قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع والثمانون

هبط الكف على وجهي كالصاعقة حتى لكاد يسقطني ارضا إن لم اكن مقيدة فتأوهت في الم وانا اشعر بمذاق الدم في فمي بينما قال العقيد بصرامة:
-لن اسألك مجددا. ماذا كنت تفعلين في البنارا؟

عقدت حاجباي في غل وحقد دون ان اجيب فهو لم يصدقني حين فعلت. اخبرته اني لا اتذكر. العقيد ايفري. هكذا عرف نفسه لي عندما قيدوني الى هذا الكرسي على متن المركبة الطائرة والتي اخبرني انها متجهة الى رودوس. عندما جلس امامي ظننت انه سيقوم بإستجوابي لكنه في الواقع لم يسألني سوى سؤال واحد. ماذا تفعلين في البنارا؟ ماذا افعل في البنارا؟ ايعني هذا انه ليس من المفترض ان اكون في البنارا؟ هذا يعني انهم ليسوا بحاجة لمعرفة من انا. هم يعلمون. إن كانوا يعلمون بهويتي فما الذي يعنيه هذا؟ من انا؟ لكن مهما حاولت ان التركيز فيما يقول تشتت تركيزي الى الشاب الواقف في ركن الحجرة في صمت. يراقب ما يحدث بوجه خال من المشاعر. لماذا يؤلمني هذا؟

-الا يكفي هذا؟
قالها الشاب للعقيد فالتفتت اليه الأخير رافعا احد حاجبيه في تساؤل فرد الشاب:
-لقد قالت انها لا تتذكر.
ابتسم العقيدة ابتسامة صفراء وهو يقول بسخرية: -وانت تصدقها؟ هذه الفتاة هي كيسارا ارثميثكيرا لقد تم تجنيدها في الثامنة من عمرها. وتريدني ان اصدق كذبة كتلك.
كيسارا مجددا. ماذا يعنون بكيسارا؟ صحت بغضب ووجهي لايزال يؤلمني:
-انا لا ادري عما تتحدث لكني لا اكذب.

عاد بصر العقيد لي وببرود يجمد الدم في العروق: -لنر إن كنت ستثبتين على هذه الكذبة طويلا حين يستجوبك دومينو
شعرت فجأه بالتوتر والحذر الشديد. كان الشعور مباغتا الى الحد الذي جعلني اظن انه ليس ملكي بل استشعرته فجأة. هذا غريب انا لا اشعر بالحذر. إن لم تكن تلك المشاعر ملكي. فملك من هي؟

نظرت الى صاحب الشعر الأسود مرة اخرى لأجده يحدق بي عاقدا حاجبيه في. في قلق؟! هل اتخيل؟ وقبل ان انغمس في التفكير اكثر سمعت ضحكة إيفري وهو يقول:
-انها لا تكف عن النظر اليك وتدعي انه لا تتذكر. اليس هذا مثيرا للسخرية؟
نظر لي الشاب بشك هو الأخر. انا لا افهم شيئا مما يحدث هنا. الا يرودونني هؤلاء لأجل الطفرة التي احملها؟ اليس لهذا يجمعون اصحاب الطفرات؟ ما الداعي لستجوابي اذن؟

تقدم العقيد نحوي فالتصقت بالكرسي في خوف. هل سيصفعني مرة اخرى؟ لكنه توقف امامي منحنيا على وقال:
-من الأفضل اخباري الأن بالحقيقة قبل ان ينتزع دومينو المعلومات منك انتزاعا
اعتصر الخوف قلبي من هذا التهديد وهمست بخفوت: -انا حقا لا اتذكر
اعتدل وقال وهو يغادر الغرفة: -انت من اخترتي هذا
وعندما خرج تبعه الشاب لكنه توقف عند الباب لحظة والتفت لي وقال: -احقا لا تتذكرين شيئا؟

هززت رأسي في خوف أن لا. فخرج دون ان يُعلق. حدقت في الأرض في خوف. ماذا سيفعون بي؟ على الأقل ليام وإفرديين بخير. على الأقل.
((-لماذا انا هنا؟
سأل كمال وهو يسير خلف ايفري الذي استدار اليه قائلا: -انها اوامر الرئيس اريان. الا يكفي هذا؟
توقف كمال في موضعه وقال: -لماذا انا هنا يا إيفري؟

-او تسأل حقا يا كمال؟ انت هنا لأنك الوحيد الذي يعلم كل شيء عنها وتعلم كيف تفكر وكذلك مدى قواها لقد مكثت هناك جاسوسا لثلاث سنوات بالتأكيد سيريدك اريان ان تكون في رودوس. ام انك لا تريد ان تراى ما سيقع لها هناك؟ في النهاية ثلاثة سنوات هي فترة طويلة لابد انك.

توقف إيفري حين استدار كمال راحلا في وسط الحديث فعقد إيفري حاجبيه وقد اضيقت عيناه منذرة ما يعتلج بداخله. يكاد يكون متأكدا ان احساسه في محله. هو لم يتوقف للحظة عن الشك في كمال ولم يستطع للحظة ان يثق به لكن ارايان اعطى اوامره وما عليه إلا التنفيذ. حتى وإن كان هذا يعني التعامل مع الصائد في الظلام. اخطر القتلة المسجلين عالميا)).

حين وصلنا الى رودوس تم نقلي مباشرة الى ما اعتقد انه قاعدة عسكرية. لست متأكدة لأني كنت معصوبة العينين وعندما استطعت الرؤية من جديد وجدت نفسي في غرفة فارغة عارية الجدران وليس فيها إلا الكرسي الذي كُبلت اليه وشاشة حاسوب في اخر الحجرة. متأخرة جدا لاحظت وجود احدهم عندما قال:
-ها نحن نتقابل هنا مجددا
خرج الرجل من وسط الظلام ووقف امامي ثم تحدث بصوت لم اسمع له مثيل: -يا كيسارا.

من هذا؟ وما هذا الصوت؟ قاطع افكاري صوت باب الغرفة يُفتح ثم يُغلق فنظرت الى القادم. وعندما استقرت عيني على عينيه اهتز كياني بالخوف. وكأن فؤادي قد توقف عن النبض في تلك اللحظة. والخوف الذي كنت اشعر به منذ لحظات تحول الى رعب عارم. راقبت الرجل يتقدم وشعره الأصهب الدامي ثائر حوله في هيبة منذر بالويل حتى توقف على بعد متر مني. ناظر لي بإستصغار وكأن حياتي لا معنى لها وبصوت بربري عميق اشار بيده للرجل الأخر قائلا كلمة واحدة:.

-سَلّهَا
ارتجف جسدي لدى سماع صوته وتلبية لأمره اقترب الرجل الاخر مني حتى وقف امامي مباشرة سائلا:
-ماذا كنت تفعلين في البنارا؟
لم افكر لثانية وانا اجيب بتلقائية: -انا لا ادري
عقد حاجبيه للحظة ونظر للرجل المهيب خلفه ثم نظر لي وسأل بقوة اكبر:
-اجيبيني ماذا كنت تفعلين في البنارا؟ لماذا اُرسلت هناك؟
تحرك لساني دون ادنى مقاومة تُذكر: -انا حقا لا ادري. انا. انا لا اتذكر.

ماذا بي؟ لماذا اشعر بأني اُجبر على الإجابة؟ بأني يجب ان اُجيب. يجب ان ابحث عن إجابة. لكني كلما حاولت اصطدمت بحائط لا استطيع تخطيه. ما الذي يُجبرني على هذا؟ اهذا ما قصده العميد بإنتزاع المعلومات. نظرت الى الرجل الذي يتأملني في ذهول ثم نظر خلفه عندها لاحظت ان الرجل الأخر يحدق فيّ يُقيمني فاختلج قلبي بين ضلوعي. هذا الرجل يُرهبني. من هو؟ واخيرا قال:
-هي لا تقاوم؟

هز الأخر رأسه نافيا. في نفس اللحظة التي وجدت نفسي اسأل فيها: -من. من انت؟
اتسعت عينا الرجل الذي يستجوبني في عنف بينما اضيقت عينا الأخر لجزء من الثانية وقال:
-انت لا تعلمين من انا. دومينو، سلها من هي؟
فقال المدعو دومينو: -من انت؟
ومجددا وجدت نفسي اجيب: -لا اتذكر. لا اعلم. لكنهم في البنارا دعوني بألبا.
عندها تقدم الرجل حتى تخطى دومينو ووقف امامي ثم ابتسم ابتسامة قاسية وقال:.

-اذن لهذا تركك شداد. لقد مسح ذكرياتك كلها حتى لا يستطيع احد استعمالك حتى إذا تم امساكك.
ش. شداد! شعرت بألم يسري في صدري. الم ليس له مثيل. وحزن غير مبرر يوشك ان يُدمع عيني. فجأه شعرت بيد الرجل على فكي ترفع وجهي اليه في خشونة وسأل:
-ماذا تتذكرين ايتها الفتاة؟

انتفض جسدي بعنف بين يديه. حينها رأيت الدماء. وشعرت بالألم. واعتصر قلبي الحقد. الغل. الغضب الشديد. غضب لا حدود له. غضب يجثم على صدري ويعيق تنفسي. غضب يقهرني. غضب يعلوا ويفوق السماء لا ينضب. إلا بالدماء والمزيد منها. غضب لا يطفئه إلا الموت. والموت وحده. شهقت في رعب وارتجف جسدي عندها سألني اريان. اريان الفا. رئيس رودوس. هذا ليس إلاه ولا يمكن ان يكون سواه:
-ماذا ترين يا فتاة؟

اجبت بصوت مرتجف مرتعب: -ارى الدماء. ارى الغضب الشديد. غضب لا تخبا ناره إلا الموت وليس سواه
لا ادري ما الذي اعنيه لكني رأيت الإدراك في عينيه انه يعلم. يعلم عما اتحدث. ابعد يده ببطء عن وجهي ونظر الى شعري الذي انسدل حول جسدي وقال:
-ودعوك بألبا وانت ابعد ما يكون عن الإسم؟ اتعلمين ما تعنيه الكلمة. انها كلمة لاتينة قديمة تعني البياض الخالص لكن انت.

رأيت يده تقبض على الخصلات التي صبغتها الدماء فتبدل لونها الأبيض الى الأحمر القاني:
-انت ملوثة بالدماء والموت كشعرك هذا.

شهقت في صدمة وفزع مما قال. ما الذي يعنيه؟ من انا؟ من كنت؟ لكنه لم يتوقف عند هذا بل ارتفعت يده حتى اعتصرت الخصلات التي تحيط وجهي قبل ان يجذبها في عنف الى الخلف فصرخت في الم وانا ارجع رأسي الى الخلف في إذعان ليده ليتجلى الألم على وجهي امام عينيه المتعطشتين للمزيد. رأيت عيناه تمر على وجهي حتى توقفت على شيء ما. شعرت بإبهامه يتحسس جانب وجهي الأيسر وبصوت خال من اي عاطفة سأل:
-كريستوفر. ما هذا؟

سمعت دومينو يقول: -انه إيفري، حاول استجوابها قبل ان تصل الى رودوس
شدد قبضته على شعري بينما انغرز ابهامه في خدي فتعالى انيني وتسارعت انفاسي في ذعر وقال هو:
-الم أأمر ألا يمسها احد حتى تصل الى هنا؟
كانت هذه هي المرة الأولى التي اسمع الإرتجافة والتردد في صوت كريستوفر دومينو:
-ا. اجل لقد فعلت.

عندها ادركت مدى الرعب الذي يحمله هذا الرجل في نفوس رجاله حتى المخلصين منهم. وعندها ايضا هالني كم الروع الذي اعتلى فؤادي وايقنت ان حياتي قد انتهت. هذا الرجل يمكنه دق عنقي الأن ولن يحاسبه او يسأله احد. لماذا؟
-اذن ما الذي يعنيه هذا؟

رفع رأسه الى كريستوفر دون ان يفلت شعري بل شدد قبضته اكثر حتى اصبح من الصعوبة التنفس. ضغط ابهامه مرة اخرى على الكدمة التي على وجهي وكأنه يستمتع برؤيتي اتألم وانتفض بين قبضته. شعرت بقلبي يخفق في عنف ووجل لما تراه عيني إذ تلونت الغرفة بالدماء. دماء يملؤها الحقد والبغض. لم اعد اتحمل هول ما اراه او اشعر به ولا اراديا هبطت العبرات من عيني تغرق يديه.

عاد يرمقني بتلك العينين. عينين لا تحملان شيء من الرحمة. عينين قاسيتين لا تعرفان ما تعنيه الأناه. ولا تقدر الحياة.
افلتني بعنف من بين يده. فتأوهت في صمت. وبعد برهة خطى اريان للخلف وقال:
-في حالتها هذه لن نستطيع التحكم بالقلب. انها بلا فائدة. لقد احكم شداد هذا هو يعلم اننا بحاجة لها إن اردنا بقية القلوب ولا يمكننا قتلها حتى لو لم تكن ذات فائدة.
قلت بشجاعة لا ادري من اين أتت: -ما. ما الذي تريده مني؟

مد يده وبإصبعه السبابة اجاب: -اريد قلبك
جحظت عيناي في هلع الجمني. اجاب كريستوفر بعد ان تغلب على خوفه: -هل القيها في إحدى الزنزانات حتى نستطيع الإستفادة منها؟
عم الصمت ارجاء الغرفة لفترة من الوقت قبل ان يقول اريان: -لا. انت قلت ان التقرير الذي تلقيته افاد بإنها القت جنديا وكادت ترديه صريعا.

اومأ كريستوفر دومينو في صمت فتابع اريان: -هذا يعني انها ربما تستطيع السيطرة على قواها ولو ببطء رغم ان هذا احتمال بعيد فأنا ادري كم ان شداد سيكون حريصا على هذه النقطة فهي ما نريد. وضعها في زنزانة سيكون خطرا.
ثم نظر لي وابتسم ابتسامة خاولية: -اريدها تحت ناظراي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة