قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل التاسع والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل التاسع والستون

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل التاسع والستون

أنتِ طالق يا لينا...

كلمة تردد صداها في أرجاء المكان، كلمة كانت كصاعقة حل بها صمت مخيف طغي على الجميع، الجميع صامت مذهول وكأن على رؤوسهم الطير، تتوجه أنظارهم جميعا ناحية ساحة الرقص ينظرون لما يحدث بدهشة عقدت ألسنة الجميع عن النطق بحرف، زيدان طلق لينا، الجميع يعرف أنه العاشق لزوجته، زواجهم لم يكمل عدة أشهر، كانت ترقص بين أحضانه قبل لحظات والآن طلقها، كيف يحدث ذلك، جحظت عيني لينا للحظات طويلة يملئها الذهول، الصدمة، لا تصدق أنه نطقها، طلقها، أخذت حريتها التي إرادتها ولكن لا تعرف لما في تلك اللحظات رغبت وبشدة في أن تعد لقيد عشقه الخاص، قيد من حرير يلف قلبها، قيد لا يؤذي بل يحمي، حين رفعت وجهها تلاقت عينيها بعيني ذلك الواقف، استطاعت أن تري حدقتيه تصرخ ألما بينما كانت ملامحه جامدة فارغة، صدره يعلو ويهبط بسرعة يبدو أنها يحاول بإستماتة كبح جماح غضبه، يكور قبضته يشد عليها، لحظات ورأته يرفع سبابته يشهرها أمام وجهه وسمعت نبرة صوته الحادة المعذبة:.

- من أول نفس لآخر نفس في علاقتنا وأنا دايما بدي وما كنتش مستني إني أخد مقابل كان يرضيني ويسعدني ضحكتك بس ضحكتك، أنا دايما مستعد أتنازل عن كل حاجة عشان خاطرك، انما انتي ما اتنازلتيش حتى عن فرصة تانية، فرصة واحدة، استكرتيها عليها، وما استكرتش عليكي عمري كله، من اللحظة دي انتي برة حياتي لو هموت مش هتدخليها تاني، كفاية اوي كدة، عن إذنك، يا بنت خالي.

قالها ليوليها ظهره ويلتفت يغادر المكان بأكمله صاح حسام باسمه قلقا ليلحق به، وقف الجميع ينظرون لها باسي مسكينة لينا، يبدو أن شرخا حادا حدث في علاقتها بزيدان، ولكن يا تري ما حدث، هرولت لينا ناحية ابنتها تعانقها لتقف الأخيرة متجمدة بين ذراعي والدتها لم تزرف دمعة واحدة، فقط جامدة كتمثال من حجر، ليظهر على مرمي بصرها معاذ وهو يرحل هو الآخر، نظر لها حزينا مشفقا على حالها ليغادر بعدها، الوقت ليس بملائم على اي حال ليطلب ما يريد، نقلت انظارها هنا وهنا وهناك تنظر لجموع الناس التي تنظر لها مشفقة حزينة، نظرت لجاسر تستجديه بنظراتها أن يقترب منها، ليفهم هو حالها اقترب منها لتبتعد عن أحضان والدتها تلجئ لصدره تتشبث بقميصه كأن طوق نجلتها الوحيد في الدنيا، دفنت وجهها في صدره بأحرف ضعيفة مبعثرة خرجت من بين شفتيها:.

- أنا عايزة أنام يا جاسر، عايزة أنام.

دون كلمة اخري رفعها بين ذراعيه يتجه بها لداخل المنزل تلحقه سهيلة ولينا يهرولان خلفه، وقف خالد مكانه يتحايل على نفسه أنه صامد وهو على شفي الانهيار، ليس من الهين عليه ما يحدث، وكأن الدنيا بأكملها تعانده، رفع وجهه يبحث عن عون عن يد أحدهم تشد من ازره تواسيه، أين محمد في تلك اللحظات، من سيشد من ازره الآن ويخبره بجملته المعتادة ( اجمد يا خالد )، اجفل على يد توضع على كتفه نظر جواره سريعا متلهفا ليبتسم كطفل صغير رأي ابيه حين وجد صديقه يقف جواره يشد على كتفه بقبضته يهمس له بصوت خفيض حتى لا يسمعهم أحد ( اجمد يا صاحبي أنت اجمد من أنك تقع دلوقتي ).

اغمض عينيه يحرك رأسه إيجابا، ارتسمت على شفتيه شبح ابتسامة شاحبة، ما حدث في الزفاف جعلهم ينهوا الأمر سريعا استقلت سارين سيارة والدها جوارها عثمان وفي الإمام والديها، وسارة ذهبت مع على ولبني، ما إن بدأ الجميع في الرحيل توجه هو الي غرفة مكتبه يغلق الباب عليه من الداخل تهاوي على اريكة كبيرة في الغرفة يخفي وجهه بين كفيه لم يستطع السيطرة على دموعه فانسابت بعنف تغرق وجهه لحظات وبدأت تعلو شهقاته، وضع يده على فمه يمنع صوت بكائه، قلبه يتفتت لما يجب أن تلاقي ابنته كل ذلك العذاب، لما لا ينتهي الأمر فقط بسلام وتعد لزوجها وتستقر بينهما الحياة، لما عليها أن تلاقي العذاب، وزيدان هو على اتم ثقة الآن أن قلبه يتجرع العذاب كأسا، يعرف كم يحبها، الحياة لا تتوقف عن تلقينه دروسا كل منهم أشد قسوة من الآخر، قام من مكانه متوجها ناحية مكتبه يخرج من درجه الاول دفتر صور كبير اخذه وعاد للأريكة، يفتحه يتصفح أوراقه ينظر للصور فيه توقف عند صورة ما للينا وهي تحمل الصغيرة، كلتاهما يضحكان، الكثير من الصور لهما، بين صفحات المجلد، ارتسمت ابتسامة شاحبة معذبة على شفتيه من يصدق أن تلك الصغيرة صاحبة الابتسامة البريئة ستلاقي كل تلك المعاناة، اجفل على صوت الباب حين انفتح ودخل محمد، توجه يجلس جواره يتنهد حزينا على حال صديقه، مد يده يربت على كتفه يقول مبتسما:.

- أنا ظبطت الدنيا برة ما تقلقش، ياسمين كانت عايزة تدخل تشوفك بس أنا قولتلها انك تعبان دلوقتي، ما فضلش غير جاسم وغيث برة...
حرك رأسه إيجابا ومحمد يتحدث يخبره ما حدث بالخارج وهو في عالم آخر شارد تماما، يحرك رأسه بآلية مخيفة وكأن عقله انفصل عن جسده وفر هاربا، لم يخرجه من بحر معاناته سوي يد صديقه الذي جذبه يعانقه ليتمسك به يبكي وينتحب كطفل صغير خائف تتعالي شهقاته:.

- أنا ما كنتش عايز يحصل فيها كدة، لو اعرف انها هتتعذب كدة ما كنتش جوزتهم، والله ما كنت جوزتهم، أنا حاسس اني هموت يا محمد ما بقتش مستحمل المشاكل اللي نازلة على دماغي من كل حتة، تعبت هو أنا مش مكتبولي ارتاح...
ابعده صديقه عنه يمسك بذراعيه بعنف يشد عليه يحادثه محتدا:.

- مالك يا خالد من امتي وأنت ضعيف كدة، ولا كبرت وعجزت، كان بيقع على دماغك اكتر من كدة ألف مرة، فاكر مرة عربيتك اتسرقت واتحولت للتحقيق بسبب أنك غبت شهر وما حدش عارف عنك حاجة والحاجة زينب كانت مقطاعك، ومش لاقي لينا، وأبوك كان طاردك من البيت حرفيا، فاكر لما اتقابلنا قولتلي ايه
خرجت ضحكة خفيفة من شفتي خالد رغما عنه حين تذكر ذلك الموقف ليتمتم من بين ضحكاته:
- عايز اكل رز وبطاطس.

ما إن نطقها انفجر محمد في الضحك يتذكر ذلك الموقف القديم لحظات ووجد خالد نفسه ينخرط هو الآخر في الضحك، حين تذكر تعابير صديقه في ذلك الموقف القديم حين أخبره صارخا
(رز وبطاطس ياللي ما عندكش ريحة الدم، دا أنت مطرود من كل حتة وتقولي رز وبطاطس من غير ما تطلب معاهم كفتة )
ادمعت عينيه من كثرة الضحك ليمد يده يمسح ما سقط من دموعه يا لها من ذكريات مشرفة في حياته، تنهد تعبا يمسح وجهه بكف يده يغمغم تعبا:.

- يا ريتنا ما كبرنا يا أخي، طول ما هي المشاكل على دماغي بتحصلي أنا، كنت بعديها، إنما لما تبقي عند مراتي وبنتي بحس ان ضهري بيتكسر عشان ما عرفتش احميهم، ما عرفتش ابعد عنهم المشاكل...
اعتدل محمد في جلسته يربت على ساق صديقه يردف في هدوء:.

- ما حدش ما عندوش مشاكل يا صاحبي أنت ما تقدرش تمنع عنهم المشاكل مهما عملت، صدقني هي بتبقي فترة الخيوط كلها بتتعقد وبعدين بتلاقي كل حاجة بتتحل لوحدها، صحيح عملت ايه مع شهد
التفت برأسه لصديقه زفر أنفاسه يحرك رأسه إيجابا يردف تعبا مهموما:.

- عرضت التحاليل بتاعتها على مستشفي كبيرة في لندن، وخليت حسام يجبلي الباسور بتاعها على اساس اني هاخدها ونسافر نتفسح، واديني اهو بتواصل مع المستشفى عشان يحددولنا ميعاد للسفر، أنا ناوي اطلقها بعد ما تعمل العملية على الأقل ابقي كفرت جزء من غلطتي في حقها
ابتسم محمد بهدوء يشجعه ليعتدل سريعا في جلسته يحاول تحفيزه:.

- طب كويس جدا اهو، وبعدين زيدان ولينا شباب وطايشين، وانت سيد العارفين يومين تلاتة وحالهم هيتصلح ويرجعوا لبعض، ما تكبرش المواضيع يا صاحبي، حاول تاخدها ببساطة، بقولك ايه تعالا ناكل رز وبطاطس
ابتسم خالد ساخرا لا يعرف أيسخر من حديث صديقه أم من نفسه على ما يحدث له.

في الخارج جلس غيث جوار جاسم في صمت تام اقترب غيث من جاسم يهمس له متعجبا:
- ايه اللي حصل دا يا جدي
احتدت عيني جاسم ينظر للفراغ غاضبا ليتمتم محتدا:
- أنا واثق أن في كارثة حصلت بين لينا وزيدان، والا ما كنش طلقها كدة وسط الناس، أكيد في حاجة كبيرة حصلت، والاكيد بردوا أن رفعت ليه ايد في اللي حصل
توسعت عيني غيث في دهشة يتمتم مذهولا:
- رفعت!، لا يا جدي ما افتكرش ابداا، زيدان حفيده هو أكيد مش هيأذي حفيده.

ابتسم جاسم ساخرا، لا أحد يعلم الي مدي يمكن أن تصل حقارة رفعت سواه هو، التفت برأسه لغيث يتمتم آمرا:
- سيبلي موضوع رفعت دا أنا هعرفه، أنت بكرة مسافر مع جاسر، عايزك تاخد بالك كويس من صبا احسن الواد دا يرجع يلف عليها تاني، وتجبلي المعلومات اللي طلبتها منك عن اللي اسمه حسام دا
ابتسم غيث في ثقة يحرك رأسه إيجابا...

صعودا الي أعلي، في غرفة لينا السويسي، وضع جاسر لينا على فراشها لتحضتن جسدها بذراعيها تضم ركبتيها لصدرها ترتجف، جسدها يهتز بعنف رغم ذلك لم يسقط من عينيها دمعة واحدة حتى أن جاسر صرخ فيها خائفا عليها:
- لينا عيطي ما تعمليش كدة في نفسك هيجرالك حاجة
حركت رأسها نفيا بعنف ترتجف تتنفس بعنف، اقترب والدتها منها تأخذها بين أحضانها تتساقط دموعها هي تحادثها بهمس حزين:.

- اهدي يا لوليتا، خلاص، الموضوع من الأول كان غلط، وخلاص خلص ما تعمليش في نفسك كدة عشان اللي في بطنك حتى أنتي كدة بتأذيه، وبتأذي نفسك
ابعدت نفسها عن أحضان والدتها تعود بجسدها للخلف لترتمي على وسادتها من جديد، اغمضت عينيها تهمس بصوت خفيض مبحوح:
- اخرجوا برة
حركت لينا رأسها نفيا، ترفض حتى فكرة الابتعاد عن ابنتها وهي في تلك الحالة لتفتح لينا عيناها ارتفع صوتها قليلا تهتف محتدة:.

- اخرجي برة، كلكوا برة، مش عايزة اشوف حد، برة
حركت لينا رأسها نفيا حاولت احتضان ابنتها من جديد لتدفعها لينا بعيدا عنها تنظر لها محتدة غاضبة، لتشعر بيد جاسر تقبض على يدها يجذبها للخارج وصوته يقول:
- تعالي يا عمتي، معلش سيبيها لوحدها دلوقتي.

تعلقت عينيها بابنتها الي أن خرجت من الغرفة ليغلق جاسر الباب من الخارج، في تلك اللحظات تحديدا سمحت لفضيان دموعها بالانهمار، تبكي بلا توقف تدفن وجهها في الوسادة، كانت تظن انها ما أن تحصل على ما أرادت أنها ستكون سعيدة اذا لما تشعر بسهم من نار يخترق قلبها يحرق اوصالها تشنج جسدها تعالت شهقاتها تغرق وجهها في الوسادة لن يفهموا ابدا ما تشعر به، تريد مسامحته قربه، ولكن تبقي تلك الذكري البشعة عائقا، كسد من نار يمنعها من الاقتراب خطوة واحدة تذكرت وكيف تنسي مر المشهد أمامها سريعا.

Flash back
كانت في غرفتها تمشط خصلات شعرها تقف أمام المرآه يعلو ثغرها ابتسامة سعيدة واسعة لا تصدق انها تعيش تلك اللحظات السعيدة، يكفئ أن زيدان كسر حاجز خوفها من الناس يمكنها الآن أن تعيش حياتها دون رهبة، بعد أن كتبت رسالتها، اليوم ستعترف له بحبها اجفلت تسقط من غيمتها الوردية حين سمعت صوته يصدح كالرعد من الخارج
- لولياااااااااااا، لولياااااااا.

خرجت فزعة على صوته الغاضب كانت تشمط خصلات شعرها تركت المشط من يدها تهرول الخارج قطبت جبينها قلقة ما أن راته بلعت لعابها تسأله بحذر:
- زيدان أنت طلعت ليه أنا لسه ما اتصلتش بيك، زيدان مالك يا زيدان أنت كويس.

انتفض قلبها خوفا تعود للخلف بحذر حين رأته ينظر لها بتلك الطريقة كأنه حيوان مفترس وجد فريسته للتو، تأكدت في تلك اللحظة أن به شئ خاطي هرولت الي الغرفة تحاول إغلاق بابها لتصرخ فزعة حين دفع الباب من الخارج بعنف، دخل الي الغرفة يقف حائلا بينها وبين الباب ابتسم في توسع إبتسامة شيطانية يردف بتلذذ:
- لوليا، بحبك
ابتلعت لعابها تضاربت دقات قلبها تنظر له مذعورة تحركت تبتعد عنه تعود للخلف تهمس متلجلجة فزعة:.

- زيدان مالك يا زيدان، زيدان ما تبصليش كدة إنت بتخوفني.

شهقت فزعة تعود بخطواتها للخلف وهو يقترب للأمام يترنح بخطواته، يبتسم في خبث مخيف، شهقت مذعورة حين ارتطم جسدها بالحائط خلفه وباتت بين المطرقة والسندان، انسابت دموعها تحرك رأسها نفيا هي حتى لا تفهم ما به لما يفعل ذلك، خاصة وأنه ظل يقترب الي أن احتجزتها بجسدها يمنعها من الفرار مد يده يلف خصلة من شعرها حول يده بقربها من أنفه اشتمها ابتسم في اتساع يتمتم في خبث مخيف:.

- ريحة شعرك حلوة أوي، زي الياسمين، أنتي عارفة أن الياسمين لونه ابيض جميل بس حرام بيدبل على طول
جذب شعرها بعنف لتطلق صرخة متألمة، بينما تعالت ضحكاته هو يقبض بكفه على رقبتها توسعت عينيها تهمس بصوت مختنق بالكاد يسمع
« زيدان لا يا زيدان، ارحمني أنا لينا، لينا حبيبتك
صفعة قوية نزلت على وجهها من كف يدها، ليقبض على خصلات شعرها يضحك كالمجانين:.

- حبيبتي تؤتؤتؤ انتي جارية عندي، عشان مزاجي، اعمل فيكي اللي أنا عاوزه، صرخي زي ما تحبي، ما حدش هياخدك من ايدي ابدا »
Back
وبعدها كان اسوء ما عاشته يوما، كيف يريد منها السماح لما يلومها الجميع، لم يتعذب أحد بقدرها، هي تعرف أنه لم يكن يعي بما يفعل ولكنها كانت، هل ذنبها أنها كانت واعية، انتفضت فجاءة تجلس على فراشها تلمع عينيها بالدموع وسط ظلام الغرفة تنظر للفراغ تتمتم متوعدة:.

- يا أنا يا أنت يا زيدان زي ما دبحتني وعشت في دور المظلوم البرئ جه دوري أنا كمان اعيش في دور المظلومة البريئة وأخد حقي منك...

في الخارج في غرفة مايا، جلست جوار نافذة غرفتها تنظر للحديقة العمال يتحركون هنا وهناك سريعا، يضبون معداتهم ليرحلوا بينما جلست هي تراقب بأعين خاوية من الحياة، قبل قليل كانت تجلس وحيدة على أحد المقاعد البعيدة في الحفلة تنظر للجمع حولها بنظرات فارغة خاوية من الحياة والدها أين هو، ها هو هناك يقف بين اعمامها يتحدثون، أين عروس والدها اذا، ها هي تجلس جوار لينا زوجة عمها كل منهن تحمل طفل على قدميها، هي الوحيدة المنبوذة بين الجميع مر أمام عينيها في تلك اللحظات مشاهد عدة كثيرة لادهم في حياتها.

( تسمحلي اختي حبيبتي بالرقصة دي
لحد ما الحفلة تخلص والناس تمشي لا أنا ولا انتي هنتحرك من هنا، عشان تبقي تلبسي فستان عريان تاني
يا بنتي كفاية هدوم بقى انتي حاطة هدومك في دولابك ودولابي ).

انسابت دموعها تتذكره دائما كان يملئ حياتها مع كل نفس تتنفسه كان تتشارك معه فيه، مدت يدها تمسك بهاتفها بأصابع مرتعشة طلبت رقمه تضع الهاتف على اذنها لا تعرف حتى لما تفعل ذلك، كادت أن تغلق الخط، حين سمعت صوته المتلهف يأتي من الجانب الآخر:
- الو، ايوة يا مايا، انتي كويسة حصل حاجة، بابا كويس طمنيني عليكوا، الو مايا انتي سمعاني، الو.

انسابت دموعها تقبض على الهاتف في يدها بعنف لتغلق الخط فجاءة، اسندت رأسها الي حافة شرفة غرفتها تنساب دموعها تفكر في حياتها القادمة، والدها وها هو تزوج، هل سيهملها بعد ذلك، سينشغل بعروسه عنها، لتبقي هي وحيدة منبوذة كما كانت دائما لولا وجوده في حياتها لظنت أن الجميع يكرهها، اجفلت من شرودها على صوت دقات هاتفها بنغمة رسالة، فتحت الرسالة لتجدها منه كتب فيها.

( مايا انتي كويسة طمنيني عليكوا أن شاء الله بجملة واحدة، ما تسنبيش كدة، هموت من القلق، ارجوكي يا مايا )
تسارعت دقات قلبها وهي تحرك أصابعها على لوحة الاحرف في هاتفها، لتبعث له
( بابا اتجوز النهاردة )
لحظات واتاها الرد منه ابتسمت ساخرة حين قرأت ما بعث لها
(، مبروك عقبال البكاري )
ضحكت ساخرة على ما كتب لترد عليه برسالة ساخرة تقطر ألما
( ما أنت البكاري ولا نسيت ).

تأخر في الرد بضع دقائق لتبتسم ساخرة، لحظات واختفت ابتسامتها حين وصلها رده
( أنا أدهم وحيد سليمان، يا آنسة مايا حمزة السويسي، أدهم اللي والدك عرض عليه تمن مساعدته لبنتك، نسيه لدرجة أنه عامله على أنه راجل غريب وعايز يديله فلوس، تمن مساعدته )
توسعت عينيها في دهشة تنظر لما كتب في الرسالة، هل فعل والدها ذلك حقا، لم تكن تعرف أن والدها بتلك القسوة قبلا.

في غرفة جاسر وسهيلة، دخل جاسر الي غرفته لتدخل سهيلة خلفه تنظر له متعجبة مدهوشة ماذا حل به ماذا فعلت له ليعاملها بتلك الطريقة، حين دخلت الي الغرفة رماها بنظرة ساخرة نافرة توجه الي المرحاض لتعترض طريقه قطبت جبينها متعجبة تسأله مذهولة:
- في ايه يا جاسر ايه اللي حصل أنت بتعاملني كدا لييه، هو أنا عملت إيه، فجاءة بقيت بتكرهني، مش طايقني، أنا عايزة اعرف أنا عملت ايييه عشان تكرهني فجاءة كدة.

ابتسم ساخرا ليكتف ذراعيه امام صدره يرميها بنظرات كارهة ساخرة يتمتم متهكما:
- طب كويس أنك فهمتي أن أنا مش طايقك، كنت فاكرك اغبي من كدة بصراحة، اوعي بقى من وشي خليني ادخل الحمام
توسعت عينيها على آخرهما صدمة تعجز عن فمهما كانت بين احضانه بالأمس يلقي عليها قصائد عشقه والآن ماذا يقول، ما تلك الكلمات السامة التي تخرج من بين شفتيه حركت رأسها نفيا تمتم مصعوقة:.

- جاسر إنت بتهزر صح، بتهزر، جاسر احنا لحد ما جينا الصبح كنت كويس جداا، حصلك ايه فجاءة، دا مقلب جديد من مقالبك مش كدة
اتسعت ابتسامته الساخرة ليتجوازها كاد أن يغادر، امسكت هي بذراعه سريعا ليلتفت لها في لحظة عينيه حمراء كالدم قسمات وجهه غاضبة مرعبة دفعها بعيدا عنه بعنف يصرخ فيها محتدا:
- قولتلك ما تلمسنيش، انتي فاهمة، آخر مرة ايدك تقرب ناحيتي، والا صدقيني تصرفي مش هيعجبك ابداا.

من صدمة لصدمة اخري يصفعها جاسر جن بالطبع جن ماذا فعلت له ليفعل ذلك، ماذا حل به، تهاوت جالسة على فراشها تخفي وجهها بين كفيها تفكر يآسه في سر ما حدث له، لحظات وسمعت صوت الباب يغلق بالمفتاح رفعت وجهها سريعا لتراه يوصد باب الحجرة من الداخل بالمفتاح ومن ثم نزعه يضعه في جيب سرواله قطبت جبينها تنظر لما فعل مدهوشة ليتمتم هو ساخرا:
- اصل أنا ما اضمنش بصراحة تخرجي تعملي ايه وأنا نايم!

شهقت مصدومة مما قال لتهب واقفة سريعا توجهت ناحيته تنظر له كارهة لتصرخ بقهر:
- لا أنت اكيد اتجننت، دا مش هزار دا جنان، أنت مش طبيعي، ااااه
صرخت بقوة حين هوي كفه بعنف على صفحة وجهها ليقبض على خصلات شعرها يتمتم ساخرا:
- ايوووة بالظبط أنا مجنون ومش طبيعي، وهتعيشي معيا غصب عنك مش بمزاجك هو، زي الشاطرة كدة تاخدي مخدة وتترمي تنامي على الأرض ولا الكنبة عشان أنتي مش هتنامي جنبي تاني، أنا بتقرف!

قال ما قال ليربت على وجهها بحدة ويتركها ويتوجه الي الفراش، وهي بين صاعقة وأخري تشعر بأن عقلها على وشك أن يفر من رأسها، شئ ما خاطئ يحدث وهي حتى لا تعرف ما هو، توجهت سريعا الي باب الغرفة تحاول فتحه بعنف، وحين عجزت عن ذلك كورت قبضتها عازمة على دقه بعنف ليسمعها أحد لتسمع صوته في تلك اللحظات يتمتم متوعدا:
- لو صرختي او خبطتي على الباب هقوم اقطع لسانك واكسر ايديكي...

ظلت واقفة للحظات متجمدة من اثر صدمة نا يقول لتتهاوي ارضا جوار الباب المغلق تضم ركبتيها لصدرها تتحرك للأمام وللخلف تبكي في صمت خائفة، لا تفهم ماذا حدث له ليفعل بها ذلك.

في غرفة بدور وضعت سيلا في فراشها الصغير، لتتوجه الي فراشها تجذب الغطاء تدثر خالد الصغير جيدا، توجهت الي مرآه زينتها تنزع حجاب رأسها برفق ليتسرسل خصلات شعرها السوداء الطويلة المموجة، وقف أمام المرآه تشعر بذلك النابض يكاد ينفجر من عنف نبضاته، تزوجت حمزة، تزوجت شقيق والدها الروحي، زواجها منه لم يكن سوي احتياج، تحتاج أن تشعر بالاحترام بالمودة بالرحمة، اطفالها يحتاجون إليه، يحبونه كما هو يحبهم وماذا ستريد أكثر، جربت مذاق الحب مرة وكان مر كالعلقم، تنهدت حائرة، تشعر بالتخبط من تلك الخطوة التي فعلتها توا، ربما لأن الوضع الآن جديد عليها، اجفلت من شرودها على صوت دقات على باب الغرفة، حمحمت تهمس بصوت خفيض مرتبك:.

- اادخل.

ادار المقبض ودخل ليطل من خلف الباب حمزة، يرتدي قميص أبيض وسروال أسود، يبدو أنه تخلص من سترة حلته ورابطة عنقه، دخل الي الغرفة يبتسم بهدوء يحمل في يده علبة سوداء مخملية اللون، تقدم بخطواته الي داخل الغرفة يغلق الباب لتتسارع دقات قلبها تفكر في اسوء الاحتمالات، وقف امامها مباشرة يخرج سوار من الذهب الأبيض مرصع بفصوص صغيرة من الألماس خلعه من علبته امسك يدها لينتفض قلبها وتغزو برودة قارصة جسدها وهي تشعر به يلف السوار حول معصمها، ذلك السوار الذي نفش عليه.

( درة حمزة السويسي ).

توسعت عينيها مدهوشة تنظر للسوار في يدها لا تنكر أن شكله جذاب من الذهب مرصع بالألماس بالطبع يخطف الأنظار، ولكن لما نقش عليه تلك الجملة هل يوشمها بصك ملكيته لها والأهم من ذلك لما يسميها درة، حين حاولت اختلاس النظر له تجمد جسدها لأنه هو الآخر كان ينظر ناحيتها مباشرة، فرت الدماء من عروقها خوفا في تلك اللحظات، حين لمحت في عينيه نظرة غريبة ليست مخيفة وليست مطمئنة هي فقك نظرة غريبة، ابتلعت لعابها مرتبكة حين سمعته يهمس لها بصوت اجش خفيض:.

- تسمحيلي
قطبت جبينها متعجبة على ما تسمح، توترت قسماتها لا تفهم لتتوسع عينيها مدهوشة حين رأته يقترب منها، يلحم طوفان مشاعره الحبيسة، بصحرائها القاحلة المتعطشة لقطرة واحدة لترويها، توسعت عينيها مدهوشة تنظر له مذهولة لا تصدق أن حمزة يقبلها!، وهي تقف كتمثال من حجر، صامتة مستسلمة، ابتعد عنها ينظر لها يبتسم في اتساع يلهث بأنفاسه الثائرة، بينما تقف هي متجمدة مكانها لتسمعه يغمغم ببساطة:.

- لما اقولك تسمحيلي، ارفضي او وافقي، عشان ما كنش بعمل حاجة ضد رغبتك، تصبحي على خير
مال يقبل جبينها لتغمض هي عينيها، سمعت صوت الباب يغلق علامة انه غادر، ولكنها بقيت مغمضة العينين، انسابت دموعها تغطي وجهها، تقارن بين معاملة أسامة لها سابقا وما فعله حمزة قبل قليل.

وقفت سيارة عمر وخلفها سيارة على امام عمارة سكنية فاخرة في احدي الأحياء الجديدة، ساعد على وعمر عثمان ليضعوه على مقعده، ليصعدوا جميعا الي شقة العروسين بالأعلي، فتح على باب شفة ابنه لتطلق لبني وتالا الزغاريد العالية، مال عمر ناحية على يهمس ساخرا:
- دول بيصوتوا مش بيزغرطوا.

ضحك على يوافقه في الرأي، في صالة المنزل بدأت عيني سارين تجوب المكان حولها، رفضت والدتها رفض قاطع أن تأتي لهنا قبل الزفاف لما لا تعرف، تسارعت دقات قلبها تنظر حولها سعيدة تخطط لحياتها القادمة بكل تفاصيلها، اقتربت سارة من سارين تعانقها بقوة لتبادلهغ سارين العناق، همست سارة بنبرة خافتة باكية:.

- هتوحشيني أوي، على قد ما أنا فرحانة عشانك عشان اتجوزتي اللي بتحبيه، على قد ما أنا زعلانة عشان خلاص هتسبيني لوحدي
ادمعت عيني سارين هي الاخري لتعانق شقيقتها بقوة تهمس لها سريعا:
- أنا عمري ما هبعد عنك ابدا يا سارة في اي وقت تحتاجيني فيه أنا موجودة يا حبيبتي.

وقف عمر ينظر لابنته سعيدا لتدمع عينيه رغما عنه ها هي ابنته ترحل، تقدم ينتزع سارين يحتضنها بقوة يقبل رأسها عدة مرات يشدد على عناقها يهمس لها متلهفا:
- ما تنسيش اللي قولتلك عليه يا سيرو في اي وقت تحتاجيني فيه، هتلاقيني في ضهرك، وأنا هكلمك كل يوم كل ساعة كمان، خلي بالك من نفسك يا حبيبتي.

بعد الكثير والكثير من العناقات قرروا ترك العروسين، والرحيل، الي ان جذب على باب المنزل ليغلقه ظلت عيني عمر معلقة بابنته
حتى اختفت من أمامه تماما وحجبها عنه ذلك الباب، تنهدت تنهيدة طويلة مثقلة، ليتحرك لأسفل بصحبة عائلته عدا سارين، في الأسفل ودع عمر على ولبني، ليتوجه الي
سيارته، هو بالإمام وجواره تالا وسارة بالخلف عائدين الي منزلهم.

بينما في الأعلي، حملت سارين طيات فستان زفافها تتجول في ارجاء منزلها، يعلو ثغرها ابتسامة واسعة سعيدة تتحرك هنا وهناك تنظر الي محتويات جميع الغرف، لتعود في النهاية الي عثمان الذي يجلس على مقعده ينتظرها أن تنتهي، عادت للغرفة حيث يجلس عثمان لتجلس على المقعد المقابل له تغمغم مبتسمة:
- الشقة جميلة اوي وذوقها تحفة بجد...

حرك عجلات مقعده ليصل بالقرب منها مد يده يمسك كف يدها رفعه إلي فمه، يقبله يتمتم مبتسما:
- مبسوط جدا انها عجبتك، هتعبك تزقيني لحد أوضة النوم عايز اغير هدومي
ابتسمت تحرك رأسها إيجابا لتقوم التفت تمسك بمقبضي مقعده المتحرك تتحرك معه الي غرفة نومهم فتحت الباب ليدخل وهي تدفعه وينغلق الباب عليهم.

على شط النيل يجلس الدنيا بأكملها لا تهمه فقد خسرها قبل قليل، انتهي كل شئ، يحمل في قبضته مجموعة كبيرة من الحصي يقذفها في مياة النيل واحدة تلو اخري، ويليها اخري مع كل واحدة يقذفها مع كل حصي يلقيها، يلقيه عقله في احدي ذكرياته، منذ أن كان طفلا الي الآن حياته تمر مع حصي تسقط في المياه، وقف فجاءة ينظر لسطح المياه ليشعر برغبة ملحة يريد أن يكون هو الحصي يلقي نفسه بنفسه الي العمق يذهب بملئ ارادته ورغما عنه معا، تسارعت أنفاسه احمرت عينيه يتذكر كم مرة أخبرها بحبه وهي ماذا ردت بالمقابل جلبت حبيبها الي الحفل، لتلك الدرجة تراه شخص معدوم النخوة والكرامة، يكاد ينفجر، من غيظه وغضبه، ما كاد يخلع قميصه ليلقي بنفسه في الماء شعر بيد تقبض على ملابسه بعنف يجذبه بعنف للخلف وصوت حسام يصدح غاضبا:.

- أنت اتجننت يا زيدان عايز ترمي نفسك في الماية دلوقتي، مش كفاية الهباب اللي هببته كمان عايز تموت
التفت ناحية صديقه عينيه حمراء عروقه نافرة شعره مبعثر صدره يعلو ويهبط بجنون ليدفعه في صدره بعنف يصرخ:
- ما أنا ميت، هو أنت فاكر أن أنا كدة عايش، أنا ميت، ميت من زمان، أنا بعافر ليه وعشان مين فاضلي ايه في الدنيا عشان اعيش عشانه.

فاضلك ابنك ومراتك، مين هيوديه الحضانة المدرسة يمسك ايده يعلمه المشي الكلام يطبطب عليه يحميه، عايز تيتمه زيك...
نطقها حسام بثقة شديدة ينظر لعيني صديقه مباشرة ليري نظراته الغاضبة الثائرة تتراجع...
ليتهاوء جالسا أرضا يخفي وجهه بين كفيه، ليتهاوي حسام جالسا جواره يستند بمرفقيه الي فخذيه لحظات صمت طويلة قبل أن يتمتم حسام ساخرا:.

- كنت فاكرك اجمد من كدة يا صاحبي طلعت خرع، اللي حصل للينا مش سهل تنساه بين يوم وليلة ولا حتى شهر ولا اتنين، كان المفروض نفسك يبقي اطول
قابل الصمت من ناحية زيدان، لدقائق طويلة قبل أن يرفع الأخير رأسه يمسح وجهه بكف يده يتمتم ساخرا:
- نفس خلاص اتقطع يا دكتور ابقي ركبلي جهاز تنفس
ضحك حسام ساخرا ليصدم كتفه بكتف صديقه غمزه بطرف عينيه يلاعب حاجبيه عابثا يتمتم متهكما:
- لاء ازاي أنا هعملك تنفس طبيعي يا قلبي.

نظر زيدان لحسام باشمئزاز ليسمعا معا صوت يهتف من خلفهما معا:
- اهم يا رب هما العيال دول سبب الكورونا، منكوا لله حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا كتكوا الارف
نظر حسام وزيدان معا لذلك الصوت ليجدا رجل عجوز ظل يسبهما الي أن اختفي لينظر الاثنان الي بعضهما البعض وينفجرا في الضحك، ضحك زائف يحاولا به تخفيف ما حدث.

في صباح اليوم التالي قرابة السابعة صباحا يجلس خالد على الأريكة في غرفة المعيشة أمام 3 أكواب فارغة من القهوة لم يستطع النوم أكثر من ساعتين، يشعر بصداع بشع يكاد يفتت رأسه، يضع سيجارة بين شفتيه يمتصها بعنف يفكر في القادم، اجفل على حركة قادمة من ناحية السلم رفع وجهه ينظر للفاعل لتتوسع عينيه حين رأي لينا ابنته تنزل درجات السلم بخفة تحمل دفتر كبير في يدها وحقيبة يدها، يغطي وجهها المجهد طبقة كبيرة من مستحضرات التجميل، قام من مكانه يتوجه إليها يسألها متعجبا:.

- رايحة فين يا لينا
ابتسمت ببساطة ترفع كتفيها تغمغم باريحية:
- هكون رايحة فين يعني الجامعة
قطب جبينه مندهشا من حالتها، تلك ليست الحالة التي توقعها تماما، ابتسم برفق يتمتم بهدوء:
- حبيبتي بلاش النهاردة، انتي اكيد تعبانة بعد اللي حصل و...
قاطعته قبل ان يكمل كلماته لتضحك بخفة تقول بسلاسة:
- حصل هو إيه اللي حصل، ااه قصدك عشان زيدان طلقنئ، لالا عادي، أنا اصلا اللي كنت عايزة اتطلق...

نظرت لساعة يدها لتتوسع عينيها تتمتم فزعة:
- يا نهار أبيض هتأخر على المحاضرة سلام يا بابا
قالتها لتفر من أمامه سريعا قبل أن يفاجئها بسؤال آخر لينظر هو في اثرها يبتسم ساخرا من تخدع تلك الصغيرة، تنهد يمسح وجهه بكف ليأخذ طريقه الي غرفته.

في الحارة حيث منزل جدة أدهم، يجلس كعادته منذ الصباح الباكر جوار شرفة غرفته الصغيرة يستند برأسه الي حافة الشرفة يبتسم حالما يتذكر حديثه الطويل مع مايا، نقطة جيدة لصالحه، من يعلم ربما تغفر قريبا، تنهد يوجه انظاره للشارع حيث شقيقه المزعج مراد يجلس على المقهي الشعبي المقابل لمنزلهم يدخن كعادته، لتمتعض ملامحه مشمئزا من منظره المقزز، لا يعرف كيف يكون ذلك المتسول شقيقه.

في الأسفل جلس مراد على مقعد خشبي أمام المقهي البلدي عينيه تجوب الشارع، يبحث عنها عليها أن تنزل منذ أيام وهي مختفية تماما، لحظات وتوسعت ابتسامته وغزا قلبه سعادة سوداء وهو يراها تخرج من باب عمارتهم السكنية، ما إن خرجت لم تكد تبتعد بضع خطوات لتجد مجموعة من الشباب يقتربون منها ويحاولون التحرش بها لفظيا بكلماتهم النابية البذئية
- اوووبا مش دي اخت الواد سيد المغتصبة
- ايوة يا عم هي بس ايه صاروخ.

- من ناحية صاروخ فهي عظمة جداا..
- جري ايه يا روحية اومال لو كنتي عروسة بنت بنوت كنتي عملتي ايه
- أنتي افتحي شقتك بليل هتكسبي دهب
انسابت دموعها تستمع الي كلامهم الجارح المخزي لتسرع في خطاها تحاول الابتعاد عنهم، شهقت فجاءة تقف حين كادت تصطدم بذلك الواقف أمامها لتسمع صوت عالي غاضب يصيح فيهم:
- جري ايه ياض أنت وهو ما تتلموا قبل ما احفرلكوا قبر يلمكوا، مالكوش دعوة بيها خالص
سمعت صوت احد الشباب يقول سريعا:.

- احنا اسفين والله يا عم مراد، مش هنتعرضلها خالص
ابتسم مراد ساخرا ليفر الثلاثة كأنهم خائفين منه، ليبتسم هو منتصرا وكأنه ليس هو من استأجرهم ليقولوا ذلك الكلام؟!، رفعت وجهها تنظر له بعينيها الواسعة التي تغشيها الدموع تتمتم بصوت مختنق باكي:
- ششكرا
غمزها بطرف عينيه يكتف ذراعيه أمام صدره يتمتم ساخرا:
- على ايه دي حاجة بسيطة، احنا في الخدمة دايما يا، يا، يا آنسة.

أصفر وجهها حرجا من تلميحه لتسرع فئ خطاها عائدة الي منزلها أهون عندها تموت جوعا ولا تسمتع الي ما يقولون فئ حقها.

ما إن دخلت الي الجامعة توجهت الي المقهي يتبقي نصف ساعة على موعد المحاضرة، وجدت رسالة تُرسل لجروب الطلاب من المحاضر يعتذر فيها عن المحاضرة زفرت أنفاسها المختنقة لتلقي حقيبتها على المقعد المجاور لها تحرك ساقها اليسري بعصبية تكاد تنفجر غضبا، لحظات وشعرت بالمقعد المجاور لها يجذب وجلس هو عليه يبتسم ابتسامة مرتبكة يتمتم معتذرا:.

- لينا أنا آسف، أنا لو عارف اني مجيي الحفلة هيعمل كل المشاكل دي والله ما كنت جيت
لم تتوقف لحظة عن تحريك ساقها اليسري بحركة عصبية مفرطة، التفتت برأسها له تعطيه شبح ابتسامة صفراء:
- خلاص يا معاذ اللي حصل حصل، الغلط مش عندك اصلا، الغلط عند اللي اتلكك وما صدق، ممكن تجبلي عصير عطشانة اوي
هب سريعا من مكانه يتمتم متلهفا:
- آه اوي اوي، ثواني ويكون عندك.

تركها ورحل لتجلس هي مكانها تقبض على كفها تقضم اظافرها تهز ساقها تشعر بغضب حارق يحرق أوصالها تود الانتقام بأي شكل كان، عليه أن يدفع ثمن ما فعله، اجفلت من شرودها على مجئ معاذ حين وضع الكوب أمامه يتمتم مبتسما:
- اتفضلي يا ستي احلي عصير أناناس لأحلي ناس
اعطته ابتسامته صغيرة لتلتقط الكوب ترتشف منه على مهل انهت ثلاثة ارباعه تقريبا حين سمعته يتمتم قلقا:.

- لينا هتعملي ايه أنا قلقان عليكي اوي، حالتك مش كويسة أنا حاسس بيكي
رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها تتمتم ببساطة:
- هستني لما العدة تخلص وبعدين هبقي اقرر هعمل ايه...
ابتسم في حنو ليمد يده يمسك بكف يدها يشد عليه يردف محزفا اياها:
- وأنا هبقي معاكي في اي خطوة، في اي وقت تحتاجيني
حركت رأسها إيجابا، جلست معه قليلا لتلتقط حقيبتها وقفت تبتسم تتمتم معتذرة:.

- معلش يا معاذ المحاضرة كدة كدة اتلغت، فهمشي أنا بقى، لو احتجت حاجة هكلمك
سار جوارها الي أن اوصلها لسيارتها جلست ليغلق خلفها الباب مال ينظر لها من نافذة السيارة يتمتم مبتسما:
- لو احتاجتي اي حاجة فئ اي وقت كلميني على طول، أنا هبقي جنبك دايما
ابتسمت له تحرك رأسها إيجابا ليودعها حين غادرت عاد هو إلي الطاولة يلتقط كوب العصير الخاص بها يبحث عن موضع شفتيها ليرتشف ما بقى في الكوب كما فعل سابقا...

مضي بعض الوقت وقبل أن تصل الي منزلها بدأت تشعر بألم خفيف يزداد شيئا فشئ يغزو بطنها تشنجت ملامحها الما تشعر ببروده مفاجئة تغزو اوصالها ما أن وقفت السيارة في حديقة منزلها نزلت منها سريعا، تتحامل على نفسها لازال الوقت باكرا في الأغلب الجميع نائم الآن، الوجع يزداد شراسة، شدت على أسنانها، تتحرك لغرفتها ما أن صعدت أولي درجات السلم سمعت صوت والدها يتمتم متعجبا:
- انتي لحقتي روحتي وجيتي.

لم تلتفت له حتى لا يرى وجهها المجهد فقط تتمتمت بنبرة حاولت جعلها متوازنة:
- المحاضرة اتلغت، هروح أنام أنا بقى
صعدت الي أعلي لترتمي بجسدها على الفراش تغمض عينيها تكاد تصرخ والوجع يزداد شراسة وجسدها يزداد برودة جل ما فعلته أنها جذبت الغطاء واغمضت عينيها.

في الأسفل وقف خالد أسفل السلم يشعر بأن هناك خطب ما في ابنته، عودتها سريعا نبرتها التي احس فيها بالألم رغم محاولاتها لإخفاءه الأمر غريب، اخذ طريقه الي أعلي الي أن وصل الي غرفتها، دق باب غرفة ابنته عدة مرات لا مجيب، رائها تصعد قبل قليل هل غطت في النوم بتلك السرعة حرك مقبض الباب ليدخل، على ثغره ابتسامة حزينة يتطلع الي ملامحها المرهقة الشاحبة، اقترب يقبل جبينها، ليقطب جبينه قلقا حين رأي قسمات وجهها تتشنج من الألم جبينها يتفصد عرقا بغزارة، بسطت راحة يده على جبينها كان يظن انها تعاني من الحمة ولكن جسدها كان بارد كلوح ثليج، جلس جوارها يربط على وجهها بقلق يصيح فيها فزعا:.

- لينا اصحي يا لينا، لينا
لم ترد فقط تتلوي ألما يعصف بخلجاتها لم ينتظر اكثر نزع الغطاء عنها بعنف ليحملها متجها الي الطبيب، ليتجمد مكانه، اتسعا عينيه فزعا حين رأي ابنته تغرق في بحر من الدماء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة