قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الأول

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الأول

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الأول

كانت لا تزال السابعة صباحا حينما دق المنبة الخاص به بصوته المزعج يصدح مرة بعد مرة كأنه يصرخ فيه أن يستقيظ، انكمشت ملامح وجهه بضيق ليتأفف بضجر يحاول فتح مقلتيه مد يده تجاه ذلك الجهاز الصغير المزعج، التقطه ليلقيه بعنف على أحد الجدران ليتهشم المسكين إلى بقايا صغيرة تأفف ينهض جالسا على الفراش يفرك جبينه بعنف ليلتفت برأسه ناحيتها ليجدها توليه ظهرها هو متأكد انها مستيقظة ما أن تشعر به يستيقظ تبتعد عنه سريعا توليه ظهرها وكأنها لم تكن تختبئ في صدره الليل بطوله، اخيرا سمع صوتها تهمس بتلك النبرة الجافة الباردة التي يكرهها:.

- دا رابع منبة تكسره الأسبوع دا!
زفر بحنق من تجاهلها له معاملتها التي تصبح جافة باردة تحمله ذنب لا ذنب له فيه
مد يده يضعها على ذراعها، لترفع يدها بهدوء أزاحت يده لتشد الغطاء حتى وجهها تختفي عنه، وهنا بلغ به الغضب مبلغه، امسك الغطاء يدفعه عنها بحدة، يزمجر غاضبا:
- لما تكلميني بصيلي.

لحظات من الصمت لا يسمع سوي صوت انفاسه الهادرة لم تهتم بما يقول تماما بل بقيت على نفس موضعها تنام على جانبها الايسر توليه ظهرها، طال صمتها لدرجة أنه ظن انها قد نامت، ليسمعها تهتف بتلك النبرة الجافة مجددا:
- دي كانت معلومة عابرة!

حتى كلامها بات قليلا، تهدجت انفاسه شوقا وغضبا ليمسك ذراعها جذبها بقوة لتشهق بعنف حينما وجدت نفسها فجأة تجلس أمامه مباشرة جبينه يرتطم بجبينها، تشعر بانفاسه الهاردة الغاضبة، تلطم صفحة وجهها بعنف رقيق، كأنها تعاتبها بقوة حانية، بلعت لعابها بتوتر تحاول الا تصطدم بمقلتيه الغاضبتين، أرادت ان تشيح بوجهها بعيدا ليقبض بكفه على فكها برفق يجبرها على النظر له، لحظات صمت تحاول بكل السبل التحرر من اسره لتسمعه يهمس بألم:.

- أنا ما غلطتش اللي حصل دا مش بسببي صدقيني انتي ما تعرفيش ايه اللي حصل، اديني فرصة اشرحلك وبعدين احكمي
انهمرت شلالات الدموع من انهار عينيها كأنه نهر وحان وقت فيضانه، نزعت نفسها من بين يديه لتقبض على تلابيب ملابسه باظافرها تنوح باكية:
- لييييييييه اذيتها كدة، لييييه حرام عليك، ليييييييه...

امسك كتفيها يبعدها للخلف قليلا، شدد بكفيه على كتفيها ينظر لعينيها المنتفختين من أثر البكاء، والهالات السوداء تحيط بهما كظلمة الليل الحالك، تنهد بألم مقررا اخبارها
بما حدث كاملا، :
- بطلي عياط واسمعيني!

بدأ يقص عليها ما حدث كاملا طوال المدة الماضية، لتشخص عينيها حتى آخرهما عذرا، شهقة قوية خائفة خرجت من قلبها قبل جوفها وضعت يدها على فمها تنظر له بذعر مما يقول، ليتنهد بألم ما أن انهي حديثه، اغمض عينيه للحظات باسي متمتما بشرود:
- عرفتي بقي إيه اللي حصل بالظبط!

هزت رأسها إيجابا لتشهق في بكاء عنيف جسدها يرتجف بشدة من الخوف لتحرك شفتيها كانت تتمتم في البداية بكلام لم يسمعه سرعان ما تحولت التمتمة لصرخات ذبيحة شقت سكون المكان:
- بنتي، بنتي عايزين ياخدوا بنتي مني ليييه، كل دا حصل لبنتي وأنا مش موجودة
اتجهت برأسها ناحيته ليخمد بكائها قليلا فقط قليلا امسكت كفيه تصغط عليهما تهتف من بين نشيجها الحار:.

- اعمل اي حاجة، عشان خاطري، عشان خاطري، مش هستحمل بنتي تضيع مني، ابوس إيدك.

خرجت منه تنهيدة حارة طويلة يعود بوعيه من تلك الذكري القديمة القاسية، انهيار لينا الحاد ومعامتلها الجافة له قبلها، وما حدث قبل ذلك، كم كانت قاسية تلك الفترة بكل ما حدث فيها، وما حدث بعدها كان فقط نتيجة متوقعة لها، اتجه بنظرة لها، ليجدها نائمة تتوسد صدره كطفلة صغيرة، ابتسم برفق يربط على منابت شعرها الصفراء لو مرت مئة عام.

ستظل في نظرة طفلته الصغيرة، عشقه الوحيد، نبض شريانه كما يقول دائما، وضع رأسها برفق على الوسادة ليتحرك بخفة متجها إلى المرحاض وقف امام المرآه ينظر لنفسه.

دخل عنفوانه وكبريائه في صراع حاد مع الزمن فكانت النتيجة لصالحه ولصالح الزمن معا نفس الطول الفاره والجسد المعضل مع وجود تلك الشعيرات البيضاء التي غزت شعره ولحيته لتزيده وقارا له حدة خاصة تليق به هو فقط، لاحت على شفتيه ابتسامة صغيرة، يغبط لينا في نفسه فرغم مرور كل تلك الأعوام لا تزال تبدو شابة وكأنها في ريعان شبابها، صحيح أنها تستخدم تلك المواد الغريبة لحقن بشرتها والصبغات الغالية لتبقي لون شعرها كما هو فتبدو كأنها ابنته لا زوجته، جز على أسنانه بغيظ فحينما يأخذها هي وابنته لأي مكان يظنها الجميع ابنته بل ويتقدم لها الخُطاب أيضا، اغتسل وبدل ملابسه، خرج من المرحاض يقف امام مرآه الزينة يمشط شعره بفرشاته الخاصة لترتسم على شفتيه شبح ابتسامة صغيرة يهمس لنفسه:.

- شيخ الشباب يا خالد!
صدح صوت ذلك المنبة المزعج يصرخ بعلو صوته، ليقطب جبينه غاضبا من ذاك الجهاز الصغير اللعين، اتجه ناحيته يحمله بين يديه ود بشدة لو دفعه إلى الحائط ليكون مصيره كمن سبقوه ليجدها تقفز ناحيته تتعلق بذلك الجهاز الصغير عينيها شبه مغلقة تمتم بهمس ناعس:
- بالله عليك ما تكسره، كفاية كسر منبهات بقي يا حبيبي...
اخذت منه المنبة تضعه مكانه لتقترب منه تقبل وجنته تبتسم ناعسة:
- صباح الخير.

ما كادت تنزل من الفراش تبعتد عنه لتبتسم بيأس حينما شعرت به يحاوط خصرها بذراعه يعيدها إليه يبتسم بعبث ضحكت رغما عنها ضحكة صغيرة خافتة، لتتسع ابتسامته يلف ذراعه الآخر يطوقها بذراعيه يهمس بخبث محبب إليها:
- صباح الخير بس، كدة حاف!
عبست بنعاس تتمني فقط أن تعرف متي سيتوقف ذلك الرجل عن انحرافه هذا، مدت يديها تحاول فك ذراعيه الذين يحاوطونها كالكماشة مطت شفتيها بضيق تزجره بدلال:.

- يا ابني بس بقي، نفسي اعرف إنت هتبطل قلة ادبك دي امتي هاا، دا أنت بقيت بابا وقريب هتبقي جدو..
ضيق عينيه بغيظ ليشدد من أحكام ذراعيه حول خصرها يقربها منه يهمس بشر كأنه سفاح محترف:
- على الله اشوف حد يهوب ناحيتها، هخليه بقايا بني آدم
قربت يديها من رقبته كأنها تريد خنقه تجز على اسنانها بغيظ تضيق عينيها تطالعه بنظرات حادة غاضبة:
- مش قولنا تبطل وحشية بقي يا بربري أنت.

رفع حاجبه الأيسر ينظر ليديها نظرات ماكرة متسلية، لتبلع لعابها بتوتر تعرف تلك النظرات الماكرة جيدا، رفع أحد يديه يضعها خلف رأسها مقربا وجهها منه يبتسم بشراسة اظهرت انيابه الحادة:
- وحشية وبربري، الله يرحم قاسي متوحش عنيف كرجل الكهف، فاكرة ولا افكرك...
تهدجت أنفاسها بعنف تتلوي بين ذراعيه بقوة تحاول التحرر منه الا أنه رفض وبشدة لتتوقف عن المقاومة تنظر له بحسرة رفعت سبابتها برجاء تهمس بترجي:.

- تعرف يا خالد أنا ليا أمنية واحدة بس في الدنيا ومستعدة أموت بعدها
قطب جبينه بحذر ينظر لها بترقب وقلبه ينقبض بعنف من تلك الكلمة الحمقاء التي نطقتها للتو ليجدها تهتف برجاء:
- انك تبطل قلة الأدب والانحراف اللي فيك دا
ضحك عاليا، ضحكات صاخبة صدحت في ارجاء الغرفة ليجدها تربع ذراعيها امام صدرها تزم شفتيها تتمتم حانقة:
- ايوة يا أخويا أضحك أضحك، انا نفسي اعرف مامتك كانت بتتوحم على ايه.

لم تزده كلماتها الا ان ارتفعت ضحكاته تعلو أكثر ليهدأ من صوته تدريجيا ينظر لها يلاعب حاجبيه بعبث مغمغا بخبث:
- يا بنتي قلة الأدب دي فن مش عن عن
تركها متجها ناحية المرآة يكمل من تعديل هيئته لتنظر له بابتسامة حالمة، اتجهت هي ناحية المرحاض ما كادت تدخل اليه لتلفت برأسها له:
-صحيح، اعزم زيزو على الغدا النهاردة بقاله كتير ما جاش هنا
تغضنت ملامحها بحسرة تتنهد بضيق مكملة:.

- أنا مش فاهمة ازاي طاوعك قلبك تبعده عن البيت، حتى ولو هو اللي طلب، مش ابنك دا
وضع فراشة الشعر من يده التفت لها يعقد ذراعيه أمام صدره يناظرها بنظرات هادئة غامضة ليهز رأسه نفيا مغمغا بجد:
- لاء مش ابني، أنا عارف كويس أنا بعمل ايه، جهزي نفسك عشان اوصلك في طريقي وأنا هروح اصحي لينا
دون كلمة أخري تركها وخرج من الغرفة لتتنهد بضيق، لا تفهم سبب تغير خالد تجاه زيدان بتلك الطريقة.

منزل ضخم يقف وحيدا وسط الصحراء، مكان منعزل خالي من الناس، الناس التي لم تسبب الا في اذيته كرههم وأصر أن يكون وحيدا في ذلك البيت البعيد الضخم لا أحد سواه هو فقط لا حارس لا خادم فقط هو والصحراء الشاسعة ندا بالند، يركض يشق غبار الطريق كأسد ضاري تتعالي الاتربه الصفراء حوله كأنها تصارعه تحاول إيقافه، تود أن تغرقه في بحر من الذكريات، موجات من الماضي الأليم يركض بعنف كأنه يهرب منها يرد فقط
النجاة!

سقط على ركبتيه ارضا متعب خائر القوي، نظر للصحراء امامه يتنفس بعنف يطالعها بنظرات حادة ثابتة، هب واقفا يعود مرة أخري إلي ملجئه البعيد، اتجه سريعا إلى غرفته.

يلقي بجسده تحت الماء البارد عله يطفئ من نار ذكرياته التي تحرق جسده بلا رحمة توصمه بوصمة عار، عار لن يعرفه سواه، خرج من المرحاض بعدما هدأت نيرانه قليلا يكمل ارتداء ملابسه، لتقع عينيه على صورتها التي اخذها خلسة دون أن يدري أحد امسكها برفق كأنه يخشي حتى على صورتها أن تتأذي نظر لابتسامتها الواسعة الصافية لتخرج من بين شفتيه تنهيدة حار تخبرهم باندلاع النيران في قلبه من جديد نيران عالية حادة مشتعلة عاشقة تلمس وجهها بأصابعه ليهمس بشوق:.

- قريب، قريب اوي!
وضع صورتها بحذر ليكمل ارتداء ملابسه، متجها إلي عمله.

في مكان آخر يختلف كل الاختلاف عن سابقه شقة متوسطة الحال في عمارة صغيرة في حي
راقي نوعا يخلو من تلك الذبابات الصغيرة المزعجة التي يطلق عليها اسم « التكاتك »
حي هادئ تحاوطه الاشجار، عمارة قديمة عريقة تشيد باصرار مدي أصالة المكان.

شقة كبيرة نوعا ما في الطابق الثالث، تتكون من غرفتين للنوم وصالة واسعة، مطبخ متوسط الحجم يفوح منه رائحة طعام شهية تيقظ النائم، صوت راديو صغير أصرت تلك السيدة أن تحتفظ به رغم تطور الزمن، تستمع إلى برنامجها المفضل التي عرفته مصادفة ويا لها من مصادفة سعيدة التي جعلتها تستمع إلي ذلك البرنامج الإذاعي الشهير والمحبوب « صباحك ومطرحك ».

، داخل أحدي غرف النوم دخلت تلك السيدة تفتح الباب بهدوء، نظرت للنائم على الفراش بابتسامة صغيرة حانية، عينيها تخترز قسمات وجهه لتتنهد بحزن تشعر بقبضة تعتصر قلبها، اتجهت ناحية نافذة غرفته تسحب الستائر السوداء التي تحجب الضوء فتحت زجاج الغرفة على مصرعيه ليدخل هواء الصباح الباكر، اتجهت ناحية فراش النائم جلست بجانبه تربط على كتفه برفق:
- حسام، حسام، يا حسام، قوم يا ابني هتتأخر على الشغل.

تململ الأخير في نومه يغمغم وهو نائم:
- حاضر الصبح
خرجت منها ضحكة صغيرة خافتة فهو حينما يكون غارقا في النوم يخترف بكلام غريب، لتعاود هو إيقاظه مرة اخري:
- قوم يا حسام هتتأخر على العيانين يا إبني، يلا قوم يا ابني لواحد من العيانين يدعي عليك بسبب تأخيرك دا
انتصف الأخير في جلسته يمد ذراعيه في الهواء يتثأب بقوة بالكاد يستطيع فتح عينيه ارتسمت على شفتيه ابتسامة ناعسة ينظر لوالدته يهمس بخمول:.

- صباح الفل يا ست الكل
ابتسمت والدته بحبور تربط على خده بلطف كأنه طفل صغير تهمس بحنانها الفطري الدافئ:
- صباح النور يا حبيبي، يلا قوم بقي هتتأخر على شعلك
انزل ساقيه ارضا يجلس معتدلا ليميل مقبلا رأس والدته ويديها كما تعود ان يفعل منذ سنوات طوال مغمغا برفق:
- حاضر يا ست الكل
ابتسمت بسعادة بينما توجه هو إلى المرحاض ليغتسل تنهدت بابتسامة حانية قامت تتحدث مع نفسها:.

-الحق احضره الفطار يأكل لقمة بدل ما ينزل على لحم بطنه
خرجت من الغرفة ليخرج حسام بعد دقائق من المرحاض وقف يمشط شعره الاسود الكثيف أمام مرآه الزينة يبتسم بنشاط بعد ساعات كافية من النوم...
أرتدي قميص ابيض اللون يظهر عضلات جسده المتناسقة، وبنطال من خامة الجينز ازرق اللون
القي نظرة أخيرة على نفسه في المرآة ليبتسم بثقة حمل حقيبته الجلدية التي تحتوي على جهاز اللاب توب الخاص به ليتجه إلى خارج الغرفة.

« حسام مختار عادل، طبيب شاب في مجال النسا والتوليد مجتهد في عمله، في الثانية و الثلاثين من عمره، ذو قامة طويلة وجسد متناسق، يعمل دائما على الاعتناء به، شعر أسود كثيف واعين سوداء حادة لامعة، يعيش مع والدته في شقتهم بعد وفاة والده قبل ثلاثة أعوام، والدته أغلي ما يملك هو على أتم استعداد ليفعل اي شئ فقط لرضاها ».

اتجه إلى غرفة ابنته دق الباب عدة مرات وكالعادة لا مجيب اميرته تغط في نوم عميق فتح الباب، يدخل إلى الغرفة نظر لحسنائه النائمة بابتسامة صغيرة حزينة لولا تلك الحادثة القديمة لكانت تحيا الآن حياة طبيعية مثلها مثل مئات الفتيات، كور قبضة يده يشد عليها ينهر نفسه بعنف، كيف لم يستطع أن يحميها، كيف تركهم يفعلون بها هذا، ما عاشته طفلة في ريعانها ليس بقليل، تنهد بألم ليتجه ناحية نافذة غرفتها يشد ستائرها بقوة لتدخل أشعة الشمس الحارة تشاكس الأميرة النائمة، تملمت الأخيرة بضيق تتأفف ناعسة:.

- بابي اقفل الشباك، لسه ما نمتش
ضحك رغما عنه ليقترب من فراشها جلس جانبها يصفع جبينها براحة يده برفق:
- ما نمتيش ايه دا انتي بقالك يجي عشرين ساعة نايمة، قومي يا بنت
نفخت خديها بضجر تعلمت تلك الحركة من والدتها لتنتصف جالسة على الفراش تبتسم ناعسة، مالت تقبل خد والدها تهمس بمكر:
- خالد باشا بنفسه جاي يصحيني، مش عواديك يعني يا بابي.

رفع حاجبه الايسر بسخرية لما تلك الفتاة تشبهه لتلك الدرجة قرص انفها برفق ليغمغم بتهكم:
- بقي كدة يا بنت خالد ماشي، على العموم أنا كنت جاي اقولك مالوش لزوم تروحي الجامعة النهاردة.

اتسعت عينيها بذهول تنظر له بدهشة رمشت بعينيها عدة مرات وقلبها يدق بعنف لما لا يريد منها الذهاب، يجب أن تذهب، يجب أن تراه، كيف سيمر اليوم دون أن تراه دون أن تسمع صوته، دون أن تضحك من خلجاتها بسعادة من مزحاته اللطيفة، بلعت لعابها تنظر لوالدها بتوتر تهمس:
- ليه يا بابي أنا عندي محاضرات مهمة.

أخرج هاتفه من جيب حلته الفخمة فتحه يشهره أمام وجهها لتري انها صورة لجدول محاضراتها الإسبوعية، نظرت لمحاضرات اليوم لتجد فقط محاضرة واحدة فقط لا غير، تنهدت بحزن، تلعن في نفسها من قام بتغير جدول محاضراتها، لتسمع صوت والدها يهتف بهدوء:
- محاضرة واحدة والدكتور بتاعها بيجيلك آخر الأسبوع يشرحلهالك هنا، يعني مالوش لزوم مروحاك النهاردة، اجهزي وحصليني على الفطار.

هزت رأسها إيجابا بطاعة ليخرج خالد من الغرفة مغلقا الباب خلفه لتمسك وسادته تجز عليها باسنانها بغيظ لن تخرج لن تراه، تكاد تجن من الغيظ، اتجهت سريعا إلى المرحاض لتلحق بهم فوالدها حازم جدا خاصة في مواعيد الطعام
«لينا خالد السويسي --- 24 عاما.

فتاة جميلة متوسطة الطول تفوق طول والدتها ببعض سنتيمترات، بشرتها بيضاء صافية، ملامحها طفولية ماكرة مزيج خاص بين براءة لينا وعنفوان خالد، وجنتيها متشربتان بحمرة طبيعية ذات أعين بنية دافئة شعر بني داكن، امتزج فيه شعر والدتها الأشقر وليل شعر والدها الحالك
، تدرس في السنة السادسة في كلية الطب، بناءا على رغبة والدها، تكره دراستها بشدة أو بمعني اصح كانت حتى تعرفت عليه!».

على طاولة الإفطار، انهي خالد إفطاره السريع ليقم ملتقطا هاتفه ومفاتيحه، نظر لزوجته سريعا ليعاود النظر في ساعة يده ليهتف على عجل:
- أنا متأخر هتيجي اوصلك ولا مش هتروحي
تركت فنجان الشاي من يدها تبتسم بهدوء تهز رأسها نفيا:
- لا يا حبيبي مش رايحة، طالما لوليتا مش هتروح الجامعة أنا هفضل معاها وكمان عايزة اعمل الاكل لزيزو بايدي...

وقفت لقمة الطعام في فمها حينما سمعت أسمه شخصت عينيها بذعر تنظر لوالديها، بصعوبة بلعت لقمة الطعام لتهمس بصوت مرتجف مبحوح:
- هو زيدان جاي!
حركت والدتها رأسها إيجابا تبتسم برفق لتهب واقفة تنظر لهم بذعر تصيح بكره ممزوج بفزع:
- لاء ما تخليهوش يجي، قوله ما يجيش يا بابا أنا بكرهه مش عيزاه يجي، ما تخليهوش يجي.

وجه خالد لابنته نظرات حادة غاضبة ليتركهم ويخرج من البيت، تنهدت لينا بتعب تغمض عينيها، مشتتة تعبت من الجميع، خالد رحل غاضبا وابنتها تجلس مكانها ترتجف فزعة كأن زيدان وحش مخيف سيأكلها، وهي بين شوقها لولدها الحبيب التي تولت تربيته منذ أن كان طفلا وخوفها على ابنتها ممزقة لا تعرف من عليها أن تراضي.

قامت من مكانها لتجلس على الكرسي جوار ابنتها جذبت رأسها تحتضنها برفق لتختبئ الأخيرة بين أحضان والدتها تبكي بعنف وومضات سريعة مما حدث قديما تمر أمام عينيها بسرعة وعنف، سمعت صوت والدتها تهمس بحزن:
- لوليتا أنا نفسي أعرف انتي ليه بتخافي من زيدان اوي كدة، حبيبتي دا عمره ما آذاكي، ليه بتكرهيه وبتخافي منه اوي كدة.

هزت رأسها نفيا لا تعرف بما ترد فقط تبكي بصمت، فتحت فمها لتتحدث لتصمت تماما شهقت تعطس بقوة لتبعدها لينا عنها بسطت كفها فوق جبينها لتتنهد بتعب حقا هذا ما كان ينقصها، جزت على اسنانها تبتسم بيأس:
- صحيتي من النوم استحميتي بماية ساقعة مش كدة، على أوضتك على ما اجبلك علاج واعملك حاجة سخنة، واتصلي ببابا اعتذرليه ما ينفعش تزعقي قدامه ولا ايه
اخفضت رأسها بخجل من تصرفها الأحمق تهز رأسها إيجابا لتتحرك لأعلي.

خرج من المنزل واجما حائرا من تصرفات ابنته الطائشة، يعلم كرهها الشديد لزيدان ما حدث قديما لا يمكن أن تنساه ببساطة حتى ولو مرت سنوات عليه، ولكنها ابدا لم تقتنع أن زيدان لا دخل له بما حدث ابدا، اتجه ناحية سيارته الدفع الرباعي السوداء ليجد قائد حرسه الذي بات يلازمه مع فريق من الحرس بعد تعرضه لعدة محاولات اغتيال، احدهم يصر على قتله وبشدة!، أسرع قائد الحرس يفتح باب السيارة الخلفي، ليجلس خالد على المقعد الخلفي، واستقل السائق ومعه قائد الحرس مقدمة السيارة، سأله الحارس باحترام:.

- الشركة ولا الإدارة يا باشا
نظر للحراس يتمتم بهدوء حاد:
- الادارة وبلغ زيدان اني عايزة قدامي في خلال ساعة بالكتير.

اوقف سيارته امام مبني عمله لينزل منها يتحرك بشموخ ثقة ثبات، دخل إلى مقر عمله بخطي واثقة، وهامة مرفوعة، نظرات ثابتة، طلة مهيبة لا تليق الا به هو، يكاد قميصه يشكو من عدم تحمله لعضلاته الضخمة، طوله الفاره يجعله كصقر محلق بين طيات السحاب، زرقه عينيه تري فيهما امواج البحر المتلاطمه، شعر بني كثيف لحية خفيفة اضافت إلى ملامح وجهه القاسية وسامة قاسية، هو.

« خالد زيدان الحديدي، ابن المقدم الشهيد زيدان الحديدي، في الثانية والثلاثين من عمره طويل القامة مفتول العضلات شعره بني كثيف عينين زرقاء حادة ثاقبة، عصبي حاد الطباع مع الجميع عداها هي يكره التعامل مع الناس يعشق العزلة والانطواء »
اكمل طريقه إلى وجهته يقف كل من يراه ويؤدي له التحية بينما يتجاهله مكملا طريقه
وقف امام باب تلك الغرفة دق الباب بهدوء.

ليسمع الأذن بالدخول ادار مقبض الباب الذي لو تكلم لصرخ من قبضته الحديده
دلف إلى داخل الغرفة ليرفع يده ويؤدي التحية بقوة يغمغم بأدب:
- صباح الخير يا افندم
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي الجالس خلف مكتبه ليرفع رأسه عن الاوراق ينظر للواقف أمامه لتتبدل ابتسامته بأخري بها نوع من الفخر للواقف امامه حمحم بهدوء يهتف:
- صباح النور يا زيدان، استرح يا سيادة المقدم.

ارتسمت شبح ابتسامة على شفتيه ليجلس على المقعد الجلدي الاسود المجاور للمكتب الاسود الكبير الذي كتب على لوحة خشبية سوداء في مقدمته « اللواء خالد السويسي »
حمحم بهدوء يغمغم بأدب:
- خير يا سيادة اللوا قالولي ان سيادتك عايزني
ترك خالد القلم من يده رفع رأسه عن الاوراق التي امامه ينظر للجالس أمامه نظرات هادئة رزينة ليهتف اخيرا بصوته الاجش الرخيم:
- زيدان زمايلك بيشتكوا من طريقة معاملتك معاهم.

زفر الأخير بحنق كل يوم والثاني يذهب أحد الحمقي كما يطلق عليهم يشكوه لأنه فقط منعزل لا يحب التعامل معهم، وهم لا يكفوا عن مضايقته فينفجر فيهم ليفروا راكضين يشتكوا منه كالأطفال تنهد بضيق يحاول ان يهدأ:
- يا سيادة اللواء أنا طلبت من سيادتك بدل المرة ألف تنقلني مكتب لوحدي بس...
قاطعه خالد حينما صدم بكف يده سطح مكتبه بقوة يصيح بحدة:.

- وأنا قولتلك بدل المرة ألف لاء، هتفضل في مكتبك وهتختلط بزمايلك وهتعاملهم كويس، انت فاهم
اخفض رأسه ارضا يكور يده يشد عليها لن يمكنه أن يصيح أمامه هو تحديدا لن يفعلها ابدا حرك رأسه إيجابا ليهمس بأدب:
- حاضر يا سيادة اللوا، حاجة تانية ولا اروح على مكتبي
كاد ان يقوم ليشير له خالد بيده ليجلس مرة أخري ازاح شخصية لواء الشرطة جانبا ليرسم على شفتيه ابتسامة هادئة يطرق بسن القلم على سطح المكتب بهدوء:.

- آه، اخبارك ما بقتش بتيجي الفيلا خالص ليه
ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتي زيدان لتشرد عينيه في الفراغ تنهد بسأم قائلا:
- خليني بعيد أحسن يا خالي، انت عارف إلى فيها، لينا اول ما بتشوفني بتعمل ازاي
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه يغمغم بتهكم:
- دي لو شافت عفريت مش هتعمل كدة، دي ما بترداش حتى تسلم عليا، فالحة بس اول ما تشوف الزفت جاسر تجري تترمي في حضنه
افلتت ضحكة خافتة قصيرة من بين شفتي خالد يكمل ساخرا:.

- يا حمار دا اخوها في الرضاعة، خلينا في المهم لينا عزماك على الغدا وصاحية من بدري تجهز فيه، قول لاء مش جاي عشان اسففك تراب الإدارة
حمحم بحرج يحرك يده على رقبته من الخلف بخجل يبتسم:
- احم، ايه التهزيق دا، حاضر يا خالي جاي طبعا، بس ممكن بعد إذن حضرة جناب سيادتك طلب صغير
نظر له خالد ساخرا يرفع حاجبيه بتهكم من أفعال ذلك الفتي التي تذكره بأفعال ابنته كلاهما يصبح ودودا حينما يريد منه شيئا، ليغمغم بتهكم:.

- طالما قلبت مؤدب فجاءة يبقي عايز تسمع صوت لينا
ابتسم بسعادة طفل صغير يحرك رأسه إيجابا بلهفة، ولحسن حظه دق هاتف خالد في ذلك الوقت برقم ابنته، ابتسم بتعجب يالها من مصادفة فتح الخط ينقر على زر مكبر الصوت، ليسمع كلاهما صوت لينا تهمس بأسف:
- بابي أنا عارفة أنك زعلان مني عشان اللي حصل الصبح، أنا آسفة يا بابي، ما تزعليش مني مش هتتكرر تاني.

قطب زيدان جبينه بتعجب تشاجرا!، تلك الوقحة هو بالرغم من سنوات عمره ومركزه لا يجرؤ على أن يرفع صوته عليه، وهي تتشاجر معه بوقاحة، إن كان يكره فيها شئ فهو دلالها الزائد، ليسمع صوت خالد يهتف بهدوء:
- خلاص يا حبيبتي ما فيش حاجة
لتصيح لينا بسعادة: - حبيبي يا بابا تعرف أنك وحشتني اوي اوي
ضحك ساخرا يهتف بتهكم: يا كدابة، دا أنا ما سايبك من اقل من ساعتين.

لتهتف الصغيرة بمرح: وهما ساعتين دول قليلين دول بيحصل فيهم بلاوي، ادفاي بيتخانق مع شانتي وبيكرها ويقولها أنا هنتقم منك وبعدين
قاطعها خالد سريعا يهتف:
-بسسسس يا حبيبتي أنا عارف بتجيبوا ضغط منين للشلل دا، اقفلي اقفلي روحي شوفي البتاع دا هتلاقيه طلقها وخلصنا.

ضحكت الصغيرة تودع والدها، اغلق خالد الخط ينظر للجالس امامه ليلاحظ تلك الإبتسامة السعيدة الواسعة المرتسمة على شفتيه ليتنهد بحسرة على حاله، كلما زاد عشق زيدان للينا زاد كره لينا لزيدان..

في فيلا خالد السويسي.

اغلقت الخط مع والدها تبتسم بسعادة كالعادة والدها لم يستطع ان يغضب فهي مدللته الوحيدة، بلهفة قامت متجهه إلى دولاب ملابسها تخرج من تحت طيات ثيابها هاتف أسود صغير، تستخدمه للاتصال برقم واحد فقط، فهي حقا لا تستطيع محادثته من هاتفها لأن جميع المحادثات التي تجريها تتحول تلقائيا إلى هاتف والدها خاصة وأن كان الرقم الذي ستحادثه غير مدون لها، تتحول المكالمة نفسها إلى هاتف والدها في نفس الوقت التي تجريها فيها، اتجهت ناحية باب الغرفة توصده جيدا بالمفتاح لتجلس على الفراش تربع ساقيها بلهفة طلبت ذلك الرقم تضع الهاتف على اذنها تتصاعد دقات قلبها بسعادة مع سماع صوت رنين الهاتف، لترتسم ابتسامة واسعة حالمة على شفتيها حينما سمعت صوته الرخيم الدافئ الذي تعشقه لتهمس بسعادة ممتزجة بخجل:.

- معاذ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة