قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس والثمانون

لا افقه شيئا مما يقول. اللغة تبدو مألوفة لكني حتما لا اعي منها حرفا. ما الذي افعله هنا؟ تنهدت واضعة يدي على وجنتي. لا تزال تؤلمني. ذلك الوغد كريستوفر دومينو صفعني على نفس الجانب الذي صفعني عليه ايفري. لقد فعلها لمجرد التسلية فليس هناك ما يحتاج ان يعرفه من معلومات. قواه تفعل كل شيء. تذكرت عندما استجوبني للمرة الثانية، في تلك المرة لم يترك شيئا اعلمه إلا وقد جعلني ادلي به رغم عدم اهميته. وعندما طالبت بمعرفة من انا. لم يخبرني لكن عدما اصررت هوى بكفع على وجهي واخبرني انه إن عاجلا او اجلا كان سيخبرني من انا.

اسمك هو كيسارا ارثميثكيرا. انت عقيد في جيش ابيس.
لم اصدقه في البداية. انا عقيد في الجيش؟! كيف يمكن هذا؟ لكن مع الوقت ادركت انه ربما لا يكذب فما الذي يدعوه ان يفعل؟ ثم إن راجعت الأحداث بدقة لكن من الغريب لفتاة في سني ان تتقن اكثر من لغه. ثم قدرتي على استخدام السهم والقوس بدقة متناهية. بالتأكيد انا لم اكن مجرد فتاة عادية ربما هذا ما شك فيه ليام.
لقد افقدكي الذاكرة لكي لا نستطيع استخدامك.

ضحك وهو يكمل: لكن صدقيني الرئيس اريان سيجد الف وسيلة ووسيلة لإستغلالك وانت في ايدينا.
تلك الجملة الأخيرة ارعبتني وانتصب لها شعري. ما الذي قد يفعله بي اريان؟ لماذا يحتاجني اصلا؟..

اريان لم يكن يمزح حين قال انه سيبقيني تحت ناظريه لكنه حرص على ان يريني ان يُمكن ان انتهي إذا فكرت للحظة بالهرب. لازلت اتذكر كيف قاومت وهم يقتادونني الى ما ظننته في البداية الزنازين لأكتشف انها غرف التعذيب. ما رأيته فيها لن انساه ما حييت. تذكرت الصرخات. تذكرت البكاء والعويل الذي يمزق نياط القلب. ثم رأيت النساء وما يفعلونه بالنساء. حينها لم اعد قادرة على الوقوف او المقامة او اي شيء على الإطلاق سوى البكاء. عندها ادركت ما قد تؤول اليه ابيس ان نجح اريان فيما يريد. لكن لماذا؟ ما الذي يجعله بهذه القسوة. بهذا الإصرار. لماذا؟

سرت في جسدي قشعريرة اعادتني الى الرجل الواقف امامنا، الذي تابع حديثه وحاولت الإصغاء لكني حقا لا افهم حرفا من الرودوسية. ومجددا وجدت نفسي اتسائل ما الذي افعله هنا؟ كل ما يمكنني التفكير به هو ان اريان لابد يحتاجني بشدة وإلا كنت الأن جثة هامدة. هذا الرجل لا يرحم احد فلماذا يبقيني حية؟ لابد ان اعلم.

وقفت في مكاني خلف الكرسي الذي يجلس عليه اريان الفا في غرفة الإجتماعات. لقد اصر على تواجدي امام عينيه على مدار الساعة. ويبدو انه قد وجد انه سيكون من الممتع مشاهدتي وانا اسمع اخبار انتصارتهم على حدود ابيس. اكاد اقسم اني اراه يبتسم من الحين للأخر لمجرد انه يعلم ان تلك الأخبار تعذبني.
عندما غادر الرسول الحجرة اشار اريان الى الوزراء فخرجوا ثم التفت لي وابتسم بوحشية فارتجفت في رعب وهو يقول:.

-انت لم تفقهي حرفا مما قيل اليس كذلك؟
عقدت حاجباي وبتردد قلت: -ب. بماذا اخبرك الرسول؟
اتسعت ابتسامته وقال: -انها إفيين. نحن نتقدم مجددا اتعلمين ما يعنيه هذا؟
تصلبت في مكاني. إفيين. الا يعني ذلك انه سيهاجم العاصمة. عاصمة ابيس؟ عجزت عن قول اي شيء سوى ان كررت خلفه:
-إفيين.

تابع دون ان يأبه لي: -كان لابد ان يحدث هذا إن عاجلا او اجلا لكننا تأخرنا عن المخطط له بأكثر من شهر بسبب ذلك اللواء الذي وضعه شداد لحمايتها. لقد استطاع تأخيرنا كل هذا الوقت لكن اعداد القوات متفاوته وإفيين لابد ستقع. وحينها لن يفصل شيء بيني وبين شداد.
مجددا انتفض قلبي لسماع الإسم. ما الذي كان يعنيه لي؟ ولماذا اشعر بكل هذا لألم لمجرد سماع الإسم. اسم رئيس ابيس.

اكمل اريان وعيناه تشعان شرا: -وحينها سأستخدمك للحصول على القلوب.
سيستخدمني للحصول على القلوب؟ هذا ما يريدني لأجله؟ لكن ما القلوب. كدت اسأل لكنه قاطعني:
-عندها سأدمر كل ما امتلك
اذن هذا بغرض الإنتقام؟! الإنتقام ممن؟ وما الذي ينتقم لأجله؟ ليس هذا ما يهم الأن:
-ما الذي تعنيه بأنك ستستخدمني للحصول على القلوب؟ ما القلوب؟

-انت لا تتذكرين لكن انت احداها بل اهمها. من يستطيع الحصول عليكي يستطيع الحصول على الباقي لذلك مسح شداد ذكرياتك لكن هذا لن يستمر الى الأبد. سأستخدمك حتى لو اضطررت الى تدريبك خارج رودوس على استخدام قواك. لكن ليس الأن بل حين تنتهي الحرب فمن الخطر ان نخرجك من رودوس في هذه الحرب.
احداها؟ ما الذي يتحدث عنه انا لا افهم. قاطع حديثنا كريستوفر مفسرا عندما رأى عدم الفهم مرتسما على وجهي:.

-القلوب هي اقوى مصادر للطاقة عرفتها البشرية. تلك المصادر حية وفي بعض الأحيان تتخذ حاملا بشريا ليكون حاضنها. وانت حاملة لإحداها وهو قلب الروزين. به يمكننا الحصول على الباقي.
من الصعب استيعاب ما يقولون او حتى تصديقه. لكن هذا ليس مجال للمزاح:
-ك. كيف؟
اتى الجواب من اريان قائلا: -يمكنك الشعور بهم والإنجذاب لهم. وهم.
ثم ابتسم بسخرية وقال: -وهم لا يمكنهم الهرب منك.

حتى وإن كنت لا افهم ما يعني إلا ان امتلاك شخص مثله لمثل تلك القوة لأمر مرعب. هل سيوجد من بإمكانه ايقافه بعدها. تذكرت غرف التعذيب التي رأيتها وارتجفت. هذا الرجل لابد ان يتم منعه. لكن كيف وانا عاجزة عن فعل اي شيء. حتى الهرب لا استطيع ان افعله. إن كان صادقا فوجودي في حوزته خطر. خطر للغاية. لا ادري من اتتني الشجاعة لكني وجدت نفسي اهتف:
-انا لن اساعدك في شيء. انا لن اساعدك في شيء ابدا.

نظر لي وبقسوة قال: -الأن ارادتك لم تعد تعني شيئا يا فتاة
هتفت في شراسة: -انا افضل الموت على مساعدتك
ضيق عينيه وهو يرمقني ببرود وببطء قال: -هذا ستحصلين عليه. ستحصلين عليه قريبا.
رغم الخوف الذي اعتراني لدى مقولته لكني نظرت له في تحدي وقلت في ثقة:
-انت لن تربح
ببطء اعتدل من مقعده واقفا امامي وبصوت يجمد الدم في العروق قال: -ماذا قلت؟
لست ادرى لماذا لكني واثقة مما اقول: -انت لن تربح.

حدق فيّ في صمت لبرهة جعلت قلبي يتقافز في صدري لكن بعدما رأيت في الزنازين وإدراكي ان ما سيحتاجني فيه سيجعلني اضع المزيد في تلك الأقيبة فلن افعل، ليس امامي سوى حلين فقط هو ان اهرب وهذا مستحيل. او ان اجعله يقتلني بنفسه وهذا قريب.
رفع يده الى وجهي فلم اتراجع الى الخلف. ربما هذه فرصتي. لأجعله يقتلني. اعتصر بكفه وجهي وقال:
-كرريها بصوت اعلى
قلت بحزم: -انت لن تربح يا اريان.

شدد قبضته على وجهي حتى ظننت انه سيسحقه بين يده. شعرت بعينيه تخترقان عيني ثم بعد وهلة ابتسم ثم ضحك وهو يدفعني لأسقط ارضا:
-تريدين الموت ايتها الصبية؟
عقدت حاجباي في ضيق. كيف ادرك بهذه البساطة ان هذا ما اريد. الأن سيصبح تحقيق هذا اصعب. تحسست ذقني وقلت:
-سأموت قبل ان تستخدمني لم تريد
نظر لي بإستخفاف وقال: -لنرى هذا
ثم اشار الى الحراس ليخرجوني من هنا.

((نظر اريان الى كريستوفر وقال: -راقبوها جيدا. تلك الفتاة لم تعد خائفة، انها تعلم ما انوي ان افعله بها ولا تريده فراقبوها. لإنها ستحاول الهرب او الأسوء ستقتل نفسها وهذا سيجعل التعامل معها صعب
اومأ كريستوفر وهو يقول: -مع كامل احترامي سيدي لكن ما الداعي من احضارها هنا؟ لم لا نتركها في إحدى الزنازين؟
رمقه اريان ببرود ثم قال: -أأنت ابله؟ ام انك لم تلحظ ما فعلته الفتاة في غرفة الإستجواب؟

انحنى رأس كريستوفر في ارتباك: -اعذرني يا سيدي.

اجاب اريان وهو يقبض على يد الكرسي: -الفتاة استخدمت قواها في تلك الغرفة حتى وإن لم تلحظ. رغم ما تحتاجه من تدريب إلا انها استطاعت ان تستخدم قواها دون ان تبذل مجهود. هذه الفتاة هي حاملة التنين، الا تفهم ما يعنيه هذا؟ انه يعني ان جسدها يحوي طاقة هائلة، طاقة لا مثيل لها تنتظر الخروج. ربما يكون شداد قد مسح ذاكرتها لكن قواها اكبر من ان تظل مقيدة. تلك الغرفة جعلتها ترى. لذلك امرتك بوضعها في تلك الحجرة خصيصا. )).

استلقيت على الفراش وانا اتنهد. انا عاجزة. عاجزة بالكامل واريان يضعني تحت المراقبة الدائمة، نظرت الى السقف لأرى كاميرات المراقبة تتحرك بإنتظام. بالإضاف الى الحراس على باب الغرفة. من المستحيل ان اهرب. لابد ان انفض الفكرة عن ذهني.

هذه الغرفة مختلفة عن غيرها. لا ادري لماذا؟ لكن اريان حدد هذه الحجرة لي وبمجرد ان ادخلها اشعر ان هناك شيئا مختلف بها كما في تلك الغرفة الحمراء. استنتاجي انها مثلها. السؤال هو لماذا يضعني هنا؟ وانا لا استطيع استخدام قوتي. ما الذي ينتظر ان يراه؟
الكثير من الأسئلة بلا اجابة وما اخبرني إياه اريان اليوم بحاجة الى وقت للإستيعاب. اغمضت عيناي في إرهاق ولم تمض إلا ثوان وقد وجد النوم طريقه الي.

فتحت عيناي بصعوبة لكن الصراخ لم يختفي، نظرت حولي لأرى المكان يحترق وقد انهار السقف الخشبي بعد ان طالته النيران ورأيت الدماء في كل مكان حول جسدي تحيط بي بينما تناثرت الجثث من حولي. وعندما التفت الى يساري هالني ما رأيت.
الجثة السوداء ترمقني في رعب وقد جحظت عينيها وتشنج فمها في صرخة فزع صامتة قبل الموت. الرماد يكاد يغطي كلانا وعندما وقع بصري على القلادة الذهبية على عنقها عرفت انها هي.

في تلك اللحظة اختفت العقلانية من رأسي وصرخت كما لم افعل من قبل. حاولت الوصول اليها. حينها ادركت اني لا استطيع ان اتحرك. جسدي ثقيل لا يستجيب لي وقوتي ضعفت وشعرت بالموت يطلبني. فنظرت اليها والدموع تسيل من عيني انهارا. لا يمكن. لا يمكن ان يحدث هذا. ماذا قد اذنبت لأجني هذا؟ نظرت الى ذلك الفراغ في صدري وادركت ما قد حدث. تساقطت قطرات المطر على جسدى في محاولة بائسة لإخماد النار ولغسل الدماء فلم ينجح إلا في جعل انهار الدماء ابحارا.

الغضب. غضب مدمر. غضب بلا حدود. وكره يتصاعد ليغزو كل شيء. حقد وغل لا تساويهما براكين الدنيا. نار لا يُمكن إخمادها سوى بالموت.

شهقت في رعب وانا استفيق غارقة في العرق. حدقت في الغرفة المظلمة وابتلعت ريقي بصعوبة محاولة تهدئة نفسي بلا جدوى. انه مجرد حلم. كابوس لا اكثر. لكن الرعب الذي اشعر به حقيقي. الغضب الشديد. ذلك الغضب مألوف. شعرت بقطرات ماء تتساقط على يدي القابضة على الملائة فرفعت يدي امسح دموعي التي انهمرت في غزارة دون سبب واضح.
وضعت يدي على قلبي وهمست في الم وحزن: -ما الذي يحدث لي بالضبط؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة