قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الحادي والثمانون

-اخفضي رأسك اكثر
قالها ليام وهو يضغط بيده على رأسي ليخفضها، اومأت في صمت وهمست وانا اتوارى خلف الأشجار:
-هذه هي؟
مشيرة الى خيمة على اطراف المعسكر، اومأ ثم قال: -تذكري انت هنا لتشاهدي فقط لا تتدخلي مطلقا.

صمت مستسلمة فهذا اقصى ما توصلت اليه مع ليام ان اشاهد في المرة الأولى ثم في حالة كوني مطيعة-ولم اشكل عبئا- سأشارك في المرة القادمة هذا بعدما عاد يحتمل اصراري. خاصتا وان ما يفعله ليام خطر جدا لم اتصور انه بهذه الخطور والتهور إلا عندما اخبرني بما يفعله بالضبط. انه يسرق طعام جنود العدو من معسكراتهم عندما يتركون خيامهم! هذه مهمة انتحارية فلو لاحظوا وجودنا لقُتلنا على الفور، كنت اعلم انه يقوم بأمر خطر لأن إفرديين تكون قلقة جدا عندما يخرج للبحث عن الطعام لكن في ظل الحصار المفروض على البنارا لم يعد امامه حل اخر ان اراد ان يعيش هو وامه.

اختبأنا خلف الأشجار مختفيين في انتظار مغادرة الجنود للخيمة، نظرت الى ليام لأجده ينظر الى الخيمة بتركيز ويده مقبضة على فأسه في ترقب. الا يشعر بالخوف؟ لكن الخوف ام الموت جوعا؟ كيف وصل الأمر الى هذه الدرجة؟ ولماذا اشعر اني مذنبة؟ اني مسؤلة؟ هذا غير منطقي.
-البا.

همس ليام فرفعت بصري الى الخيمة لأشاهد الجندي يغادر الخيمة الى مقدمة المعسكر. تحرك ليام بسرعة وخفوت مراقبا كل ما حوله في حذر حتى وصل الى الخيمة ثم دخلها على عجل بينما انتظرت انا اراقب المكان. مر الوقت ببطء وانا اتصبب عرقا متمنية ان يخرج ليام في اي لحظه لكنه تأخر. هل من الطبيعي ان يتأخر هكذا. تصلبت فجأه حين سمعت صوت خطوات تقترب فإذا بع الجندي عائد الى خيمته فشهقت بخفوت. ليام لا يزال بالداخل إن دخل الجندي الأن فسيؤسر او الأسوء يُقتل. اقترب الجندي حتى وقف امام الخيمة، يجب ان افعل شيئا. يجب ان اتصرف. وقبل ان افكر ما الذي افعله وجدت نفسي التقط حجرا والقي به بعيدا عن الخيمة وعلى صوت اصطدامه التفت الجندي وببطء وحذر سار اليه، تنهدت في ذات اللحظة التي صدر من داخل الخيمة صوت سقوط شيئا ما فإحتبست انفاسي.

هذه المرة تصرفت تماما دون ان اشعر إذ رفعت يدي بحجر واحكمت التصويب ثم قذفته ليصيب الهدف بدقة متناهية وهو رأس الجندي الذي ترنح للحظة ثم سقط ارضا فاقدا الوعي فخرج ليام من الخيمة راكضا محملا بما استطاعت حقيبته حمله واشار لي فأسرعت اعدو خلفه حتى ابتعدنا تماما عن مدى المعسكر ثم توقفنا اخيرا لنلتقط انفاسنا وحين هدأ ليام قليلا قال:
-تصويبك كان دقيقا رغم المسافة. من كان يتصور!

قلت وانا اتنفس بصعوبة: -انا لا ادري كيف فعلت هذا انا حتى لم افكر إنما تصرف جسدي من تلقاء نفسه
عقد حاجبيه لوهلة ثم ابتسم وقال: -لولاك لكنت الأن جثة هامدة.
ليام يبتسم لي! بادلته الإبتسام في سعادة انه اثنى عليا للتو لكنه لاحظ فعاد الى تجهمه وقال:
-لكن هذا ايضا كاد يعرضك للخطر وانا اكدت عليك بعدم التدخل بل وقلت إن حدث هذا ان تهربي.

دُمرت كل سعادتي في تلك الجملة فقلت: -ما كنت لأهرب ابدا. ماذا كنت سأقول لإفرديين إن لم تعد معي!
عاددت الإبتسامة الى وجهه لكنه سارع بإخفائها واعطاني ظهره متحركا: -لقد كانت ردة فعل ذكية وسريعة. اظن اني سأضطر الى اصطحابك معي
بهلفة هتفت: -حقا
-لكن بشروطي
تبعته وانا اهز رأسي بعنف واقول: -بالتأكيد!

عدنا في صمت الى. الى ما تبقى من بيتهم فقد قضت الحرب على اغلب المنازل والطرق. البنارا غدت دمارا. لم يعد فيها قائم وافتُرشت الأرض والطرق بالأسمنت وحطام المباني وامتلأت الأجواء بالغبار والرماد، اما الغابات فقد احتضن ترابها الجثث واعتلا عُشبها الشواهد. الشواهد على المأساة التي لن تُنسى. إذ تحتفظ الغابات بين طيات حياتها الخضراء المقابر. هناك حيث غُلف الموت بالحياة.

دخلنا المنزل فستقبلتنا إفرديين على الفور في سعادة مطمئنة اننا قد عدنا احياء، سلمها ليام الحقيبة وربت على كتفها مطمئنا ثم جلش على المقعد الوحيد بالغرفة فقالت موجه حديثها لي:
-ارى ان كل شيء قد مر على مايرام رغم تأخركم، هل يعني هذا انك ستطحبها من الأ فصاعدا؟
هز ليام رأسه في انهزام ولم يرد فضحكت إفرديين وقالت: -ظننت هذا فألبا تبدو سعيدة.

احمر وجهي في خجل وقلت مغيرة الموضوع: -اذن ما الذي اخرك بداخل الخيمة؟
اشار الى حقيبته وقال: -لقد وجدت لحمً
نظرت له في انبهار فهذا نادر جدا بينما صاحت إفرديين في تعجب وهي تخرج لفافة محكمة من الحقيبة:
-ووجدت الوقت الكافي لتغليفه؟!
نظر لي وقال: -هي جعلت ذلك ممكنا
قالت إفرديين بقلق: -لكن هذا خطر يا ليام.

تنهد وقال: -نحن لم نذقه منذ بداية الحرب لم استطع مقاومة الفرصة فقد لا تأتي مثلها وانت بحاجة اليه لا يمكن ان نكتفي بالمعلبات والفاكهة فحسب حتى الخضراوات اصبح شحيحا
-لكن.
-امي إن جسدك واهن وهذه فرصة جيدة
ثم صمت معلنا انتهاء النقاش في هذه النقطة وربما اي نقطة اخرى.

مر اكثر من اسبوع منذ اليوم الذي اصطحبني ليام معه للمرة الأولى ومن بعدها وهو يأخذني معه وفي كل مرة اكتشف شيئا جديدا عن نفسي فمن الواضح انه ليس تصوبي فقط الجيد بل وجسدي ذا لياقة بدنية عالية حتى كان من السهل على مواكبة ليام وفي اغلب المرات تخطيه. وخلال ذلك الأسبوع اصبح ليام اكثر انفتاحا وتفهما حتى اصبح يتحدث إلى بإعتيادية جعلتني اشعر بالفخر اني اثبت نفسي امامه واني لست بعبئ. انا لست عبئ.

تبعت ليام وهو يتوغل اكثر في الغابة عائدين من المعسكرات خاليين الأيدي حيث لم نتمكن من الحصول على اي طعام للأسف لكن لهذا السبب نتوغل في الغابة للصيد. ليس لصيد الحيوانات فتلك فرت عندما بدأت الحرب بل لإصطياد الطيور وهذه اصعب لكن ليام اخبرني اني استطيع وصنع لي قوسا واسهما. ليام ليس جيدا في التصويب لذا فأنا الأمل الوحيد للحصول على اي طعام اليوم وهذا يوترني ويربكني.

توقف ليام في صمت واشار الى احد الأشجار فرأيت عش طيور فتصلبت ناظرة الى ليام في خوف ان اصدر اقل صوت يكون كاف لتحذير هذه الطيور، تراجع ليام ببطء حتى اصبح بجواري وهمس:
-تنفسي بعمق وصوبي بإحكام، كما فعلتي مع الجندي لا تضغطي على نفسك. ليس هناك من سيلومك إن لم تستطيعي.

اومأت برأسي وأخذت شهيقا طويلا ثم زفير. تقدمت في حذر وانا اخرج احد الأسهم واثبته على القوس وحين كنت على وشك ان اصوب خطوت على غصن احدث صوتا انذر الطيور فأسرعت تلك الأخيرة ترفرف طائرة فصحت:
-لا
وبسرعة صوبت واطلقت سهما بعد اخر لأصيب زوجين من الطيور في الجو فيسقطان ارضا جثة هامدة، نظرت بدهشة الى ما حدث للتو. لقد فعلتها! استدرت مبتسمة الى ليام وانا اهتف:
-لقد اصبتهم!

لكنه حدق في بذهول غير مصدق وببطء عاد يستعيد شتاته عاقدا حاجبيه في تفكير عميق ثم قال بخفوت:
-من انت؟
-ماذا؟
هز رأسه يمينا ويسارا ثم قال: -اجمعيهم وانا سأتسلق الشجرة الى العش ربما اجد بيضا
قلت مطيعة: -حسنا
سرت الى حيث سقط الطائر الأول وعندما انحنيت عليه سمعنا دوي مرعب هز المكان بأسره فنظرت الى ليام في خوف لكنه قال مطمئنا:
-انه قصف، لا تقلقي.
قلت وانا اتحرك نحو جثة الطائر الثاني: -من الجيد انه ليس بقريب.

لم اكد انتهي منها حتى سمعت ليام يصرخ بعينين متسعتين: -ألبا احذري!
رفعت بصري بسرعة لأرى شجرة الصنوبر الضخمة تتأرجح ثم تهوي نحوي فتجمدت في مكاني في صدمة وعندما رأى ليام ما حل بي قفز نحوي ليصطدم بي فنهوي ارضا مبعدا اياي عن مجال جزع الشجرة فشهقت في فزع حين ادركت ما حدث للتو ثم بدأت اصرخ عندما وجدت يداي ملوثتان بالدماء:
-ليام! ليام!
حرك جسده فوقي وهو يتأوه ثم سأل وهو ينظر لي: -هل انت بخير؟

صرخت: -انا؟ ماذا عنك انت؟
ثم تابعت وانا اتبث به بيدين صُبغتا بالدم: -هناك الكثير من الدماء. ليام، اين جرحك؟ اين.
لكنه اوقف كل هذا مكمما فمي هامسا: -لقد كان القصف قريبا مما يعني ان هناك جنود بقرب المكان.
قاومت بين يديه في هلع فشد يده على فمي وزحف بيده الأخرى تحت ظهري يضمني الى صدره قائلا:
-انا بخير يا ألبا اهدأي. اهدأي. لن اكرر الخطأ مرتين.

عندها تناهى الى مسامعي صوت خطوات تقترب ونحن ملقيان على الأرض في وسط الغابة وليام فوقي جريحا ويتنفس بصعوبة فأتسعت عيناي في هول. هناك جنود تقترب. حاولت التحرك والمقاومة لكنه شدد قبضتيه واعتصرني الى صدره حتى لم يعد ظاهر مني قيد انمله فقد غطاني جسده بالكامل. شهقت في رعب حين ادركت ما ينوي ان يفعل. سيدعهم يرونه مستلقيا على الأرض جريحا لكنه سيحجبني عن رؤيتهم. سيضحي بنفسه لينقذني. سيقتلونه على الفور وسيحميني هو بجسده. لا. لا. انهمرت الدموع من عيني كالسيل وانا اقاوم بعنف. لكن جسده كان ثقيلا ضخما ويقطر دما دافئا اشعر به على جسدي فأشتدد بكائي حتى اهتززت به، شعرت بيده تتحرك اسفل ظهري مربتة على محاولا طمأنتي ثم حين ادركنا ان الخطوات قد اقتربت الى حد امكننا فيه سماع حديث الجنود بلغة ليست ابيسية لكني افهمها جيدا ربما اكثر من الأبيسية:.

-لقد سمعت صوتا آت من هذا الأتجاه
ارتجفت في ذعر فإرتفعت يد ليام لتصبح تحت رأسي ثم برفق حازم ضغط عليها ليواري وجهي في صدره حتى لا ارى وهمس بصوت لا يكاد يُسمع:
-اغلقي عينيكي وصمي اذنيكي
ففعلت لكني لم اتوقف عن الإصغاء لحظة. ليام ارجوك الا تموت. ارجوك. من سيعود لإفرديين؟ من سيبقى لها؟ من سيحميها؟ ارجوك يا ليام.

شعرت بليام يأخذ نفسا حاد اقرب للشهقة ثم سمعت صوت اقدام الجنود فوق رؤوسنا تماما. هم بالتأكيد يروننا الان. اصغيت لخطواتهم واحسست بها قرب اذني منتظرة حكم الإعدام.
-انا لا ارى شيئا. أأنت متأكد؟
-غريب انا متأكد اني قد سمعت صوتا
-لقد كان قصفا قريبا حتى لو كان هناك احد هنا فغالبا قضى عليه القصف
-ربما.
-هيا علينا التحرك.

ثم بدأت تبتعد خطواتهم حتى اختفت تماما. هل نجونا؟ كيف؟ لكن ليام لم يخفف من قبضته على فهتفت بقلق:
-ل. م. ي. ا!
سمعته يتنهد بألم ثم ببطء شديد ثم يبعد يده عن فمي وانزاح عني وهو يأن فاعتدلت وانا اقول:
-ماذا حدث؟
رأيت صدره يعلو ويهبط بقوة فصحت: -اين جرحك؟
اشار الى ظهره وقال بهدوء وهو يجلس معتدلا: -انا بخير لا تقلقي يا ألبا.

التفت خلفه لأرى قميصه ممزقا من اغصان الأشجار وجرح بشع المنظر يشغل نصف ظهره ويسيل دما فشهقت لكنه قال:
-انه جرح سطحي سأكون بخير إن تم تضميده بعناية
-ماذا إن تلوث الجرح. ماذا إن.
شعرت بيده تربت على يدي وقال: -سأكون بخير لدينا مطهرات ومضادات حيوية في البيت لكن الأن احتاج منك ان تضميديه فهل تستطيعين فعل هذا لي.

اومأت برأسي وسط دموعي واسرعت امزق قميصه وجزء من ملابسي لأضمد الجرح وانا لا اكق عن البكاء وهو يحاول تهدأتي بشتى الطرق ووسط كل هذا سألت:
-كيف لم يرنا الجنود؟ لقد كنا في العراء اي احد كان بوسعه ان يرانا.
همد جسد ليام بين يدي فجأه وقال: -لم يكونوا بحاجة الى هذا لقد كانوا فوق رؤوسنا
قلت بتعجب: -إذن كيف؟
التفت إلى وقيمني من رأسي الى اسفل قدمي ثم سأل: -انت حقا لا تدركين ما حدث؟

نظرت له بعدم فهم فقال: -لم يرونا لإننا اختفينا لحظتها. انا لم استطع رؤيتك.
فغرت فاهي في ذهول وصحت: -كيف؟
تنهد وقال: -انت تحملين طفرة كما ظننت. وتلك الأخيرة انقذتنا
ثم اولاني ظهره فتابعت ما كنت افعله بلا وعي وقلت بعد برهة: -الست غاضبا؟
-لا لقد ظننت هذا من البداية، انا لست متفاجأ. كفي عن البكاء
عندها لاحظت ان دموعي تسقط من وجهي الى ظهره فهمست: -اسفة.

وبعد فترة انتهيت فتأمل ما انهيته ليقول بإعجاب رافعا حاجبيه: -هذا ليس بعمل مبدئين، انت بالتأكيد قد فعلت هذا مرارا
قلت وانا امسح دموعي وبأنفاس متلاحقة: -انت لا تبدو بخير. على الإطلاق لقد فقدت الكثير من الدماء فقط لتنقذني. انا السبب لو لم.
امسك يدي وقال بصرامة: -لا تكمليها حتى. ما حدث قد حدث ونحن قد خرجنا احياء ولو عاد بي الزمن لفعلت ما فعلت لذا لا تلومي نفسك.

كان وجهه جادا صارما فأومأت برأسي ثم بعد برهة قلت: -شكرا على انقاذ حياتي
لم يرد انما اعتدل واقفا بصعوبة فوقفت انا الأخرى في سرعة اسانده، رمقني للحظة ثم ادار وجهه. هذا لم يعجبه لكنه لم يصدني بل مضطرا استند الى وبعد فترة من السير:
-لن اصطحبك معي بعد اليوم. انا اخبرك الأن لكي لا نناقش هذا امام إفرديين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة