قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والثمانون

((فتح شداد المظروف الذي وصله منذ قليل وهو يعلم جيدا ما يحتويه. لقد انتظر الخبر لفترة وها هو قد اتى. اخرج الرسالة المشفرة ليقرأ السطر الوحيد الذي تحتويه.
إفيين ستنهار خلال اسبوع.
هيثم.

طوى شداد الرسالة بين يديه وتركها في هدوء على المكتب. ها هي النهاية قد حانت يا شداد. ها انت تراها كما تخيلتها. ها قد باءت كل تلك العقود التي اضعتها لتغير مسار النهاية بالفشل. قد ارهقتك السنون. قد اثقلك الذنب. حتى حانت اللحظة التي تدفع فيها الثمن.
استدعى شداد نائبه وعندما حضر ذلك الأخير: -حضروا دفاعات أراكان(عاصمة ابيس) فالمواجهة الأخيرة ستكون هنا
اجاب النائب بفزع: -اتعني.؟

اعتدل شداد واقفا وأومأ برأسه قائلا: -إفيين تنهار.
قال النائب بتوتر وذعر
-لكن سيدي من سيقود الجيش هنا. ان وزير الدفاع في على حدود البنارا.
اتجه شداد في ثبات الى باب المكتب ثم التفت الى نائبه وقال: -انا بالطبع، إن اريان ينتظر. لن ندعه ينتظر كثيرا
اما وقد حانت النهاية. اما قد حان للسيفان ان يلتقيا على اشلاء المئات ودماء الألاف. وفوق ابحر الدماء يُكتب التاريخ من جديد. )).

مضت الأيام وانا ارى رودوس وجيوش الإتحاد الدولي تتقدم على حدود ابيس واشاهد كيف يدير ارايان الحرب بدهاء وبراعة جعلتني اتسائل إن كان هناك ما استطيع فعله لأبيس حتى الموت بدى سخيفا وانا ارى كيف تُدار المعارك. رودوس ستنتصر لا ريب في هذا.
-اسحبوا القوات الرودوسية من البنارا تماما. لا اريد ان يبقى لنا جندي واحد على حدود ابيس الشرقية.

نظرت الى اريان في تعجب فقال: -اتعلمين لقد قامت حركة مقاومة شعبية هناك والجنرال شاهين جعل التوغل عن حدود البنارا مستحيلا وانا لا ارسل جنودي ليموتوا اوليس هذا ما تظنونه عني
عقدت حاجباي واستجمعت شجاعتي وسألت: -الى اين سترسلهم؟
رفع احد حاجبيه ثم اجاب ببطء: -انت تعلمين اين. الى افيين
هذا ما ظننته. وهذا ما ارعبني فإن سقطت أراكان تسقط ابيس كلها.

وبمرور يوم بعد اخر شاهدت كيف يدير اريان البلاد. كيف يُحْكِمُها بين يديه. وادركت ان هذا الرجل خُلق ليُصبح قائدا. هو لم يكن الشيطان الذي تصورت ان يكون. لم يكن مجنونا او مخبولا بل كان ذكيا، ماهرا. ثابت الجنان قوي الشخصية والعزيمة. كان قائدا بكل ما تحمله الكلمة من معاني. رأيت رجلا خطط لكل خطوة يقوم بها. وهذا كان مخيفا. لكن اكثر ما اثار رعبي هو قسوته وإنعدام رحمته عندما يتعلق الأمر بأبيس. اريان لم يكن الشر الخالص كما ظننت لكنه كان كذلك عندما يتعلق الأمر بأبيس.

الكوابيس الغريبة لم تتركني منذ تلك الليلة. بمجرد ان تطئ قدمي تلك الغرفة. يتغير كل شيء. الكثير من المشاعر تغمرني حتى لم اعد ادري مشاعري الخاصة. وكلما مكثت هناك اكثر كلما ازداد الوضع سوءا. اما النوم فيكاد يصبح مستحيلا. قلبي لم يعد يتحمل ولم اعد اطق المكوث في تلك الغرفة. اصبحت اتمنى الا يأتي الليل او ان اظل ارافق ارايان الى الأبد.

استلقيت على الفراش بحذر وشيء من الخوف. لا اريد ان انام. حدقت في سقف الغرفة وتنهدت. هذه الغرفة اصبحت محل رعب بالنسبة لي. الغضب الشديد الذي ينتابني عندما استيقظ من نومي يجعلني اخاف من نفسي وما قد افعله في حالة كهذه. ثم ذلك الشعور المستمر بالتوتر والحذر. كنت في البداية اعتقد انها مشاعري انا لكن مع الوقت ادركت ان الأمر متعلق بالغرفة نفسها. هناك شيء بها يجعلني هكذا.

قاومت النوم بلا جدوى. انا متعبة، ادرك هذا. اشعر بجفناي يثقلان وفي لحظة ما استسلمت للنوم...
((اشار الجندي الى زميله قائلا: -نظر انه يحدث مجددا
رد زميله بإرتباك: -يجب ان نبلغ عن هذا حالا. انها الأوامر.

وبينما انشغل احدهم بالإتصال كان الأخر يشارهد ما يحدث امامه على شاشة المراقبة في ذهول وهو يرى تلك الفتاة التي اُسرت منذ فترة. تتقلب في الفراش وتصرخ كأن هناك من يعذبها. هو لا يفهم لم الإهتمام الشديد بإضطرابات الفتاة. تحليله للأمر عندما علم انها تعمل في الجيش ان ضميرها يعذبها بالتأكيد لترى هذه الكوابيس كل ليلة تقريبا. اخذت تصرخ وتتقلب وكأن الشيطان يلاحقها والدموع تنهمر من عينيها كالفيض. ثم فجأه هدأ كل شيء وبعدها بلحظات قصار، فُتح باب الغرفة ليدخل الرئيس ونائمه فإمتلأ قلب الرجل خوفا للحظة قبل ان يؤدي التحية ثم قال:.

-لقد هدأت يا سيدي
لم يكن يدري لمن يجب ان يوجه التقرير لذا صمت وبعد برهة قال نائب الرئيس كريتوفر دومينو:
-اعد التسجيل اذن
فسارع بفعل ما اُمر وعندما انتهى خانته عيناه فالتفت الى القادمين ليراهم يشاهدون ما يحدث على الشاشة. وعندما وقعت عيناه على رئيسه ادرك ان الأمر لابد اكبر مما يظن.

عندما شاهد ارايان كيسارا وهي تتقلب وتصرخ. ادرك ان الأمر قد وصل اليها بالتأكيد حتىوإن كانت تجهل ما يحدث لها. لكن شيئا مما رأه ازعجه. هذه الفتاة ستعلم عما قريب. ستعلم الحقيقة التي لن تغير من الواقع شيء)).

شهقت في الم وفزع وانا احاول لمس الجثة لكن جسدي يأبى ان يتحرك. تساقطت دموعي كالسيل. يا الهي. رمقني الجسد المتفحم في وقد احتبست الصرخة في حلقها لكنهي لم تحتبس في حلقي. صرخت كما لم اصرخ من قبل. صرخت بكل قهر ومرارة. لا يمكن ان يحدث. لا يمكن ان تكون تلك هي النهاية. وعندما نظرت اليها مرة اخرى لاحظت تلك القطرات الحمراء التي تساقطت عليها فالتسعت عيناي في رعب وانا انظر الى السماء لأرها تمطر دم احمر قاني.

فتحت عيناي في فزع وانا اشهق واحاول تهدئة نفسي وإقناعها ان الأمر مجرد حلم. لكني اعلم يقينا انه لابد اكبر من هذا. فمهما كان عدد المرات التي رأيت فيها هذ الحلم إلا ان مشاعري لا تختلف ولا تعتاده بل يتملكني المزيد من الغضب. المزيد من الألم. هذا كثير. لم اعد احتمل.

نظرت الى الكاميرا في غضب. غضب حقيقي يخصني انا. هم يضعونني في تلك الغرفة لسبب ما. يجب ان اخرج من هنا. يجب ان اخرج. يجب ان افعل. انا لا استطيع رؤية المزيد من الكوابيس. لا استطيع تحملها وانا اعلم تمام العلم انها حقيقية. فجأة ودون سابق انذار وجدت نفسي اتمتم:
-اخرجوني من هنا. اخرجوني من هنا.
ثم تحول الأمر الى صراخ غاضب. لا ادري كيف وجدت نفسي امام باب الحجرة الكمه واركله بكل قوتي وانا اصرخ:.

-اخرجوني من هنا!
كورت قبضتايَ وبكل ما اُتيت من قوة اخذت اضرب الباب حتى ادمت يداي وانا لا اكف عن الصراخ. لكن ما من مجيب. ما من ملبِ للنداء. ما من احد.
-اخرجوني من هنا!

تعالي الصراخ. وتضاعفت هجماتي الى الباب الذي لم يتزحزح إنشا. في غضب جنوني لم استشعر مثله من قبل. حتى إستُنفذت قواي واُرهق جسدي وتلاحقت انفاسي. وببطء اصبحت يداي وقدماي اثقل حتى تهالكت ارضا واسندت رأسي الى الباب قبل ان تتساقط دموعي في قلة حيلة:
-ارجوكم. اخرجوني. من هنا
مددت اناملي امسح دموعي لكني لم استطع التوقف عن البكاء. لم استطع منع الأنين او الشهقات.

نظرت الى يداي لأرى مفاصل اصابعي دامية فأغمضت عيناي بقوة. لا يمكن ان يعود هذا الجسد الضعيف لعقيد في الجيش. لا يمكن ان اكون بهذا الضعف. لا استطيع حتى الخروج من هنا او حتى قتل نفسي. وما من مجيب. ما من منقذ. اين انت؟ لماذا تركتني هنا؟

عقدت حاجباي في حيرة. اين انت؟ من اقصد؟ من اين اتى ذلك السؤال؟ حاولت التذكر دون فائدة فتنهدت وارتكنت بجسدي الى الباب. اذن هم لن يخرجوني من هنا مهما فعلت. وانا اعلم اني لا استطيع رؤية كابوس اخر. يجب ان اجد حلا بنفسي. ليس هناك من سيفعل ذلك غيري.
بهدوء وبطء اعتدلت واقفة ثم بالكاد استطعت الوصول الى الفراش والإستلقاء قبل ان افقد الإحساس بكل ما حولي.

مضى اليوم كأي يوم اخر عدى اني لم ارافق اريان كما هي العادة بل رافقت كريستوفر ولم يذكر احد اي شيء عن نوبتي البارحة. لا احد يأبه على ما اظن.

في نهاية اليوم استلمني احد الجنود كما هي العادة ليقودني الى الغرفة التي يحتجزونني فيها. سرنا في ممرات البناية التي احتوت على حراس في كل ركن بها لكن تعدادهم ظل يقل حتى وصلنا الى الغرفة المقصودة وامامها وقف حارسان مسلحين بالسيوف في تأهب لأي حدث في الممر الخالي مما سوانا. عند تلك اللحظة اتخذت قراري في ثوان وبسرعة لم اتصور نفسي قادرة على استحضارها، استدرت راكلة الجندي ثم احكمت يدي على رأسه ورفعت ركبتي لتصطدم بوجه ليسقط ارضا فاقدا الوعي. حدق في الحارسان للحظة في صمت قبل ان يتحراكا نحوي حينها تحرك جسدي كأن له ارادته الخاصة واسرعت يدي الى سيف الجندي الذي ارتمى جسده امامي.

رفعت السيف في وجه الحارسين الذين انقضا على لكني لم اخف بل لم يطرف لي جفن وانا اتصدى لكلاهما في سلاسة كأن السيف اصبح جزء مني. انا على يقين انهما لن يستهدفا حياتي وهذا جعل اليد العليا لي. تفاديت في مرونة احدهما ثم هويت بسيفي على يده ليتطاير السيف في نفس اللحظة التي غرزت فيها سيفي في كتف الأخر وبيدي الأخرى لكمته في وجهه فسقط ارضا، عندها انطلقت صفرات الإنذار في كل صوب فتصلبت ثم هويت بغمض السيف على رأس الحارس الأخر قبل ان اطلق لساقي العنان في الإتجاه المعاكس للذي جئت منه غير عابئة بمن يعترض طريقي فقد تصديت للجميع لم يهزمني احد وبمرور كل ثانية اشعر ان السيف يصبح اخف وان ردود افعالي تصبح اسرع وهجماتي اكثر فتكا لكني تعمدت الا اقتل احد على الأقل ليس مباشرة.

((-ماذا! لا تسطيعون ايقافها؟ ّ! لابد انكم تمزحون!
صاح بها كريستوفر وهو يتلقى البلاغ ويسرع نحو غرفة المراقبة ثم يفتح بابها على مصرعيه هاتفا:
-انها مجرد فتاة ايها الحمقى
رد رئيس قسم المراقبة: -لقد كادت تنهي حياة رئيس الحرس. الجنود. لا يستطيعون ايقافها.
اوشك دومينو ان يصيح بشيء ما لولا ان استوقفه مشهد كيسارا وهي تهرب على إحدى الشاشات فقال:
-اين هي الأن؟

اجاب الرجل في حذر: -انها توشك على الخروج من الجناح الشرقي الى الساحة الداخلية.
اتسعت عينا دومينو وردد: -الساحة الداخلية لكن.
قاطعه صوت رنين سماعته الخاصة فاستجاب وهو يعلم جيدا من المتصل: -معك كريستوفر دومينو يا سيدي
-اين الفتاة؟
-انها على وشك الدخول الى الساحة الداخلية يا سيدي. لكننا سنوقفها قبل ذلك بالتأكيد و.
استوقفه اريان بصوت يُجمد الدم في العروق: -دعها تأتي اليّ.

صمت كريستوفر دومينو في دهشة. غير عالم ما ستشهده الساحة خلال دقائق قصار. فارايان الفا في الساحة الداخلية ينتظرا كيسارا)).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة