قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والثمانون

خرجت من المبنى الى ما يشبه الساحة وحين ظننت انه ربما اكون قريبة من الفرار ادركت انها ساحة داخلية اي انني لا ازال داخل المبنى زفرت في حنق واستدرت لألحظ شخصا امامي فتراجعت بحركة حادة عندها رأيت من كان، ارايان الفا. ماذا يفعل هنا؟ هل ينوي ايقافي؟ شعرت بالخوف لكن هذه قد تكون فرصتي الوحيدة للهروب. لم يتفوه بحرف فرفعت سيفي في مواجهته. مد يده بهدوء وثقة الى سيفه ثم سحبه من غمده ورفعه نحوي يدعوني للقتال. خطوت للأمام في حذر ثم سرعة وسلاسة هويت بسيفي على سيفه فصدني دون ان يتزحزح للحظة فتراجعت للخلف عاقدة حاجباي. فأشار الى يدعوني قائلا:.

-ارني ما لديك
هاجمت من جديد لأتلقى نفس النتيجة. ثم مرة اخرى ثم اخرى. الا ينوي ان يقاتل فعلا؟ هل يستهين بي؟ بقدرتي؟ الا يظن اني خصما جديرا به؟ أيعتقد اني سأتراجع عن امري؟ شعرت بالغضب. كيف يجرؤ على الإستخفاف بي. شددت قبضتي على السيف وبكل ما امتلكت من قوة هويت بسيفي في غضب وانا اهتف:
-لا تستهن بي، قاتلني
وحين التقى السيفان أجاب في توحش: -الأن افعل.

قالها وهو يدفع سيفي بقوته للخلف ثم يعلي بيده ليهبط على سيفي بقوة اجبرتني على التقهقر وكاد اتزاني ان يختل حتى كدت اسقط ارضا. نظرت اليه متسعة العينين. هل ينوي قتلي؟ ما تلك القوة لقد كاد السيف ان يُقتلع من يدي لولا قبضتي عليه لكنه لم يتح لي الفرصة لأُذهل لقد اتبع الضربات تلو الضربات في سرعة وثقل كاد ينزع السيف. ضربات بالكاد تفاديتها. ضرباته قوية ثقيلة سريعة جعلتني عاجزة عن شيء سوى الدفاع. لا لن استسلم ليس الأن. وبخفة تفاديت احدى ضرباته وهاجمت انا ليصدني في سهولة جعلت الجهد الذي ابذله بلا معنى وقال بإستهزاء:.

-اهذا كل ما لديك؟

زمجرت في غضب وانا اجز على اسناني عازمة على الإستمرار حتى النهاية. وبكل اصرار وعزم انقضت نحوه والتحم السيفين في عنف وقوة حتى لم يعد هناك ما قد يُسمع حولنا سوى صوت اصطدام الحديد بالحديد. وانا بالكاد اقاوم، بالكاد امنعه من اصابتي. لكن الإرهاق يتملك مني وانا ارفض التوقف هنا. تلاحقت انافسي. لن اتوقف لن افعل ليس الأن. إما القتال او الموت. لكني اتقهقر، اتراجع بلا توقف حتى بدأت افقد تركيزي وبدأ الإجهاد يعصف بي وادركت اني لم اعد ارى بهذا الوضوح. إذا استسلمت الأن سأعود مكبلة الى تلك الغرفة. لا، لا. ثم في لحظة رأيت ارايان يبتسم وسيفه يهوي بحركة سريعة لم استطع تفاديها اطاحت بسيفي بعيدة ودفعتني مترا للخلف. ما كل تلك القوة؟ من اين له بهذا البأس؟ قوة اطاحت بسيفي وامتدت لتصيب يدي اليسرى. رأيت الدم يسيل على يدي فنظرت اليه لأراه يرمقني مبتسما بثقة وثبات في ترقب لم سأفعل. نظر إلى مجترأ اياي، متحديا فبادلته التحدي. سأقاتل للنهاية يا اريان. حتى الموت. قفزت للخلف في حذر وبأنفاس متلاحقة هي اقرب للشهقات نظرت الى سيفي على بُعد مترين مني ثم مجددا اليه فأشار بسيفه لي لأستل سيفي إن كنت سأفعل وانا يا اريان سأفعل. استللت سيفي رغم جرحي. رغم ارهاقي صائحة في اصرار وعناد: -حتى الموت يا اريان. حتى الموت.

عقد حاجبيه وتقدم نحوي قائلا بعزة وكبرياء: -انا من يقرر هذا يا فتاة، انا من يفعل وليس انت
ثم في غمضات عين اشتبك السيفان مجددا في صراع ارادات وعزائم. ابدا. لن استسلم إلا على جثتي. انا لن انتصر. انا ساؤهزم. لكني لن اُذعن. لن ارضخ. لن تحصل على ما تريد مني ما دمت حية في تلك اللحظة اصطدم سيفانا في حدة وقد اصبحنا وجها لوجه فقال بجبروت:
-وانا اقرر متى تنتهي هذه اللعبة.

ملوحا بسيفه بقوة ردتني للوراء ثم اتبعها بهجمة كسرعة الضوء لم ادرك منها سوى ما قاله في نفاذ صبر وغضب:
-وانا اقول انها تنتهي الأن.

جحظت عيناي في عدم تصديق وانا ارمق ما تبقى من السيف في يدي بينما استقر نصفه الأخر ارضا جواري. تلك القوة والجبروت. هذه القسوة والكره. وذلك الغضب. الغضب الأعمى. غضب لا تخمد ناره سوى بالدماء. بالإنتقام. بالموت. وببطء مددت يدي الى عنقي وكتفي لأشعر بسائل دافئ قبل ان ارى الدم على يدي. حدقت في ذهول الى السائل القرمزي على يدي. ثم الى اريان في صدمة وانا اهتف في رعب والم:.

-لقد كان انت. الأحلام. الغضب. الدمار. لقد كان انت. كل ذلك كان انت.
رفع يده وهو يقول ببرود: -هذا يكفي
في لحظة اظلمت الدنيا امامي ولم اعد اشعر بشيء.

فتحت عيني بصعوبة لأشعر بصداع شديد وبألم في مؤخرة رأسي. هل كانت قبضته قوية الى هذا الحد. حدقت في السقف للحظة فأدركت على الفور اين انا. انها تلك الغرفة، لقد اعادوني اليها! حاولت الأعتدال بحركة حادة لأكتشف اني مُقعدة على كرسي لكن تحركي الامني فتأوهت وانا اهتف:
-لا. لا ليس هنا! اه.

توقفت عن الحديث حين ادركت ان احدهم يقف امامي. نظرت الى ارايان في خوف متذكرة كيف كان قتالنا حينها لاحظت الألم في ساعدي الأيسر والأخر على عنقي ومعه تذكرت. تذكرت الأحلام. فشهقت في رعب وقلت مشيرة اليه:
-لقد كان انت. انت السبب فيما يحدث لي. انت السبب في تلك الأحلام.
ثم صرخت: -اخرجني من هنا. اخرجني من هذه الغرفة الأن.
عقد حاجبيه للحظة ثم نظر الى كاميرة المراقبة في ركن الحجرة قائلا بهدوء:.

-ان كاميرة المراقبة مغلقة الأن
نظرت الى الكاميرة ثم اليه في حيرة خائفة: -ما الذي ستفعله بي؟
كيف نسيت اني قد حاولت الهرب منذ قليل بل وتحديته محاولة الموت على يديه. لكن خوفي من البقاء هنا كان اقوى مما قد يفعله بي. اقترب مني وهو يقول:
-يجب ان ننهي هذا هنا
-نن. ننهي ماذا؟ يجب ان تخرجني من هنا. انا لا اريد البقاء هنا ارجوك.
تقدم خطوت اخرى فانكمشت في الكرسي اكثر وقلت: -انا لا اريد ان ارى المزيد.

توقف حين اصبح امامي مباشرة وقال: -لهذا يجب ان ننهي هذا الأمر هنا والأن
عقدت حاجباي في عدم فهم: -ماذا ستفعل؟ تلك الكوابيس. تلك الذكريات كانت لك اليس كذلك؟ ماذا كان هذا؟

لا ادري ما الذي دعاني للسؤال وانا التي تريد الفرار من هنا. الفرار من قبضته ومن تلك الغرفة التي اصبحت جحيما لا يطاق. لكن ادراكي ان تلك الأحلام تخصه جعلني اسأل وانا لا اريد ان اعلم الإجابة. حقا لا اريد. إذن ما الذي يدفعني الى ما اقول:
-اخبرني.

حدق في بوجه خال من اي تعبير. وجه بلا مشاعر. لكني اشعر بكل شيء وهو على هذا القرب. اشعر بما لا اريد وما لا يخصني. هذا الرجل غاضب. غاضب الى ابعد الحدود. قال بعد برهة:
-إن استمر الوضع على ما هو عليه فستعلمين الحقيقة إن عاجلا او اجلا
تناسيت خوفي فجأة ووجدت نفسي اقول: -اذن اخبرني. اليس لهذا امرت بإغلاق الكاميرات؟ انت لست هنا لتهديدي. انت هنا لتخبرني اليس كذلك؟

ابتسم للحظة ثم اختفت الإبتسامة قبل ان تولد وقال: -بالضبط.
ارتسمت الجدية على وجهه وهو يمد يده الى يدي فتراجعت في ذعر وانا اقول:
-انا لا اريد ان اشعر.
-إذن انت تتدركين ما الذي يحدث الأن
اومأت متسائلة: -لماذا اشعر بك؟ من انت؟
شعرت بيد ثلجية توضع على معصمي الأيسر فارتجفت في عنف محاولة ابعاد يدي لكنه شدد قبضته حتى لم اعد قادرة على تحريك يدي فقلت بصوت مرتجف:.

-انا لا اريد ان اشعر بك. لا اريد ان اشعر بذلك الغضب. بالألم مجددا لا اريد. ارجوك
لكن يده لم تتزحزح في حين قال: -لتعلمي انها الحقيقة
لماذا قد اُكذب ما سيقول. ليس هناك ما يدعوه للكذب. تابع امرا: -كفي عن الإرتجاف انا لن اؤذيك.

انا لن اؤذيك. احدهم قالها لي من قبل. انا متأكدة لكن من؟ نظرت الى ارايان. هناك شيء خطأ. انا لا اريد ان اعلم ومع ذلك اسأل لدي شعور قوي انه لا يجب ان اعلم. ان ما سيقوله سيدمرني. لكن لماذا؟ رأيت البرود يكسوا ملامحه رغم الغضب المريع الذي اشعر به ورغم قبضته حول معصمي وادركت ان هذا الذي اراه امامي هو الوحش الذي كنت اهابه ولازلت ورغم ادراكي ان ما سيخبرني به الأن. سيجعل منه انسانا في مرأي. وانا لا اريد. لا يجب ان اريد. هناك شيء خاطئ. قال بصوت هادئ اعلم جيدا انه لن يبقى كذلك.

(( لا يدري ما الذي حمله على هذا وهو لم يكن ينتوي ان يخبرها بشيء حتى وجدها تقول بثقة رغم الخوف البادي عليها:
اخبرني
حدق في وجهها المرتعب. ربما في وقت اخر كان سيستمتع برعبها بين يديه كما يجب ان يفعل. بعد ان وصل الى هذا. بعد ان حصل عليها من قبضة شداد. لكن وجودها هنا امام ناظريه جعله يتذكر.
كم تمنى ان يراها. لو لما فات رجوع.

يتذكر ما لا يريد. وعندها ادرك ان تلك الفتاة هي القلب. سيخبرها. سيخبرها الحقيقة التي لن تغير من الواقع شيء:
-ان لحامل التنين القدرة على الشعور بالقلوب الأخرى والفرسان الخمسة عند الإقتراب منهم. ما نعرفه انه يكون على اتصال دائم بهم ما دام قريبا منهم هم ينجذبون اليه كما ينجذب اليهم
قطبت حاجبيها وقالت بحيرة: -اتعني انك احدهم؟

تنهد ساخر للحظة ثم اجاب: -لو انك تتذكرين لعلمتي الإجابة الأن. لا ايتها الفتاة انا لست احدها. بل كنت اعظمها.
ضغط على يدها بقسوة وهو يقول بصوت بارد كالثلج: -انا كنت حامل الموت قبل ان. يسلبه مني شداد.
شعر بها تأخذ نفسا حادا وهي تنظر له في شيء من الذهول اشعره للحظة انها قد تكون تذكرت شيئا قبل ان تعود الحيرة الى عينيها من جديد وهي تقول:
-لا هذا غير صحيح. هذا خاطئ هذا الكلام خاطئ.

ضغط على يدها اكثر وهو يقول: -انت تعلمين انه ليس بخاطئ. انت تشعرين بما اقول، تعرفين اني لا اقول سوى الحقيقة والدليل هو هذا.

ثم رفع يده المقبضة على معصمها قائلا: -انت تشعرين بي. ترين ما ارى كما تفعلين مع اي حاضن وفارس. هذا هو التفسير الوحيد. بينما لو تتذكرين فأنت لم تشعري يوما بشداد. لم تكوني على اتصال به ابدا فشداد ليس احد الحاملين او الفرسان. كان يجب ان تدركي هذه الحقيقة اسرع. الم تري ابدا انه الحامل الوحيد الذي لا يتحمل جسده قوى القلب ولولا وجودك جواره لفنى جسده منذ سنين.

نظر الى عينيها المتسعتين متابعا: -هذا لإنه لم يكن ابدا الحاضن الشرعي للموت. )).

لا ادري ما السبب. لكني اعلم ان ما يقوله صادق، صحيح. رغم اني لا افهم. لا افهم اي شيء على الإطلاق. لكن ما ادريه هو ان ما قاله هالني الى حد مرعب. اذهلني حتى وجدت نفسي انكر ما يقول. ارفض تصديقه واكره الإعتراف به. رغم علمي ان ما يقوله صحيح. كيف هذا؟ ولماذا؟ ومجددا شداد. ذلك الاسم. لماذا ينقبض صدري كلما ذُكر الإسم؟ ماذا كان يعني؟

في تلك الليلة اخبرني ارايان بالحقيقة. الحقيقة التي انكرتها نفسي دون سبب واضح.
(( لقد بدأ كل شيء بالنذير.
كنا في قرية صغيرة على الحدود بين رودوس وزريها. بعيدا عن يد الحكومة إذ كانت تلاحق اصحاب الطفرات لصعوبة اكتشاف وجودهم على ارض رودوس. ففررنا الى الحدود هاربين. وهناك يمكن يضعف تأثير ارض رودوس على اصحاب الطفرات. هناك عشنا حتى نسينا انا كنا يوما ملاحَقين.

وفي احد الأيام ومن العدم ظهر امامي من عرفت فيما بعد انه مالك الساعة منذرا اياي قائلا:
-انه آت لأجلك. هو لن يرحمك. يجب ان تهرب قبل ان تبدأ الدورة من جديد
وقفت امامه في ذهول وسألت: -من انت؟
لكنه تابع متجاهلا سؤالي: -اهرب يا فتى. اهرب الى ابعد بقاع الأرض. اهرب ان كنت تريد تلك الحياة البائسة التي تعيش. اهرب ان كنت تخشى الموت. يجب ان تمنع الحرب من ان تقوم من جديد.

ثم اختفى وكأنه كان محض خيال. لم يُوجد من قبل. لقد كنت خائفا حد الموت لكني لم افهم شيئا حينها. لم ادرك مدى الخطر الذي تحدث عنه مالك الساعة. ولم ادري الى اين اهرب. واين اذهب؟ وانا وشقيقتي بالكاد استطعنا الهروب من العاصمة. إلا ان نذير الساعة جاء متأخر. ففي اليوم التالي كان شداد هنا. لم يكن وحيدا بل جاء مصحوبا بمالك الساعة. لازلت اتذكر ما حدث كالأمس كيف وقف امامنا في كبرياء وبرود. كيف خطى بيننا حتى توقف على مسافة مني قائلا:.

-ابتعدوا فلا اريد سوى الفتى
ادركت حينها انه يوجه كلامه الى شقيقتي التي خطت امامي محاولة حمايتي صائحة:
-لن تحصل على شيء يا هذا. لقد نُبإنا بك. نُبإنا بأن احدهم سيبدأ الدورة من جديد. لن اسمح بهذا ابدا ما دمت حية.
في تلك اللحظة علمت ان شقيقتي كانت تعلم ما لا اعلم، رد ببرود كأن هذا لا يعنيه:
-تنحي من طريقي، انا لا اريد سوى الفتى لا داعي لقتل اكثر مما ينبغي.

حاولت منع شقيقتي لكنها لم تتزحزح: -ستقتله إذن؟ إن القلب يعني حياة الحاضن.
وما حياة الفرد من اجل امة؟

انا لن انسى تلك الجملة مهما حييت. ذاك كان جوابه. وكان اخر ما تحدث به اليها. شقيقتي كانت من اصحاب الطفرات، كان لديها القدرة على تكوين الجليد. لذا كان اول ما فعلته هو ان فصلت بيننا وبينه بحاجز جليدي. لكن هيهات. عندما هبطت الصاعقة الأولى ادركت المعنى الحقيقي لإمتلاك القوة. انهار الحاجز كأن لم يكن. وعندما هبطت الثانية تحول كل شيء الى حطام. وجدت نفسي ملقى على الأرض ولم يعد احد بجواري وقد اصبح المكان ركام. ثم رأيته يقف فوقي وببطء مد يده وهو ينظر الى مالك الساعة قائلا:.

-الأن.

عندما لمس بيده صدري. رأيت يده تخترق صدري لتقبض على قلبي. ليمسك فؤادي بين يديه. شعرت الحياة تُسلب مني. أحسست بألم لم اشعر به في حياتي من قبل وكلما قاومت كلما ازداد الألم. رأيت الحياة تنتقل مني اليه. ثم كان الإنفجار. لم ارى ما حدث لكني اعلمه. انتزاع القلب وانتقاله اليه هو عبث بالحياة والموت. وخلالها تسربت بقايا من تلك القوى الهائلة الى ما حولنا مُحيلة كل الحياة حولنا الى موت. بالكاد امكنني سماع ما قيل قبل ان افقد وعيي.

-فيليب. ما الذي يعنيه هذا؟ لقد اخبرتني ان الفتى هو فقط من سيموت
-من كان يدري ان الفتى سيقاوم؟ الفتى لم يمت. استتركه؟
-لقد حصلت على ما اريد. لا حاجة لي لقتله.
عندما استيقظت بعدها. هالني ما رأيت. افزعني حتى لم اعد استطيع النوم ليلة دون ان يطاردني ما رأيت. ))
-انه ما تحلمين به كل ليلة.

المكان يحترق وقد انهار السقف الخشبي بعد ان طالته النيران ورأيت الدماء في كل مكان حول جسدي تحيط بي بينما تناثرت الجثث من حولي. وعندما التفت الى يساري هالني ما رأيت.
الجثة السوداء ترمقني في رعب وقد جحظت عينيها وتشنج فمها في صرخة فزع صامتة قبل الموت. الرماد يكاد يغطي كلانا وعندما وقع بصري على القلادة الذهبية على عنقها عرفت انها هي.

الخوف. فزع لا مثيل له. الوحدة والحيرة. ثم الألم الشديد والحزن الذي يمزق القلوب. منظر الجثة المحترقة وهو يحدق بي. كانت تلك شقيقته. اشعر بفؤادي يلفه الحزن حتى لا يكاد ينبض من الم الفقدان. من المنظر، من الحياة، من كل شيء.

شهقت بألم وانا اخفي وجهي بكفي اليمنى محاولة ايقاف الدموع او اخفائها. لكن الدموع لا تنقطع والأسى لا ينتهي. تلك المشاعر التي لا يتحملها وجداني فاضت منه إلى حتى لم اعد احس بمشاعري. كل ذلك الألم. وتلك الجريمة البشعة. انا لم ارى ما رأي. لكني شعرت بكل شيء بكل آه بكل أنه وبكل صرخة كادت تمزق الوجدان. ثم الغضب.

الغضب العارم. غضب عاتيٍ مدمر. غضب بلا نظير. كره وحقد دفين لا تملك بحار الدنيا اخماده. حميم من نار. جحيم مستعر لا يُطفئه سوى الدماء.
-لم تبكين؟
رفعت يدي عن وجهي وحدقت في وجهه الخالي من المشاعر ثم همست بخفوت: -لك. لإنك تريد ان تفعل. انا ابكي لك انت.
اعتصر معصمي في يده وقال في توحش: -انا لا اريد دموعك. انا اريد قواك. قوى القلب. اتسمعين؟
حاولت ايقاف الدموع لأجيب لكني لا استطيع وبصوت مرتجف قلت: -لكن.

جذبني من ساعدي بخشونة وهو يقول: -انا لم اريك ذاك إلا لأني ابغي قواك وتلك لا تخضع إلا لإرادتك انت. اريتك لتعلمي ان الطريق الذي اتخذتيه كحاضنة للروزين انما هو خاطئ. ذلك هو الرجل الذي كنت تتبعين.
قلت بحدة فجأة: -لا. لا يمكن ان اتبع رجلا كهذا.
الهذا اخبرني اني ملوثة بالدماء؟ ماذا قد فعلت لأجل شداد؟ هل ارتضيت ما فعله وقاتلت معه؟
-وها انت تفعلين. اتبعيني انا.

نظرت اليه. الى وجهه الغاضب. الى الإصرار في عينيه ثم هززت رأسي يمينا ويسارا وصحت:
-لا استطيع. ما تريده هو الإنتقام. ولا تريده فقط بل تريد سلب كل ما سلبه منك يوما. انت تريد ان تُفني امة.
قال بتصميم: -وسأفعل يا فتاة بك او من دونك
قلت بمزيج من الغضب والحزن: -وهؤلاء الذين اهدرت حياتهم ولازلت تفعل لأجل فرد واحد فقط. ما ذنبهم في هذا الطغيان؟

رمقني بنظرة استحقار واستنكار لن انساها ما حييت وهتف بغضب: -وما كان ذنبي انا؟ الم يهدر حياتي لأجل حياتهم. انه دورهم الأن ليدفعوا الثمن. ثمن كونهم اغلى ما امتلك. سأحيل ابيس رماد كما احال حياتي من قبل.
وما حياة الفرد من اجل امة؟

-انظري اين نحن الأن؟ الحرب كنت انا من بدأها. من خطط لها لتصبح ما تنبأ به الجميع. وها انا اقف على اعتاب النصر بينما هو بالكاد صامد. لم يعد يملكك الى جواره. ولم يعد بحوزته الفرسان جميعا. وقريبا لن يملك اي شيء على الإطلاق
هذا الرجل سيحيلها خرابا لا تُرى فيه الحياة. حتى لن تصُلح الحياة فيها من جديد. ورغم ذلك لم اعد املك القوة لأن اكرهه. لأن امقته كما كنت افعل حين التقيته.

فجأة ترك يدي وتنهد معتدلا وهو يقول: -سأبعث بالطبيب لأجلها
نظرت الى ما يقصد. فرأيت الدماء تلوث الضماضات على معصمي الأيسر. لقد ضغط على يدي دون ان يدرك حتى فُتح الجرح من جديد. حدقت في يدي ثم اليه وغمغمت:
-انا اسفة. اتمنى. لو كان بإستطاعتي مساعدتك. لو ان بإستطاعتي تخفيف الألم الذي تشعر. لكني لا اقدر على اتباعك في ذلك الطريق ولو استطعت لأوقفتك. اسفة.

نظر لي عاقدا حاجبيه كأنه ينظر الى مجنون: -هل جننت؟ انا قد اتخذتك ضد ارادتك، دمرت بلادك، وامرت باستجوابك حتى لو تطلب الأمر تعذيبك وكدت اقتلك اليوم لولا انك تحملين القلب. ليس من الممكن ان تأسفي على عدم قدرتك على مساعدتي.
خفضت رأسي وقلت: -لكنه ليس بشيء امام ما قد شعرت الأن.
صمت فترة ثم قال محدثا نفسه: -الهذا ابقاكي الى جواره؟
لم يكد ينتهي ثم استدار نحو الباب مغادرا فوجدت نفسي اقول بخفوت ورجاء:.

-هو ارتضى بتلك الجريمة. فهل سترتضي انت بكل تلك الحيوات على عاتقك؟
كان قد وصل الى الباب حين التفت لي وقال مبتسما في ساخرا: -في اليوم الذي انتزع فيه شداد قلب الموت، انتزع فؤادي معه. انا رجل بلا قلب يا فتاة.
صحت بإنفعال: -هذا غير صحيح. انا اشعر بالألم، بالحزن، بالغضب. لا يمكن ان يشعر احد بهذا دون قلب يا ارايان. انت فقط قد ضللت الطريق.
ادار وجهه وقال دون ان يواجهني: -بل انا قد وجدته وشداد مهده لي.

-هذا. هذا جنون!
قال بشيء من المرارة: -اوليس هكذا بدأ كل شيء
عندها ادركت ان الإنتقام يفعل بالرجال ما لا يتصوره العقل او يخطر بالقلب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة