قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والتسعون

توقف المعسكر من حولنا عن الحركة وتراجعت انا في رعب لا ادري سبب له. من هذا الرجل؟ عندما رأيت تلك الإبتسامة الصفراء ترتسم على مُحياهُ ثم اتبعها صوته الرخيم يقول:
-مرحبا يا كيسارا
ارتعد جسدي. لما اشعر بكل هذا الخوف؟ اوراكل. كرر ذهني ما قلت للتو. وضعت يدي الى صدغي في الم. رأسي تؤلمني. تراجعت مجددا فاصطدمت بصدر ليام في حين قال دومينو:
-كيسارا؟
ثم نظر لي مدققا واتسعت عيناه وهو يهمس: -مستحيل!

قلت بصوت مبحوح: -من انت؟
ارتفع حاجبيه في شيء من الدهشة ونظر الى دومينو الذي قال بعد ان افاق من ذهوله:
-عندما اسرناها كانت فاقدة الذاكرة. مالا افهمه هو كيف وصلت الى هنا؟ لقد وصلنا انها قد هربت منذ اسبوع تقريبا لكننا لم نتصور انه ستسطيع الخروج من رودوس حتى مع مساعدة كمال.
اذن فإيفري قد مات بتلك الرصاصة. لهذا لم يعلم احد. تقدم الرجل الأخر نحوي. اوراكل. وهو يقول عاقدا حاجبيه:.

-لا، لا هي لم تفقد الذاكرة. انما قد خُتمت ذكرياتها.
ثم وجه حديثه نحوي مبتسما: -اليس كذلك يا كيسارا؟
كيف علم؟! وعندما رأى الهلع على وجهي ضحك قائلا: -إإسر الفتاة وسأحرص على ان اكسر الختم بنفسي
لا. لا. ليس مجددا. وجدت نفسي اغرز جسدي في صدر ليام وانا اهتف:
-ابتعد عني!
شعرت بيدي ليام تلتفان حولي وبصوته القلق يسأل: -كيسارا ما الخطب؟

يجب ان ابتعد عن هذا الرجل. إن امسكني الأن فسينتهي كل شيء. قلت مجيبة رغم ذعري:
-يجب ان نهرب من هنا. هذا الرجل خطير. هذا الرجل قادر على إنهاء كل شيء.
نظر دومينو الى اوراكل بتعجب قائلا: -ماذا حل بها؟
اتسعت ابتسامة اوراكل وهو يقول متجاهلا السؤال: -اليس هذا عجيبا؟ بعض الأشياء لا تتغير مهما مر الزمن.

تلك الإبتسامة المريعة. كم انوي تحطيمها لكن الخوف يمنعني من فعل اي شيء. ماذا فعل هذا الرجل لي؟ لإهابه الى هذه الدرجة. ارتجف جسدي بين يداي ليام فشدد قبضته من حولي وقال بخفوت:
-اهدأي. كل شيء سيكون على ما يرام. سنخرج من هنا.

اومأت رأسي بضعف في عدم اقتناع. هناك صوت في رأسي يُخبرني ان هذا قد اصبح مستحيلا. لكن ايا كانت النهاية يجب ان انتهز اي فرصة قد تعرض نفسها ولأجل هذا يجب ان اهدأ. يجب ان اتذكر لما انا هنا وما الذي يجب ان افعله.
اعتقد ان اوراكل قد لمح هذا التغير لذا قال بضيق مشيرا الى ليام: -من هذا؟
عندها نظر اليه دومينو وكأنه يراه للمرة الأولى ثم بعد برهة قال: -لقد رأيته من قبل. ليام. ليام بيوتر.

ثم قال وقد اتسعت عينيه ادراكًا لما يعنيه هذا: -احد قواد المقاومة في البنارا.
نظرت الى ليام في دهشة فهز رأسه اي نعم وقال بصوت لم يسمعه سواي: -لقد توصلوا الى هويات اغلب مؤسسي الحركة منذ فترة لا بأس بها لذا عندما قابلتنا في الأنفاق كان اغلبنا مختبئين وهاربين منهم
قلت بعصبية وقد تناسيت خوفي للحظة: -لماذا لم تخبرني من قبل اذن؟
تنهد قائلا: -إن الأمر لم يعد مهم الأن.

اخيرا قال دومينو: -على كل حال هذه المهزلة يجب ان تتوقف الأن
ثم اشار الى الجنود من حولنا امراً: -الفتاة اريدها حية. اما الرجل فأقتلوه
فصرخت: -لا!

وفي غمضة عين إلتف الجنود حولنا فاستل ليام سيفه في تحدي لكني لم اتحرك إذ كيف يتصدى السيف للرصاص؟ في تلك اللحظة ادركت انها النهاية لليام بالتأكيد. هذه المرة لن يتركوه لذا اتخذت قراري سريعا ملصقتا جسدي بجسد ليام. انا لن ادعه يموت هنا وإن كان هذا ما يريدون فسأخذوني معه. وهم يريدونني حية. الى الأن على الأقل.
شعرت بيد ليام على كتفي فقلت وانا التفت اليه: -انها الطريق الوحيدة.

حين سمعت دومينو يقول لي: -هكذا تريدينها إذن
ثم تابع الى الجنود موقفا اياهم: -لا تطلقوا النيران والفتاة على مقربة منه
قاطعه اوركال قائلا في وحشية وتعطُش: -لا بأس إن اُصيبت يا دومينو، هي لن تموت بهذه البساطة.
سرت قشعريرة في بدني وشعرت بالخوف يلف قلبي من جديد. لكن دومينو قال متنهدا:
-للأسف إنها الأوامر. ارايان يُريدها قطعة واحدة وغير جريحة إن لم يتطلب الأمر.

تأفف اوراكل ثم عادت الإبتسامة الصفراء الى وجهه قائلا: -إذن لا تدعهم يُنهونه بسرعة ودعنا نستمتع بالعرض
قبضت بيدي على قميص ليام في محاولة يائسة لطمئنة نفسي. هذا الرجل مريض. لا يوجد تفسير اخر.

قاطعنا صوت انفجار مفاجئ كان على مقربة من المعسكر فإهتزت الأرض مُخلة بإتزاننا وإن كان قد تماسك الجميع، التفت الرؤوس الى مصدر الإنفجار فلم نرى إلا النيران تتصاعد لتلتهم الغابة المحيطة بالقلعة. نحن على بُعد خمسمائة متر على الأقل من موقع المعركة محتجزين في هذا المعسكر. لا يفصل بيننا وبين إيقاف كل هذا إلا هذا المعسكر. كيف أهن الأن؟

هز دومينو رأسه في نفاذ صبر: -نحن لا نملك الوقت لهذا. شداد يكاد يُبيد الجيشين، يجب ان نرسل المدد.
اشار الى جنوده امرا في حزم: -قاتلوهم بالسيوف واجعلو الأمر سريعاً.

وقد كان. انا لم اجد الوقت لأستل سيفي مما جعلني عاجزة عن الدفاع عن نفسي فأسرع ليام بضمي اليه اكثر متصديا بسيفه للهجمات لكنه كان مجهودا عبثيا فالعدد كبير وهم يلتفون حولنا في دائرة ورغم ذلك قاوم ليام على اية حال. قاوم بكل ما يملك. ملوحا ليام بسيفه يمينا ويسارا ليهبط به على كل من يواجهه مستديرا بسرعة ليتصدى هجوم اخر. وانا اُشاهد متصلبة بين ذراعية. ذراعيه التي قبضتا على في خوف ورعب من فقدي. من فقد المزيد من اعزائه. هل يرى ابنته في؟ لا انا لست إبنته. بل انا من يجب ان تحميه.

شعرت بيدي ترتجف حول مقبض سيفي. وقبل ان استل سيفي تحرك ليام حركة حادة للأمام قاتلا احد الجنود، كاشفا عن ظهره في ذات اللحظة التي رأيت فيها احد الجنود يصرخ منقضا على ظهر ليام فصرخت:
-احذر!

لكنها كانت متأخر، متأخرة للغاية ففي ذلك الجزء من الثانية بدا كُل شيء وكأنه يتحرك ببطء شديد. هِتاف الجندي وهو يهوي بسلاحه. كيف دفعني ليام بعيدا عنه لكي لا يطالاني السيف. السيف الذي رأيته يخترق ظهر ليام ليخرج من صدره فصرخ ليام صرخة مكتومة. صرخة تشي ان صاحبها يموت. واندفعت قطرات الدم حمراء قانية لتسقط على وجهي المذعور. كيف شاهدت الحياة تُسلب من ليام لتُخلف جسدا فارغا هامدا تتسرب منه الحياة ببطء في مشهد لن انساه ما حييت.

هوى جثمان ليام عليا ليوقعني ارضا وانا احدق في ذهول وصدمة غير قادرة على إستيعاب ما حدث.
لا. هذا لا يمكن ان يحدث. لا، لا! حاولت في يأس ايقاف تدفق الدماء غير واعية بأي شيء من حولي لكن كيف والجرح قد اخترق صدره. لا تتركني وحدي، ارجوك لا تتركني. ليام. ليام. رددت إسمه دون ان اتلقى اجابة حتى ادركت ما يعنيه الصمت. فإعتصرت يدي قميص ليام وصرخت في الم واسى:
-لا. ارجوك لا!

لكن ما من مجيب. ما من مجيب. وبالكاد امكنني سماع اوراكل يقول برضا:
-ان هذا يعيد الذكريات
لا ادري ما فعلته تلك الكلمات بي وكأنها قد ضغطت على اخر وتر تعقل بي حتى لم اعد احتمل إذ تبدل حزني في لحظة الى غضب اعمى، وجدت نفسي احتضن جسد ليام في عدم تصديق وانا اُدير رأسي الى الرجل صارخة:.

-سأقتلك. سأقتلك يا اوراكل. لقد وعدني اني سأفعل واقسم اني سأفعل. سأمزق بدنك هذا حتى لا يبقى سوى برك من الدم. لن يتعرف عليك احد ولن يذكرك احد. سأمحيك من الوجود.
عقد دومينو حاجبيه متراجعا خطوة الى الجلف وهو يتمتم: -ما بال عينيها؟
بخفوت قال اوراكل: -انها تستمد قوى التنين. ابعد الجنود. يجب ان اوقفها الأن
ثم رأيته يقترب مني فاحتضنت جسد ليام اكثر وصرخت: -ابتعد عني!

لكنه واصل تقدمه حتى اصبح يفصل بيننا مترين او اقل ثم رفع يديه نحوي منذرا:
-لا تقاومي
قالها وابيضت عيناه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومه. فجأة اصبحت تلك الكلمات في ذهني. تتردد بلا توقف كأنها تُكبلني. تأمرني ان اتوقف. تأمرني ان. صرخت في الم مقاومة النداء. ثم بغتتة توقف كل شيء. توقف كأن لم يكن وكأن الصمت قد عم على الكون لم يقطعه سوى صوت رخيم يقول:
-هذا يكفي.

رفعت بصري محدقة في الرجل الذي ظهر من العدم فاصلا بيني وبين اوراكل وقد امتد امامه عازل مما يشبه النار ولكن ليس بنار مُضيئا المعسكر في وسط الظلام. وقف مهيبا جليلا ملتحفا بعباءة واسعة وشعره النحاسي المموج يتطاير من حوله ثائرا. ثم استدار نحوي بنصف جسده الأيسر بينما الأيمن مشغول بالعازل فأمكنني رؤية وجهه في وضوح لتلتقي عيني بعينين كلون شعره وقد انعكس عليها الضوء مكسبا اياها رهبة وقوة وقال:.

-اخيرا يا كيسارا. انت هنا
اطلق اوراكل صوتا كفحيح الافاعي وهو يقول: -مالك الساعة! ما دخلك في هذه الحرب؟ انت المشاهد فما تظن نفسك فاعل؟
فأجاب الرجل دون ان يُكلف نفسه بالنظر الى اوراكل وهو ينحني نحوي: -ليس هذه المرة. ليس بعد الأن.
ثم احاط وجهي براحتيه ماسحا دموعي بإبهامه هامسا: -لم يبقى سوى القليل يا كيسارا.
ثم ضمني اليه وهو يقول بخفوت: - وينتهي كل شيء.

شهقت في الم وانا احني رأسي على كتفه في انهيار. احسست بدموعي تهبط على وجهي اخيرا. انا لم اعد احتمل. شهقت مجددا كاتمة صرخات قهر وحسرة حين شعرت بيده على ظهري تهدهدني. فبكيت اكثر واعتصرت رأس ليام.
بعد لحظات قصار ابتعد عني عاقدا حاجبيه ناظرا الى الجثمان الملقى على قدمي فقلت بلوعة وحرقة والعبرات تنهمر كالسيل:
-لقد مات يا فيليب. لقد مات!

لكن فيليب ابعد يداي في هدؤ عن الجثة وساحبا الجسد ليُسكنه الأرض ثم وضع يدا على صدره قائلا:
-لا هو لم يمت بعد، لازال قلبه ينبض
اتسعت عيناي في امل ونظرت الى الثقب في صدر ليام فلاحظت ان الدم قد توقف عن التدفق خارج بدنه فهتفت:
-لكن كيف؟!
نظر الرجل الى الجرح قائلا بشيء الدهشة: -لقد سددت الجرح بالمجال!
نظرت الى الجرح عن كثب فلاحظت طبقة رقيقة من مجال من نوع ما تغطي الجرح مانعة الدم من الخروج فقلت:
-هل سيعيش؟

-ليس طويلا
اجاب رافعا بصره إلى فقلت مترجية: -ارجوك افعل شيئا. لا تدعه يموت!
نظر مالك الساعة حوله فأدركت لحظتها ان الجنود يشاهدون في رعب بينما اوراكل يحاول اختراق العازل ثم قال:
-الحياة امام الحياة
رمقني بنظرة ثاقبة: -انتي لن تقتلي اوراكل. انا سأفعل
تابع وانا ارمقه في ذهول: -شداد على وشك إبادة الجميع. هو لا يدري، يجب ان توقظيه.

ثم وضع يده على صدر ليام وببطء رأيت الجرح يلتأم ففغرت فاهي في دهشة لكني عندما نظرت الى مالك الساعة رأيت الألم يرتسم على وجهه فسألت في جزع لا ادري سببه:
-ماذا تفعل؟!
ابتسم لي ووضع يده على وجهي قائلا: -رغم انك لا تتذكرين. انا قد شِخت يا كيسارا. هذا اخر قرن اعيشه
لم افهم ما يعنيه ولم احاول إذ بمجرد سماعي شهقة حادة خرجت من ليام تناسيت كل شيء وانا اهتف:
-ليام. ليام!

فتح ذلك الأخير عينيه ببطء. وقد اعتلت ملامحه نظرة حائرة فقال مالك الساعة:
-خذي الرجل واذهبي قبل ان يفوت الأوان.
اومأت وانا اعاون ليام على الوقوف: -لا تدعه يعش
ابتسم في جزل وقال: -اوه لن افعل
اسندت يد ليام على كتفي وخطوت الى الأمام عدة خطوات حتى اوقفني صوت مالك الساعة يقول:
-كيسارا
فاستدرت اليه في تساؤل فقال وقد تلاعبت على شفتيه شبح ابتسامة: -لا تنقُضي عقد الساعة.

فابتسمت بدوري قائلة: -لا تمت لتراه يُنفذ إذن
اومأ ثم استدار الى اوراكل قائلا بظفر: -لقد عشت طويلا يا اوراكل. واخيرا قد اتت اللحظة التي امحي فيها وجودك من هذه الأرض
لم انتظر اكثر تحركت بأسرع ما استطيع وانا اُساند ليام نستهدف ارض المعركة.
كيسارا ستقابل شداد في الفصل القادم اخيرا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة