قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والثمانون

تصلبت في مكاني ورفعت مجال بصري اليه عاقدة حاجباي وصحت وانا اشعر بالغضب يتصاعد بداخلي:
-لا!
تنهد وقال: -ألبا.

قاطعته وانا اترك يده التي تستند على ووقفت امامه: -لقد قلت لا، انا لن اتركك تُبعدني وكأنني عاجزة. انا لا اريد ان اكون عبئا والأن بعد ان اصبحت ذات منفعة تُخبرني ان اجلس منتظرة عودتك بينما يعتصرنا القلق انا وإفرديين. ربما لا تدرك هذا لكن إفرديين توشك على البكاء في كل مرة تخرج فيها وحدك وكأنها لن ترى ابنها مرة اخرى. على الأقل وانا معك هنا. استطيع ان اطمئن عليك. حتى يهمد قلب إفرديين.

مددت يدي الى وجهي امسح دموعي التي لم استطع كبحها رغم غضبي، نظرت له فوجدته يرمقني في صمت دون ان ينبس ببنت شفة مصمما على قراره. وكانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير، لقد تجاهلت الأمر بما فيه الكفاية مقنعة نفسي انه ليس من شأني لكن ما يفعله يجب ان يتوقف الأن، عقدت يداي امام صدري وقلت:
-من كانت؟

رفع احد حاجبيه في تساؤل فقلت في نفاذ صبر: -ما يحدث ليس عني، انت تتذكر شيء ما على الدوام وتخاف ان يقع مجددا بل انت مرتعب من تكراره لذا تلموني انا في المقابل. لذا اخبرني ما الذي حدث؟ من كانت؟
شاهدت عيناه تتسعان وجسده يرتجف لوهلة قبل ان يتحول وجهه كله الى لوحة من المعاناة. آلمتني ومزقت قلبي. اعلم انه يتألم لكن هذا يجب ان ينتهي الأن لذا لم اتزحزح بل وقفت في عزم امامه حتى قال بصوت مرتجف قليلا:.

-هل الأمر بهذا الوضوح.
اغمض عينيه في الم ثم تنهد وقال: -لقد كانت ابنتي.
وضعت يدي على فمي مانعة شهقة كادت تفلت مني بينما تابع ليام: -كانت اصغر منك قليلا.
ثم ابتسم وقال: -كانت مليئة بالحيوية وتفاؤل يجعل المرء يتسائل في اي عالم تعيش.

تبدل وجهه وهو يُكمل: -لكنها كانت عنيدة ورغم تحذيري لها إلا انها تبعتني الى عملي-كان هذا في بداية الحرب- عندما وقع القصف الأول بالقنابل على البنارا وانهار المبنى الذي كنت اعمل به. لقد كانت على بُعد متر مني. متر فقط. رأيتها تختفي تحت الأنقاد امامي. ظللت بعدها انقب ليل نهار مع فريق الإنقاذ لثلاثة ايام قبل ان. قبل ان اجد جثتها ممزقة وقد جفت الدماء حولها. لكن ما حطمني انها لم تمت لحظة الإنهيار بل ظلت تحت الأنقاد حية وحدها تنتظر ان ينقذها احد. ان يصل اليها احد. وهي تنزف دون توقف. لكننا وجدناها بعد فوات الأوان. كنا متأخرين جدا. لابد انها كانت خائفة. لابد انها كانت تتألم، تصرخ، تبكي دون ان يصغي اليها احد. حتى لفظت انفاسها الأخيرة.

ثم نظر إلى وهتف بغل وحقد: -لقد اخبرونا ان رودوس هي وحدها من تقوم بالقصف هم فقط من يملكون القنابل، هؤلاء الطغاة القوا قنابلهم غير عابئين بالألاف التي لقت حتفها دون ان يطرف لهم جفن ودون رحمة لطفلة او رضيع. او.

توقف تماما فلاحظت حينها الدمعة اليتيمة التي انحدرت على وجهه وقد خيم الحزن واشتد كربه وعظم خطبه واضيقت به السبل. شعرت برجفة تنتشر في جسدي. انا السبب. لما يتملكني هذا التفكير؟ كأني مسؤولة بطريقة او بأخرى عما قال. ليام فقد ابنته في هذه الحرب. الحرب التي لابد يَتّمَتْ الكثير.
-انا اسفة يا ليام.
تنحنح وقال: -ليس هناك ما تعتذرين عليه.

هززت رأسي نافية وانا اقول: -بل انا اسفة اني اُذكرك بإبنتك لكني لست هي يا ليام، نحن شخصان مختلفان انت لا تحمل ذنبا تجاهي او تجاهها لقد فعلت كل ما كان في استطاعتك فلا تلم نفسك. لا تلمها لأنه لم يكن بوسعك فعل ما هو اكثر. انه القدر وانت فعلت كل ما قد تتمناه ابنة ان يفعله والدها لأجلها. انا واثقة من هذا لذا ما حدث ليس خطأك وليس امرا تحتاج الى تصحيحه فيّ.

ثم ربتت على كتفه وقلت: -انت ترى ابنتك فيّ لكنك لا تحتاج الى حمايتي، استطيع ان اعتني بنفسي ربما لا اتذكر شيئا لكني متأكدة من هذا ومتأكدة اني استطيع الإعتناء بك وبإفرديين. لذا دعني افعل. اعطني فرصة.
صمت برهة ثم ضحك دون سابق إنذار فنظرت له في عدم فهم وانا اشعر بالدم يحتشد في وجنتاي فرد:
-لا تنظري لي هكذا انا لا اضحك ساخرا، انا فقط لم اتصور اني قد اتلقى التوبيخ من فتاة هي في عمري إبنتي.

عقد حاجبيه ونظر لي وهو يقول: -انت فتاة غريبة. لا يمكن ان تكوني مجرد مدنية. من كنت يا ألبا؟
لا اجابة. من اين لي بواحدة؟ لكني انا نفسي بدأت اعتقد اني ختلفة ربما لأني احمل طفرة. خطى ببطء متقدما وهو يقول:
-يجب ان نعود قبل ان تقلق امي
فأسرعت الى جانبه اسانده وانا اغمغم: -اسفة
لكني فوجئت به يربت رأسي ويقول بخفوت: -شكرا لك يا البا. لقد كنت بحاجة الى هذا.

فابتسمت كالبلهاء وانا اساعده على التحرك وعندما لاحظ قال: -ما خطب تلك الإبتسامة؟
نظرت له بوجنتين متوردتين وقلت: -انا فقط سعيدة انك تعتبرني في مقام إبنتك. لسبب ما اشعر ان هذه اول مرة يعتبرني احدهم هكذا
رأيت الدهشة ترتسم على ملامحه ثم بيده تشتد على كتفي دون ان يتفوه بكلمة واستمرينا على ذلك حتى عدنا الى إفرديين.

انطلق كمال خلف إيفري-عقيد في قوات رودوس- في صمت ومن خلفهم الكتائب ينهبون ما تبقى من طرق البنارا نهبً في دورية تفتيش فمنذ ان ارسل شداد وزير الدفاع شاهين الى حدود البنارا وهم لا يستطيعون التقدم عنها وهكذا الحال على باقي الحدود. لقد مرت اسابيع دون تقدم يُذكر مهما ارسلوا من قوات وتلك القوات التي تم ارسالها لم تعد قط. بل على ابواب البنارا اصطفت جثث الجنود ممزقة الأطراف وقد قتل بعضهم بعضا دون ان يُقتل في المقابل جندي واحد من ابيس. التحكم في الظلال. هذه قدرة مرعبة وقوة هائلة بالأخص حين يُعززها القلب-اقوى مصادر طاقة تم اكتشافها-. لكن شاهين لن يظل صامدا للأبد. سيدفع قواه في اية لحظة وهم بإنتظارها بفارغ الصبر في نفس الوقت هم يجمعون حاملي الطفرات في ابيس. رودوس بالكاد تحتوي عليهم ومن يحمل طفرة لا يدري بوجودها لكنه يعيش على ارض رودوس لكن ابيس تمتلك اعلى معدل لحاملي الطفرات في العالم وهؤلاء لابد من اسرهم واستغلال قواهم.

تقدم ايفري المسيرة لكنه كان يراقب الصائد في الظلام-كمال- بطرف عينه في كل حركة وكل إلتفاته هكذا عودته غرائزه العسكرية فمهما حاولوا اقناعه ان كمال في صفهم إلا انه يعرف ما قد يعنيه ان يظل احدهم عميلا مزدوجا لفترة تكاد تصل لثلاثة اعوام. بعض المفاهيم لابد ان تتغير، المبادئ لابد تتبدل. ثم المشاعر وهي الأخطر فهي لابد، لابد ان تتولد مهما كان الإنسان صلبا. حتى لو كان ذلك هو الصائد في الظلام الذي لا يدين بالولاء لأي دولة او لأي احد. بل هذا سبب كاف لتشكيك فيه اكثر.

شاهد إيفري كيف تجمد الناس في الطرقات امامهم في خوف يرتجفون في انتظار تخطيهم لهم وكل منهم يحاول ألا يبدو مريبا بقدر الإمكان. شاهد ايفري كيف اصبحت البنارا خرابا ودمار حتى لم يعد فيها مبنى قائم على نفسه. بطرف عينيه لمح ايفري حركة غير اعتيادية من كمال إذ توقف ذلك الأخير عن الحركة ووقف يرمق حطام بيت في صمته المعتاد فتراجع إيفري موقفا خلفه القوات واقترب من كمال حتى وقف جواره وقال:
-ماذا هناك؟

التفت اليه شاهين للحظة قبل ان تعود عينيه الى البيت من جديد. هناك شيء غريب في ذلك المنزل. ليس يدري ما هو؟ او ما الذي يجعله مختلفا عن سابقيه. انه يشعر كما لو ان البيت يناديه. يغويه ليقترب. هذا الشعور مألوف هذه ليست المرة الأولى التي يشعر بها بهذا. هذا البيت يحتوي على شيء ما. وهو يجب ان يعرف. يجب. التفت مرة اخرى الى البيت وقال:
-اريد تفتيش هذا البيت حجرا حجرا.

عقد ايفري حاجبيه وقال: -لكن هذا البيت تم تفتيشه من قبل، يعيش فيه رجل في الاربعينيات مع والدته وكلاهما ليسوا من حُمّال الطفرات
رد كمال ببرود وهو يرى رجلا ضخما يخرج من حطام البيت ويحمل فأسا في ترقب وانتظار لما يريدون:
-انا لا اهتم، هذا البيت لابد ان يتم تفتيشه الأن وامام اعيننا
رمقه ايفري في شك لفترة قبل ان يشير الى عدد من الجنود بالتوجه الى البيت ومن خلفهم تحرك كمال وايفري.

شاهدت في وجل ليام يقف في تحفز امام البيت من خلف النافذة وبقربي إفرديين تنتحب وهي تراقب ما يحدث من خلف الباب. انها إحدى الدوريات التي تمر بحثا عن اصحاب الطفرات لكن إحداها لم تتوقف قبل امامنا. هذا يعني انهم يبحثون عن من هم امثالي. لذا فقد خرج ليام ليعرف ما يريدون وقد منعني منعا باتا من الخروج. وربما يحاول منعهم من الدخول وهذا ما يقلقنا انه يحاول حمايتي. اعلم هذا لكن كيف امام جنود مسلحين؟

توقف احد الجنود امام ليام. في البداية كان هناك حديث ما لكني لم استطع سماعه ثم عندما لم يتحرك ليام من مكانه دفعه الجندي جانبا محاولا التقدم فانقض عليه ليام بفأسه فأرداه صريعا. اوه، لا، لا. حينها انقض عليه بقية الجنود فتعالت الصرخات من الناس حولهم بينما شهقت في فزع واذني تسمع أنين افرديين يتعالى. اردت الخروج لكنه توسل إلى ألا افعل قبل ان يخرج لقد وعدته ألا افعل. لقد اوصاني بإفرديين فماذا افعل.

لامست اناملي المرتجفة الزجاج المحطم وانا اراهم يتكاتفون على ليام الذي لضخامة حجمه وقوته استطاع ارباكهم واصابة اخر منهم بفأسه وجوار تلك المعمة وقف رجلين في هدوء كأنه لا شيء يحدث امامهما وعندما استقرت عيني على ذا الشعر الأسود منهما توقفت حواسي كلها. ما الخطب؟ ماذا بي؟ ذلك الرجل. قاطعني صرخة إفرديين ومن بعيد رأيتهم قد ثبتوه ارضا وهو ينتفض بقوة وقد وقف احدهم يكال له الركلة تلو الأخرى فصرخت:.

-يا الهي. لا. لا. ليام.
شعرت بدموعي تبلل وجهي وبرؤيتي تتشوش، ثم حين سمعت صرخات ليام اغمضت عيني بقوة ووضعت يدي على رأسي في ذعر غير عالمة ما افعل؟ ثم حين سمعت صوت صرير باب المنزل فتحت عيني لألمح طرف إفرديين وهي تغادر المنزل مسرعة نحو إبنها فصحت:
-إفرديين، لا.

لكن بعد فوات الأوان وفي غضون ثوان رأيتها تجذب احد الجنود بعيدا عن ابنها الذي اصبح غارقا في بركة من الدماء. فدفعها الجندي بقسوة اسقطتها ارضا وحين حاولت الأعتدال وضع الجندي قدمه على رقبتها فشهقت بينما سمعت ليام ينتفض في استماتة مقاما وعينيه المتسعتين ترمقان والدته في ذعر وفزع لم ارهما من قبل. خوف من يدري انه لن يرى اعز ما يملك مرة اخرى حينها ضحك احد الرجلين الواقفين واقترب وهو يخرج مسدسا من جيبه يصوبه الى إفرديين التي انتفض جسدها في عنف طالبا الهواء دون جدوى ونظر الى ليام وقال بأبيسية تحمل لكنة ثقيلة:.

-هذا حتى لا تتخطى حدودك مرة اخرى
كل هذا بسببي انا. انا اسفة يا ليام. حقا اسفة. لن استطيع الحفاظ على وعدي لك. لن استطيع. انت لديك الكثير لتعيش لأجله فلابد ان تعيش ولابد لإفرديين ان تعيش لتراك تبني حياة من جديد.

لا ادري كيف خرجت من البيت ولا كيف عدوت نحو ليام لأتلقى ركلة كانت موجه اليه فسقطت بجواره في الم فتلوث شعري بالدماء. دماء ليام التي ملئت الأرض حولنا فوضعت يدي على صدره ورفعت رأسي الى الجندي وصرخت باكية:
-انا من تريدون فأتركوهم
ثم الى الجندي الذي يقف على إفرديين: -ابتعد عنها ايها الحقير، انا من تريدون
عندها سمعت من يهتف في ذهول غير مصدق: -كيسارا؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة