قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التسعون

مددت يدي اربت على كتف كمال في قلق وانا اراه يجلس بصعوبة مسندا ظهره الى الجدار ورغم ضوء المشاعل الخافت في هذه الأنفاق امكنني رؤية الإجهاد والإرهاق جليا على ملامحه لكنه ازاح يدي برفق قائلا:
-انا بخير
فتحت فمي لأعترض لكنه قال بتصميم حازم: -انا بخير يا كيسارا.

تنهدت وجلست بجواره محولة نظري الى قواد حركة المقاومة. هذه هي الجلسة الثانية بالإضافة الى كمال هذه المرة. الذي اصر على الحضور رغم إصابته. فاليوم يخبرونني بقرارهم الذي اجتمعوا عليه بعد ان تشاورا فيما طلبته منهم في نهاية الجلسة الأولى وقد عاونني ليام في كل شيء حتى النهاية. اتمنى فقط اننا كنا مقنعين بالقدر الكافي.

رمقتهم في ترقب حتى اخيرا قال ادريوس بعد صمت ثقيل: -لقد وافقنا على اطلاعك بكل ما نعرفه حتى الأن.

تنفست الصعداء فبدون مساعدتهم لا ادري حتى كيف اخرج من هنا وكمال على هذه الحال. لقد كان صعبا اقناعهم اني لا اهدف لإذائهم. من حقهم ان يجدوا صعوبة في تصديقي والوثوق بي لكن حقا ما الفرصة التي يمتلكونها وحدهم وكذلك انا. ما الفرصة التي املكها وحدي؟ يجب ان نتحد إن كنا نريد ان نتقد فلم يعد هناك الكثير من الوقت. إن سقطت اراكان فستعقبها ابيس كلها.

بدأ ادريوس قائلا: -انتما تعلمان ان البنارا بُنيت يُغلفها حزام الأشجار من جميع الجوانب. هذا الحزام تم محاصرته بالكامل ثم تم هدمه ليحاصورا المدينة نفسها، هكذا استطاعوا عزل البنارا عن ابيس كلها في بداية هذه الحرب بحيث قطعوا كل وسائل الإتصال مسيطرين على المدينة دون حتى دخولها وفي سرعة لم تتعدى الأيام الأولى من الحرب والذي كان يعاني فيها الجيش بشدة او هذا ما سمعناه. ثم بدأ التغلغل في البدينة وهذا ما استطعنا ايقاف تقدمهم فيه حتى الأن لكن هذا لن يستمر كثيرا. المشكلة اننا محاصرون من جميع الإتجاهات سواء خارج الحدود او الى داخل ابيس نفسها. عندها اتت الإشاعات انه تم تعيين رتبة عالية بين حدود البنارا وبراكسا. ومنذ ذلك اليوم وجيش الإحتلال لم يستطع التقدم عن البنارا لكنه ايضا لم يتراجع ومع الوقت قامت رودوس بسحب قواتها وفي المقابل سلحت جيش الإحتلال بالأسلحة الثقيلة. لكن هذا ايضا لم يُحدث فرقا.

تراجع بظهره الى الوراء وقال: -المشكلة اننا هنا لا ندري ما الذي يحدث على الحدود بيننا وبين براكسا او ما الذي يمنع الجيش من التقدم على الصعيدين. لماذا لم يُفلح العدو بالتقدم كل هذا؟ نحن نحتاج الى التعاون مع من يقود الجيش الأبيسي في براكسا لكننا لا نستطيع وهم كذلك. لا احد خارج حدود هذه البلاد يعلم ما الذي يحدث فيها حتى الأن.

عم الصمتالمكان لفترة حاولت فيه استيعاب ما قال. والخلاصة اننا محاصرون تماما. كدت اسأل حين قاطعني كمال بصوت منهك سائلا:
-الا تعلمون هوية من يقود الجيش عند حدود براكسا؟
اجاب ليام وهو يضع يدا تحت ذقنه: -اعتقد اني سمعت بعض الجنود يتحدثون عندما كنت اسرق من معسكارتهم. انا لست متأكدا. لكني اعتقد ان الإسم كان شاهين.
انتفض كمال من مجلسه فجأة فتأوه في الم ويده تتحسس موضع الجرح، اسرعت نحوه وانا اسأل:
-ما الخطب؟

مع انتفاضته هب رجلين من مجلسهما. وحين لم يجبني كمال صحت وانا اُجلسه:
-كمال؟!
اخيرا نظر لي وقال صائحا: -يجب ان تصلي الى براكسا. يجب ان اوصلك الى شاهين.
رفعت احد حاجباي في تعجب وحيرة شاركني فيها كل الحاضرين فكان اول من سأل هو ادريوس:
-ماذا تعني؟ ما الذي.
لكن كمال تابع موجها حديثه الي: -لو ان ما يقوله صحيح فهذا هي فرصتك للوصول الى اراكان
قلت في عدم فهم: -كمال انا حقا لا افهم شيئا مما تقول.

حدق فينا كمال بذهول للحظة ثم اخيرا قال: -الا تعلمون من هو شاهين؟
عندها لاحظت ان السؤال لم يوجه لي بل لهم وبينما ارتسم الغباء على وجوه البعض والحيرة على البعض الأخر قال ليام:
-انت لا تعني،؟
اومأ كمال قائلا: -بالضبط. شاهين هو وزير الدفاع، لكن هذا ليس فقط ما ارمي اليه فشاهين يملك طفرة من اقوى الطفرات في العالم، انه المتحكم بالظلال وهذا يُفسر لما لم يتقدم جيش التحالف خطوة.

ثم نظر لي وقال: -لكن الأهم هو انه يجب ان يعرف انك هنا. يجب ان نصل اليه حينها، وحينها فقط يمكنني التأكد انك.
توقف وقد ارتفع صوت تنفسه ويده تقبض على موضع اصابته فهببت نحوه دون ان المسه هذه المرة وبصوت قلق قلت:
-كمال ارجوك انت بالكاد تعي ما حولك.

تجاهلني كالعادة قائلا بصوت يتخلله الألم والتعب: -انا لم يبق لي الكثير. لا يمكنني ايصالك الى شداد على هذه الحال لكن. لكن هو يستطيع، شاهين سيضمن ان تفعلي ومهما حدث اعدك ان اوصلك اليه. يمكنني الصمود حتى تلك اللحظة.
عضضت على شفتاي حتى ادمت محاولة ايقاف سيل الدموع القادم ليس لشيء سوى عجزي عن فعل اي شيء. عندها سمعت احد الرجال يقول:.

-إن لم تلحظا نحن محاصرون بل ان جيش الإتحاد يتركز عند الحدود بيننا وبين براكسا.
استدرت اليهم واخذت نفسا عميقا الأن ليس الوقت المناسب للدموع، لوح ايجور بيده وقال متأففا:
-الم تكونا ضابطين في الجيش؟ لابد من ان لديكما خطة ما اوليست هذه وظيفتكما؟
نظرت الى كمال. لكن ذلك الأخير كان يعاني بالقدر الكافي ومن المستحيل ان يفكر في خطة من اي نوع في حين قال موضحا بهدوء:.

-لا لم اكن هذا النوع من الضباط مطلقا لقد كنت قاتلا تستأجره اي دولة من كانت كذلك كانت هيَ
رافعا عيناه نحوي فقال ايجور بسخرية: -نحن بلا شيء اذن.
قاطعه كمال: -انا يمكنني اخراجك من هنا لكن انت وحدك وهذا ما سنفعله. توقفنا هنا كان خطأ فنحن لا نملك الوقت.

إن إمتثلت لإقتراح كمال فهذا يعني اني حكمت عليه بالموت ولماذا؟ لأجلي وانا التي لا تدري ما الذي يمكن ان تقدمه لهذه البلاد او تفعل لإنقاذها. لا يمكن ان ادعه يموت وربما هو من يستحق ان يعيش. وقفت حائرة لا ادري ماذا افعل؟ او كيف اتصرف
-أنتما في النهاية بلا فائد على الإطلاق
في تللك اللحظة صاح ليام في ضيق: -هذا يكفي يا ايجور.

لم يكمل فقد استوقفته اشارة يدي وانا اعقد حاجباي وانظر الى ليام: -هو محق هكذا نكون بلا فائدة لكم على الإطلاق إلا انني.
ونظرت الى الدائرتين اللتين رُسمتا على ارض الأنفاق وسألت ادريوس: -كم عدد الرجال معكم؟
اجاب على الفور: -ثلاثمائة
اومأت وانا اتابع: -الى اي مدى تصل هذه الأنفاق؟
غمغم: -الى كل مكان تقريبا تحت البنارا لكنها تتوقف قبل الحدود بنصف كيلومتر تقريبا.

هذا ممتاز الأن الأسئلة المهمة: -هل تملكون اي اسلحة ثقيلة على الإطلاق؟
اجاب احد الرجالين الأخرين: -نملك ما يكفي خمسين فردا من البنادق والدروع الواقية لكنها.
قاطعته للسؤال الأخير: -هل هناك حُمَّال للطفارات بينكم؟
صمتوا لطة قبل ان يرفع ادريوس يده قائلا: -انا احد حاملي الطفرات
تدخل كمال في قلق: -ماذا تنوين ان تفعلي؟
ارتسمت ابتسامة على ثغري وانا اقول: -اعتقد ان لدينا خطة.

وقفت تحت المخرج الغربي للأنفاق والأقرب الى حدود البنارا مع براكسا وانا اشاهد الرجال يستعدون للمهمة وفي انتظار اشارة البدأ. إن لم يفلح هذا يا كيسارا ستكون كارثة وسيكون هذا خطأك وحدك. اخذت نفسا عميقا مهدأتًا نفسي. اهدأي يا كيسارا ليس انت من يجب ان تتوتري. نظرت الى الرجال وهم يمررون الأسلحة بينهم وليام يصد تعليماته لهم فشعرت بصدري يثقل ورفعت يدي الى عنقي. هذه الأرواح قد لا تعيش لترى شمس غد. لكن ما الخيار الذي يملكونه وسط هذه المجازر التي تُرتكب في حقهم وحق ابنائهم وهم يرون اليوم بعد اليوم كيف تُسبى نسائهم ويُذبح اولادهم. هذا يجب ان ينجح يا كيسارا. يجب.

قاطعني صوت ايجور قائلا في سخرية: -اي نوع من الأسلحة تستخدمين؟
قلت والتوتر يعتصر قلبي متجاهلة سخريته: -يمكنني استخدام جميع الأسلحة الثقيلة والسهم والقوس وكذلك السيوف لكن.
توقفت وانا ارمق الرجال ينظرون اليّ في انتظار الإشارة واكملت: -لكن انتم بالكاد تملكون اسلحة نارية لذا هي لكم ستحتجون اليها اكثر مني. اعطني سهما وقوسا.

ثم نظرت الى كمال الواقف بجواري وقلت وانا اربت على سيفي: -اما كمال فأعطه احدث بندقية حصلتم عليها فهو لا يُخطأ هدفا قط
اومأ ايجور في صمت واختفى بين الرجال حينها شعرت يد كمال تضغط على كتفي هامسا دون ان ينظر لي:
-لا تقلقي، انها خطة جيدة يا كيسارا. حتى لو لم تنجح فهي فرصتهم الوحيدة.
رفعت عينان تشعان بالخوف والتوتر فسمعت ليام يقول: -انه محق.

حاولت حقا الا اقلق لكن شعوري بالذنب لم يجعل هذا ممكنا. نعم بالذنب. لقد حاولت منذ استيقظت في بيت إفرديين تجاهل هذا الشعور لكنه يمزقني ويدمي فؤادي دون سبب. ما تُراني قد فعلت كي يطاردني الذنب وانا لا اتذكر شيئ. لكن ايا كان ما اشعر به فهذا ليس وقته فحياة هؤلاء الرجال تعتمد علي.

بمجرد ان شعرت بالإهتزازات. اشرت الى ليام فأسرع يصدر تعليماته الى الرجال وواحدا تلو الأخر بدأ الرجال يقفزون خارجين من الأنفاق حتى لم تبق سواي انا وكمال وليام. هذه هي البداية.

فقزت انا الأخرى ثم تحركت مبتعدة عن الثغرة لأسمح لليام وكمال بالخروج وحين وقفنا جميعا. منتظرين النصف الأخر. مائة رجل. بينما ادريوس معه اقل من خمسين رجل. دعوت الله ان يكون بخير لقد امرتهم بعدم الإشتباك المباشر مع العدو فقط بعض المناوشات من بعيد بينما ينتظر اكثر من مائة وخمسين رجلا الإشارة للهجوم. الإشارة التي قد لا تأتي إن فشلنا.

نظرت الى معسكر العدو امامنا. يفصل بيننا وبينهم ما يقل عن نصف كيلومتر لكنهم لا يروننا بعد فأدريوس يوجههم في اتجاه اخر ليبعدهم عن طريقنا قدر الإمكان. رأيت الجنود يركضون في كل صوب وبدون نظام فقد باغتهم هجوم ادريوس لكن هذا لن يظل كثيرا وهذا ما نحن هنا لإستغلاله.

اهتزت الأرض بقوة من جديد ثم رأينا النيران. فأشرت للرجال بالتقدم نحو معسكر العدو بينما اشتدت الريح حولنا ببطء وثبات حتى اصبح الجو ثقيلا محملا بالرمال وعندها اشرت بالهجوم. سنُحدث ثغرة في هذا الحصار مهما كلفنا الأمر.
(( تسارعت خُطى شاهين وهو يستمع لما يقوله نائبه: -هناك خطب ما. نحن لا ندري ما الذي يحدث
قال شاهين وهو يقفز السلالم الى اعلى طابق في القلعة: -انت تقول ان المعسكر يشتعل؟

ثم تصلب في مكانه قبل ان ينقض على السور محدقا فيما ارتسم امامه. بسهولة امكنه رؤية النيران تندلع في جانب بعيد عن براكسا وامكنه الشعور بإهتزاز الأرض رغم صلابة القلعة في حين ان الجزء المباشر لبراكسا من معسكر العدو تعالت منه الصيحات والهتافات وكأن معركة تدورن هناك لكن ما اذهله حقا هو العاصفة الرملية التي تركزت على الصفوف الأمامية للمعسكر. عاصفة قوية جدا تطيح بالجنود يمينا ويسارا لها زئير كالأسود من شدتها وبالكاد يُرى من خلالها شيء وسط الرمال. هذه الرياح، تلك القوة. هل يمكن؟

ايا كان ما يحدث فهذا الهجوم مدبر بالتأكيد من قام به كان بالذكاء الكافي لإنتهاز الفرصة. فرصة منحها هو لهم. فقد قضى على جيش الإتحاد حتى اخر جندي قبل يومين حتى تراجعوا مقهورين الى معسكارتهم والدعم لم يصل بعد فأيا كان من خطط لهذا كان على علم. بينما هم لم يستطعوا اختراق المعسكرات مطلقا فقد احكم العدو دفاعتهم محصنين نفسهم لأي هجوم منا، محاصرين البنارا. كان من المستحيل اختراقها من الخارج لكن من كان يتوقع ان الهجوم سيأتي من الداخل؟

لقد سمعوا بعض الإشاعات عن وجود مقاومة داخل البنارا لكن هذا لم يؤكد ابدا فهم معزولون تماما عن العالم الخارجي. فهل يمكن؟ لكن هذه الريح.
قال نائبه بخفوت وهو ينظر الى المشهد في وجل: -ماذا سنفعل يا سيادة الجنرال؟

فلم يجبه شاهين بل ظل محدقا في المشهد امامه وكأن السماء قد اضاءت في منتصف الليل. وهذا ما اثار فضوله وحيرته. لماذا النيران؟ من قام بهذا لابد اراد التخفي بستار الليل وتلك الرياح. اي اراد عنصر المفاجأة فلماذا النيران؟ نعم لماذا النيران. دقق النظر في العاصفة محاولة رؤية ما يحدث حين باغته الإدراك كالصاعة. فأسرع يصيح بنائبه:.

-اجمع الوحدات حالا، اعلن حالة الهجوم الأن اتسمعني؟ الأن. كل في مواضعه. اصدر الأوامر للرماة ليتخذوا اماكنهم ويكونوا على اهبة الإستعداد.
وعندما نظر اليه نائبه في ذهول صرخ به شاهين: -لما لا تزال هنا؟ انا اريد جيشا مستعدا للإشتباك امام القلعة الأن!

ركض نائبه في فزع منفذا للأمر بينما شاهين يدعو ان الا يكون متأخرا الا يفوت الأوان. لو لا النيران لما ادرك. النيران. كانت اشارة له هو ليُعلِمُوهم بوجودهم ولتضليل المعسكر عما يحدث داخل العاصفة. انهم -ايا كانوا- يصنعون ثغرة في صفوف العدو من الداخل. منتظرين. منتظرينهم هم، جيش ابيس ان ينتهز الفرصة لكسر الحصار لتوسيع الثغرة واجتثاث جيوش التحالف من البنارا نهائيا. )).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة