قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والتسعون

تحركت يداي لتعبث بخصلات شعري وانا ارمق المكتب من حولي في توتر. لقد رافقنا جنديان الى هذا المكتب والذ فهمت انه ملك لوزير الدفاع شاهين. كان المكتب فسيحًا فخما وهذا كان كل ما استطعت ملاحظته في حالتي. في كل دقيقة مرت شعرت اني على وشك الإنهيار لكني لم افعل ولن افعل. يجب ان اصمد حتى النهاية. لا استطيع تحمل تلك الأرواح على عاتقي. لكن الخوف يمزقني وكمال ليس معي. فقدانه اشعرني بالضياع الشديد لقد كان هو مرشدي في كل هذا اما الأن. اما الأن فأنا لا ادري. لا ادري ما يجب ان افعل. شعرت بالدموع تشق سبيلها الى عيني من جديد لكني تماسكت يجب ان افعل. في مثل تلك الأوقات فقط يأتيني السؤال. ماذا فعلت في حياتي لأتحمل كل هذا العبئ؟

رفعت رأسي لليام الجالس على الأريكة بجواري حين شعرت بيده تربت على كتفي فأحسست بقطرات الدموع تهبط على وجهي فعقد ليام حاجبيه ومد يدا مسح بها العبرات في صمت ثم التفت يداه حولي تحتضنني في رفق وحنان لم استطع معه الصمود فإهتززت بالبكاء بين يديه وارحت رأسي على صدره محاولة السيطرة على نفسي لكن كيف؟ كيف وقد فقدت هاديِّ في الطريق ورغم اني لم اعرفه بالقدر الكافي إلا انه فعل الكثير.

ضمني ليام اليه بقوة اكثر ثم ابعدني برفق وهمس: -انا لازلت معكِ. وسأظل فلا تستسلمي الأن.

اومأت في صمت في نفس اللحظة التي فُتح فيها باب المكتب ودخل وزير الدفاع في صمت وبخطوات سريعة جلس ليس على مكتبه بل على كرسي مقابل للأريكة دون ان يرفع بصره عنا ومجددا وجدت نفسي اتصلب ولا استطيع إبعاد عيني عنه متناسية كل شيء. من هذا الرجل؟ لماذا تعتريني رغبة عارمة بالبكاء بمجرد رؤيته. ماذا بي؟ رأيت عيناه تنظران الى يد ليام على كتفي فخفق قلبي بدون سبب ثم اخيرا سأل ليام بقلق:
-كمال؟

فتنهد كمال واغلق عينيه ثم هز رأسه نافيا. فوضعت يدي على فمي كاتمة شهقة ابت إلا ان اتخرج رغم توقفي عن البكاء.
سأل وزير الدفاع بقلق واضح: -هل انتي بخير؟
افقت من شرودي وقلت بحيرة لسبب السؤال: -اجل.
ثم لاحظت ملابسي وشعري فقلت بإرتباك: -هذه ليست دمائي. انا لست مصابة.

اومأ برأسه ببطء. ثم عم الصمت المكان. الجو متوتر جدا خاصتا ونحن في حضور وزير الدفاع نفسه ورغم اني لم استطع الكف عن التحديق به لسبب ما إلا انني لم اجرؤ على الكلام ايضا حتى قال هو بهدوء:
-اذن من قاد هذا الهجوم؟ كمال ام حركة المقاومة؟
اجاب ليام بتوتر مشيرا الي: -كيسارا. هي من قادت الجميع. لقد درسنا خطتها ثم نفذنا
عقد شاهين حاجبيه وقال بتعجب: -انتِ فعلتي؟ كيف؟
ثم نظر الى ملابسي وتابع: -هل قاتلت ايضا؟

اومأت بضعف ليأتي السؤال الذي توقعته: -انت لا تتذكرين اي شيء على الإطلاق؟
قلت نافية: -لا. لا شيء على الإطلاق لكن كمال اخبرني اني يجب ان اعود الى ابيس، ان بإمكاني ايقاف هذه الحرب لهذا تبعته حتى وصلنا الى البنارا
-تعودين الى ابيس؟ الم تكوني هنا؟
نظرت الى ليام وقد تذكرت يوم تم اسري. لابد ان إفرديين ماتت بعدها بوقت قصير. اخيرا قلت:
-لا انا تم اسري ثم تم ترحيلي الى رودوس وهناك قابلت ارايان.

اتسعت عينا وزير الدفاع شاهين وهو يردد: -وكمال اخرجك من هناك! واتى بك الى ابيس؟!
-اجل. لقد اخبرني انه كان يعمل لصالح ابيس من قبل وانه. وانه قد خان هذه البلاد. لقد اخبرني انه ندم كما لم يندم على شيء في حياته من قبل.
كمال. انا اسفة لولاي لكنت الأن حي. ثم ببطء قصصت على شاهين كل ما حدث في رودوس وحتى وصلت الى هنا. لا ادري لماذا لكني وثقت به على الفور لم افكر للحظة ان اخفي اي شيء عنه لذا اخبرته بكل شيء.

سألني بعد ان انتهيت: -ماذا كنتم ستفعلون لو لم نلتقط الإشارة خلال المعركة؟
قلت وقد بدأت اهدأ واتماسك: -انا لم اضع سوى نصف قوات المقاومة لإحداث الثغرة واستخدمت بعض النصف كتضليل. كان اعتمادي التام على القوى الطفرات. انا لم اكن لأترك البنارا بلا مقاومة لو اننا فشلنا لكن كمال كان متأكدا انه إن لم يلحظ احد الإشارة فأنت ستفعل بالتأكيد.

رفع شاهين حاجبيه في دهشة للحظة ثم عاد الى هدوئه وغمغم: -تلك كانت خطة ذكية.
ثم نظر الى ليام وسأل: -من انت؟
اجاب ليام على الفور: -احد قواد حركة المقاومة
لكن شاهين ضيق عينيه على يد ليام التي على كتفي وقال: -كيف التقيت بكيسارا؟
عندها ادركت ما يريد فقلت: -لقد قابلته عندما استيقظت في البنارا فاقدة الذاكرة وقد اواني هو ووالدته حتى تم اسري
اومأ ببطء كأنما يدرس ما اقول: -انها لمعجزة انك خرجتي من رودوس حية.

نظرت له وقلت بحسم: -لا ليس بمعجزة، بل بمساعدة الكثير وعلى جثث من هم اكثر. لقد ضحى كمال بكل شيء لكي يوصلني وانا قتلت الكثير حتى هذه اللحظة. يجب ان اصل الى اراكان، يجب ان استعيد ذاكرتي. وكمال اخبرني انك تستطيع ان تُصلني الى اراكان
تأملني شاهين لبرهة ثم قال: -إذا فعلت ذلك فأنا اعصي امر مباشر من سيد شداد.

شداد. رئيس هذه البلاد. ماذا يعني هذا؟ هل يعني انه لن يساعدني؟ كيف سأصل اذن الى وجهتي؟ كيف. شعرت بيد ليام تقبض على يدي. لا انا لن استسلم هنا. قلت بعدم فهم:
-ايعني هذا انك لن تساعدني؟
اجاب ببرود: -بل ربما امنعك نهائيا
اتسعت عيناي. سيمنعني؟ لا! هببت من مقعدي واقفة وبعزم صحت: -انا يجب ان اصل الى اراكان. لقد ضحى كمال بحياته لهذا، انا لا يمكن ان اتوقف هنا
رفع الوزير يدا لمقاطعتي قائلا: -وماذا بعدها؟

نظرت له بحيرة فقال: -ماذا ستفعلين بعد ان تصلي الى اراكان؟ كيف ستوقفين الحرب؟
فغرت فاهي عاجزة عن الرد ونظرت الى ليام لأراه يرمقني في ترقب للإجابة. الإجابة التي لا املكها. عدت ببصري الى وزير الدفاع فوجدته ينظر لي بثقة كأنما هو يعلم اني لا ادري ماذا سأفعل او إذا كان هناك ما يمكنني عمله لإيقاف هذه الحرب. لكن كمال كان واثقا. كان على يقين انه يمكنني.
بادلت الوزير النظرات وبصوت عازم: -لا ادري.

رأيت شيء من الإحباط يرتسم على ملامحه لكني تابعت هاتفة: -انا لا ادري ما سأفعل لكني اعلم ان بإمكاني ان اوقف هذه الحرب بل انا على يقين اني وحدي فقط من تستطيع. انا لا اهتم لما تظن لكن إن لم تساعدني فلا تضع وقتي فهذا الأخير انا بالكاد املكه. انا سأصل الى اراكان، سأصل الى شداد. سأنقذ هذه البلاد او اموت دون ذلك. انا لم انج من كل هذا لأتوقف هنا يا وزير الدفاع بمساعدتك او من دونها انا سأصل.

عندها ابتسم الوزير وقال: -ربما تكون ذكرياتك قد خُتمت لكنك لازلت كما انت يا كيسارا، لا تتغيرين
نظرت له في دهشة فقال بجدية وهو يعتدل واقفا: -إن كان هناك من يستطيع ايقاف هذه الحرب فهو انت دون شك لكن يجب ان تستعيدي ذكرياتك اولا حتى تستطيعي استخدام قواك
تلعثمت في ذهول: -انت ستساعدني؟
ابتسم بمرارة: -انا لم اكن لأرفض ابدا يا كيسارا. انت فقط لا تتذكرين.

خفق قلبي في عنف وتملكتني تلك المشاعر من جديد. من هذا الرجل؟ من هذا الرجل؟ نفضت الأمر عن ذهني للأن وبصعوبة ركزت فيما قال للتو وقلت:
-ماذا تعني بأني يجب ان اتذكر لأستخدم قواي؟ لقد قال ارايان شيء كهذا ايضا لكني لا افهم ما الإرتباط؟

تنهد وقال: -كل الإرتباط. قواك تختلف عن الجميع، إنها لا تستجيب لأحد سواه. لا احد يدري كيف دربك على استخدامها. فرغم انك ولدت بها إلا انه لم يستطع احد اجبارك على استخدامها مهما فعلوا بك وصدقيني انا قرأت ملفك كله وانت مررت بالكثير حتى ظن البعض ان الأمر مستحيل. انت لم تستخدم قواك إلا لأجله هو فحسب فلو لم تتذكريه فكيف ستستخدميها؟
ارتجفت شفتاي وانا اسأل: -من هو؟

التمع في عينيه شيء لم افهمه وقد عقد حاجبيه وهو ينظر لي بشيء من اليأس:
-سيد شداد يا كيسارا
مجددا ذلك الإسم. ذلك الرجل. الرجل الذي اقام لأجله ارايان هذه الحرب. الرجل الذي يكفي اسمه ليجعل الدموع تلتمع في عيني. ابتلعت ريقي بصعوبة مهدئة نفسي وهمست:
-ك. كيف افعل هذا؟ كيف اتذكر؟
صمت برهة ثم قال بتردد: -رِيه مرة اخرى
-ماذا؟
-كل ما عليك هو رؤيته مرة اخرى وسينكسر الختم. هو في اراكان يقود الجيش للمعركة الأخيرة.

لا ادري لماذا لكني شعرت بالخوف. الخوف لرؤيا الرجل الذي نتحدث عنه. لقد شعرت بذات الخوف من قبل. عندما اخبرني ارايان بسبب هذا الحرب لقد شعرت انه لا يجب ان اعلم ومع ذلك فقد اصغيت لكل ما قال وانا اعلم اني سأندم. لماذا هذا الخوف؟ ما سببه؟ ما الذي اخشى ان اتذكره؟
ببطء وخفوت قلت: -يجب ان اصل الى اراكان إذن.
اهذا ما كان يعنيه كمال بأني يجب ان اصل الى اركان. يجب ان اتذكر.

اومأ الوزير برأسه وقال: -يجب ان نضمن ان تصلي الى هناك امنة وانا لا استطيع مصاحبتك الى اراكان لكني سأوفر لك الوسيلة
ثم نظر الى ليام وقال: -سترافقها؟
اومأ ليام في صمت فتابع الوزير: -اذن احرص ان تصل حية. حياتها لا تُقدر بثمن اتسمعني؟ هي اهم من الجميع.

شعرت بليام يتصلب في توتر لكنه اومأ مرة اخرى دون ان يتكلم. تمسكت بيده استمد منها بعض التماسك ومجددا رأيت عينا وزير الدفاع شاهين ترمق يدانا وتضيق عيناه في شيء هو اقرب للغضب؟ تجاهلت هذا وانا اسأل في حذر:
-. هل اردت ان تُختم ذكرياتي؟
رمقني الوزير بنظرة لن انساها، نظرة تحمل من الشوق والحنين ما هالني. ثم قال وكل حرف يقتر حزنا ومرارة وقد خطى نحوي حتى اصبح قاب قوسين او ادنى:.

-بل هي كنزك الأثمن. هي اعظم ما امتلكت حتى سُلبت منك. وفي سبيلها كنت لتفعلين اي شيء.
تراجعت للوراء دون وعي وانا احدق فيه وهمست: -من انت ايها الوزير؟
انتقلت الدهشة اليه هو. ثم بعد وهلة ابتسم وقال وهو يمد يده ليصافحني:
-انا شاهين يا كيسارا، انت لم تنادني قط بوزير ولن تفعلي الأن.

شاهين. وزير الدفاع شاهين. رفعت يد مرتجفة لم تلبث ان استقرت بين يده لمصافحته وعند اللحظة التي تلامست فيها يدانا شهقت في فزع وتراجعت الى الخلف في رعب وكدت اهوي ارضا لولا ان امسكني ليام. بينما انحنى شاهين على في قلق:
-كيسار؟! هل انت بخير؟
لم اجب بل نظرت له في رعب وفزع ثم اخيرا صحت: -انت احدهم. انت احد الفرسان!
دُهش للحظة لكنه اجاب على اي حال: -اجل.

هززت رأسي وهتفت: -ليس هذا ما اعني. كان يجب ان اشعر بك من البداية. كان يجب ان اعرف. هناك شيء خاطئ. انت
ثم اعتدلت وقلت مشيرة اليه بذعر: -انت تموت!
عندها هتف ليام: -ماذا!

بينما عقد شاهين حاجبيه دون ان ينطق. فمددت يدا مرتجفة قبضت بها على يده وازحت كم ملابسه دون ان يقاوم لأرى السواد يغطي معصمه. ثم تنتشر لتغطي ما لا ارى من جسده، نظرت الى عنقه لأره مغضى بالسواد. بالظلال. كيف لم الحظ إلا الأن، ارتجفت يدي على ساعده وبصوت هو اقرب الى البكاء:
-انت تدفع قواك.

استخدمت نفس المصطلح الذي استعمله كمال الدفع. وعندما رفعت بصري لأقابل عينيه هوى قلبي. هو لا يبالي. سينفذ الأوامر دون تردد حتى الموت. قلت بصوت مختنق:
-انت. تموت. يا شاهين
لا ادري ما حملني على ما فعلت لكني وضعت يدي الأخرى على خده الإيسر وهمست:
-ليس انت. ليس انت ارجوك.

رأيت الذهول يرتسم على وجهه والسؤال يلتمع في عينيه. هل اتذكر؟ لا انا لا اتذكر شيء. لكن اعلم. اعلم ان هذا الرجل يُشكل جزء كبير من كياني بطريقة او بأخرى. وضع يدا على كفي واغلق عينيه وهو يجيب:
-لن افعل. سأنتظرك
ثم اخذ نفسا عميقا ازاح من بعده يدي في رفق وقال: -يجب ان نسرع إن كنا نريد إذا كنا نريد ايقاف هذه الحرب
اومأت برأسي فقال متقدما: -اتبعاني.

تبعه ليام دون اعتراض فعلمت ان وقت الرحيل قد حان. لكن ليس بعد. ليس قبل.
-شاهين
التفت إلى كلا من شاهين وليام فقلت بلهجة آمرة قاطعة: -ارسل الى جميع قوات ابيس على الحدود ان تبذل كل ما تستطيع لقهقرة جيوش التحالف حتى تفصل بينهم وبين المدنين من اهالي ابيس نهائيا ولو كلف ذلك التخلي عن المدن وهجرة اصحابها الى داخل ابيس نفسها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة