قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس والتسعون

شعرت بالألم يغزو فؤادي من جديد لكن هذه المرة لسبب مختلف تماما. الم الفراق. ما فعله بي شداد ذلك اليوم. يوم محى ذكرياتي. او بمعنى ادق يوم ختمها. والأن انا اتذكر. اتذكر كل شيء.
انا احبك، لطالما احببتك، ولطالما سأفعل، أحببتك اكثر من اي شيء، احببت الطفلة واحببت الفتاة ثم اُغرمت بالمرأة
تذكرت حتى بدأ الحزن يمتزج بما هو اكثر. بما هو اقوى. بالغضب.
احسست بيد ليام على كتفي وهو يسأل في قلق: -كيسارا؟

فرفعت يدا الى عيناي امسح الدموع التي انهمرت كالمطر. وقلت وانا انظر الى كل من شداد وارايان وقد توقفا عن القتال:
-انا بخير
وقبل ان اُكمل سمعت سيد شداد سائلا في دهشة: -ماذا تفعلين هنا؟
بينما ارتسمت ابتسامة على فم ارايان وهو يقول: -إذن فقد استطعتي الوصول الى ارض المعركة. الينا. فماذا الأن؟
حارات عيناي بينهما. ثم قلت ما اعلم جوابه بالفعل: -انا لا اتصور أن هذا النزال يُمكن ان يُوقف الأن؟

ومن مكاني امكنني رؤية نقاط سوداء كشباك العنكبوت تنمو على رقبة سيد شداد. ما هذا؟
نظر كلاهما لبعضهما فتحجرت النظرات معطية اياي الإجابة التي ابغي لكني قلت في شيء من التوسل:
-ارجوكما.
لكن الرجلين قد عقدا العزم بدا الإصرار جليا في ملامحهما. كلاهما ليس بريئا. كلاهما قد قتل. قد دمر. قد خرب. قد عُذب. قد تألم.

تقدمت خطوة نحوهما وانا احاول مقاومة كم المشاعرة المتضاربة التي تعتلج داخلي. امامي الرجلان. ينتظرني خياران. فهل اختار الصواب؟
كسر ارايان حاجز الصمت قائلا: -ليس بعد كل هذا. ليس بعد ان اصبحت النهاية قاب قوسين او ادنى.
فما كان جواب سيد شداد إلا ان رفع سيفه في وجه ارايان وبصوت يحمل الكثير من الغضب:
-لم اكن لأسمح لك. احدُنا يجب ان يموت. وهذا سيُحدد هنا والأن.

فرفع ارايان سيفه وانطلقا نحو بعضهما ففتحت فاهي في محاولة يائسة لإيقاف هذا القتال فأنا لا اريد لكلاهما ان يموت. عندما لاحظت ما غفلت عنه حتى الأن، اتسعت عيناي في ذهول وانا استدير بكل سرعتي رافعة يدي امامي مُكونة مجال حولنا وانا اصرخ:
-ليام احترس!

في ذات اللحظة التي اصطدمت فيها هالة سوداء بالمجال فأظلمت الدنيا للحظات قبل ان تنقشع الغمة. هذا كان وشيكا لولا المجال لكنا في عداد الأموات الأن. استرعى انتباهي صرخة مرتعبة إنطلقت من بين شفتي ليام وهو يحدق في المسخ الذي ارتسم امامنا في هول. ثم صاح:
-ما هذا؟!

رفعت رأسي الى المسخ العملاق. كيف لم الحظ هذا. كيف! الهواء بالكاد نتنفسه. ثقيل مُحمل بالفناء. وقد اخلى الجنود المكان من حولنا هاربين. من هذا كانوا يفرون. من الرعب الذي رأوه.

انتقلت عيناي الى الجثث المتناثرة على الأرض حينها لاحظت للمرة الأولى انما هي مجرد عظام متأكلة. قد رم اللحم وتعفن كأنهم اموات منذ عقود. ببطء عاددت عيناي الى المسخ الذي تتغير هيئته بين الثانية والأخرى. الأن فقط اٌدرك لماذا وبصوت مرتجف قلت مجيبة ليام:
-هذا هو قلب الموت.

لكن ليام لم يُجبني بل وقف مرتجفا كالورقة محدقا بعينين حاجظتين. القلب قد هاجمني للتو. تناهى الى مسمعي صوت صليل السيوف فالتفت الى سيد شداد وارايان لأراهما يتبارازان. دون اي اكتراث لم يحدث حولهما عقت حاجباي في حيرة. اذن ما الذي يعنيه وجود القلب؟ صحت بأعلى ما استطعت:
-سيد شداد القلب!

وفي اللحظة التي التفت فيها لي رأيت العجز جليا على وجهه ففهمت على الفور ما يحدث. ادركت الكارثة التي نحن فيها. سيد شداد قد فقد السيطرة على القلب. هذا ما كان يعنيه دومينو!
شداد يكاد يُبيد الجيشين.

هذه كارثة. هذه كارثة. تملكني الفزع فجأة دون سابق انذار. هذا قلب الموت اقوى القلوب. اقوى مصدر عُرف للطاقة. كيف اُقاتل هذا! كيف والجثث حولي لتشهد على عجزي. لا اهدأي يا كيسارا. النهاية لم تحن بعد. على الأقل حتى استنفذ اخر نفس.
نظرت الى ليام وصحت فيه وانا اُوسع مجالي: -ليام! ليام!
اخيرا افاق من ذهوله ورعبه وبصوت مرتجف قال مشيرا بإصبعه الى ما حول المسخ:
-كيسارا. الدخان!

قلت وانا اتراجع الى الخلف: -اعلم. هذا الدخان مُميت بل مُفني سييحيلنا الى هذه الجثث حولنا
هتف في صدمة: -انا لا افهم ما الذي يحدث. انا اختنق. بالكاد اقف وكأن جسدي.
اكملت وانا اقبض على معصمه: -انك تفنى؟ ما تراه امامك هو الفناء ذاته. ان القلب يمتص الحياة مما حوله. لذا ارجوك تراجع فلا اعتقد.

لم اكملها حين شعرت بطاقة هائلة تنهال على المجال مخلخلة اياه فتأوهت. لكن كيف؟ انا لم. فجأة هوت قبضة المسخ على المجال الذي صمد لثوان قبل ان يتبخر دون اثر لترتطم قبضة المسخ بالأرض الرملية فأهوي ارضا انا وليام من شدة الضربة.
(( رفع ليام رأسه وبين الرمال والغبار المتناثر بصعوبة رأى المسخ الأسود يرفع قبضته مرة اخرى لتهوي على كيسارا التي لازالت ملقاة على الأرض فصرخ:
-كيسارا!

لكن في تلك اللحظة بالتحديد رأي حاجزا من الماس يتكون فاصلا قبضة المسخ عن كيسارا قبل جزء من الثانية من التلاحم. ثم اتسعت عيناه في ذهول وهو يرى صبي يعدو نحو كيسارا التي هتفت في دهشة:
-هيثم!
ساعدها الفتى على النهوض وهو يقول: -لقد شعرت بوجودك. كان لابد ان.
فقاطعته كيسارا هاتفة في غضب: -انت جريح! وقواك مدفوعة فعلا. ما الذي تفعله هنا؟

وقبل ان يجيب الفتى رفعت كيسارا يدها مرة اخرى مكونة ذلك المجال الذي رأه حولهم منذ قليل. إذن تلك هي قوى الفتاة. لكن كيف سيقاومون شيء كهذا. لازال يشعر بقلبه يخفق بسرعة مؤلمة. هم على وشك الموت لامحالة. بينما الرجلين يتقاتلان الجيشين ينهاران وهذا الشيء يأكل الحياة في نهم. إن استمر هذا سيصل الى المدنين عبر الأسوار.
اعتدل سريعا وهو يقترب من كيسارا هاتفا: -ماذا الأن؟

نظرت اليه كيسارا بخوف لم يره في عينيها من قبل وهي تقول: -المجال ينهار. انا. انا لم استعمله منذ فترة وبالكاد اتحكم به وهيثم.
ثم نظرت الى الفتى وهمست: -لن يتحمل الكثير.
قال الفتى في عزم: -لا حل سوى الهجوم
اجابت كيسارا: -هذه ليست طفرة يا هيثم الهجوم يعني.
-اعلم ما يعنيه لكن هذا ليس الوقت للتردد سيد شداد كان ليؤيد هذا
اومأت كيسارا وقالت: -حاول ألا تدفع قواك ارجوك
ثم نظرت لليام وقالت: -تراجع.

ففعل وهو يراها تلوح بيدها مرسلة موجة من طاقة ما محطمتًا الحاجز الماسي ثم قالت:
-الأن!
شاهد ليام كيف هاجمت هي والفتى في تناغم مُحاولين حد حركة المسخ. لكن كل ما رأه ليام هو محاولات ضعيفة لا تؤثر على المسخ بأي شكل. انها النهاية لاشك. إذ كيف ينتصرون على شيء كهذا.
فجأة سمع صراخ كيسارا قائلة وهي تتراجع: -ليام ابتعد!

لكنها جاءت متأخرة إذ وقف ليام يرمق هالة الطاقة السوداء تنطلق نحوهم لم تمض لحظات حتى شعر بجسده يطير ليرتطم بشيء صلب ثم يسقط ارضا متأوها في الم. وبصعوبة فتح عينيه. هو لا يزال حيا! كيف؟ اتته الإجابة على هيئة انين متألم انطلق من مكان بقربه وعندما اعتدل وجد جسد كيسارا مستندا الى جدار محطم-ما تبقى من اسوار القلعة- وحولها بركة من الدماء وجسد الفتى يجثم فوقها وحين نظر الى المسخ وجد بقايا المجال تتلاشى. إذن هذا ما انقذ حياتهم لكن الفتى.

عاد ببصره الى كيسارا حين سمع شهقتها وهي تحتضن جسد الفتى وتهتف: -هيثم. هيثم!
لكن الفتى لم يجب فتعالى انين كيسارا قبل ان يخبو تماما وقد مددت يدا الى عينيها تمسح الدموع التي سالت. اراد مواستها لكنه لا يستطيع الحراك. لا يستطيع التكلم وبالكاد يستطيع فتح عينيه حين رأى ما لن ينساه في حياته ابدا. رأى كيسارا تصرخ في غضب:
-انا لم ارد ان الجئ الى هذا. لم ارد.

رأى عينا الفتاة تشعان وهي تعدل واقفة وتهتف: -انا سأضع النهاية بنفسي. إن كان هذا سيعني حياتي فليكن إذن
ثم تكونت حولها هالة بيضاء كالبرق منيرة ظلمة الليل ليظهر من خلها ما جعل ليام يشهق في رعب. ما هذا؟
تنين ابيض. تنين عملاق ظهر خلف الفتاة. لقد سمع اساطير. اقاويل لكنه لم يتصور وجوده حقيقة ابدا. التنين الأبيض. وأن تكون الحاملة هي كيسارا! )).

هذا لا يجب ان يستمر ولا يمكن ان يستمر. يجب ان اضع حدا لكل هذا. الغضب يلتهم قلبي ويكاد يعمي بصيرتي. لقد خسرت الكثير حتى الأن. وهذا يكفي. يكفي!
اشرت الى التنين امرة: -دمر
امكنني الشعور بذلك الفيضان المعتاد للطاقة يسري في جسدي. قبل ان تنطلق موجة هائلة من الطاقة نحو القلب.
هذا الجنون يجب ان يتوقف الأن. يجب.
تراجع المسخ للخلف خطوة قبل يهجم من جديد فتصديت له بالمجال وانا اهتف:
-ليس مجددا.

اخيرا عاددت سيطرتي الكاملة على المجال فأمكنني التصدي للهجوم. ثم امرت التنين من جديد:
-أَبِدْ
ففتح التنين فاه مرة اخرى قبل ان تنطلق موجة اخرى من الطاقة. امكنني الشعور بتردد التنين رغم انصياعه للأمر. كيف يتألم لأجل القلب. لكنه يعلم كما اعلم انا ايضا. هذا المجون يجب ان يتوقف الأن قبل ان نخسر كل شيء.

عندما هاجم القلب هذه المرة كانت الهجمة قوية مدمرة لم استطع التصدي لها فأصابت التنين لأشعر بألم مريع ينتشر في جسدي. صرخت في الم وانا اتراجع خطوة للوراء ساعلتَا دما. لقد نقل التنين الهجوم الي. ولولا ان خفف المجال الهجوم لكنت الأن جثة هامدة. لكن هذا لا يعني اني انتهيت...

توالت الهجمات في قوة وضراوة حتى بالكاد استطعت الوقوف على قدمي. القلبان متعادلين في القوة كيف اهزم ما امامي اذن. كان غضبي يتزايد مع الثانية. غضب من نفسي. من عجزي ومن كل شيء وعلى كل شيء.
وبين الغضب الشديد الذي كنت اشعر به سمعت الأنين. فالتفت الى صاحبه متناسية كل شيء وانا اصرخ:
-لووج!

فرأيت سيد شداد يضع يدا على صدره الذي كسته الدماء محاولة ايقاف الدماء. هل نجح ارايان في اصابة سيد شداد. لكن ارايان نظر في شيء من الدهشة الى صدر سيد شداد حينها ادركت ما حدث للتو. تلك الشباك السوداء امتدت لتغزو نصف وجه سيد شداد. القلب! وفي سرعة البرق التفت الى القلب لأرى الجرح الذي سببته للتو في صدر المسخ. الإتصال بينه وبين القلب! لا! غضبي انساني لما لم استخدم التنين من البداية. لا. لا.

هذا الجرح! انا السبب. هذا ما تسببت به. يا الهي. ماذا فعلت. ماذا فعلت؟ غير ان ارايان لن يرحم سيد شداد إلا اني أذيت سيد شداد. انا فعلت هذا. عندها ادركت ما كان يجب ان ادركه من البداية. كيف اهزم القلب دون قتل سيد شداد في محاولتي للقضاء على القلب.
تجمدت في مكاني وفي هول وجدت نفسي اتسائل. ماذا الأن؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة