قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع والثمانون

تمسكت بكتف كمال في خوف ليس على حياتي بل على ما يعنيه موتنا في هذه الأنفاق وانها قد تكون النهاية لهذه الرحلة او ما هو اسوء النهاية لهذه البلاد. لا يمكن، ليس بعد كل ما فعله كمال لأجل اخراجي وايصالي هنا. ليس بعد ان قتل وكاد ان يُقتل ينتهي كل شيء. كيف يمكن ان ينقضي كل هذا كأن لم يكن في هذه الأنفاق.
قبض كمال على يدي فشعرت بإرتجافه. شعرت بضعفه، بوهنه. نحن لن نخرج من هنا احياء ليس وكمال جريح.

رفعت ناظريا الى الرجال حولنا فشعرت باليأس والمزيد منه حين قال احدهم:
-من انتم؟
رفع كمال يده فصاح به الرجل: -قلت لا تتحرك إن كنت تريد العيش لتلتقط النفس التالي، اجيباني من انتما؟
نظرت الى كمال الذي بادلني النظرات للحظة قبل ان يقول: -بل من انتم؟
ابتسم الرجل بسخرية وصاح: -لست انا من هو تحت التهديد بل انت فأجبني لأني لن اكررها.

اتسعت عيناي فقد شعرت بإتجاه الريح يتغير حولنا، لابد ان كمال يمزح ان كان يظن ان بإمكانه استخدام قواه في هذه الحالة لكني شعرت بالرياح تشتدد فهتفت:
-هل جننت؟ ستقتل نفسك ايها الأحمق
قال شاب كان يقف بجوار الرجل في عصبية: -ادريوس، هؤلاء ليسوا من البنارا. انا لم ارهم من قبل في الواقع لم يرهم احد من قبل.
البنارا؟! من هؤلاء القوم؟ قاطعني صوت كمال هاتفا في ادراك: -انتم من البنارا!

ثم ضحك فجأة وقال: -اذن هكذا فعلتها البنارا. هكذا استطاعت البنارا صد رودوس ودول الإحتلال لقد اتخذتم الأنفاق من جديد. كما فعلت المقاومة من قبل
هبط الإدراك على كالصاعقة وشهقت وانا اعيد النظر الى الرجال من حولنا في تلك الدائرة ممسكين بالمشاعل والأسلحة البيضاء وقد بدأ كل شيء يتضح فمن يقفون امامي الأن هم المقاومة الشعبية التي نشأت في البنارا. كيف غفلت عن هذا! عندها تذكرت ما اخبرني به ارايان الفا.

وانا لا ارسل جنودي لليموتوا اوليس هذا ما تظنونه عني؟
رودوس قد سحبت جنودها من البنارا بسبب المقاومة التي حيرت جيوش الإحتلال وكل هذا بسبب شبكة الأنفاق. مما يعني ان من يقف امامنا الأن هم المدنين الذين قرروا الدفاع عن اراضيهم بدمائهم بعدما لم تعد الدولة قادرة على حمايتهم.
ضيق المدعو ادريوس عينيه بينما تابع الشاب في توتر: -هؤلاء قد يكونوا جواسيس تابعين لجيش الإحتلال يجب ان نتخلص منهم الأن.

هتفت: -لا نحن لسنا.
قاطعني صوت اخر يصيح: -لقد رأيت هذا الرجل.
مشيرا الى كمال وتابع: -مع حملات التفتيش!
تعالت الصيحات المؤيدة فجأة وقد ظهر التوحش والغضب على وجوه الرجال. لا، لا. قلت بذعر:
-مهلا نحن حقا.
لكن صوتي ضاع بين صياحهم وهتافتهم الغاضبة وبالكاد استطعت سماع همس كمال وهو يقول:
-سأعطيكي الفرصة لتتقدمي فأسرعي بالهروب ولا تلتفتي للوراء
-اياك ان تفعل ستقتل نفسك
-كيسارا ليس هناك وقت.

الرجال يضيقون الدائرة واعتلت ايديهم الأسلحة. هذا مأزق لا مفر منه فحتى لو هربت الأن فإلى اين؟ انا بالكاد ادري اين انا. وهؤلاء القوم لا يصغون لما اقول. هذه حقا قد تكون النهاية.
<<ألبا؟ >>.

توقفت الصيحات والهتافات. توقف الجميع عن الحركة بل اني توقفت عن التنفس لدى سماعي لذلك الصوت حتى ظننت ان الزمن قد توقف وببطء ادرت رأسي الى صاحب الصوت وبعينين جاحظتين حدقت في الجسد الضخم والشعر المعقود ثم استقرت عيناي على عينيه الثاقبيتين وانا اقول بصوت راجف:
-ليام!

وجدت نفسي اتجه نحوه لكن يد كمال على ساعدي منعتني ودون وعي مني صفعت يده قبل ان اركض نحو ليام وفي غضون ثوان القيت نفسي بين ذراعيه غير مصدقة اني اراه مرة اخرى. ليام!

تنهدت وانا احاول التماسك لكن دون جدوى فخلال الأحداث السابقة وفي مرحلة ما استسلمت تماما متقبلة اني لن اراهم مرة اخرى. في هذه الحياة على الأقل. لذا لم استطع السيطرة على نفسي وببطء وتردد احسست بيده تضمني اليه ويده الأخرى تربت على رأسي وهو يهمس:
-لقد ظننت اني لن اراكي مجددا
اعتصرته بين يداي اكثر وشعور عجيب بالأمان يغمرني. قال بهدوء: -اهو معك؟

علمت على الفور انه يقصد كمال فأومأت الى صدره دون ان اجيب محاولة الا انهار باكية فقال بصوت سمعه الجميع:
-ادريوس مُر الرجال بالتراجع، هما منا
مرت فترة من الصمت المطبق قبل ان يقول ادريوس: -لا بأس يا رجال
عندها قررت انه يكفي هذا الى الأن فابتعدت برفق عن ليام وقلت بصوت مبحوح:
-لا اصدق!
ابتسم ثم قال: -سأحتاج الى بعض التفسيرات فذلك الرجل الذي معك كان موجودا يوم اسروك لكن الأن. هل انت بخير؟

تنبهت الى حال كمال فصحت بذعر: -كمال! كمال جريح ويحتاج الى.
وضع يدا على كتفي مهدئا اياي قائلا: -لا بأس اذن. بيننا طبيب
ثم اشار الى احد الرجل فتقدم هذا الى كمال لكن كمال رمقه بشك وريبة فقلت مطمئنة:
-لا تقلق
نظر لي بتردد وقال: -هل انت متأكدة؟
اومأت بحماس: -بل انا واثقة
هز رأسه وتبع الرجل، التفت الى ليام وسألت في لهفة: -اين إفرديين؟ هل هي بخير؟

اكفهر وجه ليام واعتلت عينيه نظرة حزينة وهو يخرج الكلمات من فمه بصعوبة:
-إفرديين ماتت. جسدها لم يتحمل ما فعله بها الجنود.
الجمتني الصدمة. فتحت فاهي لكن شيئا لم يخرج. ارتجف جسدي بعنف وتطلعت اليه في فزع وهول:
-لا. لا، لا. لا!
إفرديين ماتت. يا الهي، يا الهي. وضعت يدي على فمي كاتمة شهقاتي التي لم تلبث ان تحولت الى بكاء مرير. وتوالت الدموع السكآب. من بعيد امكنني سماع صوت كمال يُسرع مقتربا وهو يسأل:.

-ماذا حدث؟
بينما صوت ليام القلق يتردد في اذني لكني لا اصغي: -البا؟
لم تعد يداي قادرتين على كتم شهقاتي ولا انيني وانا اردد: -انا السبب.
انا السبب. لو لم اكن هناك معهم. لو لم. انا السبب. انا قتلت إفرديين. اختنقت الأنفاس في جوفي وتساقطت العبرات على وجنتي كالمطر. شعرت بيد ليام تُبعد يدي عن وجهي وهو يقول بحزم:
-اياكِ ان تكرريها. انت لست السبب.
رفعت بصري اليه وقلت: -لو لم اكن.

قاطعني صائحا في غضب: -كفي عن هذا!
نظرت اليه في دهشة لغضبه عندها رأيت الألم في عينيه وهو يقول: -ما تفعلينه الأن لن يُعيدها. بل سيؤلمها اكثر. امي. امي قد عاشت حياة طويلة يا البا وقد رأت الكثير. وكانت سعيدة بالموت دفاعا عني لذا لا تبرري الأمر على هواك يا فتاة. فقد انتهى بالفعل
ارتجفت شفتاي وانا اقول: -م. ماذا عنك انت؟ من تبقى لك انت؟
تنهد وهو يمسح دموعي قائلا: -انا سأكون بخير.

سيكون. لقد فقد ابنته والأن والدته. فمن تبقى له؟ لقد فقد كل شيء. تذكرت كيف كان مترددا حين قبل ان يؤويني في بيته وقد كان محقا. كان محقا. وياليتني استمعت له حين إذ، قلت بخفوت:
-انا اسفة
لم يجب وانما نظر الى كمال وقال: -انها بخير اما انت فيجب حقا ان تذهب قبل ان يسوء جرحك
نظر لي كمال للحظة ثم تراجع بتثاقل خلف احد الرجال. قاطعنا صوت متسائل يقول:
-نحن بحاجة الى الإجابة عن بعض الأسئلة ابتداء بمن هي؟

كاد ليام ان يجيب لكني اوقفته قائلة لأدريوس: -انا لا اتذكر الكثير لكني اعلم امرا واحدا انا هنا لإيقاف هذه الحرب
-اذن هل سيكون كمال بخير؟
قال ليام وهو يجلس على صندوق من الخشب امامي: -لسنا ندري في الواقع. لقد خسر الكثير من الدماء، ما قاله الطبيب ان حالته مستقرة. لكن ما إذا كان سيتحسن ام لا فهذا لا احد يعلمه.

اعتصر القلق فؤادي. لقد كنت خائفة من هذا. ولو لم نلتق بالمقاومة لربما كان كمال ميتا الأن. لكن يجب ان اركز في ما بذل كل هذا لأجله لذا قلت لأدريوس الذي علمت انه قائد هذه الحركة بينما نحن جالسين في هذه الأنفاق تحت الأرض:
-كم عددكم بالضبط؟
اجاب ادريوس ببرود: -انا لن اخبرك شيئا قبل نفهم ما الذي يحدث هنا يا فتاة؟ ولماذا ترافقين احد افراد العدو؟

نظرت الى الرجال حولنا والذين فهمت المنظمين لحركة المقاومة ثم نظرت ليام لكنه ظل صامتا منتظرا ما سأقول:
-اعتقد ان هذا امر عادل. لقد ظننت انه عندما تم اُسرت ان السبب كان لأني احد اصحاب الطفرات لكن يبدو ان الأمر كان مختلفا. لقد كانو يريدونني انا. انا شخصيا. لسبب لم اكن لأتخيله. يبدو انني لم اكن مجرد صاحبة طفرة بل. بل.

نظرت لهم وهم يرمقونني في ترقب فأخذت نفسا عميقا وقلت: -لقد اخبروني اني عقيد في جيش ابيس واعمل مباشرة تحت إمرة شداد. هذا ما قالوه
اتسعت بعض الأعين بينما اطلق احدهم صوت صفير عالِ وقال شاب في الثلاثين يدعى إيجور:
-وتتصورين منا تصديق هذا؟
عقدت حاجباي وقلت: -انا نفسي لم اصدق في البداية لكن عندما تم تقيدي واستجوابي حتى تم استخراج كل معلومة امتلكها بالقوة.

تابعت بسخرية: -كما ترى انا لا اتذكر اي شيء عن شخصي او حياتي وهذا لم يُعجب رودوس كثيرا. لكن مع الوقت ادركت انها الحقيقة وياليتني ما علمتها.
قال ادريوس وهو ينظر الى إيجور شذرا: -اكملي
-لقد قابلت ارايان الفا وما رأيته في صحبته جعلني ادرك ان الرجل لن يتوقف حتى يقضي على الحياة في ابيس.

ثم بدأت اخبارهم بما اخبرني به ارايان عن ما انا حقا وما سيفعله بقواي وهم يستمعون الى في دهشة وعدم تصديق لكني لم اخبرهم عن السبب الحقيقي وراء هذه الحرب. لا ادري لماذا لكني واثقة ان هذا هو الصواب فما قاله لي ارايان يجب ان يظل سرا. تلك الجريمة لابد ان تظل مخبأة الى الأبد. تنهدت ثم قلت:.

-ثم سقطت إفيين عندها غادر ارايان تاركا القاعدة التي كنت محتجزة فيها بحراسة قليلة بسبب الحرب وحينها ساعدني كمال على الهروب حتى استطعنا الوصول الى هنا. لم يكن الأمر سهلا لكننا وصلنا الى هذه الأنفاق وعندما حاصرتمونا ظننت انها النهاية لتلك الرحلة. ان كل ما فعلناه للأن قد اصبح هباء منثورا.
رفع ليام حاجبيه ثم قال بهدوء: -هذا يفسر ما حدث بعد ان تم اخذك في عربة الترحيلات.

قال ادريوس بهدوء: -هذا لو انها صادقة فيما تقول. ثم لماذا ساعدك ذلك المدعو كمال؟
اجبت بهدوء: -كمال كان في الأساس يعمل لجيش هذه الدولة
-اذن نحن نتحدث عن خائن
عقدت حاجباي وقلت بضيق: -لقد كاد يموت لأجل هذه البلاد. هذا ليس بفعل خائن في قاموسي
عم الصمت المكان وهم يحاولون استيعاب ما قلت فسألت ليام: -ماذا حدث بعد ان تم اسري؟

اجاب ليام وهو يريح ظهره الى الحائط: -لقد تم تصفية المنطقة عن اخرها. لم ندري لماذا حينها لكني الأن افهم. لقد ظنوا انه ربما خبئنا المزيد منكم
غمرني شعور بالذنب وقد ازداد بعدما تابع ادريوس: -لقد قتلوا المئات في تلك الليلة الأباء امام عائلتهم والنساء امام ازواجهم. لقد دمروا المنازل واحرقوها امام اصحابها واستمر سفك الدماء حتى فجر اليوم التالى.

قابلني بعينين ثاقبتين وهو يكمل: -لكن تلك الليلة كانت بدايتنا نحن. ايقاظتنا مما نحن فيه، ليس هناك من سيحمينا سوى انفسنا، نحن لن نقف مكتوفي الإيدي بينما هما يُقتلون فينا كالماشية.
قال احد الرجال الجالسين بحزم: -وقد اريناهم من نحن حقا
قال ارديوس وهو ينظر الى الرجال الأربعة من حوله: -وسواء كنت صادقة ام كاذبة فسنظل على هذا النهج حتى نُباد عن اخرنا او نُحرر البنارا من بين ايديهم.

قلت بتصميم: -وانا لست هنا لأعارض هذا. انا هنا لإيقاف هذه الحرب. انا على يقين ان بإمكاني هذا حتى لو لم يصدق احد هذا سواي انا.
عاد الصمت فقال ليام: -اذن هل اخبروك بإسمك يا فتاة؟
لاحظت انه لم ينادني بألبا. وذاك الأخير لم يكن اسمي وما كنت انا قط. قلت بعزم وتصميم:
-اسمي هو كيسارا. كيسارا ارثميثكيرا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة