قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والتسعون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع والتسعون

نظرت حولي في حيرة. جسد هيثم ملقى امام قدمي. وليام بالكاد يتنفس جواري. ومعركة بين الحياة والموت تدور خلفي. وحياة الملايين مُعلقة في عنقي. وانا. وانا لا ادري!
إن توقفت عن القتال الأن فالموت مصيري وإن قاتلت فالموت حتما مصيره. ماذا افعل؟ ماذا افعل؟

غمرني اليأس في تلك اللحظات حتى كاد يُفنيني. شعرت وكأن الدنيا تنغلق على تخنقني. العالم يتحرك من حولي وانا اقف عاجزة عن اتخاذ القرار. هل يُمكن ان اضحي. اُضحي بمن بذلت كل هذا لأجله. لإنقاذهم. هل تُساوي حياتهم عندي حياته. انا اعلم الإجابة جيدا. تحفظها عن ظهر قلب. منذ قابلته وانا اعلمها. فما انا إلا بشر. بشر لا يستطيع التضحية بمن يحب مهما كلفه ذلك. اكان هذا ما فكر فيه شداد وهو يقاوم ويُضحي لأجل ابيس.

ورغم كل ذلك. هذا هو القرار الخاطئ. لذا اقف عاجزة. اقف متردد ماذا عساني فاعلة؟
يمكنني مساعدتك
التنين! لكن كيف ونحن حتى لا نستطيع التحرك في اي اتجاه.
يمكنني. فهل ستدفعين الثمن؟
سأدفع اي شيء طالما ليس حياته. ارجوك.
لأجله يا كيسارا؟
لأجله اي شيء وكل شيء.
جسدك لن يتحمل ما سنفعله
وانا لا أأبه. ارجوك. ايها التنين. ارجوك.
امتصِ طاقة القلب إذن. امتصيها حتى لا يبقى منه شيء. حتى لا يستطيع التجسد من جديد.

طاقة القلب؟ كما كان يفعل سيد شداد حين تفيض قواه على جسده. اهذا ما تريدني ان افعل؟
اجل
لكن الن ينعكس هذا على.
ثقِ بي
سأفعل لذا ارجوك، ارجوك لا تخذلني.
تراجع الصوت حتى اختفى. فتنهدت ورفعت رأسي الى حيث يقف المسخ امامي. لقد مُنحت فرصة اخرى. وهي كل ما احتاج.
رأيت التنين من خلفي يتلاشى جسده مُكونا هالة بيضاء. انتشرت من حولي وشعرت بسؤاله فأومأت برأسي واجبت:
-الأن.

واستجابة لأمري اندفعت الدخان الأبيض ليُحيط بالمسخ من كل صوب قبل ان يبدأ الروزين في امتصاص الطاقة المتجسدة على هيئة هذا المسخ.

فشهقت ووضعت يدي على فؤادي في الم. هذا الكم الهائل من الطاقة يتدفق داخلي. سيل لا ينقطع. لا يتوقف. ولا يرحم. يمكنني الشعور بقلبي يخفق في سرعة و محاولة السيطرة على هذا الكم وبجسدي يُحاول التكيف مع كل هذا الهول. مُحاولا احتوائها. بينما يدفق المزيد ثم المزيد ثم المزيد. دون هوادة او تهاون. سيل يتبعه سيل. كل اوقى من سابقه. فصرخت في الم وانا اجثوي ارضا. كيف يُمكن لجسد ان يتحمل كل هذا! كيف امكن لشداد!

بعينين متسعتين وضعت يدا مرتجفة على الأرض استند عليها وقبضتي تكورت على ملابسي عند فؤادي. سمعت الأنين والشهقات ثم الصرخات. صرخات تشي بالعذاب والألم. سمعت غير مصدقة انها تخرج من بين شفتاي.
ووسطت الحطام والدماء والدمار. ركعت على الأرض بين الجثث. حولي النيران. تُخبرني ان المعركة لم تنتهي بعد. وان شيئا لم يتغير حتى الأن. مذكرة اياي رغم الألم. ان الإستسلام ليس بخيار.

ببطء وضعف رفعت رأسا الى حيث المسخ لأراه يتلاشى ومعه تضائلت الطاقة التي تُصب داخلي. حتى انقطع كل شيء فجأة كما بدأ. حاولت الإعتدال فلم استطع. جسدي لم يعد يقوى حتى على الوقوف لكني يجب. نظرت الى يداي لأراهما ترتجفان بعنف وقد ارتسمت عليهما خطوط سوداء فأدركت ان جسدي لن يتحمل. هذا الفيض من الطاقة بالإضافة الى قلب الروزين. لا يُمكن ان يتحمله بشري لفترة طويلة. يجب ان اتحرك. قبل وات الأوان فهذا الجسد يلفظ انفاسه الأخيرة. وبخطوات متعثرة اعتدلت واقفة. وببطء التفت الى حيث يتقاتل الرجلين لأرى مشهدا افزعني. وعندها ادركت اني قد تأخرت. تأخرت بشدة.

امتد السيف مخترقا صدره نافذا من الجهة الأخرى. وببطء سال خيط من الدم على السيف ملوثا إياه. وعليه رأيت كهرباء تختفي ببطء.
كيف ظننت ان بإمكاني انقاذ كلاهما. كيف كنت بهذا بالغرور.
وفي قهر صرخت وانا اعدو نحوهما بقوة لا ادري من اين أتت: -لااااا
لكن ما قد يفعله اعتراضي وقد سبق السيف العزل. نزع سيد شداد السيف من صدر ارايان بقوة رجت جسد الرجل فتهاوى الجسد ارضا دون اي مقاومة. فأسرعت نحو الجسد وانا اهتف:.

-ارايان. ارايان!
جلست على الأرض بجوار جسده اتفقد الجرح في فزع. هو لايزال يتنفس. وانا اصيح:
-يا الهي. يا الهي.
فتح عينيه ببطء وبصوت لا يكاد يُسمع قال: -. ك. يسارا؟
شعرت بنظرات سيد شداد ترمقني في ذهول لكني لم اكترث وانا اضع يدي على جرح ارايان محاولةً ايقاف الدماء دون جدوي. الجرح كبير. تمتمت وانا اضغطت على صدره والدموع تنساب من عيني:
-لا. لا. لقد تأخرت. تأخرت للغاية.

ثم رفعت رأسه اسندها على فخذي وانا اقول بين شهقاتي: -ارجوك. ارجوك لا تمت.
ارتسمت بتسامة واهنة على ثغره وهمس: -إذن هكذا. تكون النهاية.
هتفت وقد تساقطت العبرات على وجنته: -لا. لم يكن هذا ما اردت. لقد اردت ان تعيشا. لم ارد الموت لأحدكما. انت لا يمكنك ان تموت. ليس بعد كل هذا. يا ارايان.

تلاشت ابتسامته وهو يسعل دما على قدمي. يمكنني الشعور بحياته يسلبها الموت بين يداي. بدقات قلبه تخبو وتتباطئ حتى لا تكون. لا. لا. لقد اردت. لقد. :
-لقد اردت ان امنحك حياة غير تلك التي عشتها. لقد.
اجهشت بالبكاء حين سمعته يجيب بخفوت: -لقد فات الأوان.
-ارجوك.
ابتسم بمرارة وقال بصعوبة: -لقد. فات منذ زمن يا كيسارا.
مددت يدا مرتجفه اليه لتستقر على وجهه وهمست مجددا: -ارجوك.

لكنه ابتسم دون ان يجيب فقلت في الم وأسى: -لقد سألتني من قبل لماذا؟ الأن انا املك الأجابة يا اريان. الأن اتذكرها.
قلت والدموع تأبى ان تتوقف وهي اقل تعبير عن قدر الألم الذي اشعر عن الحرقة والحسرة اللتين تملائاني فؤادي:
لا سلطة لنا على قلوبنا، هي تنبض لمن أرادت، بعضهم ينبض القلب له، وبعضهم ينبض القلب به، وبعضهم هم نبض القلب ذاته
ثم مسحت بيدي بعض الدماء عن وجهه وهمست: -وهذا ما اخترت. وإني له اسفة.

رفع يدا مرتجفه الى وجهي وهمس: -انتِ كان يجب ان تكون من ملكي من البداية. هذا كان حقي الذي سلبه شداد مني. ربما. ربما قد يكون الطريق الذي اخترته حينها اختلف.
تلك الجملة افزعتني. افزعتني لصدقها. ولهول ما تعنيه. لهول الذنب الذي يحمله شداد. الذنب الذي لا يمكن ان يغفره احد. واخر من لديه الحق يموت بين يداي الأن. لو ان شداد لم ينتزع القلب لكنت قابلته هو لا شداد. ولكم ارهبني هذا التفكير.

اتسعت عيناي وانا احدق في عينيه مباشرة فلاحت على شفتيه شبح ابتسامة وقد ادرك اني قد فهمت ما يعني ثم لم تلبث ان تلاشت ورأيت عينيه تنغلقان ببطء وسقطت يده التي كانت على وجهي فتعالت شهقاتي وانا اهمس دون توقف:
-لا. لا.
وضعت يدي على يده وانا اشهق بالبكاء حين سمعته يقول: -ستُقفين هذا الحرب. اليس كذلك؟
نظرت اليه في دهشة لكنه لم يفتح عينيه بل تابع وصوته يخبوا: -ارحمي رودوس لأجلي.

ثم استكان تماما. للحظة رمقت الجسد المستلقي على قدمي. وتحسست بيدي الوجه الذي استكان وقد هدأت ملامحه. وحول جسده تناثر شعره الأحمر إذ تلطخ بدمائه حتى اصبح هو ودمه سواء. وببطء رفعت يدي امسح دموعي وهمست:
-سأفعل.
ثم ضغطت على اليد الممسكة بيده وكررت: -سأفعل يا ارايان. لذا سامحني.

اخذت نفسا مرتجفا قبل ان ارفع بصري الى سيد شداد الذي ظل واقفا في مكانه دون ان ينطق بحرف في دهشة مما وقع امامه للتو. فابتسمت بمرارة وقلت وانا انهض ببطء متخطية الجثمان لأقف امام سيد شداد مباشرة:
-لقد مات يا شداد. احدكما كان يجب ان يفعل.

عقد سيد شداد حاجبيه وللمرة الأولى في حياتي اراه ينظر لي في حيرة. هو لا يدري. ضحكت فجأة في مرارة والم. هو لا يدري يا كيسارا. بعد كل هذا. بعد كل ما بذلت. هو لا يدري. لا يعلم ما سأفعل. او ما اخترت. كيف لا تعلم وانت كل شيء.
فهمست في الم: -الأن تشك؟

وفي اللحظة التالية تهاوى جسده ارضا امامي غارزا السيف في الأرض مستندا عليه لكي لا ينهار تماما. فنظرت اليه ورأيت الدم يتجمع على صدره فتذكرت الجرح الذي تسببت به. ورغم خوفي ولهفتي وشوقي. إلا اني قد عزمت امري. وانا. نظرت الى يداي ورأيت الخطوط السوداء تتضاعف. وانا لن احيا اكثر. انها النهاية. هكذا كُتبت. وهكذا ستكون. ما اردت لم يكن يوما ملكي. لم يُكتب لي. بل كُتب لأبيس. ولها سيكون.

بهدوء جثوت على ركبتي امام سيدي. حتى تلاقت عيناي بعينه فعقد حاجبيه دون ان يتكلم فابتسمت ومددت يدا الى وجهه واخرى على قبضته المتعلقة بالسيف. وللمرة الأولى منذ فقدت ذاكرتي شعرت بأمان حقيقي. للمرة الأولى اشعر اني قد عدت الى حيث انتمي. اليه. تنهدت ثم قلت:
-لقد قررت ان اغفر حين لم يغفر احد. انا سأغفر الذنب الذي تحمله يا لووج. إذ كيف الوفاء يفي رُبى التحناني.

ثم شهقت في الم. فأدرك على الفور ما افعل فهمس: -ماذا تفعلين؟
فاتسعت ابتسامتي وانا استنفذ من جسده طاقته الى جسدي الذي يكاد يفنى ورأيت كيف تلاشت الشباك السوداء عن عنقه ووجه. وقلت:
-ماذا تظن؟
حاول الإبتعاد عني لكنه كان اضعف من ان يتحرك وهو يصيح بعينين متسعتين في عنف:
-ستقتلين نفسك! ابتعدي عني!
لكني لم افعل بل قبضت على يده اكثر وقلت: -إنما انا فدى لاحظيك.

نظر لي في خوف وجزع وقال في ادراك: -انت تنوين ان تموتي!
ابتسمت رغم الألم الذي يسري في جسدي: -ذلك كان قراري من البداية يا لووج. وإنه ليؤلمني ان تشك للحظة اني قد اتغير.
شعرت بالخطوط السواء تشق طريقها الى وجهي فصاح: -ابتعدي عني يا كيسارا هذا امر.
-اسفة فأنا لا استطيع. حتى اتأكد انك ستحيا.
عندها رأيت شيئا يلتمع في عينيه قبل ان يهبط في توؤدة الى وجه فارتجفت شفتاي وتلاشت الإبتسامة عن وجهي:.

-ارجوك يا لووج. ليس بعد ان اتخذت قراري.
فلم يُجب وقد ارتسم الألم على وجهه في اعتى صوره فرفعت يدي الأخرى الى وجهه وهمست:
-انا اعلم. اعلم الألم. واني لأسفة.
ثم قلت في عزم: -انا لا يمكنني الحياة بدونك. لكنك ورغم ما تحمله لي. تستطيع الحياو بدوني.
ثم نهضت واقفة دون ان ازيح يدي عن وجهه واكملت: -سأنقذ الشيء الذي احببت لأجل من احببت.

احنيت رأسي عليه وقلت وانا امسح دموعه: -فقط تذكر. تذكر إنما فعلت ذلك الأجلك لا لهم. لأنني اعلم. اعلم انك لا تستطيع العيش دون ابيس. لكنك ستجد وسيلة للحياة بدوني.
حدق في بذهول عاجزا عن الكلام فابتسمت. على الأقل هو عاجز الأن لأجلي. ولعزائي فهو قد بكى لأجلي.
اخذت نفسا عميقا ثم نظرت الى السماء وصحت: -الأن اضع النهاية لكل هذا. الأن وللأبد.

ثم رفعت يدي الى السماء في اللحظة التي بذغ فيها الفجر. ليخرج منها عمود من الضوء امتد الى السماء. امتد الى حيث امتد بصري ثم توقف لينتشر فوق ابيس كالوردة غازيا السماء على مد الأفق. مُكونة اكبر مجال رأته الشرية.

((ملئ المجال فضاء ابيس حتى وصل الى الحدود ليراه سُكان ابيس في كل صوب وكل ركن وجانب. حتى ظنوا للحظة ان القيامة قد قامت. ثم توقف الإمتداء عند كل فارس. عند كل حامل. وعند كل قلب. ومن الإثنى عشر امتد سيل من الطاقة يمد المجال. منتزعا في طريقة كل الطاقة الفائضة من الفرسان. ثم ليقف حاجزا امام كل فارس وحامل على الحدود حاجزا الأعداء.

عندها شعر شاهين بأن الظلال تخف وطئتها على حياته لتختفي الى حيث كانت. وادرك لما اصدرت كيسارا الأمر بالفصل بين المدنين والجنود.
وفي تلك اللحظات استيقظ جراد ليرى سيفه يختفي ببطء.
وعندما شاهد راي السماء تنهد ثم نظر الى سفريا مبتسما. فقد ادركوا ان النهاية قد اتت.
فتح هيثم عينيه فجأة وسط الحطام في ذهول غير مصدق. انه يشعر بكيسارا لكن ليس كالمعتاد بل حولهم وفي كل مكان. يشعر بالتنين في كل مكان.

شهق كمال في صدمة وعينيه تتسعان ليرى الأطباء حوله ينظرون الى النافذة فابتسم. إذ قد علم أن كيسارا لابد قد وصلت وجهتها. وان الحرب انتهت.
الكل يشاهد. الجميع يرى. ولا احد يصدق. وكيف يصدقون. غير عالمين بالتضحية التي بُذلت من اجلهم. ومنهم من لا يستحقون.
ثم حين تلاقى المجال مع الشمس انفجر. انفجر ليغطي الأرض الفضاء وكل ما هوخارج ابيس. )).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة