ولو يومك النهاردة مزحوم
أحمر وجه عمر غضبا ينظر للواقف أمامه حانقا:
- نفس حركات ابوك المستفزة، لا النهاردة ولا بكرة ولا السنة الجاية، ما عنديش بنات للجواز
وهنا فقط هنا تخلي طبيب المحترم واطلق العنان لذلك الشرس بداخله امتعضت ملامحه غضبا ليهمس بصوا غاضب محترق:.

- ليه يا عمي، يعني ترفضني أنا وتقبل عيل من العيال التوتو، دا أنا حتى ابن عمها والدم عمره ما يبقي ماية، دا حجا اولي بلحم طوره يا جدع
نظر عمر مشمئزا ليتمتم بقرف:
- طوره وجدع، لاء لاسع فعلا واخد أبوك كربونة
بابا تعالا يلا عشان نتصور أنا وأنت وماما، جاء صوت ابنته العالي من عند ( الكوشة ) ليلتفت لها يبتسم في اتساع يحرك رأسه إيجابا عاود النظر لحسام ليقبض على تلابيب ملابسه يهمس له محتدا:.

- ولا على الله اشوفك جنب سارة تاني هقول لابوك يعلقك، عيال تقرف
قالها ليغادر سريعا متجها لابنته، ليبتسم حسام في اتساع يدس يديه في جيب سرواله يتمتم ساخرا:
- مشي من غير ما يقولي الفرح امتي
اخذ طريقه عائدا الي طاولة سارة ليعاود الجلوس عليها من جديد تنهد بحرارة يردف:
- هيييح وتينة غصة الافنان باسقة، قالت لأترابها والصيف يحتضرُ، قولتيلي بقى مش عايزة تطلي بالأبيض ليه يا زهرة نيسان.

التفت تنظر ناحيته غاضبة لتبتسم ببلاهة وتتسع ابتسامته اكثر، رفع حاجبه الايسر مستهجنا ما فعلت ليلاحظ أنها تنظر خلفه مباشرة، التفت خلفه ليري شاب يبدو في العشرينات لا ينكر أنه وسيم طويل القامة التفت ينظر لها حانقا حين سمع تنهيدتها الحارة، بسط راحته أسفل ذقنه يتمتم ساخرا:
- ودا مين دا بقى يا حبيبتي توم كروز.

عادت تتنهد من جديد تبتسم بحالمية، نست او ربما تناست الجالس بجانبها لتطلق العنان للسانها تخرج ما يجيش بقلبها:
- هيييح دا غيث ابن عمتو ياسمين وعمو فارس، كان مسافر لندن ولسه جاي امبارح، بس ايه مز اوي طويل كدة وعنده عضلات وشعره بني، وتنك تناكة ما بيتكلمش اكتر من كلمتين و...
صمتت تماما تفغر فاهها على آخره حين ادركت مع من تتحدث هي نظرت لها وجهها اصفر من الصدمة لترتسم ابتسامة ساخرة على شفتيه يردف مستهجنا:.

- ما تكملي وقفتي ليه ما انتي بتكلمي سوسن صاحبتك، أما ربيتك يا سارة.

القي وعيده الأخير، ليتركها ويغادر يبدأ التجول بين أنحاء الحفل، بينما هناك كالصقر أعين تراقب في هدوء كل ما يحدث، جميع من في الزفاف هو يعرفهم الا ذلك الشاب، ذلك الفتي به شبه ملحوظ من زوج ابنتها، يتعامل باريحيه شديدة في المكان، وكأنه مالكه، محادثته السرية مع عمر بعيدا، حركات وتعابير وجهه وهو يتحدث مع سارة تشبه حركات خالد لحد كبير، غيث هنا ذراعه الأيمن جاء، اشار جاسم له ليقترب غيث منه يميل برأسه ناحيته يهمس له بخفوت:.

- خير يا جدي
اشار جاسم الي حسام الذي يتحرك هنا وهناك، ليعاود النظر لغيث يأمره في حدة:
- شايف الواد دا، عايز في أسرع وقت كل المعلومات عنه قصة حياته، الحاجات اللي هو نفسه ما يعرفهاش عن نفسه، ودي مش حاجة صعبة عليك اعتقد
حرك غيث رأسه إيجابا سريعا يعاود النظر للرجل...

في تلك اللحظات خرجت لينا وزيدان يمسك بيدها، ابتسمت والدتها سعيدة تدعو في نفسها أن يكونا تصالحا، بينما ارتاب خالد يشعر بأمر خاطئ، هل حقا سامحت ابنته!

دون حديث توجه زيدان بصحبة لينا إلي منتصف ساحة الرقص، جعلها تلف ذراعيها حول عنقه ليطوق خصرها بذراعيها يتحرك معها على أنعام الموسيقي الهادئة تغمض عينيها راحة قصيرة من صراعها الدائم، الجميع ينظر لهم يبتسم حتى العروسان، غصة عصفت بقلب عثمان وهو يتخيل نفسه مكان زيدان وسارين مكان لينا، يراقصها
جذب خالد زوجته الي ساحة الرقص، ليكن قريبا من ابنته، نظر لزيدان قلقا ليقابله الأخير بنظرة هادئة يطمئنه...

اسندت لينا رأسها على كتف زيدان كأنها تلقي ما بها من خوف عليه، وهو لن يعترض، تفكر، هي لم تخبره أنها وافقت على إعطائه فرصة أخري جل ما قالته جملة غريبة ليست مناسبة بأي حال من الأحوال:
- أنا عايزة ارقص.

بالرغم من أنها جملة غريبة الا أنه تنهد يآسا يحرك رأسه إيجابا، ليصطحبها للخارج، كان غارق في عالمه معها يُمني نفسه بأنها خطوة جيدة في طريق مسامحتها له، فتح عينيه مصادفة ينظر لباب المنزل ليقف متجمدا مكانه ينظر لذلك الذي دخل للتو على وجهه ابتسامة واسعة مستفزة، تعالت دقاته الغاضبة، لتبتعد هي عنه متعجبة مما فعل، لاحظت غضبه لتنظر الي ما ينظر، معاذ جاء كيف نست أنه سيأتي، زيدان لن يدع الأمر بخير ابدا، التفت هو لها في تلك اللحظة يرميها بنظرات نارية حارقة شد على أسنانه يسألها محتدا:.

- مين اللي عزمه، ايه اللي جابه
صمتت للحظات لا تعرف بما تجيب التقطت أنفاسها تخفض رأسها أرضا بلعت لعابها الجاف تهمس بكلمة واحدة:
- أنا
طعنة من خنجر مسموم أصابت قلبه نيران التحمت بأوصاله هي من فعلت، قبض على ذراعيها يصرخ بكل ما يعتري قلبه من غضب:
- أنتي، لييييييييه، ليييبيييه، عايزة ايه تاني، اعملك ايييييييييه، كل مرة بقول همشي وبرجع، همشي وبرجع، عشان.

أنا بحبك ما قدرتش في حياتي غير اني أحبك بكل ذرة في روحي، ليييييه، هفضل اتعذب لحد أمتي...
اندفع خالد يجذب زيدان بعنف بعيدا عنها يصرخ فيه غاضبا:
- أنت اتجننت يا زيدان أبعد عنها
وهنا بلغ الغضب بزيدان مبلغه، شعر برأسه تفور من الغضب وكأن حمم تشتعل بها ليصرخ بأعلي صوته:
- أنا فعلا هبعد، هبعد خالص، انتي طالق يا لينا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة