قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والتسعون

اسندت رأسي في ارهاق الى النافذة بجانبي وبجواري جلس ليام مسندا ظهره الى ظهر عربة الترحيلات محاولا النوم فتنهد وانا ارمق المنظر من النافذة رغم صعوبة الرؤية فقد تساقطت قطرات المطر على سطح النافذة جاعلتًا الرؤية عسيرة. لقد وعد شاهين فأوفى. وها نحن في عربة الترحيلات ننهب الطريق نهبا الى اراكان متخذين أأمن الطرق التي يعلمها الجيش اليها. لكن مهما كانت سرعتنا فلن نصل اليها قبل ثلاثة ايام من الأن على الحد الأدنى. وهذا كثير. نحن لا نملك الوقت لهذا لكن ما بيدي ان افعل سوى الإنتظار والدعاء. الدعاء ان تصمد اراكان حتى اصل. فهل هذا ممكن؟

وضعت يدي على النافذة وانا اتذكر. تذكرت رد فعل شاهين لما قلت. لم يسأل. لم يستفسر. فقط اومأ قائلا انه سيُنفذ الأمر لا محاله. من اين له بهذه الثقة؟ ما الذي يعرفه ليثق هذه الثقة وانا نفسي لا ادري لم امرته ان يرسل الى الحدود. فقط شعرت انه لابد ان يفعل.

تنهدت مرة اخرى وانا اراقب الناس تعدو محاولة الإحتماء من المطر. اه لو يعلمون الحقيقة. اه لو يعلمون ان ابيس على شفى السقوط. بل هم امة في سبات يستغيث القتيل فيها القتيل.
((انحنت سفريا وهي تتحدث الى راي. لكن ذلك الأخير لم يعد موجودا. هي لم تره لأكثر من شهر تقريبا. انما هو قلب باراديس ودائما القلب حتى اصبح الأمر يخيفها ويقلقها. ربما راي قد انمحى حقا؟

اغمضت عيناها بقوة قبل ان تفتحهما مرة اخرى ليقابلها القلب بنظرات لا تعود الى صبي لم يتم الثانية عشر بعد. نظرات ثاقبة لا يتخللها مشاعر من اي نوع. واخيرا قالت:
-راي
صمت القلب برهة قبل ان يبتسم ابتسامة مريرة وهو يقول: -انت لن تيأسي اليس كذلك؟

عقدت حاجبيها وقررت ألا تُجيب. لقد اجهدها كل ما يحدث. ارهقها الى اقصى حد وزعزع كيانها حتى لم تعد تعبئ بشيء. عندما يرى المرئ بشر يُقتلون ويَقتلون كل يوم فإنه يعتاده رغم بشاعته لكنه يعتادة. رغم شناعته ورغم الكثير والكثير لكنه يعتاده. حتى جاء اليوم الذي كفت فيه عن البكاء على برك الدماء التي تُسفك وبكت لإعتيادها هذا حتى لم يعد يؤثر فيه حينها ادركت انها لن تعود كما كانت بعد كل ما رأته لقد لوثتها الحرب كما لوثت ودنست الجميع. لكنها اقسمت ان تظل حتى النهاية في ابيس. هي لم تعود الى هيفين حتى تتوقف الحرب ا تموت هنا فلم يعد لها مكان في بلدها الأم.

-لقد وصلتنا اوامر جديدة
حدق بها القلب في عدم اكتراث وهي تتابع: -ان نفصل بين العدو والمدنين بأي وسيلة، بأن نقهقر قوات الإحتلال اقصى ما نستطيع على الحدود فاصلين بينهم وبين المدنين ولو كلفنا ذلك المدن على الحدود
ضحك القلب في استنكار وقال: -الا يدركون اني لم اعد استطيع؟ ان استمر الوضع لأكثر من ذلك سأفقد السيطر على كل شيء لابد وان شداد قد جُن اخيرا
همست سفريا بصوت مبحوح: -هذه الأوامر ليست من شداد.

عقد القلب حاجبيا سائلا بإستهزاء: -ممن إذن؟
قالت بصوت متحشرج وهي تقرأ الأسم غير مصدقة: -انها اوامر كيسارا!
اتسعت عينا القلب في ذهول وللمرة الأولى منذ شهر رأت سفريا عينا راي تعود لطبيعتهما وصوت يملأه القلق والشوق:
-كيسارا؟!
نظرت اليه في ذهول وهي تومأ ببطء فقال بسعادة جلية: -ايعني ذلك انها عادت؟
-ل. لست ادري يا راي.

لكته ابتسم فجأة وكأنما قد نسي الحرب وما فيها وهو يقول: -اذن ارسلي الرد بأننا سنفعل كل ما نستطيع الى حين الملتقى
وقفت متصلبة في مكانها برهة قبل ان تتسلل الإبتسامة الى شفتيها وهي تقول:
-ربما لايزال هناك امل. )).

((مر هيثم بجوار غرفة العناية المركزة التي يقبع فيها جسد جراد. نعم جسد جراد فذلك الأخير لم يستيقذ مذ دخلها ويده لم تعد لطبيعتها ابدا حتى بدأ يظن انه لن يستيقذ فقد دفع قواه الى اقصى الحدود. وحتى شداد لم يستطع مساعدته فبعد سقوط إفيين عاد هيثم الى القلعة في اراكان وقد تم نقل جراد كذلك لكن حالته لم تتحسن بل ربما هي تتجه للأسوء وهم لا يعلمون.

زفر بضيق ومرارة وهو يرفع كم ملابسة محدقا في ساعدة المضمد. لقد دفع قواه هو الأخر وإلا ما كانوا ليستطيعوا الخروج من إفيين احياء. فالتراجع بعد الهزيمة لم يكن سهلا. لقد استولت رودوس على المدينة تماما وبمعجزة ما استطاعوا الخروج. وحين اخيرا عادوا الى القلعة منعه شداد من الإنضمام الى القوات واعاده الى عمله الأساسي في المخابرات مما يعني ان مهامه لن تتعدى التخطيط. هو يعلم ان شداد محق في عدم جعله يشارك فجسده على الأغلب لن يتحمل وقد يجد نفسه بجوار جراد إن استخدم قواه الأن وهو لم يتعافى بعد من إصابته الحالية لكنه لم يعد يحتمل المكوث لأكثر من هذا خلف مكتبه بينما الحرب من حوله تدور.

نظر الى جسد جراد على الفراش والأجهزة من حوله هي ما تبقيه على قد الحياة الأن. محاولة يائسة. همس في يأس:
-ألابد ان تكون هذه هي النهاية؟
اراكان لن تمكث الى الأبد فهل الهزيمة هي ما ينتظرون؟ ))
اخيرا توقف. لم اصدق نفسي للوهلة الأولى لكن العربة توقفت حقا. اسرعت اهز كتف ليام قائلة:
-ليام. ليام. العربة توقفت!
ففتح هذا الأخير عينيه في ارهاق سائلا في استنكار: -هل وصلنا؟!
اجبت وانا اعتدل واقفة: -لا ادري.

لا عجب في سؤاله فلم يمر سوى يومين ونص فقط لكن ربما بمعجزة ما استطعنا الوصول اسرع مما ظن شاهين. مددت يدي الى باب العربة لكنه فُتح قبل ان افعل لأجد نفسي امام احد الجنديان الذين تبادلا قيادة العربة ليومين وحين رأني افسح لي المجال لأخرج ومن خلفي ليام لأجد اننا قد تخطينا بوابة عملاقة لأحد الحصون فنظرت الى الجندي في تساؤل وحين كان على وشك ان يُجيب قاطعنا صوت حازم يقول:
-التصريح لا يكفي.

ثم نظر الينا وتابع متحدثا الى الجندي بجواره: -اريد تفتشيهم الأن
وفي ثوان اجتمع حولنا عدد من الجنود بغرض التفتيش فتصلب ليام ونظر لي فأشرت له ان لا بأس لندعهم يقومون بعملهم وحين انتهوا التفت الى الرجل الذي اصدر الأمر قائلة بشيء من الرسمية:
-العقيد كيسارا
عقد الرجل يده امام صدره وقال بجفاء: -انس يوراي. رئيس فرق الحراسة على اسوار اراكان.

اسوار اراكان؟ ماذا يعني؟ لكن هذا ليس الوقت الملائم للسؤال فأشرت خلفي الى ليام:
-لقد ارسل وزير الدفاع شاهين برقية تُعلم بوصولنا
رمقني في شك وضيق عينيه وهو يقول: -نعم لقد فعل. محددا فيها انكم ستصلون بعد ثلاثة ايام وليس اثنين تقريبا.
اتسعت عيناي للحظة ثم التفت حولي وصحت: -اتعني اننا في اراكان؟

اومأ في صمت وهو يراقبني كالصقر لكني لم ابالي بل نظرت الى ليام غير مصدقة اننا حقا قد وصلنا قبل موعدنا قاطع سعادتي بهذا قول الرجل بصرامة:
-ما الذي يضمن لنا انكم المعنين حقا؟
استدرت اليه وقلت بغيظ: -الا يكفي التصريح؟
لقد اعطانا شاهين ورقة تحمل ختمه وتلك لابد كافيه فما مشكلته بالضبط؟ نحن بالكاد نملك الوقت لأي من هذا. هز الرجل رأسه نافيا فقلت عاقدة يداي على صدري وانا اقول في توتر:
-ماذا تريد اذن؟

اجاب بتحدي: -اريدكم في الحبس حتى نتأكد من هوياتكم.
كدت اقاطعه لكنه تابع: -لكن لو انكم بالفعل من تدعون فأنتم لا تملكون الوقت لتهدروه هنا
فابتلعت ما كنت على وشك ان اقول واومأت فتنهد وقال: -ما وصلني انكم تريدون الوصول الى القلعة من خلال اراكان
عقدت حاجباي وقلت: -من خلال اراكان؟ اوليست القلعة في اراكان؟
رفع احد حاجبيه في تعجب وقال بشيء من السخرية: -انت عقيد اليس كذلك؟

قررت تخطي الإهانة فهو لن يصدق حرفا مما سأقوله حتى لو كانت الحقيقة لذا قلت:
-هذه هي المرة الأولى لي في اراكان
ضيق عينيه في شك ثم بعد فترة اشار الينا لنتبعه الى برج مراقبة يقع بابه على بعد خمسة امتار من مكاننا فتبعناه انا وليام حتى استقر بنا في مكتب صغير داخل البرج ثم بهدوء مد يده الى درج المكتب مخرجا خريطة لم يلبث ان فردها امامنا وهو يقول:.

-هذه الخريطة تصف اراكان بدقة الأن إن نظرتم الى حدود المدينة لوجدتم انها محاطة من جميع الجهات بأسوار محصنة بأبراج حراسة عالية مثل الذي جئتم عبره لذا لم تستطع جيوش التحلاف اختراقها رغم اعدادهم الهائلة.
حدقت في الخريطة ثم بعد برهة قلت محاولة الحفاظ على هدوء اعصابي: -اذن اين القلعة الرئيسية؟

اجاب وعينه تواجه عيني: -ليست هنا. ليست في اراكان نفسها بل على بُعد اثنين كيلومتر من الحدود الغربية للمدينة فبعد المدينة يوجد تل تُحيطه غابة على قمته تقع القلعة ولا يصل بيننا وبينها سوى طريق صخري قديم لم يتم تجديده لكي يكون من الصعب التنقل بين القلعة والمدينة فكما ترين ان البلاد محاطة بأسوار عالية ومنحولها غابات كثيفة. هذا الإرتفاع للأسوار يجعل لنا اليد العليا على اي من يحاول التسلل الى اراكان نفسها والطريق المباشر الوحيد بيننا وبين القلعة هو ذلك الطريق الصخري.

نظرت اليه منتظرة ما اتوقع ان يقوله وقلبي يخفق في عنف وهو يتابع: -إن القلعة محاصرة تماما والعدو في انتظار اللحظة التي سنفتح فيها البوابة الغربية للاجئين حتى ينتهز الفرصة للدخول الينا لذلك منع سيد شداد اللجوء الى اراكان ولهذا...
استطعت سماع دقات قلبي الوحدة تلو الأخرى وانا اعلم ما هو على وشك ان يقول:
-لا استطيع الأمر بفتح البوابة الشرقية ابدا.

قالها بلهجة قاطعة لا تقبل النقاش فقلت وقد بدأ الخوف يتسلل الي: -لكن انا يجب ان اصل الى هناك. انها الطريقة الوحيدة.
هز رأسه نافيا وهو يكرر: -هذا مستحيل، انه يعرضنا كلنا للخطر واراكان هي خط الدفاع الأخير بعدها تسقط ابيس ونحن بالفعل نخسر هذه الحرب يجب ان نتقبل هذا
-لا!
صحت في عصبية فنظر لي بدهشة فهتفت: -لا لن نهزم. ليس الأن، ليس بعد كل تلك التضحيات للوصول الى هنا. لا يمكنني ان اتوقف الأن.

ثم اكملت بثقة: -انا يمكنني ايقاف هذه الحرب وسأفعل يجب ان تخرجني من هنا يا انس. لقد امر شاهين في تصريحه ان تُنَفذ اوامري
بإصرار قال: -الم اخبرك اني لا استطيع ولن افعل، فتح تلك البوابة يعني التضحية بأركان ولأجل ماذا؟ لأجل احلام فتاة لا تدري ما تقول
ارتسمت الدهشة على وجهي حتى عجزت عن الرد. هل قال ما سمعته للتو! هنا جاء الرد من ليام الذي صامتا طوال هذه المحاثة قائلا في صرامة وحزم:.

-اسمع يا هذا نحن لا نملك رفاهية الوقت لما تقول، تلك الفتاة امامك قادت المقاومة في البنارا محدثة ثغرة في الحصار معطية الفرصة للجيش لتحرير البنارا وفك الحصار وقد حدث كما لابد قد علمت، نحن لسنا هنا لمطاردة احلام او خيالات نحن هنا بعد الكثير من التضحيات فإن لم تسمح بخروجنا من هنا فأعلم انك قد اضعت الفرصة الوحيدة لتحرير هذه البلاد.

حدقت انا وانس في ليام في ذهول وقد عم صمت ثقيل على المكان قطعه انس بعد فترة طويلة:
-انا لن افتح البوابة الغربية.
الأحمق! فتحت فمي لأعترض وهتفت: -الا تفه.
لكنه اكمل: -لكني سأفتح اي بوابة اخرى
اتسعت عيناي وقد فهمت على الفور ما يرمي اليه وقلت: -اتعني ان نلتف حول.

تدخل قبل انهي جملتي: -اجل ففي جميع الحالات القلعة محاصرة من الجيوش الأحتلال من جهة ومن الهاوية من الجهة الأخرى لوجودها على قمة تل وسيكون من الخطر فتح البوابة الغربية لكن.
قاطعته انا هذه المرة وانا اقول في حماس: -لكن ان خرجت من البوابة الشمالية للمدينة واتجاهنا غربا فسأكون في ظهر العدو تماما
اومأ وقال: -هذا عرضي الأخير إما ان تقبلوه او آمر بحبسكم هنا.

هذا الرجل مستفز بشكل غير طبيعي لكن من الواضح ان هذا هو اخر ما سأصل اليه معه، رفعت بصري إلى ليام لأجده في انتظار قراري. إن وافقت الأن فهذا يعني اننا يجب ان نمر خلال معسكرات وجيش العدو قبل ان استطيع الوصول الى القلعة او الى الصفوف الأمامية للمعركة اي هناك فرصة لا بأس بها ان اُقتل انا وليام. وإن رفضت فأنا قد اضعت فرصتي الوحيدة للخروج من اراكان. لم اتردد في الإجابة وكيف افعل؟
-حسنا اذن.

اشار الى احد الجنود من خلفنا وقال: -الى الحدود الشمالية اذن.

كان الوصول الى معسكرات العدو صعبا للغاية وقد اضعنا اليوم بأكمله بين السير والعدو للوصول الى الحدود الغربية، لم يكن هناك مجال لأي وسيلة اخرى لتسريع هذا بسبب الغابة المحيطة بأراكان وعندما لاحت لنا نار المعسكرات كان الليل قد جن والظلمة اصبحت حالكة ورغم ذلك امكننا سماع صليل السيوف ودوي البنادق من بعيد. المعركة لا تزال مستمرة امام القلعة وخلف هذه المعسكرات. يجب ان نسرع ففي اقل من ساعتين سيبزغ الفجر ونحن بحاجة الى الليل.

سمعت ليام يهمس بجواري في ارهاق: -والأن ماذا؟
اردت حقا ان نتوقف لنرتاح خاصتا وان ليام كان مجهدا بشده لكن من اين لنا بالوقت؟ نظرت الى نيران المعسكرات من جديد وقلت:
-نحن بحاجة للتسلل هو فرصتنا الوحيدة فلا يمكننا المقاتلة امام هذه الأعداد
-وطبعا ان عُثر علينا فنحن في عداد الأموات
نظرت اليه ثم اخيرا قلت ما كان يعتلج بداخلي لفترة: -ليس من الضروري ان تأتي معي، لقد فعلت الكثير بالفعل و.

اوقفني بإشارة من يده وقال: -دعيني اوقفك عند هذا ولنتظاهر انك لم تقولي شيء على الإطلاق
-لكن
وضع يدا حازمة على كتفي: -كيسارا ارجوك انا لم اتبعك لمجرد انه يجب ان افعل وانت تعلمين انه يجب لكنك ايضا تعلمين لما انا هنا. لقد اقسمت ان انتقم بنفسي لعائلتي. كما اني لم اكن لأتركك تقطعين الطريق وحدك رغم يقيني انك لست بحاجة لي.
اغمضت عيني واخذت نفسا عميقا ثم قلت بإبتسامة تحمل من الذنب الكثير:
-انا حقا اسفة.

اومأ قائلا: -اعتذار مقبول الأن هيا بنا يا فتاة
هززت رأسي وتبعته في هدوء مقتربين من المعسكرات ثم حين اصبحنا على مسافة معقولة قلت:
-سنحتاج الى زيين عسكريين لنستطيع التسلل مما يعني.

اومأ قبل ان اكمل فابتسمت لقد فعلنا هذا من قبل وكل منا يعلم دوره جيدا لذا في صمت تسلقت إحدى الأشجار متجاهلة الهواء البارد وصوبت سهمي في استعداد لهدفي حين رأيت ثلاثة جنود يتحركون مبتعدين عن نيران المعسكر للقيام بدورية روتينة حول المعسكر غالبا فصوبت سهمي وركزت إن اخطأت الأن ستكون مشكلة وهم ثلاثة. يجب ان اكون سريعه وان اصيب في مقتل وإلا فقد ينذر صراخهم الأخرين. وحين شعرت انهم قد اقتربوا منا كفاية اشرت الى ليام ان يستعد وفي سرعة هي اقرب الى لمح البصر اطلقت السهم الأول فأصاب الرأس وفي اقل من الثانية تبعه الثاني فالثالث. لم يستغرق الأمر ثوان وقد تراصت الجثث الثلاث ارضا فأسرع ليام يُحرك الجثث بسرعة الى مكان نستطيع فيه تجريدهم من ملابسهم وقد كان.

كان الأمر سريعا صامتا وفي غضون دقائق كنا نرتدي زي اثنين منهم احدهما لائم ليام جيدا اما انا فللأسف كان الزي فضفاضا لكن يمكن تورية هذا. ثم انطلقنا نحو المعسكر.

سرت بخطوات واثقة رغم ان قلبي يكاد ينفجر من التوتر. إن تم كشفنا الأن فهي النهاية لا شك ربما ليس لي لكنهم سيقتلون ليام على الفور. رفعت يدي غريزيا الى خوذتي اخبئ خلفها وجهي املتًا الا يكون منظرنا مريبا وتابعت السير متخذتًا ابعد الطرق عن النيران حين تناهى الى مسامعي صوت مألوف. مألوف بشدة.

فاستدرت الى مصدره لألمح صاحبه الذي كان على بُعد اربعة امتار مني وتصلبت في مكاني متسعة العينين وكأن البرق قد صعقني فاصطدم بي ليام محدثا صوتا جاذبا انتباه المتحدث الينا فأمامنا توقف كريستوفر دومينو عن الحديث ونظر الينا ثم سأل بالرودوسية دون اكتراث حقيقي:
-ماذا هنالك؟
لم افهم ما قال جيدا لضعفي في اللغة فأسرع ليام قائلا بطلاقة: -لا شيء.

واضعا يده على ظهري محاولا حثي على المشي لكني لم اتحرك ولم اتزحزح فعقد دومينو حاجبيه واقترب خطوة وهو يقول موجها حديثه الي:
-ماذا بك ايها الجندي؟

لم اجب بل تجمدت في مكاني ورمقته بعينين جاحظتين وقلبي يخفق في عنف. فغرت فاهي في ذهول. شعرتًا بضيق في التنفس كأن هناك يدا تقبض على عنقي وحائل على صدري وللحظة نسيت كيف كنت اتنفس من قبل. وانا احدق في الرجل الواقف بجوار دومينو. البشرة السمراء والشعر الفضي المنسدل على كتفيه والشباب الذي لا يبلى. ثم العينين الرماديتين. تلك العينين النفاذتين. انا اعرف هذا الرجل. شعرت بجسدي يأن ويستغيث بي ان اهرب. يجب ان اهرب وإلا. وإلا سأقع بين يديه من جديد.

من بعيد امكنني سماع صوت ليام يسألني هامسا في توتر ما الخطب وصوت دومينو يحتد:
-الم اسألك سؤالا ايها الجندي؟!
لكن ادراكي لم يعد هنا. عندما قابلت عيناه عيناي اخيرا. سرت قشعريرة في بدني ورأيت عينيه تتسعان للحظة من الثانية ثم ارتسمت تلك الإبتسامة المقيتة على شفته. فانتفض فؤادي في هلع. لقد ادرك على الفور من انا. لم يحتج سوى نظرة واحدة وقد كانت دوما كافية. وبهدوء لم ارى مثله من قبل قال بصوت بارد:.

-هذا ليس بجندي يا دومينو
رفعت يدا مرتجفة الى اذني في يأس محاولتَا منع صوته من ان يصل اليّ وفي رعب همست بإسم لا ادري من اين اتى:
-اوراكل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة