قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والتسعون والأخير

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والتسعون والأخير

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن والتسعون والأخير

يقول كل من شهد ذلك اليوم ان معجزة قد حدثت وانه لا يمكن ان يكون من عمل بشر. فما رأوه كان عظيما. مهيبا. اسطوريا.

فعندما غطى المجال ابيس بأسرها يقسم من على الحدود انهم رأو تنينً ابيض يطوف حول المجال محلقا في السماء. وحين حدث الإنفجار اظلمت السماء فجأة حتى شك البعض انهم قد فقدوا البصر ليدركوا فيما بعد ان المجال حولهم قد انفجر ماحيا كل ما حول ابيس على مساحة تقرب من كيلومتر مربع. لم يصدق سُكان الحدود ما حدث وقبل ثوان كان الجنود يحاصرونهم وفي ثانية انمحى كل شيء من حولهم. ومن تبقى من الجنود اصابه الرعب والذهول ففروا هاربين كالجراد. لم تستطع دول الإحتلال السيطرة عليهم. حتى اصبحت الدول لا تملك إلا التراجع والإنسحاب فالجنود ابوَ ان يعودوا الى دولة تحرسها الشياطين كما زعموا ولو كان الموت مصيرهم. وخلال ساعات انسحبت كل الدول فاقدة معظم جيوشها.

وفي حالة من الذهول والرعب راقب العالم ابيس وما يحدث فيها. لكن قليل هم من عرفوا ما حدث في ذلك اليوم. واقل من علموا بالسبب. وحتى يوم تقوم القيامة يظل ما حدث في ابيس ذلك اليوم غامضا. تتحدث عنه كتب التاريخ واقل ما قد يعبر عنه. هو انه كان. اسطوريا.
ابيس-إفيين.

لامست اصابعي شاهد القبر في اسى وحزن. فتنهدت في الم. انا لم امت بل انت من فعل. لقد تصورت اني سأدفع حياتي ثمن لحياتك لكن القدر ابى ان اموت. لقد فقدت القدرة على الشعور بالتنين. لقد دفع هو ثمن حياتي. لكني لازلت اشعر بالقلب ينبض بداخلي. ربما يستغرق الأمر سنين او عقود حتى اشعر به من جديد.
لم يمر الكثير منذ ذلك اليوم. وقد بدأ كل شيء يعود الى حيث بدأ. قد ينسى الناس ولكننا نحن من شهد ورأى وعاصر لن.

وبخفوت همست: -لن ننسى.
ببطء حركت يدي اتحسس شاهد القبر. وتذكرت. فاختلج قلبي بين ضلوعي. لقد حاولت قدر استطاعتي. اعلم انك لست هنا لترى لكني. بصوت مرتجف قلت:
-سأفي بوعدي. حتى النهاية. لذا استرح.
ووعدي الأخر الذي لم احدثك به. لذا سامحنا. سامحنا على ما اقترفناه. سامحنا على ضعفنا فما نحن إلا بشر.
افقت من شرودي على صوت اعرف صاحبته جيدا: -ماذا تفعلين هنا؟ ستتأخرين.

رفعت رأسي عن القبر وابتسمت بمرارة وقلت: -لم استطع إلا ان آتي. يا سفريا
عقدت حاجبيها وقالت بتردد: -هل تبكين؟ في يوم زفافك!
عقدت حاجباي في حيرة ثم رفت يدي الى عيني امسح العبرات التي تساقطت دون ادراكي وهمست:
-لا يمكنني ان انسى. لا استطيع.
ابتسمت وهي تربت على كتفي: -لا احد منا يستطيع لكن الحياة تمضي.
ثم تابعت وهي تنظر الى القبر: -شداد لم يأتي هنا بعد.

هززت رأسي ان لاوقلت: -لازال لا يستطيع. الذنب يمزق كيانه.
اومأت برأسها ثم قالت: -هو ذنب لا يُغفر.
قاطعنا فجأة صياح راي وهو يعدو تجاهنا قائلا: -كيساراااااا، انت هنا! لقد بحثنا عنك طويلا ستتأخرين!
ابتسمت وانا اعتدل واقفة ثم بدأت اهندم فستاني فقد تلوث من التراب والأعشاب وقلت:
-لا تقلق ها انا قادمة يا راي
نظر راي الى القبر ثم لي وتنهد: -ان شداد في انتظارك.

اتسعت ابتسامتي فقالت سفريا: -لقد تلوث ثوبك. هل كلن لابد ان تجلسي على الأرض
قاطعها راي في عصبية: -ليس الأن، نحن متأخرون جدا
اومأت برأسي ثم نظرت الى الحديقة من حول القبر حتى استقر نظري الى القبر مرة اخيرة. انا لم اجد مكانا انسب من الوكاردا ليحمل قبرك.
اليوم احصل على ما اريد. وإني لذلك اسفة.
وداعا يا ارايان.

اسرعت على السلالم. لقد تأخرت بشدة. لووج سيقتلني. ان اجعله ينتظر في يوم كهذا. وفوق كل هذا ضللت طريقي بمجرد دخولي هذه القلعة. لكنه يعلم لِما اخترت هذا المكان. هنا اوكاردا. وهنا الكثير من الذكريات.
فجأة انزلقت قدمي وكدت اقع لولا ان امسكتني يدين قويتين متبوعة بصوت ساخر يقول:
-في يوم كهذا. هل تكرهين شداد الى هذه الدرجة؟
التفت في ذهول الى صاحب الصوت وكدت اسقط من جديد لولا قبضته وانا اهتف:
-فيليب!

ضحك وقال: -اشتقتي لي؟
تجاهلت ما قاله وانا اصيح: -انه انت حقا.
تشبثت به وهمست: -لقد ظننت. انت اختفيت و.
ربت على كتفي وقال: -لم اكن لأفوت يوما كهذا
ابتسمت في سعادة ثم اجبت: -اجل قد اشتقت اليك
رفع احد حاجبيه وقال بخبث: -يمكننا الهروب الأن لو اردتي وليذهب شداد الى الجحيم
ضحكت ثم توقف فجأة حين لاحظت شيئا فمددت يدي الى شعره النحاسي وفي دهشة قلت:
-فيليب. ما هذا؟

عندها ارتسمت على شفتيه ابتسامة خلاص ورضا وقال: -اجل. انا اشيب.
تحسست الشعيرات البيضاء بين يداي وهمست: -اخيرا
اتسعت ابتسامته: -اخيرا يا كيسارا. اخيرا
قالها غير مصدق. ومن قد يصدق ان مالك الساعة يموت. فتحت فاهي لأجيب حين قاطعنا صوت متذمر من اعلى السلالم يصيح:
-كيسارا، انت هنا!
فاستدرت الى جراد وقلت في براءة: -اجل
فهتف في حنق: -شداد ارسلنا للبحث عنك وهو على وشك ان.
لم ارد سماع الباقي فقلت: -انا قادمة.

ثم ضغطت على يد فيليب وهمست: -مبارك على الموت إذن
واسرعت اكمل السلالم لكني سمعته يقول: -اجل مبارك
فابتسمت وانا اقف امام جراد الذ كان ينظر لنا في غل فكتمت ضحكاتي بصعوبة وقلت:
-ها انا هنا فكف عن التذمر
جذبني من يدي يجرني وهو يسب ويلعن وحين التفت خلفي لم ارى احدا. هل ذهب؟ جذبني جراد في عنف فقلت بصبر:
-حسنا، حسنا.

ثم عدونا في الممرات حتى وجدنا كمال في وجهنا. كدنا نصطدم به لكن جراد منع هذا ولله الحمد. يكفي الفستان. قلت وانا الهث:
-كمال؟ لم اعلم انهم سمحوا لك بالخروج
بهدوء اجاب: -هذا اليوم فقط وتحت مراقبة هيثم.
اومأت مبتسمة فكمال تحت الحبس الإحطياتي حتى تنتهي المحاكمة. والتي موعدها غدا. قلت وانا اتقدم في سيري:
-انا سعيدة انهم سمحوا بذلك.
-في الواقع سيد شداد هو من اصدر الأمر.

رفعت حاجباي في ذهول فأومأ ببتسامة هادئة. يجب ان اشكره على هذا. لكني قلت:
-ثم ارسلك للبحث عني
اجاب بإقضاب وهو ينظر الى جراد: -حين فشل جراد في الإتيان بك حتى الأن.
زمجر جراد فقلت ضاحكة: -فلنسرع إذن.

بعد ثوان كنا امام القاعة ففتحها كمال واشار لي ان ادخل ففعلت لأرى هيثم وشاهين واقفين في منتصف الحجرة يتجادلان وفي طرف الحجرة وقف كلارك يشرب شيئا ما وهو يتحدث الى ليام-الذي اصبح بالمناسبة قائد الحراسة في اراكان- وحين لاحظوا وجودي اخير صاح شاهين:
-كيسارا لقد.
-تأخرت، اعلم
فصمت لحظة ثم قال: -هل تعلمين ما فعله سيد شداد.
فرفعت يدي اوقفه قائلة: -صدقني هذا يكفي.

ثم نظرت الى كلاهما وقلت: -يسعدني ان كلاكما استطاع المجيء
لقد كان صعبا للغاية ان يأتي كلاهما الى إفيين وترك اراكان في ظل الظروف التي نمر بها لكنهما فعلا ذلك لأجلي.
ابتسم هيثم وقال: -كان لابد ان نشهد هذه اللحظة
رفعت بصري الى شاهين فابتسم في صمت كان كافيا. فبادلته الإبتسام وقلت:
-لقد اشتقت الى مثل هذا التجمع.

واشرت الى كلارك وليام من بعيد فأشار ليام بينما هز كلارك رأسه يمينا ويسارا غير راضِ ان شداد قد امر ان يكون هنا. ثم عدت ببصري الى شاهين الذي قال:
-شداد ينتظرك لأجل الإعلان.

واشار الى باب الشرفة. فأومأت واسرعت نحو الباب وقبل ان افتحه توقفت ثم التفت لأنظر اليهم جميعا يقفون منتظرين. كلهم هنا. ملئت عيناي من المنظر فقد لا يتكرر مرة اخرى. ثم استدرت الى الباب واخذت نفسا عميقا قبل ان ادفعه بيداي. غير مصدقة ان اليوم قد اتى.

وجدت امامي وقف لووج في هيبة وشموخ. بثوبه الحامل لشعار ابيس وقد وقف محدقا بي بعينين قرمزيتين لا تطرفان وقد استطال شعره الفضي عن ذي قبل. فارتجف بدني في شيء من الدهشة وعدم التصديق. يومك قد اتى يا كيسارا.
خطوت نحوه ببطءوعيني لا تفارق عيناه حتى استكنت امامه فقال بعد برهة ببرود:
-لقد تأخرتي.
للحظة لم افهم ثم افقت من ذهولي فضحكت وقلت: -اعلم.
فتنهد مبعدا بيده شعري عن وجهي وهو ينظر لي قبل ان تلين عيناه ويقول:.

-لقد كنت في الوكاردا.
لم اجب فهذا لم يكن سؤلا هو يعلم. ابتسمت بشيء من الحزن وانا انظر اليه ثم رفعت يدي الى وجهه هامسة:
-انا لا اصدق. واكاد اقسم اني احلم.
هبطت يده الى وجهي واستقرت فملت عليها وضعتا يدي على كفه وقلت بخفوت:
-اخيرا يا لووج
تحرك ابهامه يتحسس شفتي مجيبا: -لا فراق بعد اليوم
ثم احنى رأسه على شفتاي في قبلة سريعة قبل ان يبتعد مكررا: -لا فراق بعد اليوم.

ارتجفت شفتاي واومأت برأسي فابتسم بحنان مبتعد عني ونظر الى الشرفة التي ينتظرنا خلفها اللألاف منتظرين الإعلان الرئاسي. ثم مد يده لي وقال:
-لقد افنيت ما كان من عمري لأبيس اما ما بقي فهو ملك لكي
عندها ادركت للمرة الأولى في حياتي اني قد حصلت على ما اردت. وانه اليوم اصبح حقا ملكي. اليوم اختارني لووج على ابيس.

نظرت الى يده الممتدة لي في سؤال فابتسمت وبعينين دامعتين مددت يدا مرتجة لتستقر بين يديه. حيث يجب ان تكون.
عدى نحوي في حماس وبراءة وهو يصيح: -امي لقد قطفت بعض الأزهار
اومأت برأسي فقال في تساؤل طفولي: -أأضعها هنا؟
ابتسمت واشرت الى ارض القبر وقلت: -اجل
فوضعها ثم حاول ترتيبها فضحكت ثم ربت على رأسه في حنان وقلت لشاهد القبر:
-لقد عدت متأخرة عما انتويت. لكنني نفذت وعدي الثاني.

عندها صاح صغيري في تعجب وهو يمسك بإحدى الأزهار: -لماذ نأتي هنا كل عام؟ وابي لا يأتي معنا؟
-سأخبرك في يوم من الأيام لم نأتي هنا لكن اليوم انت لن تفهم
نظر لي في حيرة اكبر ثم هز شعره الأسود مبعدا اياه عن وجهه وقال: -لكني حتى لا اعلم قبر من هذا!
ابتسمت وقلت وانا ارمق القبر: -هو قبر رجل عظيم.
ابتسم الفتى في حماس وهتف: -مثل ابي؟
فضحكت وقلت: -لو انك تعلم.
فعقد حاجبيه الصغيرين وقال: -انا لا افهم.

فأمسكت يده الصغيرة بين يدي وقلت وانا اعتدل واقفة: -سيأتي اليوم الذي تعرف فيه الحقيقة يا ارايان
اردت ان اعطيك حياة غير تلك التي عشتها
ملحمة تُعاد على مدار السنين يُكررها البشر. وكأنهم لا يملون الموت. لا يملون القتل والقهر والذل والفساد. حروب لا تعرف الرحمة تُسبى فيها النساء ويُيتم فيها الأطفال ويُقتل فيها الرجال. ثم تنتهي. لتبدأ من جديد.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة