قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والتسعون

صوت صليل السيوف وفي صداه دوي الطلقات يغزو الأسماع مُحيلا صمت الليل الى ضجيج يصم الأذان وتعالى الصياح والصراخ وتهاوت الأجساد على اليمين وعلى الشمال وبين هذا وذاك لوحت بسيفي شاقة طريقي بين الجنود الى مقدمة الصفوف مردية كل من يقابلني صريعا. حتى وجدت نفسي امام الحدود بلا جنود. اتسعت عيناي غير مصدقة. لقد احدثنا الثغرة. تنهدت غير عابئة بالدماء التي تغرقني بالكامل تقريبا وشعري يتطاير حولي مصبوغا بالدماء. ازيحت بعض الدماء عن وجهي لأرى. ثم رفعت رأسي الى اسوار القلاع على حدود براكسا فلم ارى إلا سواد الليل فخفق قلبي في عنف. اين هم؟ الم تصلهم الرسالة؟ لقد اكد كمال ان وزير الدفاع سيفهم لامحالة. لا يُمكن ان نُهزم الأن. ليس الأن.

حين رأيت علم ابيس يلتمع وسط غياهم الظلام. ثم تلته مصابح القلاع والجنود فإلتفت خلفي بحثا عن كمال إلا ان عيني وقعت على ليام ملقا ارضا واحد جنود التحالف رافعا سيفه لكني كنت اسرع. اسرع بكثير. إذا صوبت سهمي الى قلبه ثم تركته ليخترق صدره فهوى سيفه ثم الجسد جثة هامدة فإعتدل ليام من تحته واقفا ونظر نحوي فأشرت له ان يأتي ملوحة سيفي للخلف قاتلة جنديا من خلفي. ثم التفت يمينا ويسارا باحثة عن كمال فلم اجده لكنه قريب انا اعلم هذا واشعر به فصحت بأعلى ما استطعت:.

-كمال! اوقف الرياح واشعلوا النيران
ثم اشرت الى ليام ففهم ما اريد وبعدها بلحظات رأيت النيران تشتعل داخل البنارا نفسها. تلك هي الأشارة الثانية لكن لمن تبقى من رجال المقاومة ليشتركوا في الهجوم فهي تعني ان جيش ابيس قريب. وتعني اننا قد نجحنا. ان الخطة قد نجحت!

وفي لمح البصر اُنيرت البنارا بالنيران وكأن الشمس قد اشرقت في دياجير الليل. وعلى هذا الضوء ممزوجا بمصابيح القلاع الضخمة وتوقف الرياح رأيت الأرض الفاصلة بيننا وبين براكسا فجحظت عيناي في ذهول وسقط السيف من يدي وانا اتراجع للخلف في صدمة واضعة يدي على فمي محاولة كتم شهقة خرجت رغما عني وصوت ليام من خلفي يصيح في ذهول:
-ما هذا؟

لم يكن اقترب جيش ابيس ما الجمنا بل الأرض. الأرض من امامنا قد كُسيت بالجثث والدماء و ال. والأشلاء الممزقة في كل مكان وكل جانب على مد البصر وقد تصاعدت رائحة العطن مثيرة للغثيان بالكاد استطعت الوقوف دون ان افرغ معدتي. كيف لم تصلنا هذه الرائحة داخل البنارا؟ لكن السؤال الأهم. ما هذا؟ من فعل هذا؟ هذا ليس من فعل البشر. لا يُمكن ان يكون.
-انه شاهين.

نظرت الى كمال بجواري فتابع: -انه يملك القدرة على التحكم في الظلال.
ثم استدار إلى قائلا وهو يقبض على معصمي: -عملنا هنا قد انتهى لا يمكننا ان نساعدهم اكثر من ذلك يجب ان نصل الى شاهين الأن
فسألت: -اليس هو من يقود الجيش الى هنا؟
هز رأسه نافيا: -شاهين لا يقود الجنود من هنا إلا في اسوء الحالات. شاهين يحمي الحدود على اسوار القلعة يجب ان نصل الى هناك.

نظرت في قلق الى ليام. انا لا اريد ان اتركهم الأن. ماذا إن لم تسر الأمور كما هو مخطط لها لكن ذلك الأخير قال:
-لا تقلقي، لدينا اليد العليا هنا لا مجال لنهزم اما انت فعليك الذهاب الأن
لكني ترددت. ماذا لو. حين قاطعنا صوت ميزت صاحبه على الفور يقول: -انه محق نحن لم نعد بحاجة لمساعدتك يجب ان تذهبي
نظرت خلفي فرأيت ادريوس فهتفت: -ادريوس؟! انتم هنا؟

اومأ برأسه ثم انحنى على الأرض فجأة واضعا إحدى ساقيى على التراب قائلا:
-ما كنا لنستطيع تحقيق هذا بدونك، نحن لن ننسى هذا
اتسعت عيناي في دهشة وكدت اخبره ان يعتدل لكنه رفع رأسه وقال مبتسما:
-لقد كنت جنديا من قبل واعلم ما يعنيه هذا ارجو ان تقبليه مني
انها علامة على الولاء، اعلمها جيدا واحفظها عن ظهر قلب. شعرت بدفء يسري في جسدي لسبب ما وحنين لم اشعر به من قبل ثم ابتسمت وانا اومأ برأسي فقال:.

-يجب عليك ان تذهبي الأن
نظرت الى كمال ثم اليه وقلت: -سوف اتذكر هذا
شعرت بكمال يجذبني لكن ادريوس اعتدل وقال: -ليام اذهب معهم واحرص على ان يصلوا الى اراكان
قال ليام في شك: -أأنت متأكد؟
-اجل، جيشنا قد التحم مع العدو بالفعل
ثم نظر لي وتابع: -هي بحاجة لك
-حسنا اذن
حينها قال كمال: -يجب ان نسرع
فأومأت برأسي وحييت ادريوس ثم انطلقنا نعدو متجاوزين الحدود.

لم نتوقف إلا امام اسوار القلعة التي يتمركز عندها الجيش. بالطبع كانت مغلقة محصنة وبدا من المستحيل تسلقها خاصتا وكمال على هذه الحال فقلت متسائلة:
-ثم ماذا؟
رد كمال بصوت مرتجف: -لا تقلقي انا اعلم ما سأفعل لأحصل على انتباهه هنا
ثم اخذ نفسا عميقا ورفع يده الى باب القلعة العملاق لتشتد الريح فجأة وليهتز الباب بقوة وكأن زلزالً يضرب المنطقة من حولنا لكنه لم يتزحزح. نظرت الى كمال فرأيته يعقد حاجبيه ثم يهمس:.

-انا ضعيف جدا الأن. لا حل اخر إذن.

إن كنت اظن ان ما رأيته من قوى كمال مبهرا فما حدث بعد انهى جملته كان مذهلا الى اقصى الحدود خاصتا وهو مصاب. هبت الرياح هوجاء، هَجوم لم ارى لها من قبل مثيل. اشتدت حتى لم اعد قادرة على فتح عيني لكن قبل ان اغلقها شاهدت كيف اهتز الباب بل كيف اهتزت القلعة بأسرها وقد اصبحت الرياح حادة كالسيف. ريح صرصر لها هزيم كهزيم الرعد حتى سمعت الباب يُقتلع من مكانه ليطير مرتطما ببناء القلعة ذاتها حينها فقط توقفت الرياح.

نظرت الى كمال فرأيته يرتجف ولا يكاد يقف ثم هوى على ركبتيه فجأة وهو يسعل. دما! اسرعت اسنده وانا اهتف في فزع:
-كمال!
لكنه ظل يسعل بشدة وقد اغرق الأرض من تحته بالدماء شعرت بليام بجواي يسأل بصوت قلق:
-ماذا به؟
قلت في ذعر وانا انحني لأواجه كمال: -لا ادري، لا ادري. كمال؟ كمال؟ بالله اجبني.
لكنه نظر لي بعينين خاويتين وبصوت هامس مبحوح: -لقد دفعت قواي.

ثم اشار الى الباب دون ان ينطق فنظرت الى حيث اشار لأرى عدد من الجنود يقترب ويقودهم رجل لم اتبين ملامحه ولم اكترث بل اسرعت اساند كمال لأدخله القلعة وانا اصرخ للقادمين محاولة ملاقتهم في منتصف الطريق:
-نحن بحاجة الى طبيب. ارجوكم
شعرت بجسد كمال يثقبل بين يدي وبنفسه يبطأ فهتفت: -لا كمال ارجوك ليس الأن ليس بعد كل هذا
سالت الدموع من عيني وانا اصرخ في القادمين: -ارجوك نحن بحاجة الى طبيب!

حين توقف الرجال امامنا واستطعت رؤية قائدهم كدت اصيح من جديد حين وقعت عيني على الشاب الأشقر الواقف في منتصفهم ففغرت فاهي في ذهول واحتبست الكلمات في حلقي. من هذا؟! لماذا اشعر بكل هذا الإضطراب ولماذا يخفق قلبي في عنف. من هذا الرجل؟، وجدت نفسي اتسائل بعينان متسعتين:
-من انت؟
رمقني بعينين زرقاوتين تحملان نفس الدهشة والذهول وربما الصدمة كذلك وهو يغمغم:
-كيسارا؟!

انتزعني الإسم من ذهولي متذكرة الثقل الذي بين يداي ليعادوني الخوف والقلق على كمال فهتفت وقد وجدت الدموع طريقها إلى من جدبد:
-ارجوك. انه بحاجة الى طبيب. كمال بحاجة الى طبيب
رد بنفس الصدمة وهو يرمق الجسد بين يداي: -كمال!

حينها افاق من صدمته واسرع ينحني ارضا ليتفقد علامات كمال الحيوية. هل هو طبيب؟ اليس هو قائد هؤلاء الجنود. لم تمض لحظات إلا وقد اطلق سبة بذيئة لسبب ما شعرت انها المرة الأولى التي اسمعه يسب. هل قابلته من قبل؟
-لقد دفع قواه وهو جريح. الأحمق
ثم اشار الى رجاله قائلا: -انقلوه الى الجناح الطبي فورا
لكن كمال فتح عيناه فجأة وحاول ان يتكلم لكنه لم يفعل شيئا سوى ان يسعل المزيد من الدماء فصحت:.

-كمال ارجوك توقف. سيأخذونك الى.
لكنه قاطعني بصوت متحشرج متألم: -شاهين؟
اجاب الشاب الأشقر مسرعا: -انا هنا يا كمال.
اتسعت عيناي للحظة هذا هو شاهين وزير الدفاع؟ لكنه يبدو شابا جدا.
تابع شاهين وهو ينظر لي: -ما الذي يعنيه هذا؟ ما الذي يحدث يا كمال؟ لماذا انت هنا؟ ليس الأن على اية حال انت بحاجة الى العناية الطبية فورا
لكن كمال قبض على معصم شاهين وهمس: -ليس هناك وقت. انا. كيسارا لا تتذكر.

رفع شاهين نظره إلى مجددا ثم الى ليام وقال: -اجل اعلم، شداد قد ختم ذكرايتها. لقد كانت الطريقة الوحيدة حينها.
ختم؟ إذن ذكرياتي لم تُمحى إنما خُتمت؟ انا لا افهم شيئا على الإطلاق. لكني ادرك فداحة حال كمال فقلت:
-ارجوك دعهم يأخذوك
لكنه تجاهلني قائلا لشاهين: -يجب ان تصل الى. شداد. يجب.
عقد شاهين حاجبيه في عدم فهم: -ماذا تعني؟

اجاب كمال بصوت يكاد يُسمع: -انها الطريقة. الوحيدة. ارايان. سيدمر ابيس إن لم تفعل. يجب ان. تتذكر. يج.
ثم لا شيء، كأن كل شيء قد توقف. ببطء سقطت قبضة كمال على يد شاهين. ثم صمت لم يقطعه سوى صراخي المتواصل:
-كمال؟! لا ارجوك! كمال!
ازاحني شاهين بعيدا عن جثمان كمال وهو يتحسس نبضه صارخا في الجنود من حوله:
-اريده في العناية المركزة الأن.

فأسرع الجميع في التنفيذ وفي غضون ثوان لم يعد جسد كمال يستند إلى بل في يد رجلين يسرعون به الى إحدى العربات القريبة وانا اشاهد كل ما يجري بعينين لا تفقهان ما يحدث او تعى ما يفعلون فقد شعور رهيب بالفقدان يعزوني وقد سالت الدموع من عيني انهارا لا تتوقف. فقبل ان يحمله الرجلان كانت رأس كمال تستند على كتفي ويداي تُسند عنقه. ولم اشعر بشيء. لا شيء على الإطلاق. لا نبض. لقد لفظ انفاسه الأخيرة. لقد همد بدنه كما تهمد الجثث. كأنها لم تحمل قطرة حياة من قبل.

حدقت في يداي والدموع تبللهما. انا لم اشعر بشيء على الإطلاق.
اعلم ان الفصل قصير لكن الفصل القادم بإذن الله سيكون طويلا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة