قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والثمانون

نظر لي كمال كما لو كان يحدق في مجنون. ثم بعد برهة قال: -انت تعلمين كيف تصوبين؟
نظرت الى البندقية وقلت بإرتباك: -هذه اول مرة استخدم فيها سلاحا كهذا. لكن في البن.
قاطعني بهدوء: -اذن كان من الممكن ان تصيبيني انا
نظرت الى البندقية مجددا ثم اليه اتسعت عيناي واتذكر كيف التقطها بكل ثقة وكيف ضغطت على الزناد دون تردد فقلت:
-لم اكن لأفعل.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يقول: -اجل لم اظن انك ستفعلي.

لم افهم ما يرمي اليه لذا قلت بتوتر وانا اقترب مشيرة الى الجثمان: -هل مات؟
عقد حاجبيه وهو يلقي نظرة سريعة على ايفري ثم امسك يدي وصاح: -لا اعتقد لكنه على وشك ان يفعل، الأن هيا قبل ان تُقلع المركبة انها فرصتك الوحيدة للخروج من هنا
-انتظر، هل انت بخي.
لكنه كان يعدو بالفعل وهو يجذبني خلفه.

اتكأت على الأرض بين صناديق الأسلحة عندما اهتزت المركبة ثم نظرت الى كمال. الى يده التي يضغط بها على الجرح اسفل معدته ثم الى العرق الذي يتصبب على جبينه فرغم انني قد ضمدت جرحه إلا انه قد فقد الكثير من الدماء بالفعل وهو بحاجة عاجلة الى الراحة. رمقته في قلق فهو بالكاد يقف. ثم ماذا إن تلوث الجرح؟ لكنه يرفض ان يرتاح. نحن على هذه المركبة الى ما يقرب من ثلاث ساعات وهو لازال يرفض طلبي بأن يرتاح بينما يلتهمني انا القلق إلتهاما.

بعد فترة من الصمت قلت: -لماذا البنارا؟
اجاب وهو يراقب باب الحجرة: -لإن رودوس ترسل اسلحتها هناك وليس جنودها لهذا امكننا التسلل الى هنا من الأساس
همست: -هل تعرف اذن كيف سنصل الى اراكان من هناك؟

عندها نظر لي بضيق فصمت وعاد هو يرمق الباب في انتظار اي دخيل او بلاغ ايفري-إن كان قد عاش-بإننا على هذه المركبة. بينما جلست انا محاولة الصمت وعدم التفكير فيما سأفعله عند وصولي الى ابيس فأنا. فأنا لا اعلم حقا ما الذي قد يفريده وجودي. لكني اثق بما قال كمال. لست ادري ما السبب لكن اثق بكل حرف. ورغم ذلك فإن التوتر يأكلني فماذا لو اننا تأخرنا؟ ماذا لو ان ارايان الفا قد نجح بالفعل؟ ماذا لو ان اراكان قد سقطت؟ ارتعش قلبي بين ضلوعي على إثر ذلك الخاطر مما جعلني اقول بشيء من اليأس:.

-كم بقي لنا حتى نصل الى البنارا؟
لابد ان كمال قد استشعر شيئا من نبرة صوتي حيث وجدته ينظر لي ولم يُجب سؤالي انما سأل:
-ما الخطب؟
قلت بخفوت وخوف: -م. ماذا لو. ماذا لو اننا وصلنا متأخرين؟ ماذا لو ان ابيس.
شعرت بيده تُربت على كتفي وقال: -هذا مستحيل.
رفعت اليه عينان املتان في تصديق ما يقول: -كيف تعرف؟

اجاب وعينه لم تزغ عن عيني لحظة: -لأني اعرف من يقود تلك البلاد حقا. اعرف انه لن يُسلم ابيس إلا على جثته. ام لماذا تحسبين ان ارايان قد ذهب بنفسه؟ لإنه يدري نِعم الدراية ان شداد واتباعه لن يستسلموا ابدا وانه رغم ان هذه الحرب تُوشك على الإنتهاء إلا ان الحرب للحصول على اراكان إنما هي في بدايتها. فلا تقلقي فمن المستحيل ان تقع ابيس قبل ان نصل.
وجدت نفسي اسأل: -هل انت واثق من هذا؟
اجابني: -بالتأكيد انا.

قاطعته قائلة: -ليس هذا مقصدي انما اعني. هل انت واثق مما تفعله الأن؟ من مساعدتك لي؟
هنا ابتسم تلك الإبتسامة التي لا تُرى بل تُستشعر: -انا لم اكن واثقا من شيء افعله اكثر من ثقتي بما افعل الأن يا كيسارا
اومأت رأسي ببطء وانا ابادله الإبتسام عندما اهتزت المركبة فجأة. فاعتدل كمال على الفور وقال:
-لقد وصلنا
عندها عقدت حاجباي قائلة: -لِما لم تخبرني حين سألت إذن.

تجاهلني تماما وهو يقول: -ستتبعيني في كل حركة، لن يكون الأمر صعبا فقد استعدت السيطرة على قواي. لكن حاولي ان تظلي خلفي.
كان صوته ثقيلا منهكا فقلت بقلق: -أأنت بخير؟
-اسمعيني جيدا. نحن الأن في معسكر التحالف وهو يحاصر البنارا. ما سنقوم به هو اننا سنتسلل خارج المعسكر بإستخدام قواي. انا اعلم موقعنا جيدا لذا.
تنهد ثم قال: -ما اريده منك الا تفترقي عني مطلقا.

اومأت برأسي وانا حقا لا ادري كيف سيستخدم قواه بالضبط لكني على كل حال وقفت جواره خلف الباب في نفس اللحظة التي سمعت فيها صوت اقدام تقترب. فنظرت له في شيء من الذعر لكنه اشار لي بالهدوء ثم عندما فُتح الباب وخطى الجندي اولى خطواته داخل الحجرة قام كمال على الفور بتصويب البندقية الى رأسه وهو يهمس:
-لا تتحرك.

فتصلب الرجل وقبل ان يتمكن من قول اي شيء ضربه كمال بكعب البندقية ليخر ارضا فاقدا الوعي ثم سار خارجا من الخرفة فلم اتحرك حتى اشار لي. تبعته حتى قابلنا احد الجنود يبدو انه كان في طريقة الى مخزن الأسلحة في مؤخرة المركبة وبعدها بدأ القتل.

كان كمال سريعا جدا في تصويبه وفي حركته لم يدع احدهم حيا خلفنا ما لم اصدقه هو كيف وجدت نفسي امام باب المركبة في غضون ثوان رغم علمي انها غرفتان فقط-المخزن وقمرة القيادة- وأن احدا لم يشعر بالأربع جنود الذين لقوا مصرعهم داخل المركبة. كمال جعل الأمر يبدو سهلا جدا لكن تظل المشكلة هي كيف نخرج من هذه المركبة دون ان نلاحظ في منتطف هذا المعسكر.

رأيت كمال يتقدمني ويقف امام باب المركبة المفتوح. ثم رفع يده اليُمنى. في البداية لم ارى شيئا بل حدقت فيه في رعب فيُمكن لأي احد ان يراه هكذا لكن لم تمض ثوان قبل ان يمتلأ الجو برمال وتراب كثيف جعل الرؤية عسيرة في البداية ثم جعلها مستحيلة. تعالت صيحات الجنود بلغة لا افهمها لكن كان بإمكاني سماع الجلبة والحركة حول المركبة. شعرت بيد كمال تقبض على معصمي تجذبني فهبطت خلفه من المركبة وقلت:
-انا لا ارى شيئا.

قبض على معصمي ولا ادري إن كان اجابني ام لم يفعل تحول الأمر الى عاصفة رملية وقد تعالى صوت الرياح حتى لم اعد اسمع اي شيء من شدة صخبها وقوتها.
انطلقت الرياح قوية مهيبة تزلزل المكان وتطيح بكل من يقابلنا من الجنود او الخيام او اي شيء على الإطلاق منصاعة لأمر كمال فارتعدت وتمسكت بكمال اكثر. بينما سار هو بثقة جعلتني اتسائل ان كان يرى شيئا ام لا.

خرجنا اخيرا من المعسكر وقد علمت ذلك بسبب حُطام حزام الأشجار الذي كان يغلف البنارا. الان لم يتبق منه شيء تقريبا جميع الإشجار قد اقتُلعت او قُطعت. مفسحة المجال للدمار الذي حل بألبنارا فلم يعد فيها مبنى قائم على بنيانه وقد امتلأت ازقتها وطرقها بالثكنات العسكرية والدبابات فقلت محاولتا التخفي حول اي شيء حتى لا نُرى:
-ماذا الأن؟ لا يمكننا عبور هذا.
بإقتضاب قال: -من قال أننا سنفعل.

ثم تحرك فتحركت خلفه في حذر لكن ما لاحظته هو ان كمال لم يُوقف العاصفة للحظة إنما جعلها اخف وطئتًا ناحيتنا. كنا نسير محاطين بالجو الرملي مما جعل الرؤية عسيرة لكنه ايضا حجبنا عن اعين الجنود وكشافات الثكنات حتى توقف كمال امام رُكام مبنى على اطراف المدينة على بُعد 50 مترا من ما كان سابقا حزام الإشجار ثم بقواه رفع جدارا عن موضعه ثم تجمد في مكانه لوهلة قبل ان يقول عاقدا حاجبيه:
-هذا غريب.

ازاح بعض الرمال ليظهر من تحته باباً خشبيا. فشهقت وهمست: -ما هذا؟
عالج مزلاج الباب ثم اشار لي بالنزول اولا، نظرت له بقلق فهو لا يبدو على مايرام، يمكنني سماع انفاسه عالية تشي بصعوبة التنفس كما اني لاحظت منذ فترة بطء حركته لكنه لم يتزحزح قائلا:
-اقفزي.

ففعلت بعدها بثوان تبعني هو ثم سمعته يُغلق الباب. وعندما اطمئننت لوجوده جواري، نظرت حولي لأجد اني في ممر ضيق حُفر تحت الأرض. كان الظلام شبه دامس لكن هناك ضوء طفيف يأتي من مكان ما. اخيرا سألت:
-ما هذا؟ اين نحن؟

قال كمال وهو يسند ظهرة الى الجدار: -قبل استقرار ابيس وخلال فترة حُكم القائد الأعلى كون عدد من المدنين مع بعض الضباط معارضة عُرفت بعد ذلك بالمقاومة، لم يستطع احد الإمساك بهم لفترة طويلة حتى حكم شداد تقريبا. وذلك لإنهم وبمساعدة من المدنين قاموا بتكوين شبكة انفاق تحت نصف اراضي ابيس بمختلف الأحجام متخذينها مقرات لهم وتلك الأنفاق كانت شديدة التعقيد ورغم علم الدولة بوجودها إلا انهم لم يستطيعوا تدميرها كلها إلا بمساعدة افراد المقاومة انفسهم في اتفاقية الإستقرار منذ ثلاث سنوات.

توقف ملتقطا انفاسه قبل ان يتابع: -وهذا ما تبقى منها.
نظرت الى الممر امامي مرة اخرى غير مصدقة ان هذه الأنفاق قد صمدت كل هذا. إذن كيف علم كمال بوجودها؟ إن كانت الدولة نفسها لا تعرف ان هناك ما تبقى من الأنفاق؟ رأى التساؤل على وجهي فقال:
-عندما خطوت فوق هذه الأرض للمرة الأولى شعرت بال. هواء يجرى في تلك الممرات السفلية على الفور.
اسرعت نحوه لأسانده لكنه صد يدي قائلا: -انا بخير.

قلت وانا ارمقه عاجزة عن فعل اي شيء: -كمال انت بالكاد تقف. لترتاح قليلا. إن جرحك قد بدأ ينزف من جديد.
لكنه لم يعر ما اقول اي اهتمام إنما تقدم المسيرة في حذر وقال: -ليس من المفروض ان يعرف احد هناك ما تبقى من الأنفاق.
تنهد بصعوبة واكمل: -لكن هناك من تردد عليها حديثا، لا يمكننا ان نتوقف هنا. هذا المكان قد لا يكون امننا
اوقفته في عناد وصحت: -حالتك اسوء بكثير من ذي قبل، هل هذا لإنك استخدمت قواك؟ كيف ست.

نظر لي وقال بحزم: -كيسارا نحن لا نملك الوقت. لا نملك اسلحة ولا ندري من قد يكون هنا، التوقف هنا يعني الموت وهذا يعني النهاية اتفهمين؟
خفضت بصري وقلت بخفوت: -لكن. لكن لو استمرينا على هذا فأنت ستموت بالتأكيد.

قال بنفس الحزم: -لكن انت ستعيشين وهذا هو المهم. لا تناقشيني في هذا ربما لا تتذكرين لكن حياتك اهم من حياتي ما نفعله الأن ليس لأنفسنا بل لأجل من تبقى على هذه الأرض التي تريدين انقاذها. ولابد من التضحيات ان كان هذا هو المُراد.

وقفت عاجزة عن الرد وفي صمت سرت خلفه وقد كان كمال محقا فبعد فترة من السير في الممر رأينا اولى المشاعل ثم كلما تقدمنا ازداد عدد المشاعل. هناك من يتردد على هذه الأنفاق. هناك، توقفنا امام ساحة مستديرة ينتهي محيطها بأنفاق على طول ضلعها ونحن فقط قد خرجنا من احد تلك الأنفاق. فقلت وانا ارمق الأنفاق في كل جانب:
-ماذا الأن؟
أتت الإجابة لكن ليست من كمال بل من صوت اجش من خلفي يقول: -الأن تُقتلون إن تحركتم.

شهقت في ذعر ونظرت خلفي لأرى عدد من الرجال يسدون النفق الذي جئنا منه ثم حين نظرت الى كمال وجدته ينظر امامه وهو يضغط على اسنانه فنظرت الى حيث ينظر لأكتشف ان من كل نفق خرج عدد من الرجال المسلحين واخرين يحملون المشاعل، محاصريننا من كل صوب، شعرت بيد كمال تقبض على معصمي وهو يضعني خلفه محاولا حمايتي. لكننا محاصرون. لا يوجد ركن يمكن الفرار منه وكمال جريح بالكاد يستطيع الحراك فكيف بالقتال، قلت بخفوت:.

-يا إلهي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة